رحلة ابن بطوطة - ج ١

شمس الدين أبي عبد الله محمد بن عبد الله اللواتي الطنجي

رحلة ابن بطوطة - ج ١

المؤلف:

شمس الدين أبي عبد الله محمد بن عبد الله اللواتي الطنجي


المحقق: عبد الهادي التازي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: أكاديمية المملكة المغربية
الطبعة: ٠
ISBN: 9981-46-007-9
ISBN الدورة:
9981-46-006-0

الصفحات: ٤٣١

٢٤١

محاذية لها. وكان هنالك مسلك إلى الغار المبارك وهو الآن مسدود وقد نزلت بهذا الموضع مرات ، ومما ذكره أهل العلم دليلا على صحة كون القبور الثلاثة الشريفة هنالك ما نقلته من كتاب علي بن جعفر الرازي الذي سماه" المسفر للقلوب ، عن صحة قبر إبراهيم وإسحاق ويعقوب" (٦) أسند فيه إلى أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما أسرى بي إلى بيت المقدس مرّ بي جبريل على قبر إبراهيم ، فقال : انزل فصلّ ركعتين فإن هنا ولد أخوك عيسى عليه‌السلام ، ثم أتى بي إلى الصخرة ، وذكر بقية الحديث ... ولما لقيت بهذه المدينة المدرس الصالح المعمر الامام الخطيب برهان الدين الجعبري (٧) أحد الصلحاء المرضيين ، والأئمّة المشهورين ، سألته عن صحة كون قبر الخليل عليه‌السلام هنالك ، فقال لي : كلّ من لقيته من أهل العلم يصححون أن هذه القبور قبور إبراهيم وإسحاق ويعقوب على نبيّنا وعليهم‌السلام ، وقبور زوجاتهم ، ولا يطعن في ذلك إلا أهل البدع ، وهو نقل الخلف عن السلف لا يشك فيه.

ويذكر أن بعض الأيمة دخل إلى هذا الغار ووقف عند قبر سارة ، فدخل شيخ فقال له : أي هذه القبور هو قبر إبراهيم ، فأشار له إلى قبره المعروف ، ثم دخل شاب فسأله كذلك ، فأشار له إليه ، ثم دخل صبي فسأله أيضا فأشار له اليه ، فقال الفقيه أشهد أن هذا قبر إبراهيمعليه‌السلام لا شك ، ثم دخل إلى المسجد فصلى به وارتحل من الغد ، وبداخل هذا

__________________

(٦) لم نقف على ترجمة لمؤلف هذا الكتاب علي بن جعفر الرازي ولا على هذا الكتاب ... ومن الطريف أن نقرأ في (كتاب الاشارات إلى معرفة الزيارات) تأليف أبي الحسن علي بن أبي بكر الهروي المتوفي سنة ٦١١ أنه اجتمع في مدينة الخليل بمشايخ حدثوه أنه لما كان زمن الملك بردويل (Baudoin) انخسف الموضع في المغارة فدخل جماعة من الفرنج إليها بإذن الملك فوجدوا فيها ابراهيم وإسحاق ويعقوب قد بليت أكفانهم وهم مستندون إلى حائط وعلى رؤوسهم مناديل ... فجدد الملك أكفانهم ثم سدّ الموضع وذلك سنة ثلاث عشر وخمسمائة ..."

يبقى بعد هذا أن نذكر أن زيارة مدينة الخليل وزيارة بيت لحم من قبل الرسول عليه الصلوات ، وهو في طريقه إلى بيت المقدس ، مما لم تنص عليه الآثار النبوية والتي لم يروها أبو هريرة ، ولذلك فإن المسألة تظلّ محلّ دراسة من قبل المهتمين بالسيرة النبوية الشريفة.

الهروي : الزيارات ، تحقيق جانين سورديل طومين ، دمشق ١٩٥٣ ص ٣٠ ـ ٣١ ـ ٣٢Gibb : Travel ١ p.٥٧ Note ١٢.

(٧) القصد إلى إبراهيم بن عمر بن إبراهيم بن خليل بن أبي العباس الجعبري الرّبعي ، برهان الدين ، ولد بقلعة (جعبر) ، تعلم ببغداد ودمشق ، واستقر بمدينة الخليل واشتهر هناك بشيخ الخليل ، له نحو من مائة كتاب أكثرها مختصر ... منها نزهة البررة في القراءات العشرة ، وشرح الشاطبية وشرح الرائية ، أدركه أجله في رمضان ٧٣٢ يونيه ١٣٣٢. ـ الدرر الكامنة ج ١ ص ٥١ ـ ٥٢.

٢٤٢

المسجد أيضا قبر يوسف عليه‌السلام (٨) ، وبشرقيّ حرم الخليل تربة لوط عليه‌السلام (٩) وهي على تل مرتفع يشرف منه على غور الشام ، وعلى قبره أبنية حسنة ، وهو في بيت حسن البناء مبيض ولا ستور عليه.

وهنالك بحيرة لوط (١٠) وهي أجاج يقال إنها موضع ديار قوم لوط. وبمقربة من تربة لوط مسجد اليقين (١١) وهو على تل مرتفع له نور وإشراق ليس لسواه ولا يجاوره إلا دار واحدة يسكنها قيّمه ، وفي المسجد بمقربة من بابه موضع منخفض في حجر صلد قد هيء فيه صورة محراب لا يسع إلا مصليا واحدا ، ويقال إن إبراهيم سجد في ذلك الموضع شكرا لله تعالى عند هلاك قوم لوط فتحرك موضع سجوده وساخ في الأرض قليلا.

وبالقرب من هذا المسجد مغارة فيها قبر فاطمة بنت الحسين بن علي عليهما‌السلام ، وبأعلى القبر وأسفله لوحان من الرخام في أحدهما مكتوب منقوش بخط بديع : بسم الله الرحمن الرحيم ، لله العزة والبقاء وله ما ذرأ وبرأ وعلى خلقه كتب الفناء ، وفي رسول الله أسوة ، هذا قبر أم سلمة فاطمة بنت الحسين رضي‌الله‌عنه ، وفي اللوح الآخر منقوش : صنعه محمد بن أبي سهل النقاش بمصر ، وتحت ذلك هذه الأبيات :

أسكنت من كان في الأحشاء مسكنه

بالرّغم منّي بين التّرب والحجر

يا قبر فاطمة بنت ابن فاطمة

بنت الأيمة بنت الأنجم الزّهر

__________________

(٨) حول قبر سيدنا يوسف يذكر ما قاله الهروي في كتابه الزّيارات (ص ٢٤) " بلاطة قرية من أعمال نابلس وبها حقل يوسف الصديق وقبر يوسف بهذا الموضع عند الشجرة وهو الأصح ..."

(٩) قبر سيدنا لوط عليه‌السلام يوجد في قرية تحمل اسم (كفربريك) على ما يقوله الهروي (ص ٢٢) ويضيف إلى هذا أن لوطا كان يقيم في قرية حملت اسم (يقين) وبها كان يسكن بعد رحيله من زغر ... وسميت (يقين) لأنّه لما رأى العذاب نزل بقومه سجد في هذا الموضع ، وقال (أيقنت أن وعد الله حق).

(١٠) البحيرة : هي بالذات البحر الميت ... وقد زرناها مرارا وتكرارا وسبحنا في مائها المالح الأجاج الذي يرفع جسمك من غير حاجة إلى تحريك أطرافك!! ويضمد جروحك إلى حدّ الازعاج!!

(١١) مسجد اليقين يذكر أنه بنى عام ٣٥٢ ٩٦٣ على نفس التّربة التي سجد فيها سيدنا لوط في أعقاب عذاب قوم لوط.

٢٤٣

يا قبر ، ما فيك من دين ومن ورع

ومن عفاف ، ومن صون ومن خفر (١٢)

ثم سافرت من هذه المدينة إلى القدس ، فزرت في طريقي اليه تربة يونس عليه‌السلام وعليها بنية كبيرة ومسجد ، وزرت (١٣) أيضا بيت لحم موضع ميلاد عيسى عليه‌السلام ، وبه أثر جذع النخلة (١٤) وعليه عمارة كثيرة (١٥) والنصارى يعظمونه أشد التعظيم ويضيّفون من نزل به.

ثم وصلنا إلى بيت المقدس شرفه الله ثالث المسجدين الشريفين في رتبة الفضل ، ومصعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم تسليما ومعرجه إلى السماء ، والبلدة كبيرة منيفة بالصّخر المنحوت وكان الملك الصالح الفاضل صلاح الدين بن أيوب (١٦) ، جزاه الله عن

__________________

(١٢) تابعية ، روت عن جدتها فاطمة ... ولما قتل أبوها حملت إلى الشام مع أختها سكينة وعمتها أم كلثوم بن علي ... فأدخلن على يزيد فقالت فاطمة يا يزيد ، أبنات رسول الله سبايا؟! قال : بل حرائر كرام أدخلي على بنات عمك ، فدخلت على أهل بيته ... وعادت إلى المدينة ، فتزوجها ابن عمها الحسن بن الحسن بن علي ومات عنها (ت ٩٠ ـ ٧٠٨) فتزوجها عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان ومات ... أدركها أجلها عن سبعين سنة عام ١١٠ ـ ٧٢٨ .. هذا وقد حملت إلينا معلومة ابن بطّوطة هذه مشكلة ينبغي التفكير فيها ، ويتعلق الأمر بقبر فاطمة التي نعرف أنها توفيت بالمدينة. ـ عمر رضا حكالة : أعلام النساء ج ٤ ، ٤٤.

(١٣) توجد التربة المذكورة في قرية حلحول شمال (حبرون) مدينة الخليل ... أما عن نبي الله يونس فالذي نعرفه عنه أنه يوجد على مقربة من مدينة الموصل وقد زرته مرارا أثناء سفارتي لدى العراق ...

(١٤) الإشارة إلى ما ورد في القرآن الكريم : " فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة قالت : يا ليتني متّ قبل هذا وكنت نسيا منسيا ... الآية ٢٣ ـ ٢٦ من السورة التاسعة عشرة ، وقد ذكر ابن حوقل أن" النخلة إلى الآن هناك معظمة" ... وقد اختفت النخلة اليوم.

(١٥) القصد إلى كنيسة ميلاد المسيح (La Nativite) التي أعيد بناؤها عام ٥٦٤ ـ ١١٦٩ من لدن مانييل كومنين (M.Comnene) أمبراطور بيزنطة.

(١٦) استرجع صلاح الدين بيت المقدس (أو ايلياء) من يد الصليبيين عام ٥٨٣ ـ ١١٨٧ ـ وعن الملك الظاهر المعروف تحت اسم بيبرس (BAYBARS) نعرف أنه كان سلطانا من المماليك على مصر من عام ٦٥٨ ـ ١٢٦٠ إلى عام ٦٧٥ ـ ١٢٧٧ ، أما عن الأسوار المهدومة فيظهر أنه لا هذا ولا ذاك هو الذي قام بهدمها ، ولكن الذي قام بذلك هو الملك المعظم عيسى بن أخي صلاح الدين وأمير دمشق عام ٦١٦ ـ ١٢١٩ أثناء الحرب الصليبية الخامسة ... وأخيرا نذكّر أنّ الأسوار الحالية هي من بناء العاهل العثماني سليمان القانوني ٩٢٦ ـ ١٥٢٠ ـ ٩٧٤ ـ ١٥٦٦. هذا ومن أسماء البيت المقدس أورشليم التي وردت بالعبرانية في شعر الأعشى :

وطوّفت للمال آفاقه

عمان فحمص فأوريشلم

أتيت النجاشى في داره

وأرض النبيط وأرض العجم

أنظر مادة أوريشلم في معجم البلدان.

٢٤٤

٢٤٥

الإسلام خيرا ، لما فتح هذه المدينة هدم بعض سورها ، ثم استنقض الملك الظاهر هدمه خوفا أن يقصدها الروم فيمتنعون بها ، ولم يكن بهذه المدينة نهر فيما تقدم ، وجلب لها الماء في هذا العهد ، الأمير سيف الدين تنكيز (١٧) أمير دمشق.

ذكر المسجد المقدس

وهو من المساجد العجيبة الرائقة الفائقة الحسن ، يقال إنه ليس على وجه الأرض مسجد أكبر منه وأن طوله من شرق إلى غرب سبعماية واثنتان وخمسون ذراعا بالذراع المالكية (١٨) وعرضه من القبلة إلى الجوف أربعماية ذراع وخمس وثلاثون ذراعا ، وله أبواب كثيرة في جهاته الثلاث ، وأما الجهة القبلية منه فلا أعلم بها إلا بابا واحدا وهو الذي يدخل منه الامام ، والمسجد كله فضاء غير مسقف إلا المسجد الأقصى فهو مسقف ، (١٩) في النهاية من إحكام العمل وإتقان الصنعة ، مموّه بالذهب والاصبغة الرائقة ، وفي المسجد مواضع سواه مسقفة.

__________________

(١٧) يعتبر تنكيز من أبرز الشخصيات في المملكة ، يكنى أبا سعيد ... جلب إلى مصر وهو صغير ثم صار إلى الناصر ثم كان في صحبته يترسل بينه وبين الأفرم ... لم تكن له همة في مأكل ولا مشرب ولا ملبس ولا منكح إلا في تأمين الرعايا ، وكان يقول : أي لذّة للحاكم إذا كانت رعاياه يدعون عليه؟! وكان الناصر لا يفعل شيئا إلا بعد مشورته ... وله عدة منشآت حضارية وهو الذي أجرى العين إلى بيت المقدس ، وكان من المولعين بالصيد بالصقور ... ولم تلبث الأيام أن تنكّرت له ، فقد أشيع عنه أنه عزم على الفرار إلى بلاد التتار (الإيلخان) فبلغ ذلك للسلطان الذي تغير عليه وأصدر أمرا بالقبض عليه وتعرض للإهانات والمصادرات ولم يدم في الاعتقال إلا دون الشهر ، وأدركه أجله أوائل ٧٤١ ـ يوليه ١٣٤٠. الدرر ٢ ، ٥٥ وما بعدها ...

(١٨) قبل ابن بطوطة وجدنا خسرو علوي الذي سجل مذكرات حجّه ٤٣٧ ـ ٤٤٤ ـ ١٠٥٢ في كتابه (سفرنامه) يقول : إن طول المسجد أربع وخمسون وسبعمائة ذراع وعرضه خمس وخمسون وأربعمائة ذراع بذراع الملك" قال : وهو أي ذراع الملك أقلّ قليلا من ذراع ونصف ، هذا وإذا كان ابن بطوطة غفل عن نقوش الأقصى ... فإن البلوي في رحلته (تاج المفرق) ، استطاع أن ينقل زهاء خمسة من المنقوشات التاريخية المفيدة ، وكذا السفير المغربي ابن عثمان في رحلته اجراز المعلى والرقيب ...) أنظر مخطوطة البلوي في الخزانة العامة.

ناصر خسرو علوى : سفرنامه ، ترجمة د. يحيى الخشاب (مشروع الألف كتاب الثاني ، ١٢٢ ـ الهيأة المصرية العامة للكتاب ١٩٩٣ ص ٦٩. رحلة ابن عثمان : إحراز المعلّى والرقيب مخطوطة.

(١٩) يتعلق الأمر بفناء كبير يسمى الحرم الشريف يحتوي على مسجدين : المسجد الأقصى ، وقبة الصخرة ، والأوّل يتألف من بلاد بيزنطي يعود تاريخه للقرن الأول الهجري ـ السابع الميلادي ، كما يتألف من مدخل قوطي بني سنة ٦٢٤ ـ ١٢٢٧ ، هذا ولا بد من الاطلاع على ما في (نزهة المشتاق) للادريسي الذي يقارن بين جامع قرطبة وبين المسجد الأقصى (ج ٤ ص ٣٥٩ ـ ٣٦٠) ، مطبوعات المعهد الشرقي ناپولي ، إيطاليا فليراجع ...

٢٤٦

ذكر قبة الصخرة

وهي من أعجب المباني وأتقنها وأغربها شكلا قد توفر حظها من المحاسن وأخذت من كل بديعة بطرف ، وهي قائمة على نشز في وسط المسجد يصعد إليها في درج رخام ، ولها أربعة أبواب والدائر بها مفروش بالرخام أيضا محكم الصنعة ، وكذلك داخلها وفي ظاهرها وباطنها من أنواع الزواقة ، ورايق الصنعة ، ما يعجز الواصف ، وأكثر ذلك مغشى بالذهب فهي تتلألأ نورا وتلمع لمعان البرق ، يحار بصر متأملها في محاسنها ويقصر لسان رائيها عن تمثيلها.

وفي وسط القبّة الصخرة الكريمة التي جاء ذكرها في الآثار ، فإن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عرج منها إلى السماء ، وهي صخرة صماء ارتفاعها نحو قامة (٢٠) ، وتحتها مغارة في مقدار بيت صغير ارتفاعها نحو قامة أيضا ، ينزل إليها على درج ، وهنالك شكل محراب وعلى الصخرة شباكان اثنان محكما العمل يغلقان عليها : أحدهما وهو الذي يلي الصخرة من حديد بديع الصنعة (٢١) والثاني من خشب ، وفي القبة درقة كبيرة من حديد معلقة هنالك ، والناس يزعمون انها درقة حمزة بن عبد المطلب رضي‌الله‌عنه.

__________________

(٢٠) نرى من المهم أن نؤكد هنا على أن اهتمام المسلمين ببيت المقدس ، لا يقل اطلاقا عن اهتمامهم بمكة والمدينة د. التازي. طرق الايمان ـ بحث قدّم لاجتماع خبراء اليونيسكو حول الأديان السماوية ـ الرباط يونيه ١٩٩٥. هذا ويلاحظ أن القبة مثمنة الشكل تشبهها صومعة شفشاون ووزّان بالمغرب.

(٢١) يذكر الهروي الذي زار القدس سنة ٥٦٩ ـ ١١٧٤ أنه رأى الصخرة في زمان حكم الفرنج بالقدس وأنه قرأ كتابة في سقفها هذه صورتها : بسم الله الرحمن الرحيم الله الذي لا إلاه إلا الله هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم الآية ... والكتابة بالفص المذهب ... ولم تغيّره الفرنج ... تحتها مغارة الأرواح ... ذكروا أن أرواح المؤمنين يجمعها الله بها. وينزل إلى هذه المغارة في أربعة عشرة درجة ... وقد ذكر خسرو الذي زار قبة الصخرة قبل الهروي بقرن وربع القرن أن الصخرة كانت قبلة لموسى وسليمان وظلت قبلة إلى عهد نبيّنا عليه‌السلام وضع يده عليها ليلة المعراج ... ويذكر گيب (Gibb) أن الشباكين نصبا أيام احتلال الصليبيين للقدس في القرن السادس الهجري ... د. التازي : القدس والخليل عند الرحالة المغاربة بحث وزع في الدورة الثانية المنعقدة في عمان لأكاديمية المملكة المغربية دجنبر ١٩٩٦.

٢٤٧

٢٤٨

ذكر بعض المشاهد المباركة بالقدس الشريف

فمنها بعدوة الوادي المعروف بوادي جهنم في شرقي البلد على تلّ مرتفع هنالك بنية يقال إنها مصعد عيسى عليه‌السلام إلى السماء (٢٢) ، ومنها أيضا قبر رابعة البدوية (منسوب إلى البادية وهي خلاف رابعة العدوية الشهيرة (٢٣) ، وفي بطن الوادي المذكور كنيسة يعظمها النصارى ويقولون : إن قبر مريم عليها‌السلام (٢٤) بها ، وهنالك أيضا كنيسة أخرى معظمة يحجها النصارى (٢٥) ، وهي التي يكذبون عليها ويقولون إن قبر عيسى عليه‌السلام بها (٢٦) ، وعلى كل من يحجّها ضريبة معلومة للمسلمين ، وضروب من الإهانة يتحملها رغم أنفه ، وهنالك موضع مهد عيسى عليه‌السلام يتبرك به.

ذكر بعض فضلاء القدس

فمنهم قاضيه العالم شمس الدين محمد بن سالم الغزّي بفتح الغين وهو من أهل غزة وكبرائها(٢٧) ، ومنهم خطيبه الصالح الفاضل عماد الدين النابلسي ، ومنهم المحدّث المفتي شهاب الدين الطبري ، ومنهم مدرس المالكية وشيخ الخانقات الكريمة أبو عبد الله محمد بن

__________________

(٢٢) يلاحظ من خلال الوصف الدقيق الذي قدمه ابن بطوطة تعلق الرحالة المغربي ببيت المقدس ... وقد قرأنا في (سفرنامه) لناصر خسرو علوي عن (الرواق المغربي) الذي كان هناك على عهده ٤٤٤ ـ ١٠٥٢ كما قرأنا عن الحصر المغربية التي كانوا يفرشون بها الحرم الشريف وكانت تفوق الديباج حسنا ونعومة إلى جانب الدنانير المغربية التي كانت رائجة هناك مما يؤكد الوجود المغربي المبكّر في هذه الأماكن ...

د. التازي : أوقاف المغاربة في القدس ـ مطبعة المحمدية رقم الإيداع القانوني ١٩٨١.

(٢٣) ربيعة البدوية سيدة عابدة ، قبرها في جبل الزيتون وهو الموجود في مقبرة سانت بيلاجي (Saint ـ Pelagie) حسب نقول بعض الحجاج الغربيين أما رابعة أو ربيعة بنت إسماعيل العدوية فهي صوفية كبيرة شهيرة. عاشت بالبصرة ، وأدركها أجلها بالبصرة عام ١٨٥ ـ ٨٠١ ، ويظهر من كلام الهروي أن الذي يوجد بالجبل هو بيت العدوية وليس قبرها ... قال : والصحيح أن قبرها بالبصرة ، وأمّا التي توجد بجبل القدس فهي رابعة زوجة أحمد بن أبي الحواريّ (ص ٢٨ من الاشارات).

(٢٤) الذي في كتاب الاشارات للهروي إن قبر مريم أم عيسى في وادي جهنم ينزل إليه في ست وثلاثين درجة ... ص ٢٨.

(٢٥) هي كنيسة سان ـ سيبّولكر (S.SEPULCRE) الذي تعرف ب : (كنيسة القمامة) التي تركها الخليفة عمر ابن الخطاب للمسيحيين.

(٢٦) في القرآن الكريم : " إذ قال الله : يا عيسى إني متوفيك ورافعك إليّ ومطهّرك من الذين كفروا ...

(٢٧) هو محمد بن سالم بن عبد الناصر بن سالم الكناني الغزي ، شمس الدين ... حدّث وأفتى وحكم بالقدس وتوفي سنة نيف وخمسين وسبعمائة ١٣٥٠ ـ الدرر ٤ ، ٦٢ ـ ٦٣.

٢٤٩

٢٥٠

٢٥١

مثبت الغرناطي نزيل القدس (٢٨) ، ومنهم الشيخ الزاهد أبو علي حسن المعروف بالمحجوب من كبار الصالحين ، ومنهم الشيخ الصالح العابد كمال الدين المراغي ، ومنهم الشيخ الصالح العابد أبو عبد الرحيم عبد الرحمن بن مصطفى من أهل أرز الروم وهو من تلامذة تاج الدين الرفاعي ، صحبته ولبست منه خرقة التصوف (٢٩).

ثم سافرت من القدس الشريف (٣٠) برسم زيارة ثغر عسقلان (٣١) وهو خراب قد عاد رسوما طامسة ، وأطلالا دارسة ، وقلّ بلد جمع من المحاسن ، ما جمعته عسقلان ، اتقانا وحسن وضع وأصالة مكان ، وجمعا بين مرافق البر والبحر ، وبها المشهد الشهير حيث كان رأس الحسين بن علي عليه‌السلام قبل أن ينقل إلى القاهرة (٣٢) ، وهو مسجد عظيم سامي العلو فيه جب للماء أمر ببنائه بعض العبيديين وكتب ذلك على بابه (٣٣).

وفي قبلة هذا المزار مسجد كبير يعرف بمسجد عمر لم يبق منه إلا حيطانه ، وفيه أساطين رخام لا مثل لها في الحسن وهي ما بين قائم وحصيد ، ومن جملتها أسطوانه حمراء عجيبة يزعم الناس أن النصارى احتملوها إلى بلادهم ثم فقدوها فوجدت في موضعها بعسقلان.

__________________

(٢٨) أتساءل عن عدم ذكر ابن بطوطة لأوقاف المغاربة بالقدس المنسوبة للشيخ عمر المصمودي وترجع لتاريخ ٧٠٣ ه‍. والمنسوبة لابن هذين وترجع لتاريخ ٧٢٠ ه‍. د. التازي ـ القدس والخليل عند الرحالة المغاربة ـ نشر منظمة الإيسيسكو ١٩٩٧.

(٢٩) الخرقة يسلمها الشيخ إلى مريديه بعد طول عشرة وممارسة ، وهي تعني انقطاع حاملها عن هذا العالم وانصرافه الكامل للعبادة ، ... وبما أن الوقت لم يمكن ابن بطوطة من طول الممارسة ، فيظهر أن تسليمه" الخرقة" إنما كان تعبيرا عن" التبرّك" و" توسم" الخير فيه ...

(٣٠) يلاحظ أن ابن بطوطة ـ وقد غادر القاهرة ـ كما هو معلوم حوالي ١٥ شعبان ـ ١٧ يوليه ووصل إلى دمشق يوم ٧ رمضان ـ ٧ غشت ، لم يكن في استطاعته إلا أن يقوم بقطع المسافة مباشرة بين القدس وبين دمشق ، وهكذا فإن معظم البقاع التي ذكر أنه زارها إنما تمكن من زيارتها ـ على ما يبدو ـ أثناء مروره اللّاحق عليها خلال عام ٧٣٣ ـ ١٣٣٢ و ٧٤٩ ـ ١٣٤٨.

(٣١) عسقلان (ASCALON) التي هدمها صلاح الدين خلال حربه ضد ريشارد قلب الأسد عام ٥٨٧ ـ ١١٩١ ، أجهز عليها بصفة نهائية بيبرس عام ٦٦٨ ـ ١٢٧٠ ، يوجد موقعها شمال غزّة وجنوب يافا (تل أبيب)

(٣٢) يذكر الهروي الموصلى سالف الذكر أن رأس الحسين نقله المسلمون إلى القاهرة من عسقلان ، عند الاستيلاء على عسقلان من لدن الفرنج عام ٥٤٩ ـ ١١٥٤ ...

(٣٣) القصد إلى الخليفة الفاطمي ، المستنصر (٤٢٧ ـ ١٠٣٥ ـ ٤٨٧ ـ ١٠٩٤) سليل عبيد الله مؤسس الدولة الفاطمية بتونس ، وهو الذي أسس المسجد عام ٢٩٤ ـ ٩٠٨ ... ويلاحظ استعمال ابن بطوطة لعبارة" العبيديين" دون" الفاطميين".

٢٥٢

٢٥٣

وفي القبلة من هذا المسجد بئر تعرف ببئر إبراهيم عليه‌السلام (٣٤) ينزل اليها في درج متسعة ويدخل منها إلى بيوت ، وفي كل جهة من جهاتها الاربع عين تخرج من أسراب مطوية بالحجارة ، وماؤها عذب وليس بالغزير ، ويذكر الناس من فضائلها كثيرا.

وبظاهر عسقلان وادي النّمل ويقال إنه المذكور في الكتاب العزيز (٣٥) وبجبانة عسقلان من قبور الشهداء والأولياء مالا يحصر لكثرته (٣٦) أوقفنا عليهم قيّم المزار المذكور وله جراية يجريها له ملك مصر مع ما يصل إليه من صدقات الزوار.

ثم سافرت منها إلى مدينة الرّملة (٣٧) : وهي فلسطين ، مدينة كبيرة كثيرة الخيرات حسنة الأسواق وبها الجامع الأبيض (٣٨) ويقال إن في قبلته ثلاثمائة من الأنبياء مدفونين ، عليهم‌السلام (٣٩) وفيها من كبار الفقهاء مجد الدين النابلسي.

ثم خرجت منها إلى مدينة نابلس (٤٠) وهي مدينة عظيمة كثيرة الأشجار ، مطردة الأنهار ، من أكثر بلاد الشام زيتونا ، ومنها يحمل الزيت إلى مصر ودمشق ، وبها تصنع حلواء الخروب وتجلب إلى دمشق وغيرها ، وكيفية عملها أن يطبخ الخروب ثم يعصر ويؤخذ ما يخرج منه من الرّب فتصنع منه الحلواء ، ويجلب ذلك الرّب أيضا إلى مصر والشام وبها البطيخ

__________________

(٣٤) يذكر الهروي أن هذا البئر هو بئر إبراهيم خليل الله ، ويقال إنه حفره بيده ... ص ٣٢ ـ الاشارات.

(٣٥) " وحشر لسليمان جنوده من الجن والأنس والطير فهم يوزعون حتى إذا أتوا وادي النمل قالت نملة : يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم ... سورة النمل ٢٧ الآية ١٧ ـ ١٨.

وقد ورد عند الهروي : انه بين بيت جبرين وعسقلان يوجد وادي النمل حيث تحدث سيدنا سليمان إلى النمل على ما هو معروف.

(٣٦) هنا مقابر عدد من شهداء الحروب الصليبية وعدد من الصالحين ، ويؤكد الهروي (٦١١ ـ ١٢١٥) أن مقبرة عسقلان تضم جملة وافرة من الأولياء والصحابة الذين لم تعرف أسماؤهم ...

(٣٧) الرملة : مدينة أسست عام ٩٧ ـ ٧١٦ من لدن الخليفة الأموي سليمان بن عبد الملك (ت ٩٩ ـ ٧١٧ م) وينعتها المقدسي بأنها قصبة فلسطين أي عاصمتها.

(٣٨) ذكر المقدسي : " إنّ الجامع الأبيض ... هذا أبهى وأرشق من جامع دمشق وليس في الإسلام أكبر من محرابه ... وله منارة بهية ، بناه هشام بن عبد الملك ..." وقد أعيد بناؤه من لدن الملك الناصر عام ٧١٨ ـ ١٣١٨.

(٣٩) يروي الهروي أنه توجد هناك مقابر لسبعين نبيّا ماتوا جوعا في يوم واحد ، أخرجهم بنو إسرائيل من القدس فألجأوهم إلى الرملة تم أحاطوا بهم ... الإشارات ص ٣٣.

(٤٠) نابلس مدينة السّامرة على حدّ تعبير ابن حوقل وتشتهر اليوم بمعاملها المتخصصة في صناعة الصابون ...

٢٥٤

٢٥٥

المنسوب اليها وهو طيب عجيب. ومسجدها الجامع في نهاية من الاتقان والحسن ، وفي وسطه بركة ماء عذب.

ثم سافرت منها إلى مدينة عجلون (٤١) وهي بفتح العين المهملة وهي مدينة حسنة ، لها أسواق كثيرة ، وقلعة خطيرة ، ويشقها نهر ماؤه عذب.

ثم سافرت منها بقصد اللّاذقية فمررت بالغور (٤٢) وهو واد بين تلال به قبر أبي عبيدة بن الجراح أمين هذه الأمة رضي‌الله‌عنه (٤٣) ، زرناه وعليه زاوية فيها الطعام لابناء السبيل وبتنا هنالك ليلة. ثم وصلنا إلى القصير (٤٤) وبه قبر معاذ بن جبل رضي الله (٤٥) عنه ، تبركت أيضا بزيارته.

ثم سافرت على الساحل فوصلت إلى مدينة عكّة (٤٦) وهي خراب ، وكانت عكة قاعدة

__________________

(٤١) تقع عجلون (ADJLOUN) في الشمال الغربي لجرش بالمملكة الأردنية الهاشمية ، وقلعتها التي تحمل اسم قلعة الرّبض أسست سنة ٥٨٠ ـ ١١٨٤ من لدن أحد حكام السلطان صلاح الدين : عز الدين أسامة ، وقيل إنه كان في مكان القلعة دير قديم يسكنه نصراني اسمه عجلون ابن شداد (ت ٦٤٨). الأعلاق الخطيرة في ذكر أمراء الشام والجزيرة. ـ تحقيق سامي الدهان ، المعهد الفرنسي للدراسات العربية ، دمشق ١٣٨٢ ـ ١٩٦٢ ص ٨٦ ـ ٨٧ إلخ ... وقد زرت القلعة عدة مرات

. W. M. Thomson, The Land and The Book, London ٣٨٨١.

(٤٢) الغور هنا وادي الأردن جنوب بحيرة طبرية أما عن اللاذقية فسياتي الحديث عنها مفصّلا ...

(٤٣) أبو عبيدة هو عامر بن عبد الله بن الجرّاح ، فتح الديار الشّامية وبلغ الفرات شرقا وأسيا الصّغرى شمالا كان لقبه أمين هذه الأمة ، قال ابن عساكر : داهيتا قريش أبو بكر وأبو عبيدة ، أدركه أجله بسبب طاعون عمواس عام ١٨ ـ ٦٣٩ وقبره ، حسب ياقوت ، على بعد اثني عشر فرسخا من طبرية. ـ ابن خلكان : الوفيات ٣ ، ١٤٩.

(٤٤) القصد إلى قصير معين الدين بالغور الذي ذكره ياقوت من أعمال الأردن ، يكثر فيه قصب السكر.

(٤٥) معاذ بن جبل الأنصاري ... بعثه الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد غزوة تبوك قاضيّا ومرشدا لأهل اليمن وأرسل معه كتابا إليهم يقول فيه : إني بعثت لكم خير أهلي ... وقد شارك معاذ أبا عبيدة في فتح الشام وخلفه بعد وفاته لكنه مات أيضا بالطاعون في نفس السنة ١٨ ـ ٦٣٩ دفن بالقصير سالف الذكر. ابن خلكان الوفيات ١٦٦ ـ ١٤٩.

(٤٦) اسم عكا قديم جدّا ، كانت صلة الوصل بين مصر وسورية وورد في الأعلاق الخطيرة لابن شداد أنها" قفل بلاد الساحل ، وقصبة ما فيه من الحصون والمعاقل ، أنشأ بها معاوية ابن أبي سفيان سنة (٤٩) دار صناعة للأسطول ، ولما كانت سنة ٢٤٧ ، أمر المتوكل بترتيب المراكب بعكّا ... وقد الت إلى الافرنج إلى أن قصدها صلاح الدين بعد كسرتهم في حطين وأسر ملوكهم ونازلها في ربيع الآخر ٥٨٣ ... وبقيت في يده إلى أن قصدها الفرنج بدورهم ونازلوها يوم ١٣ رجب سنة ٥٨٥ ... إلى أن دخلوها يوم الجمعة ١٧ جمادى الثانية ٥٨٧ وقد هدمت سنة ٥٩٠ ـ ١٢٩١ عندما استرجعت من لدن السلطان الأشرف خليل ، والجدير بالذكر أنها كانت المنطلق للرحالة ماركوپّولو إلى آسيا فمنها أبحر قاصدا الصّين على ما يقال.

٢٥٦

٢٥٧

بلاد الافرنج بالشام ومرسى سفنهم ، وتشبه بقسطنطينية العظمى ، وبشرقيها عين ماء تعرف بعين البقر ، يقال إن الله تعالى أخرج منها البقرة لآدم عليه‌السلام (٤٧) ، وينزل اليها في درج ، وكان عليها مسجد بقى منه محرابه وبهذه المدينة قبر صالح عليه‌السلام (٤٨).

ثم سافرت منها إلى مدينة صور وهي خراب (٤٩) ، وبخارجها قرية معمورة ، وأكثر أهلها رافضيون (٥٠) ولقد نزلت بها مرة على بعض المياه أريد الوضوء فأتى بعض أهل تلك القرية ليتوضأ ، فبدأ بغسل رجليه ثم غسل وجهه ولم يتمضمض ولا استنشق ثم مسح بعض رأسه فأخذت عليه في فعله فقال لي إن البناء إنما يكون ابتداؤه من الأساس! ومدينة صور هي التي يضرب بها المثل في الحصانة والمنعة لأن (٥١) البحر محيط بها من ثلاث جهاتها ، ولها بابان أحدهما للبر والثاني للبحر ، ولبابها الذي يشرع للبر أربعة فصلان كلها في ستاير محيطة بالباب ، وأما الباب الذي للبحر فهو بين برجين عظيمين.

وبناؤها ليس في بلاد الدنيا أعجب ولا أغرب شأنا منه لأن البحر محيط بها من ثلاث جهاتها وعلى الجهة الرابعة سور ، تدخل السفن تحت السور ، وترسو هنالك ، وكان فيما تقدم ، بين البرجين سلسلة حديد معترضة لا سبيل إلى الداخل هنالك ولا إلى الخارج إلا بعد حطها ، وكان عليها الحراس والأمناء فلا يدخل داخل ولا يخرج خارج إلا على علم منهم.

وكان لعكة أيضا ميناء مثلها ولكنها لم تكن تحمل إلا السفن الصغار.

__________________

(٤٧) يذكر الهروي" أن من عين البقر في عكا خرجت البقر فحرث آدم عليها ، وهي أسطورة اسرائيلية تناقلتها بعض المصادر الإسلامية ... وهذا الموقع يعرف اليوم بعين الست.

(٤٨) صالح نبي الله المرسل لثمود الذي خاطبه الله تعالى بقوله في كتابه : ونبئهم أن الماء قسمة بينهم" ، ويذكر الهروي (ص ٢٢) أن قبر سيدنا صالح كان موجودا في قبلة جامع عكا ... وقد اختفى اليوم كل من المسجد والقبر!

(٤٩) صور (TYR) مدينة حسنة حصينة يحفها البحر من ثلاث جهات ، يقول ابن شداد في كتابه الأغلاق الخطيرة : وقد هدمت (صور) في نفس السنة التي هدمت فيها عكا ٦٩٠ ـ ١٢٩١ حتى لا يطمع فيها الأفرنج ثانية. ـ ابن شداد الاعلاق الخطيرة ص ١٦٢ ـ ١٦٣ وما بعده.

(٥٠) الرافضة نعت أطلق من لدن أهل السنّة على الشيعة الذين رفضوا خلافة أبي بكر وعمر وعثمان ، وإلى الآن فإن الجنوب الحالي للبنان يحتضن عددا من السادة الشيعة ... هذا ومعلوم أن أهل السنة يبتدئون وضوءهم انطلاقا من الوجه تم اليدين تم الرجلين ...

(٥١) الجمل الواردة عن (صور) كلها مقتبسة بالحرف من رحلة ابن جبير. هذا وكلمة الفصلان جمع فصيل : حائط صغير دون سور المدينة ...

٢٥٨

٢٥٩

ثم سافرت منها إلى مدينة صيدا (٥٢) وهي على ساحل البحر حسنة كثيرة الفواكه يحمل منها التين والزبيب والزيت إلى بلاد مصر نزلت عند قاضيها كمال الدين الأشموني المصري وهو حسن الأخلاق كريم النفس.

ثم سافرت منها إلى مدينة طبرية (٥٣) وكانت ، فيما مضى مدينة كبيرة ضخمة ولم يبق منها إلا رسوم تنبئ عن ضخامتها ، وعظم شأنها ، وبها الحمّامات العجيبة ، لها بيتان : أحدهما للرجال والثاني للنساء وماؤها شديد الحرارة ، ولها البحيرة الشهيرة طولها نحو ستة فراسخ وعرضها أزيد من ثلاثة فراسخ.

وبطبرية مسجد يعرف بمسجد الانبياء فيه قبر شعيب (٥٤) عليه‌السلام وبنته زوج موسى الكليمعليه‌السلام ، وقبر سليمان عليه‌السلام ، وقبر يهودا وقبر روبيل صلوات الله وسلامه على نبينا وعليهم.

وقصدنا منها زيارة الجبّ الذي ألقي فيه يوسف عليه‌السلام (٥٥) وهو في صحن مسجد صغير وعليه زاوية ، والجب كبير عميق شربنا من مائه المجتمع من ماء المطر ، وأخبرنا قيّمه أن الماء ينبع منه أيضا.

__________________

(٥٢) تقع صيدا على ساحل البحر ، كان شرب أهلها كما يقول ابن شداد من ماء يجري إليها من جبلها في قناة وبها عينها المعروفة التي يتولد بها سمك على طول الأصبع إذا كان وقت سفادها أخذت ثم جففت فإذا احتاج اليها من يريد أن يجامع سقيت بالماء وشرب منه فلا يصيبه عجز ولا فتور! يقول ابن شداد .. لم تزل في يد الفرنج حتى فتحها الملك صلاح الدين عام ٥٨٣ ...

(٥٣) طبرية (TIBERIAD) كانت بقايا آثار المدينة القديمة توجد جنوب المدينة العربية ... وقد نعتها المقدسي بأنها قصبة الأردن ، وقال : إن بها ثماني حمامات بلا وقيد ومياضي عدة حارة الماء وقد ذكر ابن شداد أن حماماتها تنصبّ إليها مياه حارة في الشتاء والصيف ... الاعلاق الخطيرة ١٢٩.

(٥٤) سيّدنا شعيب من أنبياء الله المشار إليهم في القرآن الكريم ... ويذكر أن قبره يوجد في قرية حطين غرب طبرية وهذا المكان يوجد دائما ، والكليم كما نعلم نعت لنبي الله موسى عليه‌السلام.

(٥٥) يذكر الهروي أن كابول (قريبة من الناصرة) بها اثنان من أولاد يعقوب وهما روبين وشمعون وأنه يوجد بالقرافة قبر ابن يعقوب ، ويذكر ابن حوقل أن قبر يوسف يوجد على بعد اثنى عشر ميلا من طبرية في طريق دمشق ... ويذكر الهروي أن البئر يوجد على طريق بيت المقدس على مقربة من مكان يحمل اسم سنجيل. (SINDJIL). ـ الاشارات ص ٢٠ ـ ٢١.

٢٦٠