إعراب القرآن الكريم وبيانه - ج ٣

محيي الدين الدرويش

إعراب القرآن الكريم وبيانه - ج ٣

المؤلف:

محيي الدين الدرويش


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: اليمامة للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٥٧٦

الحسنى : مصدر وصف به كالرّجعى ، وأفرده كما أفرد وصف ما لا يعقل في قوله : «ولي فيها مآرب أخرى» ، ولو طوبق به لكان التركيب الحسن كقوله : «من أيام أخر».

(يُلْحِدُونَ) : مضارع ألحد بمعنى مال وانحرف.

(سَنَسْتَدْرِجُهُمْ) : سنستدنيهم قليلا الى ما يهلكهم ، والاستدراج النقل درجة بعد درجة ، من الدرج وهو الطيّ ، ومنه درج الثوب : إذا طواه.

(وَأُمْلِي) : الإملاء : الإمهال والتطويل.

(جِنَّةٍ) : بكسر الجيم وتشديد النون : أي جنون.

الاعراب :

(وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها) الواو استئنافية ، ولله جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم ، والأسماء مبتدأ مؤخر ، والحسنى صفة ، فادعوه الفاء الفصيحة ، وادعوه فعل وفاعل ومفعول به ، وبها جار ومجرور متعلقان بادعوه (وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ) الواو عاطفة ، وذروا فعل أمر وفاعل ، والذين اسم موصول مفعول به ، وجملة يلحدون صلة الموصول ، وفي أسمائه جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال ، والمعنى واتركوا تسمية الذين يميلون عن الحق والصواب فيه (سَيُجْزَوْنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) سيجزون فعل مضارع مبني للمجهول ، والواو نائب فاعل ، وما مفعول به ثان ، وجملة كانوا يعملون صلة الموصول ، وجملة يعملون خبر كانوا (وَمِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ) الواو عاطفة ، وممن جار ومجرور

٥٠١

متعلقان بمحذوف خبر مقدم ، وجملة خلقنا صلة الموصول ، وأمة مبتدأ مؤخر ، وجملة يهدون بالحق صفة لأمة ، وبه جار ومجرور متعلقان بيعدلون (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ) الواو عاطفة أو استئنافية ، والذين مبتدأ وجملة كذبوا صلة الموصول ، وبآياتنا جار ومجرور متعلقان بكذبوا ، وجملة سنستدرجهم من حيث لا يعلمون خبر ، ولك أن تنصب الذين بفعل محذوف على الاشتغال ، والتقدير : سنستدرج الذين كذبوا أي سننقلهم درجة بعد درجة من علو الى سفل ، أي نقربهم الى الهلاك بإمهالهم. ومن حيث جار ومجرور متعلقان بنستدرجهم ، وجملة لا يعلمون في محل جر بالإضافة (وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ) يجوز أن تكون الواو عاطفة ، وأملي معطوف على نستدرجهم ، على نحو من الالتفات ، والذي نراه أنها مستأنفة على أنها خبر لمبتدأ محذوف ، أي : وأنا أملي لهم ، ولهم جار ومجرور متعلقان بأملي ، وإن كيدي متين الجملة بمثابة التعليل لقوته تعالى (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ) الهمزة للاستفهام الإنكاري ، والواو عاطفة ، ولم حرف نفي وقلب وجزم ، ويتفكروا فعل مضارع مجزوم بلم ، وما نافية ، وبصاحبهم جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم ، ومن حرف جر زائد ، وجنة مجرور لفظا مرفوع محلّا على أنه مبتدأ مؤخر ، والجملة في محل نصب معمولة ليتفكروا ، فهو عامل فيها ، لوجود المعلق له وهو «ما» النافية ، ويجوز أن تكون «ما» استفهامية في محل رفع مبتدأ ، والخبر بصاحبهم ، ومن جنة جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال (إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ) إن نافية ، وهو مبتدأ ، وإلا أداة حصر ، ونذير خبر ، ومبين صفة (أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ) تقدم إعراب نظيرها ، وفي ملكوت السموات والأرض جار ومجرور متعلقان بينظر ،

٥٠٢

وما عطف على ملكوت ، وجملة خلق صلة الموصول ، ومن شيء جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال (وَأَنْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ) الواو عاطفة ، والجملة في محل جر عطفا على «ما» قبلها ، أي : في أن ، وأن مخففة من الثقيلة ، واسمها ضمير الشأن المحذوف ، وخبرها جملة عسى ، واسم عسى مستتر ، وأن وما في حيزها خبرها ، واسم يكون ضمير الشأن أيضا ، وجملة قد اقترب أجلهم خبرها (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ) الفاء استئنافية ، وبأي جار ومجرور متعلقان بيؤمنون ، والجملة مستأنفة مسوقة للتعجب ، أي : إذا لم يؤمنوا بهذا الحديث فكيف يؤمنون بغيره! والضمير عائد على القرآن أو الرسول (مَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلا هادِيَ لَهُ) من اسم شرط جازم في محل نصب مفعول به مقدم ليضلل ، والله فاعل ، والفاء رابطة ، ولا نافية للجنس ، وهادي اسمها ، وله جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبرها (وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) الواو استئنافية ، وجملة يذرهم مستأنفة ، والهاء مفعول به ، في طغيانهم جار ومجرور متعلقان بيعمهون ، وجملة يعمهون حال من الهاء ، وقرئ : «ويذرهم» بالجزم عطفا على محل قوله :«فلا هادي له» المجزوم.

(يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (١٨٧) قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا

٥٠٣

إِلاَّ ما شاءَ اللهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (١٨٨))

اللغة :

(السَّاعَةِ) : القيامة ، وسميت بذلك لوقوعها بغتة ، أو لسرعة حسابها ، أو على العكس لطولها ، أو لأنها عند الله على طولها كساعة من الساعات عند الخلق. وهي من الأسماء الغالبة كالنجم للثريا.

(مُرْساها) مصدر ميمي من أرسى ، والإرساء الاستقرار والإثبات ، والثلاثي منه رسا ، ورسا الشيء ثبت ، ورست السفينة : وقفت عن الجري.

(يُجَلِّيها) : يظهرها.

(حَفِيٌّ) : مبالغ في السؤال ، والمراد كأنك عالم بها ، لأن من بالغ في المسألة عن الشيء والتنقير عنه استحكم علمه فيه ورصن ، وهذا التركيب معناه المبالغة ومنه إحفاء الشارب.

الاعراب :

(يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها) جملة مستأنفة مسوقة لبيان نمط من ضلالاتهم. ويسألونك فعل وفاعل ومفعول به ، وعن الساعة جار ومجرور متعلقان بيسألونك ، وأيان اسم استفهام في محل نصب على الظرفية الزمانية ، وسيأتي في باب الفوائد اشتقاقه ، وهو متعلق

٥٠٤

بمحذوف خبر مقدم ، ومرساها مبتدأ مؤخر ، والجملة بدل من الساعة.

وقيل : أيان متعلق بمحذوف ، أي يسألونك ، ومرساها فاعل لهذا الفعل المحذوف (قُلْ : إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلَّا هُوَ) إنما كافة ومكفوفة ، وعلمها مبتدأ ، والظرف متعلق بمحذوف خبر ، وجملة لا يجليها حال ، ولوقتها جار ومجرور متعلقان بيجلّيها ، وجملة إنما وما في حيزها في محل نصب مقول القول وإلا أداة حصر ، وهو فاعل يجليها ، أو تأكيد للفاعل المستتر (ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) الجملة مستأنفة ، وفي السموات جار ومجرور متعلقان بثقلت ، سواء أكان «في» بمعنى «على» أو على بابها من الظرفية ، والمعنى حصل ثقلها ، وهو شدتها أو المبالغة في إخفائها في هذين الظرفين أو عليهما (لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً) الجملة مستأنفة مقررة لمضمون ما قبلها ، ولا تأتيكم فعل وفاعل مستتر ومفعول به ، وإلا أداة حصر ، وبغتة حال أو مفعول مطلق (يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها) : الجملة مستأنفة ، وسيأتي سر هذا التكرير في باب البلاغة. ويسألونك فعل وفاعل ومفعول به ، وجملة كأنك حالية ، وكأن واسمها ، وحفي خبرها ، وعنها جار ومجرور متعلقان بحفي (قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللهِ) تقدم إعرابها قريبا (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) تقدم إعرابها (قُلْ : لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا إِلَّا ما شاءَ اللهُ) الجملة مستأنفة مسوقة لحسم أطماعهم بعد إعلان نفض يده منهم. وجملة لا أملك في محل نصب مقول القول ، ولا نافية وأملك فعل مضارع وفاعل مستتر ، ونفعا مفعول به ، ولنفسي جار ومجرور متعلقان بأملك ، أو بمحذوف حال من «نفعا» ، لأنه كان في الأصل صفة له لو تأخر عنه ، وإلا أداة استثناء ، وما مستثنى من «نفعا وضرا» أو بدل منهما ، وقيل :الاستثناء منقطع ، فهو متعين النصب على الاستثناء

٥٠٥

(وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ) الواو استئنافية ، ولو شرطية ، وكان واسمها ، وجملة أعلم خبرها ، والغيب مفعول به ، ولا ستكثرت اللام واقعة في جواب لو ، واستكثرت فعل وفاعل ، ومن الخير جار ومجرور متعلقان باستكثرت ، والجملة لا محل لها (وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ) الواو عاطفة ، وجملة ما مسني السوء عطف على استكثرت ، وما نافية (إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) إن نافية ، وأنا مبتدأ ، وإلا أداة حصر ، ونذير خبر ، وبشير عطف على نذير ، ولقوم جار ومجرور متعلقان بنذير وبشير ، وجملة يؤمنون صفة لقوم.

البلاغة :

في قوله تعالى : «يسألونك كأنك حفيّ عنها» نوع من التكرير لم يدونه علماء البلاغة في معرض حديثهم عن التكرير ، وهو أن الكلام إذا بني على مقصد ما ، واعترض في أثنائه عارض ، فأريد الرجوع لتتميم المقصد الأول ، وقد بعد عهده ، طرّي بذكر المقصد الأول ، لتتصل نهايته ببدايته ، وقد تقدمت اليه الإشارة ، وهذا منها. فإنه لما ابتدأ الكلام بقوله : «يسألونك عن الساعة أيان مرساها» ثم اعترض ذكر الجواب المضمن في قوله : «قل إنما علمها عند ربي» الى قوله «بغتة» أريد تتميم سؤالهم عنها بوجه من الإنكار عليهم ، وهو المضمن في قوله : «كأنك حفيّ عنها» وهو شديد التعلق بالسؤال ، وقد بعد عهده ، فطرّي ذكره تطرية عامة ، ولا نراه أبدا يطرّي إلا بنوع من الإجمال ، كالتذكرة للأول مستغني عن تفصيله بما تقدم ، فمن ثم قيل : «يسألونك» ولم يذكر المسئول عنه ـ وهو الساعة ـ اكتفاء بما تقدم. فلما كرر السؤال لهذه الفائدة كرر الجواب أيضا مجملا فقال : «قل إنما علمها عند الله».

٥٠٦

الفوائد :

(أَيَّانَ) بمعنى متى ، إن كانت اسم استفهام أو اسم شرط ، وقيل اشتقاقه من «أي» وهي «فعلان» منه ، لأن معناه : أي وقت وأي فعل ، من أويت إليه ، لأن البعض آو الى الكل متساند إليه.

قاله ابن جني ، وأبى أن يكون من «أين» لأنه زمان و «أين» مكان.

وقال غيره : أصل أيان «أي آن» فهي مركبة من «أي» المتضمنة معنى الشرط و «آن» بمعنى حين ، فصارتا بعد التركيب اسما واحدا ، للشرط في الزمان المستقبل ، مبني على الفتح ، وكثيرا ما تلحقها «ما» الزائدة للتوكيد ، كقوله :

إذا النعجة الأدماء بانت بقفرة

فأيّان ما تعدل به الريح تنزل

(هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها لِيَسْكُنَ إِلَيْها فَلَمَّا تَغَشَّاها حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللهَ رَبَّهُما لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحاً لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (١٨٩) فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما فَتَعالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (١٩٠) أَيُشْرِكُونَ ما لا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ (١٩١) وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (١٩٢))

٥٠٧

الاعراب :

(هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ) كلام مستأنف لخطاب أهل مكة. وهو مبتدأ ، والذي خبره ، وجملة خلقكم صلة ، ومن نفس جار ومجرور متعلقان بخلقكم ، وواحدة صفة (وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها لِيَسْكُنَ إِلَيْها) جعل بمعنى خلق معطوف على خلقكم ، وفاعله ضمير مستتر ، ومنها جار ومجرور متعلقان بجعل ، وزوجها مفعول به ، واللام للتعليل ويسكن فعل مضارع منصوب وفاعله هو ، وإليها جار ومجرور متعلقان بيسكن والمراد بالنفس آدم ، وتأنيث الضمير باعتبار لفظ النفس (فَلَمَّا تَغَشَّاها حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ) الفاء عاطفة ، ولما رابطة أو حينية ، وجملة حملت لا محل لها ، وحملا إن كانت مصدرا فهي معفول مطلق ، وإن كانت بمعنى الجنين فهي مفعول به ، وخفيفا نعت أتى به للإشعار بعدم التأذي به كما يصيب الحوامل عادة من آلام الحمل ، أو إشارة الى ابتدائه وكونه نطفة لا تثقل البطن. والفاء عاطفة ، ومرت عطف على حملت ، وبه جار ومجرور متعلقان بمرت ، أي :ترددت في إنجاز مهامها وإظهارها من غير مشقة ولا إعنات (فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللهَ رَبَّهُما) الفاء عاطفة ، ولما رابطة أو حينية ، ودعوا الله فعل ماض وفاعل ومفعول به وربهما بدل (لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحاً لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ) اللام موطئة للقسم ، وجملة القسم مستأنفة لتدل على الجملة القسمية ، وإن شرطية ، وآتيتنا فعل وفاعل وهو فعل الشرط ، ونا مفعول به ، وصالحا صفة لمفعول محذوف نابت عنه ، أي : ولدا صالحا ، واللام واقعة في جواب القسم لتقدمه ، ونكونن فعل مضارع ناقص ، مبني على الفتح ، واسمها ضمير مستتر تقديره نحن ، ومن الشاكرين جار

٥٠٨

ومجرور متعلقان بمحذوف خبرها ، وجملة لئن آتيتنا تفسيرية لجملة دعوا الله ، كأنه قيل : فما كان دعاؤهما؟ ما قالاه ، ولك أن تجعلها مقولا لقول محذوف تقديره : فقالا : لئن آتيتنا ، وجملة لنكونن جواب القسم ، وجواب الشرط محذوف على ما تقرر (فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما) شركاء مفعول جعلا ، وله جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال ، لأنه كان في الأصل صفة لشركاء وتقدّم ، وفيما جار ومجرور متعلقان بمحذوف صفة لشركاء ، وجملة آتاهما صلة ، والمعنى : آتى أولادهما ، وقد دل على ذلك قوله : (فَتَعالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) حيث جمع الضمير ، وآدم وحواء بريئان من الشرك.

والفاء حرف عطف ، وجملة تعالى الله عطف على خلقكم ، وما بينهما اعتراض. ويجوز أن تكون الفاء استئنافية ، والجملة مستأنفة ، وسيأتي في باب الفوائد سرّ هذا الخطاب ، وما قاله العلماء فيه. والله فاعله ، وعما جار ومجرور متعلقان بتعالى ، وجملة يشركون لا محل لها لأنها صلة الموصول (أَيُشْرِكُونَ ما لا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ) الهمزة للاستفهام الإنكاري ، ويشركون فعل مضارع ، والواو فاعل ، وما مفعول به ، وجملة لا يخلق صلة الموصول ، والواو حالية ، وهم مبتدأ ، وجملة يخلقون بالبناء للمجهول خبر «هم» ، والواو نائب فاعل ، والجملة مستأنفة مسوقة لتوبيخهم على ما اقترفوه. وهذا الضمير يعود على الأصنام المعبر عنها بـ «ما» ، وعبر عنها بـ «ما» لاعتقاد الكفار فيها ما يعتقدونه في العقلاء ، ويجوز أن يعود على الكفار ، أي : وهم ومخلوقون لله ، فلو تفكروا في ذلك لآمنوا (وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ) الجملة معطوفة على سابقتها ، وأنفسهم مفعول به مقدم لينصرون.

٥٠٩

الفوائد :

المراد في الخطاب الوارد في هذه الآيات شغل العلماء والمفسرين وخاضوا فيه كثيرا ، ولا يتسع المجال لنقل ما قالوه في هذا الصدد.

وأسلم ما نراه وأقربه الى الصواب والمعقول أن يكون المراد جنسي الذكر والأنثى ، لا يقصد فيه الى معين ، ويكون المعنى حينئذ : خلقكم جنسا واحدا ، وجعل أزواجكم منكم أيضا لتسكنوا إليهن ، فلما تغشى الجنس الذي هو الذكر الجنس الذي هو الأنثى جرى من الجنسين كذا وكذا. وقيل : الخطاب لقريش الذين كانوا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ وهم آل قصيّ ـ ألا ترى الى قوله في قصة أم معبد :

فيا لقصيّ ما زوى الله عنكم

به من فخار لا يبارى وسؤدد

وقبل هذا البيت :

جزى الله ربّ الناس خير جزائه

رفيقين حلّا خيمتي أم معبد

هما نزلا بالبرّ ثمّ ترحّلا

فيا فوز من أمسى رفيق محمد

وبعده :

ليهن بني سعد مقام فتاتهم

ومقعدها للمؤمنين بمرصد

٥١٠

والقائل مجهول.

روى التاريخ أنه حين خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة مهاجرا يصحبه أبوبكر ، وجهل أهلهما خبرهما بعد خروجها من الغار ، هتف الهاتفون بهذا القول. وأم معبد امرأة من بني سعد ، نزلا عندها. و «يا لقصيّ» أصله : يا آل قصي ، أو تكون لام الاستغاثة ، والجار والمجرور متعلقان بما في «يا» من معنى الفعل.

(وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَتَّبِعُوكُمْ سَواءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ (١٩٣) إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ عِبادٌ أَمْثالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١٩٤) أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِها أَمْ لَهُمْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها قُلِ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلا تُنْظِرُونِ (١٩٥))

الاعراب :

(وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَتَّبِعُوكُمْ) الواو استئنافية ، والجملة مستأنفة مسوقة لخطاب عبدة الأصنام ، أي : وإن تدعوا آلهتكم الى طلب هدى ورشاد كما تطلبونه من الله لا يتابعوكم على مرادكم. وإن

٥١١

شرطية. وتدعوهم فعل الشرط ، والواو فاعل. والهاء مفعول به يعود على الأصنام ، والى الهدى جار ومجرور متعلقان بتدعوهم ، ولا نافية ، ويتبعوكم جواب الشرط المجزوم (سَواءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ) سواء خبر مقدم ، وعليكم جار ومجرور متعلقان بسواء ، والهمزة للاستفهام ، وهي همزة التسوية التي تؤوّل ما بعدها بمصدر ، وقد مر ذكرها في البقرة ، وهي وما في حيزها في تأويل مصدر في محل رفع مبتدأ مؤخر ، ولك أن تعرب «سواء» خبرا لمبتدأ محذوف ، والمصدر المؤول فاعل لسواء الذي أجري مجرى المصادر ، وأم عاطفة وتسمى متصلة ، وقد سبق ذكرها ، وأنتم مبتدأ ، وصامتون خبر ، والجملة معطوفة على الجملة السابقة (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ عِبادٌ أَمْثالُكُمْ) الجملة مستأنفة مسوقة لتقرير ما تقدمها ، وإن واسمها ، وجملة تدعون صلة ، ومن دون الله جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال. وعباد خبر إنّ ، وأمثالكم صفة لعباد ، ووصف الأصنام بأنها عباد أمثالهم مع أنها جمادات ، ولفظ العباد إنما يطلق على الأحياء العقلاء ، وعبّر عنها بضرورة في قوله : «فادعوهم» ، وقوله : «فليستجيبوا لكم» ، إنما ساغ ذلك كله لأنهم لما اعتقدوا ألوهيتها لزمهم كونها حية عاقلة وإن كانت في الواقع خلاف ذلك ، ولكن وردت الألفاظ على مقتضى اعتقادهم. وسيأتي مزيد من التحقيق في هذا في باب الفوائد (فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) الفاء الفصيحة ، أي : إذا صح ذلك ـ وهو لم يصح إلا في اعتقادهم وعرفهم ـ فادعوهم. وادعوهم فعل أمر وفاعل ومفعول به ، وقوله : «فليستجيبوا» الفاء عاطفة ، واللام لام الأمر ، ويستجيبوا فعل مضارع مجزوم بلام الأمر ، ولكم جار ومجرور متعلقان بيستجيبوا ، وإن شرطية ، وكنتم صادقين فعل الشرط ، والجواب محذوف دلت

٥١٢

عليه الفاء الفصيحة ، أي : فادعوهم ، وصادقين خبر كنتم (أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِها) كلام مستأنف بمثابة التوبيخ لهم على عقولهم القاصرة.

والهمزة للاستفهام الإنكاري مع النفي ، ولهم جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم ، وأرجل مبتدأ مؤخر وجملة يمشون بها صفة (أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِها) أم عاطفة بمعنى بل ، والجملة معطوفة على سابقتها ، وكذلك قوله : (أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِها؟ أَمْ لَهُمْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها) أي : ليس لهم شيء من ذلك البتة مما هو لكم ، فكيف تعبونهم؟ وأنتم أتمّ منهم وأكمل حالا (قُلِ : ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلا تُنْظِرُونِ) جملة ادعوا شركاءكم مقول القول ، وثم حرف عطف وتراخ ، وكيدون عطف على ادعوا ، والفاء عاطفة ولا ناهية ، تنظرون فعل مضارع مجزوم بلا الناهية ، وعلامة جزمه حذف النون ، والنون للوقاية ، وياء المتكلم محذوفة ، وقد تقدم القول في جواز حذفها في البقرة.

البلاغة :

في قوله : «ألهم أرجل يمشون» بها الى قوله : «فلا تنظرون» فنّ بديعي معروف باسم نفي الشيء بإيجابه ، وهو أن يثبت المتكلم شيئا في ظاهر كلامه بشرط أن يكون المثبت مستعارا ، ثم ينفي ما هو من سببه مجازا ، والمنفي حقيقة في باطن الكلام ، وهو الذي أثبته لا الذي نفاه ، وفي الآيات المتقدمة يقتضي نفي الإلهية جملة عمن يبصر ويسمع من الآلهة المتخذة من دون الله تعالى ، فكيف من لا يسمع ولا يبصر منها. وقد تقدمت له أمثلة ، وسيأتي المزيد منه.

الفوائد :

لم ير أشهر المفسرين إشكالا في إطلاق لفظ «عباد» على

٥١٣

الأصنام ، فابن جرير ـ الذي هو أشدهم عناية بتقرير كل ما كان يعدّ شكلا والجواب عنه ـ لم يورده في الآية ، وفسر العباد بالأملاك ، وأما من بعده من المفسرين فقد أوردوا ذلك وأجابوا عنه بجوابين نقلهما الرازي.

عبارة الرّازيّ :

أحدها : أن المشركين لما ادّعوا أنها تضر وتنفع وجب أن يعقتدوا فيها كونها عاقلة فاهمة ، فلا جرم وردت هذه الآية على وفق معتقداتهم ، ولذلك قال : «فادعوهم فليستجيبوا لكم» ، وقال : إن الذين ولم يقل «التي».

والجواب الثاني أن هذا لغو ورد في معرض الاستهزاء بهم ، أي قصارى أمرهم أن يكونوا أحياء عقلاء ، فإذا ثبت ذلك فهم عباد أمثالكم ، ولا فضل لهم عليكم ، فلم جعلتم أنفسكم عبيدا؟ وجعلتموهم آلهة وأربابا.

(إِنَّ وَلِيِّيَ اللهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ (١٩٦) وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (١٩٧) وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَسْمَعُوا وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ (١٩٨) خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ

٥١٤

وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ (١٩٩) وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢٠٠))

اللغة :

(وَلِيِّيَ) : ناصري ومتولي أموري.

(الْعَفْوَ) : اليسر وضدّ الجهد. أي : خذ ما عفا لك من أخلاق الناس وأفعالهم ، وما أتى منهم ، وتسهّل من غير تكلف ولا إعنات ، ولا تحرجهم وتشق عليهم ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم في هذا المعنى : «يسّروا ولا تعسّروا». وقال :

خذي العفو مني تستديمي مودّتي

ولا تنطقي في سورتي حين أغضب

(العرف) : بضم العين : المعروف وكل جميل من الأفعال ، قال الحطيئة :من يفعل الخير لا يعدم جوازية لا يذهب العرف بين الله والناس (النزغ) : النخس والغرز ، شبه وسوسة الشيطان بغرز السائق لما يسوقه.

الاعراب :

(إِنَّ وَلِيِّيَ اللهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ) إن واسمها وخبرها ، والذي

٥١٥

صفة لله ، وجملة نزل الكتاب صلة الموصول (وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ) الواو حالية أو عاطفة ، وهو مبتدأ ، وجملة يتولى الصالحين خبر (وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ) عطف على ما تقدم ، وقد مرّ إعرابه آنفا ، وأنفسهم مفعول به مقدم لينصرون (وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَسْمَعُوا) عطف أيضا ، وإن الشرطية وفعلها وجوابها (وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ) الواو استئنافية ، وتراهم فعل مضارع ، وفاعله مستتر تقديره أنت ، والهاء مفعول به ، وجملة ينظرون إليك حالية ، والواو للحال ، وهم مبتدأ ، وجملة لا يبصرون خبر ، وجملة وهم لا يبصرون حال أيضا (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ) خذ فعل أمر ، وفاعله مستتر تقديره أنت ، والعفو مفعول به ، وفعلا الأمر الآخران عطف عليه (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) الواو عاطفة وإن شرطية ، أدغمت نونها بما الزائدة ، وينزغنك فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة ، وهو في محل جزم فعل الشرط. ومن الشيطان جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال ، لأنه في الأصل كان صفة لـ «نزغ» ، ونزغ فاعل ، فاستعذ : الفاء رابطة لجواب الشرط ، لأن الجواب بعدها طلبي ، واستعذ فعل أمر ، وفاعله مستتر تقديره أنت ، وبالله جار ومجرور متعلقان باستعذ ، وإن واسمها ، وخبرها ، وجملة إن وما في حيزها للتعليل والاستئناف.

البلاغة :

أعجب العرب كثيرا بقوله تعالى : «خذ العفو» الى آخر الآية ، لما فيها من سهولة سبك ، وعذوبة لفظ ، وسلامة تأليف ، مع ما تضمنته من إشارات بعيدة ، ورموز لا تتناهى ، وأطلقوا على هذا النوع من

٥١٦

الأساليب اسم فنّ يقال له «الانسجام» ، وهو أن يكون الكلام متحدّرا كتحدّر الماء المنسجم ، حتى يكون للجملة من المنثور وللبيت من المنظوم وقع في النفوس ، وتأثير في القلوب ، ما ليس لغيره.

نماذج شعرية من الانسجام :

ومن النماذج الشعرية لهذا الفنّ التي خلت من البديع ، إلا أن يأتي ضمن السهولة ، من غير قصد ، كقول بعضهم ، وينسب الى ديك الجنّ الشاعر الحمصي :

يا بديع الدّلّ والغنج

لك سلطان على المهج

إنّ بيتا أنت ساكنه

غير محتاج إلى السّرج

وجهك المأمول حجّتنا

يوم تأتي الناس بالحجج

ولبهاء الدين زهير :

لحاظك أمضى من المرهف

وريقك أشهى من القرقف

ومن سيف لحظك لا أتّقي

ومن خمر ريقك لا أكتفي

أقاسي المنون لنيل المنى

ويا ليت هذا بهذا يفي

زها ورد خدّيك لكنه

بغير النواظر لم يقطف

وقد زعموا أنه مضعف

وما علموا أنه مضعفي

ومما يستحق أن يغنى به قول صفيّ الدين ، وقد بلغ غاية الانسجام :

٥١٧

قالت : كحلت الجفون بالوسن

قلت : ارتقابا لطيفك الحسن

قالت : تسلّيت بعد فرقتنا

قلت : عن مسكني وعن سكني

قالت : تشاغلت عن محبتنا

قلت : بفرط البكاء والحزن

قالت : تخلّيت ، قلت عن جلدي

قالت : تغيّرت ، قلت : في بدني

قالت : أذعت الأسرار ، قلت لها :

صيّر سري هواك كالعلن

قالت : فماذا تروم؟ قلت لها :

ساعة سعد بالوصال تسعفني

قالت : وعين الرقيب ترقبنا

قلت : فإنّي للعين لم أبن

أنحلتني بالبعاد عنك فلو

ترصّدتني العيون لم ترني

ونختم هذه المختارة بالحكاية الآتية : قيل : إن بعض الأدباء اجتاز

٥١٨

بدار الشريف الرضي ، وقد أخنى عليها الزمان ، وأذهب بهجتها ، وأخلق ديباجتها ، وبقايا رسومها تشهد لها بالنضارة. فوقف عليها متعجبا من صروف الزمان وتمثل بهذه الأبيات :

ولقد وقفت على ربوعهم

وطلولها بيد البلى نهب

فبكيت حتى ضجّ من لغب

نضوي وعجّ بعذلي الرّكب

وتلفتت عيني فمذ خفيت

عني الطّلول تلفّت القلب

فمر شخص فقال له : أتعرف هذه الأبيات؟ فقال : لا قال : والله إنها لصاحب هذه الدار ، فتعجبا من غريب هذا الاتفاق ، والشيء بالشيء يذكر.

(إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ (٢٠١) وَإِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ (٢٠٢) وَإِذا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قالُوا لَوْ لا اجْتَبَيْتَها قُلْ إِنَّما أَتَّبِعُ ما يُوحى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هذا بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٢٠٣) وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٢٠٤) وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ (٢٠٥) إِنَّ الَّذِينَ

٥١٩

عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ (٢٠٦))

اللغة :

(طائِفٌ) : يحتمل أن يكون اسم فاعل من طاف به الخيال يطيف طيفا ، أو مصدر منه ، وقد قرأ أهل البصرة «طيف» ، وكذا أهل مكة ، وقرأ أهل المدينة والكوفة : «طائف».

(اجْتَبَيْتَها) اجتبى الشيء : بمعنى جباه لنفسه ، أي : جمعه.

(الغدو) بضمتين جمع غدوة ، بضم الغين وسكون الدال ، وهي من طلوع الفجر الى طلوع الشمس.

(الْآصالِ) جمع أصيل وهو من العصر إلى الغروب.

الاعراب :

(إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ) إن واسمها ، وجملة اتقوا صلة ، وإذا ظرف لما يستقبل من الزمن ، متضمن معنى الشرط ، وجملة مسهم في محل جر بالإضافة لوقوعها بعد الظرف ، والهاء مفعول به لمسّ ، وطائف فاعله ، ومن الشيطان جار ومجرور متعلقان بمحذوف صفة لطائف ، وإذا وشرطها وجوابها الآتي خبر إن (تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ) جملة تذكروا لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم ، والفاء عاطفة ، وإذا فجائية ، وقد تقدم الكلام عنها ،

٥٢٠