كنوز الذّهب في تاريخ حلب - ج ٢

سبط ابن العجمي الحلبي

كنوز الذّهب في تاريخ حلب - ج ٢

المؤلف:

سبط ابن العجمي الحلبي


المحقق: الدكتور شوقي شعث و المهندس فالح البكّور
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: منشورات دار القلم العربي ـ حلب
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٩٦
الجزء ١ الجزء ٢

كالبدر نور أزهى فلو لمحت

بهجة غيهب الدجى لمحت

كم فتية أنا لها كرما

ما اقترحته وفوق ما اقترحت

وراض شهابا وهذ بها

فما غوت بعدها ولا جمحت

قالوا لقد أصبحت سجيته

خير السجايا فقلت ما برحت

وكم إلى محن العلى سمت

نفوس قوم وأعين سمحت

سعت إلى نيله عداه فما

تمت مساعيهم ولا نجحت

رأيت تحاكي بحاره سفهاء

بجهلها في الأنام فافتضحت

لا تستوي في الورى الكرام ومن

فعالهم في الأنام قد قبحت

أولاهم الصفح بعد قدرته

كذا يكون الكرام إن صفحت

وما على الليث عند وثبته

إذا عليه الكلاب قد نبحت

مولاي قاضي القضاة دعوه من

مهجته بالخطوب قد حرقت

شطت عليه الأنام واجترأت

فنفسه ما الذي قد اجترحت

من كل وجه غدا نقابله

ترى وجوه الخطوب قد كلحت

عين بعين الجميل تلمحه

فكم له أعين منك لمحت

ونفسه رقها لغيركم

ما ملكت في الورى ولا منحت

هي المعالي فلا تخالفها

فهي إذا ما اشترتها نصحت

كم معشر صيروا تجارتهم

مدح سواك بها فما ربحت

خذها محببة تفوق على

أمثالها إذا بمدحك اتشحت

وآية إذا فصاحتها

في كبد للحسود قد قدحت

وبحرها من نداك منسرح

وكم بكفك الجر سرحت

وهي بحار بالجود زاخرة

ما بعدت عن عطاء ولا برحت

٢٤١

وليس بئس الكلام قارنها

لولا حباء قد نالها رشحت

فحسن معنى البديع يسنح لي

وكم معان بمدحكم سنحت

على القوافي أغار من جزع

إذا لئام الورى بها مدحت

لا تهملن مدحي فديت

فما إلى سواكم في العالمين بحت

كن عون من حاكها فحالته

قد ظهرت في الأنام واتضحت

وكل ذي غيبة أقول له

إن الأواني بما حوت نضحت

بقيت ما ماست الغصون وما

سرى من الباب نسمة نفخت

وفي يوم الأربعاء ثالث عشر القعدة نزل ابن الزهري بمقام الأنصاري ثم في يوم الخميس لبس تشريفه من المقام على غير جاري العادة ودخل إلى دار العدل ثم جاء إلى الجامع ثم إلى منزله. وفي يوم الأربعاء حادي عشري الشهر زلزلت حلب زلزلة عظيمة وتشقق حيطان كثيرة.

وفي يوم الثلاثاء رابع الحجة توجه المحبي ابن الشحنة إلى القاهرة وألبسه الكافل خلعة وخرج معه للوداع. وفي الليلة المسفر صباحها عن نهار السبت توفي الشيخ العالم الصالح شرف الدين أبو بكر الأشقر البسطامي الحيشي.

وهذا نشأ تحت كنف الشيخ أبي بكر الحيشي (١) فحصل له الخير. وكان يحبه ويحضه على الاشتغال بالعلم فاشتغل بالنحو والقراءات. أما النحو فقرأه على شهاب الدين ابن زين الدين الموقع قرأ عليه فصول ابن المعطي. وانتهى إليه علم القراءات بعد موت الشيخ عبيد وأقرانه. وحفظ (البهجة) لابن الوردي ، وقرأها على الشيخ علاء الدين بن الوردي. وحفظ (منهاج البيضاوي) و (تلخيص المفتاح) ، ودأب. وكان دينا. ودفن بتربة الشيخ الأطعاني (٢). وكانت جنازته حافلة.

__________________

(١) سبق التعريف به.

(٢) في محلة المشارقة بحلب.

٢٤٢

سنة ست وخمسين وثمانمائة

في ثامن المحرم توفي الشيخ العدل زين الدين الحسن بن سلامة الحنفي وأخبرني أنه قرأ على الشيخ أحمد الآمدي السعدي والشيخ حسام صاحب النجار وعرض على القاضي برهان الدين ابن جماعة (الكنز) (١) و (المنار) (٢) و (العمدة) (٣) في أصول الدين و (الحاجبية) و (تصريف الغزي) و (الأندليسة في العروض) و (الساغوجي في المنطق) وذلك بدمشق. وأنه سافر من ماردين إلى حلب ثم حماة ثم إلى دمشق ثم إلى القدس فاجتمع بولي الله العارف عبد الله البسطامي. ثم رجع إلى ماردين فجاء تيمور فراح إلى بلد الروم إلى سيواس فاجتمع بصاحبها القاضي برهان الدين.

وأنشد من شعره :

رويدك حادي العيس أعتب مطيتي

من السير في أوصاف خير البرية

بروحي بازيّ تنزل نحونا

ليصطادنا من حضرة الأمديّة

ثم سافر إلى بورسا وخرج مع الغازين إلى أسرانيا من بلاد الفرنج فحضر الغزو وحضر حصار القسطنطينية والغلطة (٤) ثم رجع إلى اسرانيك من الروم فأقام

__________________

(١) كنز الدقائق في فروع الحنفية النسغي ، ت : ٧١٠. وهو كتاب جليل عليه شروحات وحواشي كثيرة (كشف الظنون : ٢ / ١٥١٥).

(٢) واسمه : (منار الأنوار) في أصول الفقه للشيخ الامام أبي بركات عبد الله بن أحمد المعروف بحافظ الدين النسغي المتوفي عام ٧١٠ ه‍ وهو كتاب جليل وعليه شروحات وحواشي كثيرة (كشف الظنون : ٢ / ١٨٢٣).

(٣) واسمه (عمدة الأحكام عن سيد الأنام) لأبي محمد تقي الدين الشيخ الامام عبد الغني بن عبد الواحد بن سرور (الجماعيلي الحنبلي المتوفى عام ٦٠٠) في ثلاث مجلدات عز نظيره.

(كشف الظنون : ٢ / ١١٦٤).

(٤) كذا في الأصل.

٢٤٣

ثلاث سنين ثم رجع إلى بلده.

ثم خرج منها إلى مصر ثم إلى الحجاز فاجتمع بابن صديق فسمع عليه البخاري وبابن ظهيرة الشيخ جمال الدين رفيق والدي فسمع عليه صحيح مسلم وجاوره سنة واجتمع بالشيخ أبي بكر الجبرتي فأنشد في التلبية : " إلهنا ما أعدلك ، مليك كل من ملك ، لبيك قد لبيت لك ، لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد لك والملك لا شريك لك والساعيات في الفلك على مجاري المشتبك كل نبي وملك ، هلل أولبى فلك ، لبيك قد لبيت لك ، لبيك إن الحمد لك / (٢٧ و) م والملك لا شريك لك ، يا خاطئا ما أغفلك عجل وبادر أجلك ، واختم بخير عملك ، لبيك قد لبيت لك ، لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد لك ، والملك لا شريك لك".

وأخبرني أنه اجتمع بالشيخ محمد شيرين وبالشيخ موسى التركماني في رأس العين وكان موسى المذكور لا يأكل الزفر ، وأنه حضر مع الشيخ موسى المذكور ضيافة دعاه إليها في رأس العين فلما حضر الشيخ في البيت رفع رأسه إلى السقف ثم قال لصاحب البيت : هذا مصلحة تدعونا إلى مكان فيه المنكر. فقال له صاحب البيت : " أتوب إلى الله وكان فوق السقف طبقة فيها شيء من الخمر" وأخبرني عن الشيخ محمد شيرين أنه سافر مع جماعة والماء موجود في الطريق فقال لرفيقه : احملوا معكم الماء. فأنكروا ذلك عليه وقالوا : الماء موجود فألزمهم بحمله فلما سافروا ضلوا عن الطريق. وحصل لهم العطش فاحتاجوا إلى القربة التي أمرهم بحملها فسقاهم منها.

وأخبرني أن أخاه بدر الدين سأل الشيخ شيرين : الخضر هل هو موجود؟ فقال نعم وهنا من رآه. ثم قدم صاحب الترجمة حلب وسكن بالرواحية وتكسب بالشهادة. ومولده سنة سبعين وسبعمائة كما رأيته بخطه. وكان دينا خيرا كريم النفس يؤثر الفقراء ويحبهم ، ويميل للأيتام ويحسن إليهم ويربتهم. وفيه سذاجة ، وصلى إماما بمحراب الحنفية بجامع حلب بعد وفاة أخيه.

٢٤٤

وفي يوم الخميس رابع عشري صفر لبس المقر الأشرفي محمد بن شيخنا أبي الفضل تشريفا بقضاء الحنفية ونظر الجيش عوضا عن والده بعد أن استعفى والده عنهما وأقام بالديار المصرية.

وفي سابع عشرين توفي الرئيس كمال الدين محمد بن الرئيس ناصر الدين ابن البارزي الشافعي. وكان رئيسا صدرا وعالما وناظما ناثرا جوادا ، مفضالا على العلماء والفضلاء. مجلسه مجلس علم. مملوء بالفضلاء ، ولهم مرتبات عليه ، ويأكل الطعام الفاخر ، ويطعمهم إياه. وحج من مصر حجة أصرف عليها ما يزيد على ستين ألف دينار ، ولي قضاء دمشق وكتابة السر بالديار المصرية ، وهو من مشايخي بالإجازة ، وقرأ على والدي لما كان والده قاضي حلب ، وهو من بيت العلم والفضل والحشمة والسؤدد وفي الجملة كان من محاسن الدنيا ، قرأ على الشيخ علاء الدين البخاري .... (١).

وفي ثاني ربيع الأول توفي الشيخ الفاضل المعري المجيد العدل الرضي زين الدين عمر بن محمد بن عمر بن السعي الشافعي الجبريني نسبة إلى جبرين (الفستق) الشهير بابن المعصراني.

وكان والده عاميا فحبب إليه طلب العلم ، فحفظ القرآن في صغره ولازم الشيخ عبيد المقرئ (٢) وقرأ عليه كثيرا. ثم انتقل إلى دمشق فجمع السبع على الشيخ زين الدين ابن اللبان. وقرأ على البرماوي شارح البخاري بالقدس ثم قدم حلب ولازم والدي ـ رحمه الله تعالى ـ كثيرا وسكن المدرسة الشريفة لأجل ملازمة والدي فانتفع به وكان والدي يعظمه ويحبه / (٢٧ ظ) م ويثنى على جودة خطه وحج مرتين وحفظ (المنهاجين) و (ألفية ابن مالك) و (العراقي) و (الشاطبية) وقرأ على شيخنا

__________________

(١) بياض في الأصل وذكرت كلمة (سام). ولا معنى لها.

(٢) سبقت ترجمته.

٢٤٥

قاضي المسلمين ابن خطيب الناصرية قطعة من (المنهاج) حلا. وكتب برهة وبيض قطعة من تاريخه ، ثم كتب حكم القضاة بعده والناس يميلون إليه لجودة خطه ودماثة أخلاقه ، ولطف مفاكهته ، وحسن معاشرته وغزارة عقله. وكان عارفا بالشروط وقرأ على ابن الخرزي شرح ابن عقيل على الألفية.

ودفن رحمه الله تعالى بالقرب من قبر الشيخ شهاب الدين بن هلال خارج باب الفرج.

وفي يوم الأربعاء سابع ربيع الأول بعد صلاة العصر خرجت غيمة عظيمة على حلب وسمع لها دوي كالرعد القاصف وألقت بردا كبارا كبيض الحمام وأكبر وخاف الناس من خراب البيوت خوفا عظيما وكانت ساعة عظيمة لم أشهد مثلها.

وفي ثاني عشر ربيع الأول توفي العبد الصالح شمس الدين أبو عبد الله محمد الخبّاز وكان عبدا صالحا ناسكا عابدا زاهدا متقللا من الدنيا منقطعا عن الناس يخبز في التنور. ومهما يحصل له ينفقه على الفقراء والصلحاء ، هذا دأبه ويحفظ القرآن ويقرأه كثيرا. والسلطان والعامي عنده على حد سواء ولما كان بالقاهرة مر عليه بطعام السلطان. وكان مفتخرا فقال هذا منتن الريح. لأنه شمه على ما هو عليه.

فأخبرني من أثق به أن تغري ورمش نائب حلب جاء إلى الجامع مصليا و [مر] عليه. فازدحموا بالقبلية فجاء مملوك وضايقه فزيق عليه فقام من جانبه وصار المكان خاليا لا يجلس فيه أحد مع ازدحام المماليك.

وأخبر الشيخ ابن الشماع قال كنت أعمر بيتي وهو ـ البيت الذي بناه عند الدباغة ـ فضاقت يدي فجاء إلي ودفع إليّ دنانير فلما اتسعت يدي دفعت إليه الدنانير فلم يأخذها وكان لا يدخر درهما أبدا. ولا يقيم له علما بل من أقام علما بحلب دخل تحت علمه ولازمه.

وكان والدي ـ رحمه الله ـ يعتقده ويقول : هو أثبت قدما من مشايخه.

٢٤٦

وذكر زهده لكافل حلب ، فهم الكافل بزيارته فذهب هو إلى الكافل وسلم عليه. فلامه الفقراء في ذلك. فقال : أخاف من النفس أن يدخلها الكبر بزيارة الكفال. وأن تقول لي أنت الأمراء تزورك. فكسرتها.

وصلي عليه بجامع حلب ودفن يومه في تربة الشيخ الأطعاني. وكان ينفق على الشيخ شهاب الدين بن هلال (١) ويلازمه كثيرا وقال لي : رأيت في منامي أنني أنا والشيخ أحمد بن هلال قد دخلنا بيت أبيك بالمدرسة الشرفية فذكرت ذلك للشيخ أحمد بن هلال فقال لي دخلنا بيت السنة.

وفي العشر الأوسط من جمادى الأولى صلي بحلب صلاة الغائب على الشيخ زين الدين أبي الفرج عبد الرحمن بن الشيخ العارف أبي الصفا تقي الدين أبي بكر بن داود الحنبلي القادري الدمشقي (٢).

وهذا قدم حلب ونزل / (٢٨ و) م بالعشائرية في حياة والدي وذهب والدي فسلم عليه. ثم جاء هو إلى والدي مسلما. ولبست منه خرقة التصوف وقدمت عليه الشام فأكرمني وله زاوية في أعلى الصالحية عظيمة يقيم بها الأوراد والأذكار ويهرع الناس لزيارته. وكان آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر وله حرمة وافرة ، وعقل حسن ، إذا حصل له صداع في رأسه وضع الثلج عليه فيسكن. وله حشمة زائدة. وكرم أخلاق وفضل زائد ونظم ونثر ، ويسلك الناس تبعا لوالده.

وله مؤلفات منها : (تحفة العباد وأدلة الأوراد) في مجلد. ومنها : كتاب في خواص الحيوان سماه : (نزهة (٣) النفوس والأفكار في خواص الحيوان والنبات والأحجار)

__________________

(١) أحمد بن هلال الشهاب ويعرف بابن الهلال. ولد بعد عام ٧٧٠ ه‍ ونشأ في دمشق ، قدم حلب ثم القاهرة ثم عاد إلى حلب لينسب إليه تصرفات غريبة توفي عام ٨٢٣ ه‍ (الضوء اللامع : ٢ / ٢٤١).

(٢) عن ترجمته انظر : (الضوء اللامع : ٤ / ٦٢).

(٣) في الأصل (النفوس النفوس) لعل الناسخ قد سها. وما ذكرناه عن مصادر التحقيق

٢٤٧

و (الكنز الأكبر في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) في مجلدين (١) وكتاب (تسلية الواجم في الطاعون الهاجم) (٢) وغير ذلك.

وتوفي بدمشق ليلة الجمعة سلخ ربيع الآخر من السنة بعد فراغه من قراءة أوراد ليلة الجمعة ثم دخل إلى بيته وهو في عافية وعندهم مشمش فأكل ثلاث ثم صاح ومات وصلي عليه بعد صلاة الجمعة ودفن بزاويته.

ومولده كما أخبرني في سنة ثلاث وثمانين وسبعمائة بجبل قاسيون ورأيت بخط بعض أصحابي قال : إن بخطه مولده اثنين وثمانين سمع الحديث من المحب الصامت سمع عليه شيئا من البخاري ، وأيضا على عائشة بنت الهادي. والشيخ جمال الدين ابن الشرائحي ، وتلقن الذكر ولبس الخرقة من والده. ولبس هو والده من ابن الناصح.

لما قدم دمشق صحبه برقوق الظاهر ولبس هو ووالده الخرقة من البسطامي بزاويته بدمشق. وحج حجات كثيرة منها : حجة الإسلام في سنة ثمان وثمانمائة ، والثانية سنة اثني عشر. والثالثة سنة إحدى وعشرين ، والرابعة سنة ثلاث وأربعين. وسمع كتاب (التشرف لطريق أهل التصوف (٣)) على شيخنا شمس الدين بن ناصر الدين محدث دمشق بقرأته له على الشيخ أبي العباس أحمد بن يوسف بن البانياسي (٤) عن مؤلفه. وتسلسل له ما فيه من المسلسلات بشرطة ، ولبس الخرقة ، وقرأ عليه أيضا مسلسلات أبي القاسم الطلحي وتسلسلت له ، وسمع على والده كتاب :

__________________

(١) اسم الكتاب استدرك على الهامش.

(٢) ذكر في (كشف الظنون : ٣ / ٢٨٧).

(٣) علّه يقصد كتاب : " التعرف لمذهب أهل التصوف" لمؤلفه أبي بكر الكلابدي المتوفى عام ٣٨٠ ه‍ والكتاب مشهور ومطبوع.

(٤) أحمد بن يوسف البانياسي ثم الدمشقي المقرئ. قرأ بالروايات وسمع الحديث من بعض أصحاب الفخر ... مات عام ٨٠٣ ه‍ عن سبعين سنة. (الضوء اللامع : ٢ / ٢٥٢).

٢٤٨

(أدب المريد والمراد) (١) من تصنيفه وذلك سنة خمس وثمانمائة بطرابلس ، ولبس الخرقة أيضا من يد الشيخ أبي الخير شمس الدين محمد بن محمد بن محمد بن الجزري. وقرأ عليه كراريس من جملتها الأحاديث المسلسلة بالأولية المصافحة والمسائلة والأحاديث العشائرية وغير ذلك.

ووالده : هو الشيخ الصالح الخير. كان معدودا في الصالحين وبلغني أنه لما زوج ولده الشيخ عبد الرحمن صنع طعاما للناس ففرغ الطعام فأمر الفقراء بإدخال الزبادي إلى مكان خال ثم أغلقه ثم أمرهم بإخراج الأواني فأخرجوا فإذا هي ملآى بالطعام. وكان على طريقة السلف. وله المام بالعلم صلي على جنازته يوم الثلاثاء سابع عشري رمضان سنة ست وثمانمائة.

وفي رمضان حج من حلب نائب قلعة حلب بقردى في هيئة حسنة وتجمل حسن وكان عاقلا. دينا كثير السكون. يميل إلى أهل الخير. وحج فيها الشيخ شمس الدين ابن الشماع أيضا (٢) في تجمل حسن في محفة ، وخرج عدة محفات من حلب.

__________________

(١) (كشف الظنون : ٣ / ٥١).

(٢) تكملة الأحداث في الصفحة ٥٧ (٣٨ و) كذا ورد في الأصل

٢٤٩

سنة سبع وخمسين وثمانمائة

في خامس المحرم ورد المرسوم الشريف باعتقال شيخنا أبي الفضل وولده القاضي أثير الدين بقلعة حلب ، وجاء زين الدين فرح بن القاشاني ـ نقيب الجيش ـ (١) إليها ليخرجهما إلى القلعة ، وكان صديقا لهما في الصورة الظاهرة فاستأذن أثير الدين منه أن يذهب إلى بيته لقضاء أربه فأذن له فذهب وأبطأ فخاف ابن القاشاني أن يكون هرب فتغيرت ألوانه فبينما هو كذلك إذ حضر فخرجا من القلعة ووضعا بالمقام وخرجت مسلما عليهما فرأيت قد ورد كتاب ناظر الخاص جمال الدين يوسف إلى شيخنا المشار إليه بتطييب خاطره وفي الحقيقة هو الذي فعل معه ذلك فقرأ فلم يكتب له جوابا.

وفي يوم الاثنين ثالث صفر اعتقل الشيخ برهان الدين إبراهيم بن الشيخ حسن الرهاوي (٢) والريس شهاب الدين أحمد البابي الريس بجامع حلب وهما من جماعة أبي الفضل ابن الشحنة وذلك لأن الطنبغا الآتي ذكره عرف أنهما يقيمان الشفاعة عليه بما يريد أن يصنع. ويوم الثلاثاء دخل الطنبغا الدوادار إلى حلب من الديار المصرية ومعه أحمد بن العطار وكان كاتب أبي الفضل المشار إليه ، وكان قد اطلع على عوراته فعزله عن مباشرته وحاسبه ثم سلط عليه من أخذ أوراق الحساب فغضب من ذلك وذهب إلى القاهرة واجتمع بيوسف ناظر خاص وكان قد تغير على أبي الفضل المشار إليه لما بلغه أن أبا الفضل كتب عليه محضرا بما وصل إليه منه وأنه يريد أن يرتقي إلى كتابة الإنشاء بالقاهرة وأن ينتقم منه ومن الطنبغا تغري ورمش مملوك أبي الفضل المشار إليه ونور الدين محمود بن المعري.

__________________

(١) استدركت على الهامش.

(٢) إبراهيم بن الحسن بن عبد الله الرهاوي. ولد عام ٨٠٥ بالرها قدم حلب بعد عام ٨٣٠ ه‍ كتب التوقيع بباب ابن خطيب الناصرية وأناب في القضاء. (الضوء اللامع : ١ / ٤٠).

٢٥٠

وكان كاتبه أيضا راكبين على بغلين صغيرين فأنشد الشيخ حسن خادم الأنصاري :

يا محنة مرت بقاض وابنه

واثنين من فوق البغال كبلا

قالوا نرى ذا الدور عنا ينقضي

قلت أرى في دوركم تسلسلا

فقال شيخنا أبو الفضل عند سماعهما هذا الشاعر يقول : بالدور تسلسلا. فلما دخلوا تحت القلعة رجم ابن العطار بعض العامة فعظم ذلك على الطنبغا ووقف القاضي زين الدين ابن النصيي وتكلم انتصارا لابن الشحنة لأنه صهره فأمسك بعض من فعل ذلك واختبأ ابن النصيي حتى قام والده مقنية وخدم الطنبغا بشيء حتى سكت عنه. ثم أخرجوا القاضي الحنفي وولده من المقام إلى السجن من غير ورود مرسوم بذلك ونزل الطنبغا بحارة اليهود ببيت ابن أبي أصبع فاجتمع عليه من بغض الشحنة وصاروا يتذاكرون أموره ويحضونه على القيام عليه مع ما عنده من وصية ناظر الخاص.

ثم في يوم السبت أنزلوا القاضي الحنفي إلى دار العدل ليسمع الدعوى وكان القائم عليه بحلب ابن الزهري ووعده ناظر الخاص بقضاء دمشق على القيام عليه وعمر بن السفاح وأمير كبير علي باي وعلي بن الوجيه وكان ناظر الجيش بحلب وأشدهم عليه السيد محمد قطيش خادم بني السفاح / (٣٨ و) م فكان يحض (١) عليه ويجتمع بالناس ويأمرهم بالشكوى عليه والقيام ويحرضهم على ذلك. وكان القاضي الحنفي قد أحس بالشر قبل صعوده إلى القلعة فأثبت محضرا عند مجد الدين سالم الحنبلي ونقده عز الدين بن النحريري المالكي بشهادة شمس الدين محمد بن الكلزي

__________________

(١) في الأصل يحط.

٢٥١

وجمال الدين التاذفي بعداوة ابن الزهري له وأن حكمه لا يقبل عليه.

فلما وصل إلى دار العدل وجلس بين يدي الكافل وحضر القضاة ادعى عليه بدعاوي منها أنه غصب قطعة أرض من المدرسة الأتابكية وأدخلها إلى إيوان بيته الذي بناه وغير ذلك. وانتصب لذلك علي باك وقال له : أنا وكيل في الدعوى عليك فقال له ابن الشحنة : ووكيلي أيضا. وتلطف معه ابن الشحنة. وقال له :

قال الله تعالى : (فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً ....). فلم يلتفت إلى هذا الكلام وصار كلما أبدى جوابا لا يسمع وأحسن ابن الزهري بالمحضر المتقدم. وفي يوم الاثنين خرج الكافل ووقف بالقرب من بيت ابن الشحنة خشية أن لا ينسب إلى التعصب مع ابن الشحنة ، وجاء ابن الزهري ومعه القاضيان إلى بيت ابن الشحنة ومعهم المعلمون ومنهم ابن الرحال علي. وكان ابن الشحنة قد ضربه قبل ذلك. وهدموا قطعة من صدر الإيوان. وهو إيوان عظيم أنفق مالا كثيرا في عمارته وعمل في صدره شباكا عظيما داخله قبة وفي الإيوان بابان أنفق على نجارتهما عاج أبنوس مالا عظيما وما تممهما وكتب على رفرفه :

علوت كما شاء المهيمن رفرفا

فصيرت نفعي للأنام مباحا

أمد لهم في الصيف ظلي مرفها

وأرخي عليهم في الشتاء جناحا

وكتب على مقعد هذا الباب :

إلهي عمر في الهناء معمري

وقالوا له في الدارين كل نعيم

وأقعد أخا صدق أتاني محبة

بمقعد صدق في جوار كريم

قلت : وأذكرني هذا ما قاله فتح الدين ابن الشهيد ليكتب على رفرف :

رفعت كما شاء الترفه رفرفا

أزين سمائي بل أزين سماحي

فلا تدع أن الناس يهوون بهجتي

ويمشون في ظلي وتحت جناحي

رجع : ثم ضرب ابن الزهري الشاهدين المذكورين وأصعدهما إلى القلعة وعلى

٢٥٢

رؤوسهما طناطير وينادي عليهما بشهادة زور ومعهما سالم الحنبلي وأما المالكي فلا يفعل شيئا لأن السيد السفاحي شفع فيه بل قال له الزهري ضع الزيت على يدك لأقطعها وصار ابن الزهري يقول إني لست بقائم على محب الدين لأني عدوه لكنني محبه وأريد له الخير ليخلص ذمته من الله تعالى.

وفي يوم الثلاثاء ورد ساع وعلى يده مرسوم باستمرار الحنبلي في وظيفته فأنزلوه من القلعة يوم الأربعاء وكذلك الشاهدان. وفي يوم الخميس أحضر ابن الشحنة إلى دار العدل وادعى عليه أيضا أنه التمس مالا لأناس فأنكر فألزمه ابن الزهري باليمين فلم يحلف وذلك لعلمه أنه إن حلف أقاموا عليه شهودا بما أرادوا وادعى عليه بأموال الأوقاف التي التمسها من جهاتها وذكروا في / (٣٨ ط) م الدعوى أنه التمس أكثر من سبعين ألف دينار فأنكر ولم يحلف وصاروا (١) بعد ذلك يدعون عليه بالقلعة وانتصب علي بن الوجيه للحط عليه فانتصر له الشيخ قاسم الرملى ثم بعد مدة صاحوه على بنت ولده أنس الدين.

وفي ليلة الأحد بعد العشاء تاسع صفر حضر نائب القلعة تغري بردي من الحجاز قبل الحجاج ـ وكان أمير الحاج ـ لأنه فارقهم بالشام لما بلغه وفاة السلطان وولاية ولده المنصور وأشار إليه نائب الشام بالذهاب إلى حلب لحفظ القلعة خوفا من قانباي الحمزاوي ، والحمزاوي كان عاقلا لا يفعل شيئا ولا يخرج عن الطاعة. ودخل القلعة فأصبح الناس في أمر مريح بسبب قدومه ولم ينزل من القلعة وصاحا على ابن الزهري ونحو شاعليه وجاء بعض الناس إلى بيت ابن الزهري لنهبه ثم كفوا عن ذلك ، وأطلق الرهاوي والبابي ، وأخرج القاضي الحنفي وولده من السجن إلى المقام وأكرمه أقبردي ورتب له سماطا مع ما كان بينهما من العداوة.

__________________

(١) العبارة : " وصاروا بعد ذلك وحتى أنس الدين" استدركت على الهامش

٢٥٣

وفي يوم الخميس ثامن عشري صفر صلي على الظاهر جقمق بجوامع حلب. وتوفي ليلة الثلاثاء المسفر صباحها عن ثالث صفر ثم في يوم الاثنين قدم هجان من القاهرة وأخبر بولاية المنصور وعلى يده مرسوم بالتأكيد على محاسبة ابن الشحنة فأعيد الرهاوي والبابي إلى السجن ثم أخرجا بالبدل ، واختبأ الحنبلي وتجهز إلى القاهرة.

وفي يوم الاثنين ثاني عشري ربيع الأول ورد الخبر باستقرار الأشرف إينال أبي النصر (١) في السلطنة عوضا عن المنصور عثمان بن الظاهر جقمق وتسلطن يوم الاثنين ثامن الشهر المذكور وخلع المنصور يوم الأحد بعد وقعة حرب وأسفرت عن قتلى. وأمسك تمر بغا الدوادار وغيره وجرح قانباي الجركسي وأخرج ابن الشحنة من السجن إلى المقام وأرسل ابن الشحنة قاصدا إلى القاهرة في البر والبحر. ففي يوم الجمعة ورد بعد العصر ورد الخبر بإطلاقه وذلك في ثالث شهر ربيع الآخر ثم ورد المرسوم الشريف بذلك يوم الأحد خامس الشهر المذكور فنزل هو وولده وكان يوما مشهودا وفرح الناس بذلك وألبسهما الكافل خلعتين سنيّتين وبكى عندما شاهدهما. وفي غضون الدعاوي فاوض الطنبغا ومن معه النحريري المالكي أن يرتب على ابن الشحنة مرتبا (٢) يقتضي قتله فما أجاب.

وقال الشيخ عبيد الله المالكي إن وليتموني الحكم سمعت عليه البينة وقتلته ، وكان هذا عبيد الله زنجي اللون. فاضلا في النحو وفقه المالكية له كرم ونظم جيد وكان صاحب ابن الشحنة وله عليه أيادي فانقلبت الصداقة بالعداوة ، ثم ولي بعد مدة مديدة قضاء الشغر فقتل ليلا. كان يسعى في قضاء حلب أولا على النحريري.

__________________

(١) اينال أبو النصر العلائي ، ويقال له الأجرود : اشتراه برقوق. وتقلب في المناصب حتى عين ملكا. كان عاقلا وصبورا بعيد عن الشرور تسلطن نحو ٨ سنوات. خلع نفسه واستقر ولده عام ٨٦٥ فمات بعد ذلك بيوم واحد. (الضوء اللامع : ٢ / ٣٢٨).

(٢) في الأصل : مرتب

٢٥٤

وكتب أرجوزة إلى الكمالي بن البارزي. وهنا هي بخطه (١) :

الحمد لله وأما بعده

فإنني ملتزم ما يبدو

من ظاهر النظم (٢) ومن فحواه

ومن دليل اللفظ أو معناه

بأن أقوم للمقر العالي

الأشرف الموسوم بالكمالي

السيد المولى الفقير العبد

كهف الملا في حلهم والعقد

شيخ الأنام المسلمين العالم

علامة الوقت الإمام الحاكم

الحافظ الرحلة ذو العلوم

ومنشئ المنثور والمنظوم

قاضي القضاة ذو الأصول الفاخرة

البارزي والفروع الزاهرة

صدر العلى بمصر والشام

مؤتمن الملوك والحكام

إمام هذا العصر في الإنشاء

وكاتب الأسرار والأنباء

قامع أهل البغي والفجور

وكل مفتر نحريري

في كل عام عن وظيفة القضاء

في حلب الشهباء بما فيه الرضى

بما لها فيه من العلوم

إذ هو معلوم لكل قوم

__________________

(١) كذا وردت العبارة في الأصل.

(٢) رسم الكلمة في الأصل : " مل" لعلها كما ذكرنا.

٢٥٥

من الجوالي ومن الجبول

والجامع الكبير ذي التفضيل

وغيرها من سائر الجهات

أسوة من فيها من القضاة

من غير أخذي زكوات الناس

والرشوات عامدا أو ناسي

من الدنانير ذوات العد

والأشرفيات الجياد النقد

خمس مئات زاكيات الوزن

على الحلول عاجلا وآني

لقادر على الأداء إن أتى

تشريف مولانا على فصل الشتا

أو أيّ ما وقت وهذا خطي

عاشا هذا بهذا الضبط

وصاحب النظم عبيد الله

المالكي حقا بلا اشتباه

قدما له في ساع وكتبه

رابع عشر الصوم بين الطلبة

عام ثلاث بعد خمسين تلت (١)

ثمانيا من المئين قد خلت

من هجرة الرسول خير البشر

العاقب المزمل المدثر

صلى عليه الملك المهيمن

الواحد البر السلام المؤمن

فآله جميعهم والصحبة

ما أشرقت سماؤنا بالشهب

وكان له مرتب على الجوالي والقاضي الحنفي ابن الشحنة ناظر عليها فلما أقبضه

__________________

(١) مضطربة الشكل. كذا قرأناها. لعله الصواب.

٢٥٦

مرتبه كتب أشهادا بالقب نظما. وهي من خطه نقلت :

حمدت إله العرش ذا المن والعلا

مديحا صلاتي للنبي على الولا

وبعد فمولانا الإمام وكهفا

وسيدنا العبد الفقير لذي العلا

وشيخ الأنام العالم البحر حبرهم

وعلامة الوقت المفيد لمن تلا

وقاضي القضاة الجهبذ الحافظ الذي

غدا رحلة الحفاظ من ذوي الملا

محب ذرى الإيمان والدين والنهي

أبو الفضل والإحسان والجود مسجلا

ونجم العلا ابن الشحنة الحاكم الذي

به حلب الشهباء خضراء تجتلى

هو الحنفي الكامل الحلم والحجى

أمر القضايا مجملا ومفصّلا

هو الناظر الشرعي في الحكم والقضا

ومال الجوالي والحصون ذوي العلا(٣٩ ظ) م

وما مع هذي عظم الله شأنه

وأعلى له في جنة الخلد منزلا

مددت يدي للقبض من بحر واكف

فألفيت ذاك القبض منه مسهلا

وحازت يدي من فيض كفيه فضة

دراهم سكت بالأصابع كمّلا

وعدتها تسع مئات تحصلت

لست شهور ذات فضل تأثلا

لعام ثلاث بعد خمسين قد تلت

ثماني مئات كاملات قد انجلا

وذي الجملة المقبوضة التي (١) عنيت

فاخر مالي الجوالي تحصلا

من السنة المذكورة الآن فاعلمن

وذا الخط أضحى شاهدا حين سجلا

على بما قد قلت والمالكي ذا

الفقير عبيد الله للنظم كملا

رجع : ولما أفرج عن القاضي الحنفي ابن الشحنة سافر الطنبغا الدوادار عن حلب إلى القاهرة فمات بالطريق قبل أن يصل إلى القاهرة. وكان قد قال له القاضي ابن الشحنة : إن كنت قمت عليّ باطلا لا أوصلك الله إلى القاهرة فقال آمين.

__________________

أوضعت كلمة (كذا) في أعلى السطر وعلى الهامش ذكر ما رسمه (سقط معله هما)

٢٥٧

فكان هو الداعي على نفسه.

وفي يوم السبت بعد العصر ثالث جمادى الأولى توفي الشيخ الإمام الفقيه شمس الدين أبو عبد الله محمد (١) بن عمر الغزولي ، قرأ على الشيخ عبيد كثيرا وخلفه بعده في التدريس بالجامع الأموي احتسابا. وكان يتجر بسوق الغزل ويدرس أول النهار وآخره ، واجتمعت الطلبة عليه ، واعتكفوا لديه ، وكان يعرف (منهاج النووي) وهو قليل الكلام منقطع عن الناس ومولده قبل محنة تيمور ولا يتأنق في المأكل والملبس وهو من عباد الله الصالحين وله ديوان عريض وكان ينظر على ما يقربه من المنهاج ، ويحفظه وينقله ثم بعد ساعة ينساه. كأن لم يكن ودرس (منهاج البيضاوي) في آخر عمره.

وفي يوم السبت رابع عشري جمادى الأول ورد مثال شريف أشرفي باستقرار السيد تاج الدين عبد الوهاب الحسيني الدمشقي وعزل ابن الزهري عن قضاء حلب وفي يوم الجمعة ثاني عشر شعبان نزل السيد المشار إليه بمقام سيدي عبد الله الأنصاري ، ويوم السبت دخل دار العدل. ولبس تشريفه. ونزل عند التاج الكركي فذهبت مسلما عليه ، فرأيت عليه آثار الانقباض عن الناس ، ثم ندم على سكناه عند ابن الكركي لأنه رآه جار سوء فانتقل إلى البيت الذي مقابل الشرفيه ، ونزل به وجاء إلى الشرفيه. ودام يصلي بها ويجلس غالب الأوقات.

وهو كما شاهدت بخط العلامة الشيخ تقي الدين ابن قاضي شهبة : أبو محمد بن العدل زين الدين عمر بن العدل الكبير بدر الدين الحسين بن محيي الدين أحمد بن بدر الدين الحسن بن حمزة بن محمد بن ناصر بن علي بن الحسين بن إسماعيل بن محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق بن محمد بن الباقر (٢) بن علي زين العابدين بن الحسين بن

__________________

(١) مكررة في الأصل.

(٢) استدركت على الهامش.

٢٥٨

علي رضي الله عنه.

وهذا الرجل كان فقيها أصوليا / (٤٠ و) م نحويا فريضا ، وقرأ على الشيخ العلامة علاء الدين البخاري وكان دينا عفيفا نزها شكلا حسنا. عليه مهابة الأشراف. وفي أخلاقه شراسة ، سنيا. مواظبا للجماعة.

وكان يدرس بجامع حلب ويواظب على ذلك ، ودرس بالمدارس ولم يتعرض لأموال قضاه البر ، ولا للمدارس ، بل فرقها على الفقهاء. والذي تحصل من السلطانية أصرفه على عمارتها ، وتمر المتحصل للمدينة الشريفة من قرية (أبزموا) و (أرحاب) وأرسله إلى المدينة المشرفة ، وثمر مال الأيتام ونماه.

وله مؤلف في الفرائض سماه : (الغيث الفائض) قرّض (١) عليه تقي الدين ابن حجة ، والشيخ شمس الدين بن ناصر الدين وغيرهما. ولما صرف عن قضاء حلب ذهب إلى الشام وصار يذهب إلى القدس ويجيء ثم إلى الحجاز. وفي آخر أمره وقف كتبه على مدرسة أبي عمر الصالحية من الشام ومات بمكة وله ملك كثير بالشام.

وفي يوم الأربعاء بكرة النهار خامس عشر رمضان توفي شيخ الطائفة شهاب الدين أبو جعفر محمد بن الضياء بن العجمي الشافعي ودفن عند أسلافه بالجبيل وكان قد نشأ يتيما في حجر عمه شمس الدين. وحفظ القرآن والمنهاج ، واشتغل على زين الدين الكركي وغيره. وقرأ على والدي كثيرا وكان يتأدب بآدابه وحج معه ثلاث عشرة. ولازمه إلى أن مات والدي ودبل كثيرا. وبعد تيمور وليّ قضاء حلب وكان شكلا حسنا لا يتكلم إلا بخير ويأكل من أوقاف أسلافه وكتب شرح والدي على البخاري. وكتب كثيرا من الفقه وغيره. وآل إليه تدريس الزجاجية

__________________

(١) في الأصل فرس.

٢٥٩

والشرفية والظاهرية ومشيخة الشمسية ونظر الجميع. وكانت أوقاف بني العجمي منتظمة في أيامه. وعمر شمالية الشرفية وغيرها. وكان يلبس الثياب الفاخرة وأثرى. ولما توفي خلّف مالا جزيلا وكتبا كثيرة ، وملبوسا سنيا فاخرا جما.

وفي يوم الاثنين ثالث القعدة وليّ القاضي محب الدين أبو الفضل بن شحنة كتابة الإنشاء بالقاهرة ، ومدحه شعراؤها كالشيخ شهاب الدين بن أبي السعود. والشيخ شمس الدين النواجي والشهاب الحجازي ، وغيرهم.

وفي ليلة الخميس بعد المغرب المسفر صباحها عن ثالث عشر ذي القعدة توفي الرئيس القاضي ضياء الدين أبو المعالي محمد بن القاضي زين الدين أبي حفص عمر ابن النصيبي (١) الشافعي ، وكان قد أصابه الفالج قبل ذلك وداواه معين الدين العجمي.

__________________

أحاشية في الأصل : " قد ذكره الشيخ نجم الدين عمر بن فهد المكي في معجم مشايخه فقال : محمد بن عمر بن أبي بكر بن محمد بن أحمد بن محمد بن عبد القادر بن هبة الله بن عبد الواحد بن هبة الله ابن طاهر بن يوسف بن محمد القرشي الآمدي الشهير بالحلبي الشافعي الشهير بابن النصيي (أ+) القاضي ضياء الدين. ولد في (أ*) سنة اثنين وثمانين وسبعمائة بحلب ونشأ فيها وحفظ بها القرآن العظيم وصلى به في الجامع الأموي. وحفظ الألفية لأبن مالك وعرضها على ابن الخطيب المنصورية قبل فتنة تمر ، وسمع من ابن المرحل بعض صحيح مسلم ومن السيد زين الدين الاسحاقي بعض الاستيعاب لابن عبد البر بإجازته من .... بسنده ومن البرهان ابن الصديق بعض صحيح البخاري ، وحديث سمعت منه وقرأت عليه. وولى ببلده قضاء العسكر وكتاب الإنشاء ودرس بالمدرسة السيفية ومعيد (كذا) المدرسة الظاهرية ، وهو من بيت رئاسة وحشمة ، دمث الأخلاق وله مروءة واسعة ، ..... يم أحلى بياضا)). انتهى ما رأيته بخط صاحبنا نجم الدين بن فهد رحمه الله تعالى.

(أ+) رسم الكلمة (الدنادش).

(أ*) أثر كلمة رسمها (أول) ثم شطبت.

٢٦٠