رحلة ابن بطوطة - ج ١

شمس الدين أبي عبد الله محمد بن عبد الله اللواتي الطنجي

رحلة ابن بطوطة - ج ١

المؤلف:

شمس الدين أبي عبد الله محمد بن عبد الله اللواتي الطنجي


المحقق: عبد الهادي التازي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: أكاديمية المملكة المغربية
الطبعة: ٠
ISBN: 9981-46-007-9
ISBN الدورة:
9981-46-006-0

الصفحات: ٤٣١

الأسواق وبينها وبين المحلة الكبيرة ثلاثة فراسخ ، وضبط اسمها بفتح السين المهمل والميم وتشديد النون وضمها وواو ودال مهمل ، ومن هذه المدينة ركبت النيل مصعدا إلى مصر ما بين مدائن وقرى منتظمة متصل بعضها ببعض ، ولا يفتقر راكب النيل إلى استصحاب الزاد لأنه مهما أراد النزول بالشاطئ نزل للوضوء والصلاة وشراء الزاد وغير ذلك ، والأسواق متصلة من مدينة الاسكندرية إلى مصر ومن مصر إلى مدينة أسوان (٧٧) من الصعيد.

ثم وصلت إلى مدينة مصر هي أم البلاد ، وقرارة فرعون ذي الأوتاد (٧٨) ، ذات الأقاليم العريضة ، والبلاد الأريضة المتناهية في كثرة العمارة ، المتباهية بالحسن والنضارة ، مجمع الوارد والصادر ، ومحط رحل الضعيف والقادر ، وبها ما شئت من عالم وجاهل وجادّ وهازل ، وحليم وسفيه ، ووضيع ونبيه ، وشريف ومشروف ، ومنكر ومعروف ، تموج موج البحر بسكانها ، وتكاد تضيق بهم ، على سعة مكانها وإمكانها (٧٩) ، شبابها يجدّ على طول العهد ، وكوكب تعديلها لا يبرح منزل السعد ، قهرت قاهرتها الامم ، وتملكت ملوكها نواصي العرب والعجم ، ولها خصوصية النيل التي جل خطرها ، واغناها عن ان يستمد القطر قطرها ، وأرضها مسيرة شهر لمجد السير ، كريمة التربة ، مؤنسة لذوي الغربة.

قال ابن جزي : وفيها يقول الشاعر :

لعمرك ما مصر بمصر وإنما

هي الجنّة الدّنيا لمن يتبصّر

فأولادها الولدان والحور عينها

وروضتها الفردوس ، والنيل كوثر.

وفيها يقول ناصر الدين بن ناهض :

شاطىء مصر جنّة

ما مثلها من بلد

لا سيما مذ زخرفت

بنيلها المطرد

وللرّياح فوقه

سوابغ من زرد

مسرودة ما مسّها

داودها بمبرد

سائلة هواؤها

يرعد عاري الجسد

والفلك كالافلاك بين

حادر ومصعد

__________________

(٧٧) ما تزال البلاد على ما كانت ، فلك في كل محطة ما تريد وما تشتهي!

(٧٨) فرعون ذو الأوتاد ـ يراجع تفسير السورة رقم ٣٨ ـ. د. بهاء الدين الوردي : حول رموز القرآن ج ١ دار الرشاد الحديثة ـ البيضاء ١٩٨٣ ص ٧٦.

(٧٩) يذكر فريسكوبالدي (FRESCOBALDI) ١٣٤٨ : أن أكثر من مائة ألف من الناس ينامون ليلا خارج القاهرة لعدم توفرهم على السكن ونذكر اليوم أن عدد سكانها يقدر باثني عشر مليونا!

٢٠١

٢٠٢

رجع ، ويقال إن بمصر من السقائين على الجمال اثنى عشر ألف سقاء وإن بها ثلاثين ألف مكار (٨٠) ، وإن بنيلها من المراكب ستة وثلاثين ألفا للسلطان والرعية ، تمر صاعدة إلى الصعيد ، ومنحدرة إلى الاسكندرية ودمياط بأنواع الخيرات والمرافق ، وعلى ضفة النّيل مما يواجه مصر الموضع المعروف بالروضة ، وهو مكان النزهة والتفرج ، وبه البساتين الكثيرة الحسنة.

وأهل مصر ذوو طرب وسرور ولهو ، شاهدت بها مرة فرجة بسبب برء الملك الناصر من كسر أصاب يده (٨١) فزين كل أهل سوق سوقهم وعلقوا بحوانيتهم الحلل والحلي وثياب الحرير وبقوا على ذلك أياما.

ذكر مسجد عمرو بن العاص والمدارس والمارستان والزوايا

ومسجد عمرو بن العاص (٨٢) مسجد شريف كبير القدر شهير الذكر ، تقام فيه الجمعة ، والطريق يعترضه من شرق إلى غرب ، وبشرقه الزاوية حيث كان يدرس الإمام أبو عبد الله الشافعي(٨٣). وأما المدارس بمصر فلا يحيط أحد بحصرها لكثرتها (٨٤) ، وأما المارستان الذي بين القصرين عند تربة الملك المنصور قلاوون (٨٥) فيعجز الواصف عن محاسنه ، وقد أعد فيه من المرافق والأدوية ما لا يحصر ، ويذكر أن مجباه ألف دينار كل يوم.

__________________

(٨٠) المكار : من كاراه مكاراة وكراء الدابة : اجره ، فهو مكّار بضم الميم وفتح الكاف. هذا وقد عوّضت اليوم آلاف سيارات الأجرة ما كانت الدوّاب تقوم به بالأمس!.

(٨١) عرف هذا الاحتفال عند بعض المؤرخين في يوم ٤ جمادى الثانية ٧٣٠ ـ ٢٥ مارس ١٣٣٠ ...

(٨٢) كان هذا المسجد هو الأول الذي شيّد في مصر عام ٢٠ ـ ٦٤١ من قبل الفاتح عمروا بن العاص ، ثم أعيد بناؤه عدة مرات ، وقد صادف أن كان في حالة خراب عند زيارة ابن بطوطة لمصر ، وأمّا البناء الحالي للمسجد فإنه يرجع لعام ١٢١٢ ـ ١٧٩٨.

(٨٣) الإمام الشّافعي هو الذي ينسب إليه المذهب الشافعي أحد الأئمة الأربعة عند أهل السنة ولد في غزة ، وتوفي بمصر عام ٢٠٤ ـ ٧٢٠ ، ومشهده بالقاهرة مقصود ...

(٨٤) كان عدد المدارس بمصر على ذلك العهد بتراوح بين الثلاثين والأربعين.

(٨٥) تعتبر القطع المحفوظة للمارستان ولتربة السلطان قلاون ٦٧٨ ـ ٦٨٩ ـ ١٢٧٩ ـ ١٢٩٠ من أبرز المعالم الأثرية العربية في القاهرة ... وإن اسم طريق" بين القصرين" أت من القصرين الذين بناهما الفاطميون في القرن الرابع والخامس ـ القرن العاشر والحادي عشر الميلادي. واسم (بين القصرين) اختاره عام ١٩٥٦ نجيب محفوظ الحائز على جائزة نوبل ، لإحدى قصصه.

٢٠٣

وأما الزوايا فكثيرة وهم يسمونها الخوانق (٨٦) ، واحدتها خانقه والأمراء بمصر يتنافسون في بناء الزوايا ، وكل زاوية بمصر معينة لطائفة من الفقراء وأكثرهم الأعاجم ، وهم أهل أدب ومعرفة بطريقة التصوف ، ولكل زاوية شيخ وحارس ، وترتيب أمورهم عجيب.

ومن عوائدهم في الطعام أنه يأتي خديم الزاوية إلى الفقراء صباحا فيعين له كلّ واحد ما يشتهيه من الطعام ، فإذا اجتمعوا للأكل جعلوا لكل إنسان خبزه ومرقه في إناء على حدة لا يشاركه فيه أحد وطعامهم مرّتان في اليوم ولهم كسوة الشتاء وكسوة الصيف ، ومرتب شهري من ثلاثين درهما للواحد في الشهر إلى عشرين ، ولهم الحلاوة من السكر في كل ليلة جمعة ، والصابون لغسل أثوابهم والأجرة لدخول الحمام والزيت للاستصباح (٨٧) ، وهم أعزاب ، وللمتزوجين زوايا على حدة ، ومن المشترط عليهم حضور الصلوات الخمس والمبيت بالزاوية واجتماعهم بقبة داخل الزاوية.

ومن عوائدهم أن يجلس كل واحد منهم على سجادة مختصة به ، وإذا صلّوا صلاة الصبح قرأوا سورة الفتح وسورة الملك وسورة عمّ (٨٨) ، ثم يؤتى بنسخ من القرآن العظيم مجزأة ، فيأخذ كل فقير جزءا ويختمون القرآن ويذكرون ، ثم يقرأ القرآن على عادة أهل المشرق (٨٩) ، ومثل ذلك يفعلون بعد صلاة العصر. ومن عوائدهم مع القادم أنه يأتي باب الزاوية فيقف به مشدود الوسط وعلى كاهله سجادة وبيمناه العكاز وبيسراه الإبريق (٩٠) ، فيعلم البواب خديم الزاوية بمكانه ويخرج اليه ويسأله من أي البلاد أتى؟ وأي الزاويا نزل في طريقه؟ ومن شيخه؟ فإذا عرف صحة قوله أدخله الزاوية وفرش له سجادة في موضع يليق به وأراه موضع الطهارة ، فيجدّد الوضوء ، ويأتي إلى سجادته فيحل وسطه ، ويصلي ركعتين ويصافح الشيخ ومن حضر ، ويقعد معهم. ومن عوائدهم أنهم إذا كان يوم الجمعة أخذ الخادم جميع سجاجدهم فيذهب بها إلى المسجد ويفرشها لهم هنالك ويخرجون مجتمعين ومعهم

__________________

(٨٦) كانت الخانقاه بالفارسية (KHANEQAH) بمثابة الزاوية والرباط ، والمكان لإيواء الحجاج والمنقطعين للعبادة.

(٨٧) تأتي مداخيل المؤسسات من الأموال المخصصة لذلك من لدن المؤسس الذي يكون غالبا من أحد المماليك الموموقين.

(٨٨) في البيضاوي : عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : " من قرأ سورة عمّ سقاه الله برد الشراب يوم القيامة." تعليق ٢٦

(٨٩) أهل المشرق أو المشارقة عند ابن بطوطة الذين يسكنون شرقي النيل ، وأما عن طريقة تلاوتهم فإنها تتميّز بميلها إلى أداء موسيقيّ مؤثر على نحو ما نسمعه اليوم حتى بالنسبة للذين يرفعون الآذان للصلاة.

(٩٠) كانت هذه علامات ورموز للفقير الشارد ...

٢٠٤

شيخهم فيأتون المسجد ويصلي كلّ واحد على سجادته فإذا فرغوا من الصلاة قرأوا القرآن على عادتهم ثم ينصرفون مجتمعين إلى الزاوية ومعهم شيخهم.

ذكر قرافة مصر ومزاراتها

ولمصر القرافة العظيمة الشأن في التبرك بها ، وقد جاء في فضلها أثر خرجه القرطبي(٩١)وغيره لانها من جملة الجبل المقطم (٩٢) الذي وعد الله أن يكون روضة من رياض الجنة ، وهم يبنون بالقرافة القباب الحسنة ويجعلون عليها الحيطان فتكون كالدور ويبنون بها البيوت ويرتبون القراء يقرءون ليلا ونهارا بالأصوات الحسان ، ومنهم من يبني الزاوية والمدرسة إلى جانب التربة ، ويخرجون في كل ليلة جمعة إلى المبيت بها بأولادهم ونسائهم ، ويطوفون على المزارات الشهيرة ، ويخرجون أيضا إلى المبيت بها ليلة النصف من شعبان (٩٣) ، ويخرج أهل الأسواق بصنوف المآكل.

ومن المزارات الشريفة المشهد المقدس العظيم الشأن حيث رأس الحسين بن علي (٩٤) عليهما‌السلام ، وعليه رباط ضخم عجيب البناء (٩٥) على أبوابه حلق الفضة وصفائحها أيضا كذلك ، وهو مؤفي الحق من الإجلال والتعظيم ، ومنها تربة السيدة نفيسة بنت زيد بن علي بن

__________________

(٩١) القصد إلى الفقيه المالكي أبي العباس أحمد بن عمر بن ابراهيم الأنصاري القرطبي ، من رجال الحديث ، كان مدرسا بالاسكندرية وبها توفي عام ٦٥٦ ـ ١٢٥٨ ، من كتبه" المفهم في شرح مسلم" و (مختصر الصحيحين) ...

(٩٢) يقع تلّ المقطّم الذي قد يسمونه جبلا ، في الجنوب الشرقي للقاهرة وفي شمال القرافة ، وإن ما رواه ابن بطوطة هنا مقتبس من مصادر أخرى سابقة ...

(٩٣) ليلة النصف من شعبان لها منزلة خاصة في المجتمع الإسلامي بسبب ما ورد فيها وعنها من آثار نبوية ، وينعتها العامة في المغرب بليلة" تزميم العمر" وربما عرف يوم ١٥ شعبان بيوم النسخة حيث يتم فيه موسم مولاي عبد السلام بن مشيش شمال المغرب.

(٩٤) نحن نعرف أن الحسين السبط استشهد في كربلاء يوم عاشر محرم ٦١ ـ ١٠ أكتوبر ٦٨٠ أثناء اصطدام مع جيش يزيد بن معاوية ... وقد أرسل رأسه ونساؤه وأطفاله إلى دمشق عاصمة الأمويين ... وفي أثناء محاصرة عسقلان من لدن الصليبيين عام ٥٤٧ ـ ١١٥٣ قام الفاطميون ـ وهم منحدرون من الحسين ـ بنقل رأس الحسين إلى القاهرة وبنو عليه مزارة رفيعة ...

(٩٥) يتعلق الأمر بمدرسة شيدها السلطان صلاح الدين ، ووصفت كذلك من قبل الرحالة المغربي ابن جبير عام ٥٧٨ ـ ١١٨٣.

٢٠٥

الحسين بن علي عليهم‌السلام (٩٦) ، وكانت مجابة الدعوة ، مجتهدة في العبادة ، وهذه التربة أنيقة البناء ، مشرقة الضياء ، عليها رباط مقصود ومنها تربة الإمام أبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي رضي‌الله‌عنه وعليها رباط كبير ولها جراية ضخمة وبها القبة الشهيرة البديعة الاتقان ، العجيبة البنيان ، المتناهية الأحكام المفرطة السمو وسعتها أزيد من ثلاثين ذراعا. (٩٧)

وبقرافة مصر من قبور العلماء والصالحين ما لا يضبطه الحصر (٩٨) ، وبها عدد جم من الصحابة وصدور السلف والخلق رضي‌الله‌عنهم ، مثل عبد الرحمن بن القاسم ، (٩٩) وأشهب بن عبد العزيز (١٠٠) ، وأصبغ بن الفرج (١٠١) وابن عبد الحكم (١٠٢) وأبي القاسم

__________________

(٩٦) بعض النسخ المخطوطة سواء منها التي توجد داخل المغرب أو خارجه لا تذكر قبر السيدة نفيسة ، ونحن نعلم أن السيدة نفيسة هي صاحب المشهد المعروف بمصر ... وكانت عالمة بالتّفسير والحديث ، ولدت بمكة ونشأت بالمدينة وتزوجت إسحاق المؤتمن ابن جعفر الصادق ، وانتقلت إلى القاهرة فتوفيت بها سنة ٢٠٨ ـ ٨٢٤ سمع عليها الإمام الشافعي ، ولما مات أدخلت جنازته إلى دارها وصلّت عليه ... كان العلماء يزورونها ويأخذون عليها ، وقد بنى الفاطميون قبرها الذي يوجد على حدود المدينة في بداية القرافة ... وتتابعت العناية به وأمسى مقصدا للناس ...

(٩٧) مقبرة الامام الشافعي أعظم مشهد بمصر ، ويرجع تاريخها ، في شكلها الحالي إلى سنة ٦٠٧ ـ ١٢١٠ وتعتبر من أكبر المزارات ... حتى لقيل من لم يزر مشهد الشافعي بمصر لا يعد من زوارها.! تعليق ٨٣

(٩٨) تمتد تربة القرافة ومقبرتها إلى جنوب القاهرة الحالية ، ولها شكل المدينة بسبب ما بنى فوق المقابر وحولها من بيوت وخلوات ، وقد تحدث ابن جبير عن مشاهدها : معاذ ابن جبل وعقبة بن عامر وساريّة الجبل وأسماء ابنة أبي بكر وعبد الله بن حذافة ... ومع الأسف فإن معظم ، إن لم نقل كلّ ، هذه المشاهد تعتبر في حكم المجهول لا يميز بينها باستثناء بعض المنحدرين من ابن عبد الحكم ، وقد خصصها الأستاذ لوي ماسينيون في مرتين اثنتين بحديثين رائعين

Bulletin de l\'IFAO du Caire, LVII ـ ٥٧٩١ p. ٥٢ ـ ٩٧. PAROLE Donnee, PARIS ٢٦٩١ P. ٥٧٣ ـ ٨٨٣.

(٩٩) هو عبد الرحمن بن القاسم بن خالد بن جنادة العتيقي المصري أبو عبد الله تفقّه بالامام مالك ولد وتوفي بمصر عام ١٩١ ـ ٨٠٦ ، صاحب" المدونة" ، رواها عن مالك.

(١٠٠) الإمام أشهب هو الذي خلف ابن القاسم ، سابق الذكر ، في إمامته للمذهب المالكي ، توفي عام ٢٠٥ ـ ٨٢٠. هذا وإن قبري الرجلين : ابن القاسم وأشهب اللّذين كان أحدهما قبالة الآخر ، اختفى أثرهما الآن.

(١٠١) أصبغ بن الفرج ، فقيه من كبار المالكية بمصر ، قال ابن الماجشون : ما أخرجت مصر مثل أصبغ ، له تصانيف. ترجمه ابن خلكان في وفيات الأعيان ، أدركه أجله بمصر عام ٢٢٥ ـ ٨٤٠. هذا وقد ذكرت هذه القبور من لدن ابن جبير ...

(١٠٢) القصد إلى عبد الله بن عبد الحكم بن أعين بن ليث بن رافع أبو محمد كان من أجلة أصحاب مالك انتهت إليه الرياسة بمصر بعد أشهب ، ولد في الاسكندرية وتوفي بالقاهرة سنة ٢١٤ ـ ٨٢٩. هذا ويوجد في بعض النسخ ابني عبد الحكم.

٢٠٦

بن شعبان (١٠٣) ، وأبي محمد عبد الوهاب (١٠٤) لكن ليس لهم بها اشتهار ، ولا يعرفهم الا من له بهم عناية ، والشافعي رحمه‌الله ساعده الجد في نفسه واتباعه وأصحابه في حياته ومماته فظهر من أمره مصداق قوله رحمة الله عليه :

الجدّ يدني كلّ أمر شاسع

والجدّ يفتح كلّ باب مغلق!

ذكر نيل مصر

ونيل مصر (١٠٥) يفضل أنهار الأرض عذوبة مذاق واتساع قطر وعظم منفعة ، والمدن والقرى بضفتيه منتظمة ليس في المعمور مثلها ولا يعلم نهر يزدرع عليه ما يزدرع على النيل ، وليس في الأرض نهر يسمى بحرا غيره قال الله تعالى : فإذا خفت عليه فألقيه في اليم (١٠٦) فسماه يما وهو البحر.

وفي الحديث الصحيح أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وصل ليلة الإسراء إلى سدرة المنتهى (١٠٧) فإذا في أصلها أربعة أنهار : نهران ظاهران ونهران باطنان فسأل

__________________

(١٠٣) لم نقف على ترجمة ابن شعبان الذي ذكر في بعض النسخ على أنه أبو اسحاق ابن شعبان.

(١٠٤) القصد إلى القاضي عبد الوهاب بن علي بن نصر الثعلبي البغدادي ، أبو محمد من فقهاء المالكية ، ولد ببغداد ثم توجه إلى مصر فعلت شهرته وتوفي بها عام ٤٢٢ ـ ١٠٣١ ، له عدة تأليف وهو صاحب البيتين المشهورين :

بغداد دار لاهل المال طيّبة

وللمفاليس دار الضنك والضيق

ظللت حيران أمشي في أزقّتها

كأنني مصحف في بيت زنديق!

هذا ومن المعلوم أن تربة القرافة تضمّ عددا كبيرا من علماء المذاهب الفقهية الأخرى إلا أن انتساب ابن بطوطة للمذهب المالكي جعله يهتمّ بأعلام هذا المذهب أكثر من غيرهم! ... وستحتضن مقبرة القرافة بعد زيارة ابن بطوطة رفات الشيخ خليل بن اسحاق (ت ٧٦٧ ـ ١٣٦٥) صاحب (المختصر) الذي يعتمده المالكية كمصدر للفقه المالكي. ذ. التازي : الشيخ خليل ... بحث ألقى في الندوة الثانية للعلاقات المغربية المصرية ـ جمعية أبي رقراق ١٩٩٣.

(١٠٥) إنما ميزه بنيل مصر للتفريق بينه وبين نيل بلاد السودان الغربي الذي هو في الواقع نهر النيجر. ويناقش (كيب) الناشرين الأولين حول ترجمتهما لعبارة : (اتساع قطر) التي قد تعتبر مصطلحا تقنيا ... ويتساءل هل ما إذا كان ابن بطوطة يقصد إلى هذا المعنى الاصطلاحي؟

(١٠٦) سورة القصص رقم ٢٨ الآية ٧ : (وأوحينا إلى أم موسى أن ارضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ...) ونذكر هنا أن أم سيدنا موسى كانت تحمل اسم يوخيبيد (YO ـ KHEBED) ، وفي الأدعية الشعبية التي كنا نسمعها : الله يعطيك سعد أمّ سيدنا موسى أرضعت ولدها وأخذت عليه الأجرة!!

(١٠٧) السورة ٥٣ ، الآية ١٤ حول (الاسراء) تراجع الموسوعة الإسلامية ...

٢٠٧

عنها جبريل عليه‌السلام ، فقال : أما الباطنان ففي الجنة وأما الظاهران فالنّيل والفرات.

وفي الحديث أيضا أن النّيل والفرات وسيحان وجيحان (١٠٨) كل من أنهار الجنة. ومجرى النّيل من الجنوب إلى الشمال خلافا لجميع الأنهار. ومن عجائبه أن ابتداء زيادته في شدة الحر عند نقص الأنهار وجفوفها ، وابتداء نقصه حين زيادة الأنهر وفيضها ، ونهر السند مثله في ذلك ، وسيأتي ذكره.

وأول ابتداء زيادته في حزيران ، وهو يونيه (١٠٩) فإذا بلغت زيادته ستة عشر ذراعا تم خراج السلطان ، فإن زاد ذراعا كان الخصب في العام ، والصلاح التام ، فإن بلغ ثمانية عشر ذراعا أضر بالضياع وأعقب الوباء ، وان نقص ذراعا عن ستة عشر نقص خراج السلطان ، وإن نقص ذراعين استسقى الناس وكان الضرر الشديد.

والنيل أحد أنهار الدنيا الخمسة الكبار : وهي النيل والفرات ودجلة وسيحون وجيجون ، وتماثلها أنهار خمسة أيضا : نهر السند ويسمى بنج آب (١١٠) ، ونهر الهند ، ويسمى الكنك ، واليه تحج الهنود وإذا حرّقوا أمواتهم رموا برمادهم فيه ، ويقولون هو من الجنة ، ونهر الجون بالهند أيضا ، ونهر إتل بصحراء قفجق ، وعلى ساحله مدينة السّرا ، ونهر السرو (١١١) وبأرض الخطا ، وعلى ضفته مدينة خان بالق ، ومنها ينحدر إلى مدينة الخنسا ، ثم إلى مدينة الزيتون بأرض الصين(١١٢)وسيذكر ذلك كله في مواضعه ان شاء الله.

__________________

(١٠٨) سيحان وجيحان : نهران يوجدان في آسيا الصغرى : ساروس (Sarrus) وبيراموس (Pyramus) ، وقد التبس فيما يبدو ، على ابن بطوطة (الذي لم يكن الأول الذي تعرض لهذا الالتباس) ، التبس عليه سيحون (Jaxartes SYR DARYA) وجيحون (OXUS AMUS DARYA) الموجودين في آسيا الوسطى ، واللذين ، حسب ما يروى في الاثر ، هما اثنان من أنهار أربعة تتوفر عليها الجنة. والباقيان : النيل والفرات GIBB.T.٢ P.٩٤ Note ٢٥١ ـ P

(١٠٩) كان هذا إلى غاية سنة ١٩٦٦ ـ ١٣٨٦ ه‍ تاريخ تشغيل السد العالي في أسوان.

(١١٠) بنج آب : معناه الأنهار الخمسة وسيأتي الحديث عنها مفصلا ...

(١١١) يقطد بالكنك نهر (Le Gange) كما يقصد بنهر الجون نهر (La Jumuna) ويقصد بنهر إتل (ETEL) نهر (La VOLGA) ، أما بالنسبة لصحراء قفجق ومدينة السرا العاصمة ، ونهر سرو فسياتي الحديث عنها في السفر الثاني.

(١١٢) يعقب الناشران D.S. على هذه الفقرة بأنها تحتوي على هفوات ظاهرة وسيأتي الحديث عن الموضوع في السفر الثاني ...

٢٠٨

والنيل يفترق بعد مسافة من مصر على ثلاثة أقسام (١١٣) ولا يعبر نهر منها إلا في السفن شتاء وصيفا ، وأهل كل بلد لهم خلجان تخرج من النيل فإذا مدّ أترعها ففاضت على المزارع.

ذكر الأهرام والبرابي

وهي من العجائب المذكورة على مر الدهور ، وللناس فيها كلام كثير وخوض في شأنها ، وأولية بنائها ويزعمون أن جميع العلوم التي ظهرت قبل الطوفان أخذت عن هرمس الأول الساكن بصعيد مصر الأعلى ، ويسمى خنوخ وهو إدريس عليه‌السلام (١١٤) وأنه أول من تكلم في الحركات الفلكية والجواهر العلوية وأول من بنى الهياكل ومجّد الله تعالى فيها وأنه أنذر الناس بالطوفان وخاف ذهاب العلم ودروس الصنائع فبنى الأهرام والبرابي (١١٥) وصور فيها جميع الصنائع والآلات ورسم العلوم فيها لتبقى مخلدة. ويقال إن دار العلم والملك بمصر مدينة (منوف) وهي على بريد من الفسطاط (١١٦) فلما بنيت الاسكندرية انتقل الناس

__________________

(١١٣) معظم الجغرافيين العرب يتحدثون عن" سبعة فروع للنيل" وبعضهم يتحدث عن فرعين فقط ويتفق تقدير ابن بطوطة مع معاصره أبي الفداء

OMAR TOUSSOUN : MEMOIRE SUR LES ANCIENNES BRANCHES DU NILE, EPOQUE ARABE) CAIRO ٣٢٩١ (

(١١٤) ينبغي أن نرجع في الحديث عن هذه الأسماء الثلاثة : هرمس وخنوخ وإدريس أولا إلى القفطى المتوفى سنة ٦٤٦ ه‍ ـ ف كتابه أخبار العلماء بأخبار الحكماء وهو يتضمن في بدايته حديثا عن نبي الله إدريس عليه‌السلام المسمى هرمس وخنوخ ... وانه هو الذي جمع طلبة العلم وعلمهم العلوم ... وكان مسكنه صعيد مصر فبنى هياكل الأهرام ومدائن البرابي ، ولما خاف ذهاب العلم بالطوفان بني البرابي وصوّر فيها العلوم برسوم لمن بعده ... ثم ثانيا إلى الموسوعة الإسلامية (مادة هرم ج أهرام) حيث نقف هنا على ملخص لما كتبه المقريزي ونسمع عن محاولة الخليفة المامون لفتح الهرم الاكبر كما سيقوله ابن بطوطة ونعرف عن الأساطير التي يرويها القبط عن الأهرام ...

(١١٥) اسم يعطى من لدن المصريين للمعابد الفرعونية ، والكلمة : من أصل قبطي جمع بربة ، ويقال في الاصطلاح المصري الصعيدي للمرأة التي لا تخلّف : (شقّي بربّه!) يعني زوري معبدا واخترقيه من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق للغرب ... وقد سعدت بزيارة دراسية لكل هذه الأماكن في يناير ١٩٨٣ رفقة صاحب السمو الملكي الأميرة لالة مريم كريمة الملك الحسن الثاني ...

(١١٦) منوف (MEMPHUS) أما (الفسطاط) فهي المدينة العربية الأولى ، وقد أحرقها القادة السياسيون عام ٥٦٤ ـ ١١٦٩ خوفا من أن يستولي عليه الفرنج ... وتلك عادة جارية : وكلمة البريد من أصل لاتيني (VEREDUS) تعني أربعة فراسخ والأربعة فراسخ تكون نحوا من واحد وعشرين كيلوميترا ... ابن جبير قدم لنا وصفا لهذه الأهرامات من غير أن ينسى الصورة الغريبة من الحجر التي كانت تعرف ، كما يقول ابن جبير ، بأبي الأهوال (SPHINIX) بدائع الزهور لابن اياس ، الهيأة العامة للكتاب ١٩٨٢ ص ٢٣٢.

٢٠٩

اليها وصارت دار العلم والملك إلى أن أتى الإسلام فاختط عمرو بن العاص رضي‌الله‌عنه مدينة الفسطاط فهي قاعدة مصر إلى هذا العهد.

والأهرام بناء بالحجر الصلد المنحوت متناهي السمو مستدير متسع الأسفل ضيق الأعلى كالشكل المخروط ، ولا أبواب لها ولا تعلم كيفية بنائها.

ومما يذكر في شأنها أن ملكا من ملوك مصر قبل الطوفان رأى رؤيا هالته وأوجبت عنده أنه بنى تلك الأهرام بالجانب الغربي من النيل لتكون مستودعا للعلوم ولجثث الملوك ، وأنه سأل المنجمين : هل يفتح منها موضع؟ فأخبروه أنها تفتح من الجانب الشمالي ، وعينوا له الموضع الذي تفتح منه ، ومبلغ الانفاق في فتحه ، فأمر أن يجعل بذلك الموضع من المال قدر ما أخبروه أنه ينفق في فتحه ، واشتد في البناء فأتمه في ستين سنة ، وكتب عليها : بنينا هذه الأهرام في ستين سنة فليهدمها من يريد ذلك في ستمائة سنة ، فإن الهدم أيسر من البناء (١١٧). فلما أفضت الخلافة إلى أمير المومنين المامون (١١٨) أراد هدمها فأشار عليه بعض مشايخ مصر أن لا يفعل ، فلج في ذلك وأمر أن تفتح من الجانب الشمالي فكانوا يوقدون عليها النار ، ثم يرشونها بالخل ويرمونها بالمنجنيق حتى فتحت الثلمة التي بها إلى اليوم ووجدوا بإزاء النقب ما لا أمر أمير المومنين بوزنه فحصر ما أنفق في النقب فوجدهما سواء فطال عجبه من ذلك ووجدوا عرض الحائط عشرين ذراعا.

ذكر سلطان مصر

وكان سلطان مصر على عهد دخولي اليها الملك الناصر أبو الفتح محمد بن الملك المنصور سيف الدين قلاوون الصالحي (١١٩) ، وكان قلاوون يعرف بالألفي ، لأن الملك الصالح اشتراه بألف دينار ذهبا ، وأصله من قفجق ، وللملك الناصر رحمه‌الله السيرة الكريمة

__________________

(١١٧) لاحظ السير هاميلتون كثيب أن ابن بطوطة ربّما لم يزر الأهرامات! فهو يتحدث عنها وكأنّها بناية واحدة ، ولم يذكر أبا الهول ، وهكذا فإنه لم يكون دقيقا كسلفه ابن جبير ...

(١١٨) المأمون هو عبد الله بن هارون الرشيد ، سابع الخلفاء العباسيين نفذ أمره من إفريقية إلى أقصى خراسان وما وراء النهر والسند وتمّم ما بدأ به جدّه المنصور من ترجمة كتب العلم والفلسفة ، وأطلق حرية الكلام للباحثين وأهل الجدل ، جلس على كرسي الخلافة من ١٩٨ ه‍ إلى ٢١٨ ه‍ ـ ٨١٣ م ـ ٨٣٣ م كان الخليفة العباسي الوحيد الذي زار مصر أثناء خلافته.

(١١٩) تولّى الملك ثلاثة مرات من عام ٦٩٢ ـ ١٢٩٣ إلى ٧٤٢ ـ ١٣٤١ كان والده سلطانا من ٦٧٨ إلى ٦٨٩ ـ ١٢٧٩ ـ ١٢٩٠ كان في الأصل مملوكا كسائر المماليك للسلطان الصالح وهو السلطان ما قبل الأخير لبني أيوب الذي تملك من ٦٣٨ إلى ٦٤٧ ـ ١٢٤٠ ـ ١٢٤٩.

٢١٠

٢١١

والفضائل العظيمة ، وكفاه شرفا انتماؤه لخدمة الحرمين الشريفين ، وما يفعله في كل سنة من أفعال البر التي تعين الحجاج من الجمال التي تحمل الزاد والماء للمنقطعين والضعفاء وتحمل من تأخر أو ضعف عن المشي في الدربين المصري والشامي. وبنى زاوية عظيمة بسرياقص (١٢٠) خارج القاهرة. لكن الزاوية التي بناها مولانا أمير المؤمنين ، وناصر الدين ، وكهف الفقراء والمساكن ، خليفة الله في أرضه ، القائم من الجهاد بنفله وفرضه ، أبو عنان ، أيد الله أمره وأظهره ، وسنى له الفتح المبين ويسّره ، بخارج حضرته العلية المدينة البيضاء (١٢١) حرسها الله لا نظير لها في المعمور في إتقان الوضع وحسن البناء والنقش في الجص بحيث لا يقدر أهل المشرق على مثله ، وسيأتي ذكر ما عمره أيده الله من المدارس والمارستانات والزوايا ببلاده حرسها الله وحفظها بدوام ملكه.

__________________

(١٢٠) سرياقص (SIRYAQUS) على بعد ثمانية عشر كيلوميترا شمال القاهرة ، كانت في تلك الظروف إقامة مفضلة بضواحي القاهرة للسلاطين والأمراء ...

(١٢١) القصد بالزاوية إلى المؤسسة الحضارية الكبرى التي شيدها السّلطان أبو عنان عام ٧٥٤ ـ ١٣٥٣ بضاحية المدينة البيضاء ، فاس الجديدة على الضفة الشمالية لوادي الجواهر شيدها برسم استقبال الواردين لإيوائهم والقيام بشؤونهم وربما عرفت بدار الضّيفان ، ولئن الت اليوم إلى اندثار ، مما أدّى إلى جهلها من قبل الّذي اشتغلوا بابن بطوطة ، فإن ابن الحاج النميري في كتابه (فيض العباب) يصفها باسهاب ، وبدورنا نفضل أن نعيد هذه الصورة الجميلة إلى الأذهان اليوم إشادة وتنويها بها ، لقد كانت شامخة البناء منفسحة الساحة مبيضة المظهر يقوم في قبليّها جامع زيّن سقفه ببدائع الزخارف ، وتقابله في الشمال ـ قبة سامقة ازدوج فيها الحسن الباطن مع الجمال الظاهر من عمل المنهدس محمد بن جدار

وتدور بالزاوية ـ من جهاتها الأربعة ـ مساحات بديعة الاختراع متقابلة الأشكال والأوضاع ، قامت أساطينها كأنها عرائس تجلى ، كما يقول ابن الحاج الذي زارها عام ٧٥٨ ه‍.

وقد امتد من الجامع إلى القبة صهريج بديع الطول والعرض ينتصب على حافتيه أسدان مصوران من الصفر ، ليقذفا من أفواههما الماء النازل للصهريج.

وفي كل ركن من أركان الزاوية باب ينفذ إلى دار بديعة البناء متناسبة الأجزاء ، مكتملة المنافع ، إلا الباب الواقع في الشمال الغربي فإنه يشرع إلى دار وضوء مستوفية المرافق ، والديار الثلاث : إحداها لامام الصلاة ، والأخرى للقائم بالآذان والتالثة للناظر في الأوقاف الذي كان محمد بن عبد الله بن أبي مدين.

وتتصل الزاوية دار معدة لاستقبال الواردين ، مفتحة أبوابها لنزول القاصدين تقابلها دار أخرى برسم الطبخ وعلاوة على السّانية التي قامت بإزائها لتزويدها بالماء نصب على وادي الجواهر دولاب يضاعف كميات الماء حيث يتفرغ في قناة واصلة إلى الزاوية إلخ.

وقد استمرت الزاوية المتوكلية قائمة حتى صدر المائة الهجرية الحادية عشرة حيث سجل المقري الكتابة المرقومة عليها في نتفة شعرية من نظم الكاتب أبي عبد الله ابن جزي ... وأعتقد أن زلزال نونبر ١٧٥٥ محرم ١٦٦٩ هو الذي كان وراء اختفاء هذا الصرح الحضاري المنقطع النظير. وقد أخطأ الپروفيسور گيب عند ما توهّم كسابقيه أن القصد بالزاوية إلى مدرسة أبي عنان فهذه شيء آخر ... وقد تبعه على خطأه كل من اقتفى أثره : من مونطي وإصطيفان ... فيض العباب ، دراسة د. محمد بن شقرون ، طبع دار الغرب الإسلامي ـ بيروت ١٩٩٠ ص ٢٠٦ ـ ٢١٨ النفح ٥ ، ٥٣٢ الاستقصاء للناصري ، طبعة البيضاء ١٩٥٤ ، ج ٣ ص ٢٠٦ أزهار الرياض ج ٣ ص ١٩٦ ـ ١٩٧ طبعة المغرب ١٩٧٨. تعليق ١٢٦ ج IV.

٢١٢

٢١٣

ذكر بعض أمراء مصر

منهم ساقي الملك الناصر وهو الأمير بكتمور (١٢٢) ، وضبط اسمه بضم الباء الموحدة وكاف مسكن وتاء معلوة مضمومة وآخره راء ، وهو الذي قتله الملك الناصر بالسّم ، وسيذكر ذلك. ومنهم نائب الملك الناصر أرغون الدّوادار (١٢٣) ، وهو الذي يلي بكتمور في المنزلة وضبط اسمه بفتح الهمزة وإسكان الراء وضم الغين المعجمة.

ومنهم طشط (١٢٤) المعروف بحمّص أخضر ، واسمه بطاءين مهملين مضمومين بينهما شين معجم ، وكان من خيار الأمراء ، وله الصدقات الكثيرة على الأيتام من كسوة ونفقة وأجرة لمن يعلّمهم القرآن ، وله الإحسان العظيم للحرافيش (١٢٥) وهم طائفة كبيرة أهل صلابة وجوه ودعارة ، وسجنه الملك الناصر مرة فاجتمع من الحرافيش آلاف ووقفوا بأسفل القلعة ونادوا بلسان واحد : يا أعرج النحس ، يعنون الملك الناصر ، أخرجه ، فأخرجه من محبسه وسجنه مرة أخرى ففعل الأيتام مثل ذلك فأطلقه.

ومنهم وزير الملك الناصر يعرف بالجمالي (١٢٦) بفتح الجيم ، ومنهم بدر الدين بن

__________________

(١٢٢) كان بكتمر (يضبط عند آخرين بفتح الباء والتاء) من مماليك المظفر بيبرس ، فلما استقر الناصر في السلطنة دخل في مماليكه وتنقل إلى أن صار خصيصا بالناصر وعظم قدره جدا ، وكان الناصر لا يفارقه ليلا ولا نهارا ... كان ظريف الشكل حلو الكلام أشقر أسود اللحية ... وتمكن إلى أن صار هو العبارة عن الدولة وكان يقضي حوائج الناس ويتلطف بهم ... كثرت أمواله جدا ... حج مع السّلطان في تجمّل هائل ... وتنكر النّاصر له في الطريق ... فكان ما كان مما يفسر صراخ زوجة الناصر وأم ولده أحمد وقد قتل مع بكتمر ـ صراخها في وجه الناصر قائلة : " تقتل مملوكك فابني إيش عمل؟! توفي أوائل ٧٣٦ ـ ١٣٣٥ ـ. ابن حجر : الدرر الكامنة ٢ ، ١٩ ـ ٢٠ ـ ٢١.

(١٢٣) أرغون عهد إليه بهذه المهمة : الدّوادار (رئيس الكتاب) ثم أصبح نائبا لملك مصر في عام ـ ١٣١٢ ٧١٢ ثم نقله إلى ولاية حلب بعد عام ٧٢٦ ـ ١٣٢٦ حيث أدركه أجله في ربيع الأول ٧٣١ ـ ١٣٣٠ ـ ١٣٣١ الدرر الكامنةI ص ٣٧٤.

(١٢٤) هو الأمير طشتمر البدري المعروف" بحمّص أخضر" لانه كان يحب أكله فلقّب به! اشترى كعبد من لدن الملك الناصر ثم لم يلبث أن سمي حاكما لصفد وحلب وقد آل أمره إلى السجن في الكرك ثم فر أوائل محرم ٧٤٣ ـ يونيه ١٣٤٢ إلى بلاد الروم وتنقلت به الأحوال إلى أن مات أثناء سنة ٧٤٣ المذكور.

(١٢٥) الحرافيش : يقصد إلى طائفة من الناس تجتمع إلى زعيم يعدل بينهم فيما يحصلون عليه من أموال ، ويهتمون بالفقراء ويهتمّ الأقوياء منهم بالضعفاء ورد ذكرهم لدى المؤرخين المصريين وفي ألف ليلة وليلة ، وقد وجدنا ذكرا لملكهم عام ٧٩٢ ـ ١٣٩٠ ... وقد كتب عنهم نجيب محفوظ.

Gibb T. I. p. ٤٥ Note ٩٦١.

(١٢٦) هو بالذات الوزير مغلطاي الجمالي سالف الذّكر عند الحديث في الاسكندرية وقد توفي عام ـ ١٣٢٩ ٧٣٠.

٢١٤

البابه (١٢٧) ومنهم جمال الدين نائب الكرك (١٢٨). ومنهم تقزدمور ، (١٢٩) واسمه بضم التاء المعلوة وضم القاف وزارى مسكن ثم دال مضموم وميم مثله وآخره راء ، ودمور بالتركية الحديد. ومنهم بهادور الحجازي (١٣٠) واسمه بفتح الباء الموحدة وضم الدال المهمل وآخره راء ، ومنهم قوصون (١٣١) واسمه بفتح القاف وصاد مهمل مضموم ومنهم بشتك (١٣٢)

__________________

(١٢٧) القصد إلى جنگلي بن محمد بن البابا بن جنگلي بن خليل بن عبد الله العجلى بدر الدين كان مقامه بالقرب من آمد تحت حكم المغل : كان يحب العلماء ويطارحهم وكان يميل لابن تيمية ويتعصب له ، توفي ١٦ ذي الحجة ٧٤٦ ـ ٩ أبريل ١٣٤٦. ـ ابن حجر : الدرر الكامنة ٢ ص ٧٦ ـ ٧٧.

(١٢٨) أقش الاشرفي جمال الدين البرناق المعروف بنائب الكرك ، كان من مماليك المنصور وولى عن الأشرف نيابة الكرك نحو العشرين سنة ثم ولى نيابة دمشق عام ٧١١ ... كان متقشفا لا يلبس المصقول! وولاه السلطان نظر المارستان فباشره بمهارة عظيمة وعمّره ، وقاتل الفرنج وغلب على مركبين فأسر من فيهما ... فتوصل الفرنجي إلى أن أعلم السلطان بأنه تاجر ، وأن اقش طمع في ماله فظنّ السلطان صدقه فأنكر على أقش وألزمه بإعادة المركب للفرنجي ... فشق عليه ذلك ولم يلبث أن طلب الإعفاء ... ثم اعتقل ... كان كثير الذكاء فيما يكتبه على القصاصات ، كتب مرة على قصاصة أحد يطلب الاجتماع به : الاجتماع مقدّر! وعلى قصاصة متوسل إليه أن يعفو عنه في أعقاب ارتكاب فاحشة : أحصنّاك فإن عدت أخصيناك! توفي بالاسكندرية سنة تسع وثلاثين وسبعمائة ١٣٣٥. الدرر الكامنة ج I ج ٤٢٣ ـ ٤٢٤.

(١٢٩) طقزتمر (Tuquzdamur) هكذا يرسمه ابن حجر ويشكله ، كان من مماليك المؤيد صاحب حماة ثم قدمه للناصر ، ولم يزل معظما في دولة الناصر إلى أن مات ، وولى نيابة السلطنة بمصر في دولة المنصور ثم ولى نيابة حماة ... ونقل إلى نيابة حلب ثم إلى نيابة دمشق في رجب ٧٤٣ فاستمر بها إلى سلطنة الكامل شعبان فأحضره إلى مصر وهو مريض فقدمها ... ومات بها في جمادى الأخيرة عام ٧٤٦ ـ أكتوبر ١٣٤٥.

(١٣٠) يظهر أن القصد إلى بهادور التّمروتاشي ... الذي قرّبه النّاصر وأمّره على مائة (قائد المائة) واختص به حتى كان يبيت عنده رابع أربعة ، وهم قوصون وبشتاك وصغاى تمر وبهادر ... توفي في شوال ٧٤٣ ـ مارس ١٣٤٣. الدرر ج ٢ ص ٣١ ـ ٣٢.

(١٣١) قوصون الساقي الناصري كان حضر مع الجماعة الذين أحضروا ابنة القان أوزبك زوج الناصر ، فرآه السلطان فألزم كبير الجماعة ببيعه منه فاشتراه بثمانية آلاف درهم فسلمها التاجر المذكور لأخيه صوصون ، ثم عظمت منزلته عند الناصر ... وزوّجه بنته عام ٧٢٧ واحتفل بعرسه حتى كانت قيمة الهدايا التي حملت إليه من الأمراء خمسين ألف دينار ... وقد كان من جملة من تناولهم كتاب الصفدي : (الأس فيمن وصل عن طريق الكس)! إليه ينسب الجامع الكبير بالقاهرة ... ولما مات الناصر تعصّب للمنصور أبى بكر حتى سلطنه وقام هو بتدبير المملكة ... ولكن الدائرة دارت عليه وتمّ قتله بسجن الاسكندرية أواخر شوال ٧٤٢ ـ أبريل ١٣٤٢. ـ الدرر ج ٣ ص ٣٤٢ ـ ٣٤٣.

(١٣٢) بشتاك الناصري (هكذا يرسم في الدرر) كان ممن جلب من بلاد القان أزبك فاشتراه الناصر بستة آلاف درهم وسلّمه لقوصون لتربيته فشغف به السلطان وأفرط له في العطاء وزوّجه أم ابنه أحمد! ... ولما حج انفق في الطريق من الأموال ما لا يحصى ، ويذكر أن سبب حظوته عند الناصر أن هذا طلب إلى مكلف عنده يسمى مجد الدّين أن يحضر له من البلاد مملوكا يشبه بو سعيد (يعني أبا سعيد) ملك التتر ، فقال له مجد الدّين : مملوكك بشتاك يشبهه! فكان ذلك سبب تقريبه ... كان كثير الحروب إلا أنه كان مولعا بالنساء : لم تكن تجتاز به امرأة الأغلب عليها حتى نساء الفلاحين والملّاحين!! ولما مات الناصر تحالف مع قوصون ثم تخالفا ... ولم يلبث أن سيق إلى سجن الاسكندرية واستولى على حواصله التي بلغت آلاف الآلاف ... ثم قتل في شهر ربيع الآخر ٧٤٢ أكتوبر ١٣٤١. ـ الدرر الكامنة ٢ ، ١١ ـ ١٢.

٢١٥

واسمه بفتح الباء الموحدة واسكان الشين المعجم وتاء معلوة مفتوحة. وكل هؤلاء يتنافسون في أفعال الخيرات وبناء المساجد والزوايا.

ومنهم ناظر جيش الناصر وكاتبه القاضي فخر الدين القبطي (١٣٣) ، وكان نصرانيا من القبط فأسلم وحسن إسلامه ، وله المكارم العظيمة والفضائل التامة ، ودرجته من أعلى الدرجات عند الملك الناصر ، وله الصدقات الكثيرة والإحسان الجزيل ، ومن عادته أن يجلس عشى النهار في مجلس له باسطوان داره على النيل ويليه المسجد فإذا حضر المغرب صلى في المسجد وعاد إلى مجلسه وأوتى بالطعام ، ولا يمنع حينئذ أحدا من الدخول كائنا من كان ، فمن كان ذا حاجة تكلم فيها فقضاها له ومن كان طالب صدقة أمر مملوكا له يدعى بدر الدين واسمه لؤلؤ بأن يصحبه إلى خارج الدار وهنالك خازنه معه صرر الدراهم فيعطيه ما قدّر له ويحضر عنده في ذلك الوقت الفقهاء ، ويقرأ بين يديه كتاب البخاري (١٣٥) فإذا صلى العشاء الأخيرة انصرف الناس عنه.

ذكر القضاة بمصر في عهد دخولي إليها

فمنهم قاضي القضاة الشافعية وهو أعلاهم منزلة وأكبرهم قدرا واليه ولاية القضاة بمصر وعزلهم وهو القاضي الامام العالم بدر الدين بن جماعة (١٣٥) وابنه عز الدين هو الآن متولي ذلك ، ومنهم قاضي القضاة المالكية الامام الصالح تقي الدين الإخناءى (١٣٦) ومنهم

__________________

(١٣٣) تبوأ فخر الدين منصب المفتش المالي للجيش عام ٧١٠ ـ ١٣١٠ إلى وفاته عام ٧٣٢ ـ ١٣٣٢ .. وقد عهد إليه بتشييد عدد من مساجد القاهرة.

معلومات عن گيب (Gibb) نقلا عن : T.١.p.٥٥ Vote ١٧١ ZETTERSTEEN

(١٣٤) القصد إلى صحيح الامام البخاري المتوفّى سنة ٢٥٦ ـ ٨٧٠ ويعتبر كتابه هذا من أوثق المراجع في الحديث النبوي على ما هو معلوم.

(١٣٥) بدر الدين محمد بن ابراهيم ابن جماعة ، ولد بحماة عام ٦٣٩ ه‍ كان من أشهر القضاة في عصره ، وقد تولى هذا المنصب ثلاث مرات بالقدس وبمصر وبالشام ، كان من خيار القضاة ، مليح الهيأة جميل البزّة مستدير اللحية ، ولم يسلم من هجو النصير الحمامي لكنه سامح هذا المعتدي. وأدركه أجله بمصر ، جمادى الأخيرة عام ٧٣٣ ـ مارس ١٣٣٣ ، له عدة تصانيف ، منها تذكرة السامع والمتكلم في آداب العالم والمتعلّم" و" تحرير الأحكام في تدبير أهل الإسلام" و" مستند الأجناد في آلات الجهاد وله رسالة في الأسطرلاب ... وقد تولى ولده عز الدين عبد العزيز ٦٩٣ ـ ٧٦٧ ـ ١٢٩٤ ـ ١٣٦٦ مرتين منصب القضاء. ـ ابن حجر : الدرر الكامنة ٣ ، ٣٦٧ ـ ٣٦٨.

(١٣٦) محمد بن أبي بكر الإخنائي المالكي ، تقيّ الدين ، اشتغل بالفقه على مذهب مالك وغيره ثم ولى قضاء الديار المصرية للمالكية ، وكان الناصر يحبه ويرجع إليه في أشياء ، أصيب بماء كاد يهدد بصره (GLaucome) ، فطلب من السلطان أن يمهل عليه إلى أن يعالج نفسه فأهمله ستة أشهر فقدح الطبيب عينيه فأبصر ... وقال عنه الناصر : لا أعزله أبدا ولو استمر أعمى حتى يموت!! مات بالطاعون الذي عم بديار البحر المتوسط أول عام ٧٥٠ ـ أواخر مارس ١٣٤٩. ـ الدرر ٤ ، ٢٧.

٢١٦

قاضي القضاة الحنفية الامام العالم شمس الدين الحريري (١٣٧) ، وكان شديد السطوة لا تأخذه في الله لومة لائم ، وكانت الأمراء تخافه ، ولقد ذكر لي أن الملك الناصر قال يوما لجلسائه : إني لا أخاف من أحد الا من شمس الدين الحريري : ومنهم قاضي القضاة الحنبلية ولا أعرفه الآن إلا أنه كان يدعى بعز الدين (١٣٨).

حكاية [الملك الناصر يقعد للمظالم]

كان الملك الناصر رحمه‌الله يقعد للنظر في المظالم ورفع قصص المشتكين كل يوم اثنين وخميس ، ويقعد القضاة الأربعة عن يساره وتقرأ القصص بين يديه ، ويعين من يسأل صاحب القصة عنها ، وقد سلك مولانا أمير المؤمنين ، ناصر الدين ، أيده الله في ذلك مسلكا لم يسبق إليه ، ولا مزيد في العدل والتواضع عليه ، وهو سؤاله بذاته الكريمة ، لكل متظلم وعرضه بين يديه ، مكرمة أبي الله أن يخص بها سواه ، ادام الله عليه أيامه. وكان رسم القضاة المذكورين أن يكون أعلاهم منزلة في الجلوس قاضي الشافعية ثم قاضي الحنفية ثم قاضي المالكية ثم قاضي الحنبلية ، فلما توفى شمس الدين الحريري وولّى مكانه برهان الدين بن عبد الحق الحنفي (١٣٩) أشار الأمراء على الملك الناصر بأن يكون مجلس المالكي فوقه ،

__________________

(١٣٧) محمد بن عثمان بن أبي الحسن بن عبد الوهاب الانصاري ، القاضي شمس الدّين بن صفي الدين الحريري الحنفي كان والده يتجر في الحرير ... ولى قضاء دمشق ودرس بالظاهرية وغيرها ثم تولى القضاء بالديار المصرية ... كان حريصا على تخليص الحقوق وفصل القضا ، لا يقبل لأحد هدية!! .. إلا أنه كان ينتقد عليه البأو : اتخذ في منزله امرأة سماها النقيبة تتلقاه من الباب قائلة : سيدنا قاضي القضاة ... وتبالغ في نعوته إلى أن يصل إلى مكانه ، ويأمر كل من في الدّار من النساء بالوقوف! وكان يقول لزوجته : أكرمي النقيبة فإنها تعظّم بعلك!! له قصص في تعامله مع كتاب النصاري ... أدركه أجله في جمادى الأخيرة ٧٢٨ ـ أبريل ١٣٢٨. ـ الدرر ٤ ، ١٥٨.

(١٣٨) لقد كان قاضي الحنابلة من عام ٧١٢ ـ ١٣١٢ إلى عام ٧٣٨ ـ ١٣٣٧ هو أحمد بن عمر بن عبد الله بن عمر بن عوض المقدسي الحنبلي تقيّ الدين القاضي ، ولى أبوه قضاء الحنابلة بالديار المصرية عام ٦٩٩ إلى عام ٧٣٨ حيث صرف عن القضاء بسبب ولده الذي كان يتعاطى للإرتشاء!! وكان أعظم القائمين في ذلك الأمير جنكلى بن البابا سالف الذكر ... توفي إثر صرفه عن القضاء ... ـ الدرر الكامنة ١ ، ٢٣٩.

(١٣٩) ابراهيم بن علي بن محمد بن أحمد بن علي بن يوسف ابن ابراهيم الحنفي ، برهان الدين بن كمال الدين المشهور بابن عبد الحق كان سبط ضياء الدين عبد الحق الحنبلي فاشتهر بالنسبة إليه ... ولى القضاء بمصر بعد الحريري عشر سنين ثم تحول إلى دمشق سنة ٧٣٨ ... انتهت إليه رئاسة المذهب ، توفي بدمشق في ذي الحجة ٧٤٤ ـ مايه ١٣٤٤. ـ الدرر الكامنةI ر ٤٨.

٢١٧

وذكروا أن العادة جرت بذلك قديما إذ كان قاضي المالكية زين الدين بن مخلوف (١٤٠) يلي قاضي الشافعية تقي الدين بن دقيق العيد ، فأمر الملك الناصر بذلك ، فلما علم به قاضي الحنفية غاب عن شهود المجلس أنفة من ذلك فأنكر الملك الناصر مغيبه وعلم ما قصده فأمر بإحضاره فلما مثل بين يديه أخذ الحاجب بيده وأقعده حيث نفذ أمر السلطان مما يلي قاضي المالكية واستمرّ حاله على ذلك.

ذكر بعض علماء مصر وأعيانها

فمنهم شمس الدين الأصبهاني إمام الدنيا في المعقولات (١٤١) ، ومنهم شرف الدين الزواوي المالكي (١٤٢) ، ومنهم برهان الدين ابن بنت الشاذلي نائب قاضي القضاة بجامع الصالح (١٤٣) ، ومنهم ركن الدين ابن القوبع التونسي من الأيمة في المعقولات (١٤٤) ، ومنهم شمس الدين ابن عدلان كبير الشافعية (١٤٥) ، ومنهم بهاء الدين ابن عقيل فقيه كبير

__________________

(١٤٠) علي بن مخلوف بن ناهض بن مسلم النّويري المالكي قاضي القضاة زين الدين ... اشتغل على مذهب مالك ومهر ... ثم استقر في القضاء بعد ابن شاس ... إلا أن الناصر عزله لما رجع فاستناب القاضي بدر الدين ابن رشيق ثم بعد قليل أعيد ابن مخلوف وكان كثير الاحتمال والإحسان للطلبة ... توفي بحادي عشرين جمادى الأخير ٧١٨ ـ ٢٠ غشت ١٣١٨ واستقر بعده تقي الدّين الإخناني. ـ الدرر ٣ ص ٢٢٢.

(١٤١) شمس الدين هذا هو محمود بن عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن أبي بكر بن علي ، ولد وتعلم في أصبهان ورحل إلى دمشق فأكرمه أهلها وانتقل إلى القاهرة فنال بها حظوة لدى الحكام إلى أن توفي عام ٧٤٩ ـ ١٣٤٩ بالطاعون العام ، له عدة تاليف منها" التفسير" ، سماه أنوار الحقائق. ـ الدرر الكامنة ٥ ، ٩٥.

(١٤٢) يعتبر شرف الدين عيسى بن مسعود الزواوي ٦٦٤ ـ ٧٤٣ ـ ١٢٦٥ ـ ١٣٤٢ من العلماء المالكية الموموقين ، تفقه ببجاية والاسكندرية ، ورجع إلى قابس فولى القضاء بها ، وانتقل إلى مصر فدرس بالأزهر وناب في الحكم بدمشق ثم بالقاهرة وانقطع للتصنيف ، من كتبه : إكمال الإكمال ... و" تاريخ" كبير شرع في جمعه فكتب منه عشر مجلدات. ـ الدرر الكامنة ٣ ص ٢٨٩ ـ ٢٩٠.

(١٤٣) لم نقف على ترجمة لسبط الشاذلي هذا ...

(١٤٤) القصد إلى الطبيب الشاعر محمد عبد الرحمن بن يوسف ابن القوبع المالكي ـ ٧٣٨ ـ ١٢٦٦ ـ ١٣٣٨ ٦٤ ، وهو من فضلاء المالكية ، كان يفتى مع اشتغاله بالحكمة والطب ، ولد بتونس وتعلم بها وبدمشق واستقر بالقاهرة وكان يفتى على مذهب الامام مالك ... الدرر الكامنة ٤ ، ٢٩٩.

(١٤٥) كان محمد بن أحمد بن عثمان بن ابراهيم ابن عدلان هذا قاضيا للعسكر في أيام الناصر يلقب شمس الدين وكان مدار الفتيا عليه وعلى الشهاب الانصاري ، وقد توجه رسولا إلى صاحب اليمن أوائل سنة ٧٠٧ ه‍. ولد عام ٦٦٠ ـ ١٢٦٢ وتوفي في ذي القعدة ٧٤٩ ـ يبراير ١٣٤٩. ـ الدرر الكامنة ٣ ص ٤٢٣.

٢١٨

(١٤٦) ، ومنهم أثير الدين أبو حيان محمد بن يوسف بن حيان الغرناطي (١٤٧) وهو أعلمهم بالنحو، ومنهم الشيخ الصالح بدر الدين عبد الله المنوفي (١٤٨) ومنهم برهان الدين الصفاقسي (١٤٩) ، ومنهم قوام الدين الكرماني وكان سكناه بأعلى سطح الجامع الأزهر وله جماعة من الفقهاء والقراء يلازمونه ويدرس فنون العلم ويفتى في المذاهب ، ولباسه عباءة صوف خشنة وعمامة صوف سوداء ، ومن عادته أن يذهب بعد صلاة العصر إلى مواضع الفرج والنزهات منفردا عن أصحابه (١٥٠)! ومنهم السيد الشريف شمس الدين ابن بنت الصاحب تاج الدين بن حناء (١٥١) ، ومنهم شيخ شيوخ الفقراء بديار مصر نجد الدين الأقصرائي ، نسبة إلى أقصرة من بلاد الروم ، ومسكنه سرياقص(١٥٢) ومنهم الشيخ جمال

__________________

(١٤٦) ابن عقيل هذا هو عبد الله بن عبد الرحمن بن عقيل بن عبد الله من نسل عقيل ابن أبي طالب ، مشهور بالنحو أكثر من اشتهاره بالفقه ، حتى قال ابن حيان : ما تحت أديم السماء أنحى من ابن عقيل ، له شرح ألفية ابن مالك متداول بين الناس ، وقد درسنا النحو به بجامعة فاس الشهيرة بجامع القرويين ، وقد ترجم مع (الألفية) إلى اللغة الألمانية ، وله أيضا الجامع النفيس في فقه الشافعية ، وتيسير الاستعداد لتربة الاجتهاد وهو تلخيص الجامع النفيس ، أدركه أجله ٢٣ ربيع الأول ٧٦٩ ـ نونبر ١٣٦٧. الدرر الكامنة ٢ ، ٢٧٢ ـ ٢٧٣.

(١٤٧) أبو حيان النحوي محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيان الغرناطي من كبار العلماء باللغة العربية والتفسير والحديث والتراجم واللغات ، ولد في إحدى جهات غرناطة ورحل إلى مالقة وتنقل إلى أن أقام في القاهرة وتوفي فيها ٢٨ صفر ٧٤٥ ـ ١١ يوليه ١٣٤٤ ، من كتبه : البحر المحيط في تفسير القرآن ، ثمان مجلدات ، وله كتاب : زهوّ الملك في نحو الترك ، والادراك ، للسان الاتراك ، وله كتاب : نور الغبش في لسان الحبش. ـ الدرر الكامنة ٥ ، ٧٠ ـ ٧٥.

(١٤٨) لم نقف على ترجمة المنوفي هذا ...

(١٤٩) الصفاقسي ابراهيم بن محمد بن ابراهيم بن أبي القاسم القيسي السفاقسي ، برهان الدين ، فقيه مالكي تفقه في بجاية وحج فأخذ عن علماء مصر وسمع بدمشق كثيرا من زينب بنت الكمال ، توفي في ١٨ ذي القعدة ٧٤٢ ـ أبريل ١٣٤٢. الدرر الكامنة. ١ ، ٥٧.

(١٥٠) هو مسعود بن محمد بن محمد بن سهل الكرماني ، قوام الدين ، من فقهاء الحنفية تعلّم في بلاده ومهر في الفقه والأصول والعربية ، سكن دمشق ثم القاهرة حيث أقام بسطح الجامع الأزهر مدة ، له كتب منها : " شرح الكنز" في فقه الحنفية وحاشية على المغنى للخبازي في أصول الفقه ، أدركه أجله عام ـ ١٣٤٨ ٧٤٨ ـ الدرر الكامنة ٥ ، ١٢٠. وعلى ذكر الأزهر نذكر (رواق المغاربة) الذي لم يتأخر إنشاؤه بالجامع عن مرور ابن بطوطة بمصر ، د. التازي. رواق المغاربة في الأزهر ، دعوة الحق يونيه ١٩٨٣ مجلة المصور مارس ١٩٨٤.

(١٥١) الصاحب تاج الدين بن حنّاء : هو محمد بن محمد بن علي بن محمد بن سليم ويلقب بالصاحب ، كأبيه فخر الدين بن الوزير بهاء الدين ... انتهت إليه رئاسة مصر في عصره واشتغل بالحديث والأدب وحدث بمصر ودمشق ... هو الذي اشترى الآثار النبوية بمبلغ ستين ألف درهم وبنى لها المكان المنسوب إليه ووقف عليها البستان المعروف بالمعشوق أدركه أجله سنة ٧٠٧ ـ ١٣٠٧ الدّرر الكامنة ٤ ، ٣٢٣.

(١٥٢) توفي مجد الدين عيسى الأقصرائي سنة ٧٣٩ ـ ١٣٣٩ ، وكان شيخا للزّاوية النّاصرية التي بناها الملك الناصر بمصر.Gibb ١ ,٨٥

٢١٩

٢٢٠