رحلة ابن بطوطة - ج ١

شمس الدين أبي عبد الله محمد بن عبد الله اللواتي الطنجي

رحلة ابن بطوطة - ج ١

المؤلف:

شمس الدين أبي عبد الله محمد بن عبد الله اللواتي الطنجي


المحقق: عبد الهادي التازي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: أكاديمية المملكة المغربية
الطبعة: ٠
ISBN: 9981-46-007-9
ISBN الدورة:
9981-46-006-0

الصفحات: ٤٣١

والعشرين من رجب وانتهى إلى الأكمة فأحرم منها ، وجعل طريقه على ثنية الحجون إلى المعلّى من حيث دخل المسلمون يوم الفتح ، فبقيت تلك العمرة سنة عند أهل مكة إلى هذا العهد.

وكان يوم عبد الله مذكورا أهدي فيه بدنا كثيرة ، وأهدى أشراف مكة وأهل الاستطاعة منهم وأقاموا أياما يطعمون ويطعمون شكرا لله تعالى على ما وهبهم من التيسير والمعونة في بناء بيته الكريم على الصفة التي كان عليها في أيام الخليل صلوات الله عليه.

ثم لما قتل ابن الزبير نقض الحجّاج الكعبة وردها إلى بنائها في عهد قريش (٢٢٠) وكانوا قد اقتصروا في بنائها (٢٢١) ، وأبقاها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على ذلك لحدثان عهدهم بالكفر ، (٢٢٢) ، ثم أراد الخليفة أبو جعفر المنصور أن يعيدها إلى بناء ابن الزبير فنهاه مالك رحمه‌الله عن ذلك ، وقال : يا أمير المؤمنين لا تجعل البيت ملعبة للملوك ، متى أراد أحدهم يغيره فعل! فتركه على حاله سدا للذريعة.

وأهل الجهات الموالية لمكة مثل بجيلة وزهران وغامد (٢٢٣) يبادرون لحضور عمرة رجب ويجلبون إلى مكة الحبوب والسمن والعسل والزبيب واللوز فترخص الأسعار بمكة ويرغد عيش أهلها وتعمّهم المرافق ، ولولا أهل هذه البلاد لكان أهل مكة في شظف من العيش ، ويذكر أنهم متى أقاموا ببلادهم ولم ياتوا بهذه الميرة أجدبت بلادهم ووقع الموتان في مواشيهم ، ومتى أوصلوا الميرة أخصبت بلادهم وظهرت فيها البركة ونمت أموالهم فهم إذا حان وقت ميرتهم وأدركهم كسل عنها اجتمعت نساءهم فأخرجنهم! وهذا من لطائف صنع الله تعالى وعنايته ببلده الأمين.

__________________

(٢٢٠) أعيد بناؤها عام ٧٤ ـ ٦٩٣

(٢٢١) اقتصروا في بنائها : جعلوها قصيرة.

(٢٢٢) الإشارة إلى الأثر المروي : إنه في أيام عبد الله بن الزبير حدثته السيدة عائشة رضي‌الله‌عنها فقالت : سألت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن الحجر أمن البيت هو؟ قال : نعم ، قلت : فما بالهم لم يدخلوه في البيت ، قال ان قومك قصّرت بهم النفقة ، قلت : فما شأن بابه مرتفعا؟ قال : فعل ذلك قومك ليدخلوا من شاءوا ويمنعو من شاءوا ولولا أن قومك حديثو عهد في الإسلام فأخاف أن تنكر قلوبهم له لنظرت أن ادخل الحجر في البيت وأن الزق بابه بالأرض ، فادخل ابن الزبير عشرة من مشايخ الصحابة حتى سمعوا ذلك من عائشة ثم أمر بهدم الكعبة ، راجع التعليق : رقم ٢١٩ وانظر معجم البلدان.

(٢٢٣) بطن عظيم من العرب ينتسب إلى أمهم بجيلة ، وزهران من أكبر قبائل عسير ، وغامد ذلك قبيلة عظيمة تجاورها من الغرب زبيد وزهران ، وهي جميعها تقع جنوب الجزيرة وتحتل أراضي الجنوب والجنوب الشرقي لمكة ... ـ كحالة : معجم قبائل العرب.

٤٠١

وبلاد السّرو التي يسكنها بجيلة وزهران وغامد ، وسواهم من القبائل (٢٢٤) مخصبة كثيرة الأعناب وافرة الغلات ، وأهلها فصحاء الألسن لهم صدق نية وحسن اعتقاد ، وهم إذا طافوا بالكعبة يتطارحون عليها لائذين بجوارها ، متعلقين بأستارها ، داعين بأدعية تتصدع لرقتها القلوب ، وتدمع العيون الجامدة ، فترى الناس حولهم باسطي أيديهم مؤمّنين على أدعيتهم ، ولا يتمكن لغيرهم الطواف معهم ولا استلام الحجر لتزاحمهم على ذلك ، وهم شجعان أنجاد ولباسهم الجلود ، وإذا وردوا مكّة هابت أعراب الطريق مقدمهم وتجنبوا اعتراضهم ومن صحبهم من الزوار حمد صحبتهم ، وذكر أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ذكرهم وأثنى عليهم خيرا ، وقال : علموهم الصلاة يعلموكم الدعاء. وكفاهم شرفا دخولهم في عموم قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : الإيمان يماني والحكمة يمانية ، وذكر أن عبد الله بن عمر رضي‌الله‌عنهما كان يتحرّى وقت طوافهم ويدخل في جملتهم تبركا بدعائهم ، وشأنهم عجيب كلّه وقد جاء في أثر : زاحموهم في الطّواف فإن الرحمة تنصبّ عليهم صبّا.

ذكر عادتهم في ليلة النصف من شعبان

وهذه الليلة من الليالي المعظمة عند أهل مكة يبادرون فيها إلى أعمال البر من الطواف والصلاة جماعات وأفذاذا والاعتمار ، ويجتمعون في المسجد الحرام جماعات لكل جماعة إمام ، يوقدون السرج والمصابيح والمشاعل ويقابل ذلك ضوء القمر يتلألأ الأرض والسماء نورا ، ويصلون مائة ركعة يقرءون في كل ركعة بأم القرآن ، وسورة الإخلاص يكررونهما عشرا ، وبعض الناس يصلون في الحجر منفردين ، وبعضهم يطوفون بالبيت الشريف وبعضهم قد خرجوا للاعتمار.

ذكر عادتهم في شهر رمضان المعظم

وإذا أهل هلال رمضان تضرب الطبول والدّبادب عند أمير مكة ، ويقع الاحتفال بالمسجد الحرام من تجديد الحصر وتكثير الشمع والمشاعل حتى يتلألأ الحرام نورا ويسطع بهجة وإشراقا ، وتتفرق الأئمة فرقا ، وهم الشافعية ، والحنفية ، والحنبلية ، والزيدية ، وأما المالكية فيجتمعون على أربعة من القراء : يتناوبون القراءة ويوقدون الشمع ولا تبقى في الحرم زاوية

__________________

(٢٢٤) القصد إلى الجهات التي تمتد من شرق مكة إلى نجران على حدود اليمن وإلى هذه السروات ينسب القوم الذين يحضرون مكة ويجلبون الميرة وهم قوم غتم" أشبه شيىء بالوحش" هكذا يقول ياقوت ـ انظر ابن جبير ص ٩٨.

٤٠٢

ولا ناحية إلا وفيها قارىء يصلي بجماعته فيرتج المسجد لأصوات القراء وترق النفوس وتحضر القلوب وتهمل الأعين.

ومن الناس من يقتصر على الطواف والصلاة في الحجر منفردا ، والشافعية أكثر الأئمة اجتهادا ، وعادتهم أنهم إذا أكملوا التراويح المعتادة وهي عشرون ركعة يطوف إمامهم وجماعته فإذا فرغ من الأسبوع ضربت الفرقعة التي ذكرنا أنها تكون بين يدي الخطيب يوم الجمعة وكان ذلك إعلاما بالعودة إلى الصلاة ، ثم يصلي ركعتين ثم يطوف أسبوعا هكذا ، إلى أن يتم عشرين ركعة أخرى ثم يصلون الشّفع والوتر وينصرفون.

وسائر الأئمة لا يزيدون على العادة شيئا ، وإذا كان وقت السحور يتولى المؤذن الزمزمي التّسحير في الصومعة التي بالركن الشرقي من الحرم (٢٢٥) ، فيقوم داعيا ومذكرا ومحرضا على السحور، والمؤذّنون في سائر الصوامع ، فإذا تكلم أحد منهم أجابه صاحبه ، وقد نصبت في أعلى كل صومعة خشبة على رأسها عود معترض قد علق فيه قنديلان من الزجاج كبيران يقدان ، فإذا قرب الفجر ووقع الإيذان بالقطع مرة بعد مرة حط القنديلان ، وابتدأ المؤذنون بالآذان وأجاب بعضهم بعضا.

ولديار مكة شرفها الله سطوح ، فمن بعدت داره بحيث لا يسمع الأذان يبصر القنديلين المذكورين ، فيتسحّر حتّى إذا لم يبصرهما أقلع عن الأكل ، وفي كل ليلة وتر من ليالي العشر الأواخر من رمضان يختمون القرآن ويحضر الختم القاضي والفقهاء والكبراء ويكون الذي يختم بهم أحد أبناء كبراء أهل مكة فاذا ختم نصب له منبر مزين بالحرير وأوقد الشمع وخطب ، فإذا فرغ من خطبته استدعى أبوه الناس إلى منزله فأطعمهم الأطعمة الكثيرة والحلاوات وكذلك يصنعون في جميع ليالي الوتر ، وأعظم تلك الليالي عندهم ليلة سبع وعشرين ، واحتفالهم لها أعظم من احتفالهم لسائر الليالي ، ويختم بها القرآن العظيم ، خلف المقام الكريم ، وتقام إزاء حطيم الشافعية خشب عظام توصل بالحطيم وتعرض بينها ألواح طوال ، وتجعل ثلاث طبقات وعليها الشمع وقناديل الزجاج فيكاد يغشي الأبصار ، شعاع الأنوار ، ويتقدم الإمام فيصلي فريضة العشاء الأخيرة ، ثم يبتدئ قراءة سورة القدر ، وإليها يكون انتهاء قراءة الأئمة في الليلة التي قبلها ، وفي تلك الساعة يمسك جميع الأئمة عن التراويح تعظيما لختمة المقام ، ويحضرونها متبركين فيختم الإمام في تسليمتين ثم يقوم

__________________

(٢٢٥) يضيف ابن جبير هنا قوله : لأنها أقرب إلى سكنى الأمير ص ١٠٩ ونلاحظ دائما أن رحلة ابن جبير لم تغادر ساحة ناسخ الرحلة البطوطية!

٤٠٣

خطيبا مستقبل المقام ، فإذا فرغ من ذلك عاد الأئمة إلى صلاتهم وانفضّ الجمع ثم يكون الختم ليلة تسع وعشرين في المقام المالكي في منظر مختصر ، وعن المباهاة منزّه موقر ، فيختم ويخطب.

ذكر عادتهم في شوال

وعادتهم في شوال ، وهو مفتتح أشهر الحج المعلومات أن يوقدوا المشاعل ليلة استهلاله ويسرجون المصابيح والشمع على نحو فعلهم في ليلة سبع وعشرين من رمضان ، وتوقد السرج في الصوامع من جميع جهاتها ، ويوقد سطح الحرم كله وسطح المسجد الذي بأعلى أبى قبيس ، ويقيم المؤذنون ليلتهم تلك في تهليل وتكبير وتسبيح ، والناس ما بين طواف وصلاة وذكر ودعاء ، فإذا صلّوا صلاة الصبح ، أخذوا في أهبة العيد ولبسوا أحسن ثيابهم ، وبادروا لأخذ مجالسهم بالحرم الشريف ، وبه يصلون صلاة العيد لأنه لا موضع أفضل منه.

ويكون أول من يكبر للمسجد الشّيبيون فيفتحون باب الكعبة المقدسة ويقعد كبيرهم في عتبتها وسائرهم بين يديه ، إلى أن يأتي أمير مكة فيتلقونه ويطوف بالبيت أسبوعا والمؤذن الزمزمي فوق سطح قبة زمزم على العادة رفعا صوته بالثناء عليه والدعاء له ولأخيه كما ذكر ، ثم يأتي الخطيب بين الرايتين السوداوين ، والفرقعة أمامه ، وهو لابس السواد فيصلي خلف المقام الكريم ، ثم يصعد المنبر ويخطب خطبة بليغة ، ثم إذا فرغ منها أقبل الناس بعضهم على بعض بالسلام والمصافحة والاستغفار ، ويقصدون الكعبة الشريفة فيدخلونها أفواجا ثم يخرجون إلى مقبرة باب المعلّى تبركا بمن فيها من الصحابة وصدور السلف ثم ينصرفون.

ذكر إحرام الكعبة

وفي اليوم السّابع والعشرين من شهر ذي القعدة تشمّر أستار الكعبة الشريفة ، زادها الله تعظيما ، إلى نحو ارتفاع قامة ونصف من جهاتها الأربع صونا لها من الأيدي أن تنتهبها ويسمون ذلك إحرام الكعبة ، وهو يوم مشهود بالحرم الشريف ولا تفتح الكعبة المقدسة من ذلك اليوم حتى تنقضي الوقفة بعرفة.

٤٠٤

ذكر شعائر الحج وأعماله

وإذا كان في أول يوم من شهر ذي الحجة تضرب الطبول والدّبادب في أوقات الصلوات وبكرة وعشية إشعارا بالموسم المبارك ، ولا تزال كذلك إلى يوم الصعود إلى عرفات (٢٢٦) ، فإذا كان اليوم السابع من ذي الحجة خطب الخطيب إثر صلاة الظهر خطبة بليغة يعلّم الناس فيها مناسكهم ويعلمهم بيوم الوقفة ، فإذا كان اليوم الثامن بكّر الناس بالصعود إلى منى ، وأمراء مصر والشام والعراق وأهل العلم يبيتون تلك الليلة بمنى ، وتقع المباهاة والمفاخرة بين أهل مصر والشام والعراق في إيقاد الشمع ، ولكن الفضل في ذلك لاهل الشام دائما ، فإذا كان اليوم التاسع رحلوا من منى بعد صلاة الصبح إلى عرفة فيمرون في طريقهم بوادي محسّر ، ويهرولون فيه ، وذلك سنّة.

ووادي محسّر هو الحد بين مزدلفة ومنى (٢٢٧) ومزدلفة بسيط من الأرض فسيح بين جبلين ، وحولها مصانع وصهاريج للماء مما بنته زبيدة ابنة جعفر بن أبي جعفر المنصور زوجة أمير المؤمنين هارون الرشيد ، وبين منى وعرفة خمس أميال ، وكذلك بين منى ومكّة أيضا خمسة أميال.

ولعرفة ثلاث أسماء ، وهي عرفة ، وجمع ، والمشعر الحرام (٢٢٨) ، وعرفات : بسيط من الأرض فسيح أفيح تحدق به جبال كثيرة وفي آخر بسيط عرفات جبل الرّحمة ، وفيه الموقف ، وفيما حوله ، والعلمان قبله بنحو ميل ، وهما الحد ما بين الحل والحرم ، وبمقربة منهما مما يلي عرفة بطن عرنة الذي أمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالارتفاع عنه ويجب التحفظ منه ، ويجب أيضا الإمساك عن النّفور حتى يتمكن سقوط الشمس ، فإن الجمّالين ربّما استحثوا كثيرا من الناس وحذّروهم الزحام في النّفر واستدرجوهم إلى أن يصلوا بهم بطن عرنة فيبطل حجهم.

__________________

(٢٢٦) يستعمل ابن بطوطة كلمة عرفات هكذا بالجمع ويستعملها فيما بعد بالأفراد : عرفة ، ويظهر أنه يقصد بالأولى السهل الذي يوجد جنوب غربي عرفة الذي يحمل اسم جبل الرحمة.

(٢٢٧) ورد في كتاب نيل الابتهاج لأحمد بابا ص ٩٥ الطبعة الحجرية عن خليل المكي مفتي مكة سالف الترجمة أنه سئل عن بطن محسر ليحرك الناس فيه إبلهم ، فأجاب إن الموضع تنوسي بالتمالؤ على ترك السنة المشروعة فيه وهي التحريك (الهرولة) ثم قال : الظاهر أنه هذا وأشار إلى ما يحاذي الجامع التي على يسار المتوجّه من المشعر إلى منى من الطريق إلى منتهى المنحدر من جهة منى" تعليق ١٨٩.

(٢٢٨) وقع هنا خطأ غريب نتج عن سوء فهم من ناسخ الرحلة لما ورد في رحلة ابن جبير التي تتحدث عن المزدلفة على أنها هي بالذات المشعر الحرام ولها اسم ثالث وهو جمع ، وقد كانت المشاعل توقد على تل بها يحمل اسم قزح ، ولقد كانت المزدلفة هي موقف قريش في الجاهلية اذ كانت لا تقف بعرفات ، ومعنى هذا أن الموقع الذي له أسماء ثلاثة هو المزدلفة وليس عرفات ...! رحلة ابن جبير ص ١٣٤ وانظر معجم البلدان ، مادة المزدلفة وقزح وعرفات.

٤٠٥

٤٠٦

٤٠٧

٤٠٨

وجبل الرحمة الذي ذكرناه قائم في وسط بسيط جمع ، منقطع عن الجبال ، وهو من حجارة منقطع بعضها عن بعض ، وفي أعلاه قبة تنسب إلى أم سلمة رضي‌الله‌عنها ، وفي وسطها مسجد يتزاحم الناس للصلاة فيه ، وحوله سطح فسيح يشرف على بسيط عرفات ، وفي قبليّه (٢٢٩) جدار فيه محاريب منصوبة يصلي فيها النّاس وفي أسفل هذا الجبل عن يسار المستقبل للكعبة دار عتيقة البناء تنسب إلى آدم عليه‌السلام ، وعن يسارها الصّخرات التي كان موقف النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عندها ، وحول ذلك صهاريج وجباب للماء ، وبمقربة منه الموضع الذي يقف فيه الإمام ويخطب ويجمع بين الظهر والعصر ، وعن يسار العلمين للمستقبل أيضا وادي الأراك ، وبه أراك أخضر يمتد في الأرض امتدادا طويلا.

وإذا حان وقت النّفر أشار الامام المالكي بيده ونزل عن موقفه فدفع الناس بالنفر دفعة ترتج لها الأرض وترجف الجبال فياله موقفا كريما ، ومشهدا عظيما ، ترجو النفوس حسن عقباه ، وتطمح الآمال إلى نفحات رحماه ، جعلنا الله ممن خصه فيه برضاه.

وكانت وقفتي الأولى يوم الخميس سنة ست وعشرين (٢٣٠) ، وأمير الركب المصري يومئذ أرغون الدوادار (٢٣٠) نائب الملك الناصر ، وحجت في تلك السنة ابنة الملك الناصر ، وهي زوجة أبي بكر بن أرغون المذكور ، وحجّت فيها زوجة الملك الناصر المسماة بالخوندة ، وهي بنت السلطان المعظم محمد أوزبك ملك لسرا وخوارزم ، وأمير الركب الشامي سيف الدين الجوبان(٢٣٢).

ولما وقع النفر بعد غروب الشمس وصلنا مزدلفة عند العشاء الآخرة فصلينا بها المغرب والعشاء جمعا بينهما حسبما جرت سنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولما صلينا الصبح بمزدلفة غدونا منها إلى منى بعد الوقوف والدعاء بالمشعر الحرام ، ومزدلفة كلّها موقف إلا وادي محسّر ففيه تقع الهرولة حتى يخرج عنه.

ومن مزدلفة يستصحب أكثر الناس حصيات الجمار ، وذلك مستحب ، ومنهم من يلقطها

__________________

(٢٢٩) بلاحظ أن كلمة (قبليه) سبق قلم وإذما هي غربيّ بسيط عرفات ...

(٢٣٠) كانت وقفتي في حجتي الأولى يوم الاثنين ٩ ذي الحجة ١٣٧٨ ـ ١٥ يونيه ١٩٥٩ وقد صادفت ذكرى ميلادي الثامنة والثلاثين ... وقد سجلت في مذكراتي وقتها التّنويه بدقة النظام الذي ضبط تحرك تلك الأمواج البشرية الهائلة على اختلاف شرائحها الاجتماعية ... ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله! يراجع التعليق رقم ١١٩.

(٢٣١) سلطان مغولي كان يحكم جنوب الروسيا ٧١٢ ـ ٧٤٢ ـ ١٣١٢ ـ ١٣٤١. وقد تزوج الملك الناصر بابنته تولونبگ Tulunbeg عام ٧٢٠ ـ ١٣٢٠ لكنها طلقت بعد ثمان سنوات ..

(٢٣٢) القصد إلى جوبان المنصوري المتوفى بدمشق عام ٧٢٨ ـ ١٣٢٨ (الدرر ٢ ، ٧٨. ٧٩)

٤٠٩

حول مسجد الخيف (٢٣٣) ، والأمر في ذلك واسع ، ولما انتهى الناس إلى منى بادروا لرمي جمرة العقبة ، ثم نحروا وذبحوا ، ثم حلقوا وحلّوا من كل شيء إلا النساء والطيب حتى يطوفوا طواف الإفاضة ، ورمي هذه الجمرة عند طلوع الشمس من يوم النحر ، ولما رموها توجه أكثر الناس بعد أن ذبحوا وحلقوا إلى طواف الإفاضة ، ومنهم من أقام إلى اليوم الثاني ، وفي اليوم الثاني رمى الناس عند زوال الشمس بالجمرة الأولى سبعة حصيات ، وبالوسطى كذلك ، ووقفوا للدعاء بهاتين الجمرتين اقتداء بفعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولما كان اليوم الثالث تعجل الناس الانحدار إلى مكة ، شرّفها الله بعد أن كمل لهم رمي تسع وأربعين حصاة ، وكثير منهم أقام اليوم الثالث بعد يوم النحر حتى رمي سبعين حصاة.

ذكر كسوة الكعبة

وفي يوم النّحر بعثت كسوة الكعبة الشريفة من الركب المصري إلى البيت الكريم ، فوضعت في سطحه ، فلما كان اليوم الثالث بعد يوم النحر أخذ الشّيبيون في إسبالها على الكعبة الشريفة ، وهي كسوة سوداء حالكة من الحرير مبطنة بالكتان ، وفي أعلاها طراز مكتوب فيه بالبياض : جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما الآية ، وفي سائر جهاتها طرز مكتوبة بالبياض فيها آيات من القرآن ، وعليها نور لائح مشرق من سوادها.

ولما كسيت شمّرت أذيالها صونا عن أيدي الناس ، والملك الناصر هو الذي يتولى كسوة الكعبة الكريمة ويبعث مرتبات القاضي والخطيب والأئمة والمؤذنين والفراشين والقومة وما يحتاج له الحرم الشريف من الشمع والزيت في كلّ سنة.

وفي هذه الأيام تفتح الكعبة الشريفة كلّ يوم للعراقيين والخراسانيين وسواهم ممن يصل مع الركب العراقي ، وهم يقيمون بمكة بعد سفر الركبين : الشامي والمصري أربعة أيام ، فيكثرون فيها الصدقات على المجاورين وغيرهم. ولقد شاهدتهم يطوفون بالحرم ليلا فمن لقوه في الحرم من المجاورين أو المكيين أعطوه الفضّة والثياب ، وكذلك يعطون للمشاهدين الكعبة الشريفة ، وربما وجدوا إنسانا نائما فجعلوا في فيه الذهب والفضة حتى يفيق! ولما قدمت معهم من العراق سنة ثمان وعشرين(٢٣٤) فعلوا من ذلك كثيرا ، وأكثروا الصدقة حتى رخص سوم الذهب بمكة ، وانتهى صرف المثقال إلى ثمانية عشر درهم (٢٣٥) نقرة لكثرة ما تصدّقوا به من الذهب.

__________________

(٢٣٣) الجمرات علم جغرافي على مواقع معروفة ـ يذكر الهروي أن قبر آدم بمسجد الخيف

(٢٣٤) الصواب سبع وعشرون ـ ١٣٣٧ كما سيأتي.

(٢٣٥) كان الصرف العادي للمثقال عشرين درهما.

٤١٠

وفي هذه السنة ذكر اسم السلطان أبي سعيد ملك العراق على المنبر وقبّة زمزم.

ذكر الانفصال عن مكة شرفها الله تعالى

وفي الموفى عشرين لذى الحجة (٢٣٦) خرجت عن مكة صحبة أمير ركب العراق البهلوان(٢٣٧) محمد الحويح بحاءين مهملين ، وهو من أهل الموصل ، وكان يلي إمارة الحاج بعد موت الشيخ شهاب الدين قلندر ، وكان شهاب الدين سخيا فاضلا عظيم الحرمة عند سلطانه يحلق لحيته وحاجبيه على طريقة القلندرية ، ولما خرجت من مكة ، شرّفها الله تعالى ، في صحبة الأمير البهلوان المذكور اكترى لي شقّة محارة (٢٣٨) إلى بغداد ، ودفع إجارتها من ماله ، وأنزلني في جواره.

وخرجنا بعد طواف الوداع إلى بطن مرّ في جمع من العراقيين والخراسانيين والفارسيين والأعاجم لا يحصى عديدهم ، تموج بهم الأرض موجا ويسيرون سير السحاب المتراكم ، فمن خرج عن الركب لحاجة ، ولم تكن له علامة يستدل بها على موضعه ، ضلّ عنه لكثرة الناس.

وفي هذا الركب نواضح كثيرة لأبناء السبيل يستقون منها الماء وجمال لرفع الزاد للصدقة ورفع الأدوية والأشربة والسكر لمن يصيبه المرض ، وإذا نزل الركب طبخ الطعام في قدور نحاس عظيمة تسمى الدّسوت ، وأطعم منها أبناء السبيل ومن لا زاد معه.

وفي الركب جملة من الجمال يحمل عليها من لا قدرة له على المشي ، كل ذلك من صدقات السلطان أبي سعيد ومكارمه (٢٣٩).

__________________

(٢٣٦) هذا التاريخ يوافق ١٧ نونبر ١٣٢٦.

(٢٣٧) كلمة (البهلوان) من أصل فارسي وتعني في الأصل البطل المغوار ـ عن القلندرية راجع ابن بطوطة وهو يتحدث عن دمياطI ، ٦١ ... وراجع دائرة المعارف الإسلامية

(٢٣٨) المحارة تعني الهودج المزدوج ، والشقة : الجانب أو القسم من المحارة وهو من التّعابير الغريبة في الرحلة يعني خصص له نصفا من محفّة تسع نفرين وقد ترجمها گيب The Half of double litter وترجمها الاثنان la moitier d ,une double litiere : D.S

(٢٣٩) هذه معلومة تستحق أن نقف عندها لنعرف عن إسهام القادة المسلمين في توفير الحماية الطبية للقوافل التي يتألف منها الحجاج بصرف النظر عن جنسياتهم وانتسابهم لأية جهة! فها نحن نرى أن المطايا تحمل الزاد والدواء وذلك على نفقة السلطان أبي سعيد بها دورخان بن محمد خذا بنده سلطان العراق مما يشبه اليوم ما نسمّيه بالمستشفيات المتنقلة ...

٤١١

قال ابن جزى : كرّم الله هذه الكنية الشريفة ، فما أعجب أمرها في الكرم! وحسبك بمولانا بحر المكارم ورافع رايات الجود الذي هو آية في النداء والفضل أمير المسلمين أبي سعيد ابن مولانا قامع الكفار ، والآخذ للإسلام بالثأر ، أمير المسلمين أبي يوسف ، قدس الله أرواحهم الكريمة ، وأبقى الملك في عقبهم الطاهر إلى يوم الدين (٢٤٠).

رجع ، وفي هذا الرّكب الأسواق الحافلة ، والمرافق العظيمة ، وأنواع الأطعمة والفواكه ، وهم يسيرون باللّيل ويوقدون المشاعل أمام القطار والمحارات ، فترى الأرض تتلألأ نورا والليل قد عاد نهارا ساطعا ، ثم رحلنا من بطن مرّ إلى عسفان ، ثم إلى خليص ، ثم رحلنا أربع مراحل ونزلنا وادي السمك ، ثم رحلنا خمسا ونزلنا في بدر ، وهذه المراحل اثنتان في اليوم : إحداهما بعد الصبح والأخرى بالعشى ، ثم رحلنا من بدر فنزلنا الصّفراء وأقمنا بها يوما مستريحين ، ومنها إلى المدينة الشريفة مسيرة ثلاث ، ثم رحلنا فوصلنا إلى طيبة مدينة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثانية وأقمنا بالمدينة ، كرمها الله تعالى ، ستة أيام واستصحبنا منها الماء لمسيرة ثلاث ، ورحلنا عنها فنزلنا في الثالثة بوادي العروس فتزودنا منه الماء من حسيان يحفرون عليها في الأرض فينبطون ماء عذبا معينا.

ثم رحلنا من وادي العروس ودخلنا أرض نجد وهو بسيط من الأرض مدّ البصر فتنسمنا نسيمه الطيب الأرج ونزلنا بعد أربع مراحل على ماء يعرف بالعسيلة (٢٤١). ثم رحلنا عنه ونزلنا ماء يعرف بالنقرة (٢٤٢) فيه أثار مصانع كالصّهاريج العظيمة ، ثم رحلنا إلى ماء يعرف بالقارورة (٢٤٣) ، وهي مصانع مملوءة بماء المطر مما صنعته زبيدة ابنة جعفر ، رحمها الله ونفعها ، وهذا الموضع هو وسط أرض نجد ، فسيح طيّب النسيم صحيح الهواء نقي التّربة معتدل في كل فصل ، ثم رحلنا من القارورة ، ونزلنا بالحاجر ، وفيه مصانع للماء

__________________

(٢٤٠) علّق فانسان مونطي سامحه الله على ابن جزي أنه تصيّد الفرصة عندما جرى ذكر السلطان أبي سعيد (المشرقي) ليكيل المدح والثناء للسّلطان أبي سعيد (المغربي) تملّقا لحفيده أبي عنان!!

(٢٤١) لم نتمكّن من تحديد مكان وادي العروس اما العسيلة فتقع على بعد ١٢٥ كيلوميتر من المدينة المنورة ...

(٢٤٢) موقع لمنجم قديم وهو على بعد ٢٦ ميلا غرب من العسيلة ، وظهر على خريطة حديثة تحت اسم نقرة وقد تحدث ابن جبير هنا ص ١٢٦ عن" ابار ومصانع كالصهاريج العظام ...

(٢٤٣) هكذا يرسمها ابن بطوطة تقليدا لابن جبير ، وبرسم اليوم هكذا القرورى وهو على بعد ١٢ ميلا غربا من المرحلة القابلة : الحاجر. أسعد سليمان عبده : فهرس كتاب صحح الأخبار.

٤١٢

وربما جفّت فحفر عن الماء في الجفار (٢٤٤). ثم رحلنا ونزلنا سميرة (٢٤٥) ، وهي أرض غائرة في بسيط فيه شبه حصن مسكون ، وماؤها كثير في آبار إلا أنه زعاق ويأتي عرب تلك الارض بالغنم والسمن واللبن فيبيعون ذلك من الحجاج بالثياب الخام ، ولا يبيعون بسوى ذلك ، ثم رحلنا ونزلنا بالجبل المخروق (٢٤٦) ، وهو في بيداء من الأرض وفي أعلاه ثقب نافذ تخرقه الرّيح ، ثم رحلنا منه إلى وادي الكروش ، ولا ماء به ، ثم أسرينا ليلا وصبّحنا حصن فيد (٢٤٧) ، وهو حصن كبير فيبسيط من الأرض يدور به سور ، وعليه ربض وساكنوه عرب يتعيشون مع الحاجّ في البيع والتجارة ، وهنالك يترك الحجّاج بعض أزوادهم حين وصولهم من العراق إلى مكة شرفها الله تعالى ، فإذا عادوا وجدوه ، وهو نصف الطريق من مكة إلى بغداد ، ومنه إلى الكوفة مسيرة اثني عشر يوما في طريق سهل به المياه في المصانع.

ومن عادة الركب أن يدخلوا هذا الموضع على تعبئة وأهبة للحرب إرهابا للعرب المجتمعين هنالك وقطعا لأطعامهم عن الركب.

وهنالك لقينا أميري العرب وهما فياض وحيار واسمه بكسر الحاء واهمالها وياء آخر الحروف وهما أبناء الأمير مهنّا بن عيسى (٢٤٨) ومعهما من خيل العرب ورجالهم من لا يحصون كثرة ، فظهر منهما المحافظة على الحاج والرّحال والحوطة لهم ، وأتى العرب بالجمال والغنم فاشترى منهم الناس ما قدروا عليه.

__________________

(٢٤٤) الجفار جمع جفرة : الأرض المتسعة.

(٢٤٥) هي سميراء الحالية على بعد نحو ثلاثة وعشرين ميلا غربا : أربعين كيلومترا شمال شرقي الحاجر ...

(٢٤٦) يقع الجبل المخروق على بعد أربعين كيلومترا جنوب غرب حصن فيد الآتي مباشرة.

(٢٤٧) فيد : يقع على الخط ٠٨ / ٢٧ شمالا وخط ٢٨ ، ٤٢ شرقا.

مفترق طرق هام قديم لقافلة الحجاج ، ويقول ياقوت : " فيد في نصف طريق مكة من الكوفة ، يودع فيها الحجاج أزوادهم وما يثقل من أمتعتهم عند أهلها". وقد عوض في القرن الثالث عشر الهجري بالحائل (HA il)

(٢٤٨) ذكر ابن بطوطة هنا ثلاث شخصيات هامة في تاريخ المنطقة السياسي والاجتماعي : أولا فياض بن مهنا الذي ولى الامارة من قبل الملك الناصر ... وهو الذي وقعت بينه وبين عمه سيف بن مهنا بن فهد وقعة بنواحي حلب انتصر فيها فياض عام ٧٤٠. مات بالعراق عام ٧٦١ ـ ١٣٦٠ (الدرر ٣ ، ١١٧) وأما حيار بن مهنا فقد كان بدوره أمير العرب ... قدم إلى مصر عام ٧٤٧ في سلطنة الكامل شعبان ... كانت وفاته عام ٧٧٦ ـ ١٣٧٥ (الدرر ٢ ، ١٨٩) وحول مهنا والدهما الذي سبقت ترجمته عند الحديث عن بلاد الشام I ، ١٦٩ تعليق ١٣٠ فيمكن أن تراجع ترجمته كذلك في الدرر ج ٥ ، ص ـ ١٣٩ ـ ١٤٠ ١٣٨.

٤١٣

ثم رحلنا ونزلنا الموضع المعروف بالأجفر (٢٤٩) ويشتهر باسم العاشقين : جميل وبثينة (٢٥٠) ، ثم رحلنا ونزلنا بالبيداء ثم أسرينا ونزلنا زرود (٢٥١) ، وهي بسيط من الأرض فيه رمال منهالة ، وبه دور صغار قد أداروها شبه الحصن ، وهنالك آبار ماء ليست بالعذبة ، ثم رحلنا ونزلنا الثعلبية (٢٥٢) ، ولها حصن خرب بازائه مصنع هائل ينزل إليه في درج ، وبه من ماء المطر ما يعم الركب ، ويجتمع من العرب بهذا الموضع جمع عظيم فيبيعون الجمال والغنم والسمن واللبن ، ومن هذا الموضع إلى الكوفة ثلاث مراحل (٢٥٣) ، ثم رحلنا فنزلنا ببركة المرجوم ، وهو مشهد على الطريق عليه كوم عظيم من حجارة وكل من مرّ به رجمه ، ويذكر أن هذا المرجوم كان رافضيا فسافر مع الركب يريد الحج فوقعت بينه وبين أهل السّنّة من الأتراك مشاجرة فسب بعض الصحابة فقتلوه بالحجارة ، وبهذا الموضع بيوت كثيرة للعرب ، ويقصدون الركب بالسمن واللبن وسوى ذلك ، وبه مصنع (٢٥٤) كبير يعم جميع الركب مما بنته زبيدة ، رحمة الله عليها ، وكل مصنع أو بركة أو بئر بهذه الطريق التي بين مكة وبغداد فهي من كريم آثارها جزاها الله خيرا ، ووفّى لها أجرها ... ولولا عنايتها بهذه الطريق ما سلكها أحد.

__________________

(٢٤٩) حاليا يعرف بالأجفر ، وقد كان المكان في تلك الفترة أهلا بالسكان ، والأجفر جمع جفر وهو البئر الواسعة ، على بعد ٢٨ ميلا عربيا من فيد ، وحسب ابن رسته فانه كان به مسجد جامع للصلاة.

(٢٥٠) كان الشاعر جميل ـ وهو من قبيلة عذرة ـ هو الذي انشأ نوعا من الشعر الرومانتيكي المعروف تحت اسم الشعر العذري ، أغلبه كان موجها إلى حبيبته بثينة ...

(٢٥١) زرود يوجد على بعد ثلاثين كيلومترا من الأجفر ، ويسمى أيضا الخزيمية نسبة إلى خزيمة بن خازم التميمي ٢٠٣ ـ ٨١٩ وقد قام هذا القائد الكبير بانشاء آبار في هذه المحطة ، على بعد ٢٠ ميلا غربا من الأجفر ، وهي على الخط ٥٤ / ٢٦ شمالا وخط ١٦ / ٤٣ شرقا حوالي ٧٥ ميلا انجليزيا شمال شرقي فيد على خط مستقيم.

(٢٥٢) تقع الثعلبية على بعد ستين كيلوميترا من زرود وبها شبه حصن ، انظر ابن جبير ص ١٦٤.

(٢٥٣) هنا أيضا وقعت إساءة قراءة لنص ابن جبير الذي يقول : " وبقى من هذا الموضع (يعنى الثعلبية) إلى الكوفة من المناهل التي تعمّ جميع المحلة ثلاثة أحدها زبالة ، والثاني واقصة ، والثالث منهل من ماء الفرات على مقربة من الكوفة ، وبين هذه المناهل مياه موجودة لكنها لا تعم ... محرر الرحلة اختصر هذا الكلام ليعوض كلمة" المناهل" بكلمة المراحل وهذا غير دقيق ... وبعد هذا تحدث ابن جبير عن القتال الشديد على الماء في محطة الثعلبية الذي أودى بسبعة رجال ...

(٢٥٤) حول المرجوم يلاحظ أن الحكاية أخذت من رحلة ابن جبير هذا وحسب ما عند ابن رسته والهمداني فإن المحطة التي تقع بين الثعلبية وبين المشقوق هي البطائية أو البيطان على بعد ٢٨ ميلا غربا من الثعلبية.

٤١٤

ثم رحلنا ونزلنا موضعا يعرف بالمشقوق (٢٥٥) فيه مصنعان بهما الماء العذب الصافي ، وأراق الناس ما كان عندهم من الماء وتزوّدوا منهما ، ثم رحلنا ونزلنا موضعا يعرف بالتّنانير (٢٥٦) وفيه مصنع ممتلئ بالماء ثم أسرينا منه واجتزنا ضحوة بزمّالة (٢٥٧) وهي قرية معمورة بها قصر للعرب ومصنعان للماء وأبار كثيرة ، وهي من مناهل هذا الطريق ، ثم رحلنا فنزلنا الهيثمين (٢٥٨) ، وفيه مصنعان للماء ثم رحلنا فنزلنا دون العقبة المعروفة بعقبة الشيطان (٢٥٩) ، وصعدنا العقبة في اليوم الثاني ، وليس بهذا الطريق وعر سواها على أنها ليست بصعبة ولا طائلة ، ثم نزلنا موضعا يسمى واقصة (٢٦٠) فيه قصر كبير ومصانع للماء معمور بالعرب ، وهو آخر مناهل هذا الطريق.

وليس فيما بعده إلى الكوفة منهل مشهور إلا مشارع ماء الفرات ، وبه يتلقّى كثير من أهل الكوفة الحاجّ ويأتون بالدقيق والخبز والتمر والفواكه ، ويهنئ الناس بعضهم بعضا بالسلامة ، ثم نزلنا موضعا يعرف بلورة (٢٦١) ، فيه مصنع كبير للماء ، ثم نزلنا موضعا يعرف بالمساجد (٢٦٢) فيه ثلاث مصانع ، ثم نزلنا موضعا يعرف بمنارة القرون (٢٦٣) ، وهي منارة في بيداء من الأرض بائنة الارتفاع مجللة بقرون الغزلان ، ولا عمارة حولها ، ثم نزلنا موضعا

__________________

(٢٥٥) يسميه ابن جبير الشقوق ، ويذكر ابن رسته والهمداني أن الشقوق على مسافة ٢٢ ميلا غربا من البطانية.

(٢٥٦) التنانير جمع تنور الموقد ، ربّما أخذ اسمه من المواقد لارتفاع حرارته.

(٢٥٧) زمالة لعلها زبالة على بعد ١٩ ميلا غربا من الشقوق على خط ٤٥ ـ ٤٣ شرقا و ٢٦ ١٩ شمالا.

(٢٥٨) يعطي ابن رسته والهمداني لهذه المحطة اسم قاع في الخريطة الحالية ، تقع على الخط ٤٠ ـ ٤٣ شرقا وخط ٤٦ ـ ٢٩ شمالا ـ ٢٥ ميلا عربيا من زبالة ـ أنظر خريطة المملكة العربية السعودية.

(٢٥٩) تقع عقبة الشيطان على بعد أربعين كيلومترا من المرحلة السابقة على الخط ١١ ٣٠ شمالا وخط ٦٢ / ٤٣ شرقا.

(٢٦٠) كانت (واقصة) مركزا هاما في القرون الأولى ، وهي تقع على الخط ٤٣ ٤٣ شرقا وخط ٣٥ / ٣٠ شمالا. وهي اليوم ضمن خريطة الجمهورية العراقية.

(٢٦١) لورة ، على بعد خمسة وعشرين كيلومترا شمال شرقي واقصة غرب المنطقة الجميلة التي تحمل اسم الأهوار التي كانت آخر زيارة لي لها يوم ٦ / ١١ / ١٩٨. انظرII ، ٢ ، ت ٢١.

(٢٦٢) يتحدث ابن جبير هنا عن" موضع فيه آثار بناء يعرف بالقرعاء وفيه مصنع ماء وله ستة مخازن وهي صهاريج صغار تؤدي إلي المصانع ، وكثرت المصانع حتى لا تكاد الكتب تحصرها ولا تضبطها هذا ويلاحظ دائما أن ابن بطوطة كان يسير بدقة على خطى ابن جبير ...

(٢٦٣) وصف لمنارة القرون. مأخوذ من ابن جبير الذي يحتوي على أخبار أكثر دقة عن هذه الصومعة المجللة كلها بقرون الغزلان ولو لا ضعف سند تلك الأخبار لاثبتناها يقول ابن جبير. وتقع القرون على بعد ٢٦ ميلا انجليزيا من المساجد.

٤١٥

يعرف بالعذيب (٢٦٤) وهو واد مخصب عليه عمارة ، وحوله فلاة خصبة فيها مسرح للبصر.

ثم نزلنا القادسية (٢٦٥) حيث كانت الوقعة الشهيرة على الفرس التي أظهر الله فيها دين الإسلام وأذل المجوس عبدة النار ، فلم تقم لهم بعدها قائمة ، واستأصل الله شأفتهم وكان أمير المسلمين يومئذ سعد بن أبي وقاص رضي‌الله‌عنه ، وكانت القادسية مدينة عظيمة افتتحها سعد رضي‌الله‌عنه وخربت فلم يبق منها الآن إلا مقدار قرية كبيرة وفيها حدائق النخل ، وبها مشارع من ماء الفرات.

__________________

(٢٦٤) العذيب مركز ماء بين القادسية والمغيثة هو حد العراق في العصر الوسيط وكان من منازل حاج الكوفة ، ويذكر ياقوت أنها كانت مسلحة الفرس بينها وبين القادسية حائطان متصلان ، وقد أكثر الشعراء من ذكرها. فمن ذلك قول عبد الله بن الحارث شاعر بني عباد.

(٢٦٥) يوم بحزوى ويوم بالعقيق ويو

م بالعذيب ويوم بالخليصاء!!

كانت القادسية موقعا للمعركة الشهيرة التي انتصر فيها الإسلام عام ١٥ ـ ٦٣٧ تحت قيادة سعد بن أبي وقاص وخلافا لما قاله ابن بطوطة فإن القادسية لم تكن اطلاقا مدينة عظيمة ويظهر حسب فقرته الأخيرة أن القادسية التبست عليه بالمدائن حيث يوجد الآن طاق كسرى وقبر سلمان الفارسي على ما أسلفناه.

٤١٦

الفصل الخامس

العراق وفارس

(عراق العرب وعراق العجم)

النّجف الأشرف

من النّجف إلى البصرة حيث سيبتدىء المجلد الثاني من السفر الأول

من البصرة إلى إصفهان

مدينة إصفهان والخروج إلى شيراز

مدينة شيراز

من شيراز إلى بغداد

مدينة بغداد

رحلة إلى تبريز عاصمة سلطنة عراق العرب والعجم

حجّة أخرى ومجاورته ثم حجّه مرة ثالثة.

٤١٧
٤١٨

٤١٩
٤٢٠