كنوز الذّهب في تاريخ حلب - ج ٢

سبط ابن العجمي الحلبي

كنوز الذّهب في تاريخ حلب - ج ٢

المؤلف:

سبط ابن العجمي الحلبي


المحقق: الدكتور شوقي شعث و المهندس فالح البكّور
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: منشورات دار القلم العربي ـ حلب
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٩٦
الجزء ١ الجزء ٢

وتوفي السوبيني بدمشق بعد رجوعه من القدس يوم الاثنين ثاني عشر سنة ثمان وخمسين وصلى عليه بحلب صلاة الغائب ثالث عشري الشهر المذكور.

وفي يوم الجمعة سلخ السنة بلغ كافل حلب قانباي البهلوان أن تغري بردي نائب القلعة تكلم في حقه أنه خارج عن الطاعة وأنه قد أخذ في تحصينها وخربها ليلا فطلب الهجن ليلا ليسافر إلى حضرة السلطان فاجتمع به أبو الفضل ابن الشحنة وكان قاضيا وكاتب السر بحلب فأشار عليه بعدم السفر وأن يرسل دواداره ففعل ذلك إلى السلطان يتنصل مما نسب إليه ويعتذر عما قيل عنه. وقال أنا مستمر على الطاعة لم أخرج عنها. وكذب من نسب إليّ غير ذلك.

٢٠١

سنة إحدى وخمسين [وثمانمائة]

في المحرم تقاتل نائب البيرة علان (١) وجهان كير (٢) بن قرايلوك ودخل علان إلى البيره فدخل خلفه عسكر المذكور ونهبوا حارة منها وأخذوا أموالها وسبوا حريمها.

ثم أعقب ذلك دخول الطاعون البيرة فاستمر إلى آخر سنة إحدى وإلى أوائل سنة اثنين. وكان السلطان قد أعطى جاه نكير قلعة جعبر فأرسل جاه نكير إلى السلطان يعتذر عما وقع ووعد بتسليم قلعة جعبر.

وفي ثاني صفر وصل سماع من السلطان وعلى يده كتاب من دوادار الكافل ومن جماعة من أمراء المصريين بعزل نائب القلعة تغري بردي. وتطييب خاطر الكافل وأن بسيل (٣) دواداره. وعلى يده خلعه من / (٣٦ و) م السلطان. فسر الناس وزينت المدينة.

وفي يوم الاثنين خامس عشر الشهر المذكور وصل الدوادار المذكور وعلى يده خلعة سنية للكافل فصادف الكافل وقد اعتراه مرض بطل منه نصفه فصار لا يقدر على المشي فلبسها في الشباك بدار العدل.

وكان قبل ذلك جاءته خلعة وفرس من السلطان على يد أقبردي (٤) الذي ولي نيابة القلعة بعد ذلك فلبسها وركب على سرج الفرس وحصل له ذلك من السم الذي كان في السرج.

ووصل صحبة الدوادار فتسلم القلعة ومرسوم بذهاب تغري بردي إلى الشام بطالا. ثم تزايد مرضه فاستدعى زين الدين ابن الخرزي من حماة للمداواة فحضر إلى حلب. فقال : هذا ميت لا محالة ولست بسيدنا عيسى عليه السلام فإنه كان يحيي الموتى.

__________________

(١) انظر ترجمته وترجمة جهان كير في موضع آخر.

(٢) أضيف على الهامش (حاه نكير). لعله أسم آخر ينادى به.

(٣) غير منقوطة في الأصل. علّها كما ذكرنا

(٤) اقبردى : انظر ترجمته في موضع آخر.

٢٠٢

فتمادى به المرض واشتد به.

فلما كانت ليلة الاثنين سادس ربيع الأول توفي فأصبح الناس وأغلقوا الأسواق وحضروا جنازته وصلى عليه. ثم دفن خارج باب المقام مقابل تربة موسى الحاجب وكان يوما مشهورا. وبكى الناس وترحموا عليه.

وكان شجاعا بطلا ذا هيبة وسطوة وبأس شديد وأمن الناس في أيامه من قطاع الطريق والسراق ، وكان يكرم العلماء ويعظمهم ويقرأ البخاري عنده ويحضر وينظر إلى الفضلاء بعين الإكرام ، وكان أميرا كبيرا أولا بحلب وولي نيابة ملطية وصفد وحماة ومنها انتقل إلى حلب. وبنى حماما خارج باب النصر فقال لي يوما : إنما بنيت هذه الحمام ليطمئن الناس فإنه أشيع أن تيمور شاه روخ يجيء إلى الشام.

وفي تاسع صفر وصل القاضي صدر الدين محمد بن النويري إلى حلب متوليا عوضا عن السوبيني. فسار سيرة سيئة مع جنون وأخذ أموال الناس وحكم بغير الشرع. وكان يرقم الشهود ، ولم يشهدوا عنده ، وتزوج ببنت القاضي الحنفي ابن الشحنة وماتت في صحبته. ورأيت شيخنا وقد وقف عليها وهي تلحد ، وبكى وقال : أنا حزين لفراقك. مسرور وفرح بفراق زوجك.

ووقع بينه وبين القاضي ضياء الدين بن النصيي وولديه فتنة عظيمة أوجبت سفر القاضي ضياء الدين بولديه إلى القاهرة وكان كريما كثير الإعطاء يعطي للفقهاء ويحسن إليهم ويسمح بالقدر الذي لا يسمح به غيره من القضاة. وما أحقه بقول الأول :

يعطي ويمنع لا بخلا ولا كرما

لكنها خطرات (١) من(٢)وساوسه

__________________

(١) بأعلى السطر أضيفت كلمة (في) ، لعله يقصد (يجوز من وساوسه) ، وأيضا (في وساوسه).

(٢) في الأصل : (وسانسه) لعلها كما ذكرنا.

٢٠٣

ويحفظ كتاب العثماني. ودرس بالعصرونية في قوله : ..... (١) وثمرة النخل المبيع أن شرطت للبائع فله.

يوم الأحد ثاني عشر ربيع توفي الشيخ الصالح شمس الدين محمد بن الناصر الصوفي ودفن بالمدرسة الهروية حلب. وكان مجاورا هناك منقطعا عن الناس دمث الأخلاق ، وله أوراد وأتباع والناس يهرعون لزيارته ويعظمونه ويدخل إلى الجامع لصلاة الجمعة وهو من أتباع الشيخ محمد بن بهادر (٢).

وفي ثامن عشر ربيع الأول جاء هواء عظيم مزعج بحلب وانتشر إلى وادي الباب فقلع أشجارا من الجوز بأصولها. واقتلع نصف مأذنة الشيخ عقيل ـ أعاد الله علينا من بركاته ـ ثم بنيت بعد ذلك. وفي أواخر ربيع الأول توفي الإمام تقي الدين أبو بكر بن علي بن الحريري / (٣٣ ظ) م الدمشقي (٣) ؛ ترجمته في مشايخي.

وفي نهار السبت مستهل جمادى الأول دخل برسباي كافل طرابلس إلى حلب نائبا عوضا عن البهلوان. وكان وليّ أولا حاجب بدمشق.

وفي ليلة الجمعة ثامن رجب توفي العدل الرضا شهاب الدين أحمد بن رضوان وصلى عليه بعد صلاة الجمعة بجامع المهمندار. ودفن بالجبل الأول وكان ساكنا عدلا مريضا وخطب بجامع المهمندار.

__________________

(١) في أعلى السطر أضيفت كلمة رسمها : (الراح). وما معناها هنا!.

(٢) بدر الدين أبو عبد الله مجد بن بهادر المصري : ولد عام ٧٤٥ ه‍. رحل إلى حلب فدمشق ، كان فقيها أصوليا ، أديبا ، كان منقطعا للاشتغال. له تصانيف. توفي بمصر عام ٧٩٤ ه‍ (شذرات الذهب : ٦ / ٣٣٥)

(٣) أبو بكر بن علي بن الحريري. الدمشقي الشافعي ولد نحو ٧٧٤ ه‍ فدرس مختلف العلوم على مشايخ وعلماء دمشق آنذاك وثم ارتحل إلى القاهرة ليأخذ عن مشايخها. أذن له بالإفتاء في العديد من البلدان. مات في دمشق. ودفن بمقابر الباب الصغيرة. (الضوء اللامع : ٢١ / ٥٦).

٢٠٤

وفي يوم الاثنين رابع رمضان وصل تنم نائب حماة كافلا بحلب عوضا عن برسباي. وكان برسباي عبدا صالحا دينا خيرا لم يقطع يد أحد بحلب ، ولا قتل أحد وحماها وبلادها بالحال. ولما قدم من طرابلس طلبني من شيخنا أبي الفضل ابن الشحنة لقراءة صحيح البخاري وذلك لأنه لما كان بطرابلس كان يقرأ عنده تقي الدين ابن صدر الحنبلي قاضي طرابلس فلما عزل حثه على أنني أقرأ عنده فقرأت عنده فأحبني حبا زائدا ، ولم أر عنده مملوكا أبدا إنما يتفق عنده عبد للوضوء ، وكان يصلي أولا الظهر ثم نقرأ عنده وإذا مر حديث يعرفه لكثرة ما قرئ عنده بطرابلس وكان يعظم الحاضرين ويألفهم. ويعد كل جميل. فسافر إلى جهة البيرة لأجل مجيء جاه نكير بن قرايلوك وكبسها وأخذ منها مالا ، وأمرني بالقراءة في غيبته فقرأت.

فلما قدم حلب بلغه خبر العزل فلما كان في آخر شعبان يوم الجمعة بعد الصلاة رابع عشري الشهر المذكور صرع فدخلت إليه يوم السبت فرأيت عقله مختلا فقال لي : تتم البخاري بالجامع فإنني عزلت فحصل لي أسف على فراقه. فأمرني وللحاضرين بالعادة التي كان يعطيها للقارئ والحاضرين بطرابلس. فخرجنا من عنده داخل الشباك بدار العدل للقبض فأغمي عليه. وضربت الحواطة السلطانية على حواصله فلم نحصل على شيء فسافروا به من حلب بكرة نهار الخميس سلخ شعبان متوجها إلى دمشق فمات قبل وصوله إلى سراقب.

فلما وصل جماعته إلى المعرة وصل تنم إليها فكان هذا يدق بشائره وهذه النائحة قائمة عليه والصياح في وطاقه فسبحان (١) من لا يزول ملكه.

وبنى برسباي جامعا بدمشق وبرجا على البحر بطرابلس ولم يأخذ من خمارة حلب شيئا.

__________________

(١) كذا في الأصل.

٢٠٥

وسبب عزله من حلب أن الذي قلده بكفالة حلب وهو الأمير جرباش كرت (١) أشاع بالقاهرة أنه مستقيل من كفالة حلب وأنه سأله (٢) أن يكون هذا الكلام صدر منه.

وفي ليلة الأحد حادي عشري القعدة دخل قانباي الجكمي إلى قبة في بيته ومعه خازنداره وأشعلا نارا في منقل وقيل أنه كان يتناول الخمر فانعكس البخار عليهما فماتا.

وفي رابع الحجة صلي بحلب صلاة الغائب على العلامة تقي الدين أبي الصدق أبي بكر بن الشيخ الإمام الفرضي شهاب الدين أحمد بن شيخ الإسلام شمس الدين أبي عبد الله محمد بن الإمام الفقيه شرف الدين أبي عبد الله (٣) محمد بن الإمام كمال الدين عبد الوهاب بن الفقيه جمال الدين محمد بن ذؤيب بن مشرف الأسدي الشهير بابن قاضي شهبة (٤) الشافعي فقيه الشام.

ولد بدمشق في ربيع الأول سنة تسع (٣٧ و) م وسبعين وسبعمائة حفظ القرآن و (التنبيه) و (منهاج البيضاوي) و (ألفية ابن مالك) وحفظ (الحاوي الصغير) في كبره. واشتغل وسمع الحديث على جماعة وأخذ الفقه عن جماعة منهم البلقيني ، وأبو البقاء محمد البكري ابن الشريش وشهاب الدين الزهري وشرف الدين عيسى الغزي وبدر الدين محمد بن مكتوم وشهاب الدين الملكاوي ، وشهاب الدين أحمد بن حجي

__________________

(١) في الأصل جرباش كرك ، وما ذكره السخاوي جرباش كرت الجركسي المحمدي الناصري فرج بن برقوق ترقى حتى الأتابكية في دولة خشقدم. ثم حنق عليه إثر فتنة فنفاه إلى دمياط ثم أعيد إلى القاهرة ومات في بيته عام ٨٧٧ ه‍ (الضوء اللامع : ٣ / ٦٦).

(٢) استدركت على الهامش.

(٣) أغفل عمر بن محمد. (الضوء اللامع : ١١ / ٢١).

(٤) ذكر أن جده عمل قاضيا بشهبة السوداء. ٤٠ سنة فنسب إليها.

٢٠٦

وعنه أخذ التاريخ ، وجمال الدين الطيماوي وعنه أخذ الأصول ، قرأ عليه شرح المختصر للأصفهاني والحاوي الصغير ، وأخذ النحو عن الشيخ محمود الأنطاكي.

وروى المنهاج عن شهاب الدين الزهري ، وشرف الدين محمود بن الشريش عن ابن النقيب عن المصنف (١) وعن جده أيضا شمس الدين محمد عن ابن العطار عن المؤلف وكان آخر فقهاء الشام بالمدارس الطبرية والأمينية والاقبالية.

وفي سنة ثلاث عشرة تصدى للإشغال بجامع حلب.

وفي سنة عشرين استنابه نجم الدين بن حجي في القضاء فدخل فيه بكره زايد وباشر بعفة ودين وترك ذلك بإشارة الشيخ علاء الدين محمد البخاري (٢) في سنة خمس وثلاثين فقال الناس للشيخ البخاري كان في نيابته خير فقال في اشتغاله واشتغاله خير من ذلك.

وراسله بالسلام شاه روخ بن تيمور مع والدي وابن حجر وابن المزلق وعبد الباسط.

وولي قضاء دمشق استقلالا والخطابة بالجامع ونظر المارستان النوري ومشيخة الخانقاه الشميصاتية مرتين وركبه الدين بسبب ذلك.

وله تصانيف منها : (كفاية المحتاج على المنهاج) (٣) وصل منه إلى أثناء كتاب الخلع ، و (نكت المنهاج الكبرى) كتب فيها من باب من تلزمه الزكاة إلى آخر الفرائض ، (وامتناع المحتاج) كتب منه السلم إلى أثناء كتاب العدد. ونكت على التنبيه كتب ومنها : من كتاب الصيام إلى أثناء كتاب النكاح ، ولخص (تهذيب الكمال للمزي) (٤) ، و (التهذيب للذهبي) (٥) في أربع مجلدات وصل منه إلى أثناء

__________________

(١) مضطربة الشكل علّها كما قرأناها.

(٢) سبق التعريف به ضمن المتن انظره.

(٣) في ايضاح المكنون سماه : " كفاية المحتاج إلى توجيه المنهاج" والمنهاج للنووي (كشف الظنون : ٤ / ٣٧٣).

(٤) في رواة الحديث. مطبوع ومشهور. كتاب المزي.

(٥) في رواة الحديث.

٢٠٧

باب الهاء وبقي عليه مواضع متفرقة. وذيل على تاريخ ابن كثير إلى سنة ست عشر وثمانمائة (١) ، وكتب كراريس متفرقة إلى سنة وفاته وفقد منه كراريس لم توجد بعد وفاته. واختصر الذيل فكتب منه مجلدين إلى ثمانمائة. وله : (المنتقى من الأنساب) لابن سمعان (٢). وله : (المنتقى من نخب في عجائب البر والبحر) (٣). وله : (المنتقى من تاريخ دمشق) لابن عساكر.

وله : (طبقات النحاة واللغويين) في مصنفين أحدهما على السنين والآخر على الحروف. وله : (مناقب الشافعي رضي الله عنه) (٤) و (طبقات الشافعية) (٥).

وغير ذلك.

اجتمعت به بالعلا في سنة ثمان وثلاثين في الحج لكني لم أقرأ عليه شيئا وكان شكلا حسنا عارفا بالفقه كثير الاطلاع صحيح النقل والفهم وكان الشيخ تقي الدين الحصني يثني عليه ويرسل الفتاوى إليه وكان يطبخ الطعام الفاخر ، ويؤثر الفقراء ويقنع باليسير.

توفي يوم الخميس بعد العصر حادي عشر ذي القعدة فجأة وصلى عليه في ثاني يوم.

__________________

(١) له تاريخ مطبوع بعنوان : تاريخ ابن قاضي شهبة" طبعه المعهد الفرنسي بدمشق.

(٢) للإمام أبي سعد عبد الكريم بن محمد بن منصور التميمي السمعاني المتوفى عام ٥٦٢ ه‍ والكتاب مطبوع ومشهور آخر طبعة له كانت عن مركز الخدمات والأبحاث الثقافية ببيروت. تحقيق عبد الله عمر البارودي وصدرت في خمسة أجزاء عام ١٤٠٨ ه‍ ـ ١٩٨٨ م.

(٣) انتقاه من كتاب : " نخبة الدهر في عجائب البر والبحر" لشيخ الربوة. والكتاب مشهور ومطبوع للمزيد عن المؤلف والكتاب انظر : " حلب في كتب البلدانيين العرب" : إعداد شوقي شعث ، وفالح البكور ... دمشق / ١٩٩٥ /.

(٤) (كشف الظنون : ٢ / ١٨٤٠).

(٥) رتبه على ٢٩ طبقة. وذكر فيه من شاع اسمه واحتاج الطالب إلى معرفته. (كشف الظنون : ٢ / ١١٠١)

٢٠٨

وكانت جنازته حافلة ودفن بمقبرة باب الصغير بين جده شمس الدين وعم والده الشيخ كمال الدين. وروت له منامات عظيمة رحمه الله تعالى (١). وفي شهر الحجة ورد المرسوم الشريف الظاهر جقمق إلى أبي الفضل ابن الشحنة وهو كاتب السر والقاضي الحنفي وناظر الجوالي بحلب أن يصرف لنائب سيس مبلغ ألفي دينار ليبني بسيس جامعا من مال الجوالي فأعطاه ذلك وبنى بسيس جامعا لطيفا.

__________________

(١) تكملة الحوادث في الصفحة ٣٥ من الأصل.

٢٠٩

سنة اثنين وخمسين [وثمانمائة]

في أوائلها ولدت بنت بقرية بجارز (١) من عمل سرمين لها جسد واحد وعنق واحد وعلى العنق رأسان من جهة واحدة في كل رأس وجه في كل وجه عينان وفم وأنف وأذنان فإذا بكت بكت من المكانين وعاشت يوما واحدا.

وفي يوم الأحد تاسع عشر المحرم شرع في عمارة جامع منكلي بغا وتقدم ذلك في الجامع المذكور. وفي أوائل السنة انتقل الطاعون من البيرة إلى حلب وغالب معاملاتها والمعرة وحماة وكثر في حلب في صفر ودام.

وفي الخميس ثالث عشري المحرم حضر جماعة من أهل أعزاز وصحبتهم الخطيب وشكوا إلى الكافل تنم بأنهم ظلموا فضربهم وأراد إشهارهم في البلد فخلصهم العامة فوقع بسبب ذلك فتنة بين الكافل والعامة ورمى جماعة من مماليك الكافل على العامة بالنشاب فجرح جماعة وقتل بعض. ثم دخل الأمير الكسرو (٢) الحاجب ودوادار السلطان ونائب القلعة بينهم وسكنت الفتنة.

وفي الليلة المسفر صباحها عن نهار الخميس سلخ المحرم هرب جماعة من العرب وأميرهم سالم بن بدران من سجن القلعة ، ونزلوا من سورها واحتالوا على ذلك فأمروا امرأة من نسائهم فجاءتهم بمبرد (٣) فبردوا قيودهم وكسروا باب السجن وكانت قد أتتهم بصوف فغزلوه في السجن. وكانوا إذا سئلوا عن سبب غزلهم قالوا نبيعه ونأكل بثمنه. وأصبح نائب القلعة وأمسك النائحين على باب السجن وأودعهم السجن وطالع بهم السلطان فأمر بإطلاعهم والإفراج عنهم.

__________________

(١) مضطربة الشكل لعلها كما ذكرناها. وذكرها في فصل الغرائب.

(٢) كذا في الأصل.

(٣) مضطربة الشكل. ضبطناها من رسم الكلمة ومعنى الفقرة.

٢١٠

وفي يوم السبت ثالث عشري صفر ورد المرسوم الشريف صحبة خاصكي إلى كافل تنم بالكشف عمن قام عليه في القضية السابقة ويطالع بذلك السلطان فصفح الكافل عن الناس ولم يؤاخذهم بما صدر منهم.

وفي منتصف ربيع الأول طفا السمك الذي بخندق قلعة حلب.

ودام الطاعون خارج البلدة أكثر شيئا بالكلاسة وبانقوسا ، وصار الناس يبيتون على النعوش وعمل نعوشا ، وتكلم في عدد الموتى فمقل ومكثر والصحيح أنه خرج من باب المقام دون الستين وفوق الخمسين نفسا. وحصلت رائحة كريهة في بعض القرى لكثرة الموتى.

وفي يوم الجمعة العشرين من ربيع الأول توفي الشيخ شمس الدين محمد بن أبي بكر الشهير بابن المعصراني الجبريني الأصل ، وكان شاهدا في مبدأ أمره بباب النيرب وقرأ شيئا من الفقه على الشيخ علاء الدين ابن الوردي وقرأ عليّ شيئا من البخاري. ثم إنه صحب ابن القاصد الصوفي ولزمه وترك زي (١) الفقهاء ولبس زي الفقراء وانقطع إلى رحمة الله تعالى. وكان مجاورا عند قبر سيدي يحيى خارج قرية النيرب وعند قبر الشيخ يوسف / (٣٧ و) م ولزم مدرسة أشقتمر ، ثم حج ورجع فسكن المدرسة العلمية ـ داخل باب النيرب (٢) ـ وصار له أتباع. يعظمونه ، وكان كثير الرياضة ، حسن السمت ، مليح الشكل ، نير الوجه ، وهو الذي قام في عمارة جامع التوبة (٣) خارج باب النيرب. وكان الخمر يباع في مكانه. وكلم كافل حلب تنم في إزالة المنكرات بكلام خشن فورد مرسوم السلطان بعد ذلك بإزالة المنكرات فعظم قدره ، وكانت له جنازة حافلة وتوفي بالعلمية. ورأيت أكابر

__________________

(١) مضطربة الشكل. ضبطناها من سياق الكلام.

(٢) استدركت العبارة على الهامش.

(٣) في الأصل : الثوبة.

٢١١

الفقراء يتبركون به عند الموت. ودفن خارج الجامع الذي بناه.

ثم في يوم الاثنين ثالث عشري ربيع الأول خرج الكافل والقضاة والمشايخ والعوام ومعهم المصاحف وأعلام الجوامع إلى قرنبيا ورفعوا أصواتهم بالدعاء والتضرع إلى الله تعالى ، وقرّب الكافل قربانا للفقراء ورجعوا فظهر الوباء ظهورا لم يكن قبل ذلك. وأذكرني هذا ما قاله شيخنا أبو الفضل بن حجران في سنة تسع وأربعين وسبعمائة وقع الطاعون بدمشق وخرج الناس إلى الصحراء ومعظم أكابر البلاد ودعوا واستغاثوا فعظم الطاعون بعد ذلك وكثر.

قال ووقع أيضا الطاعون في القاهرة في السابع والعشرين من ربيع الآخر سنة ثلاث وثلاثين فكان عدد من يموت بها دون الأربعين فخرجوا إلى الصحراء في الرابع من جمادى الأول بعد أن نودي بالصيام ثلاثة أيام كما في الاستسقاء واجتمعوا ودعوا ثم رجعوا ... (١) انسلخ الشهر حتى صار عدد من يموت في كل يوم بالقاهرة فوق الألف ثم تزايد.

وفي يوم الجمعة ثامن عشر ربيع الأول ورد كتاب شيخنا زين الدين بن الخرزي باستقراره في قضاء حلب عن صدر الدين بن النويري وأرسل الكافل خلف صدر الدين. ورسم عليه في المدرسة السلطانية ، وألزمه أن يعطي الناس ما أخذ منهم. فأخذ في الوفاء ، وحضر الناس على الشكوى عليه من كل فج عميق فأدى نحو سبع مائة أشرفي ووعد الباقين بالوفاء ، ثم دخل الكافل وذكر أنه أوفى الناس حقوقهم فأطلقه فذهب إلى بيته وكان أولا نازلا بالبيت الذي لبني العجمي مقابل الشرفية. ثم لما تزوج بنت شيخنا انتقل إلى قرب بيوتهم فلما صار الليل ذهب خفية إلى انطاكية ثم توجه إلى طرابلس.

__________________

(١) ليست مقروءة لعلها (منها) كما يوحي الرسم.

٢١٢

وفي نهار الخميس سادس عشر جمادى الأول وصل شيخنا ابن الخرزي إلى حلب ولبس تشريفه وحكم بين الناس.

وفي جمادى الآخرة اشتهر بين الناس اعتمادا على قول أرباب الهيئة (١) أن الشمس تكسف قريبا من التمام فجاء الناس للصلاة بالجامع فانكسفت انكسافا قليلا. وفي العشر الثاني من جمادى الآخرة صرف تنم عن كفالة حلب بالحمزاوي وكان تنم كثير الطمع في أموال الرعية ، وصادر أهل الباب ومن حولها من القرى عند ذهابه إليها ، وكثر قطاع الطريق في أيامه ، وصارت العرب من رعب يأتون إلى القرى يأخذون الغفر (٢) حتى لقد رأيت فلاحا يزرع بقرية مارت التي للأشرف وضع بيدره عند مقام الأنصاري فجاء العرب إليه يطلبون الغفر على بيدره ، وأحدث غفراء عند خان طومان يغفرون / (٣٣ ظ) م القوافل إلى سرمين وذلك لعجزه عن ضبط المملكة وعاقب شخصا من أكابر أهل عينتاب بالصفع وأدخله السجن فمات في السجن من الصفع.

وفي ليلة الجمعة المسفر صباحها عن ثالث عشري جمادى الآخرة توفي الشيخ أبو العباس محمد بن الشيخ إبراهيم الكتبي وقد أجازني وكان عارفا أستاذا في تجليد الكتب ، وتضرب الأمثال بصنعته ، وعمل قيامة جامع حلب. وخدمه كثيرا بتقوى وصلى عليه بالجامع بعد الصلاة. ودفن بمقابر الصالحين وافتقده أهل حلب لأنه لم يكن أحد مثله في صنعته وإتقانه.

وفي حادي عشري رجب دخل الحمزاوي إلى حلب كافلا عوضا عن تنم وكان الحمزاوي لين الجانب كثير الحياء والتودد للناس وتظلم نفسه. وله زوج عملت خيرا كثيرا لم تدع مزارا بحلب إلا وأرسلت له الدراهم. وأحسنت للفقراء وعزّلت عقبة

__________________

(١) المنجمون.

(٢) الحراسة.

٢١٣

ديركوش وسهلتها بعد صعوبتها وأقرأت البخاري في صحيفتها. وكانت تأخذ ما يتحصل من الملح فتصرفه في وجوه الطاعات وكانت حشمة كريمة. لها عقل وماتت بعد زوجها بدمشق عن أثاث كبير وبنت دارا عظيمة بدمشق ، وحجت من حلب حجة عظيمة. أصرفت عليها مالا كثيرا وأحسنت للفقراء بالماء والزاد والنفقة وأحسنت لأهل مكة والمدينة ـ رحمها الله تعالى ـ وكانت لا تسمع بفقير صالح إلا وأحسنت إليه ، ولا بمعروف إلا بادرت إليه ، وتحسن لأهل الحبس كثيرا وتطعم الأيتام وتكسوهم ، وتزوجهم ، وكانت شهمة لها همة عظيمة في فعل الخير.

وفي أول رمضان حصل الخلف فثبت عند ابن مفلح أن منزلة الهلال بها غيم فأصبح يوم الثلاثاء وصام وأفطر القاضي الشافعي وصام الأربعاء. ثم بلغنا أن رمضان ثبت برؤيا يوم الثلاثاء فأرسلوا ساعيا إلى طرابلس فجاء على يده كتاب يثبت بأنه الثلاثاء. وكان قبل ذلك جاء اثنان وشهدا أن رمضان ثبت في بلاد طرسوس الثلاثاء فأثبته الحنبلي. لأن الرؤية عندهم تعم جميع البلاد ، وجاء الخبر من القاهرة بأنهم صاموا الأربعاء ليلة الخميس روئ هلال شوال.

وفي يوم الأحد سابع عشري رمضان حضر صدر الدين ابن النويري من القاهرة متحفظا عليه الشكوى القاضي ضياء الدين ابن النصيبي وولديه زين الدين وشرف الدين وذلك لأنه لما كان بحلب وقع بينه وبينهم وأخذ ابن البويري طبرا (١) ليضرب سيدي عمر بن النصيي ليلا فمسكوه وضربوه وأخذوا الطبر منه. وسبب العداوة أنه

__________________

(١) طبر فارسية وتعني الفأس. ومنها (طبردار) ويعني ممسك الفأس من الوظائف السلطانية. (معجم الألفاظ التاريخية : ١٠٦). ويرى أدى شير أن (الطبر) الفأس من السلاح معربة عن الفارسية وفارسيتها (تبر) ويرى أنها قد تكون من أصل آرامي بمعنى كسر (الألفاظ الفارسية المعربة : ١١١).

٢١٤

كان زوجا لبنت القاضي ابن الشحنة فكان يدعى أن ابن الشحنة يقدم سيدي عمر ابن النصيي عليه وهو صهره أيضا. وكانت زوجة ابن النووي ماتت وزاد في مخاصمتهم وشتمهم فأنفوا من ذلك. وخرجوا إلى القاهرة شاكين للسلطان فوصلوا القاهرة ونزلوا بالبارزية ببولاق وساعدهم الكمال ابن البارزي فشكوا حالهم للسلطان فشكاهم ، وأخرج ابن النويري إلى حلب في الحديد للكشف عليه فجرى الكشف بما التمس من أموال الناس. وأنزلوه بالسلطانية ومرض سيدي عمر بن النصيبي بالقاهرة مرضا أشرف به على الموت ثم عوفي لله الحمد ، ثم خلع على القاضي ضياء الدين وولديه بحضرة السلطان خلع السفر وطلعوا من القاهرة كتب الله سلامتهم.

وفي يوم الاثنين أدخلوا ابن النويري دار العدل وفي عنقه الغل وقرأ المرسوم الشريف ونودي عليه بالكشف من التمس له شيئا فليحضر فجاء الناس من كل فج يطالبونه واستمر في جامع الناصري في الترسيم. ثم في يوم الخميس ثامن شوال أحضر إلى دار العدل ووقف بين يدي الكافل وادعى عليه الناس بما التمس فصار ينكر. ثم يوم الجمعة بعد الصلاة ادعى الناس وكثر الصياح عليه ، وهو مع ذلك لا يتغير ولا يرعوي ، ثم أسرع في مصالحة غرمائه. واستمر في الترسيم إلى نهار السبت خامس عشر ربيع الأول سنة ثلاث فأنزل من القلعة للإسهال الذي حصل له إلى السجن في المدينة فأقام بالسجن والإسهال زايد عليه وقاء (١) دما فاشتهى خيارا فجاؤوا له من السجن فلوسا واشترى له خيار بها وهو ملقى على باب السجن في أسوأ حال والناس يأتون أفواجا ينظرون إليه للاعتبار إلى ثالث عشري الشهر المذكور فتوفي أول النهار بالسجن فأخرجوه إلى المارستان الجديد فغسلوه هناك وصلى عليه بالجامع الكبير ثم دفن خارج مقام الأنصاري ورق الناس عليه لغربته وذلته بعد عزه.

__________________

(١) في الأصل (وقام) لعل الصواب كما ذكرنا.

٢١٥

وفي يوم عيد الفطر توفي الشيخ أبو بكر الكردي الشافعي قدم حلب وسكن بحارة التركمان وأقرأ أولاد الناس بمكتب ابن الزين ولازم والدي وقرأ عليه كثيرا وحفظ قطعة من (الحاوي الصغير) وكان فرضيا. ويعرف النحو والقرآن ، متعففا قليل الكلام ، مواظبا على تلاوة القرآن ، ودرس بجامع حلب نيابة عن أولاد الشيخ علي ابن الوردي.

وفي يوم السبت ثالث شوال ورد كتاب القاضي ضياء الدين بن النصيبي إلى القاضي محب الدين ابن الشحنة إلى حلب يخبره بأن صلاح الدين ابن السابق ... (١) عند خروجه من دمشق قاصدا التوجه إلى حلب في القابون (٢) ، وقد رجع من مصر من الشكوى على ابن النويري أنه ورد كتاب الكمالي ابن البارزي يخبر بتولية شمس الدين محمد سبط الوجيه وعزل ابن الخرزي ووصل الكتاب إلى ابن السابق في خامس عشري رمضان فأعلمناه ذلك.

وفي رابع عشر شوال وصل إلى خان طومان القاضي ضياء الدين ووالده وسيدي عمر في محفة لتوعكه ، وخرج لتلقيهم القاضي الحنفي وولده الأثيري وغالب الناس إلى الخان المذكور ، وأصبح بكرة النهار دخلوا إلى حلب وخرج الكافل لتلقيهم إلى جسر الأنصاري ودخلوا إلى دار العدل وعليهم خلع. وقرأ المرسوم الشريف فيه غاية التعظيم والإكرام وأن سيدي عمر ولي قضاء العسكر وسيدي أبو بكر إفتاء دار العدل ولبس كل منهما تشريفا بطريقته كعادة القضاة ، وحضروا إلى منزلهم وصحبتهم القضاة ، وأركان الدولة وكان يوما مشهودا.

ثم أنشدني القاضي شرف الدين لنفسه :

__________________

(١) رسم الكلمة في الأصل : (سعره). علها (ينتظره)

(٢) في الأصل : (التابون) علّها كما ذكرنا.

٢١٦

إلهي لك الحمد الذي أنت أهله

على نصره جاءت من الحكم العدل

تقطعت الأوصال في كل ظالم

وسربها أهل المعارف لا الجهل

وأخبرني أنه أنشد من نظمه للكمال البارزي :

أيا مليك العصر يا ظاهرا

مؤيدا من حاكم عادل

كيف يولي جاهل جائر

يهدم دار العدل بالباطل

وأن الكمال بن البارزي أنشدهما للمقام الشريف وأنه استحسن ذلك.

وفي يوم الأحد ثامن عشر شوال ورد مثال السلطان بولاية ابن الرحبية القضاء وكتابه. وفيه أنه ولي في خامس عشر رمضان وخرج ابن الخرزي إلى حماة يوم الخميس تاسع عشري شوال.

وفي يوم الاثنين رابع القعدة عمد رعاع أهل البيرة إلى قاضيهم زين الدين عبد الرحمن بن أحمد بن محمد الشافعي سبط الشيخ محمد بن الحداد البيري ، فقتلوه قتلة منكرة. وكان قبل ذلك متكلما عليهم من جهة نائبها علّان وأساء السيرة فيهم فلما عزل علان خاف عليه من القتل فكاتب في أمره نائب حلب فأرسل جماعة من عسكر حلب إلى البيرة على أيديهم مرسوم الكافل أن يحضر في دعوى إلى حلب فأنزلوه من القلعة خوفا من القتل فحضر إلى حلب ثم سافر إلى القاهرة ووليّ قضاء البيرة ، ودخل حلب وعلّم على توقيعه. وأخذ مرسوم الكافل الحمزاوي إلى نائب البيرة بالوصية به فاجتمعت به بحلب وحذرته من الذهاب إلى البيرة فلم يسمع.

فلما وصل إلى البيرة ولبس تشريفه وذلك يوم الاثنين المذكور فلما دخل الليل فعلوا به ما تقدم. وأما رؤساء البيرة فإنهم كانوا قد حلفوا أنه إذا جاء عبد الرحمن إلى البيرة يرحلون منها. فرحلوا منها قبل قتله إلى بعض القرى.

وكان عبد الرحمن المذكور فاضلا ذكيا ذكاء مفرطا وله نظم ونثر وكتابة حسنة

٢١٧

وكتب على أرزة سوداء سورة الإخلاص. وكان في لسانه لثغة وبذلة. وفي طبعه احتقار الناس ، وفيه كبر وزهو زائد ، وحفظ قطعة من (الحاوي الصغير).

وفي ليلة الأحد تاسع القعدة توفي الإمام النحوي شمس الدين محمد الملطي الحنفي وكان فاضلا في اللغة والنحو والتصريف والمعاني والبيان والأصول مستحضرا لأشعار العرب. وهو مطرح التكلف تاركا للمطالعة. وكان يجيء إلى والدي فيكرمه ويطلب من والدي تفسير ابن عبد السلام ويكثر مطالعته ويستحضر (الكشاف) وهو مسرف على نفسه. وصلي عليه بكرة النهار ودفن بالجبل الكبير. وله نظم جيد وقرأت عليه قطعة من (شرح ابن عقيل على الألفية) فكنت إذا توقعت فهمي يقول منشدا :

إذا ما تميمي أتاك مفاخرا

فقل عد عن ذاك من أكلك للضب

اشتغل باسم الزهري.

ولما كان القاضي معين الدين سبط ابن العجمي بحلب كاتب سر مدحه فلم يعطه شيئا فأنشد :

مدحت معين الدين لا زال عاليا

ليحصل لي منه العطاء المعجل / (٢٠ و) م

فما انبسطت بالبشر عزة وجهه

ولا انفتحت بالجود لي منه أنمل

فأبت بلا نفع كأوبة أمرد

ينال فلا يعطي نوالا فيخجل

وفي يوم الأحد قدم قاضي المسلمين شمس الدين محمد بن خليل بن محمد بن حسين بن محمد بن أبي العزائم بن عبد الله بن سبط بن الوجيه إلى مقام الأنصاري وبات ثم أصبح بكرة نهار الاثنين سلخ الحجة فدخل دار العدل ولبس تشريفه بقضاء الشافعية ثم جاء إلى الجامع الأموي فقرئ توقيعه وجاء فنزل بيت الشيخ كمال الدين ابن العجمي مقابل الشرفية.

٢١٨

سنة ثلاث وخمسين وثمانمئة

وفي يوم الجمعة ثامن عشر المحرم حضر شخص من أهل حمص إلى حلب وصلى بالجامع ثم قال : ما لكم لا تصلون على شيخ الإسلام أبي الفضل بن حجر (١) فإنه مات. وصلي عليه بحمص. فلما كان يوم الأحد وردت الأخبار من القاهرة على القاضي الحنفي ابن الشحنة في ليلة السبت ثامن عشري ذي الحجة فاجتمع عند ذلك بالجامع القضاة خلا ابن الشحنة. والفقهاء والفقراء وأهل الخير وقرؤوا شيئا من القرآن في صحائفه ثم صلي عليه صلاة يوم الجمعة في أكثر جوامع حلب. ثم وقفت على كتاب جاء من القاهرة (٢) يتضمن أنه توفي ليلة السبت بعد العشاء بنحو عشرين درجة ثامن عشرين ذي الحجة سنة اثنين وخمسين وثمانمائة (٣) وكان يوم وفاته يوما عظيما ذكروا أنه لم ير في القاهرة مثله فصلوا عليه في الرميلة بسبيل (٤) المؤمني صلى عليه أمير المؤمنين الخليفة وكان قد تقدم للصلاة عليه علم الدين البلقيني فأشار السلطان إلى الخليفة أن يصلي عليه وقال لعلم الدين : أنت تبغضه. فتأخر قال : في الكتاب وأنشدني أبو البركات الغراقي (٥) وقال : إن الشيخ قبل وفاته أنشد يرثي نفسه :

قرب الرحيل إلى ديار الآخرة

فاجعل إلهي خير عمري آخره

وارحم مبيتي في القبور ووحدتي

وارحم عظامي حين تبقى ناخرة

فأنا المسكين الذي أيامه

ولت بأوزار غدت متواترة

فلئن رحمت فأنت أكرم راحم

فبحار جودك يا إلهي زاخرة

__________________

(١) ترجم له الكثير منها : (شذرات الذهب : ٧ / ٢٧٠) ؛ (الضوء اللامع : ٢ / ٤٠) وكتبه مشهورة ولا يستغنى عنها في مجالها وهو غني عن التعريف. وللمزيد انظر :((فهرس مرويات ابن حجر. تحقيق فالح البكور. خ))

(٢) العبارة (جاء من القاهرة) استدركت على الهامش.

(٣) العبارة (درجة ثامن وحتى وثمانمائة) استدركت على الهامش.

(٤) وعند السخاوي : (تربة الديلمي) وفي الأصل (سسل) لعلها كما ذكرنا.

(٥) كذا في الأصل.

٢١٩

والأبيات للزمخشري. (١)

وبلغني أن أبا الجود المالكي وهو من أهل الصلاح قال : إن الخضر عليه السلام صلى عليه ، وهذا على قول من قال بحياته.

وبلغني أنه أنشد قبيل وفاته في آخر أيامه :

خانني ناظري وهذا دليل

بانتقالي من بعده عن قليل

وكذا الركب إن أرادوا رحيلا

قدموا ضوءهم أمام الحمول

فقال إنهما لسعد بن إبراهيم الطائي الحنبلي البغدادي.

رجع : ومولد شيخنا شيخ الإسلام قاضي المسلمين أبو الفضل بن حجر كما رأيته بخطه في شعبان سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة (٢) ، وأخبرني لما كان بحلب أنه قرأ البخاري على نفسه للتبرك في عشرة مجالس وكانت القراءة ما بين الظهيرة والعصر وأنه قرأ صحيح مسلم على شرف الدين محمد بن الكويك في خمسة مجالس. وكانت القراءة من بكرة / (٢٠ ظ) م النهار إلى الظهر (المعجم الأصغر (١)) في مجلس ، وأنه قرأ ابن ماجه في عشر مجالس ، وأنه أقام بدمشق مائة يوم فقرأ فيها ألف جزء حديثية تقريبا وكتب عشرة مجلدات (٢). وأول اشتغاله بالعلم سنة سبع وثمانين وأول سماعه سنة خمس وثلاثين وطلب بنفسه سنة ثلاث وسبعين وله مصنفات ومؤلفات وولي قضاء القضاة بالقاهرة عدة مرات وعدة مناصب وتداريس وبالجملة قلّما ترى عيناي مثله.

__________________

أحاشية في الأصل : " قف على هذه الأبيات الأربعة وأنها للزمخشري".

ب حاشية في الأصل : " قف على مولد ابن جحر".

(١) الكتاب للإمام البخاري. وهو معروف ومشهور.

(٢) في كتاب ((فهرس مرويات ابن حجر. تحقيق فالح البكور)) ورد نحوا من ١٨٠٠ عنوان كتاب رواها ابن حجر عن شيوخه.

٢٢٠