رحلة ابن بطوطة - ج ١

شمس الدين أبي عبد الله محمد بن عبد الله اللواتي الطنجي

رحلة ابن بطوطة - ج ١

المؤلف:

شمس الدين أبي عبد الله محمد بن عبد الله اللواتي الطنجي


المحقق: عبد الهادي التازي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: أكاديمية المملكة المغربية
الطبعة: ٠
ISBN: 9981-46-007-9
ISBN الدورة:
9981-46-006-0

الصفحات: ٤٣١

التي حررها ابن جزي (١١) ، ولم يكن تحت يد الأستاذ شيربونو غير مخطوطة واحدة حديثة العهد ، جدّا الأمر الذي ، ربما. يفسر الأخطاء التي احتوت عليها الترجمة.

وهكذا ومن خلال ما تقدم أخذنا فكرة عن الصحوة التي أعقبت المبادرة الأولى التي قام بها المستشرقون الألمان ...

لكن العمل الذي نبقى مدينين له بكل التقدير هو ذلك الذي قام به فيما بين عام ١٨٥٣ ـ ١٨٥٨ ـ وبتكليف من الجمعية الأسيوية ـ كلّ من ديفريميري (C.Defremery) وسانگينتي (B.R.Sanguinetti) سالفي الذّكر ، ذلك العمل الذي تمثّل في نشرهما للرحلة مترجمة بكاملها في أربعة أجزاء ، وقد شجعهما على ذلك العمل ما أمست الخزانة الملكية بباريز تتوفر عليه من نسخ ثلاث مخطوطة لرحلة ابن بطوطة (١٢).

وبفضل ظهور المجلّدات الأربع للرحلة مصحوبة بالترجمة الفرنسية أمست رحلة ابن بطوطة في متناول العالم الغربي ، بل وحتّى في متناول العالم العربي والإسلامي الذي كاد أن يجهل كلّ شيء عن رحلة ابن بطوطة!!

إن مبادرة هذين الرجلين نبّهت ، وبشكل بارز ، كلّ الذين كانوا بحاجة إلى أن يعرفوا أكثر عن الجانب الجغرافي للرحلة وكذا عن الجانب التّاريخي والأنثروبولوجي. وإذا كان الاثنان قد أسهما بصفة جيّدة في بعث هذا التراث المغربي الكبير من مرقده ، فإن هناك شخصية ثالثة أسدت معروفا لا ينسى لذلك التراث ، ويتعلق الأمر بالأستاذ الراحل هاميلتون أليكساندر روسكين گيب H.A.R.Gibb الذي قام بترجمة معظم الرحلة إلى اللغة الانجليزية منذ أواخر العشرينات (١٣) "

ولم يكتف گيب بالترجمة الحرفية ولكنه كان يحاول أن يصل إلى أسرار المعنى. أكثر من هذا قام السير گيب بتحديد طائفة من الأعلام الجغرافية ومواقعها ما أمكنه ذلك ، وقد قام إلى جانب هذا بالعمل على التعريف بعدد من الشخصيات التي وردت في صلب الكتاب ذاكرا في أغلب الأحيان مصادره ومراجعه. ويصح القول بأنه لا يمكن للمهتم برحلة ابن بطوطة أن

__________________

(١١) Nouvelles Annales des voyages, Fev., Mars, Avril, Mai ٢٨٨١.

(١٢) حتّى أيامنا الأخيرة لم يتردد ذكر لغير هذه المخطوطات الثلاث على ما نقرأه في بحث موني (Mauny) وجماعته عن إفريقيا مع العلم أننا نتوفر اليوم على نحو الثلاثين على ما أسلفناه.

(١٣) كانت لي مراسلات مع الأستاذ گيب عندما كنت أحقق تاريخ (المن بالإمامة) لابن صاحب الصلاة بعد أن سمعت أنه بصدد نشره ، وقد أجابني بأنه مهتمّ بابن بطّوطة ـ المن بالإمامة ، بيروت ١٩٨٧ ص ٣٦Hopkins : IBN SAHIB AL SALAM.Ency.ISLAM.N.E

١٠١

يستغني عن المجهود الذي بذله هذا الرجل في سبيل تصحيح ما قام به السابقون مما استفدنا منه بطبيعة الحال (١٤).

وقد كان گيب نشر قبل إصدار الجزء الثالث دراسة نقدية حول رحلة ابن بطوطة في آسيا الصغرى وفي روسيا" بمناسبة تكريم الأستاذ الراحل ليفي بروفنصال (١٥).

وما دمنا في ذكر گيب نسجّل هنا أنه بعد وفاته اهتم أحد الباحثين بنشر الجزء الرابع من ترجمة الرحلة إلى الإنجليزية ، ويتعلق الأمر بالأستاذ بيكينگام Beckingham الذي قام عام ١٩٩٤ باصدار هذا الجزء واعدا في المقدمة وفي بعض التعاليق بأنّ مجلدا خامسا في طريقه إلى الظهور خصّصه ، فيما يبدو ، للفهارس وللجانب الكرونولوجي والتوثيقي ...

وقد كان في صدر من استفاد من عمل گيب ، المستشرق الروسي أ. يو. كراتشكوفسكي (ت ١٩٥١) في كتابه القيّم" تاريخ الأدب الجغرافي العربي" الذي ترجمه الزميل الراحل صلاح الدين عثمان هاشم.

لقد قال عن ابن بطوطة : " إنه منافس خطير لمعاصره الأقدم منه تاريخا ماركوبولو. ومن الطبيعي ـ يقول كراتشكوفسكي ـ أن ابن بطوطة الطنجي كان له إحساس فطري ذاتي بظروف حضارة العالم الذي يصفه أكثر ممّا كان لدى ماركو بولو البندقي وإن وصف الرحالة المسلم لخط سير رحلته كان أدعى إلى الثقة ممّا عليه الحال مع معاصره المسيحي (١٦).

وقد قام الأستاذ روس دان (Ross E.Dunn) في كتابه باللّغة الانجليزية : (مغامرات ابن بطوطة) بنشر عرض للرحلة ولو أنه كان يحكي عن ابن بطوطة بأسلوب خاص ، ولكنه زود كتابه بتعاليق وبخرائط جدّ مفيدة (١٧).

وقد ظهر عالم تشيكي جليل قام بدراسة نقدية رائعة للرحلة خاصة ما يتصل فيها بتحديد المراحل والمواقع والمسافات مقرونة بتحديد الأزمان والظروف ، ولا اعتقد أن احدا يستطيع أن يجد من الوقت ومن الصبر ما يمكنّه من القيام ، بأناة وتوأدة ، من ملاحقة

__________________

(١٤) صدر عن السيد هاميلتون گيب مند عام ١٩٢٩ :

Selections from IBN Battuta in ASIA and Africa.

ثم أعيد طبعه ولكن من غير أن يحمل اسم گيب!! ثم صدرت عنه ١٩٥٦ ترجمة الأجزاء الثلاثة بعنوان (The Traveles of IBN Battuta) عن الدار. (The Hakluyt Society , ثم أعيد طبعها من لدن كيمبريدج ١٩٥٨ ـ ١٩٥٩ ، ثم صدر الجزء الثالث عام ١٩٧١ مع وفاته.

(١٥) Etudes d\'Orientalisme deditees a la memoire de Levi ـ Provencal. Paris ٢٦٩١.

وقد نشرها أيضا هاميلتون كملحق في آخر الجزء الثاني لترجمته للرحلة.

(١٦) كراتشكوفسكي : تاريخ الأدب الجغرافي العربي ، طبعة ثانية مصححة ومنقحة ، دار الغرب الاسلامي ، ١٤٠٨ ـ ١٩٨٧. ص ٤٥٦.

(١٧) Rosse Dunn : The Adventures of Ibn Battuta, Groom Helm, London and Sydney ٦٨٩١.

١٠٢

ابن بطوطة وكشف هفواته والوقوف على فجواته على نحو ما قام ذلك المستشرق التشيكي العالم المتمكن الزميل إيفان هربك الذي قرأنا له بحثا جدّ مفيد في براغ أوائل الستينات (١٨) قبل أن يتوفاه الله عام ١٩٩٣.

وقد تهافتت جهات أخرى ممّن تنتمي للعالم الناطق باللّغة الانجليزية على الاستفادة من الرحلة بعد ظهور الترجمة الانجليزية ، وهكذا اتسعت دائرة المعرفة بها والاطلاع عليها أكثر فأكثر ...

هذا وقد قرأ الناس ترجمة الرحلة كلّا أو بعضا بعدد من اللّغات الأخرى غير الفرنسية والانجليزية ، فترجمها الدكتور هانس قون مزيك (Hans Von Mzik) إلى الألمانية (١٩) ... وترجمها إيقان هربك (Ivan Hrbek) ، سالف الذكر ، إلى اللغة التشيكية ، وترجمها إلى الإيطالية گابرييلي (Gabrieli) عام ١٩٦١ (٢٠) ، وترجمت إلى اللغة التّركية على يد لجنة وزارة المعارف أواخر عهد العثمانيين في خمسة مجلدات (٢١) ، ... وقد ترجمت إلى اللّغة الفارسية من لدن الدكتور الزميل محمد علي موحّد تحت عنوان : " سفرنامه ابن بطوطة" (٢٢) ، وإلى اللغة السويدية وقد قام بترجمتها هيرمان المكيسط (Herman Almquist) وخاصة منها الفصل الخاص بتحرّك ابن بطوطة من طنجة إلى الاسكندرية ، هذا إلى ترجمتها للّغة الهندية واللغة الأرمنية ، واللّغة اليابانية واللّغة الإسبانية (٢٣).

وعلمت أثناء زيارتي لسمرقند صيف ١٩٧٤ أن جماعة من المحققين يعكفون على مراجعة ترجمة للرحلة باللغة الرّوسية. وقد أهديت لي أثناء زيارتي للصين ترجمة كاملة للرحلة باللغة الصينية(٢٤) عام ١٩٨٤. لقد ناهزت الترجمات العشرين ، ونحن على يقين أن هناك ترجمات أخرى لا نعرفها. وكأنّ ترجمة واحدة للرحلة لم تكن كافية لأصحاب تلك اللغة ،

__________________

(١٨) The Chronology of Ibn Battuta Travels, Archiv Orientalni XXX, Prague ٢٦٩١.

(١٩) Die Reise des Arabers Ibn Battuta druch Indien und China, Himbung ١١٩١.

(٢٠) F. Gabreli : Viaggiatori arabi, biblioteca Sansoni Firenze Viaggi di Ibn Battuta Scelta E Versione dall Arabio Di Francesco Gabrieli. Sansoni Editore Firenze ١٦٩١ ـ Ibn Battuta Viaggiatore Maghrebion, Universita de Gagliari, Istituto di Studi Africani.

(٢١) يعني عام ١٩١٧ ، ولها ترجمة أخرى تسمى (تقويم وقائع) كما يؤكده ذ. محمد الفاسي (مجلة المغرب غشت ١٩٣٤) هذا ونشكر د. أكمل الدّين إحسان أوغلي ، على فاكسه ل ١٨ / ١٢ / ١٩٩٣

(٢٢) استفدت من مقامي سفيرا لبلادي بطهران حيث اكتشفت المزيد من المعلومات عن حضور «اللغة الفارسية» في الرحلة فأجدد الشكر لأصدقائي الذين أفادوني هناك أو في سفارة إيران بالمغرب ...

(٢٣) ارجو أن أجدد الشكر لسعادة الزميل السيد علي بنبوشتى سفير المغرب في مدريد الذي بعث لي بطبعة جديدة للترجمة الإسبانية تمت عام ١٩٩٣.

(٢٤) كانت الترجمة الصينية من عمل الأستاذ ماجين بونغ أستاذ اللغة العربية وقد أهداه لي الأستاذ شين جيا من نفس الجامعة ، وهو قيدوم كلية اللغات الشرقية.

١٠٣

فوجدنا من بين أصحاب اللغة الواحدة من ينافس زميله في البحث عن خفايا الرحلة فيقدم لنا رحلة ابن بطوطة باللغة الفرنسية أو الانجليزية أو البرتغالية أو الألمانية في بحوث وترجمات أخرى بأساليب أخرى. ومن هذا ما ظهر ١٩٩٠ عن مؤسسة (لاديكوفيرت (a De ـ "couverte " بباريز من تقديم وتعليق في ثلاثة أجزاء للأستاذ صطيفان ييرازيموس (Stephane Yerasimos) اعتمد فيها أساسا على الناشرين الفرنسيين السابقين وعلى أعمال السّير هاميلتون گيب.

هذا إلى جانب العمل السابق الذي قام به ١٩٦٨ فانسان مونطي (V.Monteil) عند ما أعاد نشر الرحلة وزودها ، بدوره ، بتقديم جيّد وتعليقات مفيدة اعتمد فيها على عمل العالم التشيكي إيفان هربك سالف الذكر ، هذا إلى البحوث المركزة التي عززت جانب الرحلة من أمثال بحث العالم الفرنسي الأستاذ ر. موني وفريقه ، والأستاذ أ. ميكيل وأمثالهما كثير (٢٥).

وينبغي أن نؤكد أن معظم هذه الترجمات ـ إن لم نقل كلّها ـ تصحب بتعليقات لا غنى عنها للقارىء ، بل أكثر من هذا فائدة أن بعض هؤلاء الأساتذة قاموا بوضع مقدمات لكل جزء من الأجزاء حتى يجعلوا القارئ الأجنبي عن العربية في الصورة الكاملة لفهم العالم الاسلامي وتقاليده ، ولفهم تاريخ دوله على ذلك العهد ...

لاحظنا هذه المبادرة ابتداء من الناشرين الأولين ديفريميري وسانگينيتّي وانتهاء بالسّير هاميلتون گيب والأستاذ ييرازيموس وأخيرا بالأستاذ طوماس ج. ايبركرومبي(T.J.Abercrombie) الذي قام عام ١٩٩١ برحلة فريدة من نوعها سار فيها على خطى ابن بطوطة بتكليف من المجلة الإمريكية الذائعة الصيت : " ناشيونال جيوغرافيك" (٢٦) " (National Geographic) ...

ونذكر إلى جانب كلّ ذلك العطاء الجمّ الذي قدمته إلينا الدّراسات الغربية فيما يتصل بابن بطّوطة أننا نرى مما يثري هذا الموضوع أن نشير إلى بعض المؤاخذات التي لنا على جانب من تلك الأعمال بالرغم من أنها مؤاخذات جدّ محدودة ...

__________________

(٢٥) R. MAUNY ـ ـ ـ EXTRAITS TIRES des voyages d\'Ibn BATTUTA ـ DAKAR ٦٦٩١ Andre Miquel : IBN BATTUTA, ENCY de l\'Islam ٨٦٩١ ـ Les Africains, PARIS ٧٧٩١ P. ٧١١ ـ ٠٤١

. العرب والإسلام وأوربا بيروت ١٩٩٣ ص ٢٥٢.

(٢٦) بدأ طوماس إيبركرومبي يفكر في رحلة موازية لرحلات ابن بطوطة ، ووافقته (ناشيونال جيوكرافيك) على ذلك وكلفت الرّحلة مائة ألف دولار على الأقل! وقد صدر هذا العدد في دجنبر ١٩٩١ بمناسبة احتفال العالم القديم والجديد بذكرى اكتشاف إمريكا ... ومن المعلوم أن هذه المجلة تصدر زهاء عشرة ملايين نسخة يلتهمها المشتركون والمتخصصون ... وقد تهافتت المجلات على نقل تلك المعلومات ، مثل مجلة (المجال) الإمريكية في عددها ٢٥٥ يونيه ١٩٩٢ ، ومجلة (الفيصل) السعودية ، (أكتوبر ١٩٩٢) بعد أن كانت وكالة المغرب العربي للأنباء عممت مشكورة الخبر عن ذلك العدد من مراسلها في واشنطن.

١٠٤

هناك بعض الكلمات المغربية التي استعملها ابن بطوطة بحكم أنه كان يعيش معها ، هاته الكلمات لم تجد عند باحثينا عناية بها للبحث عنها في الفضاء المغربي فراحوا يبحثون عنها في قواميس بعيدة عن بيئتنا!!

وأذكر على سبيل المثال كلمة (الفقّاع) المغربية التي تعنى بكل بساطة : الفطر أو الكمأة لكن زملاءنا رأوا فيها ما يوحي بنبيذ الشعير ...!

وإلى جانب الفقاع نذكر كلمة مغربية أخرى : بوقنينة التي حيّرت أصدقاءنا فوضع بعضهم علامة استفهام عليها ، وراح بعضهم يبحث عن معني لها من خلال معنى القنّينة عند المشارقة ، مع أن الكلمة معروفة في شمال المغرب الذي ينتسب إليه ابن بطوطة ، وهو نبات قصير يكثر في المناطق الجبلية يستعمل لعدّة أغراض. وقد حفظ في الأمثال المغربية هناك : " غرسته حبق فخرج لي بوقنينه"! (٢٧)

ولقد تعب الناشران في البحث عما تترجم به كلمة (البوجات) المستعملة في المغرب بمعنى: الهودج أو المحفّة التي تحمل فيها العروس ، فراحا يبحثان عن معناها في اللّغات الأسيوية. وقد التبست عليهما كلمة القريّة (كهديّة) فقراها القربة بالباء! (٦٤١ ـ IV)

ونذكر إلى جانب هذا كلمة (المقيّرة) التي استعملها ابن بطوطة نعتا للجبة عند ما وقع أسيرا بأيدي الهنود وغدا مدينا بحريته لشابّ هندي أعطاه الرحالة المغربي جبته ـ وكانت من نوع رفيع ـ فأعطاه الشاب الهندي جبة مقيّرة باليّة. هنا بالرغم من أن الناشرين الاثنين يريان أن النسخ التي يتوفران عليها تكتب المقيّرة فانهما ـ كما يؤكدان في التعليق ـ لم يتردد ا في أنها (المنيرة) بالنون عوض القاف وراحا يبحثان في الأصل الفارسي عن الكلمة وترجماها بالفعل بأنها آتية من النّيلة الفارسية ، ومع أن كلمة مقيّرة معروفة إلى الآن عند المغاربة بمعنى وسخة كأنها مطليّة بالقار ، يقال ثوبه مقير يعني عليه طبقات من الأوساخ ...

والجدير بالذكر أن المخطوطات التي نتوفر عليها بما فيها مخطوطة گايانگوس والخزانة الملكية والخزانة العامة ، وفيها ما نعتقد أنه بخط الرحالة المغربي ، كلّها وبدون استثناء ترسمها مقيّرة على نحو ما نعرفه نحن اليوم.

وقد كان من هفوات الترجمة أنه في معرض الثناء على زوجة له طيبة المعاشرة ، ذكر أنه إذا تزوج عليها بخّرت ثيابه ، فقد ترجما (تزوج عليها) بما يفيد أنه (تزوج بها) وقد كان من التعسّف تفرقتهم ـ في الترجمة ـ بين كلمة العشارين (٥٧٢ ـ ٤٠٢ ـ IV)

وقد كان مما أثار انتباهنا ـ وقد وقفنا في (مالديف) على اللّوحة التي تنص على اسم

__________________

(٢٧) محمد أخريف : مفهوم بعض الأسماء والعبارات عند ابن بطوطة ، ملتقى طنجة حول ابن بطوطة ، تنظيم مدرسة الملك فهد العليا للترجمة ـ اكتوبر ١٩٩٣.

١٠٥

المغربي الذي أدخل الإسلام إلى تلك الجزر ـ أن بعض المشتغلين بابن بطوطة ، وهو (ييرازيموس صطيفان) رأى أن ينتزع تلك" البطوطة" من" البربري" ويعطيها إلى التّبريزي نسبة إلى مدينة تبريز بالرغم من أنه اعتمد في الترجمة أساسا على الناشرين الاثنين! لكنه أي صطيفان رأى في هذه المرة أن يعتمد ليس على الاثنين لكن على آخر اسمه فوربس Forbes الذي اعتمد بدوره على مخطوطة كان صاحبها يجهل كلّ ما كتبه ابن بطوطة قبله بأربعة قرون عن إسلام جزر مالديف (٢٨)!

وإذا كان ييرازيموس فضلّ أن يعطي البطولة للتبريزي ، فإن العالم التشيكي هربك رأى أن القصد بالبربري إلى أحد المنتسبين لبلاد الصومال نظرا لأنها أقرب جغرافيا إلى مالديف! وكأن هربك لم يقرأ عن اجتماع محمد بن عمر التازي البغدادي بالخليفة العباسي المعتمد (ت ٢٨٩ ـ ٩٠٢) على ما نجده عند التنوخي في كتابه (نشوار المحاضرة) ، ولم يقرأ عن المقدسي في كتابه" أحسن التقاسيم" وهو يجتمع بعدد من علماء الأندلس بمكة عام ٣٧٧ ـ ٩٨٧.

هذا إلى أنهما أي الناشرين السابقين أحيانا لم يتريثا قليلا لتقديم معلوماتهما عن بعض المواقع الجغرافية في المغرب. وفي هذا الصدد ينبغي أن نرجع إلى الجزء الأول من عملهما ص ٨٤ ، والجزء الرابع ص ٣١٢. حيث تكررت ترجمة (الزاوية) التي انشأها السلطان أبو عنان بفاس ، بالمدرسة البوعنانية! مع أن القصد إلى منشأة أخرى غير المدرسة يقول ابن بطوطة إن العاهل بناها بخارج حضرته ، ومعلوم أن أبا عنان أنشأ هذه المعلمة الكبرى كفندق لإيواء الضيوف على مقربة من وادي الجواهر وكانت آية في النقوش والرسوم المجسّدة على ما سنرى في الملاحق هذا إلى أعلام جغرافية أخرى وقع فيها الخطأ عندهما فسرى إلى من قلّدهما. ونذكر على سبيل المثال (ج ، ٢ ، ١٩٦) ظفار الحبوضي التي نقل الاثنان أنها ظفار الحموض على ما سنرى عند التعليقات على صلب النص.

ونحن نتحدث عن الاسماء الجغرافية في الرحلة لاحظنا أن هناك عددا من الأعلام لم تنل حظها من البحث والتنقيب على نحو ما كان عليه الأمر في وادي قرة بالأندلس ، وجناتة ، ودار الطمع بالمغرب على ما سنرى في التعليقات.

وقد اعترضتنا بعد هذا انسياقات أخرى كان عليهما أن يتريّثا فيها ، مثلا حديثهما (ج ١ ص ١٥٥) عن الأديب أبي الفتيان جبوس عوضا عن ابى حيّوس الذي هو الصواب.

__________________

(٢٨) التازي : أقدم نقش عربي في مالديف يتحدث عن المغرب ، مجلة البحث العلمي العدد ٤٠ السنة ٢٥ ـ ١٤١٠ ـ ١٤١١ ـ ١٩٩٠ ـ ١٩٩١ ـ المؤتمر الدّولي حول الاستشراق ، تطوان ، نونبر ١٩٩٦.

IVANHRBEK : Ibn Battuta and The Maldive Islands Expede Pontis ـ Prague ٢٩٩١.

١٠٦

وحديثهما (ج ١ ، ١٩١) عن الشاعر شرف الدّين ابن محسن عوضا عن الشاعر أبي المحاسن عنين الذي هو الصواب.

ومثلا ما ورد (جI، ٢٢٢) عن كتاب المفهم في شرح صحيح مسلم للقرطبي ، هذا الكتاب سمي عندهما انسياقا مع إحدى المخطوطات (المعلم) الذي الفه المازري مع أن الصواب كما هو معلوم : المفهم ، وقد كان مما ورد عندهما (ج I ، ٢٣٠) نسبة مدرسة هامة بالصالحية في دمشق إلى ابن عمر مع أنها لأبي عمر على ما هو في المخطوطات الموثوقة. وقد كان مما لفت نظرنا ما ورد عندهما (ج I ، ٢٤٨) حول العلامة ابن الشحنة الحجار ، فقد نقلا معا أنه الحجازي عوض الحجّار ... وقد كان مما وقفنا عليه عند الناشرين المذكورين (ج I ص ٢٥٢) ما ورد حول الشيخ (البجدي) بالباء ثم الجيم فلقد تحرف عندهما الى النجدى ، هذا إلى خطأ آخر في نفس الجزء والصفحة (١ ، ٢٥٢) ويتعلق الأمر بجمال الدّين أبي المحاسن يوسف المزي الذي رسم خطأ المزني (بالنون) ، الامر الذي سار عليه كل الذين نقلوا عن الاثنين دون روية ...!

وفي الأعلام الشخصية التي كانت تحتاج إلى التصحيح ما ورد عندهما (ج II ص ٨٣) حول روز جهان القبلي عوض روز بهان البقلى الذي هو الصحيح.

وقد كان من الأخطاء التي أثارت الانتباه ما ورد من حديث عن ابن شبرين (بالباء) السبتي نسبة إلى سبتة المغربية ، هذا العالم تحوّل اسمه عندهما إلى ابن شيرين (بالياء) عوض الباء كما تحول السبتي إلى البستي نسبة إلى بست ، ويا بعد ما بين سبتة وبست!!

وفي حديثهما عن ابن بطوطة وهو بتونس عائدا من المشرق تحوّل عندهما (ج ٤ ، ٣٣٠) اسم زيان بن أمديون العلوي وزير السلطان أبي الحسن وصهره وظهيره إلى ابن أمريون بالراء عوض الدال.

ومثلا (ج ٤ ص ٣٣١) تحول اسم الآبلي نسبة لآبلة) AVILA (في الأندلس إلى الأبلي نسبة إلى الأبلة في البصرة!

والملاحظ أن هذه الهفوات وقع في معظمها جلّ الذين اعتمدوا على النسخة الفرنسية من الناشرين اللّاحقين على ما سنرى ...! وقد كان من غريب ما وقع فيه المترجمان أن تلتبس عليهما في البداية كلمة (الصاحب) التي كان يقصد بها ابن بطوطة : الصاحب بن عباد ، بكلمة (الصاحب) التي تعني الصديق (ج ٢ ، ص ١٦)!

لنقرأ هذه الفقرة في الرحلة تعليقا على أن ماء مدينة البصرة غير جيّد ، قال ابن جزي : ألوان أهل البصرة مصفرة ، حتّى ضرب بهم المثل ، قال بعض الشعراء وقد أحضرت بين يدي الصاحب أترجة.

١٠٧

لله أترج غمدا بيننا

معبّرا عن حال ذي عبرة

كما كسا الله ثياب الضنّا

أهل الهوى وساكني البصرة!

الشاهد عندنا في أحضرت ، الهمزة مضبوطة عند الاثنين بالفتح وقد ترجمت هكذا :

Un poete de mes amis. a qui je presentai un citron composa ces vers :

ومن هذا المعنى نذكر التباس كلمة السّفر بكسر السين وتسكين الفاء ، بمعنى الجزء أو المجلّد، بكلمة السّفر بفتح السين والفاء ، التبس ذلك على بعض التراجمة الإنجليز فكان في بعض الأحيان يترجم كلمة السّفر ب (Journey)!!

ومع كلّ هذا فإنه لا يسعنا إلا أن ننوه بالعمل الجادّ الذي قام به التراجمة من مختلف الجنسيات من أجل بعث رحلة ابن بطوطة من مرقدها وجعلها في متناول الجميع وبمختلف الوسائل ...

والحقيقة أنّني لم أسمع في الدنيا عن رحلة نقلت من لغتها الأصلية إلى لسان ثان ، ثم ترجمت من ذلك اللّسان الثاني لتعود إلى لغتها الأولى بصياغة حديثة ، ولقد تحقق ذلك في رحلة ابن بطوطة التي ترجمها غيرمو غوسطافينو عن الإسبانية بأسلوبه العربي الذي كان يرى أنّه أكثر إثارة وأوفى إشارة (٢٩)!!

وقد لذّ لي ـ وأنا أزور دول القارة الإمريكية التي لم يصلها ابن بطوطة ـ أن أبحث : هل ما إذا كان له صدى هناك ، ولشدّ ما كان استغرابي وأنا أقف على عشرات البحوث التي كتبها إمريكانيون بل واستراليون عن هذه الرّحلة العظيمة التي لن ينتهي الحديث عنها ...

__________________

(٢٩) غيرمو غوسطافينوغيانت : الرحّالة الكدود ابن بطوطة ، دار النشر المغربية ـ تطوان ١٩٥٠.

١٠٨

      

١٠٩

      

١١٠

اهتمام الكتّاب

العرب بالرحلة

١١١
١١٢

اهتمام الكتاب العرب بالرحلة ...

والآن وقد ألممنا بعض الشيء بعمل المستشرقين من أجل رحلة ابن بطوطة ، نرى من المفيد أن نخصص هذا الحيّز لما قام به الزملاء العرب كذلك من جهود متنوعة مشكورة للإستفادة من الرحلة ...

وأرى من المفيد ، منذ البداية ، أن أذكّر بأنه بالرغم مما ظهر في المشرق من طبعات عديدة للرحلة منذ أواخر القرن الماضي وبالضبط ١٢٨٨ ه‍ ١٨٧١ م إلى اليوم فإن كل تلك الطبعات ، وبدون استثناء ، إنما كانت منقولة من الطبعة الباريزية ، أي إنه لا يوجد ناشر واحد قام بمبادرة من عنده للاعتماد على مخطوطات جديدة غير التي اعتمد عليها الناشران الفرنسيان : ديفريميري وسانگينيتي ، بل لم نجد واحدا من زملائنا من كلّف نفسه حتى زيارة المخطوطات الباريزية للقيام ببعض المقارنات والمفارقات ...!

ولكثر ما اعتمد الناشرون على الطبعات السائرة ، وجدنا بعضهم يقتصر على اعتماد هذه" الطبعات" فيما ترسمه وتكتبه ، فيقول مثلا : بعض الطبعات ترسمه كذا وبعضها تكتبه كذا! وكأنّ الأصول المخطوطة مفقودة (١)!

وفي مصر التي تعتبر ـ على مرّ العصور ـ بحقّ رائدة الفكر وعاصمة الكتاب العربي ، فإن الرحلة لم تشتهر إلا عند ما صدرت كاملة في باريز عام ١٨٥٣ ـ ١٨٥٨!. فهنا تحركت الهمم لطبعها بمصر نقلا ـ بالحرف ـ من الطبعة الفرنسية ، ونقول بالحرف ونحن نقصد إلى أن الناشرين التّابعين لم يبذلوا أيّ جهد حتى في تصحيح نسبة الديباجة لابن جزي وليس لابن بطوطة على ما ندركه من قراءة السطور الأولى للمقدمة ...

وقد تمّ هذا الطبع أولا بمطبعة وادي النيل بتصحيح أبي السعود أفندي (٢) في منتصف جمادى الثانية ١٢٨٨ ه‍ ـ أول شتنبر ١٨٧١ م" على أصله المطبوع مع ترجمته بالفرانساوية بمدينة باريز في سنة ١٨٥٨ ميلادية" كما تقول هذه الطبعة.

وتحركت في بداية هذا القرن ١٣٢٢ ه‍ ١٩٠٤ م همة أحد أبناء فاس فتطوّع الشريف مولاي أحمد بن عبد الكريم القادري الحسني المغربي الفاسي بطبع الرحلة من جديد ، وكان عليه ـ هو الآخر ـ أن يعتمد على النسخة المطبوعة بمصر المعتمدة بدورها على طبعة باريز.

__________________

(١) رحلة ابن بطوطة : تحقيق الشيخ محمد العريان ، بيروت ، طبعة ثانية ١٤١٢ ـ ١٩٩٢. د. عادل خلف : معجم ألفاظ ابن بطوطة ، الملاحظات اللغوية ... مصدران سابقان ...

(٢) يبدو أن أبا السعود أفندي هذا من الشخصيات النشيطة في العمل على نشر التراث الإفريقي ، وقد حاولت عبثا أن أقف له على ترجمة ...

١١٣

لقد عرفنا للشريف القادري بعض المبادرات المماثلة عندما طبع على ذمته" كشف الأسرار عن علم الغبار" للإمام القلصادي عام ١٣١٨ ه‍ ـ ١٩٠٠ م ، وعند ما طبع كذلك على ذمّته" مختصر الشيخ خليل" في الفقه المالكي عام ١٣٢٢ ه‍ ـ ١٩٠٤ م بالمطبعة الحجرية بفاس ...

ولعلّ الشريف القادري تعذّر عليه أن يقوم بطبع رحلة ابن بطوطة في مطابع الحجر بفاس ، فقام بهذه المبادرة الجرّيئة واتّصل بمصر التي ظهرت فيها هذه" الطبعة الثانية" للرحلة بمطبعة التقدّم بشارع محمد علي بالقاهرة يوم ١٣ ربيع الثاني ١٣٣٢ ـ ١٧ يونيه ١٩٠٤ (٣) ولكن مع حذف أن الأصل هو الطبعة الباريزية كما فعلت من قبل مطبعة وادي النيل!!

وقد ظهرت بالقاهرة طبعة ثالثة عام ١٩٢٨ عن المطبعة الأزهرية : جزان في مجلد واحد أشرف عليها ابن الشيخ حسن الفيومي إبراهيم ونعتها ب" الأولى" ولم تقف الرحلة في مصر عند هذا الحد ، فقد رأت وزارة المعارف المصرية ، على ما يؤكده المستشرق الرّوسي كراتشكوفسكي ، أن دراسة الرحلة في المدارس مما يساعد أبناء مصر على توسيع مداركهم وإثراء معلوماتهم. وهكذا عهدت ١٣٥٢ ـ عام ١٩٣٣ إلى اثنين من كبار رجال التعليم في أول هذا القرن بالاهتمام بالرحلة وإعدادها لتصبح ضمن المقررات المفروضة على طلاب المدارس الثانوية كما عهدت إلى الشيخ محمد فخر الدين بوضع خرائط لها ، فكان كتاب (مهذّب رحلة ابن بطوطة (٤) ...)

ونرى من المفيد هنا أن نشير إلى النقد اللاذع الذي لقيه كتاب (مهذّب الرحلة) من لدن عدد من الباحثين كان منهم زميلنا الراحل د. حسين مؤنس الذي يقول : " وهل هناك أدلّ على الجهل بقيمة رحلة ابن بطوطة من أن تمسخ في صورة" مهذّب" يستعمل كتاب مطالعة لتلاميذ المدارس؟ ولا ندري كيف يمكن أن يهذب وصف رحلة على هذه القيمة؟ وما هي الأجزاء التي ينبغي استبعادها حتى تكون الرحلة مهذّبة (٥)؟ "

وإلى جانب هذه الطبعات المصرية وجدنا بيروت بدورها تولي اهتمامها لرحلة ابن بطوطة ، وكان أول ما لفت النظر للرحلة ، حسب علمنا ، سلسلة" الروائع" لفؤاد أفرام البستاني في طبعتها الأولى (يونيه ١٩٢٧) حيث توالت طبعاتها فيما بعد. وقد قدمت (الروائع) ابن بطوطة عبر رحلته (تحفة النظار) في ثلاث كتيبات صغيرة ...

__________________

(٣) إنما تمكنت من الوقوف على هذه الطبعة بمكتبة الأحقاف في تريم بحضرموت!

(٤) وزارة المعارف العمومية : " مهذّب رحلة ابن بطوطة المسماة تحفة النظار". وقف على تهذيبه وضبط عربيته وأعلامه أحمد العوامري بك ، ومحمد أحمد جاد المولى بك ... المطبعة الأميرية ، القاهرة ١٩٣٣ ـ البستاني : الروائع ١٩٥٠ ج I ص يج تعليق ١.

(٥) د. حسين مؤنس : ابن بطوطة ورحلاته ، دار المعارف ، مصر ١٩٨٠ ص ٨.

١١٤

ومن هنا تحركت (دار صادر) (٦) لتقدم إلينا عام ١٩٦٠ طبعتها الكاملة للرحلة ، ثم نافست دار الكتاب دار صادر فنشرتها (٧) كذلك ، في نفس عام ١٩٦٠.

ونرى من المهم أن ننبه هنا إلى سابقة خطيرة : تلك أن الناشر في (دار صادر) أقدم على حذف الكلمات المتعلقة بضبط وشكل الأسماء الجغرافية! هذا الضبط والشكل الذي يذكره المؤتمر العالمي لتنميط الأعلام الجغرافية التابع للأمم المتحدة على أنه من مناقب رحلة ابن بطوطة ومزاياها!!

ومن الواضح أن صنيع (دار صادر) هذا يعتبر بدعة منكرة لا تتفق وأهداف البحث الذي يعتبر أن ضبط الأسماء نوع من التوثيق الذي تفرضه الأمانة العلمية. وإذا كان الأوربيون يستغنون عن ضبط الأسماء الجغرافية والشخصية فلأنّ كتابتهم تقوم مقام الشكل الموصوف في اللغة العربية.

هذا علاوة على حذف بعض الجمل التي رأت الدار أنها لا تليق بالأحوال الجارية اليوم ،! وعلاوة على بعض التعليقات في الهوامش التي تظل بعيدة عن مفاهيم الأسرة الإسلامية والبيئة المغربية (٨).

ومن الملاحظ أن (دار الكتاب اللبناني) سارت في نفس اتجاه (دار صادر) ، فقد استغنت عن ضبط الأسماء الجغرافية والأعلام الشخصية تقليدا لزميلتها دار صادر. أكثر من هذا فقد قامت هذه الطبعة هي الأخرى بحذف بعض الفقرات بل وبعض الأشعار (٩) التي لم ترقّها من الرحلة ظلما وعدوانا على نحو ما كان قام به المستشرق البرتغالي الأب انطونيو مورا سالف الذكر ، وقام به كذلك العالم الايراني د. على موحد.

لقد حكى عن الجاحظ أنه صنف كتابا وبوّبه أبوابا ، فأخذه بعض أهل عصره فحذف منه أشياء وجعله أشلاء ، فاحضره الجاحظ وقال له : يا هذا! إن المصنّف كالمصوّر ، وقد صورت في تصنيفي صورة كانت لها عينان فعوّرتهما أعمى الله عينيك! وكان لها أذنان فصلمتهما صلم الله أذنيك! وكان لها يدان فقطعتهما قطع الله يديك! حتى عدّد اعضاء الصور ... فاعتذر إليه الرجل وتاب إلى الله من المعاودة (١٠)

__________________

(٦) دار صادر ـ دار بيروت : رحلة ابن بطوطة ، بيروت ١٣٧٩ ـ ١٩٦٠ تقديم كرم البستاني.

(٧) دار الكتاب اللبناني ، بيروت : سلسلة كتاب التحرير ١٦٦ ـ سنة ١٣٨٦ ـ ١٩٦٦.

(٨) أنظر مثلا صفحة ٥٤ من الرحلة ، طبعة (دار صادر).

(٩) لقد استكثروا الشعر الذي قيل في حلب فاختصروه أو حذفوه!! راجع صفحة ٥٣ من طبعة (دار الكتاب).

(١٠) ياقوت : معجم البلدان ج I ص ١١.

١١٥

وقد ظهرت بمصر عام ١٩٦٤ م ١٣٨٣ عن المكتبة التجارية الكبرى طبعة أخرى للرحلة وذكر على أول صفحة فيها أنّها" روجعت وصححت على عدة نسخ صحيحة ، بمعرفة لجنة من الأدباء"

وقد أغراني هذا الإعلان فشددت الرحلة لطلب هذه الطبعة المصحّحة على عدة نسخ ومن طرف ثلة من الأدباء الذين لم يذكر منهم اسم واحد ، لكنها كانت نسخة طبق الأصل من كل النسخ التي صدرت بمصر : فهي تبتدىء بالخطإ المشهور الذي ينسب المقدمة لابن بطوطة مع أنها لابن جزي. ثم تسير على نحو سابقاتها في أغلاطها. والفرق الوحيد بينها وبين سابقاتها أنها تجعل الكلمات التي تشكل الأعلام الجغرافية بين هلالين مثلا : بلاد (البره نكار) يقول عنها : (وضبطها بفتح الباء الموحدة والراء والنون والكاف وسكون الهاء). وهي عبارة عن جزئين في مجلد واحد. وقد ختم المصححون" السفر الاول" بايراد تذييل لابن خلدون حول «تناجي الناس» وحول اتصاله اي ابن خلدون بالوزير أبن ودرار ... بينما ختم السفر الثاني بالتنويه" بالحاج مصطفى محمد صاحب المكتبة التجارية الكبرى شارع محمد علي." وقد وافق التمام أوائل شهر رجب من عام ١٣٧٧ ـ (٢٢ يناير ١٩٥٨). هذا وقد صدرت طبعة أخرى عن المكتبة التجارية الكبرى عام ١٣٨٦ ـ ١٩٦٧ ...

وفي سنة ١٣٨٨ ـ ١٩٦٨ صدر عن دار التراث في بيروت نسخة جديدة مزيّتها فقط أنها تنسب المقدمة لصاحبها ابن جزي وليس لابن بطوطة ، والباقي جار على سنن الطبعات السابقة. وقد ظهرت طبعة جديدة للرحلة عام ١٣٩٢ ـ ١٩٧٢ لمؤسسة الرسالة في بيروت رأى زميل لنا عزيز (١١) أن يقوم بتقليد صنيع الناشرين في لبنان ، وهكذا حذف العبارات التي تضبط الأعلام الجغرافية ، بل وقام باجتهاد جديد وهو أنه" جرّد أقوال ابن جزي من صلب الرحلة وجعلها في ذيول على حدة نظرا لكون فائدتها ـ في نظره ـ ثانوية! وقد سلك هذا الصّنيع أيضا في بعض النصوص التي وردت أثناء الكتاب. ومعنى كلّ هذا أن الرحلة التي عرفها الناس أيام السلطان أبي عنان راحت لتعوّضها رحلة" أخرى بترتيبات أخرى.

وقد أتعب مثل هذا الصنيع أصحابه فلم يستطيعوا الالتزام به ابتداء من أول فقرة في الرحلة عندما استهل أبن جزي مقدمته بقوله : " الحمد لله الذي ذلل الأرض لعباده ليسلكوا فيها سبلا فجاجا" إلخ. فهل لم يكن من واجب هؤلاء الزملاء ـ وقد قرروا فصل كلام ابن جزي عن الرحلة ـ أن يجعلوا المقدمة ذيلا كذلك؟! هذا إلى هفوات بالغة لم ينتبه لها : مثل كلمة التارات في المقدمة التي تحولت إلى القارات! وكلمة الفارسية التي تحولت كذلك إلى الفاسية!

__________________

(١١) القصد إلى الزميل الدكتور الأستاذ علي المنتصر الكتاني الذي طبع (الرحلة) مشكورا في جزئين ...

١١٦

وما كان لي أن أتحدث عن هذه الهفوات التي افترضت أنها مطبعية لولا ما أدّت اليه حيث جاء بعد هذا أحد زملائنا من لبنان فقام باجتهادات أخرى ، وهكذا اعتمد على زميلنا الذي أشرنا إليه من غير أن يرجع إلى أصول الرحلة ونقل عنه منهاجه في الاستغناء عن ضبط الأعلام ، وحذف تعليقات ابن جزي من صلب الكتاب لتصبح في الهامش. ولم يقف الأمر عند هذا الحدّ ، ولكنه تجاوزه إلى إعطاء" تفسيرات" غير صحيحة تماما لبعض الهفوات الواقعة في الرحلة المنقول عنها" ، مثلا فسّر هذا الباحث : القصد من كلمة (القارات) ، مع أنها التارات (١٢) وليس القارات ، فسّرها بأنها افريقيا وآسيا وأوربا مضيفا إلى هذا قوله : " إن إمريكا وأستراليا لم تكونا قد اكتشفتا بعد"! وفسر القصد من كلمة المملكة (الفارسية). مع أنها المملكة الفارسية : بأنها مملكة مدينة فاس!! وبدّل هذا الناشر بعض العبارات التي لم تعجبه في الرحلة على نحو ما فعل سلفه (١٣). وأخيرا ظهر له أن يستغنى عن العناوين التي جعلها ابن بطوطة لكتابه وابتكر هو عناوين أخرى ...

ومن الإنصاف أن نقدر الجهد المضني للأستاذ طلال حرب في محاولته ـ لأول مرة ـ لإعداد فهارس متنوعة ، وكنت أتمنى أن يتسع صدره لمراقبة أكثر للكنى والألقاب وللتحري في التعريف بالأعلام الشخصية ، والتصدّي للأخطاء المطبعية التي كنت أحيانا ضحيتها أيضا!!

وقد وقفنا أخيرا على طبعة للرحلة صدرت عن دار إحياء العلوم في بيروت (١٤١٢ ـ ١٩٩٢) وكانت بتقديم وتعليق الشيخ محمد عبد المنعم العريان وقد اعتمد في عمله على ما صدر من بعض الطبعات السابقة على ما أسلفنا ...

* * *

ويبقى أخيرا أن نذكر أن رحلة ابن بطوطة ألهمت بعض الكتاب العرب المعاصرين فنسجوا على منوالها رحلة خيالية ابتدعوها تحت عنوان : (رحلة مغربي إلى حضرموت) وحاكوها بدقة وذكاء حتى مرّت الحيلة ، ردحا من الزمان ، على بعض زملائنا سيما وقد برع ذلك المخترع في إضفاء حلة البرود اليمانية على البرانس المغربية (١٤).!!

__________________

(١٢) الإشارة إلى الآية الكريمة : «منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى ...

(١٣) أذكر على سبيل المثال عبارة (يطوف كلّ يوم سبعين طوافا) الموجودة في جميع النسخ المخطوطة ، تحولت إلى (يطوف كلّ أسبوع سبعين طوافا) ...

لكن الملاحظ ان هذا الناشر الثاني تطوّع بتقديم بعض التعليقات التي لا تخلو من تعليق! ص : ٢٦ تعليق : ٣٣ ص ٥٧ ، تعليق ٨١ ص ٦٢ ، تعليق ١٠٣ ص ١٠٥ ، تعليق ٩٣ ... هذا وهناك بترهام عند الدكتور الكتاني فتجدد عند الثاني ص ١٦٨ (سطر ٦) ، علاوة على أن بعض المواقع الجغرافية التابعة اليوم لتركيا ظلت تابعة لسوريا (عين تاب) ص ٦٥٤ على نحو ما كانت أيام ياقوت الحموي! رحلة ابن بطوطة المسماة تحفة النظار ، شرحه وكتب هوامشه : طلال حرب ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، لبنان ، الطبعة الأولى ، ١٤٠٧ ـ ١٩٨٧.

(١٤) د. التازي : رحلة مغربي إلى حضرموت ، حديث الخميس ١٢ نونبر ١٩٩٣ في جلسة أكاديمية المملكة المغربية ونشر البحث بمجلة (المورد) البغدادية في العدد الأول من المجلد الحادي والعشرين ١٩٩٣.

١١٧

ومن السادة الذين تصدوا للرحلة ـ وهم كثير كثير ـ من تجنّب نشرها حرفيّا وتحقيقها على الطريقة المعهودة في كتب التراث ، واكتفى بعرضها أي إنه كان يحكي عن ابن بطوطة ، ويتحدث عنه حديث الغائب وبأسلوب غير أسلوب ابن بطوطة ... (١٥).

وقد برّر بعضهم هذا الصنيع بأنّه نوع من" التعريب" أي نوع من ترجمة الأسلوب القديم إلى (الأسلوب الحديث) ، وقد استأنس هذا البعض في ذلك بصنيع الدكتور طه حسين في كتابه (صوت أبي العلاء) عندما قال : " وما دام جمهور المثقفين يعظم ويضخم من يوم إلى يوم ، فلا بد أن نقرّب إليهم أدبنا القديم ... فليس كلّ الناس قادرا على قراءة اللّزوميات والفصول والغايات ورسالة الغفران وفهمها ... وإلا انقطعت الصلة بين الحديث والقديم وأصبح مكان الأدب العربي القديم من المثقفين مكان الأدب اللاتيني من الفرنسيين والإيطاليين" ...

ويلاحظ أن بعض الناشرين في المشرق لم يكلّفوا أنفسهم عناء البحث عن بعض الكلمات المغربية الواردة في الرحلة فأطلقوا العنان لاجتهادهم الذي أخطأ الصواب في بعض الأحيان.

وسأكتفي بسرد طائفة من الألفاظ معتمدا على القارئ في العودة إليها : كلمة (متّيجة) وهي علم جغرافي كما هو معلوم ، وليست اسما لاداة من أدوات النقل في المغرب ، كلمة (القبرية) التي هي عبارة عن شاهد القبر الذي يسجل فيه اسم الميت وتاريخ وفاته ، كتبوا عوضها (التّبرية) وقالوا : إنها نسبة إلى التّبر أي الذهب وقد تكون من النحاس أو الحديد أو الرصاص!

وقد استشكل بعضهم كلمة (الظهير) التي تعني في المغرب ـ كما هو معلوم ـ المرسوم الملكي ، ولفظ (الشّكارة) التي تعني في المغرب ظرفا من الجلد توضع فيه النقود مثلا وليست إناء على كلّ حال ، وكلمة (الفرجية) ليست ضربا من الأقبية ولكنها لباس ، وهي لفظ مغربي على ما يؤكد دوزي في كتابه (معجم الملابس) ... وكلمة (أفراج) : تعني في المغرب مجموعة خيام سكنية متنقلة تكون صحبة الركب الملكي ، والكلمة بربرية ، وقد ورد ذكرها مرارا في المصادر المغربية. أما عن (التهليل) فإنه ظرف يجعل فيه (المصحف) وربّما (دلائل الخيرات) كتعويذة ، وليس القصد إلى قطعة ذهب على شكل الهلال ... والمجشر ويجمع على مجاشر ـ وقد يحرف إلى مداشر ـ لا يعني في المغرب الحوض ، ولا المبلغ من المال ، ولكنه

__________________

(١٥) من هؤلاء الأستاذ محمود الشرقاوي في تأليفه رحلة ابن بطوطة ، مكتبة الانجلو المصرية ١٩٦٨. والأستاذ المهدي بنبوشته في تأليفه رحلات ابن بطوطة الرباط ١٩٦٩. والدكتور خصباك في كتابه : ابن بطوطة ورحلته ، مطبعة الآداب ـ النجف الأشرف ١٩٧١ والدكتور حسين مؤنس في كتابه : ابن بطوطة ورحلاته ، دار المعارف ـ ١٩٨٠ ود. خليل ابراهيم السامرائي وعبد الله القطيبي (المغرب) ١٩٩٣ وغير هؤلاء

١١٨

يعني مجموعة سكنية في البادية. هذا إلى كلمة (السّنداس) التي تعني في المغرب المرحاض ، وكلمة (المصرية) التي تعني في المغرب البيت المنعزل الذي يأوي إليه شباب الأسرة مثلا. يكون ملحقا بالدار التي تسكنها العائلة (١٦) ، وكلمة (التّبريح) في المغرب تعني الإعلام العلني : برّحوا بالملك على أنّه سيقوم بسفر نحو جهة من الجهات ، بمعنى أعلموا به وأشهروه ، هذا المعنى فات بعض الناشرين ففسّروا التبريح بأنه الضّرب المبرّح ، وهذا معنى لا صلة له بالموضوع ، وكلمة (أزواج الحرث) وجد الاستاذ كرم البستاني أنها تحريف لكلمة أرواح وانطلق يؤوّل ، وكلمة (القيّرة) يستعملها ابن بطوطة وابن خلدون على أنها مقتبسة من الكلمة الاسبانية (الگيرة) بمعنى الحرب ، حوّلها البستاني إلى كلمة الغزاة ...! والبحائر التي هي جمع لبحيرة على وزن سفينة ، جعلها جمعا لبحرة ، و (صاحب العلامة) التي يعني لقبا حضاريا يعني الموظف السامي في الدولة الذي يعهد اليه ـ بعد أن تحرر الرسالة الملكية ـ بوضع العلامة السلطانية عليها ، هذا المعنى خفي على بعضهم فحول العبارة إلى الصاحب العلّامة!! بالرغم من أن المشرق عرف أيضا هذه الوظيفة على ما في (بدائع الزهور).

ونحن نلتمس العذر لأولئك الذين لم يدققوا في الفرق بين حج الإفراد (بكسر الهمزة) وحج القران (بكسر القاف) ، ولم يتتبعوا التعابير التي وردت في (حزب البحر) أو الحزب الصغير كما قد يسمّونه لأبي الحسن الشاذلي رحمه‌الله.

ولا يفوتني بعد هذا أن أضيف إلى ما ذكرته أن سائر الذين اهتموا بالرحلة لم ينتبهوا إلى أن الشعر الفارسي الذي طالب أمير أمراء الصين بغنائه وترديده مرارا حتى حفظه ابن بطوطة من أفواههم هو بيت واحد للشيخ سعدي من قصيدة مشهورة ، وليس بيتين من بحر الرجز على ما سنرى ذلك في محله ...

__________________

(١٦) د. سليم النّعيمي : ألفاظ من رحلة ابن بطوطة. مجلّة المجمع العلمي العراقي المجلد ٢٤ ـ ٢٥ ـ ٢٦ سنة ١٩٧٤ بغداد ـ ابراهيم السامرائي : الالفاظ الدخيلة في رحلة ابن بطوطة مجلة البحث العلمي المجلد ٢٦ سنة ١٩٧٦ ـ الرباط.

١١٩

      

١٢٠