رحلة ابن بطوطة - ج ١

شمس الدين أبي عبد الله محمد بن عبد الله اللواتي الطنجي

رحلة ابن بطوطة - ج ١

المؤلف:

شمس الدين أبي عبد الله محمد بن عبد الله اللواتي الطنجي


المحقق: عبد الهادي التازي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: أكاديمية المملكة المغربية
الطبعة: ٠
ISBN: 9981-46-007-9
ISBN الدورة:
9981-46-006-0

الصفحات: ٤٣١

وهذا من النمط العالي من الشعر ، وقال فيها عرقلة الدمشقي الكلبي (١٦٥) :

الشام شامة وجنة الدّنيا (١٦٦) ، كما

إنسان مقلتها الغضيضة جلّق (١٦٧)

من اسها لك جنة لا تنقضي

ومن الشّقيق جهنم ولا تحرق!

وقال أيضا فيها :

أما دمشق فجنات معجّلة

للطّالبين ، بها الولدان والحور

ما صاح فيها على أوتاره قمر

إلّا يغنيه قمريّ وشحرور

يا حبّذا! ودروع الماء تنسجها

أنامل الريح إلا أنها زور

__________________

(١٦٥) القصد إلى حسّان بن نمير بن عجل الكلبي ، أبو الندى كان من سكان دمشق واتصل بالسلطان صلاح الدين الأيوبي فمدحه ونادمه ووعده السلطان المذكور بأن يعطيه ألف دينار إذا استولى على مصر ، فلما احتلها أعطاه ألفين فمات فجأة قبل أن ينتفع بنزول الغنى في ساحته!! أدركه أجله عام ـ ١١٧١ ٥٦٧ الزركلي : الاعلام ٢ ، ١٩١.

(١٦٦) تلاحظ التورية بين الشام والشامة التي تعني ـ كما هو معلوم ـ الخال والقصد إلى أن الشام شامة على خدّ العالم!!

(١٦٧) جلّق : علم جغرافي شهير في القصيدة العربية ويعني مكان إقامة للأمراء الغسانيين ملوك العرب قبل الإسلام ، وقد استعملت من لدن الشعراء ـ كما سلفت الإشارة إلى ذلك ـ كمعادل للعلم الجغرافي : الغوطة الواقعة بضواحي دمشق.

٣٠١

وله فيها أشعار كثيرة سوى ذلك : وقال فيها أبو الوحش سبع ابن خلف الأسدي (١٦٨) :

سقى دمشق الله غيثا محسنا

من مستهلّ ديمة دهاقها

مدينة ليس يضاهي حسنها

في سائر الدنيا ولا آفاقها

تود زوراء (١٦٩) العراق أنها

منها ولا تعزى إلى عراقها!

فأرضها مثل السماء بهجة

وزهرها كالزّهر في إشراقها

__________________

(١٦٨) تحرف عند بعض الناشرين اسم خلف إلى خلق ، والذي يوجد في سائر النسخ هو خلف بالفاء ويتعلق الأمر بأبي الوحش ، سبع بن خلف بن محمد بن عبد الله بن أحمد بن زين بن زياد بن المرار بن سعيد الأسدي الفقعسي ، وهو المعروف بوحيش الأسدي ، مدح السلطان صلاح الدين الأيوبي لما دخل دمشق سنة ٥٧٠ ـ ١٧٥ بقصيدة منها :

قد جاءك (النّصر) والتوفيق فاصطحبا

فكن لأضعاف هذا النصر مرتقبا!

رأيت جلّق ثغرا لا نظير له

فجئتها عامرا منها الذي خربا!!

وكان هذا بعد انتصار صلاح الدين على أسطول صقلية وهذا في طريقه إلى الاسكندرية ، وكان أسطولا عظيما هائلا وصل أوله وقت الظهر ولم يزل متواصلا متكاملا إلى وقت العصر ، وكان فيه ثلاثون ألف مقاتل ، بين فارس وراجل في ستمائة قطعة ما بين شيني وطرّاد وبسطة ، وفيها آلات الحرب والحصار ، حتى المجانيق الكبار بحجارتها التي ترمى بها والدبابات وغيرها.

عيون الروضتين في أخبار الدولتين لأبي شامة ، تحقيق أحمد البيسومي منشورات وزارة الثقافة دمشق ١٩٩٢ ق ٢ ص ٦. د. التازي : التاريخ الدولي للأمة العربية ، بحت قدم لمنظمة الاليسكو عام ١٩٩٤ للنشر ضمن كتاب (المرجع لتاريخ الأمة العربية).

٣٠٢

نسيم روضها متى ما قد سرى

افتكّ أخا الهموم من وثاقها

قد رتع الربيع في ربوعها

وسيقت الدنيا إلى أسواقها!!

لا تسأم العيون والأنوف من

رؤيتها يوما ولا استنشاقها!

ومما يناسب هذا للقاضي الفاضل عبد الرحيم البيساني فيها (١٧٠) من قصيدة ، وقد نسبت أيضا لابن المنير (١٧١) :

يا برق هل لك في احتمال تحية

عذبت فصارت مثل مائك سلسلا

باكر دمشق بمشق أقلام الحيا

زهر الرياض مرصّعا ومكلّلا

واجرر بجيرون (١٧٢) ذيولك واختصص

مغنى تأزّر بالعلى وتسربلا

__________________

(١٦٩) الزوراء : اسم أعطى عند البعض لدجلة وعند آخر يطلق على القسم الغربي من بغداد ...

(١٧٠) عبد الرحيم هذا معروف بلقبه (القاضي الفاضل) من أئمة الكتاب ، ولد بفلسطين وانتقل إلى القاهرة وبها أدركه أجله عام ٥٩٦ ـ ١٢٠٠ كان وزيرا للسلطان صلاح الدين الذي كان يقول عنه : " لا تظنوا أني ملكت البلاد بسيوفكم بل بقلم القاضي الفاضل" ...!. ـ ابن خلكان : الوفيات ج ٣ ـ ١٥٨

(١٧١) القصد إلى أحمد ابن منير بن أحمد بن مفلح من أهل طرابلس الشام ، وبها ولد ، أبو الحسين ، مهذب الدين .. شاعر مشهور من أهل طرابلس الشام مدح السلطان العادل محمود بن زنكي بأبلغ قصائده ... وكان هجاء مرا ، وعوقب على ذلك ، من شعره في جملة قصيدة :

وإذا الكريم رأى الخمول نزيله

في منزل فالحزم أن يترحلا!!

دركه أجله في حلب جمادى الآخرة سنة ٥٤٨ شتنبر ١١٥٣. ـ ابن خلكان : الوفيات ١ ، ١٥٦ ـ ١٥٧.

(١٧٢) جيرون حي يوجد في شرق المسجد الأعظم ...

٣٠٣

حيث الحيا الرّبعي محلول الحبا

والوابل الرّبعى مفريّ الكلا

وقال فيها أبو الحسن عليّ بن موسى بن سعيد (١٧٣) العنسى الغرناطي المدعو نور الدين :

دمشق منزلنا حيث النعيم بدا

مكمّلا ، وهو في الآفاق مختصر

القضب راقصة والطير صادحة

والزّهر مرتفع والماء منحدر

وقد تجلّت من اللّذات أوجهها

لكنّها بظلال الدّوح تستتر

وكلّ واد به موسى يفجّره (١٧٤)

وكلّ روض على حافاته الخضر!

وقال أيضا فيها :

خيّم بجلق بين الكأس والوتر

في جنّة هي ملء السّمع والبصر

ومتع الطّرف في مرأى محاسنها

وروّض الفكر بين الرّوض والنّهر

وانظر إلى ذهبيات الأصيل بها

واسمع إلى نغمات الطّير في الشّجر

__________________

(١٧٣) تقدمت ترجمة ابن سعيد المغربي في هذا الفصل ، تعليق رقم ٧٩.

(١٧٤) السورة ٧ ، الآية ١٦٠ من القرآن الكريم : " وأوحينا إلى موسى إذا استسقاه قومه أن اضرب بعصاك الحجر فانبجست منه اثنتا عشرة عينا".

٣٠٤

وقل لمن لام في لذّاته بشرا

دعني فإنك عندي سوقة البشر!

وقال أيضا فيها :

أما دمشق فجنّة

ينسى بها الوطن الغريب

لله أيام السّبوت

بها (١٧٥) ، ومنظرها العجيب

أنظر بعينك هل ترى

إلا محبا أو حبيب!!

في موطن غنى الحمام

به على رقص القضيب

وغدت أزاهر روضه

تختال في فرح وطيب

__________________

(١٧٥) يقصد يوم السبت الذي كان يوم راحة للناس في دمشق على ما سنذكر ، وقد كان الأمر على هذا في الغرب الإسلامي حيث نقرأ أن للسبت والأحد اعتبارا خاصا عنذ شعراء الأندلس.

نطوي سبوتا وأحادا وننشرها

ونحن في الطّي بين السبت والأحد!!

فعدّ ما شئت من سبت ومن أحد

لا بد أن يدخل المطوي في العدد!

وقد قال الآخر :

ألم تر أن الدّهر يوم وليلة

يكرّان من سبت عليك إلى سبت!

وقد حفظنا قول أبي الحسن ابن الزقّاق :

وحبّب يوم السبت عندي أتي

ينادمني فيه الذي أنا أحببت

ومن أعجب الأشياء أنني مسلم

حنيف ولكن خير أيامي السبت!

٣٠٥

وأهل دمشق لا يعملون يوم السبت عملا ، إنما يخرجون إلى المنتزهات وشطوط الأنهار ، ودوحات الأشجار ، بين البساتين النضيرة ، والمياه الجارية ، يكونون بها يومهم إلى الليل ، وقد طال بنا الكلام في محاسن دمشق فلنرجع إلى كلام الشيخ أبي عبد الله.

ذكر جامع دمشق المعروف بجامع بني أمية

وهو أعظم مساجد الدّنيا احتفالا ، وأتقنها صناعة وأبدعها حسنا وبهجة وكمالا ، ولا يعلم له نظير ولا يوجد له شبيه ، وكان الذي تولى بناءه وإتقانه أمير المؤمنين الوليد بن عبد الملك بن مروان (١٧٦) ، ووجه إلى ملك الروم بقسطنطينية يأمره أن يبعث اليه الصناع ، فبعث اليه أثنى عشر ألف صانع ، وكان موضع المسجد كنيسة فلما افتتح المسلمون دمشق دخل خالد بن الوليد رضي‌الله‌عنه من إحدى جهاتها بالسيف فانتهى إلى نصف الكنيسة ، ودخل أبو عبيدة بن الجراح رضي‌الله‌عنه من الجهة الغربية صلحا فانتهى إلى نصف الكنيسة فصنع المسلمون من نصف الكنيسة الذي دخلوه عنوة مسجدا وبقى النصف الذي صالحوا عليه كنيسة (١٧٧)! فلما عزم الوليد على زيادة الكنيسة في المسجد طلب من الروم أن يبيعوا منه كنيستهم تلك بما شاءوا من عوض ، فأبوا عليه فانتزعها من أيديهم ، وكانوا يزعمون أن الذي يهدمها يجنّ ، فذكروا ذلك للوليد فقال : أنا أول من يجنّ في سبيل الله! وأخذ الفأس وجعل يهدم بنفسه فلما رأى المسلمون ذلك تتابعوا على الهدم وأكذب الله زعم الروم.

وزيّن هذا المسجد بفصوص الذهب المعروفة بالفسيفساء (١٧٨) تخالطها أنواع الأصبغة الغريبة الحسن ، وذرع المسجد في الطول من الشرق إلى الغرب مائتا خطوة ، وهي

__________________

(١٧٦) الوليد بن عبد الملك بن مروان ولى بعد وفاة والده ، وكان من رجاله موسى بن نصير ومولاه طارق بن زياد وامتدت الدولة الإسلامية في زمنه إلى بلاد الهند وأطراف الصين ، وهو الذي هدم مسجد المدينة والبيوت المحيطة به ثم بناه بناء جديدا وصلح الكعبة والميزاب والاساطين في مكة وبنى المسجد الأقصى في القدس وبنى مسجد دمشق المعروف بالمسجد الأموي ، أدركه أجله عام ٩٦ ـ ٧١٥ ودفن بدمشق ومن الطريف أن نعرف أنه استعان في بعض هذه الأعمال وخاصة مسجد المدينة ـ بخبرة البيزنطيين الذين لم يترددوا في تلبية الدعوة. ـ د. التازي : المسجد في المأثور الاسلامي (نشر ضمن كتاب جامع الحسن الثاني ص ٣٢٤ ـ رقم الإيداع القانوني ١٩٩٣ / ٦٥٥.

(١٧٧) هذه القصة المروية عن عدد من المؤرخين تتوافق وفتح دمشق عام ١٤ ـ ٦٣٥

K. A. C. CRESWELL : EARLY MUSLIM ARCHITECTURE, OXFORD ٢٣٩١.

(١٧٨) كلمة الفسيفساء من أصل إغريقي (PSEFOX) ويلاحظ أن بعض الفسيفساء ما يزال صامدا إلى الآن.

٣٠٦

٣٠٧

ثلاثمائة ذراع ، وعرضه من القبلة إلى الجوف مائة وخمس وثلاثون خطوة ، وهي مائتا ذراع ، وعدد شمسات الزجاج الملونة التي فيه أربع وسبعون ، وبلاطاته ثلاثة مستطيلة من شرق إلى غرب ، سعة كل بلاط منها ثمان عشرة خطوة ، وقد قامت على أربع وخمسين سارية ، وثماني أرجل جصّيّة تتخللها وست أرجل مرخّمة مرصعة بالرخام الملوّن ، قد صوّر فيها أشكال محاريب وسواها ، وهي تقل قبة الرصاص التي أمام المحراب المسماة بقبّة النسر (١٧٩) كأنهم شبهوا المسجد نسرا طائرا والقبة رأسه ، وهي من أعجب مباني الدنيا ، ومن أي جهة استقبلت المدينة بدت لك قبة النسر ذاهبة في الهواء منيفة على جميع مباني البلاد ، وتستدير بالصحن بلاطات ثلاثة من جهاته الشرقية والغربية والجوفية ، سعة كل بلاط منها عشر خطا ، وبها من السواري ثلاث وثلاثون ، ومن الأرجل أربع عشر ، وسعة الصحن مائة ذراع ، وهو من أجل المناظر وأتمها حسنا ، وبها يجتمع أهل المدينة بالعشايا ، فمن قارىء ومحدث وذاهب ، ويكون انصرافهم بعد العشاء الأخيرة ، وإذا لقى أحد كبرائهم من الفقهاء وسواهم صاحبا له أسرع كل منهما نحو صاحبه وحطّ رأسه.

وفي هذا الصحن ثلاث من القباب : إحداها في غربيّه وهي أكبرها ، وتسمى قبة عائشة أم المؤمنين ، وهي قائمة على ثمان سواري من الرخام مزخرفة بالفصوص والأصبغة الملونة مسقفة بالرصاص يقال إن مال الجامع كان يختزن بها.

وذكر لي أن فوائد مستغلات الجامع ومجابيه نحو خمسة وعشرين الف دينار ذهبا في كل سنة(١٨٠) ، والقبة الثانية من شرقي الصحن على هيئة الأخرى إلا أنها أصغر منها قائمة على ثمان سواري الرخام وتسمى قبة زين العابدين (١٨١) ، والقبة الثالثة في وسط الصحن ،

__________________

(١٧٩) يلاحظ أن ابن بطوطة يختصر الوصف الذي حكاه ابن جبير عمّا يعتقده الناس حول قبّة النسر فانظره (ص ٢١٣) وأن أصل هذا التعريف ناتج عن كلمة اغريقية (AETOS) التي تعني النّسر أكثر مما تعني الحمام ...

(١٨٠) يلاحظ أن ابن بطوطة حوّل صرف ٨٠٠٠ دينار التي وردت عند ابن جبير والتي ذكر هناك أنّها تساوي خمسة عشر ألف دينار مؤمنية ، حوّلها ، أي ابن بطوطة ، إلى الصرف في عهده هو ، عند ما قال أنها تساوي خمسة وعشرين ألف دينار ، وقد فعل ذلك لتيويم"ACTUALISER " المعلومات ، هذا ويلاحظ أن عادة اختزان الأموال بالجامع لم تكن مقتصرة على المشرق ولكنها معروفة أيضا بالمغرب ، وقد تحدتنا عن" المستودعات" التي كانت جامع القرويين بفاس تعرفها في العهد المتقدم من حياتها. ـ د. التازي : جامع القرويين المسجد الجامعة بمدينة فاس ، دار الكتاب اللبناني ، بيروت ١٩٧٢ ج I ص ٧٦ ـ ٧٧. رحلة ابن جبير ، منشورات دار ومكتبة الهلال ، بيروت ـ لبنان ١٩٨١ ص ٢١٦.

(١٨١) القصد إلى زين العابدين ولد الحسين ابن علي ...

٣٠٨

وهي صغيرة مثمنة من رخام عجيب محكم الإلصاق قائمة على أربع سواري من الرخام الناصع وتحتها شباك حديد في وسطه أنبوب نحاس يمجّ الماء إلى علو فيرتفع ثم ينثنى كأنه قضيب لجين ، وهم يسمونه قفص الماء ، ويستحسن الناس وضع أفواههم فيه للشرب ، وفي الجانب الشرقي من الصحن باب يفضي إلى مسجد بديع الوضع يسمى مشهد علي بن أبي طالب رضي الله (١٨٢)عنه، ويقابله من الجهة الغربية حيث يلتقى البلاطان الغربي والجوفي موضع يقال : إن عائشة رضي‌الله‌عنها سمعت الحديث هنالك.

وفي قبلة المسجد المقصورة العظمى (١٨٣) التي يؤم فيها إمام الشافعية ، وفي الركن الشرقي منها إزاء المحراب خزانة كبيرة فيها المصحف الكريم الذي وجهه أمير المومنين عثمان بن عفان (١٨٤) رضي‌الله‌عنه إلى الشام ، وتفتح تلك الخزانة كلّ يوم جمعة بعد الصلاة فيزدحم الناس على لثم ذلك المصحف الكريم ، وهنالك يحلّف الناس غرماءهم ومن ادعوا عليه شيئا ، وعن يسار المقصورة محراب الصحابة ، ويذكر أهل التاريخ أنه أول محراب وضع في الإسلام ، وفيه يؤم إمام المالكية ، وعن يمين المقصورة محراب الحنفية وفيه يؤم إمامهم ، ويليه محراب الحنابلة وفيه يؤم إمامهم.

ولهذا المسجد ثلاث صوامع إحداها بشرقيه ، وهي من بناء الروم (١٨٥) ، وبابها داخل المسجد وبأسفلها مطهرة وبيوت للوضوء يغتسل فيها المعتكفون والملتزمون للمسجد ويتوضؤون ، والصومعة الثانية بغربيّه وهي أيضا من بناء الروم (١٨٦) ، والصومعة الثالثة

__________________

(١٨٢) معنى المشهد هنا لا يقصد إلى وجود قبر عليّ رضي‌الله‌عنه، ولكن القصد إلى مزارة تصور بعضهم أن عليا شوهد فيها، مناما ، مصليا ونذكر هنا أنه لا الإمام علي ولا السيدة عائشة كلّ منهما لم يقم بزيارة لدمشق ... ابن جبير: الرحلة ٢١٦ ...

(١٨٣) المقصورة تعني سياجا يشيد خصيصا للخليفة أو الحاكم لحمايته أثناء أداء الصلاة ... ابن جبير : الرحلة ص ٢١٤ ص ٣٣٦. ـ د. التازي : المسجد في المأثور الإسلامي / مصدر سابق /.

(١٨٤) الخليفة عثمان رضي‌الله‌عنه هو الذي قام بعملية جمع القرآن وقام بإرسال نسخ ممّا جمع لعواصم الأقاليم الإسلامية الأخرى. وحول مصحف عثمان بن عفان يراجع تاريخ المنّ بالإمامة تأليف ابن صاحب الصلاة ، تحقيق : عبد الهادي التازي. الطبعة الثالثة ، دار الغرب الإسلامي بيروت ١٩٨٧ ص ٣٥٠ تعليق l.

(١٨٥) كانت في الأصل منارة للكنيسة وقد تهدمت في أعقاب زلزال ضرب المدينة عام ٧٣٩ ـ ١٣٣٩ قبل أن تبنى من جديد ...

(١٨٦) نلاحظ أن هذه الصومعة أيضا من بناء البيزنطيين الذين استعان بهم الوليد على ما أسلفنا.

٣٠٩

بشماله وهي من بناء المسلمين (١٨٧) وعدد المؤذنين به سبعون مؤذنا ، وفي شرقي المسجد مقصورة كبيرة فيها صهريج ماء وهي لطائفة الزّيالعة (١٨٨) السودان ، وفي وسط المسجد قبر زكرياءعليه‌السلام(١٨٩)، وعليه تابوت معترض بين أسطوانتين مكسو بثوب حرير أسود معلّم فيه مكتوب بالأبيض : " يا زكرياء إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى (١٩٠) ، وهذا المسجد شهير الفضل ، وقرأت في (فضايل دمشق) عن (١٩١) سفيان الثوري (١٩٢) أن الصلاة في مسجد دمشق بثلاثين ألف صلاة ، وفي الأثر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : يعبد الله فيه بعد خراب الدنيا أربعين سنة ، ويقال إن الجدار القبلي منه وضعه نبي الله هود عليه‌السلام وأن قبره به ، وقد رأيت على مقربة من مدينة ظفار اليمن بموضع يقال له الأحقاف بنية فيها قبر مكتوب عليه : هذا قبر هود بن عابر صلى‌الله‌عليه‌وسلم (١٩٣).

ومن فضايل هذا المسجد أنه لا يخلو عن قراءة القرآن والصلاة إلا قليلا من الزمان ، كما سنذكره ، والناس يجتمعون به بعد صلاة العصر لقراءة تسمى الكوثرية (١٩٤) يقرءون

__________________

(١٨٧) تدعى بالعروس (THE BRIDE) وتشتهر على أنها أول منارة بناها المسلمون بالمسجد ...

(١٨٨) نسبة إلى زيلع التي تقع اليوم في الصومال وسيأتي الحديث عنها ...

(١٨٩) هذه البناية التي توجد في الرواق الجنوبي تنسب عادة إلى سيدنا يحيى وحسب ابن جبير فإن هذا قبر لرأسه ـ ص ٢٢١.

(١٩٠) السورة ١٩ ، الآية ٧.

(١٩١) لعل الأمر يتعلق بتاريخ مدينة دمشق لابن عساكر المتوفى عام ٥٧١ ـ ١١٧٦ ، وقد اختصره الشيخ عبد القادر بدران بحذف الاسانيد والمكررات ويسمى هذا" المختصر" تهذيب تاريخ ابن عساكر طبعت بعض أجزاء منه. أنظر تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر تحقيق محمد أحمد دهمان مطبوعات المجمع العربي بدمشق ـ مطبعة الترقّي ١٣٨٣ ـ ١٩٦٣.

(١٩٢) سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري أمير المومنين في الحديث راوده المنصور العباسي على أن يلي الحكم فأبى ـ توفي بالبصرة عام ١٦١ ـ ٧٧٨ له من الكتب (الجامع الكبير) و (الجامع الصغير) ابن خلكان ٢ ، ٣٨٦ ـ تراجع (هدية المغيث في أمراء المؤمنين في الحديث) للشيخ محمد حبيب الله الشنقيطي

(١٩٣) الواقع الذي أطبقت عليه الروايات أن قبر نبي الله هود عليه‌السلام يوجد بحضر موت وقد وقفت عليه أثناء زيارتي لليمن عام ١٩٩٢ ، ولعل الذين تحدثوا عن وجوده هنا ربما التبس عليهم بقبر نبي الله أيوب الذي يوجد على مقربة من المسجد والعين المشهورة ـ كما يقول المسعودي ـ ببلاد نوا والجولان ، فيما بين دمشق وطبرية ... وهذا المسجد والعين على ثلاثة أميال من مدينة نوا ويوجد الحجر الذي كان يأوي إليه في خلال بلائه هو وزوجته رحما في ذلك المسجد إلى وقت المسعودي (٣٣٢ ه‍ ـ ٩٤٤ م) ، ويذكر ياقوت في كتابه (معجم الأدباء) عند ترجمته لأسامة بن منقذ أن القبر يقع في عقبة افيق. وقد حالت ظروف الاحتلال الاسرائيلي من زيارتي لقبر سيدنا ايوب عام ١٩٩٣ ...

(١٩٤) يعني السور السبع الأخيرة من القرآن الكريم ، وهي من القصار.

٣١٠

فيها من سورة الكوثر إلى آخر القرآن ، وللمجتمعين على هذه القراءة مرتبات تجرى لهم ، وهم نحو ستمائة انسان ، ويدور عليهم كاتب الغيبة فمن غاب منهم قطع له عند دفع المرتب بقدر غيبته(١٩٥) ، وفي هذا المسجد جماعة كبيرة من المجاورين لا يخرجون منه ، مقبلون على الصلاة والقراءة والذّكر لا يفترون عن ذلك ويتوضأون من المطاهر التي بداخل الصومعة الشرقية التي ذكرناها ، وأهل البلد يعينونهم بالمطاعم والملابس من غير أن يسألوهم شيئا من ذلك.

وفي هذا المسجد أربعة أبواب : باب قبلي يعرف بباب الزّيادة ، وبأعلاه قطعة من الرمح الذي كانت فيه راية خالد بن الوليد رضي‌الله‌عنه ، ولهذا الباب دهليز كبير متسع فيه حوانيت السقاطين وغيرهم ، ومنه يذهب إلى دار الخيل (١٩٦) ، وعن يسار الخارج منه سماط الصفارين وهي سوق عظيمة ممتدة مع جدار المسجد القبلي من أحسن أسواق دمشق ، وبموضع هذه السوق كانت دار معاوية بن أبي سفيان رضي‌الله‌عنه (١٩٧) ودور قومه ، وكانت تسمى الخضراء فهدمها بنو العباس رضي‌الله‌عنهم ، وصار مكانها سوقا ، وباب شرقي وهو أعظم أبواب المسجد ويسمى باب جيرون وله دهليز عظيم يخرج منه إلى بلاط عظيم طويل أمامه خمسة أبواب لها ستة أعمدة طوال (١٩٨) ، وفي جهة اليسار منه مشهد عظيم ، كان فيه رأس الحسين رضي‌الله‌عنه ، وبإزائه مسجد صغير ينسب إلى عمر بن عبد العزيز رضي‌الله‌عنه ، وبه ماء جار.

وقد انتظمت أمام البلاط درج ينحدر فيها إلى الدهليز ، وهو كالخندق العظيم يتصل بباب عظيم الارتفاع تحته أعمدة كالجذوع طوال ، وبجانبي هذا الدهليز أعمدة قد قامت

__________________

(١٩٥) ما قدمه ابن بطوطة عن (المجتمع الكوثري) مأخوذ من رحلة ابن جبير ص ٢٢٠.

(١٩٦) دار الخيل في البداية كانت ملحقة بالقصر الأموي الذي أصبح جانب كبير منه محتلا فيما بعد بالمدرسة الأمينية المؤسسة عام ٥١٤ ـ ١١٢٠. ابن شداد : الاعلاق الخطيرة ، تحقيق : سامي الدهان ، دمشق ١٣٨٢ ـ ١٩٦٢ ، ص ٢٥ ...

(١٩٧) تلك الدار هي القصر الأخضر : أو (الخضراء) التي كان يسكنها الخليفة الأموي الأول معاوية (ت ٦٠ ـ ٦٨٠) وربما كانت من تشييد بيزنطي ... كان معاوية ابن أبي سفيان معدودا في كتاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد إسلامه وتعلمه الكتابة والحساب ، بلغت فتوحاته المحيط الأطلسي ، أول مسلم ركب بحر الروم للغزو وأول من نصب المحراب في المساجد ... كان عمر يقول عنه : انه كسرى العرب! ترجم له عدد كبير من المؤرخين ... الاعلاق الخطيرة.

(١٩٨) كانت من بقايا معبد روماني وقد هدمت سنة ١٢٧٤ ـ ١٨٥٨.

٣١١

عليها شوارع مستديرة فيها دكاكين البزّازين وغيرهم ، وعليها شوارع مستطيلة فيها حوانيت الجوهريين والكتبيين وصناع أواني الزجاج العجيبة.

وفي الرحبة المتصلة بالباب الأول دكاكين لكبار الشهود : منها دكانان للشافعية ، وسائرها لأصحاب المذاهب ، يكون في الدكان منها الخمسة والستة من العدول (١٩٩) والعاقد للأنكحة من قبل القاضي ، وسائر الشهود مفترقون في المدينة ، وبمقربة من هذه الدكاكين سوق الورّاقين الذين يبيعون الكاغد والأقلام والمداد ، وفي وسط الدهليز المذكور حوض من الرخام كبير مستدير عليه قبة لا سقف لها تقلها أعمدة رخام وفي وسط الحوض أنبوب نحاس يزعج الماء بقوة فيرتفع في الهواء أزيد من قامة الانسان يسمونه الفوارة (٢٠٠) ، منظره عجيب.

وعن يمين الخارج من باب جيرون وهو باب الساعات : غرفة لها هيئة طاق كبير فيه طيقان صغار ، لها أبواب على عدد ساعات النهار ، والأبواب مصبوغ باطنها بالخضرة وظاهرها بالصفرة ، فإذا ذهبت ساعة من النهار انقلب الباطن الأخضر ظاهرا والظاهر الأصفر باطنا ، ويقال : إن بداخل الغرفة من يتولى قلبها بيده عند مضي الساعات (٢٠١).

والباب الغربي يعرف بباب البريد ، وعن يمين الخارج منه مدرسة للشافعية ، (٢٠٢) ، وله دهليز فيه حوانيت للشماعين ، وسماط لبيع الفواكه ، وبأعلاه باب يصعد اليه في درج له أعمدة

__________________

(١٩٩) الذي يقوم بوظيفة الشاهد أو الموثق نسميه في المغرب العدل ويجمع على عدول ، ومعلوم أن الإسلام يولي أهمية كبرى لاثبات الحق والتوثيق. تراجع الآية الكريمة رقم ٢٨٢ سورة البقرة : اذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه" وهي أطول آية في القرآن ...

(٢٠٠) المغاربة يطلقون على الفوارة : الخصة.

(٢٠١) هذه الساعة الشهيرة أنشأها نور الدين محمود بن زنكي الذي امتد حكمه من ٥٤٩ ـ ١١٥٤ إلى ٥٦٩ ـ ١١٧٤ ، وكانت تتوفر على ألية جدّ دقيقة على نحو ما نقرأه مفصلا عند ابن جبير ص ٢١٢. وقد كثر الاهتمام بأمر هذه الساعات المائية سواء في المشرق أو المغرب ... ساعات من القرن الرابع عشر في فاس للأستاذ برايس ، تعريب : عبد الهادي التازي ، مجلة المجمع العلمي العراقي ، المجلد ١٣ ، سنة ١٩٦٦ ١٣٨٥ ـ ـ التازي : جامع القرويين ، طبع دار الكتاب اللبناني ، بيروت ، ١٩٧٢ ، ج ٢ ، ص ٢٤٥ ، التعليق : ٤٣ ... ـ التاريخ الدبلوماسي للمغرب ، ج ٧ ، ص ١٨ ، تعليق : ٤٣

(٢٠٢) في حديثه عن الخانقاه السّميساطية (الشافعية) قال ابن جبير : إن الشخص الذي اشتراها وأمر ببنائها وخصص لها أوقافا عديدة كان يحمل اسما عربيا. وكان قصده إلى علي بن محمد بن يحيى السلمي السّميساطي نسبة إلى سميساط جنوب شرقي تركيا فهو الذي عمر الخانقاه السّميساطية ، وتعرف اليوم بالشميساتية (رحلة ابن جبير ص ٢٣٦).

٣١٢

سامية في الهواء ، وتحت الدرج سقايتان عن يمين وشمال مستديرتان ، والباب الجوفي يعرف بباب النّطفانيين (٢٠٣) ، وله دهليز عظيم ، وعن يمين الخارج منه خانقاه تعرف بالشّميعانية (٢٠٤) في وسطها صهريج ماء ، ولها مطاهر يجرى فيها الماء ، ويقال إنها كانت دار عمر بن عبد العزيزرضي‌الله‌عنه، وعلى كل باب من أبواب المسجد الأربعة دار وضوء يكون فيها نحو مائة بيت تجري فيها المياه الكثيرة.

ذكر الأئمة بهذا المسجد

وأئمته ثلاثة عشر إماما أولهم إمام الشافعية ، وكان في عهد دخولي اليها إمامهم قاضي القضاة جلال الدين محمد بن عبد الرحمن القزويني (٢٠٥) ، من كبار الفقهاء وهو الخطيب بالمسجد وسكناه بدار الخطابة ويخرج من باب الحديد إزاء المقصورة وهو الباب الذي كان يخرج منه معاويةرضي‌الله‌عنه ، وقد تولى جلال الدين بعد ذلك قضاء القضاة بالدّيار المصرية بعد أن أدى عنه الملك الناصر نحو مائة ألف درهم كانت عليه دينا بدمشق ، وإذا سلّم إمام الشافعية من صلاته أقام الصلاة إمام مشهد علي ، ثم إمام مشهد الحسين ثم إمام الكلّاسة (٢٠٦) ثم إمام مشهد أبي بكر ثم إمام مشهد عمر ثم إمام مشهد عثمان رضي‌الله‌عنهم أجمعين.

ثم إمام المالكية وكان إمامهم في عهد دخولي إليها الفقيه أبو عمر بن أبي الوليد ابن الحاج التّجيبي القرطبي الأصل الغرناطي المولد نزيل دمشق (٢٠٧) وهو يتناوب مع أخيه رحمهما‌الله ،.

__________________

(٢٠٣) يعنى صانعي الناطف : مشروب مركب من عصير العنب وعناصر مماثلة ...

(٢٠٤) أو الشومانية : اسم محلى ...

(٢٠٥) محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن احمد بن أبي دلف العجلي القزويني أبو المعالي جلال الدين سكن الروم مع والده وأخيه وولى قضاء ناحية بالروم وله دون العشرين ثم عينه الناصر على قضاء الشام ثم قضاء القضاة بمصر ثم أعيد إلى قضاء الشام فاستمر بها إلى أن أدركه أجله بها عام ٧٣٩ ـ ١٣٣٨. له من الكتب (تلخيص المفتاح) في المعاني والبيان ، الذي كنا ندرسه في جامعة فاس ، الدرر الكامنة ٤ ، ١٢٠ إلى ١٢٣.

(٢٠٦) القصد إلى خانقاه صغيرة بناها نور الدين بن زنكى شمال المسجد الأموي عام ٥٥٥ ـ ١١٦٠ وقد احترقت في نفس السنة مع منارة العروس وشيدت مرة أخرى من لدن صلاح الدين وكان فيها مثواه الأخير عام ٥٨٩ ـ ٩٩٣ ...

(٢٠٧) هو أحمد بن محمد بن أحمد ١٢٧٢ ـ ١٣٤٦ ـ ٦٧٠ ـ ٧٤٦ ، ابن الامام السابق للجامع ، أخوه هو فخر الدّين عبد الله الذي كان أصغر منه بثلاث سنوات ١٢٧٦ ـ ١٣٤٢ ـ راجع الدرر الكامنة ج ١ ص ١٤٧ ج II ص ٢٨٦ ثم الجزءIII ص ٣٥٠ ...

٣١٣

ثم إمام الحنفية وكان إمامهم في عهد دخولي اليها الفقيه عماد الدين الحنفي المعروف بابن الرومي(٢٠٨) ، وهو من كبار الصوفية وله شياخة الخانقاة الخاتونية ، وله أيضا خانقاه بالشرف الأعلى (٢٠٩).

ثم إمام الحنابلة ، وكان في ذلك العهد الشيخ عبد الله الكفيف (٢١٠) أحد شيوخ القراءة بدمشق. ثم بعد هؤلاء خمسة أئمة لقضاء الفوايت (٢١١) ، فلا تزال الصلاة في هذا المسجد من أول النهار إلى ثلث الليل وكذلك قراءة القرآن. وهذا من مفاخر هذا الجامع المبارك.

ذكر المدرسين والمعلمين به.

وبهذا المسجد حلقات التدريس في فنون العلم ، والمحدثون يقرءون كتب الحديث على كراسي مرتفعة ، وقراء القرآن يقرءون بالأصوات الحسنة صباحا ومساء وبه جماعة من المعلمين لكتاب الله يستند كل واحد منهم إلى سارية من سواري المسجد يلقّن الصبيان ويقرئهم ، وهم لا يكتبون القرآن في الألواح تنزيها لكتاب الله تعالى ، وانما يقرءون القرآن تلقينا.

ومعلم الخط غير معلم القرآن يعلمهم بكتب الأشعار وسواها ، فينصرف الصبي من التعليم إلى التكتيب وبذلك جاد خطه لان المعلّم للخط لا يعلّم غيره ، ومن المدرسين بالمسجد المذكور العالم الصالح برهان الدين بن الفركح الشافعي (٢١٢) ، ومنهم العالم الصالح نور

__________________

(٢٠٨) القصد إلى عماد الدين بن شهاب الدّين الرّومي : أحمد بن محمد بن إبراهيم الرومي الحنفي قدم دمشق ... ثم ولى إمامة الحنفية بالجامع الأموي وكان الأفرم يعظمه ويكرمه إلى أن مات في ربيع الآخر ٧١٧ ـ ١٣١٧ تناوب مع أخيه شرف الدين على ما كان يقوم به والدهما في مهامه بالمدرسة المعينية. الدرر ج II ص ٢٥٧.

(٢٠٩) الشّرف الأعلى هو الاسم الذي أعطى للحي الذي يوجد على الساحل الشمالي لنهر بردى غربي المدينة.

(٢١٠) من المحتمل أن يكون القصد إلى عبد الله بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن محمد السعدي الملقب محب الدين ، الدمشقي الصالحي الحنبلي ... أسمعه أبوه.

(٢١١) طريقة طريفة لتدارك ما قد يقع من إهمال لأوقات الصلاة.

(٢١٢) هو أبو إسحاق ابراهيم بن تاج الدين عبد الرحمن بن ابراهيم بن سباع بن ضياء الفزاري برهان الدين ابن الفركاح من كبار الشافعية ، صعيدي قرأ على والده ثم أصبح من أهل دمشق درس بالبادرائية ، وكان جده فقيها كبيرا ، ولي وكالة بيت المال لكنه تركها ازدراء لها ... أدركه أجله بدمشق في جمادى الأولى عام ٧٢٩ ـ ١٣٢٩ ، من كتبه تعليق على مختصر ابن الحاجب والإعلام بفضائل الشام ... الدرر الكامنةI ، ٣٥.

٣١٤

الدين أبو اليسر بن الصايغ (٢١٣) من المشتهرين بالفضل والصلاح ، ولمّا ولى القضاء بمصر جلال الدين القزويني ، وجّه إلى أبي اليسر الخلعة والامر بقضاء دمشق ، فامتنع من ذلك ، ومنهم الامام العالم شهاب الدين بن جهبل من كبار العلماء ، هرب من دمشق لما امتنع أبو اليسر من قضائها خوفا من أن يقلد القضاء فاتصل ذلك بالملك الناصر فولى قضاء دمشق شيخ الشيوخ بالديار المصرية قطب العارفين لسان المتكلمين ، علاء الدين (٢١٥) القونوى وهو من كبار الفقهاء ، ومنهم الامام الفاضل بدر الدين على السّخاوي المالكي (٢١٦) رحمة الله عليهم أجمعين.

ذكر قضاة دمشق

قد ذكرنا قاضي القضاة الشافعية بها جلال الدين محمد بن عبد الرحمن القزويني ، وأما قاضي المالكية فهو شرف الدين (٢١٧) ابن خطيب الفيوم ، حسن الصورة والهيئة من كبار الرؤساء وهو شيخ شيوخ الصوفية ، والنائب عنه في القضاء شمس الدين بن

__________________

(٢١٣) لعلّ القصد إلى بدر الدين محمد بن محمد الأنصاري شيخ المدرسة الدّماغية الذي عاش من سنة ٦٧٦ ـ ١٢٧٧ إلى ٧٣٨ ـ ١٣٣٨.

النعيمي الدمشقي : الدارس في تاريخ المدارس ، تحقيق الأمير جعفر الحسني دمشق ١٣٧٠ ـ ١٩٥١.

Gibb : th Travels T. ١ P. ٤٣١ Note ٣٤٢.

(٢١٤) هو أحمد بن يحيى بن اسماعيل ... بن جهبل الحلبي ثم الدمشقي الشافعي ، عين شيخا بالبادرائية بعد وفاة برهان الدين ابن الفركاح سالف الذكر. أدركه أجله في جماد الآخرة ٧٣٣ ـ ١٣٣٣ الدرر الكامنةl ، ٣٥٠.

(٢١٥) كتب خطأ في مخطوطة الخزانة الحسنية الغزنوي ... ، والصواب القونوي نسبة إلى قونية في بلاد الروم ، وهو علي بن اسماعيل بن يوسف ، أبو الحسن علاء الدين ولد بقونيه ، فقيه من الشافعية سأله السلطان أن يتولى قضاء الشام فاعتذر قائلا : لي أطفال يتأدون بالحركة! فقال له السلطان وهو باسط يديه أنا احملهم على كفوفي إلى الشام! فقبل حياء عام ٧٢٧. وأقام بها إلى أن توفي عام ٧٢٩ ـ ١٣٢٩ وهو شارح الحاوي الصغير ، له ترجمة حافلة في الدرر ٣ ، ص ٩٣.

(٢١٦) نعت السخاوي بالمالكي حتى لا يلتبس بالسخاوي الشافعي (ت ٦٤٣ ـ ١٢٤٥) ، والسخاوي المالكي هو نور الدين (وليس بدر الدين) علي ابن عبد النصير بن عبد الخالق ، توفى سنة ٧٥٦ ـ ١٣٥٥ ترجمته في الدرر الكامنة ٣ ، ١٥٠ ـ ١٥١ / النعيمي الدمشقي : الدارس في تاريخ المدارس ج ٢ ، ص ٨ ـ ١٤.

(٢١٧) شرف الدين محمد بن قاضي القضاة معين الدين أبي بكر بن ظافر الهمداني ، (بسكون الميم) النويري كان قاضيا بدمشق من عام ٧١٩ ـ ١٣١٩ إلى ٧٣٧ ـ ١٣٣٧ وقد أدركه أجله في محرم عام ٧٤٨ ـ ١٣٤٧. الدرر الكامنة ٤ ، ٢٤.

٣١٥

القفصى ، (٢١٨) ، ومجلس حكمه بالمدرسة الصّمصامية (٢١٩). وأما قاضي قضاة الحنفية فهو عماد الدين الحوراني وكان شديد السطوة وإليه يتحاكم النساء وأزواجهن ، وكان الرجل إذا سمع اسم القاضي الحنفي أنصف من نفسه قبل الوصول اليه ، وأما قاضي الحنابلة فهو الإمام الصالح عز الدين ابن مسلّم (٢٢٠) من خيار القضاة يتصرف على حمار له ، ومات بمدينة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم تسليما لما توجه للحجاز الشريف.

حكاية (الفقيه ابن تيميّة)

وكان بدمشق من كبار الفقهاء الحنابلة تقي الدين ابن تيمية (٢٢١) كبير الشأن يتكلم في الفنون إلا أن في عقله شيئا! وكان أهل دمشق يعظمونه أشد التعظيم ويعظهم على المنبر ، وتكلم مرة بأمر أنكره الفقهاء ورفعوه إلى الملك الناصر فأمر بإشخاصه إلى القاهرة وجمع القضاة والفقهاء بمجلس الملك الناصر وتكلم شرف الدين الزواوي المالكي (٢٢٢) ، وقال : إن هذا الرجل قال : كذا، وعدّد ما أنكر على ابن تيمية ، وأحضر العقود بذلك ووضعها بين يدي قاضي القضاة وقال قاضي القضاة لابن تيمية : ما تقول؟ قال : لا إلاه إلا الله ، فأعاد عليه فأجاب بمثل قوله ، فأمر الملك الناصر بسجنه فسجن أعواما ، وصنف في السجن كتابا

__________________

(٢١٨) محمد بن سليمان بن أحمد القفصي شمس الدين المالكي قدم من المغرب وسكن دمشق وناب في الحكم .... قال ابن حجر : وفي لسانه عجمة : يجعل الجيم زايا والياء سينا توفي في شوال عام ٧٤٣ ـ ١٣٤٣. الدرر الكامنة ٤ ص ٦٧.

(٢١٩) خصص النّعيمي الدمشقي فصلا هاما للمدرسة الصمصامية انظر كتابه الدارس في تاريخ المدارس ، ص ٨ / ٩.

(٢٢٠) شمس الدين محمد بن مسلّم (بتشديد اللام) بن مالك ... بن جعفر المزّي الأصل ثم الدمشقي الحنبلي ، لما مات القاضي تقي الدين سليمان عين للقضاء وأثنى عليه عند السلطان فتوقف فطلع اليه ابن تيميّة يلومه فأجاب بشرطين : أن لا يركب بغلة وأن لا يحضر الموكب! وقد عوضه في القضاء محمد بن سليمان بن قدامة عز الدين عام ٧٢٧ ـ ١٣٢٧ الدرر ٥ ، ٢٧ الدرر ٤ ، ٦٨.

(٢٢١) تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن تيمية من أشهر الشخصيات في العالم الاسلامي ، ويعتبر مرجعا للحركة الوهابية التي ظهرت فيما بعد بالجزيرة العربية ... وقد سجن في القاهرة من أجل أفكاره من عام ٧٠٦ ـ ١٣٠٧ إلى عام ٧١١ ـ ١٣١١ ورجع إلى دمشق حيث دخل السجن مرة أخرى عام ٧٢٠ ـ ١٣٢٠ لبضعة شهور ، وقد تمّ آخر سجن له في شهر شعبان يوليه عام ٧٢٦ ـ ١٣٢٦ بسبب الفتوى التي يشجب فيها زيارة مقابر الأولياء! ... ولما كان معتقلا بالإسكندرية التمس منه صاحب سبتة أن يجيز له بعض مروياته فكتب له جملة من ذلك في عشرة أوراق بأسانيده وحفظه ـ وقد أدركه أجله في السجن عام ٧٢٨ ـ ١٣٢٨ ـ خص له ابن حجر ترجمة حافلة ـ الدرر ١ ، ص ١٥٤.

(٢٢٢) جمال الدّين وليس شرف الدّين كما عند ابن بطوطة والقصد إلى محمد بن سليمان بن يوسف البربري الزواوي المالكي الفقيه القاضي ... قدم الاسكندرية فاشتغل في الفقه ثم أخذ عن ابن عبد السلام ... وناب في الحكم بالقاهرة وبالشرقية والغربية وعين لقضاء القاهرة بعد موت ابن شاس وولي قضاء دمشق سنة ٦٨٧ فاستمر ثلاثين سنة ... كان صارما أراق دم جماعة تعرضوا للجناب المحمدي ... توفي في جمادى الآخرة سنة ٧١٧. الدرر الكامنة ٤ ، ٦٨ ـ الدارس في تاريخ المدارس ص ١٢ ـ ١٥.

٣١٦

في تفسير القرآن سماه بالبحر المحيط في نحو أربعين مجلدا ، ثم إن أمه تعرضت للملك الناصر وشكت إليه ، فأمر بإطلاقه إلى أن وقع منه مثل ذلك ثانية ، وكنت إذ ذاك بدمشق (٢٢٣) فحضرته يوم الجمعة وهو يعظ الناس على منبر الجامع ويذكّرهم فكان من جملة كلامه أن قال : إن الله ينزل إلى سماء الدنيا كنزولي هذا ، ونزل درجة من درج المنبر ، فعارضه فقيه مالكي يعرف بابن الزهراء وأنكر ما تكلم به ، فقامت العامة إلى هذا الفقيه وضربوه بالأيدي والنعال ضربا كثيرا حتى سقطت عمامته وظهر على رأسه شاشية حرير ، فأنكروا عليه لباسها واحتملوه إلى دار عز الدين بن مسلّم قاضي الحنابلة فأمر بسجنه وعزره بعد ذلك ، فأنكر فقهاء المالكية والشافعية ما كان من تعزيره ورفعوا الأمر إلى ملك الأمراء سيف الدين تنكيز (٢٢٤) وكان من خيار الأمراء وصلحائهم ، فكتب إلى الملك الناصر بذلك وكتب عقدا شرعيا على ابن تيمية بأمور منكرة منها : أن المطلّق بالثلاث في كلمة واحدة لا تلزمه إلا طلقة واحدة ، (٢٢٥) ومنها أن المسافر الذي ينوي بسفره زيارة القبر الشريف زاده الله طيبا لا يقصر الصلاة ، وسوى ذلك مما يشبهه ، وبعث العقد إلى الملك الناصر فأمر بسجن ابن تيمية بالقلعة فسجن بها حتى مات في السجن.

ذكر مدارس دمشق

إعلم أن للشافعية بدمشق جملة من المدارس أعظمها العادلية (٢٢٦) ، وبها يحكم قاضي القضاة ، وتقابلها المدرسة الظاهرية (٢٢٧) وبها قبر الملك الظاهر ، وبها جلوس نواب

__________________

(٢٢٣) يلاحظ أن ابن بطوطة ، وقد وصل إلى دمشق في تاسع رمضان ٧٢٦ ـ ٩ غشت ١٣٢٦ ، لم يتمكن من رؤية ابن تيمية الذي استمر في السجن إلى أن توفى ، هذا ونذكر هنا أن العالمين المغربيين اللذين سجل التاريخ مناظرتهما لتقي الدّين بن تيمية هما الإمامان الأخوان الشقيقان أبو زيد عبد الرحمن وأبو موسى عيسى ابنا الإمام أبي عبد الله محمد بن عبد الله بن الإمام البرشكي.

المسند لابن مرزوق تحقيق الدكتورة بغيرا ١٩٨١ ص ٢٦٥ ـ ٢٦٦ ـ تاريخ بني زيان للتنسي تحقيق ذ. بو عياد ١٩٨٥ ص ١٣٩ ـ راجع المقدمة حول موضوع ابن تيمية.

(٢٢٤) سيف الدين هذا كان نائبا لسلطان مصر على بلاد الشام على ما سلف ـ الدرر ٢ ، ٥٥ ـ ٥٦.

(٢٢٥) في الواقع كانت هذه النظرية تتوافق مع النظرية الأولى للإسلام بيد أن الأمر تغير أيام الخليفة الثاني عمر الذي قرر أن الطلاق الثلاث يقتضي أن المرأة تحرم على زوجها ولا تحل له إلا بعد التزوج بآخر ... وقد كان هدفه تأديب الرجال حتى لا يعودوا للنطق بالثلاث ...

(٢٢٦) ابتدئ بناؤها من لدن نور الدين زنكى ، واكملت من لدن العاهل الأيوبي العادل ١١٩٦ ـ ٦١٤ ـ ١٢١٨) (٥٩٢ ـ شمال الجامع الأعظم وما تزال موجودة إلى الآن ... النّعيمي الدمشقي : الدارس في تاريخ المدارس.

(٢٢٧) هذه المدرسة بناها الملك الظاهر بيبرس غربي المدرسة السابقة وما تزال إلى الآن شاخصة ـ الدارس في تاريخ المدارس ...

٣١٧

القاضي ، ومن نوابه فخر الدين القبطي ، كان والده من كتاب القبط ، وأسلم ومنهم جمال الدين ابن جملة (٢٢٨) ، وقد تولى قضاء قضاة الشافعية بعد ذلك وعزل لامر أوجب عزله.

حكاية [الشيخ ظهير الدّين وقاض القضاة]

كان بدمشق الشيخ الصالح ظهير الدين العجمي ، وكان سيف الدين تنكيز ملك الأمراء يتتلمذ له ويعظمه ، فحضر يوما بدار العدل عند ملك الأمراء وحضر القضاة الأربعة ، فحكى قاضي القضاة جمال الدين ابن جملة حكاية ، فقال له ظهير الدين : كذبت! فأنف القاضي من ذلك وامتعض له ، فقال للأمير : كيف يكذبني بحضرتك؟ فقال له الأمير؟ : احكم عليه وسلّمه إليه ، وظنه أنه يرضى بذلك ، فلا يناله بسوء فأحضره القاضي بالمدرسة العادلية وضربه مائتي سوط ، وطيف به على حمار في مدينة دمشق ، ومنادي ينادي عليه ، فمتى فرغ من ندائه ضربه على ظهره ضربة! وهكذا العادة عندهم ، فبلغ ذلك ملك الامراء فأنكره أشد الإنكار وأحضر القضاة والفقهاء ، فاجمعوا على خطإ القاضي وحكمه بغير مذهبه ، فإن التعزيز عند الشافعي لا يبلغ به الحد (٢٢٩) ، وقال قاضي القضاة المالكية شرف الدين : قد حكمت بتفسيقه فكتب إلى الملك الناصر بذلك فعزله. وللحنفية مدارس كثيرة وأكبرها مدرسة السلطان نور الدين (٢٣٠) وبها يحكم قاضي القضاة الحنفية. وللمالكية بدمشق ثلاث مدارس إحداها الصمصامية (٢٣١) ، وبها سكن قاضي القضاة المالكية وقعوده للأحكام ، والمدرسة

__________________

(٢٢٨) هو جمال الدين أبو الثناء محمود بن ابراهيم ابن جملة المحجّي (نسبة إلى محجة في حوران) خطيب الجامع الاموي ، قاضي للشافعية عام ٧٣٣ ـ ١٣٣٢ وبقي في هذه الوظيفة إلى أن عزل عام ٧٣٤ ـ ١٣٣٤ وسجن بالقلعة وطال حبسه إلى أن شفع فيه عند تنكيز ثم درّس بالرواحية والشامية ... إلى أن توفى في ذي القعدة سنة ٧٣٨ يونيه ١٣٣٨ ـ الدرر ٥ ص ٢١٩.

(٢٢٩) يعنى ان التعزير في المذهب الشافعي لا يتجاوز الحد المنصوص عليه عندهم وهو أربعون سوطا ومعلوم أن التعزير في المدرسة المالكية غير محدود وهو خاضع لتقدير الحاكم ...

(٢٣٠) هي بالذات المدرسة النورية الكبرى التي تردد ذكرها مرارا في كتاب (الدارس في تاريخ المدارس) للنعيمي الدمشقي، وقد بناها نور الدين.

(٢٣١) كل هذه المدارس الثلاثة بنيت مكان القصر الاموي للخليفة هشام ، وما تزال آثارها موجودة على مقربة من سوق الخياطين كما نجده عند النّعيمي الدمشقي في كتابه الدارس في تاريخ المدارس. وقد شيدت الصمصامية الحالية عام ٧١٨ ـ ١٣١٨ وتوجد على مقربة من باب الجابية ... وقد تحدث الهروي عن قبر نو الدين الذي يوجد هنا ، كما تحدث عن أن هذه المدرسة ربما نسبت لصلاح الدين فحملت كذلك اسم الصالحية أما عن المدرسة الشرابشية فيذكر أن الذي بناها أحمد بن نور الدولة المتوفى عام ٧٣٣ ـ ١٣٣٣ ... الدارس ، تحقيق جعفر الحسني من مطبوعات المجمع العلمي العربي بدمشق ١٣٧٠ ـ ١٩٥١.

٣١٨

النورية عمرها السلطان نور الدين محمود ابن زنكى والمدرسة الشرابشية عمّرها شهاب الدين الشرابشي التاجر ، وللحنابلة مدارس كثيرة أعظمها المدرسة النجمية (٢٣٢).

ذكر أبواب دمشق

ولمدينة دمشق ثمانية أبواب : منها باب الفراديس (٢٣٣) ، ومنها باب الجابية (٢٣٤) ومنها باب الصغير (٢٣٥) ، وفيما بين هذين البابين مقبرة (٢٣٦) فيها العدد الجمّ من الصحابة والشهداء فمن بعدهم.

قال محمد ابن جزي : لقد أحسن بعض المتأخرين من أهل دمشق في قوله :

دمشق في أوصافها

جنّة خلد راضيه

أما ترى أبوابها

قد جعلت ثمانيه (٢٣٧)!

ذكر بعض المشاهد والمزارات بها

فمنها بالمقبرة التي بين البابين : باب الجابية والباب الصغير ، قبر أمّ حبيبة بنت أبي

__________________

(٢٣٢) كانت المدرسة النجمية ديرا وقد أسسها نجم الدين والد صلاح الدين يوسف ـ انظر الدارس في تاريخ المدارس ص ١٧٤ ـ ١٧٥.

(٢٣٣) الفراديس (PARADIS) يعني باب البساتين أو الجنائن ، يقع وسط الجدار الشمالي الذي يؤدي إلى المدينة البيزنطية.

(٢٣٤) باب الجابية هو الذي يقع غرب الشارع الرئيسي المؤدي إلى جابية (الصهاريج) الاقامة القديمة للأمراء الغساسنة.

(٢٣٥) الباب الصغير يقع على القسم الشرقي للجدار الجنوبي.

(٢٣٦) الواقع أنه خارج هذه الأبواب توجد إلى الان أهم وأقدم مقبرة بمدينة دمشق ...

(٢٣٧) تذكر لكل باب اسطورة ... وابن عساكر مؤرخ دمشق يتحدث عن سبعة أبواب مكرسة للكواكب السبع ...

٣١٩

سفيان أم المؤمنين (٢٣٨) ، وقبر أخيها أمير المؤمنين معاوية (٢٣٩) ، وقبر بلال مؤذن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ورضي‌الله‌عنهم أجمعين ، وقبر أويس القرني (٢٤١) ، وقبر كعب الأحبار (٢٤٢) رضي‌الله‌عنهما.

ووجدت في كتاب المفهم ، في شرح صحيح مسلم ، للقرطبي (٢٤٣) أن جماعة من

__________________

(٢٣٨) رملة بنت أبي سفيان زوجة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهي أخت معاوية تزوّجها أولا عبيد الله بن جحش وهاجرت معه إلى الحبشة ثم ارتد زوجها فأعرضت عنه إلى أن مات فأرسل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يخطبها وعهد للنجاشي ملك الحبشة بعقد نكاحه عليها ووكلت هي خالد بن سعيد ابن العاص فأصدقها النجاشي من عنده أربعمائة دينار ... وكان أبوها لا يزال على دين الجاهلية ، فلما بلغه صنيع النبي عجب وقال : ذلك الفحل لا يقرع أنفه!! وقد أدركها أجلها بالمدينة المنورة عام ٤٤ ـ ٦٦٤ كما ينقل الزركلي في الاعلام ولا نعلم مصدر ابن بطوطة في قوله هنا إنها دفنت في دمشق!

(٢٣٩) ينقل ييرازيموس عن مؤلّف اسماه (الصيادي)(AL ـ ASAYYADI) من أهل القرن السادس عشر الميلادي أنه عند حديثه (أي الصيادي) عن الباب الصغير قال : إن معاوية دفن فيه وهو في قميص رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وكان هذا مكانا يقصده الزوار في القرن العاشر الهجري ... لكنه اليوم في عداد المجهول ...

Voyages d\'Ibn Battuta) La Decouverte (, Paris ٤٩٩١ p. ٩٢٢. J. Sourdel Toumin : les monuments Ayoubides de damas ـ Paris ٠٥٩١

(٢٤٠) بلال بن رباح الحبشي أحد السابقين للإسلام ... شهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى عليه وسلم ... وقد شارك في فتح سوريا حيث أدركه أجله عام ٢٠ من الهجرة موافق ٦٤١ م. ابن عساكر : تاريخ مدينة دمشق ، المجلدة العاشرة بتحقيق محمد أحمد دهمان : مجمع دمشق ـ ١٩٦٣ ١٣٨٣ ص ٣٠١ ـ ٣٥٣.

(٢٤١) هو أويس بن جزء بن مالك القرني من بني قرن (بفتح القاف والراء) ، أحد النساك العباد المقدمين ، أصله من اليمن وأدرك النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولكنه لم يره فوفد على عمر بن الخطاب وسكن الكوفة وشهد عام ٣٧ ـ ٦٨٧ وقعة صفين مع سيدنا علي ، ويرجح الكثيرون أنه استشهد فيها عام ٣٧ ـ ٦٨٧ ... لكن الهروي (ت ٦١١ ه‍) يذكر أن قبر أويس يوجد بالرقة ص ٥٣ ، ٦٣.

(٢٤٢) هو كعب بن ماتع بن ذي هجن الحميري كان في الجاهلية من كبار علماء اليهود في اليمن وأسلم زمن أبي بكر وقدم المدينة في دولة عمر فأخذ عنه الصحابة وغيرهم كثيرا من أخبار الأمم والتوراة ... وخرج إلى الشام فسكن حمص وتوفي فيها (وليس في دمشق!) عام ٣٢ ـ ٦٥٢ م ... لقد اختفى القبر لكن النقوش ما تزال موجودة.

(٢٤٣) هذا أحمد بن عمر بن ابراهيم أبو العباس الانصاري القرطبي الفقيه المالكي كان مدرسا بالاسكندرية وبها توفي عام ٦٥٦ ـ ١٢٥٨ من كتبه المفهم في شرح صحيح مسلم في الحديث.

وبما أن الناشرين جميعهم اعتمدوا على المخطوطة التي اعتمد عليها المترجمان الفرنسيان : D.S. التي تحمل رقم ٢٢٨٩ ... فقد كتبوا جميعهم (المعلم) عوض (المفهم) التي توجد في سائر المخطوطات الصحيحة ، المقري : نفح الطيب ، تحقيق : د. احسان عباس ، بيروت ١٣٨٨ ـ ١٩٦٨ ج ٢ ، ص ٢١١ ـ ٦١٥.

٣٢٠