تاريخ أفريقية والمغرب

رقيق القيرواني

تاريخ أفريقية والمغرب

المؤلف:

رقيق القيرواني


المحقق: الدكتور محمّد زينهم محمّد عزب
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الفرجاني للنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ١٦٢

وقد دخل فى عهد حسان (١) بن النعمان ـ واضع أسس النظم الإدارية فى بلاد المغرب ـ عدد كبير من البربر فى الإسلام على الرغم من أن هذه الفترة كانت فترة حروب الفتح والمعارك الطاحنة بين البربر والعرب الفاتحين ، قتل فيها من القواد عقبة بن نافع وابن أبى المهاجر وزهير بن قيس إلا أن بعض القبائل البربرية دخلت الإسلام مثل قبيلة أوربة.

وبإيعاز من عبد العزيز بن مروان تولّى بعد حسان موسى بن نصير (٢) ، وكان يريد فتح المغربين الأوسط والأقصى ، ولكن إتبع فى ذلك أساليب عنيفة ، فنفر كثير من البربر ، فقد وجه موسى همه إلى غزو القبائل البربرية والحصول على المغانم وإرسال عدد كبير من السبى إلى دمشق إرضاء للخليفة الأموى ، وكان لذلك أثر سىء فى نفوس البربر.

ثم تولى عمر بن عبد العزيز خلافة الدولة الأموية وكانت سياسته تهدف إلى نشر الإسلام وإدخال الناس فيه من أهل البلاد المفتوحة بالرفق والحسنى والدعوة إلى الإسلام ، فكانت أول خطوة اتخذها نحو ولاية إفريقية أن أسندها إلى إسماعيل بن عبيد الله بن أبى المهاجر بدلا من محمد بن يزيد القرشى الذى تقلدها من قبل سليمان بن عبد الملك ، والمعروف عن محمد بن يزيد أن أسرته لم تكن محمودة نتيجة لما ارتكبه من أخطاء فى حق أهل إفريقية مما أدى إلى ثورة البربر عليه وقتله (٣).

__________________

(١) وهو أول أمير شامى يدخل إفريقية أيام الأمويين ، وكان يلقب بالشيخ الأمين ، وقيل إن الخليفة أطلق فى يده خراج مصر أثناء فتح بلاد المغرب ، وقيل عنه : لو امتدت ولاية حسان لجنى المغرب على يديه كثيرا من الخير.

راجع فى ذلك ابن أبى دينار : أخبار إفريقية وتونس ١٧ ، والمالكى : رياض النفوس ج ١ ص ١١ ، ود. حسين مؤنس : فتح الرب للمغرب ص ٢٣٩.

(٢) لما أراد والى مصر عبد العزيز بن مروان الانتقام من حسان بن النعمان لمكانته الحربية عند الخليفة عبد الملك بن مروان ، فأمر أخاه بعزله وإسناد مهمة الفتح لأحد خواصه وثقته وهو موسى بن نصير ، فقد قيل عنه إنه نهب خراج ولاية البصرة ، أما عن أبيه نصير فكان يعمل فى خدمة وحراسة معاوية ابن أبى سفيان.

انظر : محمد زينهم محمد عزب ، الإدارة المركزية للدولة الأموية ـ رسالة ماجستير ص ٦٧.

(٣) ابن الأثير الكامل فى التاريخ ج ٥ ص ٥٥ ، وابن الأبار المصدر السابق ج ٢ ص ٣٣٥ ، والسيوطى تاريخ الخلفاء ص ٢٤٧ ، والنويرى المصدر السابق ج ٢٢ ص ٨٣.

٢١

اتفقت المصادر والمراجع على أن إسماعيل بن عبيد الله «دعا من بقى من البربر إلى دين الإسلام (١)» وأنه «كان خير أمير وخير وال ، وما زال على دعاء البربر إلى الإسلام حتى أسلم منهم عدد عظيم فى دولة عمر بن عبد العزيز ، وهو الذى علم أهل إفريقية الحلال والحرام (٢) ، وأنه «لم يزل حريصا على دعاء البربر للإسلام حتى تم إسلامهم على يده (٣)».

طلب عمر بن عبد العزيز (٤) من واليه الجديد أن يبذل كل جهده فى سبيل نشر الإسلام بين البربر ، وقد وصف الدباغ (٥) هذا الوالى بأنه «كان فقيها ، صالحا ، فاضلا ، زاهدا» وكان عمر بن عبد العزيز قد أرسل إسماعيل بن عبيد الله بن أبى المهاجر ومعه عشرة من التابعين ، وهؤلاء التابعون هم : أبو عبد الرحمن بن يزيد المعافرى (٦) الإفريقى ، وأبو مسعود سعيد بن مسعود التجيبى (٧) وإسماعيل بن عبيد الأنصارى (٨) ، وأبو الجهم

__________________

(١) ابن عذارى المصدر السابق ج ١ ص ٣٤.

(٢) السلاوى الاستقصاء ج ١ ص ٤٦.

(٣) د. حسين مؤنس المرجع السابق ص ٢٩٦.

(٤) ابن عبد الحكم سيرة عمر بن عبد العزيز ص ٥٧.

(٥) الدباغ معالم الإيمان ج ١ ص ١٥٤.

(٦) شهد فتح الأندلس مع موسى بن نصير ثم سكن القيروان واختط بها دارا ومسجدا فى ناحية تونس.

مات سنة ١٠٠ ه‍ بالقيروان.

انظر ترجمته فى : ابن الحجر : تهذيب التهذيب ج ٦ ص ٨١ ، ابن حيان ، مشاهير علماء الأمصار ص ١٢١ ، المالكى : رياض النفوس ج ١ ص ٦٤ ، البخارى ، التاريخ الكبير ج ٣ ص ١ ، الدباغ : معالم الإيمان ج ١ ص ١٨٠ ـ ١٨١.

(٧) سكن القيروان وكان رجلا صالحا ، عالما مشهورا بالدين والفضل ، قليل الهبة للملوك ، توفى بالقيروان.

له ترجمة فى : أبو العرب : طبقات علماء إفريقية ٢١ ، الدباغ : المصدر السابق ج ١ ص ١٨٤ ، ابن أبى حاتم : الجرح والتعديل م ٢ ج ١ ص ٩٤.

(٨) من أهل الفضل والعبادة والنسك ، كثير الصدقة والمعرفة مع الفقه والعلم ، سكن القيروان وبنى بها مسجدا كبيرا فى الزيتونة.

راجع ترجمته فى رياض النفوس للمالكى ج ١ ص ٦٩ ، وعند ابن الحجر : تهذيب التهذيب ج ١ ص ٣١٨ ، وأبو العرب : المصدر السابق ٢٥.

٢٢

عبد الرحمن بن رافع التنوخى (١) وأبو سعيد جعثل بن هاعان بن عمير الرعينى (٢) ، وإسماعيل بن عبيد الله بن أبى المهاجر المخزومى (٣) ، وحيان بن أبى جبلة القرشى (٤) ، وعبد الله بن المغيرة بن أبى بردة الكنانى (٥) ، وموهب بن حبى المعافرى (٦) وطلق بن جابان الفارسى (٧).

بدأ هؤلاء التابعون فى تعليم البربر وأولادهم أصول وقواعد وتعاليم الدين الجديد ، ويبدو أن أهل إفريقية أقبلوا على الإسلام بنفس راضية لما وجدوا فيه من سماحة ومساواة وعدالة ، وتركوا ما يخالف عقيدة الإسلام (٨) ، وقال ابن عذارى «وكانت الخمر بإفريقية

__________________

(١) هو من أول قضاة القيروان ، ثقة ، ومن فضلاء التابعين مات سنة ١١٣ ه‍ انظر الخزرجى : خلاصة تهذيب الكمال ٩٢ ، الذهبى : ميزان الاعتدال ج ٢ ص ١٠٣ ، المالكى : المصدر السابق ج ١ ص ٧٢ ، ابن الحجر : المصدر السابق ج ٦ ص ١٨٦ ، البخارى : المصدر السابق ج ٣ ص ١ ، ابن حيان : المصدر السابق ص ١٢١.

(٢) كان فقيها صالحا ، ولاه هشام بن عبد الملك قضاء جند إفريقية وهو أحد القراء التابعين ، توفى سنة ١١٥ ه‍.

انظر المالكى ، المصدر السابق ج ١ ص ٧٢ ، ابن الحجر : المصدر السابق ج ٢ ص ٧٩.

(٣) كان فقيها صالحا ، فاضلا زاهدا ، تقلد منصب القضاء فى إفريقية ، أسلم على يديه عدد كبير من عامة البربر ، توفى سنة ١٢٢ ه‍.

له تراجم فى ، ابن الأبار : الحلة السيراء ج ٢ ص ٣٣٥ ، البخارى : المصدر السابق ج ١ ص ٣٣٦ ، ابن حيان : المصدر السابق ١٧٩ ، أبو العرب المصدر السابق ٢٠.

(٤) كان من أهل الفضل والدين ، سكن القيروان وانتفع أهلها بعلمه توفى سنة ١٢٥ ه‍.

انظر : المقرى : نفح الطيب ج ٢ ص ٥٣ ، ابن حجر : المصدر السابق ج ٢ ص ١٧١ ، المالكى المصدر السابق ج ١ ص ٧٣ ، ابن أبى حاتم : المصدر السابق م ١ ج ٢ ص ٢٤٨.

(٥) كان من فضلاء التابعين وأهل الورع ، تقلد قضاء القيروان لسليمان بن عبد الملك.

له ترجمة فى : الخشى : طبقات علماء إفريقية ٢٣٤ ، المالكى : المصدر السابق ج ١ ص ٨١.

أبو العرب : المصدر السابق ٢٢ ، ابن أبى حاتم المصدر السابق م ٢ ج ٢ ص ١٧٥.

(٦) كان من فضلاء التابعين ، سكن القيروان ، ونشر فيها علمه الغزير.

له ترجمة فى : البخارى : المصدر السابق ج ٤ ص ٢ ، الدباغ : المصدر السابق ج ١ ص ٢١٣.

(٧) كان فقيها عالما صالحا وهو من أهل مصر ، سكن القيروان ومات بها.

انظر المالكى : المصدر السابق ج ١ ص ٧٦ ، أبو العرب : المصدر السابق ٢٠ ، الدباغ : المصدر السابق ج ١ ص ٧٥.

(٨) د / حسين مؤنس فتح العرب للمغرب ٢٩٦.

٢٣

حلال حتى وصل هؤلاء التابعون فبينوا تحريمها رضى الله عنهم» (١).

ونلاحظ أن معظم هؤلاء التابعين كانوا يقيمون فى القيروان ولذلك كثر بناء المساجد التى كانوا يعلمون فيها الناس قواعد الإسلام ، وكان البربر يفدون على هذه المساجد فيستمعون إلى الدروس التى كانت تلّقى فيها ، وعلى أيدى هؤلاء التابعين بنيت عدة مساجد نذكر منها مسجد الرباطى الذى بناه أبو عبد الرحمن الحبلى عبد الله بن يزيد المعافرى الإفريقى ، وجامع الزيتونة الذى بناه إسماعيل بن عبيد الله الذى اشتهر بلقب تاجر الله.

وبفضل هؤلاء التابعين وضعت أول بزور العلم والفقه الإسلامى حيث تتلمذ على أيديهم الطبقة الأولى من علماء إفريقية أمثال أبى كريب المعافرى وعبد الله بن عبد الحكم البلوى وأبى خالد عبد الرحمن بن زياد بن أنعم المعافرى وأبى محمد خالد بن عمران التجيبى وسعيد بن لبيد المعافرى وأبى زكريا يحيى بن سلام وغيرهم.

وكان هؤلاء المتعلمون من أهل إفريقية يقضون بعض الوقت للدراسة فى القيروان ثم يعودون إلى قبائلهم ونواحيهم فيتقلدون وظائف القضاء والدين ويعلمون الناس أصول ومبادىء الإسلام ، فقد ذكر فى سيرة أسد بن الفرات بن سنان أن أباه قدم إلى إفريقية وأمه حامل به ، فولد أسد بتونس سنة ١٤٥ ه‍ وقرأ على علىّ بن زياد (٢).

والشىء الملفت للنظر فى تلك الفترة أن العرب لما نزلوا إفريقية كانوا شديدى الاهتمام والحرص على أن يتخذوا لأبنائهم الكتاتيب الصغيرة الملحقة بالمساجد ليدرسوا فيها القرآن والحديث والدين واللغة العربية ، ويعجبنى قول الأستاذ الكبير حسن حسنى عبد الوهاب فى تعليقه على هذه الظاهرة : «إنهم عند ما أناخوا بمعسكرهم وخطوا قيروانهم ، أنشأوا

__________________

(١) ابن عذارى البيان المغرب ٢ / ٣٤.

(٢) المالكى رياض النفوس ج ١ ص ٦٥ ـ ٦٦ ، وص ١٠٧ ـ ١٠٨ ، والدباغ المصدر السابق ج ١ ص ١٣٨ ـ ١٤٨. د / حسين مؤنس المرجع السابق ص ٢٩٦ ، وابن الأبار الحلة السيراء ج ٢ ص ٣٨٠.

٢٤

الدور والمساجد ، ثم التفتوا إلى تعليم صبيانهم ، فاتخذوا لهم محلا ـ كتّابا ـ بسيط البناء يجتمعون فيه لقراءة كتاب الله العزيز (١)».

ومع قيام الخلافة العباسية لم يجد العنصر العربى سواء أكانوا قيسية أم يمنية فى إفريقية سندا من الدولة العباسية حيث وفدت عناصر جديدة من الخراسانيين فى الحملات التى كان يبعثها العباسيون من وقت لآخر لبلاد إفريقية.

صحيح أنه حدثت فى بداية الأمر اضطرابات وصدامات مباشرة بين الجند العربى والخراسانى مما هدد بقاء السلطة العباسية فى إفريقية وكانت السبب مقتل محمد بن الأشعث الخزاعى ، ولكن بمرور الوقت اندمج العنصر العربى الخراسانى بأهل البلاد الأصليين (البربر) عن طريق المصاهرة ، فقد برز من العنصر الخراسانى عدد من الفقهاء والعلماء كان لهم دورا هامّا فى حدوث نهضة فقهية وعلمية فى إفريقية من أمثال محمد بن عبدوس.

ولكن من كان يقلق بال الدولة العباسية فى إفريقية هم الخوارج بشتى مذاهبهم ؛ لأن الخوارج كانوا من العوامل الرئيسية فى إسقاط الحكم الأموى ، مما دعا الخليفة المنصور أن يطلق يد ولاة مصر من أجل القيام بالحملات المتوالية للقضاء على الخوارج فى المغرب ، ومثال ذلك حملة محمد بن الأشعث التى تكلفت أموالا باهظة ، ونجح هذا الوالى فى قتل زعيم الخوارج الإباضية ، وهو أبو الخطاب عبد الأعلى بن السمح بن مالك المعافرى ، ولكن سرعان ما استولى أبو حاتم الإباضى على القيروان ، وانتصر على واليها العباسى محمد بن الأشعث وقتله.

واستمرت مشكلة الخوارج تثير مخاوف وذعر بنى العباس ، فكان المنصور يرسل الحملة وراء الحملة ، وأخيرا أسند هذه المهمة للمهالبة الذين برعوا منذ العصر الأموى بقدراتهم فى التصدى للخوارج (٢).

__________________

(١) حسن حسنى عبد الوهاب ورقات القسم الأول وكذلك أداب المعلمين ص ٩.

(٢) ابن الأبار المصدر السابق ج ١ ص ٣٥٦ ـ ٣٥٧ ، والمالكى المصدر السابق ج ١ ص ٣٦٠ ، والنويرى المصدر السابق ج ٢٤ ص ٧٢.

٢٥

وقد أنجز المهالبة هذه المهمة حيث ترك الخوارج منطقة إفريقية واتجهوا إلى مناطق أخرى فى بلاد المغرب فأسس بنو مدرار دولتهم فى سلجماسة (وأصلهم من البربر) ١٤٠ ه‍ ـ ٧٥٧ م وبنو رستم الإباضية فى المغرب الأوسط (ويقال إن أصلهم فارسى)

ففى فترة المهالبة هذه ظهر تعاطف البربر مع العباسيين فى تصديهم للخوارج وهذا يرجع لدور الفقهاء ، والمعلمين والتابعين الذين يمثلون المذهب السنى شعار دولة بنى العباس إلى جانب الكتاتيب الصغيرة العلمية ، والمساجد التى يلقى فيها الدروس عن مساوىء الخوارج ومذاهبهم المدمرة للإسلام أى ما نطلق عليه اليوم بالتوعية الدينية.

وتعتبر فترة المهالبة هذه من فترات الرخاء والاستقرار والهدوء التى عاشتها إفريقية خاصة فترة يزيد بن حاتم المهلبى ، إذ برع يزيد بن حاتم فى قيادة ولاية إفريقية قيادة حسنة حيث قام بعدة إنجازات ، وأعمال شهد له بها المؤرخون والرواة ، من أهمها ـ كما ذكرنا ـ قضاؤه على ثورات الخوارج فلم نسمع فى عهده عن قيام ثورة ، أو تمرد خارجى من جانب الخوارج ، كما اهتم بالبناء والعمارة فبنى المسجد الأعظم بالقيروان ، كما اهتم أيضا بالفقهاء والعلماء والشعراء ، نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر عبد الرحمن بن زياد بن أنعم والبهلول بن راشد وابن فروخ (١).

١ ـ قيام دولة الأغالبة : (١٨٤ ـ ٢٩٦ ه‍ ـ ٨٠٠ م).

ووسط كل هذه الظروف التى ذكرناها فى الفصل السابق ظهر «إبراهيم بن الأغلب» على مسرح الحياة السياسية فى بلاد إفريقية فقد قيل كان ظهوره نتيجة خدمته فى جيوش بنى المهلب (٢) ، وقد ذكر «ابن الأثير» أن إبراهيم بن الأغلب كان بولاية الزاب سنة

__________________

(١) د / محمود إسماعيل عبد الرازق المرجع السابق ص ١١٢ ، وابن عذارى المصدر السابق ج ١ ص ٦٧ ، وحسن حسنى عبد الوهاب ورقات القسم الأول ص ٦٨ والنويرى المصدر السابق ج ٢٤ ص ٨٦ ـ ٨٧.

(٢) ابن عذارى المصدر السابق ج ١ ص ١١٢.

٢٦

١٨٠ ه‍ ، وأنه لاطف «هرثمة بن أعين» وقدم له الهدايا فولاه ناحية الزاب ، وكانت بلاد الزاب منزل الكثير من التميميين قوم ورهط بنى الأغلب ، فكانت سندا قويا لإبراهيم بن الأغلب فيما بعد (١).

وعندما خلع الرشيد هرثمة بن أعين من ولاية إفريقية بدأ إبراهيم بن الأغلب يتطلع إليها بشغف ، وهناك ظروف وأسباب مهدت له الطريق للوصول إلى هذه الولاية ، فمنها أن الوالى «محمد بن مقاتل العكى» أساء معاملة جنده ، وقطع عنهم رواتبهم كما ذكرنا ، فثاروا عليه وناصبوه العداء إلى جانب انقلاب أهل القيروان عليه نتيجة علاقته مع البيزنطيين فى صقلية ، فقد قيل إنه لاطفهم عن طريق إرسال النحاس والسلاح والجلود والهدايا الثمينة إليهم.

وليس لدينا ما يثبت ذلك ولكن على أى حال شاع هذا الأمر بين الناس ، وقد حذره الفقيه بهلول بن راشد من إرسال هذه المواد التى تعتبر موارد عسكرية إلى أعداء الدين ، وهذا يدل على أن الفقهاء لم يقتصر عملهم على الناحية الدينية فحسب ، بل كانت لهم مواقفهم القومية (٢).

وفوق ذلك كله كانت براعة إبراهيم بن الأغلب فى القضاء على ثورة تمام بن تميم الذى بث الذعر والخوف والرعب لأهل إفريقية كلها حيث استعان إبراهيم بأهل إفريقية ، وهذه ميزة من ميزات الأغالبة عن أسرة آل طولون ، وقد اختلف الرواة والمؤرخون حول الدوافع والأسباب التى جعلت الخليفة هارون الرشيد يوافق على إسناد ولاية إفريقية لإبراهيم بن الأغلب ، فقد ذكر لنا «ابن الأبار» أن حصول إبراهيم على هذه الولاية كانت نتيجة نجاحه فى الكيد للأدارسة (٣).

__________________

(١) ابن الأثير الكامل فى التاريخ ج ٦ ص ١٥٤.

(٢) الرقيق القيروانى المصدر السابق ٢٠٥ ، ومحمود إسماعيل عبد الرازق الأغالبة ٢٢.

(٣) انظر : النويرى نهاية الأرب ج ٢٤ ص ٩٩. وابن الأبار الحلة السيراء ج ١ ص ٩٩. والأدارسة نسبة إلى إدريس بن عبد الله بن الحسن الذى فر إلى المغرب الأقصى بعد انهزام إخوته فى موقعة الفخ بمكة سنة ١٦٩ ه‍ وتمكن من الإفلات من الموت مع مولاه راشد إلى مصر ، ومنها إلى الطرف الغربى من العالم الإسلامى حيث استقر ببلدة «ليلى» قاعدة جبل زرهون فى سنة ٧٢ ه‍ ، وبايعه ، بربر أوربة بالإمامة ونجح فى تأسيس دولة شيعية فى هذا الصقع من بلاد المغرب ، ثم انضمت إليه قبائل أخرى

٢٧

بينما ذكر النويرى «أن الرشيد قلده إياها نتيجة لما فعله مع «محمد بن مقاتل العكى» فى مساعدته فى القضاء على ثورة تمام التميمى وهناك رأى آخر يقول : «إن تنازل «إبراهيم بن الأغلب» عن الإعانة السنوية التى كانت تجلب له من مصر وتقدر بمائة ألف دينار ، وتعهده بدفع أربعين ألف دينار سنويا للخلافة العباسية جعلت هارون يستجب ، ويرحب بتقلده ولاية إفريقية (١)».

وقيل إن صاحب البريد «يحيى بن زياد (٢)» له الفضل فى تقلد إبراهيم إفريقية ، حيث كان يطلع الخليفة هارون بأمور وأحوال هذه الولاية وبإخلاص وكفاءة إبراهيم السياسية والحربية.

كما يذكر الدكتور حسين مؤنس (٣) بأن سياسة الرشيد كانت تهدف إلى تأمين ولاية أفريقية ، لأنها كانت كل ما بقى لدولة بنى العباس فى الجناح الغربى لدولة الإسلام ، وقد سبق أن ذكرنا أن حدود دولة بنى العباس وقفت عند نهر شلف الفاصل بين ولاية إفريقية والمغرب الأوسط ، ولهذا فعندما أيد هرثمة بن أعين فكرة تولية إبراهيم بن الأغلب أمور إفريقية ، ومنحه استقلالا محليا طبقا للشروط السابق ذكرها وافق الرشيد على ذلك ، وأصبحت ولاية إفريقية فى بيت إبراهيم بن الأغلب (٤).

__________________

منها زواغة وسدرنة وغياثة ومكناسة وغمارة. تطلع إدريس بن عبد الله إلى توحيد المغرب ، وكان من الطبيعى أن يخشى الخلفاء العباسيون من مطامع الأدارسة فى المغرب ومصر ، فاستجاب الرشيد لطلب إبراهيم بن الأغلب حتى تكون دولة الأغالبة فى المغرب الأدنى حاجزا بين البلاد الخاضعة للدولة العباسية وبلاد الأدارسة فى المغرب الأقصى الذين كانوا يتطلعون إلى فصل المغرب عن بقية العالم الإسلامى ، بل كانوا يهدفون إلى توحيد المغرب والمشرق العربيين تحت قيادتهم.

وقد أورد الأستاذ الدكتور «أحمد مختار العبادى» نصا لرسالة وجهها إدريس بن عبد الله إلى المصريين يمكن أن نستنتج منها مدى اتصال الأدارسة بأهل مصر.

ابن الخطيب : أعمال الأعلام ج ٣ ص ١٧ ، ابن عذارى : البيان المغرب ج ١ ص ٢٩٨ ـ ٢٩٩.

(١) النويرى نهاية الأرب ج ٢٤ ص ١٠٠ ـ ١٠١ ، وابن خلدون العبر من ديوان المبتدأ والخبر ج ٤ ص ١٩٦.

(٢) السلاوى الاستقصا ج ١ ص ١٤٧.

(٣) د / حسين مؤنس فتح العرب للمغرب.

(٤) كانت أم هارون الرشيد هى الخيزران البربرية من المغرب ، فنشأ محبا للعرب.

انظر : محمد على دبوز : تاريخ المغرب الكبير ج ٣ ص ١٣١.

٢٨

صفوة القول إن كل الأحداث التى مرت بها المغرب ج علت الخلافة العباسية تفكر فى إسناد هذه الولاية لرجل يتميز بصفات القدرة على الحكم والولاء للدولة والإخلاص للبيت العباسى ، والذى شجع العباسيين على إسناد هذه الولاية لإبراهيم بن الأغلب تلك التجربة السابقة مع المهالبة ، وهم بيت من الحكام طالت ولايتهم واحدا بعد واحد على إفريقية فى طاعة الدولة العباسية ، لأن بنى العباس كانوا يرون إفريقية عبئا كبيرا عليهم ، ويريدون أن يطمئن بالهم عن ناحيتها خاصة أنها كانت تكلفهم الكثير من المال ، فإذا عرض عليهم أحد رجالهم القادرين أن يحمل عنهم عبء إفريقية مع بقائه على طاعتهم وحفظ الأمن فى الولاية دون أن يكلفهم مالا. فكان من الطبيعى أن يرحبوا بمثل هذا العرض فما بالنا بإبراهيم بن الأغلب الذى عرض فى هذه الصفقة أن يتنازل عن مبلغ مائة ألف دينار كانت مصر ترسلها معونة لوالى إفريقية ، وهذا المبلغ سيئول إلى خزانة الدولة العباسية فى هذه الحال ، لكل هذا وافقت الدولة العباسية على جعل ولاية إفريقية فى بيت إبراهيم بن الأغلب مع البقاء على الطاعة والولاء.

واستطاع إبراهيم بن الأغلب أن يحقق التزاماته نحو الخلافة فكوّن قوة عسكرية كبيرة من البربر المستعربة الذين عملوا كجند فى الجيش الأغلبى كما استكثر إبراهيم بن الأغلب من الصقالبة و «هم جند من أصل أوربى كانوا يشترون صغارا من تجار الرقيق الذين يجلبونهم من أوربا ، وكانوا يربّون تربية عربية إسلامية ليكونوا بعد ذلك جندا وخدما للدولة فى القصور والوظائف» ، وكما أضاف إليهم بعد ذلك قوة من السود (١)

كذلك كوّن إبراهيم بن الأغلب قوة بحرية هائلة مكنت الأغالبة بعد ذلك من غزو صقلية ومالطة والسواحل الإيطالية ، ولم يطمئن على حكمه إلا بعد أن تم له إنشاء كل هذه القوات خلال السنوات الأولى من حكمه لإفريقية ، كما أقام إبراهيم الخطبة لبنى العباس على المنابر ، ورفع شعار بنى العباس ، ودفع الخراج المقرر عليه وهو أربعون ألف دينار ،

__________________

(١) د / السيد عبد العزيز تاريخ المغرب فى العصر الإسلامى ٣٣٤ ، والنويرى المصدر السابق ج ٢٤ ص ١٠٢.

٢٩

ونقش اسم الخليفة على السكة ، وشيد مدينة جديدة أطلق عليها العباسية (القصر القديم) تمجيدا لهم وهى تقع على بعد ثلاثة أميال جنوبى القيروان ، وفى عهد إبراهيم بن الأغلب ثار بتونس رجل من كبار رجالات العرب يسمى حمد يس ونزع السواد شعار بنى العباس ، فأرسل إبراهيم قائده عمران بن مجالد فى جيش كبير للقضاء على حركته ، فالتقى عمران معه فى معركة قرب تونس انهزم فيها حمد يس وأنصاره ، وقتل منهم نحو عشرة آلاف مقاتل ، وتمكن عمران من دخول تونس ، وبرغم أن عهد ابن الأغلب لم يخل من الثورات والفتن ولكنها كانت لا تقاس بالثورات التى كانت تضطرم فى إفريقية فى العهود السابقة ، على أى حال تمكن إبراهيم بن الأغلب بفضل ما لديه من كفاءة وشجاعة وذكاء وقوة مؤيديه من الجماعات اليمنية والقيسية من أن يقيم دولة جديدة تمثل الدولة العباسية فى بلاد إفريقية (١).

وكان لتربية إبراهيم بن الأغلب الدينية أثر كبير فى ثقافته الظاهرة ، فقد كان حافظا للقران الكريم ، فقيها عالما مؤيدا لمذهب أهل السنة ، كثير الزيارات لشيخه الذى تتلمذ على يديه وهو الليث بن سعد الفهمى الذى وهب لإبراهيم جارية تدعى جلاجل ، وهى أم ولده زيادة الله ، كما كان شاعرا خطيبا ذا رأى وحزم وبأس وعلم بالحروب والمكايد ، وهذا هو ما قرب بينه وبين الفقهاء من أهل الدين ، وهذا بدوره أكسبه تأييد الناس فاتخذ من الفقهاء مستشارين له كانوا خير عون له فى ضبط أمور الدولة ، ودفعها إلى طريق العلم والحضارة والرقى.

ووسط هذا الجو الذى كان يحمل الهدوء والاستقرار برز عدد كبير من العلماء والفقهاء الذين لعبوا دورا هامّا فى النهضة الفكرية للمذهب المالكى السنى ، كما تصدوا للخوارج

__________________

(١) د / أحمد مختار العبادى سياسة الفاطميين نحو المغرب والأندلس ١٩٦ ـ مجلة كلية الآداب ـ جامعة الإسكندرية ، العدد ١ ، ٢ ، ١٩٥٧ والقلقشندى صبح الأعشى ج ٥ ص ١٢٠ ، وابن عذارى المصدر السابق ج ١ ص ١١٧ ، وابن خلدون المصدر السابق ج ٤ ص ٤١٩ ، والسيد عبد العزيز سالم المرجع السابق ٢٨٩ ، وسعد زغلول عبد الحميد تاريخ المغرب العربى ج ٢ ص ٢٨.

٣٠

الذين كانوا يشكلون خطرا على كيان أهل السنة ، وخطرا على السلطان لبنى العباس فى إفريقية قبل قيام دولة الأغالبة وبعدها (١).

٢ ـ الحضارة والعمران :

ذكرنا ـ من قبل ـ أن فترة الأغالبة فى إفريقية تعتبر من أمجد فترات تاريخها كما يروى المؤرخون ، فقد دامت هذه الفترة أكثر من قرن من الزمان ساد فى أثنائها الاستقرار السياسى النسبى لبلاد إفريقية ، وكان للمذهب السنى وشيوخه نصيب كبير فى إقامة وتثبيت دعائم هذا الاستقرار ، فقد تمكن الفقهاء بمعاونة أمراء الأغالبة من إخراج الخوارج من بلاد إفريقية ، فلم يعودوا يعيشون إلا فى جبل نفوسة جنوب ولاية طرابلس من أملاك الأغالبة ، أما طرابلس نفسها فقد كانت سنية يسودها الفقه المالكى ، وعند ما أقام الخوارج الإباضية دولة لهم أقاموها خارج بلاد الأغالبة فى إقليم تاهرت ، وهو الجزء الغربى من المغرب الأوسط (٢).

إن قيام دولة الأغالبة جعل لإفريقية وأهلها شخصية مميزة وفريدة تختلف كل الاختلاف عن بقية بلدان المغرب ، فكانت المدن والقرى الإفريقية محطات ومراكز العلم والشيوخ والتجار ، فنهضت حركة العمران والإنشاء إلى جانب الزراعة والرعى ، وكانوا ينتقلون من مكان إلى آخر ، واحتلت تونس بخطواتها السريعة هذه محل مدينة قرطاجنة فهى تشتمل على معالم الحياة من مبانى وأسواق ودار صناعة للسفن التى أنشأها حسان بن النعمان ، ومن جاء بعده من الولاة والحكام الأغالبة ، مما جعل العرب من سكان إفريقية يصابون بالغرور والكبرياء والتمرد على الحكام فى القيروان (٣).

__________________

(١) ابن أبيك الدرة المضية فى أخبار الدولة الفاطمية ج ٦ ص ٢٣ ـ ٢٥ ، والباجى المسعودى الخلاصة النقية بأمراء إفريقية ٢٢ ـ ٢٣ ، وابن عذارى المصدر السابق ج ١ ص ١١٦.

(٢) انظر : د / حسين مؤنس معالم تاريخ المغرب والأندلس ٩٥ ، والأنصارى المنهل العذب فى تاريخ طرابلس الغرب ج ١ ص ٦٨ ، وابن عذارى المصدر السابق ج ١ ص ٨٩.

(٣) حسن حسنى عبد الوهاب ورقات ج ١ ص ٣٩.

٣١

وإذا كان من المعروف عن فترة المهالبة أنهم قد أعطوا اهتماما كبيرا فى إفريقية لإقامة الأبنية والمنشآت التى تميزت بها ، وخاصة فى فترة يزيد بن حاتم (١) الذى كان له دور كبير فى توسيع جامع القيروان ، وإنشاء العديد من الأسواق فى مدينتى تونس والقيروان وغيرهما كما أنشأ هرثمة بن الأعين القصور للمرابطين والزهاد والمحاربين على الساحل ، فإن الأغالبة قد جلبوا المدينة والحضارة فى إفريقية والمغرب الأوسط.

فمن أعظم إنجازات الأغالبة المعمارية تجديد مسجدى القيروان وتونس وهما المعروفان بمسجد عقبة بن نافع ومسجد الزيتونة ـ فمسجد القيروان قد تعرض لعدة تجديدات منذ أن أسسه عقبة بن نافع الفهرى إلى نهاية عصر الأغالبة ، وذلك فى عهود : حسان بن النعمان وحنظلة بن صفوان وزيادة الله بن الأغلب الذى أدخل عليه التجديدات الحاسمة ، ورفع قبابته ومئذنته وإعطائه صورته الحالية ، ويذكر ابن عذارى (٢) أن زيادة الله أنفق أموالا كثيرة فى هذا العمل ، وكان يفتخر بهذا العمل فيقول : «ما أبالى ما قدمت عليه يوم القيامة ، وفى صحيفتى أربع حسنات : بنيانى المسجد الجامع بالقيروان ، وبنيانى قنطرة أم الربيع ، وبنيانى حصن مدينة سوسة ، وتوليتى أحمد بن أبى محرز قضاء إفريقية» (٣).

وقال الأستاذ أحمد فكرى عن جامع القيروان فى كتابه «آثار تونس الإسلامية ومصادر الفن الإسلامى» : «ولا يقتصر فضل القيروان على التخطيط ، فإن هذا المسجد العظيم يحوى عناصر معمارية ظهرت فيه لأول مرة فى تاريخ العمارة أو على الأقل يبقى فيها أقدم الأمثلة التى لاقت من بعده اتشارا كبيرا فى بلاد الشرق والغرب ، وأصبحت من العناصر المميزة للعمارة الإسلامية ، وأذكر من هذه العناصر أقواس مسجد القيروان» (٤).

__________________

(١) الرقيق القيروانى المصدر السابق ١٩٥٠ ، وحسن حسنى عبد الوهاب ورقات ج ١ ص ٦٠ ود / السيد عبد العزيز سالم المرجع السابق ٢٧٦ والمالكى ورياض النفوس ج ١ ص ٤٥.

(٢) ابن عذارى المصدر السابق ج ١ ص ١٣٨.

(٣) أحمد فكرى آثار تونس الإسلامية ومصادر الفن الإسلامى ٥٧.

(٤) حسن حسنى عبد الوهاب ورقات ج ١ ص ١١٣ ، وزكى محمد حسن فنون الإسلام ٦١.

٣٢

وكذلك قام زيادة الله بتجديد وتوسيع مسجد جامع تونس ، ولكن المنية أدركته قبل أن يكملها ، فتولى بعده إبراهيم بن أحمد سادس أمراء الأغالبة فهو الذى أمر ببناء قبابه المضلعة ، ووضع فيه أعمدة الرخام وزينه بالزخارف والنقوش والكتابات الكوفية الجميلة ، وكذلك أمر إبراهيم بن أحمد ببناء القبة الكبيرة الموجودة الآن فى جامع القيروان ، وهى من أجمل القباب فى تاريخ المساجد الإسلامية. وحول القباب فى مسجد القيروان يقول الدكتور أحمد فكرى : «ولا شك أن أول مثل إسلامى للنظام المبتكر للقباب المرتكزة على أقواس يظهر أيضا فى مسجد القيروان ، وسواء أكان الفضل فى وضع هذا النظام الجديد يعود إلى الفرس أو إلى الرومان ، وسواء أكان الأصل فى اشتقاق هذه القباب يرجع إلى مصر القبطية أم إلى إفريقية البيزنطية ، وأيا كان الأصل فى هذه القباب فإنه لا يضعف شأن بنيان القيروان» (١).

ثم قام أبو العباس محمد بن الأغلب خامس أمراء الأغالبة ببناء جامع سوسة الذى يعتبر من أجمل الآثار المعمارية الإسلامية فى إفريقية ومن منشآته أيضا رباط سوسة المعروف بقصر الرباط (٢).

وإذا كان بنو الأغلب قد اعتنوا بالمنشآت الدينية فإن عنايتهم بالمنشآت العسكرية والمدنية لا تقل أهمية ، فقد أنشأ الأغالبة الكثير من الأسوار والأبراج للمدن وخاصة التى تقع على الساحل ، ولا ننسى دار تونس لبناء السفن ودار سوسة لصناعة الأسلحة واللتان كانتا لهما أمجاد فى تاريخ البحرية الإسلامية وخاصة فى حوض البحر المتوسط وخير مثال على ذلك فتح جزيرة صقلية (٣).

ومن أشهر المنشآت العسكرية فى عصر الأغالبة الرباطات ، وهى قريبة الشبه بالقصور السابق ذكرها ، ولكنها كانت تخصص للمجاهدين والمرابطين ما بين حاميات

__________________

(١) أحمد فكرى ، مسجد القيروان ٧٨.

(٢) سعد زغلول عبد الحميد ، تاريخ المغرب العربى ج ٢ ص ٧١.

(٣) السيد عبد العزيز سالم ، المرجع السابق ٣٦٣.

٣٣

رسمية وأفراد من المتطوعين ، ولكن من المعروف أن الرباط كان للأفراد ، أما الجند الرسمى فكانت تبنى لهم معسكرات ، وقد وصف لنا الأستاذ الدكتور حسين مؤنس الرباطات فقال (١) : «يحيط بالرباط عادة سور مرتفع ، وتقوم على أركانه وعلى مسافات منه أبراج يقف فيها الحراس ، وتوقد فيها النيران وقت الخطر» ، وقد بقى لنا من رباطات عصر الأغالبة رباط سوسة وهو من بناء زيادة الله بن الأغلب أسسه سنة ٢٠٦ ه‍ ، وتاريخ الإنشاء مسجل على لوحة من الرخام بأعلى مدخل المنار ، وتقرأ عليها النص التالى «مما أمر به الأمير زيادة الله بن إبراهيم أطال الله بقاءه على يد سرور الخادم مولاه فى سنة ست ومائتين ، اللهم أنزلنا منزلا مبارك وأنت خير المنزلين» ، ويقع رباط سوسة على خليج قابس ، وهو داخل سور المدينة من ناحية البحر وطول ضلع سوره أربعون مترا تقريبا ، وبداخل السور ثلاث قاعات واسعة تسمى الأسطوانات مرفوعة على عمد وفوقها سقف يتكون من ثلاث قباب ، وهذه القاعات والأسطوانات يؤدى بعضها إلى بعض وهى تستعمل للنوم والأكل ، ويليها صحن الرباط وهو مساحة واسعة مسورة تدور حولها البوائك ، وهذه البوائك طابقين وهى تفتح أو تطل على صحن الرباط ، وفى ركن من الصحن يقوم مسجد الرباط (٢).

وحول الرباط وقصره قال الأستاذ حسن حسنى عبد الوهاب : «فى فجر المائة الثالثة للهجرة وجه الأمير زيادة الله عناية كاملة لإعادة الحصن الذى أقامه أبو إبراهيم الأكبر فى مكان الرباط الخالى ، فيأمر أحد فتيانه بتوسيع نطاق الحصن الأول ، ويجعله على طابقين أسفل وأعلى ويقيم فيه ثلاثين غرفة لسكنى المرابطين علاوة على الحمام والمرحاضات ، وينصب فى الطابق العلوى مسجدا جامعا للصلاة والخطبة ، ويبنى المسجد على أقواس متماسكة العقود ، وهو أول مسجد يبنى أى قبل إنشاء فنائه وقبل الجامع الكبير الآتى

__________________

(١) د / حسين مؤنس ، المرجع السابق ٩٧.

(٢) Creswell AShort Account P.٢٣٢. ود / السيد عبد العزيز ، المرجع السابق ٣٦٤ ، وحسن حسنى عبد الوهاب ، ورقات عن الحضارة بإفريقية التونسية ج ٢ ص ٢٤.

(٣) حسن حسنى عبد الوهاب ، المرجع السابق ج ٢ ص ٢٤.

٣٤

ذكرهما ، فمن يقطن سوسة وقتئذ كان يقصد الرباط لأداء الجمعة والأعياد (١).

وكان رباط سوسة قريب الشبه برباط المنستير (٢) وهو أقدم وأجمل منه من الناحية الهندسية ، وقد إتسع هذا الرباط حتى أصبح على شكل حصن كثير المساكن ، والرباط عبارة عن طابقين يخصص الأول منهما للمسجد وقاعات للدرس والاجتماعات والطعام الذى كان المرابطون وأهل الرباط يتناولونه معهم أحيانا ، ويخصص الثانى للحراسة والعبادة والخلوة ، وفى العادة يتولى الرباط شيخ من أهل التقوى والورع والصلاح وهو الذى يتولى تنظيم وتسيير العبادة أو الحراسة فيه (٣).

__________________

(١) المنستير ميناء يقع بين سوسة والمهدية ، وكانت فى الأصل رباطا أو قصرا يرابط فيه المسلمون لحماية ثغور إفريقية من الغارات البحرية التى كان يقوم بها الروم ، بناه هرثمة بن أعين والى إفريقية من قبل الرشيد فى سنة ١٨٠ ه‍.

وقد وصف البكرى هذا الرباط فقال «وبالمنستير البيوت والحجر والطواحين ومراجل الماء ، وهو حصن عال البناء متقن العمل وفى الطبقة الثانية منه مسجد لا يخلو من شيخ خير فاضل يكون مدار القوم عليه ، وفيه جماعة من الصالحين والمرابطين قد حبسوا أنفسهم فيه منفردين دون الأهل والعشائر ، وهو قصر كبير عال داخله ربض واسع ، وفى وسط الربض حصن ثانى كبير كثير المساكن ، والمساجد والقصاب العالية طبقات بعضها فوق بعض ، وفى القبلة صحن فسيح من قباب عالية متقنة ينزل حولها النساء المرابطات وله يوم عاشوراء موسم عظيم ومجمع كبير ، وكان أهل القيروان يخرجون إليهم بالأموال والصدقات الجزية ، ويقرب المنستير محارس خمسة متقنة البناء ، ومعمورة بالصالحين. انظر البكرى : المصدر السابق ٣٦ ، وابن الخطيب : المصدر السابق ج ٣ ص ١١.

(٢) د / حسين مؤنس معالم تاريخ المغرب والأندلس ٩٧.

(٣) يبدو أن سبب بناء ابن الأغلب لهذه المدينة يرجع إلى سكان القيروان وبما كانوا يتصفون به من تدين وورع حيث ابدوا سخطهم على الأمير لإقباله على الخمر وانغماسه فى حياة اللهو والملذات ، فاضطر ابن الأغلب لإقامة هذه المدينة للاستمتاع بالحياة بعيدا عن أنظار رعيته فلا يناله شىء من تقريع فقهائهم وانتقادهم لسلوكه ، وربما يكون اتخذها تقليدا للخلفاء الأمويين والعباسيين فى اتخاذهم القصور خارج عواصمهم أو إشباعا ، لرغبته فى الظهور بمظهر العظمة والأبهة ، وقد اشترى الأغلب لهذا أرضا من بنى طالون ، وبنى قصرا للإمارة ، نقل إليه السلاح والعدد سرا ، وأسكن حوله عبيده وفتيانه ومواليه وأهل الثقة من خدمه ، وسمى بالقصر القديم بالنسبة لقصر رقادة الذى بناه إبراهيم بن أحمد سنة ٢٦٤ ه‍ وعرف بالقصر الأبيض ربما لبياض لون جدرانه.

وفى هذه المدينة استقبل الأمير رسل شارلمان إليه سنة ١٨٥ ه‍ عندما قدموا لنقل رفات القديس سان سيبرين.

٣٥

أما المنشآت المدنية وخاصة مدينة القصر القديم (٣) ـ التى بناها إبراهيم بن الأغلب ، وتبعد ثلاثة كيلومترات جنوبى مدينة القيروان لتكون معسكرا لجنده ، ومقاما له ومعتقلا لأسرته وكانت تتكون من قصور وحدائق ومعسكرات وأماكن للعبادة ، ولم يبق من آثار هذه المدينة (الآن) شىء ، كما كانت تسمى العباسية ثم سميت بالقصر القديم تميزا لها عن مدينة القصر الجديد (رقادة) (١) التى بناها إبراهيم بن أحمد سنة ٢٦٤ ه‍ / ٧٨ م.

واعتنى الأغالبة كذلك ببناء صهاريج المياه وجبابها ، والضهريج عبارة عن خزان ماء فوق الأرض ، أما الجب فلا يكون إلا فى باطن الأرض ، والجب مخزن واسع يتكون من حجرة واسعة قد يصل قطرها إلى أربعين مترا ، وعمقها نحو عشرين مترا ثم يبنون عند الماء حجرة أو قبوا واسعا بالحجر أو الطوب الأحمر أو الطوب المغطى بالبلاط الذى لا تؤثر فيه المياه.

كذلك أكثر الأغالبة من بناء المواحل ، والماحل عبارة عن أحواض ماء واسعة ، وعميقة تشبه الفسقيات يتجمع فيها ماء المطر وهى دائما مكشوفة ، وقد يقام فى وسط الماحل جوسقّ يجلس فيه الأمير للراحة ، ومواحل القيروان وسوسة وتونس تعتبر من الآثار الجميلة التى تستحق المشاهدة (٢).

__________________

ـ انظر ابن عذارى : المصدر السابق ج ١ ص ١١٧ ، واليعقوبى : البلدان ٣٤٧ ، وياقوت الحموى : معجم البلدان ج ٢٤ ص ٣٦٢

Marcais L\'Architecture Musulmane P. ٦٢ ـ ٧٢.

(١) يصفها البكرى بقول : «وأكثرها بساتين وليس بإفريقية أعدل هواء ، ولا أرق نسيم ولا أطيب تربة من مدينة رقادة» وسميت رقادة لأن الأمير إبراهيم أرق يوما ، وشرد الكرى عن جفنيه فلم ينم وأمر بالخروج والسير فلما وصل إلى هذا الموضع نام ، فسمى رقادة والذى بنا رقادة واتخذها دارا هو إبراهيم ابن أحمد بن محمد بن الأغلب انتقل إليها من مدينة القصر القديم وبنى بها قصورا عديدة وجامعا ، وعمرت بالأسواق والحمامات والفنادق ، وكان يحيط برقادة سور من الآجرّ واللّبن أصلحه الأمير زيادة الله الثالث يتحصن فيها عند محاصرة أبى عبيد الله الشيعى لها.

انظر البكرى : المصدر السابق ٢٧ ، Marcaiso P.CKT ٨٢

(٢) ويصف الإدريسى الماجل الكبير بالقيروان بأنه «من عجيب البناء لأنه مبنى على تربيع وفى وسطه بناء قائم كالصومعة ، وذرع كل وجه منه مائتا ذراع وهو مملوء كله ماء». أما البكرى فيذكر عن الماجل الكبير «أنه مستدير الشكل عظيم الاتساع ، يتوسط برج مثمن الشكل ، يعلوه مجلس له

٣٦

وقد أنشأ زيادة الله الثالث آخر أمراء الأغالبة فى عهده بركة أو ماجلا طوله خمسمائة ذراع وعرضه أربعمائة ذراع وأجرى إليه الماء بالسواقى وسمى هذا الماجل الفسيح بالبحر ، وأقام على إحدى ضفتيه قصرا من أربعة طوابق سماه العروس ، وأنفق على إنشائه فيما يقرب من ٠٠٠ ، ٢٣٢ دينار. غير أن الفاطميين فى عهده كانوا قد أوغلوا فى بلاد إفريقية وكثر جندهم ، واقتربوا من القيروان ، وهنا جمع زيادة الله ألفا من أهل بيته وهرب بهم إلى مصر تاركا بلاد إفريقية مقر ملكه للفاطميين (١).

ومما لا شك فيه أن الحياة الاقتصادية قد ازدهرت فى إفريقية بقيام دولة الأغالبة ، فاستفادوا من وضع البلاد الجغرافى فجمعوا الثورات الطائلة. وبفضل الموانئ المنتشرة على شاطىء البحر المتوسط وهى موانئ سوسة وتونس وبجاية ، أمكن للأمراء الأغالبة أن يقيموا الأساطيل ويحرزوا الانتصارات وقد انعكس أثر هذا على سكان إفريقية فانتعشوا اقتصاديا.

ونتيجة إحكام الأغالبة على زمام البحرية دون منازع ، احتكروا دور الوساطة التجارية

__________________

ـ أربعة أبواب وبأعلاه قبة يحملها ١١ عمودا ، وبجوار هذا الماجل مباشرة ، وفى الجهة الشمالية منه ماجل آخر أقل إتساعا يعرف بالفسقية يتلقى مياهه من الوادى عند جريانها ، فيخفف سرعتها ، وعندها يمتلىء بالمياه حتى ارتفاع قامتين ، وتتدفق فى الماجل الكبير عن طريق فتحة يسميها الصرح وكان قد شرع فى بنائه الأمير إبراهيم بن أحمد سنة ٢٤٥ ه‍ وأتمه سنة ٢٤٨ ه‍ ، ويروى أنه أعتل أثناء اتخاذ الماجل بالقصر القديم ، فكان يسأل : هل دخله الماء؟ إلى أن دخله الوادى ، فعرفوه بذلك فسر به ، وأمرهم أن يأتوه بكأس مملؤة منه فشربها وقال : الحمد لله الذى لم أمت حتى تم أمره ثم مات على أثر ذلك.

وكان بالقيروان فيما يذكر البكرى ١٥ ماجلا كانت هذه المواجل مستديرة الشكل ، تكسو سطوحها طبقة من البلاط شديد الصلابة.

انظر ابن الخطيب : المصدر السابق ج ٣ ص ٢٣ ، والبكرى : المصدر السابق ٢٥ ، والإدريسى :

المصدر السابق ١١٠.

(١) ابن عذارى المصدر السابق ج ١ ص ١٨٦ ، وسعد زغلول عبد الحميد تاريخ المغرب العربى ج ٢ ص ١٦٧ ، وص ١٨٢. ومحمد إسماعيل عبد الرازق الأغالبة ص ٤٠ ، والإدريسى نزهة المشتاق فى اختراق الآفاق ص ١٢١.

٣٧

بالنسبة للتجارة العالمية بين الشرق والمغرب وجنوا من وراء ذلك أطيب الثمار ، كما اهتموا بالتجارة مع الجنوب فمهدوا طرق القوافل لتسهيل التجارة مع أهل اللثام وبلاد الجريد ، كما راجت دور الصناعة مثل دور تونس وسوسة وغيرها مستفيدة من الاستقرار النسبى للبلاد ، وأصبحت القيروان من أكبر المراكز التجارية فى غرب البحر المتوسط ، وأيضا سوسة والأربس وقفصة وغيرهم.

كذلك اشتهرت رقادة بالأسواق والفنادق والقصور وكذلك العباسية ـ وإذا كانت بغداد ودمشق والإسكندرية قد عرفت نظام الأسواق المتخصصة ـ فإن القيروان أيضا قد شهدت مثل هذه الأسواق منذ أيام حاتم بن يزيد المهلبى ، وعلا طريقها الرئيسى بالمتاجر ودور الصناعة ، ويحدثنا المالكى عن حوانيت الرفائين والكفايين وتجمعها فى مكان واحد حيث عرفت بالحوانيت الجدد (١).

وكانت إفريقية الأغلبية تصدر القمح والشعير إلى الإسكندرية والرقيق السودانى إلى بلاد الشام ، كما كانوا يصدرون أيضا النسيج والأبسطة والأقمشة الفاخرة إلى بغداد (٢)

ولم يكتف الأغالبة بما تجود به أرضهم من بعض أنواع الزراعة بل استوردوا بعض

__________________

(١) السيد عبد العزيز سالم المرجع السابق ص ٣٢٣ ، والبكرى المصدر السابق ص ٢٧ ، ٢٨ ، وحسن إبراهيم حسن تاريخ الإسلام السياسى ج ٣ ص ٣٢٠ ، ص ٣٢٥ ، والمالكى رياض النفوس ج ١ ص ١٩٥ ـ ١٩٦.

(٢) اشتهرت إفريقية بصناعة المنسوجات ، وإلى سوسة كانت تنسب الثياب السوسية الرفيعة البياض الناصع ، وكانت منسوجات دور الطراز بإفريقية مما يهادى به للخلفاء العباسيين ، ويذكر ابن عذارى أن أبا عبد الله الشيعى لما هزم جيش إبراهيم قائد زيادة الله بن الأغلب ، غنم كثيرا من الأموال والسلاح والسروج واللجم وضروب الأمتعة ، وهى أول غنيمة أصابها الشيعى وأصحابه ، فلبسوا أثواب الحرير ، وتقلدوا السيوف المحلاة وركبوا بسروج الفضة واللجم المذهبة.

انظر فى ذلك : البكرى المصدر السابق ٣٤ ، مجهول : الاستبصار ١١٩ ، ابن عذارى : المصدر السابق ج ١ ص ١٨٥ ، وص ١٨٧ ، ويذكر ابن عذارى أن زيادة الله الثالث بعث الحسن بن حاتم إلى العراق رسولا منه بهدايا وطرف. وابن خلدون : المقدمة ص ١٨١.

٣٨

المحاصيل الزراعية من المشرق مثل القطن وقصب السكر ، وما جناه الأغالبة من ثروات طائلة ظهرت أثارها فيما أقاموه من منشآت وعمائر بإفريقية (١).

وتعتبر فترة إبراهيم بن الأغلب وابنه زيادة الله الأول من أزهى فترات دولة الأغالبة حيث ساد الرخاء الاقتصادى فى عهدهما فضربت الدنانير والدراهم على نمط الطراز العباسى ، كما دونت الدواوين مثل ديوان الخراج وكان من يسند إليه يعتبر من الشخصيات المرموقة وصاحب ثقة فى البلاط الأغلبى ، وديوان الخاتم وكان إبراهيم بن الأغلب قد أسنده لابنه عبد الله ، وكذلك دار الطراز التى كانت تنتج ما يرسله الأمير من الكساوى والإنعامات إلى مشاهير وكبار رجال الدولة فى المناسبات ، كما عرف الأغالبة الحسبة والعس وكان بلاط الأغالبة صورة مصغرة للبلاط العباسى (٢).

وكتاب تاريخ إفريقية والمغرب من الكتب التاريخية الهامة التى ألقت الضوء على الأحوال السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية لبلاد إفريقية (تونس) والمغرب بصفة عامة ، فشمل الكتاب منذ الفتح العربى لبلاد المغرب حتى ظهور دولة الأغالبة.

وأسأل الله العفو والمغفرة يا أرحم الراحمين

والله ولى التوفيق

القاهرة فى ١٤١٤ ه‍ ـ ١٩٩٣ م

الدكتور / محمد زينهم محمد عزب

__________________

(١) Heyd Histoire Du Commerce Vol.١ P.٠٥ وهناك ثروة معدنية فقد اشتهرت «بجانة» بمعادنها الكثيرة وعلى الأخص الفضة والكحل والحديد والرصاص ، ويعتقد الأستاذ مارسيه أن منطقة «بجانة» أصبحت منذ منتصف القرن الثانى الهجرى تتمتع بنشاط اقتصادى بوجود المعادن بكثرة فى أرضها.Marcaisop.cit.p.٩٧

(٢) ويرى الأستاذ مارسيه أن المشرفين على دار السكة كانوا من الموالى والروم أو العبيد أو الفتيان الذين أولاهم أمراء بنى الأغلب كل ثقتهم ، ويذكر مارسيه بعض أسماء هؤلاء الفتيان منهم موسى فى عهد إبراهيم بن الأغلب ، ومسرور فى عهد زيادة الله الأول ، ويذكر ابن عذارى أن زيادة الله الثالث اشتد كلفه بغلام له يسمى خطاب ، فكتب اسمه فى سكة الدنانير والدراهم.

وابن عذارى : Marcaisop.cit.p.٢٨ المصدر السابق.

٣٩
٤٠