إعراب القرآن الكريم وبيانه - ج ٣

محيي الدين الدرويش

إعراب القرآن الكريم وبيانه - ج ٣

المؤلف:

محيي الدين الدرويش


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: اليمامة للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٥٧٦

موسى الكتاب. ولعل هذا أقرب ما يقال فيه. وآتينا موسى الكتاب فعل وفاعل ومفعولاه ، وتماما مفعول لأجله ، أي : لأجل تمام النعمة والكرامة ، ويجوز أن يكون مصدرا نصب على المفعولية المطلقة ، لأنه بمعنى آتيناه إيتاء تمام لا نقصان ، أو مصدرا نصب على الحالية من فاعل آتينا ، أي : متممين ، أو من الكتاب ، أي : حال كونه ماما. وعلى الذي جار ومجرور متعلقان بـ «تماما» ، أي : على من أحسن القيام به ، وجملة أحسن صلة لا محل لها ، وتفصيلا عطف على «تماما» ، ولكل شيء جار ومجرور متعلقان بـ «تفصيلا» (وَهُدىً وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ) هدى ورحمة معطوفان على تماما وتفصيلا ، ولعل واسمها ، وجملة الرجاء حالية ، وبلقاء ربهم جار ومجرور متعلقان

بيؤمنون ، وجملة يؤمنون خبر لعل (وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) الواو استئنافية ، والجملة مستأنفة مسوقة لتعظيم شأن القرآن ، وهذا مبتدأ ، وكتاب خبره ، وجملة أنزلناه صفة أولى ، ومبارك صفة ثانية ، فاتبعوه الفاء الفصيحة ، أي : إذا أردتم أن تنتفعوا ببركته ، فهي لترتيب ما بعدها على ما قبلها ، واتبعوه فعل وفاعل ومفعول به ، والجملة لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم ، واتقوا عطف على فاتبعوه ، وجملة الرجاء حالية (أَنْ تَقُولُوا إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنا) أن وما في حيزها في تأويل مصدر مفعول لأجله ، على حذف مضاف ، أي : كراهية أن تقولوا ، وإنما كافة ومكفوفة ، وأنزل فعل ماض مبني للمجهول ، والكتاب نائب فاعل ، وعلى طائفتين جار ومجرور متعلقان بأنزل ، والمراد بهما اليهود والنصارى ، والجملة في محل نصب مقول القول ، ومن قبلنا جار ومجرور متعلقان بمحذوف صفة لطائفتين (وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِراسَتِهِمْ لَغافِلِينَ) الواو حالية ، وإن مخففة من الثقيلة ، وهي مهملة ، وقد تقدم بحثها ، وكان واسمها ، وعن

٢٨١

دراستهم جار ومجرور متعلقان بغافلين ، واللام هي الفارقة بين إن المخففة وإن النافية ، وغافلين خبر كنا (أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ لَكُنَّا أَهْدى مِنْهُمْ) عطف على أن تقولوا ، ولو شرطية ، وأن واسمها ، وجملة أنزل علينا الكتاب خبرها ، والكتاب نائب فاعل ، وعلينا جار ومجرور متعلقان بأنزل ، واللام واقعة في جواب لو ، وكان واسمها ، وأهدى خبرها ، ومنهم جار ومجرور متعلقان بأهدى (فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ) الفاء الفصيحة ، لأنها جواب محذوف معلل به ، أي : لا تعتذروا فقد فاتتكم أسباب العذر. فقد جاءكم : قد حرف تحقيق ، وجاءكم فعل ومفعول به مقدم وبينة فاعل ، ويجوز أن يكون المحذوف شرطا ، أي : إذا صدقتم فيما تمنون به أنفسكم من وعود مزيفة وأحلام طائشة ، ومن ربكم جار ومجرور متعلقان بمحذوف صفة لبينة أو بجاءكم ، وهدى ورحمة معطوفان على بينة ، وكلا الوجهين جميل سائغ (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآياتِ اللهِ وَصَدَفَ عَنْها) الفاء عاطفة لترتيب ما بعدها على ما قبلها ، فإن نزول القرآن ـ مشتملا على جميع عوامل الهدى والرحمة ـ يقتضي أن يكون من يكذب به ويشيح بوجهه عنه أظلم الناس. ومن استفهامية متضمنة معنى النفي ، أي : لا أحد ، وهي في محل رفع مبتدأ ، وأظلم خبر ، وممن جار ومجرور متعلقان بأظلم ، وجملة كذب صلة الموصول ، وبآيات الله جار ومجرور متعلقان بكذّب ، وصدف عنها عطف على كذب (سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آياتِنا سُوءَ الْعَذابِ) الجملة مستأنفة مسوقة لتقرير الجزاء المترتب على هذا الموقف المتعنت ، ونجزي فعل مضارع ، وفاعله مستتر ، والذين مفعوله ، وجملة يصدفون صلة الموصول ، وسوء العذاب منصوب على أنه مفعول به ثان لنجزي ، أو منصوب بنزع الخافض ، وإضافة السوء الى العذاب من إضافة الصفة

٢٨٢

للموصوف ، أي : العذاب السيّء (بِما كانُوا يَصْدِفُونَ) الباء حرف جر ، وما مصدرية مؤولة مع ما بعدها بمصدر مجرور بالباء ، والجار والمجرور متعلقان بنجزي ، وكان واسمها ، وجملة يصدفون خبرها ، أي : بسبب صدوفهم وإعراضهم.

(هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ (١٥٨))

الاعراب :

(هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ) الجملة مستأنفة مسوقة لاستبعاد تأتّي الإيمان منهم ، وهل حرف استفهام متضمن معنى النفي ، لأنهم كانوا بمثابة المنتظرين لذلك ، وينظرون فعل مضارع مرفوع ، والواو فاعل ، وإلا أداة حصر ، وأن تأتيهم الملائكة مصدر مؤول مستثنى مفرّغ ، فهو في محل نصب مفعول به ، وأو حرف عطف ، ويأتي ربك عطف على تأتيهم الملائكة ، وأو يأتي بعض آيات ربك عطف أيضا ، والمعنى أنهم ينتظرون أن يأتي كل آيات ربك أو بعضها لتنبئهم بالساعة (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ

٢٨٣

لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً) الظرف متعلق بقوله لا ينفع ، وجملة يأتي بعض آيات ربك في محل جر بالإضافة ، ولا نافية ، وينفع نفسا إيمانها فعل ومفعول به وفاعل ، وجملة لم تكن آمنت صفة لـ «نفسا» ، وجاز الفصل بين الموصوف وصفته لأن الفاعل ليس بأجنبي ، والجملة يجوز أن تكون مستأنفة أو حالية ، ومن قبل جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال ، وجملة آمنت خبر تكن ، وأو حرف عطف ، وكسبت عطف على آمنت ، وخيرا مفعول به (قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ) الجملة مستأنفة ، مسوقة لتهديدهم.

وجملة انتظروا في محل نصب مقول القول ، والأمر هنا للوعيد ، وحذف المفعول به المنتظر لزيادة التخويف والترويع ، كأن أكبر من أن يدخل في حدود الحدس والتخمين ، والنفس أرهب من المجهول. وإنا منتظرون إن واسمها وخبرها ، والجملة مستأنفة أيضا ، مسوقة لمقابلة ، انتظارهم بمثله.

البلاغة :

في الآية لفّ ، وقد تقدم الحديث عن اللف والنشر. وأصل الكلام : يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا لم تكن مؤمنة من قبل إيمانها بعد ولا نفسا لم تكسب في إيمانها خيرا قبل ما تكسبه من الخير بعد. إلا أنه لف الكلامين فجعلها كلاما واحدا إيثارا للبلاغة والإعجاز ، ولم يعقب عليه بالنشر لأن المآل واحد ، وهو معروف لكليهما.

(إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّما

٢٨٤

أَمْرُهُمْ إِلَى اللهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ (١٥٩) مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلاَّ مِثْلَها وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (١٦٠) قُلْ إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٦١))

الاعراب :

(إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ) كلام مستأنف مسوق للحث على الوحدة التي أمر الله بها ، والنهي عن التفرقة.

وإن واسمها ، وجملة فرقوا صلة الموصول ، ودينهم مفعول به ، وجملة وكانوا عطف على جملة الصلة ، وشيعا خبر كانوا ، وجملة لست خبر إن ، وليس واسمها ، ومنهم جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر لتمام الفائدة به ، وفي شيء جار ومجرور متعلقان بالاستقرار الذي تعلق به منهم ، أي : لست مستقرا منهم في شيء ، ويجوز أن يكون في شيء هو الخبر ومنهم حال مقدمة عليه (إِنَّما أَمْرُهُمْ إِلَى اللهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ) كلام مستأنف مسوق للدلالة على أن مردّ الأمور الى الله تعالى. وإنما كافة ومكفوفة ، وأمرهم مبتدأ ، والى الله جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر ، وثم حرف عطف ، وينبئهم فعل مضارع ، والهاء مفعوله ، وبما الجار والمجرور في موضع نصب على أنه المفعول الثاني ، وجملة كانوا صلة «ما» ، وجملة يفعلون خبر كانوا (مَنْ جاءَ

٢٨٥

بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها) كلام مستأنف مسوق لبيان أجر العاملين ، والتقيد بالعشرة لأنه أقل مراتب التضعيف ، وإلا فالجزاء لا يحصى.

ومن اسم شرط جازم مبتدأ ، وجاء فعل ماض في محل جزم فعل الشرط ، وبالحسنة جار ومجرور متعلقان بجاء ، والفاء رابطة لجواب الشرط ، وله جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم ، وعشر مبتدأ مؤخر ، وأمثالها مضاف إليه. ويلاحظ أن «عشر» لم تراع فيها القاعدة وهي معاكسة المعدود إذا أفردت ، وسنتكلم عن ذلك في باب الفوائد (وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها) عطف على ما تقدم ، وإلا أداة حصر ، ومثلها مفعول به ثان أو منصوب بنزع الخافض (وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) الواو حرف عطف ، وهم مبتدأ ، ولا نافية ، ويظلمون فعل مضارع مبني للمجهول ، والواو نائب فاعل ، والجملة خبر «هم» (قُلْ : إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) الجملة مستأنفة لتكرير ما يجب فعله وقوله. وإن واسمها ، وجملة هداني خبرها ، والجملة الاسمية في محل نصب مقول القول ، وإلى صراط جار ومجرور متعلقان بهداني على أنه مفعول به ثان (دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) دينا نصب على البدل من محل «إلى صراط» ، لأن معناه : هداني صراطا ، وهدى كما قلنا سابقا يتعدى تارة بـ «إلى» كما هنا وتارة بنفسه كما في قوله. «ويهديكم صراطا مستقيما» ويجوز أن يكون نصبا على المصدرية ، أي : هداني هداية دين قيم. ولا أدري كيف ساغ أبو البقاء أن يعرب «دينا» مفعولا ثانيا ، مع أن المفعول الثاني هو «إلى صراط» ، وقيما صفة ، أي : مستقيما. وملة إبراهيم بدل من دينا ، وحنيفا حال من إبراهيم ، وما الواو عاطفة ، وما نافية ، وكان واسمها المستتر ، ومن المشركين

٢٨٦

جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبرها ، والجملة معطوفة على الحال ، فهي حال بعد حال.

الفوائد :

تذكير العدد وتأنيثه :

إنما ذكّر العدد والمعدود مذكّر لأوجه :

١ ـ إن الإضافة لها تأثير كما تقدم ، فاكتسب المذكر من المؤنث التأنيث ، فأعطي حكم المؤنث في سقوط التاء من عدده ، ولذلك يؤنث فعله في حال إضافته ، نحو : «يلتقطه بعض السيارة» وقال قيس :

وما حب الديار شغفن قلبي

ولكن حب من سكن الديار

٢ ـ إن هذا المذكر عبارة عن مؤنث ، فروعي المراد منه دون اللفظ ، فالمعتبر في التذكير والتأنيث حال الموصوف المنوي لا حالها ، والتقدير : فله عشر حسنات أمثالها ، ثم حذف الموصوف ، وأقيمت صفته مقامه ، وترك العدد على حاله.

٣ ـ انه اقترن باللفظ ما يعضد المعنى المراد وهو التأنيث ، وعلى هذا يحمل قول عمر بن أبي ربيعة :

فكان مجني دون من كنت أتّقي

ثلاث شخوص كاعبان ومعصر

وكان القياس فيه : ثلاثة شخوص ، ولكنه كنّى بالشخوص عن

٢٨٧

النساء. والذي سهل ذلك قوله : كاعبان ومعصر ، أي : هن كاعبان ومعصر.

(قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٦٢) لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (١٦٣) قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْها وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (١٦٤) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١٦٥))

اللغة :

(النسك) : بتثليث النون وسكون السين ، وبضم النون والسين ، ومثله النّسوك والنّسكة والمنسكة : التزهّد والتّعبّد والتقشف. والناسك : العابد المتزهّد ، ويجمع على نسّاك ، قال أبو العلاء :

٢٨٨

صم ثمّ صلّ وطف بمكّة زائرا

سبعين لا سبعا فلست بناسك

جهل الديانة من إذا عرضت له

أطماعه لم يلف بالمتماسك

(خَلائِفَ الْأَرْضِ) الإضافة على معنى «في» والخلائف جمع خليفة ، كصحيفة وصحائف ، فهو من باب قوله :

والمدّ زيد ثالثا في الواحد

همزا يرى في مثل كالقلائذ

وقد تقدم ذكر الخليفة في البقرة.

الاعراب :

(قُلْ : إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) استئناف مسوق لتأكيد القيام بالشرائع الأصولية والفرعية. وجملة إن وما بعدها في محل نصب مقول القول ، وان واسمها ، ونسكي ومحياي ومماتي معطوفة ، وسيأتي حكم المنادى المضاف الى ياء المتكلم في باب الفوائد ، ولله جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر ، ورب صفة ، والعالمين مضاف إليه لأنه ملحق بجمع المذكر السالم ، وقد تقدم في الفاتحة (لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) لا النافية للجنس ، وشريك اسمها ، وله جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبرها ، والجملة حالية من رب العالمين أو صفة له ، والواو حرف عطف ، وبذلك جار ومجرور متعلقان بأمرت ، وأنا الواو عاطفة أيضا ، وأنا مبتدأ ،

٢٨٩

وأول المسلمين خبره (قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَبْغِي رَبًّا) الجملة مستأنفة مسوقة لتكون بدا على دعوة هؤلاء الكفار عند ما قالوا له : ارجع إلى ديننا وعبادة آلهتنا. والهمزة للاستفهام المتضمن معنى النفي ، أي : لا أطلب ربا غيره ، وغير الله مفعول به مقدم ، وربا تمييز ، ويجوز إعرابه حالا (وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ) الواو للحال ، وهو مبتدأ ، ورب كل شيء خبره ، والجملة نصب على الحال (وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْها) الواو عاطفة ، ولا نافية ، وتكسب كل نفس فعل وفاعل ومضاف إليه ، وإلا أداة حصر ، وعليها جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال ، أي : إلا حالة كون ذنبها مستعليا عليها بما يضرها ولا ينفعها (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) الواو عاطفة أيضا ، ولا نافية أيضا ، وتزر وازرة فعل مضارع وفاعل ، وزر مفعول به ، وأخرى مضاف إليه (ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) ثم حرف عطف ، وإلى ربكم جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم ، ومرجعكم مبتدأ مؤخر ، والفاء حرف عطف ، وينبئكم فعل مضارع وفاعل مستتر ومفعول به ، والباء حرف جر للسببية ، وما اسم موصول في محل جر بالباء ، والجار والمجرور في موضع المفعول الثاني ، وجملة كنتم صلة الموصول ، وكان واسمها ، وفيه جار ومجرور متعلقان بتختلفون ، وجملة تختلفون خبر كنتم (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ) الواو عاطفة ، وهو مبتدأ ، والذي خبره ، وجملة جعلكم صلة ، وخلائف الأرض مفعول به ثان لجعلكم (وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ) الواو عاطفة ، ورفع فعل ماض ، وبعضكم مفعول به ، وفوق بعض ظرف مكان متعلق برفع ، ودرجات ظرف ، وقد تقدم إعرابها والقول فيها (لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) اللام للتعليل ، ويبلوكم فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام ، والجار والمجرور متعلقان برفع ،

٢٩٠

وفيما جار ومجرور متعلقان بيبلوكم ، وجملة آتاكم لا محل لها لأنها صلة الموصول ، وإن واسمها ، وسريع العقاب خبرها ، والجملة مستأنفة للتعليل ، وإنه لغفور رحيم عطف على ما تقدم ، وقد تقدم إعراب ذلك كثيرا.

البلاغة :

الكناية في قوله : «ورفع بعضكم فوق بعض درجات» عن الشرف والفضل ، وهذا التفاوت ليس ناشئا عن عجز عن المساواة بينهم ولكن للابتلاء والامتحان.

الفوائد :

المضاف إلى ياء المتكلم :

يجب كسر آخر المضاف إلى ياء المتكلم لمناسبة الياء ويجوز فتح الياء وإسكانها ، ويستثنى من ذلك المقصور والمنقوص والمثنى وجمع المذكر السالم ، فهذه الأربعة آخرها واجب السكون والياء معها واجبة الفتح ، قال في الخلاصة :

آخر ما يضاف للياء اكسر إذا

لم يك معتلا كرام وقذى

أو يك كابنين وزيدين ففي

جميعها اليا بعد فتحها احتذي

وندر إسكانها بعد الألف.

٢٩١

حملة على أبي العلاء المعري :

وقد قرأ نافع : محياي ومماتي ، في الوصل بسكون ياء «محياي» كما ندر كسرها بعد الألف ، وقد قرأ الأعمش والحسن البصري : «هي عصاي» بكسر الياء ، على أصل التقاء الساكنين ، والكسر مطرد في لغة بني يربوع في الياء المضاف إليها جمع المذكر السالم ، وعليه قراءة حمزة والأعمش : «وما أنتم بمصرخيّ» بكسر الياء ، وبذلك سقط ما قاله المعري في رسالته : «أجمع أصحاب العربية على كراهة قراءة حمزة». وقد رد عليه ابن هشام فقال : «والمعري له قصد في الطعن على الإسلام ، ولعل الذين كسروا لغتهم على إسكان ياء الإضافة فالتقى معهم ساكنان». وقال المرادي في شرح التسهيل : «إن المعري لم بنفرد بما قاله في رسالته ، فما قاله ابن هشام تحامل عليه وإن كان قد رمي بالإلحاد».

بين أبي العلاء والنحاة :

ونرى من المفيد أن نعرض لهذه الخصومة التي اشتجرت بين أبي العلاء والنحاة ، فأبو العلاء كان نحويا ولكنه لم يرد أن يكون نحويا. وكان إماما من أئمة النحو ، ولكن أسلوب النحو لم يرضه ، فنقدهم نقدا مرا ، وتهكم بإمامهم سيبويه ، وتعرّض له بالنقد والتخطئة في مواضع من رسائله ، مما لا يتسع له المجال في كتابنا ، فاكتفينا بالإشارة. وسيأتي في هذا الكتاب المزيد من هذه الخصومة.

٢٩٢

سورة الأعراف

مكيّة وآياتها ستّ ومائتان

(المص (١) كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (٢) اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ (٣))

اللغة :

(المص) : تقدم القول مفصلا في سورة البقرة عن فواتح السّور ، ونضيف إليه الآن ما أورده السيوطي في إحدى رواياته ، ومؤدّاه أن هذه الحروف صوت الوحي عند أول نزوله على النبي صلى الله عليه وسلم ، وإنما لم يستعمل الكلمات المشهورة في التنبيه كألا وأما ، ، لأنها من الألفاظ التي يتعارفها الناس في كلامهم ، والقرآن كلام لا يشبه الكلام ، فناسب أن يؤتى فيه بألفاظ تنبيه لم

٢٩٣

تعهد ، لتكون أبلغ في قرع الأسماع. وذكر أيضا أن العرب إذا سمعوا القرآن لغوا فيه ، فأنزل الله هذا النظم البديع ليعجبوا منه ، ويكون تعجبهم منه سبيلا لاستمالتهم ، وسماعهم له سبيلا لاستماع ما بعده ؛ فترقّ القلوب ، وتلين الأفئدة. وفي هذا الذي أورده السيوطي الكثير من الحصافة ، ودقة النظر ، فالنفس إلى المعجب أهشّ ، وإلى المفاجئ غير المألوف المعتاد أشوق.

الاعراب :

(المص كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ) : المص : تقدم إعراب فواتح السور في سورة البقرة ، فجدّد به عهدا. وكتاب خبر لمبتدأ محذوف ، أي : هو كتاب ، وجملة أنزل إليك صفة لكتاب ، وإليك جار ومجرور متعلقان بأنزل ، والفاء عاطفة لتأكيد المبالغة في النهي عن الجرح ، وهو هنا الشك والامتراء ، والنهي عن السبب نهي عن المسبب بالطريق البرهاني ، فالمراد نهيه عما يورث الحرج. ولا ناهية ، ويكن فعل مضارع مجزوم بلا ، وفي صدرك جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر يكن المقدم ، وحرج اسمها المؤخر ، ومنه جار ومجرور متعلقان بمحذوف صفة لحرج ، فمن الجارة سببية (لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ) اللام للتعليل ، وتنذر فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد لام التعليل والجار والمجرور متعلقان بأنزل ، وبه جار ومجرور متعلقان بتنذر ، وذكرى : يحتمل أن تكون معطوفة على «لتنذر» ، وامتنع نصبه على المفعولية لأجله لاختلاف زمنه مع زمن المعلل ، ولاختلاف الفاعل ، ففاعل الإنزال هو الله ، وفاعل الإنذار هو النبي ، ويجوز عطفه على محل «لتنذر» ، على غرار عطف الحال

٢٩٤

الصريحة على الحال المؤوّلة ، كقوله تعالى «... دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما» ، ويجوز رفع «ذكرى» على أنها خبر لمبتدأ محذوف أو العطف على «كتاب» ، وقد سها أبو البقاء فأجاز أن تكون حالا ، وهذا لا يجوز لدخول الواو على حال صريحة. ويجوز جره عطفا على المصدر المؤول من أن المقدرة والفعل ، والتقدير : للإنزال والتذكير.

وقال الكوفيون : هو مجرور عطفا على الضمير في «به» ، وللمؤمنين جار ومجرور متعلقان بمحذوف صفة لذكرى (اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ) كلام مستأنف مسوق لمخاطبة المكلفين عامة ، وخاصة الكافرين ، بدليل قوله : ولا تتبعوا من دونه أولياء. واتبعوا فعل أمر مبني على حذف النون ، والواو فاعل ، وما اسم موصول في محل نصب مفعول به ، وجملة أنزل صلة الموصول ، وإليكم جار ومجرور متعلقان بأنزل ، ومن ربكم جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال من الموصول (وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ) الواو عاطفة ، ولا ناهية ، وتتبعوا فعل مضارع مجزوم بلا ، ومن دونه جار ومجرور متعلقان بتتبعوا ، أو بمحذوف حال لأنه كان في الأصل صفة لأولياء وتقدمت ، وأولياء مفعول به ، وقليلا نعت لمصدر محذوف ، أي تذكرا قليلا ، أو نعت لزمان ، أي زمانا قليلا ، وما مزيدة للإيغال في التوكيد للقلة ، وتذكرون : أصله تتذكرون ، فعل مضارع حذفت إحدى تاءيه ، وعلامة رفعه ثبوت النون ، والواو فاعل.

(وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ (٤) فَما كانَ دَعْواهُمْ إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا إِلاَّ أَنْ قالُوا

٢٩٥

إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (٥) فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (٦) فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَما كُنَّا غائِبِينَ (٧))

اللغة :

(بَياتاً) أي : ليلا ، وهو في الأصل مصدر ، يقال : بات يبيت ويبات بيتا وبيتة وبياتا وبيتوتة ومبيتا ومباتا من بابي فتح وجلس في المكان : أقام فيه الليل.

(قائِلُونَ) نائمون وقت الظهيرة ، والقيلولة هي نوم نصف النهار أو استراحة نصفه ، وإن لم يكن معها نوم. وهذا مقيل طيب ، وهو شروب للقيل ، وهو شراب القائلة : وهي نصف النهار. وقالت أمّ تأبّط شرّا : «ما سقيته غيلا ، ولا حرمته قيلا» ، وهي رضعة نصف النهار. واقتال الرجل كما تقول : اصطبح واغتبق.

الاعراب :

(وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ) الواو استئنافية ، والجملة مستأنفة مسوقة للتحدث عن الأمم الماضية ، وماذا كان مصيرها؟ بسبب إعراضها عن الحق وصدوفها عن استماع تعاليمه.

وكم خبرية في موضع رفع على الابتداء ، ومن قرية تمييز كم الخبرية ، وقد تقدّم حكمه ، وجملة أهلكناها خبر «كم». ويجوز إعراب «كم» على أنها في موضع نصب على الاشتغال بإضمار فعل يفسره

٢٩٦

ما بعده ، وجملة أهلكناها لا محل لها لأنها مفسرة ، والفاء عاطفة للترتيب والتعقيب ، وسيأتي بحث طريف عنها في باب الفوائد ، وجاءها بأسنا فعل ومفعول به وفاعل ، والجملة معطوفة على أهلكناها ، وبياتا يجوز أن يكون ظرفا باعتبار المعنى ، ويجوز أن يكون مصدرا في موضع الحال ، بمعنى بائتين ، وعليه أكثر المعربين ، والأول أمكن في المعنى ، والثاني أقيس في الإعراب. وأو حرف عطف ، وهم مبتدأ ، وقائلون خبر ، والجملة معطوفة على «بياتا» ، فهي حالية. وهنا يرد اعتراض وهو : كيف أتت الجملة حالية من دون واو؟ إذ لا يقال : جاءني زيد هو فارس ، بغير واو؟ والجواب سيأتي في باب الفوائد (فَما كانَ دَعْواهُمْ إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا) الفاء استئنافية ، وما نافية ، وكان واسمها ، وإذ ظرف لما مضى من الزمن متعلق بدعواهم ، وجملة جاءهم بأسنا في محل جر بالإضافة (إِلَّا أَنْ قالُوا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ) إلا أداة حصر ، وأن وما بعدها في تأويل مصدر كان ، وإن واسمها ، وجملة كنا ظالمين خبر إن ، وجملة إنا وما في حيزها في محل نصب مقول القول (فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ) الفاء عاطفة ، والمقصود منها ترتيب الأحوال الأخروية على الأحوال الدنيوية في الذكر حسب ترتيبها عليها في الوجود. واللام موطّئة للقسم ، ونسألن فعل مضارع مبني على الفتح لاقترانه بنون التوكيد الثقيلة وجوبا ، كما ستعلم في باب الفوائد ، والفاعل مستتر تقديره نحن وجملة لنسألنّ معطوفة والذين اسم موصول في محل نصب مفعول به ، وجملة أرسل صلة الموصول ، وهو بالبناء للمجهول ، ونائب الفاعل الجار والمجرور وهو إليهم ، ولنسألن المرسلين عطف على ما تقدم. ومعنى سؤل المرسل إليهم التسجيل على الكفار إحجامهم عن الاستماع لما قالوه لهم وأبلغوهم إياه (فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَما كُنَّا غائِبِينَ) عطف على ما تقدم ، وعليهم جار ومجرور

٢٩٧

متعلقان بنقصنّ ، أي : على كل من الرسل والمرسل إليهم ما كان من أمرهم ، وبعلم جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال من فاعل نقصنّ ، أي : عالمين بمكنونات أحوالهم ، ومنطويات سرائرهم ، وما ندّت عنه شفاههم. والواو للحال ، وما نافية ، وكان واسمها ، وغائبين خبرها ، والجملة في محل نصب على الحال. وجميع هذه الأسئلة والقصص للتوبيخ والتقريع كما يفعل المحقق مع المجرم لإدانته بما فعلته يداه أمامه.

البلاغة :

المجاز المرسل بقوله وكم من قرية أهلكناها فقد ذكر القرية وأراد أهلها ، وهو مجاز علاقته المحلية. وقد تقدمت له نظائر.

الفوائد :

واو الحال :

هي واو يصحّ وقوع الظرف موقعها ، ولها ثلاث أحوال : وجوب الذكر وامتناعه وجوازه. وفيما يلي مواقع تلك

الأحوال :

١ ـ وجوب الذّكر :

آ ـ أن تكون جملة الحال اسمية مجردة من ضمير يربطها بصاحبها ، نحو قوله تعالى : «لئن أكله الذئب ونحن عصبة».

ب ـ أن تكون جملة الحال مصدرة بضمير صاحبها ، نحو :«لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى».

٢٩٨

٢ ـ امتناع الذكر في سبع صور :

آ ـ أن تقع بعد عاطف نحو : «وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا بياتا أو هم قائلون».

ب ـ أن تكون مؤكدة لمضمون الجملة قبلها نحو : «ذلك الكتاب لا ريب فيه» إذا أعربنا جملة «لا ريب» حالية.

ج ـ أن تكون ماضية بعد إلا نحو : «وما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون».

د ـ أن تكون ماضية قبل «أو» نحو :

كن للخليل نصيرا جاد أو عدلا

ولا تشحّ عليه جار أم بخلا

ه ـ أن تكون مضارعة مثبتة غير مقترنة بـ «قد» ، وحينئذ تربط بالضمير وحده ، نحو : «ولا تمنن تستكثر». وأما قول عنترة :

علقتها عرضا وأقتل قومها

قسما لعمر أبيك ليس بمزعم

فجملة : «وأقتل قومها» حال من التاء في «علقتها» ، وهي مقترنة بالواو مع المضارع المثبت ، واختلف في تخريجها ، فقيل :ضرورة ، وقيل : الواو عاطفة ، والمضارع مؤوّل بالماضي ، والتقدير :وقتلت قومها ، فعدل عن لفظ الماضي إلى لفظ المضارع لحكاية الحال الماضية ، ومعناها أن يفرض ما كان في الزمن الماضي واقعا في هذا الزمان ، فيعبر عنه بلفظ المضارع. وقيل : هي واو الحال ، والمضارع خبر مبتدأ محذوف ، أي : وأنا أقتل قومها.

٢٩٩

و ـ أن تكون مضارعة منفية بـ «ما» ، نحو قوله :

عهدتك ما تصبو وفيك شبيبة

فما لك بعد الشّيب صبّا متيّما

ز ـ أن تكون مضارعة منفية بـ «لا» نحو : «وما لنا لا نؤمن بالله» ، فإن كانت الجملة المضارعة منفية بـ «لم» جاز ارتباطها بالواو كقول النابغة :

سقط النّصيف ولم ترد إسقاطه

فتناولته واتّقتنا باليد

وجاز عدم ارتباطها بها ، ولكن بالضمير وحده ، نحو : «فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء» ، وقول زهير :

كأنّ فتات العهن في كلّ موطن

نزلن به حبّ الفنا لم يحطّم

وإن كانت منفية بـ «لما» فالمختار ربطها بالواو نحو : «أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين» ، وقول الشاعر :

أشوقا ولما يمض لي غير ليلة

فكيف إذا جدّ المطيّ بنا عشرا

٣ ـ جواز الذكر وعدمه :

وذلك في غير ما تقدم من صور وجوبها وامتناعها. وهناك تفاصيل أعرضنا عنها ، يرجع إليها من شاء في كتب النحو المفصلة.

إذا عرفت هذا أدركت أن اعتراض الزمخشري غير وارد ، وإليك التفصيل.

٣٠٠