إعراب القرآن الكريم وبيانه - ج ٣

محيي الدين الدرويش

إعراب القرآن الكريم وبيانه - ج ٣

المؤلف:

محيي الدين الدرويش


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: اليمامة للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٥٧٦

العقاب ، ولك أن تعرب اسم الاشارة خبرا لمبتدأ محذوف ، أي :العقاب ذلكم ، ويجوز أن يكون في محل نصب على الاشتغال ، كقولك :زيدا فاضربه ، وعلى كل حال فالفاء استئنافية ، وذوقوه كلام مستأنف ، وأن عطف على ذلكم في أوجهه الثلاثة ، وللكافرين جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر «أن» المقدم ، وعذاب النار اسمها المؤخر ، والمعنى : ذوقوا هذا العذاب العاجل مع الآجل.

البلاغة :

في هذه الآيات فنون عديدة من البلاغة ، ألمعنا إليها خلال الاعراب لعلاقتها به ، وهي المجاز والالتفات والاستعارة في قوله : «فذقوه» ، وقد تقدمت هذه الفنون في مواطنها.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ (١٥) وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (١٦) فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (١٧) ذلِكُمْ وَأَنَّ اللهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكافِرِينَ (١٨))

٥٤١

اللغة :

(زَحْفاً) : الزحف مصدر زحف ، وفي المصباح : زحف القوم زحفا من باب نفع وزحوفا ، ويطلق على الجيش الكثير زحف تسمية بالمصدر ، والجمع : زحوف ، مثل فلس وفلوس ، والصبي يزحف على الأرض قبل أن يمشي.

(مُتَحَرِّفاً) : منعطفا ، أو هو الكرّ بعد الفرّ ، ليخيل لعدوه أنه منهزم ثم يعطف عليه ، وهو باب من خدع الحرب ومكايدها.

(مُتَحَيِّزاً) : منحازا منضما ، والتحيز والتحوّز : الانضمام ، وتحوّزت الحية : انطوت ، وحزت الشيء : ضممته ، والحوزة ما يضم الأشياء. وأصل متحيز : متحيوز ، فاجتمعت الياء والواو ، وسبقت إحداها بالسكون ، فقلبت الواو ياء ، وأدغمت الياء بالياء.

الاعراب :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) : تقدم إعرابها كثيرا (إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ) إذا ظرف لما يستقبل من الزمن متضمن معنى الشرط ، وجملة لقيتم في محل جر بالإضافة ، والذين مفعوله ، وجملة كفروا صلة ، وزحفا حال من الذين ، أي : حال كونهم زاحفين ، وقيل : انتصب «زحفا» على المصدر بحال محذوفة ، أي : زاحفين زحفا ، وهذا الذي قيل محكم ، فحرم الفرار عند اللقاء بكل حال ، والفاء رابطة ، ولا ناهية ، وتولوهم فعل مضارع مجزوم بلا ، والواو فاعل ، والهاء مفعول به ، والأدبار : مفعول به ثان (وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ

٥٤٢

دُبُرَهُ) الواو استئنافية ، ومن شرطية مبتدأ ، ويولهم فعل وفاعل مستتر ومفعوله الأول ، ودبره مفعول يولهم الثاني ، ويومئذ ظرف مضاف لظرف وهو متعلق بيولهم (إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ) «إلا» يجوز أن تكون أداة حصر لتقدم النهي ، ومتحرفا حال ، ويجوز أن تكون «إلا» أداة استثناء ، ومتحرفا مستثنى من ضمير المؤمنين ، ولقتال جار ومجرور متعلقان بـ «متحرفا» ، أو متحيزا الى فئة عطف على سابقه (فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ) الفاء رابطة لجواب الشرط لاقتران الجواب بقد ، وباء : فعل ماض ، وبغضب جار ومجرور متعلقان بباء أو بمحذوف حال ، ومن الله جار ومجرور متعلقان بمحذوف صفة ، والجملة في محل جزم جواب الشرط (وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) الواو استئنافية أو عاطفة ، ومأواه مبتدأ ، وجهنم خبره ، وبئس فعل ماض جامد لإنشاء الذم ، والمصير فاعل بئس ، والمخصوص بالذم محذوف ، أي : مصيرهم (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ) الفاء الفصيحة ، أي : إذا افتخرتم بقتلهم فلم تقتلوهم ، فقد وقعت جوابا لشرط مقدر ، ولم حرف نفي وقلب وجزم ، وتقتلوهم فعل مضارع مجزوم بلم ، والواو حرف عطف ، ولكن حرف مشبه بالفعل ، وقد جاءت أحسن مجيء لوقوعها بين نفي وإثبات ، والله اسمها ، وجملة قتلهم خبرها (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى) عطف على ما تقدم ، وإذ ظرف لما مضى من الزمن متعلق برميت ، والواو عاطفة ولكن واسمها ، وجملة رمى خبرها (وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) الواو عاطفة ، واللام للتعليل ، ويبلي فعل مضارع منصوب بأن مضمرة ، وأن وما في حيزها في محل جر باللام متعلقان بفعل محذوف ، تقديره :فعل ذلك ، والمؤمنين مفعول به ، وبلاء مفعول مطلق ، والبلاء هنا محمول على النعمة لأنه يقع على النعمة والمحنة معا ، لأن أصله الاختبار ،

٥٤٣

فهو مردوده ، وحسنا صفة ، وإن الله سميع عليم عطف على ما تقدم ، وإن واسمها وخبراها (ذلِكُمْ وَأَنَّ اللهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكافِرِينَ) تقدم إعراب نظير اسم الإشارة ، فهو مبتدأ ، وخبره محذوف ، أي ذلكم الإبلاء حق ، وأن الله أن وما في حيزها عطف على ذلكم ، وموهن خبر «أن» ، وكيد الكافرين مضاف لموهن ، والإشارة للقتل والرمي والإبلاء ، ويجوز أن تكون «أن» وما في حيزها عطف على «وليبلي» أو في محل نصب بفعل مقدر ، أي : واعلموا أن الله.

البلاغة :

١ ـ فن التعريض :

في قوله تعالى «ومن يولهم يومئذ دبره» فن يقال له : فن التعريض وبعضهم يدخله في ضمن الكناية ، قال السعد التفتازاني : «الكناية إذا كانت عرضية مسوقة لأجل موصوف غير مذكور كان المناسب أن يطلق عليها اسم التعريض ، فقال عرضت لفلان وعرضت بفلان ، إذا قلت قولا وأنت تعنيه فكأنك أشرت الى جانب وتريد جانبا آخر ، ومنه المعاريض في الكلام ، وهي التورية بالشيء عن الشيء» وقال الزمخشري : «الكناية أن تذكر الشيء بغير لفظه الموضوع له ، والتعريض أن تذكر شيئا تدل به على شيء لم تذكره كما يقول المحتاج للمحتاج إليه : جئتك لأسلم عليك ، فكأنه أمال الكلام الى عرض يدل على المقصود ، وعرض الشيء بالضم ناصيته من أي وجه جئته».

وقال ابن الأثير في المثل السائر : «الكناية ما يدل على معنى يجوز حمله على جانب الحقيقة والمجاز بوصف جامع بينهما ، ويكون في المفرد

٥٤٤

والمركب ، والتعريض هو اللفظ الدال على معنى لا من جهة الوضع الحقيقي أو المجازي بل من جهة التلويح والإشارة ، فيختص باللفظ المركب ، كقول من يتوقع صلة : والله إني. محتاج ، فإنه تعريض بالطلب مع أنه لم يوضع له حقيقة ولا مجازا ، وإنما فهم منه المعنى ، من عرض اللفظ ، أي : جانبه».

إذا عرفت هذا سهل عليك أن تعرف سر التعريض في هذا التعبير الرشيق بالآية ، فقد ذكر لهم حالة تستهجن من فاعلها ، فأتى بلفظ الدبر دون الظهر.

وقد ولع أبو الطيب بهذا الفن ، فقد قال يعرض بكافور الاخشيدي :

ومن ركب الثور بعد الجوا

د أنكر أظلافه والغبب

يريد أن من ركب الثور وكان من عادته أن يركب الجواد ينكر أظلاف الثور وغببه ، وأما من كان مثل كافور وقد سبق له ركوب الثور فلا ينكر ذلك إن ركبه بعد الجواد. وقال أيضا يستزيد كافورا من الجوائز بعد مدحه :

أبا المسك هل في الكأس فضل أناله

فإني أغني منذ حين وتشرب

يقول مديحي إياك يطربك كما يطرب الغناء الشارب ، فقد حان أن تسقيني من فضل كأسك. ثم قال بعده :

وهبت على مقدار كفّي زماننا

ونفسي على مقدار كفّيك تطلب

٥٤٥

٢ ـ فن الاستدراك والرجوع :

وهو الكلام المشتمل على لفظة «لكن» ، وهو قسمان : قسم يتقدم الاستدراك فيه تقرير ، وقسم لا يتقدمه ، ومن القسم الثاني قوله تعالى : «فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم ، وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى» ، فقد أتى الاستدراك في هذه الكلمات في موضعين كل منهما مرشح للتعطف ، فان لفظة تقتلوهم وقتلهم ، ورميت ورمى ، تعطف.

وهذا أقرب استدراك وقع في الكلام لتوسط حرفه بين لفظي التعطف في الموضعين. وسيأتي مثال القسم الأول قريبا.

ومما ورد منه شعرا قول أبي الطيب :

هم المحسنون الكرّ في حومة الوغى

وأحسن منه كرّهم في المكارم

ولو لا احتقار الأسد شبّهتها بهم

لكنّها معدودة في البهائم

وما أحسن قول بعضهم في الرأس المصلوب على الرمح :

وعاد لكنّه رأس بلا جسد

يمشي ولكن على ساق بلا قدم

إذا تراءى على الخطي أسفر في

حال العبوس لنا عن ثغر مبتسم

٥٤٦

الفوائد :

روى التاريخ أنه لما كان يوم أحد أخذ أبيّ بن خلف يركض فرسه حتى دنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واعترض رجال من المسلمين لأبي بن خلف ليقتلوه ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : استأخروا ، فاستأخروا. فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم حربته في يده فرمى بها أبيّ بن خلف وكسر ضلعا من أضلاعه ، فرجع أبيّ بن خلف الى أصحابه ثقيلا ، فاحتملوه حين ولّوا قافلين ، فطفقوا يقولون : لا بأس. فقال أبيّ حين قالوا له ذلك : والله لو كانت بالناس لقتلتهم ، ألم يقل إني أقتلك إن شاء الله. فانطلق به أصحابه ينعشونه حتى مات ببعض الطريق فدفنوه. قال ابن المسيب وفي ذلك أنزل الله :«وما رميت إذ رميت».

(إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ (١٩) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (٢٠) وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قالُوا سَمِعْنا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (٢١) إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ

٥٤٧

الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ (٢٢) وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (٢٣))

اللغة :

(تَسْتَفْتِحُوا) : تطلبوا الفتح ، أي : القضاء والحكم بينكم وبين محمد بنصر المحق وخذلان المبطل ، روي أنهم حين أرادوا أن ينفروا تعلقوا بأستار الكعبة ، وقالوا : اللهم أينا كان أقطع للرحم وأتانا بما لا نعرف فأحنه الغداة. أي : أهلكه.

(الدَّوَابِّ) : جمع دابّة. والمراد بها هنا الإنسان. وإطلاق الدابة على الإنسان حقيقي لما ذكروه في كتب اللغة من أنها تطلق على كل حيوان ولو آدميا. وفي المصباح : الدابة كل حيوان في الأرض مميز أو غير مميز.

الاعراب :

(إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ) إن شرطية ، وتستفتحوا فعل مضارع مجزوم لأنه فعل الشرط ، والفاء رابطة لاقتران الجواب بقد ، وقد حرف تحقيق ، وجاءكم الفتح فعل ومفعول به وفاعل (وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) عطف على ما تقدم ، والإعراب مماثل لما قبله ، واقتران الجواب بالفاء لأنه جملة اسمية مؤلفة من مبتدأ وخبر. وجملة الجواب في الموضعين في محل جزم (وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ) عطف أيضا.

وجملة الجواب لا محل لها. (وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ)

٥٤٨

عطف أيضا ، وفئتكم فاعل تغني ، وشيئا مفعول مطلق أو مفعول به ، والواو حالية ، ولو شرطية ، وكثرت فعل الشرط ، والجواب محذوف.

(وَأَنَّ اللهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ) عطف أيضا ، وفتح همزة «أن» بتقدير اللام ، والتقدير ولأن الله مع المؤمنين ، والله اسم أن ومع ظرف مكان متعلق بمحذوف هو الخبر (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) تقدم إعرابها (أَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ) أطيعوا فعل أمر وفاعل ، والله مفعول به ، ورسوله عطف على الله ، وجملة ولا تولوا عطف على جملة أطيعوا ، ولا ناهية ، وتولوا مضارع مجزوم بلا الناهية ، والواو فاعل ، وعنه جار ومجرور متعلقان بتولوا ، وأنتم : الواو حالية ، وأنتم مبتدأ ، وجملة تسمعون خبر (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قالُوا سَمِعْنا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ) عطف على ما تقدم ، والكاف اسم بمعنى مثل خبر تكونوا ، وهي حرف جر ، والجار والمجرور خبر ، وجملة قالوا صلة ، وجملة سمعنا مقول القول ، والواو حالية ، وجملة هم لا يسمعون في محل نصب على الحال.

(إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ) إن واسمها ، وعند الله الظرف متعلق بمحذوف حال ، والصم خبر إن ، والبكم خبر ثان ، والذين صفة ، وجملة لا يعقلون صلة (وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ) الواو استئنافية ، ولو حرف امتناع لامتناع متضمن معنى الشرط ، وعلم الله فعل وفاعل ، وفيهم جار ومجرور متعلقان بعلم ، وخيرا مفعول به ، ولأسمعهم : اللام رابطة لجواب لو ، وأسمعهم فعل وفاعل مستتر والهاء مفعول به. (وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ) الواو عاطفة ، ولو لمجرد الربط ولا يصح أن تكون امتناعية ، لأنه يصير المعنى : انتفى توليهم لانتفاء إسماعهم ، وهذا خلاف الواقع فهي حينئذ لمجرد الربط بمعنى إن ، وأسمعهم فعل ماض والهاء مفعول به ، لتولوا : اللام رابطة ، وتولوا فعل ماض وفاعل ، والواو حالية ، وهم

٥٤٩

معرضون مبتدأ وخبر والجملة حالية ، والفرق بين الإسماعين أن يراد بالإول : ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم إسماعا يخلق لهم به الهداية والقبول ، ولو أسمعهم لا على أنه يخلق لهم الاهتداء بل إسماعا مجردا من ذلك لتولوا وهم معرضون.

الفوائد :

قال ابن هشام :

«لهجت الطلبة بالسؤال عن قوله تعالى : «ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا» وتوجيهه أن الجملتين يتركب معهما قياس ، وحينئذ فنتج : لو علم الله فيهم خيرا لتولوا ، وهذا مستحيل.

والجواب من ثلاثة أوجه : اثنان يرجعان الى نفي كونه قياسا ، وذلك بإثبات اختلاف الوسط ، أحدهما أن التقدير لأسمعهم إسماعا نافعا ولو أسمعهم إسماعا لتولوا. والثاني أن يقدر : ولو أسمعهم ، على تقدير عدم علم الخير فيهم. الثالث بتقدير كونه قياسا متحد الوسط صحيح الانتاج ، والتقدير : ولو علم الله فيه خيرا وقتا ما لتولوا بعد ذلك الوقت.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٢٤) وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (٢٥) وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ

٥٥٠

تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآواكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٢٦))

الاعراب :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) تقدم إعرابها (اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ) استجيبوا فعل أمر وفاعل ، ولله جار ومجرور متعلقان باستجيبوا ، وللرسول عطف على لله ، وإذا ظرف مستقبل ، وجملة دعاكم في محل جر بالإضافة ، ولما جار ومجرور متعلقان بدعاكم ، وجملة يحييكم صلة ما. واختلفوا في قوله «لما يحييكم» ، والأصح أنه عام شامل لكل ما فيه حياة القلوب والنجاة والعصمة في الدنيا والآخرة (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ) واعلموا عطف على استجيبوا ، وأن وما في حيزها سدت مسد مفعولي اعلموا ، وجملة يحول خبر أن ، وبين ظرف متعلق بيحول ، والمرء مضاف إليه ، وقلبه عطف على المرء. وسيأتي معنى المجاز في حيلولة الله بين المرء وقلبه في باب البلاغة (وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) عطف على أنّ الله ، وإليه جار ومجرور متعلقان بتحشرون ، وجملة تحشرون خبر أنّ (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً) واتقوا عطف على استجيبوا واعلموا ، وفتنة مفعول به ، وجملة لا تصيبن صفة لفتنة ، و «لا» على ذلك نافية ، ويجوز أن تكون معمولا لقول محذوف ، وتكون لا ناهية ، وذلك القول هو الصفة ، أي : فتنة مقولا فيها : لا تصيبن ، والنهي في

٥٥١

الصورة للمصيبة ، وفي المعنى للمخاطبين ، وقد أعربها الزمخشري إعرابا جميلا حيث قال : ما نصه بالحرف : وقوله : «لا تصيبن» لا يخلو من أن يكون جوابا للأمر أو نهيا بعد أمر ، أو صفة لفتنة. فإذا كان جوابا فالمعنى إن أصابتكم لا تصيب الظالمين منكم خاصة ولكنها تعمكم.

وهذا كما يحكى أن علماء بني إسرائيل نهوا عن المنكر تعذيرا فغمهم الله بالعذاب. وإذا كانت نهيا بعد أمر فكأنه قيل واحذروا ذنبا أو عقابا ثم ، قيل : لا تتعرضوا للظلم فيصيب العقاب أو أثر الذنب ووباله من ظلم منكم خاصة ، وكذلك إذا جعلته صفة على إرادة القول ، كأنه قيل ، واتقوا فتنة مقولا فيها لا تصيبن ، ونظيره قوله :

حتى إذا جنّ الظلام واختلط

جاءوا بمذق هل رأيت الذئب قطّ

والذين مفعول به ، وجملة ظلموا صلة ، ومنكم حال ، وخاصة منصوبة على الحال من الفاعل المستتر في قوله : لا تصيبن ، وأصلها أن تكون صفة لمصدر محذوف ، تقديره : إصابة خاصة (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) أن وما في حيزها سدت مسد مفعولي اعلموا (وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ) واذكروا عطف على اعلموا ، وإذ نصب الظرف هنا على أنه مفعول به لا ظرف ، أي : اذكروا وقت كونكم أقلة مستضعفين ، وجملة أنتم قليل مضافة للظرف ، وأنتم مبتدأ أخبر عنه بثلاثة أخبار ، وهي قليل ومستضعفون وفي الأرض (تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ) جملة تخافون صفة كالتي قبلها ، أي : خائفون ، ويجوز أن تكون حالا من الضمير في «قليل» و «مستضعفون» ،

٥٥٢

وأن وما في حيزها مفعول تخافون ، والناس فاعل يتخطفكم (فَآواكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) الفاء عاطفة ، وآواكم فعل ماض وفاعل مستتر ، وعطف عليه ما بعده ، ولعل واسمها ، وجملة تشكرون خبرها.

الفوائد :

قال ابن هشام في المغني ما نصه : «قوله تعالى : «لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة» فإنه يجوز أن تقدر لا ناهية أو نافية ، وعلى الأول فهي مقولة لقول محذوف هو الصفة ، أي : فتنة مقولا فيها ذلك ، ويرجحه أن توكيد الفعل بالنون بعد لا الناهية قياس ، نحو :«ولا تحسبن الله غافلا» وعلى الثاني فهي صفة لفتنة ، ويرجحه سلامته من تقدير القيد الثاني صلاحيتها للاستغناء عنها ، وخرج بذلك الصلة ، وجملة الخبر ، والجملة المحكية بالقول ، فإنها لا يستغنى عنها ، بمعنى أن معقولية القول متوقفة عليها.

وقال أبو حيان : «والجملة من قوله «لا تصيبن» خبرية صفة لقوله : «فتنة» ، أي : غير مصيبة الظالم خاصة. إلا أن دخول نون التوكيد على المنفي بـ «لا» مختلف فيه ، فالجمهور لا يجيزونه ، ويحملون ما جاء منه على الضرورة أو الندور. والذي نختاره الجواز ، وإليه ذهب بعض النحويين. وإذا كان قد جاء لحاقها الفعل منفيا بـ «لا» مع الفصل ، نحو قوله :

فلا ذا نعيم يتركن لنعيمه

وإن قال قرّظني وخذ رشوة أبى

٥٥٣

ولا ذا بئيس يتركنّ لبؤسه

فينفعه شكوى إليه إن اشتكى

فلأن تلحقه مع غير الفصل أولى ، نحو : ولا تصيبن.

البلاغة :

١ ـ المجاز في قوله تعالى : «يحول بين المرء وقلبه». فأصل الحول تغير الشيء وانفصاله عن غيره ، وباعتبار التغير قيل : حال الشيء يحول ، وباعتبار الانفصال قيل : حال بينهما فحقيقة كون الله يحول بين المرء وقلبه أنه يفصل بينهما ، فهو مجاز مرسل عن غاية القرب من العبد ، لأن من فصل بين شيئين كان أقرب الى كل منهما من الآخر لاتصاله بهما ، فالعلاقة المحلية أو السببية. ويجوز أن يكون الكلام استعارة تمثيلية لغاية قربه من العبد ، واطلاعه على مكنونات القلوب وسرائر النفوس.

٢ ـ واختلف في «لا» من قوله تعالى : «واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة» على قولين :

أ ـ أن «لا» ناهية ، وهو نهي بعد أمر ، أي : إنه كلام منقطع عما قبله ، كقولك : صلّ الصبح ولا تضرب زيدا ، فالأصل : اتقوا فتنة ، أي : عذابا ، ثم قيل : لا تتعرضوا للفتنة فتصيب الذين ... إلخ ، وعلى هذا فالاصابة بالمتعرضين. وتوكيد الفعل بالنون واضح لاقترانه بحرف الطلب ، مثل : «ولا تحسبنّ الله غافلا» ، ولكن وقوع الطلب صفة للنكرة ممتنع ، فوجب إضمار القول ، أي : واتقوا فتنة مقولا فيها ذلك ، كما قيل في قوله :

٥٥٤

حتى إذا جن الظلام واختلط

جاءوا بمذق هل رأيت الذئب قط

ب ـ أنها نافية ، واختلف القائلون بذلك على قولين : أحدهما أن الجملة صفة لفتنة ، ولا حاجة إلى إضمار قول ، لأن الجملة خبرية.

فلا الجارة الدنيا بها تلحينّها

ولا الضيف فيها إن أناخ محوّل

بل هو في الآية أسهل ، لعدم الفصل ، وهو فيهما سماعي. والذي جوزه تشبيه لا النافية بلا الناهية ، وعلى هذا الوجه تكون الاصابة عامة للظالم وغيره لا خاصة بالظالمين ، كما ذكره الزمخشري ، لأنها قد وصفت بأنها لا تصيب الظالمين ، خاصة ، فكيف تكون مع هذا خاصة بهم! والثاني أن الفعل جواب الأمر ، وعلى هذا فيكون التوكيد أيضا خارجا عن القياس وشاذا. وممن ذكر هذا الوجه الزمخشري ، وهو فاسد ، لأن المعنى حينئذ : فإنكم إن تتقوها لا تصب الظالم خاصة. وقوله : إن التقدير : إن أصابتكم لا تصيب الظالم خاصة ، مردود ، لأن الشرط إنما يقدر من جنس الأمر ، لا من جنس الجواب.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٢٧) وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (٢٨) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا

٥٥٥

إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (٢٩))

الاعراب :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ) لا ناهية ، وتخونوا مضارع مجزوم بلا الناهية ، والواو فاعل ، ولفظ الجلالة مفعول به ، والرسول عطف على الله (وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) الواو يجوز فيها أن تكون واو المعية ، فيكون «تخونوا» منصوبا بأن مضمرة بعدها ، لأنها وقعت جوابا للنهي ، ويجوز أن تكون عاطفة فيكون «تخونوا» مجزوما داخلا في حكم النهي. ولعل الثاني أولى ، لأن فيه النهي عن كل واحد على حدته ، بخلاف الأول ، فإن فيه النهي عن الجمع بينهما. ولا يترتب على النهي عن الجمع بين الشيئين النهي عن كل واحد على حدته. وأماناتكم مفعول به على تقدير محذوف ، أي أصحاب أماناتكم. وسيأتى بحث استعارة الخيانة في باب البلاغة ، وأنتم الواو للحال ، وأنتم مبتدأ ، وجملة تعلمون خبر ، وجملة أنتم تعلمون حالية ، وحذف مفعول يعلمون للعلم به ، أي تعلمون أن ما وقع منكم خيانة.

(وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) واعلموا عطف على مقدم ، وأنما كافة ومكفوفة ، وقد سدت مسد مفعولي اعلموا ، ولذلك فتحت همزتها ، وسيأتي بحث فتح همزة إن وكسرها في باب الفوائد ، وأموالكم مبتدأ ، وأولادكم عطف على «أموالكم» ، وفتنة خبر ، وجعل الأموال والأولاد فتنة لأنهم سبب الوقوع في الفتنة ، وهي الإثم والعذاب ، أو محنة وابتلاء من الله ليسبر ، غوركم ، ويكتنه حقيقتكم ،

٥٥٦

فما عليكم ـ والأمر بهذه المثابة ـ إلا توطين النفس على الإخلاص والتزهد في زخارف الدنيا ، وعدم الاغترار بأباطيلها وأفاويقها ، وأن الله عطف على أنما أموالكم وأولادكم ، وأن واسمها ، وعنده الظرف خبر مقدم ، وأجر مبتدأ مؤخر ، والجملة خبر «أن» ، وفي هذا صارف لكم عن حب الدنيا وإيثارها على ما عند الله ، وهو خير وأبقى. وفي هذا كله حث على اكتساب الأجر ، وحسن الأحدوثة ، وخلود الذكر.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً) إن شرطية ، وتتقوا فعل الشرط ، ولكم جار ومجرور متعلقان بيجعل ، وفرقانا مفعول به ، أي : نصرا يفرق بين الحق والباطل ، وبين الكفر بإذلال مشايعيه ، والإسلام بتعزيز مناجديه ، أو منجاة من الشبهات التي تزيغ فيها الضمائر ، وتضل الأفهام ، وتعشو النواظر عن رؤية الحق.

هذا وقد اختلف في «الفرقان» هنا ، فقال بعضهم : هو ما يفرق به بين الحق والباطل ، والمعنى أنه يجعل لهم من ثبات القلوب ، وثقوب البصائر ، وحسن الهداية ، ما يفرقون به بينهما عند الالتباس. وقيل :الفرقان المخرج من الشبهات ، والنجاة من كل ما يخافونه ، ومنه قول الشاعر :

مالك من طول الأسى فرقان

بعد قطين رحلوا وبانوا

ومنه قول الآخر :

وكيف أرجّي الخلّ والموت طالبي

ومالي من كأس المنية فرقان

٥٥٧

وقال الفرّاء : المراد بالفرقان : الفتح والنصر. وقال ابن اسحق : الفرقان الفصل بين الحق والباطل. وقال السّدّيّ : الفرقان النجاة.

(وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ) عطف على ما تقدم (وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) الواو استئنافية ، والله مبتدأ ، وذو الفضل خبره ، والعظيم صفة للفضل.

البلاغة :

الاستعارة في «لا تخونوا أماناتكم» فالخون في الأصل هو النقص ، ومنه تخوّنه إذا تنقّصه ، ثم استعير فيما هو ضد الأمانة والوفاء ، لأنك إذا خنت الرجل في شيء فقد أدخلت النقصان عليه.

وقد استعير أيضا في قولهم خان الدلو الكرب. والكرب هو ـ كما في الصحاح ـ حبل يشد في رأس الدلو. وخان المشتار السبب ، والمشتار مجتني العسل ، والسّبب الحبل ، وإذا انقطع الحبل فيهما فكأنه لم يقف. والاستعارة هنا تصريحية تبعية.

الفوائد :

مواضع كسر همزة إن :

يجب أن تكسر همزة (إن) حيث لا يصح أن يسدّ المصدر مسدها ومسد معمولها ، وذلك في اثني عشر موضعا :

١ ـ أن تقع في ابتداء الكلام حقيقة كقوله تعالى : «إنا أنزلناه في ليلة القدر» أو حكما كقوله تعالى : «ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون».

٥٥٨

٢ ـ أن تقع بعد «حيث» ، نحو : اجلس حيث إن العلم موجود.

٣ ـ أن تقع بعد «إذ» ، نحو جئتك إذ إن الشمس تطلع.

٤ ـ أن تقع تالية للموصول ، نحو «وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة».

٥ ـ أن تقع جوابا للقسم نحو : والله إن العلم نور ، وقوله تعالى : «والعصر إن الإنسان لفي خسر».

٦ ـ أن تقع بعد القول محكية به ، كقوله تعالى : «قال : إني عبد الله» فإن كان القول بمعنى الظن لم تكسر ، مثل أتقول أن عبد الله يقول كذا؟ أي : أتظن. وإن كانت غير محكية بالقول لم تكسر أيضا ، نحو : أخصك بالقول أنك فاضل ، فهي هنا بمعنى التعليل ، أي : لأنك فاضل ، فهي مع ما في حيزها منصوبة بنزع الخافض.

٧ ـ أن تقع مع ما بعدها حالا ، نحو : جئت وإن الشمس تغرب ، ومنه قوله تعالى : «كما أخرجك ربك من بيتك بالحق ، وإن فريقا من المؤمنين لكارهون».

٨ ـ أن تقع مع ما بعدها صفة لما قبلها ، نحو : جاء رجل إنه فاضل.

٩ ـ أن تقع صدر جملة استئنافية ، نحو : فلان يزعم أني أسأت إليه ، إنه لكاذب. وهذه من الواقعة ابتداء.

١٠ ـ أن تقع في خبرها لام الابتداء أو اللام المزحلقة ، كما

٥٥٩

يسميها النحاة كقوله تعالى «والله يعلم إنك لرسوله ، والله يشهد إن المنافقين لكاذبون».

١١ ـ أن تقع مع ما في حيزها خبرا عن اسم ذات ، نحو علي إنه فهفل. ومنه قوله تعالى : «إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم» ، فجملة :

«إن الله يفصل بينهم» خبر إنّ الذين آمنوا ، وما عطف عليه ، لأنها أسماء.

١٢ ـ أن تقع بعد «كلّا» الرادعة ، كقوله تعالى : «كلا إن الإنسان ليطغى».

مواضع فتح همزة أن :

ويجب فتح همزة (أن) حيث يصح أن يسد المصدر مسدها ومسد معموليها ، وذلك في أحد عشر موضعا :

١ ـ أن تكون وما في حيزها في موضع الفاعل ، نحو : بلغني أنك مجتهد ، ومنه قوله تعالى : «أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب».

ومن ذلك أن تقع بعد «لو» ، نحو «ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة من عند الله خير» فما بعد «أن» في تأويل مصدر مرفوع فاعل لفعل محذوف تقديره ثبت ، واللام لام الجواب فالجملة بعدها جواب «لو».

٢ ـ أن تكون وما في حيزها في موضع نائب الفاعل ، نحو قوله تعالى «قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن» أي استماع نفر.

٥٦٠