إعراب القرآن الكريم وبيانه - ج ٣

محيي الدين الدرويش

إعراب القرآن الكريم وبيانه - ج ٣

المؤلف:

محيي الدين الدرويش


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: اليمامة للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٥٧٦

وهم مبتدأ ومبصرون خبر (وَإِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ) اضطربت أقوال المعربين والمفسرين في هذه الآية ، وتفاديا للضياع في متاهات الأقوال المتشعبة نجتزئ بأشهر الأقوال وأقربها الى العقل والمنطق ، فنقول : وإخوانهم : الواو استئنافية ، وإخوانهم مبتدأ ، والضمير فيه يعود على الشيطان ، لأنه لا يراد به الواحد بل الجنس ، والضمير المنصوب في يمدونهم يعود على الكفار ، والمرفوع يعود على الشيطان ، والتقدير وإخوان الشياطين تمدهم الشياطين ، وعلى هذا فالخبر جار على غير من هو له في المعنى ، ألا ترى أن الإمداد مسند الى الشياطين ، وهو في اللفظ خبر عن إخوانهم؟ قال الزمخشري : وهذا الوجه أوجه ، لأن «إخوانهم» في مقابلة «الذين اتقوا» ، وفي الغي جار ومجرور متعلقان بيمدونهم ، وثم حرف عطف وتراخ ، ولا يقصرون عطف على يمدونهم ، ولا نافية. وهناك أوجه ترجع من حيث النتيجة إليه ، فنكتفي به (وَإِذا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قالُوا : لَوْ لا اجْتَبَيْتَها) الواو حرف عطف ، وإذا ظرف مستقبل متضمن معنى الشرط ، وجملة لم تأتهم في محل جر بالإضافة ، وبآية جار ومجرور متعلقان بتأتهم ، وجملة قالوا لا محل لها من الإعراب ، ولو لا حرف تحضيض ، فالكلام طلبيّ ، أي : اجتبها واخترعها من عند نفسك ، كما هي عادتك (قُلْ إِنَّما أَتَّبِعُ ما يُوحى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي) إنما كافة ومكفوقة ، وأتبع فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر تقديره أنا ، وما اسم موصول في محل نصب مفعول به ، وجملة يوحى بالبناء للمجهول لا محل لها لأنها صلة الموصول ، وإلي جار ومجرور متعلقان بيوحى ، ومن ربي جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال (هذا بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) هذه الجملة تتمة لقول القول ، داخلة في حيزه ، وهذا اسم إشارة في محل رفع مبتدأ ، وبصائر خبره ، ومن

٥٢١

ربكم جار ومجرور متعلقان بمحذوف صفة لبصائر ، وهدى عطف على بصائر ، وكذلك رحمة ولقوم جار ومجرور متعلقان برحمة ، وجملة يؤمنون صفة لقوم (وَإِذا قُرِئَ ، الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) الواو استئنافية ، والجملة مستأنفة ، ويحتمل أن تكون عاطفة ، والكلام من جملة المقول المأمور به ، وإذا شرط مستقبل ، وجملة قرئ القرآن في محل جر بالإضافة ، والقرآن نائب فاعل ، والفاء رابطة ، وجملة استمعوا له لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم ، وله جار ومجرور متعلقان باستمعوا ، واختلف في الاستماع والمراد به ، وأظهر الأقوال أنه الاستماع والإنصات وقت قراءة القرآن في صلاة أو غير صلاة ، وقيل : معنى «فاستمعوا» :فاعملوا بما فيه ولا تجاوزوه. ولعل واسمها ، وجملة ترحمون خبرها ، وجملة الرجاء حالية (وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً) الواو عاطفة ، واذكر فعل أمر ، وربك مفعول به ، وفي نفسك جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال ، وهو عام في الأذكار ، وتضرعا وخيفة في نصبهما وجهان : أحدهما أنهما مفعولان لأجلهما ، والثاني أنهما مصدران وقعا موقع الحال ، أي : متضرعين خائفين (وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ) الواو عاطفة ، ودون ظرف متعلق بمحذوف معطوف على في نفسك ، أي : في السّرّ وفي الجهر ، ومن القول جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال ، وبالغدو والآصال جار ومجرور متعلقان باذكر ، والواو عاطفة ، ولا ناهية ، وتكن فعل مضارع ناقص مجزوم بلا الناهية ، ومن الغافلين جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر (إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ) كلام مستأنف مسوق لذكر المؤمنين الذين استأهلوا القرب من الله. وإن واسمها ، وعند ربك ظرف متعلق بمحذوف لا محل له من

٥٢٢

الاعراب ، لأنه صلة الموصول ، وجملة لا يستكبرون خبر إن ، والمراد بالعندية القرب من الله والزلفى إليه ، وعن عبادته جار ومجرور متعلقان بيستكبرون ، ويسبحونه عطف على ما تقدم ، وله الواو عاطفة والجار والمجرور متعلقان بيسجدون ، ويسجدون عطف على يسبحونه ، ويجوز ان تكون الواو حالية أو استئنافية ، وجملة يسبحونه خبر لمبتدأ محذوف ، أي : وهم يسبحونه.

الفوائد :

وهذا فصل ممتع للإمام الغزالي ننقل بعضه لمناسبته ونفاسته.

قال : «ولأجل شرف ذكر الله عظمت رتبة الشّهادة ، لأنّ المطلوب الخاتمة ، ونعني بالخاتمة وداع الدنيا والقدوم على الله تعالى ، والقلب مستغرق بالله عز وجل ، فلا يقدر على أن يموت على تلك الحالة إلا في صف القتال ، فانه قطع الطّمع عن مهجته وأهله ، وماله وولده ، بل من الدنيا كلّها ، فإنه يريدها لحياته. وقد هون على قلبه حياته في حب الله عز وجل ، وطلب مرضاته ، فلا تجرّد أعظم من ذلك ، ولذلك عظم أمر الشّهادة.

ولما استشهد عبد الله بن عمرو الأنصاريّ يوم أحد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجابر : ألا أبشّرك يا جابر؟ قال : بلى بشّرك الله بالخير ، قال : إنّ الله أحيا أباك فأقعده بين يديه ، وليس بينه وبينه حجاب ولا رسول. فقال تعالى : تمنّ عليّ يا عبدي ، ما شئت أعطيكه.

فقال : يا ربّ! إن تردّني إلى الدنيا حتّى أقتل فيك وفي نبيّك مرّة أخرى. فقال الله عزّ وجل : سبق القضاء منّي بأنهم إليها لا يرجعون.

ثم القتل سبب الخاتمة على مثل هذه الحالة.

٥٢٣

وصيّة عمر لبعض قوّاده :

وتعجبني دعوة عمر بن الخطاب إلى ذكر الله وخشيته ، رجاء غوثه ورحمته ، في وصية لبعض قواده : «أوصيك ومن معك من الأجناد بتقوى الله على كل حال ، فإن تقوى الله أفضل العدّة على العدو ، وأقوى المكيدة في الحرب ، وأن تكون أنت ومن معك أشدّ احتراسا من المعاصي فيكم من عدوّكم ، فإنّ ذنوب الجيش أخوف عليهم من عدوهم ، ولو لا ذلك لم تكن لنا بهم قوة ، لأن عددنا ليس كعددهم ، ولا عدّتنا كعدّتهم ، فإن استوينا في المعصية كان لهم الفضل علينا في القوة ، وإن لا ننصر عليهم بطاعتنا لم نغلبهم بقوتنا ، واعلموا أن عليكم في سيركم حفظة من الله ، يعلمون ما تفعلون ، فاستحيوا منهم ، واسألوا الله العون على أنفسكم ، كما تسألونه النصر على عدوكم».

٥٢٤

سورة الأنفال

مدنيّة وآياتها خمس وسبعون

(يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٢) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (٣) أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٤))

اللغة :

(الْأَنْفالِ) : جمع نفل ، بفتح النّون والفاء ، كفرس وأفراس ، والمراد بها الأغنام. والنّفل : الزيادة والغنيمة. ومنه قول لبيد :

٥٢٥

إنّ تقوى ربّنا خير نفل

وبإذن الله ريثي وعجل

شبّه لبيد الثّواب الّذي وعده الله عباده على التقوى بالنفل ، وهو ما يعده الإمام المجاهد تحريضا على اقتحام الحرب ، فاستعار النفل نه على طريق الاستعارة التصريحيّة ، وأخبر به عن التّقوى ، لأنّها سببه. ويجوز استعارة النفل للتقوى بجامع النفع. وريثي : بطئي ، وعجل : أي عجلي ، فحذفت الياء لوزن الشعر. وفي المصباح : النّفل :الغنيمة : والجمع أنفال ، مثل سبب وأسباب ، والنّفل بسكون الفاء :مثله.

(وَجِلَتْ) وجل بالكسر في الماضي ، يؤجل بالفتح في المضارع ، وفيه لغة أخرى ، وهي وجل بفتح الجيم في الماضي ، وكسرها في المضارع ، فتحذف الواو ، كوعد يعد.

الاعراب :

(يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ) كلام مستأنف مسوق لتقرير تشريع الغنيمة في الجهاد ، ويسألونك فعل مضارع وفاعل ومفعول به ، والضمير الفاعل هو من سأل هذا السّؤال ، ممن حضروا غزوة بدر. وسأل يكون تارة لا قتضاء معنى في نفس المسئول ، فيتعدى الى الثاني بعن ، كهذه الآية ؛ وقد يكون لاقتضاء مادة أو مال ، فيتعدّى لاثنين نحو سألت زيدا مالا. وعن الأنفال متعلقان بيسألونك كما تقدم ، وقل فعل أمر والأنفال مبتدأ ولله خبره والجملة الاسمية في محل نصب مقول القول والرسول عطف على الله (فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) الفاء

٥٢٦

الفصيحة ، واتقوا فعل أمر وفاعل ، ولفظ الجلالة مفعول به ، وأصلحوا عطف على اتقوا ، وذات بينكم مفعول به ، ومعنى ذات بينكم : ما بينكم من الأحوال ، حتى تكون أحوال ألفة ومحبّة واتّفاق. فالبين هنا بمعنى الاتّصال ، ويطلق أيضا على الفراق ، فهو من الأضداد.

وإن شرطية ، وكنتم فعل الشرط ، والتاء اسمها ، ومؤمنين خبرها ، والجواب محذوف لدلالة ما قبله عليه (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ) إنما كافة ومكفوفة ، والمؤمنون مبتدأ ، والجملة مستأنفة مسوقة لبيان من أراد بالمؤمنين ، بذكر أوصافهم الجليلة المستتبعة لما ذكر من الخصال الثلاث الآتية ، والذين خبر ، وإذا ظرف لما يستقبل متضمن معنى الشرط ، وجملة ذكر الله في محل جر بالإضافة ، والله نائب فاعل ، وجملة وجلت قلوبهم لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم (وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً) عطف على الصفة الأولى ، وجملة زادتهم لا محل لها ، وإيمانا مفعول به ثان أو تمييز (وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) صفة ثالثة داخلة في نطاق الصلة للموصول ، وعلى ربهم جار ومجرور متعلقان بيتوكلون ، والتقديم يفيد الاختصاص ، أي : عليه لا على غيره (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) وأردف الصفات الثلاث المتقدمة ـ وهي من أفعال القلوب ، وهي الخشية والإخلاص والتوكل ـ بصفتين من أعمال الجوارح ، وهما إقامة الصلاة والصدقة. وقد تقدم إعراب نظائرها (أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا) اسم الاشارة مبتدأ ، وهم ضمير فصل أو خبر ثان ، والمؤمنون خبر على كل حال ، والجملة خبر اسم الإشارة ، والجملة مستأنفة ، وحقا صفة لمصدر محذوف ، أي هم المؤمنون إيمانا حقا ، ويجوز أن يكون مصدرا مؤكدا لمضمون الجملة ، كقولك : هو عبد الله حقا (لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) لهم جار ومجرور

٥٢٧

متعلقان بمحذوف خبر مقدم ، ودرجات مبتدأ مؤخر ، وعند ربهم ظرف متعلق بدرجات لأنها بمعنى أجور أو يتعلق بمحذوف صفة لدرجات لأنها نكرة ، ومغفرة ورزق كريم عطف على درجات.

الفوائد :

روى التاريخ أن الاختلاف وقع بين المسلمين في غنائم بدر وقسمتها فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم : كيف نقسم؟ ولمن الحكم في قسمتها؟ أللمهاجرين أم للأنصار؟ أم لهم جميعا؟ فقيل لهم : هي للرسول وهو الحاكم فيها خاصة يحكم فيها ما يشاء ، ليس لأحد غيره فيها حكم ، وقيل : شرط لمن كان له بلاء في ذلك اليوم أن ينفله فتسارع شبّانهم حتى قتلوا سبعين وأسروا سبعين ، فلما يسر الله الفتح اختلفوا فيما بينهم وتنازعوا ، فقال الشبان : نحن المقاتلون ، وقال الشيوخ الوجوه الذين كانوا عند الرايات : إنا كنا رداءا لكم ، وفئة تنحازون إليها إن انهزمتم ، وقالوا لرسول الله : المغنم قليل والناس كثير ، وإن تعط هؤلاء ما شرطت لهم حرمت أصحابك فنزلت.

قصة سعد بن أبي وقاص :

وعن سعيد بن أبي وقّاص : قتل أخي عمير يوم بدر فقتلت به سعيد بن العاص وأخذت سيفه فأعجبني فجئت به الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : إن الله قد شفى صدري من المشركين فهب لي هذا السيف فقال : ليس هذا لي ولا لك اطرحه في القبض ، يعني المال المقبوض ، فطرحته وبي مالا يعلمه إلا الله تعالى من قتل أخي وأخذ سلبي ، فما جاوزت إلا قليلا حتى جاءني رسول الله وقد أنزلت سورة

٥٢٨

الأنفال فقال : يا سعد إنك سألتني السيف وليس لي وأنه قد صار لي فاذهب وخذه.

رواية عبادة بن الصامت :

وعن عبادة بن الصامت : نزلت فينا معشر أصحاب بدر ، حين اختلفنا في النفل ، وساءت فيه أخلاقنا فنزعه الله من أيدينا فجعله لرسول الله فقسمه بين المسلمين على السواء وكان في ذلك تقوى الله وطاعة رسوله وإصلاح ذات البين.

(كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ (٥) يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ ما تَبَيَّنَ كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (٦) وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ (٧) لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (٨) إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ (٩))

٥٢٩

اللغة :

(الشَّوْكَةِ) للشوكة معان كثيرة وهي هنا بمعنى البأس والقوة والسلاح ، وحدته على أن جميع معانيها ترجع الى معنى التفوق والظهور والغلبة ، ومن معانيها إبرة العقرب ، وحمرة تعلو الجسد ، والنكاية في العدوّ ، يقال : لا تشوكك مني شوكة ، أي لا يلحقك مني أذى.

وشوكة الحائك : الآلة التي يسوّى بها السدى واللحمة ، ويقال :شاكت إصبعه شوكة ، وشوّكت النخلة : خرج شوكها ، وشوكت الحائط : جعلت عليه الشوك ، ومن المجاز : شوّك الزرع وزرع مشوّك إذا خرج أوله ، وشوّك ثدي الجارية وتشوّك : إذا بدأ خروجه.

قال :

أحببت هذي قديما وهي ماشية

وما تشوّك ثدياها وما نهدا

وإذا استعرضنا مادة الشين والواو فاء وعينا للكلمة وجدنا خاصة عجيبة لها كأنها قد وضعت خاصة لمعاني الظهور والتأثير والارتفاع والتفوق ، فالشوب : خلط الشيء بغيره بحيث يؤثر فيه ، يقال : شاب العسل بالماء وكأن ريقتها خمر يشوبها عسل ، ولهم المشاجب والمشاوب وهي أسفاط وحقق تتحذ من الخوص ، وشوّرت به فتشوّر ومنه قيل : أبدى الله شوارك أي عورتك ، وفي حديث الزّبّاء : أشوار عروس ترى؟ وهذا من عجيب أمر لغتنا العربية الشريفة فافهم وتدبر.

الاعراب :

(كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ) كما يجوز أن تكون الكاف

٥٣٠

بمعنى مثل ومحلها الرفع على أنها خبر لمبتدأ محذوف تقديره : هذه الحال كحال اخراجك ، ويجوز أن تكون حرفا جارا ، ومحل الجار والمجرور الرفع كما تقدّم والمعنى : ان حالهم في كراهة ما رأيت من تنفيل الغزاة مثل حالهم في كراهة خروجك للحرب ، ويجوز أن يكون محلها النصب على أنها صفة لمصدر الفعل المقدر في قوله : الأنفال لله والرسول ، أي الأنفال استقرت لله والرسول وثبتت مع كراهتهم ثباتا مثل ثبات إخراج ربك إياك من بيتك وهم كارهون. وقد توسّع المعربون القدامى في التقدير والتأويل ، وأنهاها بعضهم الى عشرين وجها ولكنها لا تخرج عما ذكرناه. ومن بيتك جار ومجرور متعلقان بأخرج ، وبالحق جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال أي ملتبسا بالحق والحكمة والصواب الذي لا محيد عنه ، وسيأتي في باب الفوائد ذكر بعض الحوادث التاريخية التي توضح هذا المعنى والاعراب (وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ) الواو حالية وإن واسمها ومن المؤمنين جار ومجرور متعلقان بمحذوف صفة ، واللام المزحلقة وكارهون خبر إن ، والجملة في محل نصب حال من الكاف في أخرجك ، أي أخرجك في حالة كراهتهم (يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ ما تَبَيَّنَ) الجملة مستأنفة مسوقة للإخبار عن حالهم بالمجادلة ، ويجوز أن تكون حالا ثانية من الكاف أي أخرجك في حال مجادلتهم إياك أو من الضمير في كارهون أي لكارهون في حال الجدال ، وفي الحق جار ومجرور متعلقان بيجادلونك وبعد ظرف زمان متعلق بيجادلونك وما مصدرية وهي وما في حيزها مصدر مضاف للظرف أي بعد تبينه وخروجه وهو أقبح من الجدال في الشيء قبل اتضاحه (كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ) الجملة حالية من الضمير في «لكارهون» أي حال كونهم مشبهين بالذين يساقون بالعنف والصغار الى القتل ، وكأنما كافة

٥٣١

ومكفوفة ، ويساقون فعل مضارع مبني للمجهول والواو نائب فاعل والى الموت جار ومجرور متعلقان بيساقون ، والواو حالية وهم ينظرون جملة في محل نصب على الحال. (وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ) الواو عاطفة وإذ ظرف متعلق بفعل محذوف أي «واذكر إذ» وجملة يعدكم الله في محل جر بالإضافة وإحدى الطائفتين مفعول به ، ولا بد من تقدير محذوف ، أي : الظفر بإحدى الطائفتين ، والطائفتان العير والنفير (أَنَّها لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ) ان واسمها ولكم جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر ، وأن وما في حيزها بدل اشتمال من أحد الطائفتين ، وتودون : الواو حالية أو عاطفة ، وتودون فعل مضارع مرفوع وعلامة بثبوت النون والواو فاعل ، وأن وما في حيزها مفعول تودّون ، وجملة تكون خبر أن ، ولكم جار ومجرور لكم العير لأنها الطائفة التي لا شوكة لها ولا تريدون الطائفة الأخرى (وَيُرِيدُ اللهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ) الواو عاطفة ويريد الله فعل وفاعل وأن مصدرية وهي وما في حيزها مفعول يريد ، وبكلماته جار ومجرور متعلقان بيحق. ويقطع دابر الكافرين جملة معطوفة ، وقطع الدابر عبارة عن الاستئصال (لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ) اللام للتعليل ويحق فعل مضارع منصوب بأن مضمرة واللام وما في حيزها متعلقان بمحذوف تقديره فعل ذلك ليحق الحق ويبطل الباطل وليس هذا تكريرا لما قبله لأن الأول خاص والثاني عام فالمراد بالأول تثبيت ما وعد به في هذه الواقعة من النصر والظفر. والمراد بالثاني تدعيم الدين وتقويته وإظهار الشريعة وتثبيتها.

(إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ) الظرف متعلق بمحذوف ، أي : واذكروا ، ويجوز أن يتعلق بيحق ، وعبّر بالحق حكاية للحال الماضية ولذلك عطف عليه : فاستجاب لكم بصيغة الماضي (فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ) الفاء عاطفة كما تقدم ولكم جار ومجرور

٥٣٢

متعلقان باستجاب وإن وما في حيزها في محل نصب بنزع الخافض أي :بأني ممدكم ، والجار والمجرور متعلقان باستجاب أيضا ، وممدكم خبر إن ، وبألف جار ومجرور متعلقان بممدكم ومن الملائكة جار ومجرور متعلقان بمحذوف صفة لألف ، ومردفين صفة ثانية ومفعول مردفين محذوف لأنه اسم فاعل أي أمثالهم أي متبعين بعضهم بعضا ، أو متبعين بعضهم لبعض.

الفوائد :

ما يقوله التاريخ؟ :

أقبلت عير قريش من الشام فيها تجارة عظيمة ومعها أربعون راكبا ، منهم أبو سفيان وعمرو بن العاص وعمرو بن هشام ، فأخبر جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبر المسلمين فأعجبهم تلقّي العير لكثرة الخير وقلة القوم ، فلما خرجوا بلغ أهل مكة خبر خروجهم فنادى أبو جهل فوق الكعبة : يا أهل مكة ، النجاء النجاء على كل صعب وذلول ، عيركم أموالكم إن أصابها محمد فلن تفلحوا بعدها أبدا ، ثم خرج أبو جهل بجميع أهل مكة وهم النفير في المثل السائر : لا في العير ولا في النفير فقيل له : إن العير أخذت طريق الساحل ونجت فارجع بالناس الى مكة ، فقال : لا والله لن يكون ذلك أبدا حتى ننحر الجزور ونشرب الخمور ، ونقيم القينات والمعازف ببدر فيتسامع العرب بمخرجنا ، وإن محمدا لم يصب العير وإنا قد أعضضناه فمضى بهم الى بدر ، وبدر ماء كانت العرب تجمع فيه نوقهم يوما في السنة ، فنزل جبريل فقال : يا محمد إن الله وعدكم إحدى الطائفتين : إما العير وإما فريشا ، فاستشار النبي أصحابه وقال : ما تقولون؟ إن القوم قد خرجوا

٥٣٣

من مكة على كل صعب وذلول فالعير أحبّ إليكم أم النفير؟ قالوا : بل العير أحب إلينا من لقاء العدوّ ، فتغيّر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ردّ عليهم فقال : إن العير قد مضت على ساحل البحر وهذا أبو جهل قد أقبل فقالوا : يا رسول عليك بالعير ودع العدوّ ، فقام عند غضب النبي أبوبكر وعمر فأحسنا ثم قام سعد بن عبادة فقال : انظر أمرك فو الله لو سرت بنا الى عدن لسرنا ما تخلّف رجل ، ثم قال المقداد : يا رسول الله امض لما أمرك الله فإنا معك حيث لا نقول لك كما قال بنو إسرائيل لموسى : اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون ، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون ما دامت منا عين تطرف ، فضحك رسول الله ثم قال : أشيروا علي أيها الناس وهو يريد الأنصار لأنهم قالوا له حين بايعوه على العقبة إنا برآء من ذمامك حتى تصل الى ديارنا فإذا وصلت إلينا فأنت في ذمامنا نمنعك ما نمنع منه آباءنا ونساءنا ، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يتخوف أن تكون الأنصار لا ترى عليهم نصرته إلا على عدو دهمه بالمدينة ، فقام سعد ابن معاذ فقال : لكأنك تريدنا يا رسول الله ، قال : أجل ، قال : قد آمنا بك وصدّقناك وشهدنا أن ما جئت به هو الحق وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة فامض يا رسول الله لما أردت ، فو الذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلّف منا رجل واحد ، وما نكره أن تلقى بنا عدونا وإنا لصبر عند الحرب ، صدق عند اللقاء ، ولعل الله يريك منا ما تقرّ به عينك فسر بنا على بركة الله ، ففرح رسول الله ثم قال : سيروا على بركة الله وأبشروا فإن الله وعدني إحدى الطائفتين ، والله لكأني الآن أنظر الى مضارع القوم. وقد أطلنا في الاقتباس لأهمية هذا الفصل وبلاغته.

٥٣٤

خلاصة مفيدة لأقوال المعربين في «كما» :

اختلفوا على خمسة عشر قولا :

١ ـ ان «الكاف» بمعنى واو القسم و «ما» بمعنى «الذي» واقعة على ذي العلم وهو الله ، وجواب القسم يجادلونك. قاله أبو عببيدة.

٢ ـ إن الكاف بمعنى «إذا» و «ما» زائدة والتقدير : اذكر إذ جاءك ٣ ـ إن الكاف بمعنى «على» و «ما» بمعنى «الذي».

٤ ـ وقال عكرمة : التقدير : وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين ، كما أخرجكم في الطاعة خير لكم كان إخراجك خيرا إليهم.

٥ ـ قال الكسائي : كما أخرجك ربك من بيتك على كراهة من فريق منهم كذلك يجادلونك في قتال كفار مكة ويودون غير ذات الشوكة من بعد ما تبين لهم أنك إنما تفعل ما أمرت به لا ما يريدون.

٦ ـ قال الفراء : امض لأمرك في الغنائم ونفّل من شئت إن كرهوا كما أخرجك ربك.

٧ ـ قال الأخفش : الكاف نعت لـ «حقا» والتقدير : هم المؤمنون حقا كما.

٨ ـ ان الكاف في موضع رفع ، والتقدير : كما أخرجك ربك فاتقوا الله كأنه ابتداء وخبر.

٥٣٥

٩ ـ قال الزجاج : الكاف في موضع نصب ، والتقدير : الأنفال ثابتة لله ثباتا كما أخرجك ربك.

١٠ ـ إن الكاف في موضع رفع ، والتقدير : لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم ، وهذا وعد حق كما أخرجك.

١١ ـ إن الكاف في موضع رفع أيضا ، والمعنى : وأصلحوا ذات بينكم ذلكم خير لكم كما أخرجك ، فالكاف نعت لخبر ابتداء محذوف.

١٢ ـ إنه شبه كراهية أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بخروجه من المدينة حين تحققوا خروج قريش للدفع عن أبي سفيان وحفظ غيره بكراهيتهم نزع الغنائم من أيديهم وجعلها للرسول أو التنفيل منها ، وهذا القول أخذه الزمخشري وحسّنه فقال : «يرتفع الكاف على أنه خبر مبتدأ محذوف تقديره هذا الحال كحال اخراجك».

١٣ ـ ان قسمتك للغنائم حق كما كان خروجك حقا.

١٤ ـ إن التشبيه وقع بين اخراجين ، أي : اخراجك ربك إياك من بيتك وهو مكة وأنت كاره لخروجك وكانت عاقبة ذلك الخير والنصر والظفر كاخراج ربك إياك من المدينة وبعض المؤمنين كاره يكون عقيب ذلك الظفر والنصر.

١٥ ـ الكاف للتشبيه على سبيل المجاز كقول القائل لعبده : كما وجهتك الى أعدائي فاستضعفوك وسألت مددا فأمددتك وقوّيتك فخذهم الآن فعاقبهم بكذا ، وكم كسوتك وأجريت عليك الرزق فاعمل كذا وكما أحسنت إليك فاشكرني عليك.

وواضح أن مرجع هذه الأوجه واحد فتدبر والله يعصمك.

٥٣٦

البلاغة :

١ ـ التشبيهات التمثيلية الواردة في الآيات قد أشرنا إليها أثناء الإعراب لعلاقتها الوثيقة به.

٢ ـ العموم والخصوص في قوله تعالى «ليحق الحق ويبطل الباطل» بعد قوله : «يريد الله أن يحق الحق بكلماته». والتحقيق في التمييز بين الكلامين أن الأول ذكرت فيه الارادة مطلقة غير مقيدة بالواقعة الخاصة كأنه قيل : وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم ، ومن شأن الله تعالى إرادة تحقيق الحق وتمحيق الكفر على الإطلاق ولإرادته أن يحق الحق ويبطل الباطل خصكم بذات الشوكة ، فبين الكلامين عموم وخصوص واطلاق وتقييد ، ولا يخفى ما في ذلك من المبالغة في تأكيد المعنى بذكره على وجهين : اطلاق وتقييد.

(وَما جَعَلَهُ اللهُ إِلاَّ بُشْرى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (١٠) إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ (١١))

الاعراب :

(وَما جَعَلَهُ اللهُ إِلَّا بُشْرى) الواو استئنافية أو عاطفة على ما تقدم ،

٥٣٧

وما نافية ، وجعله الله فعل ومفعول به وفاعل ، والضمير يعود للامداد ، وإلا أداة حصر وبشرى مفعول لأجله مستثنى من أعم العلل (وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ) الواو عاطفة واللام للتعليل وتطمئن فعل مضارع منصوب أن مضمرة بعدها والجار والمجرور عطف على بشرى ، وجر المفعول من أجله باللام هنا لفقد شرط النصب وهو اتحاد الفاعل ، وقلوبكم فاعل تطمئنّ (وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ) الواو استئنافية أو حالية أيضا ، وما نافية والنصر مبتدأ ، وإلا أداة حصر ، ومن عند الله جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر (إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) الجملة الاسمية تعليل لما تقدم (إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ) إذ ظرف مبدل من إذ يعدكم وهو ثاني بدل كما تقدم ، وجملة يغشيكم النعاس في محل جر بالاضافة والنعاس مفعول به وأمنة حال أو مفعول من أجله ، ومنه جار ومجرور متعلقان بمحذوف صفة لأمنة (وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ) وينزل عطف على يغشيكم وعليكم جار ومجرور متعلقان بينزل وكذلك من السماء ، وماء مفعول به ، وليطهركم : اللام للتعليل ويطهركم فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعدها ، وبه جار ومجرور متعلقان بيطهركم (وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ) جمل معطوفة على ما تقدم والضمير في به يعود على الماء حتى يسهل المشي على الرمال لأن العادة ان المشي عليها عسر فإذا نزل عليه الماء جمد ، وسهل المشي عليه وقيل الضمير يعود على الربط لأن القلب إذا تمكن فيه الصبر والجرأة ثبت الأقدام في مواطن القتال.

٥٣٨

(إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ (١٢) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشاقِقِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (١٣) ذلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكافِرِينَ عَذابَ النَّارِ (١٤))

اللغة :

(البنان) : الأصابع كما في المصباح أو أطرافها ، الواحدة : بنانة.

وقال أبو الهيثم : البنان : المفاصل وكل مفصل بنانة. وقيل : البنان الأصابع من اليدين والرجلين وجميع المفاصل من كل الأعضاء.

(شَاقُّوا) : خالفوا والمشاقّة مشتقة من الشق لأن كلا المتعاديين في عدوة خلاف عدوة صاحبه وكذلك المخاصمة لأن هذا في خصم أي في جانب وذلك في خصم.

الاعراب :

(إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ) الظرف يجوز أن يكون بدلا ثالثا من إذ يعدكم ويجوز أن ينتصب بيثبت أو أن يكون معمولا لمحذوف ، أي : «اذكر» وجملة يوحي ربك في محل جر بالاضافة ، والى الملائكة جار ومجرور متعلقان بيوحي ، وأني وما في حيزها مفعول يوحي ومعكم ظرف متعلق بمحذوف خبر أني (فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا) الفاء الفصيحة أي إذا ثبت هذا فثبتوا الذين آمنوا بتبشيرهم بالنصر ، والذين مفعول به وجملة آمنوا لا محل لها لأنها صلة الموصول (سَأُلْقِي

٥٣٩

فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ) يجوز أن تكون الجملة تفسيرا لقوله :إني معكم فثبتوا ، ولا معونة أوكد وأجدى من إلقاء الرعب في قلوب الأعداء ، ويجوز أن تكون مستأنفة ، وفي كلتا الحالين لا محل لها من الاعراب ، وفي قلوب جار ومجرور متعلقان بألقي ، والرعب مفعول به لألقي ، وجملة كفروا لا محل لها لأنها صلة الموصول (فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ) فعل أمر وفاعل ، وفوق ظرف متعلق باضربوا والمفعول به محذوف ، أي فاضربوهم فوق الأعناق ، ويجوز أن تكون «فوق» مفعولا به على الاتساع لأنه عبارة عن الرأس.

كأنه قيل : فاضربوا فوق رؤوسهم وهذا ما اختاره الزمخشري ، قال : «أراد أعالي الأعناق التي هي المذابح لأنها مفاصل فكان إيقاع الضرب فيها حزا وتطييرا للرؤوس ، وقيل : أراد الرؤوس لأن نها فوق الأعناق بمعنى ضرب الهام ، قال عمرو بن الاطنابة :

أبت لي عفّتي وأبى بلائي

وأخذي الحمد بالثمن الربيح

وإقدامي على المكروه نفسي

وضربي هامة البطل المشيح

لأدفع عن مآثر صالحات

وأحجب بعد عن عرض صحيح

(ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللهَ وَرَسُولَهُ) اسم الاشارة مبتدأ ، والاشارة الى ما أصابهم من الضرب والقتل والعذاب وبأنهم خبره ، وجملة شاقّوا الله ورسوله خبر أن ، ولفظ الجلالة مفعول به ، ورسوله عطف عليه.

(وَمَنْ يُشاقِقِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) الواو استئنافية ، ومن شرطية مبتدأ ، ويشاقون فعل الشرط ، والفاء رابطة ، وإن واسمها ، وخبرها ، وفعل الشرط وجوابه خبر «من» ، والشرط هنا تكملة لما قبله وتكرير لمضمونه (ذلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكافِرِينَ عَذابَ النَّارِ) اسم الاشارة مبتدأ ، والخطاب للكفرة على طريق الالتفات ، والخبر محذوف تقديره :

٥٤٠