كنوز الذّهب في تاريخ حلب - ج ٢

سبط ابن العجمي الحلبي

كنوز الذّهب في تاريخ حلب - ج ٢

المؤلف:

سبط ابن العجمي الحلبي


المحقق: الدكتور شوقي شعث و المهندس فالح البكّور
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: منشورات دار القلم العربي ـ حلب
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٩٦
الجزء ١ الجزء ٢

فحصل أمر عظيم عندهم. وأخذوا الكتب لتعرض على المسامع الشريفة ثم حضر هو إلى حلب في العشر الأخير من المحرم سنة اثنين وأربعين وثمانمائة.

واستمر نائبا بها إلى أن ولي السلطان جقمق فخرج عن طاعته وأظهر العصيان وسيأتي ما اتفق له في عصيانه في فصل المدارس والزوايا في مدرسته التي أنشأها بحلب إن شاء الله تعالى.

[تولية الأمير جلبان عام ٨٤٣ ه‍]

ثم استقر جلبان (١) في كفالة حلب ، ثم إنه عزل. ولما كان نائب طرابلس وأخذ تغري ورمش طرابلس هرب وأظهر لجيشه أن قصده مقابلة تغري ورمش وأرسل من يكشفه إلى جسر (أرطوسيه). فلما كان في جسر الحديد طلب طريق القاهرة فمر على جسر البحصاص وكان نائب الشام إذ ذاك اينال يخشي من جلبان العرب إلى جهة السلطان فأرسل جماعة ليقفوا له عند درجة نهر الكلب وهو مكان ضيق فجاوز جلبان قبل إدراكه ، ووضع جلبان مركبا في البحر خشية أن يدركه فيذهب في البحر فسار المركب في البحر وهو في البر مقابله إلى الرملة فأقام بها إلى أن أتاه عسكر المصريين.

__________________

(١) جلبان المؤيدي : نائب الشام. كان من مماليك تنبك. واشتراه سودون ثم تنقل في الخدمة إلى أن صار من المقدمين عند المؤيد. ثم حبسه ططر. بعدها أنعم الله عليه الأشراف بتقدمة دمشق فنيابة حماة ثم طرابلس ثم حلب وبقي فيها إلى أن مات عام ٨٥٩ ه‍. كان أميرا عاقلا ، سيوسا ، وعارفا بمداراة الملوك. (الضوء اللامع : ٣ / ٧٧).

١٤١

[تولية الأمير قانباي الحمزاوي عام ٨٤٣ ه‍]

واستقر قانباي الحمزاوي (١) في كفالة حلب ودخلها في جمادى الآخرة سنة ثلاث وأربعين وثمانمائة.

انتهى كلام شيخنا المذيل (٢) وسيأتي من تولاها بعده في الذيل إن قدره الله تعالى

__________________

(١) قانباي الحمزاوي : خدم عند العديد من الأمراء ، قدمه شيخ ثم عند ابن ولما تسلطن ططر اعتقله ثم ولاه الأشرف أتابكية دمشق ثم تقلد نيابة حماة ثم طرابلس فحلب إلى أن مات عام ٨٦٣ ه‍.

(الضوء اللامع ٦ / ١٩٥).

(٢) ابن خطيب الناصرية في كتابه : " الدر المنتخب في تاريخ حلب". ذيل فيه على كتاب" زبدة الحلب في تاريخ حلب ، لابن العديم (انظر المقدمة).

١٤٢

[الحوادث على السنين]

[سنة اثنين وأربعين وثمانمائة]

في يوم الخميس ثاني عشر من رمضان توفي العلامة قاضي القضاة شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان بن نعيم بن مقدم (١) بن محمد بن الحسن بن خالد بن حاتم (٢) ابن محمد بن علي البساطي (٣) المالكي. شيخنا قاضي مصر ؛ وكان كتب بخطه الكوفي فظهر أن نسبه لبعض قرى سباط. ومولده في أحد الجماديين سنة ستين وسبعمائة.

واشتغل في فنون وبعد صيته ، وسمع الحديث على عبد الرحمن البغدادي. وقال شيخنا شيخ الإسلام رفيقه (٤) لم يشتغل بالحديث. وكان عرافا بالمعقول والعربية والمعاني والبيان والأصلين ، وصنف فيها تصانيف. وفي الفقه أيضا وناب في الحكم عن ابن عمه جمال الدين لمدة وغيره مدة. فذكره ططر للمؤيد فولاه مشيخة التربة الظاهرية ثم القضاء عقب موت الأقفهسي (٥) في جمادى الأولى سنة ثلاث وعشرين فاستمر نحو عشرين سنة متوالية وهو على ولايته.

وعين للقضاء بعده الشيخ عبادة (٦) فامتنع وكان يميل إلى كلام ابن عربي ويجادل

__________________

(١) أغفله ابن العماد في كتابه : (شذرات الذهب : ٧ / ٢٤٥).

(٢) كذا في الأصل. وعند ابن العماد : " غنام" (انظر : المصدر السابق).

(٣) نسبة إلى البساط مسقط رأسه انظر المصدر السابق وعن ترجمته بتوسع انظر : (الضوء اللامع : ٧ / ٥)

(٤) كذا قرأناها.

(٥) جمال الدين بن عبد الله بن مقداد بن إسماعيل قاضي القضاة الأقفهسي. قاضي الديار المصرية ، نشأ بالقاهرة وطلب العلم. برع في الفقه والأصول ...... وأفتى ودرس. كان مشكور السيرة توفي ٨٢٣ ه‍.

(شذرات الذهب : ٧ / ١٦٠).

(٦) عبادة : زين الدين بن علي بن صالح الخزرجي المالكي. اشتهر باسمه فقط مهر في الفقه والعربية عين للقضاء بعد الدمياطي فامتنع .... ولي التدريس. توفي عام ٨٤٦ ه‍ (شذرات الذهب : ٢٥ / ٢٥٨).

١٤٣

عنه ؛ وسبب ذلك ما وقع بينه وبين العلامة علاء الدين علي بن محمد بن محمد البخاري الحنفي ومولده (١) البخاري سنة تسع وسبعين وسبعمائة ونشأ بها وتفقه بأبيه. وعن العلامة عبد الرحمن. وقرأ على العلامة سعد الدين التفتازاني.

وبرع في المنقول والمعقول. واستوطن الهند وعظم قدره عند ملوكها لما شاهدوه من دينه.

وتوفي بالشام في خامس رمضان سنة إحدى وأربعين وثمانمائة (٢) رحمة الله تعالى.

رجع : اجتمعت ........... (٣) وسيأتي وسمعت عليه.

وفي أواخرها عزل شيخنا المذيل قاضي المسلمين علاء الدين أبو الحسن علي بن شمس الدين أبي عبد الله محمد بن سعد بن محمد بن علي بن عثمان بن إسماعيل بن إبراهيم بن يوسف بن يعقوب بن علي بن هبة الله بن ناجية الطائي الشافعي سبط العلامة قاضي المسلمين فخر الدين ابن خطيب جبرين عن قضاء حلب وورد كتاب القاضي شرف الدين أبو بكر بن علم الدين سليمان سبط المجد بن العجمي بذلك فاجتمع أصحابه ببيت القاضي ضياء الدين محمد بن النصيبي الشافعي وشق عليهم ذلك فأرسلوا إليّ فحضرت فأعلموني بذلك فشق عليّ لأنه كان لي كالوالد إحسانا وشفقة وتربية فجئت إلى بيته وسلمت عليه فرأى الغضب في وجهي فقال : ابتدأ عزلت عن قضاء حلب. قلت له : نعم. وكان مستشعرا بذلك.

وسبب عزله أن السلطان الظاهر جقمق قدم إلى حلب صحبته الأشراف فأرسل إليه يطلب منه من مال الأيتام قرضا خمس مائة (أشرفي) (٤) فاعتذر شيخنا بأنه لا مال

__________________

(١) رسم الكلمة (أسد). أثر طمس.

(٢) انظر ترجمة في : (شذرات الذهب : ٧ / ٢٤١).

(٣) سقطت في التصوير.

(٤) الأشرفي : نقود؟

١٤٤

للأيتام تحت يدي. وكان صادقا فحقد عليه بسبب ذلك وأضمر له السوء ثم لما خرج تغري ورمش عن الطاعة وكانت العادة أن القضاة يغيبون ولا يحضرون إلى الخارج عن الطاعة فأراد شيخنا أن يفعل ذلك فجاء إليه بعض الناس وأشار عليه بأن لا يفعل وكان غير مصيب في رأيه ولا أدري هل أشار عليه بذلك خبثا أم لا فأقام شيخنا فبلغ ذلك السلطان فحرك ما كان كامنا عنده. فلما ظفر بمقصوده وقتل تغري ورمش بادر إلى عزله وولى شيخنا القاضي زين الدين أبا حفص عمر بن المبارك الخرزي. وأرسل توقيعه إلى حماة فلزم شيخنا بيته ، وانكف عن الأحكام (١) وأظهر السرور والفرح وقال : أنا كنت في ضيق لأنني كنت مشتغلا عن العلم بالأحكام فلما وصل توقيع ابن الخرزي بالقضاء فرح فرحا زائدا.

وأنشدني القاضي عماد الدين قاضي سرمين في عزله :

إني وإن تهت (٢) في الدنيا بحبكم

وبت من كل واش غير محترز

فالرب يعلم في سري وفي علني

أني عن الدر لا أعتاض بالخرز

ومدحه الشيخ خاطر فقال :

يا سيدا نال في العلياء منزله

سمت على فلك العلياء عن زحل

لا تطلبن المعالي يا ابن بجدتها (٣)

فأنت من قبل تطلاب العلاء (٤) علي

وله فيه :

أقول لأقوام رووا جود حاتم

وفضل ابن ادريس وقوم تقدموا

لئن شرعا للفضل والجود مذهبا

فإن خطيب الناصرية يختم

__________________

(١) عبارة (وانكف عن الأحكام) استدركت على الهامش.

(٢) كذا قرأناها بينما نقلها الطباخ (فهمت) لعل من الصواب ما ذكرنا

(٣) كذا في الأصل. وأيضا نقلها الطباخ هكذا.

(٤) في الأصل : " لعلا". ويتكرر ذلك.

١٤٥

وله :

لئن فخرت بالسبق طيء بحاتم

وطالت به في الملتين (١) كرامها

فبابن خطيب الناصرية أصبحت

على هامة الجوزاء تبنى خيامها

وما ضر خير المرسلين جميعهم

إذا سبقته الرسل وهو ختامها

رجع : ثم حضر ابن الخرزي إلى حلب بسرعة في أثناء شهر صفر من سنة ثلاث وأربعين ، ولبس تشريفه ، وسكن ببيت ابن سلار بالجلوم فبلغ ذلك شيخنا فهم بالسلام عليه وأن يرسل له شيئا من الهدية فجاء إليه من أشار عليه أولا بما تقدم ومنعه من ذلك ، فأم القاضي الجديد بحلب وأقام شيخنا ملازما بيته للإشغال والاشتغال.

وكان مكبا على ذلك محبا للعلم وأهله ، وأذكر لك صفة اشتغاله : كان يخرج من بيته إلى بيت الكتب من ثلث الليل الآخر فيطالع إلى صلاة الصبح ثم يصلي الصبح ثم يشتغل حتى يضحى النهار فيفتح عليه الباب للقضاء بين الناس فيدخل عليه الفتاوي والأوراق فيكتب على الفتاوي والأوراق فيكتب على الفتاوي ويثبت (٢) الأوراق فإذا فرغ من ذلك أقبل على المطالعة فإن جاء أحد محدثيه يجده يطالع فلا يتكلم معه إلا كلمة أو كلمتين ثم يقبل على المطالعة فإذا قرب الظهر أغلق الباب وأقبل على المطالعة حتى يدخل وقت العصر فيصلي العصر ثم يجيء إلى المدرسة الشرفية إلى عند والدي ـ رحمهما الله تعالى ـ فيذكر له ما أشكله فيتذاكر إلى قرب المغرب ثم يذهب إلى بيته فيصلي المغرب ثم يدخل بيت الكتب للمطالعة إلى بعد صلاة العشاء بزمان ثم يدخل إلى حريمه.

فلما أقام شيخنا في بيته على الصفة المذكورة جاء إليه من جاء إليه أولا وثانيا.

__________________

(١) غير منقوطة في الأصل لعلها كما ذكرنا.

(٢) استدركت على الهامش.

١٤٦

وقال له : الرأي في ذهابك إلى مصر لتزيل ما في خاطر السلطان منك. وإن أنت أقمت يقول السلطان هذا عزلت فما التفت إليّ. ويتأثر منك ، ويحصل شر عظيم.

فما زال به حتى حركه للسفر إلى القاهرة فاهتم في ذلك وسافر من حلب إلى القاهرة فدخلها / (١١ و) في يوم الاثنين رابع عشر ربيع الآخر من سنة ثلاث كما قاله شيخنا شيخ الإسلام أبو الفضل ونزل بيت صديقه القاضي شرف الدين المشار إليه وخرج وسلم على السلطان فأرسل له ألف دينار فقال السلطان : هذا يرشيني على القضاء. فبلغ ذلك شيخنا فخرج إليه وقال له : هذا قدمته لمولانا السلطان لا على سبيل الرشوة ، بل كنت نذرت إن مكن الله السلطان بمن خرج من طاعته يكون عندي لبيت مال المسلمين ألف دينار ، ففرح السلطان بذلك ظاهرا. ولما سافر من حلب قال القاضي ابن الخرزي : استعجل القاضي علاء الدين في ذهابه إلى القاهرة فإن السلطان لا يوليه هذه الأيام فكان ما قال. فأقام شيخنا بالقاهرة والناس يأتون إليه من كل فج ويتكلمون في العلوم الشرعية ، وهو يتكلم فيها فكل أحد أثنى فضله وعلمه. فقدم القاهرة (حطط) نائب القلعة بحلب وكان له يد عند السلطان لأنه هو الذي أمسك القلعة له ، وحفظها عليه ولم يمكن تغري ورمش من أخذها ففرح السلطان به وخلع عليه وأعاده إلى ولايته فلما خلع عليه خلعة السفر استعرض حوائجه فقال : أريد أن تولي قاضي حلب القضاء وأن آخذه معي فأجاب إلى ذلك وخلع عليه وأعاده إلى وظيفته فسافر إلى حلب وكان ذلك أثناء شعبان ؛ قال شيخنا أبو الفضل. ورأيت بخط بعضهم أنه أول رمضان وشيخنا أعلم بذلك وسافر ابن الخرزي إلى حماة. وكان ذلك في الشتاء فمرض شيخنا المذيل في الطريق ووصل حلب وهو متوعك في أواخر رمضان وكان معه في هذه السفرة دواداره محمد فمرض أيضا معه ومات قبله بيسير وتحدث بعض الناس بأنهما سقيا فالله أعلم.

ثم ثقل في المرض وكان مرضه ذات الجنب فلازم الفراش فدخلت عليه يوما

١٤٧

مسلما وفي يدي صحيح مسلم فقال لي : إلى أي مكان وصلت في قراءة مسلم بالجامع؟ فقلت له إلى صلاة الخوف. وكان متكئا فجلس وتكلم على كيفيات صلاة الخوف وما قال الناس فيها. ومن قال إنها نسخت. وأطال الكلام جدا. فقال له من حضر : أنت ضعيف وفيما ذكرت كفاية. فسكت. ودخل عليه طبيبه وهو سليمان الحكيم فقال له ما وجعك. قال : ذات الجنب فشق عليه ذلك لأنه يعلم أنه من الأمراض المخوفة. وصار يكرر ذات الجنب. ذات الجنب. فقال له بعض الحاضرين : قتلته. وتزايد به الألم إلى أن مات بعد العشاء بقليل في الليلة المسفرة صباحها عن يوم الأربعاء عاشر القعدة سنة ثلاث وأربعين.

وحضرت غسله فكان نير الوجه ، وغسله الشيخ يوسف الكردي (١) وصلى عليه بالجامع العمري (٢) ثم الأموي (٣) ثم النوري (٤). وكانت جنازته عظيمة. وحمل نعشه كافل حلب قانباي الحمزاوي (٥) وصلى عليه عند باب دار العدل ثم عند جامع دمرداش ثم عند جامع الطواشي ثم خارج باب المقام ودفن في تربة أعدها لنفسه خارج باب المقام رحمه الله تعالى.

وشمت بعض الناس بموته فأذكرني ذلك ما قال منصور التميمي الفقيه الشافعي :

قضيت نحبي فسر قوم

حمقى بهم غفلة ونوم

كأن يومي عليّ حتم

وليس للشامتين يوم

__________________

(١) يوسف بن يعقوب. بن عمر الشافعي. نزيل حلب. مولده عام ٨٠٠ ه‍. قدم من بلاده إلى حلب فأقرأ الطلبة وأفتى. كان فاضلا خيرا أجاز في سنة إحدى وخمسين ومات بعد ذلك (الضوء اللامع : ١٠ / ٣٣٧.

(٢) انظر ترجمته في جزء الخطط.

(٣) الحاشية السابقة.

(٤) الحاشية السابقة.

(٥) انظر ترجمته في فصل النواب.

١٤٨

ومما قال غيره :

فقل للشامتين بنا أفيقوا (١)

ستلقون الممات وتلحقونا.

ومما قال غيره :

تشفى بشيء لا يصيبك مثله

وإلا فشىء أنت وارده فلا.

وكان رحمه الله ينصف أصحابه ، ويقوم بحوائجهم ويتكلف مشاقهم ويحتمل عنهم. ولله در القائل وهو منصور التميمي :

قد قلت إذ مدحوا الحياة فأكثروا

للموت ألف فضيلة لا تعرف

منها أمان لقائه بلقائه

وفراق كل معاشر لا ينصف

ومولده في سنة أربع وسبعين وسبعمائة بحلب ونشأ بها فحفظ القرآن العزيز والمنهاج ، وألفية ابن مالك ، وألفية الحديث ، وقرأ على مشايخ بلده كالشيخ زين الكركي والشيخ شمس الدين النابلسي ، وقرأ على العلامة محب ابن الشحنة من (المطول) للعلامة سعد الدين ، وسمع مع والدي على الشهاب ابن المرحل (١) وابن عمه شرف الدين الحراني والسيد عز الدين نقيب الأشراف وغيرهم. ولازم والدي وقرأ عليه بعد التسعين وسبعمائة. وناظر مشايخه وباحثهم. واعترفوا بفضله وحفظ سيرة ابن سيد الناس وكتبها بخطه ورحل من حلب إلى القاهرة في سنة ثمان وثمانمائة فسمع ببعلبك وبدمشق على عائشة بنت عبد الهادي وبالقاهرة من الشريف النسابة وأحمد بن عبد القادر السبكي. وقرأ على الشيخ ولي الدين العراقي ، والشيخ جلال الدين (٢) ابن البلقيني.

__________________

أكذا رسم الكلمة في الأصل.

(١) ابن المرحل : إبراهيم بن محمد .... ابن نصيبين. ولد في بعلبك ونشأ بها وتعلم القرآن ومختلف العلوم والفنون. دخل حلب عام ٨٠٠ ه‍. فدرس وأثنى عليه العديد من أكابر علمائها مات عام ٨٦١ ه‍ ودفن في بلده ـ علّه المقصود ـ (الضوء اللامع : ١ / ١٥٩).

(٢) في الأصل جلا.

١٤٩

وبرع وكتب العالي والنازل والطباق وناظر. ثم قدم حلب فلازم الإفتاء والإشغال. وولي قضاء حلب كما تقدم.

أخبرني أنه أرق ليلة فتذكر أن بعض الخلفاء أرق وكان قد طفى سراجه فأمر بتحويل فراشه فإذا حية تحته. قال : فحولت مخدتي فإذا أنا بحية تحت مخدتي.

ثم إنه حج من حلب حجة عظيمة. وكان الشيخ بدر الدين ابن قاضي شهبة قال لوالده : ائذن لي في الكتابة على الفتوى. فقال له : القاضي علاء الدين متوجه إلى الحج فاستأذنه فلما حضر إلى دمشق استأذنه فأذن له وأخبرني من كان حاضرا معه أنه دخل إلى جامع دمشق والشيخ تقي الدين ابن قاضي شهبة يدرس فلما رآه قام إليه وتواضع فقال له القاضي علاء الدين : درس في مكانك. فدرس فتكلم معه القاضي علاء الدين فأبهره هذا والقاضي علاء الدين غافل عن مكان الدرس. والشيخ تقي الدين طالع لك المكان. ثم حج ورجع إلى بلدة فلا قيته في (١) حماة. ثم بعد الثلاثين لازمته وكتبت حكمه ثم أقلعت عن ذلك. ولما كتبت حكمه (٢) رأيت في منامي أن منهاجي سقط من يدي في بعض الأخلية. فنسيت ما كنت حفظت منه. ثم أقلعت عن كتابة حكمه ، وانقطعت للاشتغال ففرح بذلك فرحا شديدا.

وقرأت عليه قطعة في شرحه على (حديث بريرة) فكتب لي : بلغ الفاضل. ثم كتب لي : بلغ العالم. وكان قلمه يابسا. ثم قال : إن أكملت عليّ قراءة هذا الكتاب كتبت لك العلامة. فصادف سفره من حلب فما أتممت عليه. وحضرت دروسه بالمدارس والجامع وكان يقرأ عليه بالجامع / (١٢ و) م (التمهيد) لابن عبد البر و (منهاج البيضاوي) وحليت (كذا) عليه من المنهاج.

ورأيت في بعض الليالي في منامي أنني في منزل والدي وشيخنا المشار إليه عندي.

__________________

(١) حاول أن يستدرك الناسخ فوضع (م) فوق السطر علّه يقصد (في).

(٢) العبارة استدركت على الهامش.

١٥٠

وإذا أنا بشخص قد دخل إلى البيت وبشخص يمشي بين يديه ومعه شمعة ومعه كتاب فلما وصلا إلى المكان الذي نحن فيه فإذا هو الإمام ناصر الدين الشافعي (١) والمزني (٢) : فوضع المزني الكتاب بيت يدي شيخنا وقال له : انظر هذا الكتاب فقال له شيخنا : هذا المسند سقط منه عقيل ، فضحك الشافعي حتى انقلب عليّ ، ثم قال المزني هذا الذي قلت لك.

فقلت أنا للشافعي : يا إمام هذا عقيل بن خالد ـ وهو بضم العين ـ وكذلك يحيى بن عقيل. وكذلك عقيل : القبيلة. وكل ما في صحيح البخاري ومسلم غير ذلك فهو بفتح العين. فقال الشافعي : أنت تحفظ كتاب ابن الصلاح؟ قلت : نعم. فقال لي : لم لا تدرس الفقه ثم سقاني من كفه شربة ماء. فاستيقظت وجئت إلى شيخنا فأخبرته المنام فبكى. ثم إنه حبب لي مراجعة المنهاج فراجعته. وكان شيخنا المشار إليه كلما قدم إلى حلب فاضل أنزل في مدرسته وأجرى عليه الأدرار حتى يرتحل من حلب. وكان لا ينظم (٣) الشعر ، ونظمه فيه ركة. وأنشدني في مرض موته :

إذا ما بات لحدي من تراب

وبت مجاور الرب الرحيم

فهنوني أصيحابي وقولوا

لك البشرى قدمت على كريم

(لغز في قطايف):

وقد كتب إلى شيخنا المشار إليه القاضي شهاب الدين أحمد بن القاضي زين الدين عمر الحلبي نائب حلب لغزا في قطايف : " ما يقول مولانا الأديب ، والعالم الأديب ، في ذاتها لها شكل موصوف ، ووصف معروف ، لها في القلوب وقع ومحل وصحبتها في

__________________

(١) انظر ترجمته في موضع آخر.

(٢) انظر ترجمته في موضع آخر.

(٣) في الأصل : (لا ينقم) لعله تصحيف.

١٥١

الأحباب لا تمل ، إن أودعتها سرا فقد أودعتها فخرا ، جرت كريم الأمهات والتعدد في الصفات ، ولاسمها طلاوة ، وعليه حلاوة. وبعضه اسم طائر. وباقيه بغير معنى صائر. وإن حذفت أوله فهو إنسان أو طارق من الجان ، وإن قرنته بعد الحذف بأداة تعريف فهو مكان بغير تحريف :

ومودعة سرا وأنت تلومها

إذا ذاع منها سرها عند شربها

تحن للقياها الأنام وإنما

تسام بنقص عند مغزى (١) يحبها

فأجابه شيخنا : وقف المملوك على لغز مولانا البديع الحسن فوجده قد حوى فرعي البلاغة واللسن ، وبادر إلى حل ما خفي من رموزه وكشف ما استتر من كنوزه.

فإذا هو خماسي الحروف. لإن أودعته السر عدّ من الظروف. طاب ذكره وحلا وكرم أصله وعلا إن صحفته بعد حذف خمسيه فهو بالسقم موصوف. أو قلبته مصحفا صار مكانا بالفضل معروف. وإن كررته على فيك / (١٢ ط) م. فكل ما عنده من السر يوليك فلله در منشئه. لقد أربى على فضله. وأغدق وابل علمه ووصله انتهى.

[لغز في منبر] : وكتب شيخنا المذيل إلى المشار إليه بعد ذلك لغزا في منبر فما أجاب : ما تقول في اسم رباعي الحروف ، معدود في الظروف ، إن قصد تعريفه فهو معروف ، أو طلب وصفه فهو بعلو الرتب موصوف ، مفعول وهو مرفوع ، محمول وهو موضوع ، مفرّق وهو مجموع ، مركب وهو من الصرف غير ممنوع ، إن حذف منه حرفان عاد حرفا واحدا ، أو عكست محذوفه صار صاحبا مساعدا ، أو استعملته مطرودا كان في أطراف البحر موجود. يحار النحوي في تأليفه. ويعجز عن جمعه وتصنيفه ، وإن تكلف له جمعا. فليس له نظير قطعا. وإن شدد ثانية مع حذف باقيه حلا في النفوس ذكره. وطاب خبره. وخبره ، وإن تشأ كان ذكره مذموما

__________________

(١) ليست منقوطة في الأصل علها كما ذكرنا. أو علها مغرى جبها.

١٥٢

ومعانيه ملوما ، إلا أن تدعو عليه مع أنه لم يقترف ذنبا فيما لديه ، وألفيته ينادى عليه بشرط أن لا يباع مع أنه عين ظاهرة يحل بها الانتفاع. انتهى.

ورآني يوما أدرس (جمع الجوامع) (١) فأمرني بدرس (منهاج البيضاوي) فتقاعدت (٢) عن ذلك ثم رأيت بعد مدة الشيخ سيف الدين الآمدي في النوم فأصبحت ودرست المنهاج المذكور ، ورآني أكتب شرح الزركشي على المنهاج وهو الديباج في النقيصة (٣) ومنه الزنا والسرقة لنقص القسيمة بهما والآباق ذكرا كان أو أنثى وقيّدها في الكفاية ..... (٤)

والأصح اعتبار مصيره عادة. فأخذ الكتاب من يدي وكتب قوله : والأصح إلى آخره. هذا خلاف المذهب فإن الأصح في المذهب وهو المجزوم به في الروضة أنه لا يشترط الاعتياد في الزنا والسرقة وإلا بات خلافا للغزالي. وأمامه والله تعالى أعلم انتهى.

وفيه أماكن غير ذلك.

وقال لي يوما : تتفكه قبل أن تتغدى؟ فقلت له : ما معنى هذا؟ فقال : طالع الروضة والشرح فإنها بمنزل الخبز واللحم. وأما شروح المنهاج فإنما هي بمنزلة الفاكهة وكان يطالع (الشرح الكبير للرافعي) والروضة ويكثر مطالعتها بحيث إنه يحفظ منهما الورقة والورقتين وينقلهما بالحرف ويحفظ شرح مسلم وقرأ غالبه على والدي

__________________

(١) جمع الجوامع في الفقه لتاج الدين عبد الوهاب بن السبكي المتوفى عام ٧٧١ ه‍. وهو مشهور.

وعقب عليه الكثير. (كشف الظنون : ١ / ٥٩٥) ؛ (أسماء الكتب : ١٢٦).

(٢) كذا في الأصل. لعلها من الصواب : " فتقاعست".

(٣) المنهاج هو كتاب النووي المشهور : " منهاج الطالبين" وعليه شروحات كثيرة وبصور مختلفة منها شرح الزركشي المتوفى عام ٧٩٤ ه‍. دعاه" الديباج" كما يرى حاجي الخليفة. (كشف الظنون : ١ / ١٨٧٤).

(٤) رسم الكلمة (بالبالع).

١٥٣

وكان عالما بالفقه والأصول. وكان اشتغل به أخيرا. وينزع الفروع وحفظ كتاب (التمهيد للأسنوي) (١) في ذلك. وقيل له مرة وهو في السفر المطلق المفيد ما يقول فيهما؟ فأخذ يذكر هذه المسألة وما بنى عليها من الفروع حتى عجب الحاضرون من ذلك ، وكان عالما باللغة (٢) يحفظ (التوضيح لابن هشام) وكان عالما بالفرائض.

وأما كتابه على الفتوى فنهى به مع قلة الألفاظ والإتيان بالمقصود وكان قائلا برضاع الكبير لأنه أمر زوجه أن ترضع محمدا دواداره وهو كبير وصار يدخل عليهما بذلك وكان يميل إلى أن الواقف على معين لا يشترط قبوله وحكم بذلك مرة ومال إلى النصوص في غير موضع. وهو اختيار العراقيين وخلائق وصححه الروياني (٣) وابن الصلاح وهو الصواب المفتى به وهو الراجح في الروضة في كتاب السرقة.

وصنف (٤) تصانيف منها : " الطيب الرائحة في تفسير الفاتحة (٥) ". و" ضوء البصيرة في شرح حديث بريرة" و" الدر المنتخب في تاريخ حلب" وشرح قطعة من الأنوار في الفقه وغير ذلك.

وكان حليما عفيفا ، نزيها. يغض عن عورات الناس. لا يتكلم في أحد إلا بخير نظيف اللسان ، ويتصام قصدا عما يكره. وافتقده أهل حلب.

__________________

(١) التمهيد في تنزيل الفروع على الأصول لمؤلفه الشيخ جمال الدين عبد الرحيم بن حسن الأسنوي المتوفى عام ٧٧٢ ه‍ كتاب بين فيه كيفية تخريج الفقه على المسائل الأصولية (كشف الظنون : ١ / ٤٨٤).

(٢) كذا قرأناها.

(٣) نسبة إلى رويان (بلدة بنواحي طبرستان) خرج منها جماعة من أهل العلم.

(الأنساب للسمعاني : ٣ / ١٠٦). وهناك العديد من عرف بهذه النسبة من الفقهاء وعلماء الحديث.

(٤) حتى آخر العبارة استدركت على الهامش.

(٥) إحدى نسخه الخطية في مركز الملك فيصل بالرياض.

١٥٤

ورثاه شيخنا قاضي المسلمين محب الدين أبو الفضل ابن الشحنة بقصيدة وأنشدني إياها (١)

(٢) ناحت على سلطانها العلماء

وبكت لفقد علائها الشهباء

وانهد ركن أي ركن شامخ

للمسلمين ويتم الفقهاء

فلئن رأينا الشهب يوم مماته

لا بدع لما أن تغيب ذكاء

والله مات العلم في حلب به (١)

يا من له طلب ومنه ذكاء

من بعد شيخ المسلمين وحبرهم

قاضي القضاة سيرفع السفهاء

من للمدارس بعده علّامة

من للفتاوى إن بغي إفتاء

جل المصاب به وعمّ فموته

قسما مصاب ليس عنه عزاء

الله أكبر يالها من ثلمة

في دين أحمد مالها إرفاء

يا شيخ الاسلام ارتحلت برغمنا

فانسر قوم مالهم أكفاء

فلك البشارة قد قدمت على الذي

ترجو تراحم جوده الرحماء

والله أكرم أن يضيع عالما

دانت له في علمه العلماء

بل سوف يجلس فوق كرسي لدى

ملك العباد ويجمع الشهداء

كيما يفاض عليه من خلع الرضى

مزجية من سندس خضراء

ويخصه الله الكريم بفضله

بشفاعة فيمن يرى ويشاء

يا ابن الخطيب سقى ثراك بواكر

من رحمة لا تنقضي سخّاء

ويثاب فيك المسلمين مصابهم

فاليوم حقا ماتت الآباء

وأنشدها شمس الدين ابن انشا على قبره بصوت حسن فأبكى الناس.

__________________

أحاشية في الأصل : " قف على هذه المرثية للجد ابن الشحنة رحمه الله تعالى".

ب حاشية في الأصل : " هذا خط المرحوم الوالد رحمه الله ؛ كتبه الفقير مصطفى بن محمد بن عمر الشهير

(١) في الأصل : (نسخ) لعلها كما ذكرنا. وما ورد تصحيف.

١٥٥

ومررت يوما على بابه فإذا الكلاب جالسة على دككه فذكرت ما كان مكتوبا على قصر جعفر بن فلاح (١) :

يا منزلا لعب الزمان بأهله

فأبادهم بتشتت لا يجمع

إن الذين عهدتهم بك مرة

كان الزمان بهم يضر وينفع

وقاله أبو حية النميري وقد رأى باب محمد سليمان خاليا بعد موته :

فإن يمس وحشا بابه فلربما

تواطح (٢) أفواجا إليه المواكب

يحيون بساما كأن جبينه

هلال بدا وانجاب عنه السحائب

ويا غائبا من كان يرجى إيابه

ولكنّ من قد ضمن اللحد غائب

وفي أواخر هذه السنة يوم الخميس في الثامن عشر من الحجة وقع القبض على القاضي زين الدين عبد الباسط وسبب القبض عليه أنه لما كان الأشرف سلطانا كان لا يلتفت إلى الظاهر ولا يوقره ولا يعظّمه بل كان يهزأ به فيوغر صدره عليه ، فلما وليّ السلطنة انتقم منه.

وفي سابع عشر قتل تغري ورمش على باب القلعة ودفن بمكانه الذي انشأه تحت القلعة. (٣)

وفي أوائل رجب من هذه السنة توفيت فاطمة بنت شرف الدين الأنصاري (٤) أم القاضي زين الدين عمر بن السفاح. ولها سند وكانت دينة (٥).

__________________

(١) جعفر بن فلاح : سبقت ترجمته في باب الأوائل.

(٢) تواطح : تواطحت الإبل الحوض ازدحمت عليه. (القاموس المحيط : الوطح).

(٣) انظر أخباره في فصل النواب.

(٤) فاطمة بنت عمر ابنة الشرف موسى بن محمد الأنصاري ويعرف والدها بابن الحنبلي. سمعت على العديد. تزوجها الشهاب أحمد بن السفاح. وولدت له عمر بن السفاح. (الضوء اللامع : ١٢ / ١١٢).

أحاشية في الأصل : " قف على أن والدة عمر بن السفاح دينة".

١٥٦

سنة ثلاث وأربعين [وثمانمائة]

في ثالث المحرم أمر عبد الباسط دواداره بإحضار ما في منزله من المال فكان ثلاثين ألف دينار ، فاستقل السلطان ، فاستأذن السلطان في بيع موجوده فبلغت مصادرته إلى مائة ألف دينار وثلاثين ألف دينار وطلب منه ألف دينار فأنزلها بعض الناس إلى خمسمائة ألف دينار ، وقطع على مملوكه جاني بك عشرة آلاف دينار فباع حوائجه ثم تقرر الحال على ثلاث مائة ألف دينار فتكلم معه فأظهر العجز فحبس في البرج فقلب الله قلب السلطان فأخرجه وسلمه إلى نائب القلعة فأنزله في غرفة وذلك أعلى ما في القلعة فأقام بها أكثر من شهر ثم أفرج عنه يوم الاثنين حادي عشر ربيع الآخر وخلع عليه خلعة. وتوجه إلى مكة المشرفة ليلة الاثنين ثامن عشر الشهر المذكور.

وفيها تقرر جلبان (١) في كفالة حلب عوضا تغري ورمش (٢) وذلك يوم الأحد سابع عشر ربيع الآخر. وأجرى النهر واجتهد فيه.

ثم استقر الحمزاوي (٣) في كفالتها بحكم انتقال جلبان إلى دمشق. وتقدم في الكفالة متى دخلها.

وجلبان أجرى النهر ، وعزل طريقه ، وسد عورته ، وأخرج على ذلك مالا كثيرا من أموال أرباب الأملاك.

__________________

(١) انظر ترجمته في فصل النواب.

(٢) انظر ترجمته في فصل النواب.

(٣) انظر ترجمته في فصل النواب.

١٥٧

سنة أربع وأربعين [وثمانمائة]

في ثاني المحرم وصل القاضي عبد الباسط من مكة إلى القدس. وفيها وصلت هديته إلى السلطان. ومنها مائة شاش وتحف هندية وحبشية وثمانمائة قبلها السلطان وخلع على قاصده.

وفي أثناء صفر استقر شيخنا القاضي زين الدين ابن الخرزي في قضاء حلب عوضا عن شيخنا المذيل وفي أثناء ولايته هذه كتب بعض أهل حلب من أصحاب الشرور قصة على لسان حلب والفقهاء بأمور كذب فيها أن نائبه مجد ابن الكركي وولده يأخذان الرشوة ويقولان من زاد ركب. فورد تغري البريدي بالكشف عليه وإن صح ذلك فيعزل ويصعد به إلى القلعة فاجتمعت الفقهاء بدار العدل عند الكافل وأثنوا عليه وكذبوا ما في القصة بالكتب إلى السلطان أن الأنباء غير صحيحة (١) وإعطاء البريدي مائتي دينار.

[القاضي الفقيه ابن الخرزي] :

وشيخنا القاضي ابن الخرزي كان فقيها ، نحويا ، أصوليا ، طيبا ، دينا ، خيرا ومثالا للأخلاق ، عارفا بالأحكام قدم قبل فتنة تيمور وقرأ / (١٤ و) م على تاج الدين العجمي. وقرأ على جماعة بحماة وحضر إلى القاهرة عدة مرار وأثنوا على فضله وقرأ الطب على شهاب الدين ابن زيتون.

قرأت عليه بعض شرح الدميري على المنهاج ، وأذن لي بالإفتاء والتدريس.

وكان يقول أنا من ذرية عبد الله بن مبارك ومولده سنة سبع وسبعين وسبعمائة.

__________________

(١) في الأصل صحيح.

١٥٨

وقرأ على جمال الدين بن خطيب المنصورية (١) والشيخ سراج الدين البلقيني والشيخ عبد الله المدرس بطرابلس ، وعلاء الدين بن الملقي (٢). وسمع على شيخنا أبي الفضل بن حجر وقرأ أولا على السراج القوي (٣) قرأ من التسهيل قطعه ، وقرأه مرتين.

[القاضي محب الدين أحمد بن نصر الله البغدادي] :

وفي ليلة الآخر ثاني عشر جمادى الأول منها توفي شيخنا قاضي القضاة محب الدين أحمد بن نصر الله البغدادي الحنبلي ـ قاضي مصر ـ كذا رأيته بخطي عن تاريخ شيخنا أبي الفضل.

وسمعت ولده جمال الدين يوسف يقول : إنه توفي صبيحة يوم الأربعاء خامس عشر جمادى الآخرة.

سمعت عليه بحلب لما قدم صحبة الأشراف ، وكان يكتب على الفتوى جيدا وعلمه مشهور ، ولما قدم حلب قبل تيمور ، وولد في رجب سنة خمس وستين وسبعمائة. ورأيت بخطه أنه ولد يوم السبت ضحوة سابع عشر ببغداد.

__________________

(١) جمال الدين يوسف بن الحسن مسعود بن خطيب المنصورية الحموي ولد عام ٧٣٧ ه‍. اشتغل في حماة. فاق أقرانه باللغة العربية وغيرها من العلوم. صنف ، له نظم حسن. انتهت إليه مشيخة العلم بالبلاد الشمالية. رحل إليه الناس ، توفي بحماة عام ٨٠٩ ه‍ (شذرات الذهب : ٧ / ٨٧)

(٢) القاضي أبو الحسن علي بن محمود بن أبي بكر بن مغلي الحنبلي : أعجوبة الزمان ، الحافظ ، ولد بحماة وقيل بسلمية عام ٧٧١ ه‍. نشأ بحماة. وتنقل من دمشق إلى حلب وتولى بعض المناصب إلى أن طلبه السلطان المؤيد إلى مصر وولاه قضاة الحنابلة. كان عالما حافظا سريع الحفظ. توفي بالقاهرة عام ٨٢٨ ه‍ .. (شذرات الذهب : ٧ / ١٨٥٤)

(٣) سراج الدين بن عبد اللطيف بن أحمد القوي ـ نزيل حلب ـ ولد عام ٧٤٠ ه‍. قدم القاهرة. واشتغل على الأسنوي. دخل وتقلد بالمناصب [تدريس]. إلى أن غادر حلب عام ٨٠٢ ه‍ غادرها باتجاه القاهرة. وعند موقع (غباغب) أصبح مقتولا دون أن يعرف قاتله. (شذرات الذهب : ٧ / ١٧)

١٥٩

وقرأ على الشيخ شمس الدين الكرماني وكتب له :

إن الهلال إذا رأيت نموه

أيقنت أن سيصير بدرا كاملا.

ولقبه شهاب الدين ، وسمع من ابن رجب بدمشق وابن المحب ، وبحلب من ابن المرحل ، وقرأ صحيح مسلم قبل تيمور بحلب ، ودخل القاهرة سنة ثمان وثمانين.

قال رفيقه شيخنا أبو الفضل : ومن الاتفاقات أني كنت أنظر في دمية القصر فمررت في ترجمة المظفر أبي علي هذه الأبيات :

بلاني الزمان ولا ذنب لي

بلى إن بلواه للأمثل

وأعظم ما قد أتى صرفه

وفاة أبي يوسف الحنبلي

سراج العلوم ولكن خبا

وثوب الجمال ولكن بلي

فوقع في نفسي أنه يموت بعد ثلاثة أيام بعدد الأبيات فكان كذلك.

[ابن سحلول]

وفي يوم الجمعة قبل المغرب سلخ جمادى الآخرة منها توفي الشيخ شمس الدين محمد بن الشيخ ناصر الدين محمد بن سحلول ـ شيخ الشيوخ بحلب ـ وصلى عليه بكرة النهار في الجامع الأموي ، ودفن خارج الخانقاه السحلولية (١). وكان شكلا حسنا ظريف الشمائل ، يلبس الثياب الفاخرة ويليق به ، ويركب حمارة كبيرة حسنة وكان كريم الأخلاق يعطي للفقراء ويطعمهم ويؤثرهم. وآثرني عند وفاته بتدريس الخانقاه. وأعطاني كتاب الوقف. وكان يحبني ويعظمني. ثم إني أعطيت الكتاب لابن أخيه شمس الدين. وولي شيخ الشيوخ بعده الشيخ علاء الدين أبو الحسن علي الهاشمي وفيها يوم الأربعاء ثاني رمضان توفي المقر الشرفي أبو بكر بن علم الدين سليمان سبط المجد بن العجمي بالقاهرة. رحل من حلب. ودخل القاهرة سنة سبع وثمانمائة وهو

__________________

(١) انظرها في الجزء الأول.

١٦٠