إعراب القرآن الكريم وبيانه - ج ٣

محيي الدين الدرويش

إعراب القرآن الكريم وبيانه - ج ٣

المؤلف:

محيي الدين الدرويش


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: اليمامة للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٥٧٦

الاعراب :

(فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ وَالْجَرادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفادِعَ وَالدَّمَ) الفاء عاطفة ، وأرسلنا فعل وفاعل ، وعليهم : جار ومجرور متعلقان بأرسلنا ، والطوفان مفعول به ، وما بعده عطف عليه (آياتٍ مُفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ) آيات حال من الخمسة المذكورات : ومفصلات صفة ، فاستكبروا عطف على أرسلنا ، وكانوا قوما مجرمين كان واسمها ، وقوما خبرها ، ومجرمين صفة (وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ) الواو عاطفة ، ولما رابطة أو حينية ، ووقع فعل ماض ، وعليهم جار ومجرور متعلقان بوقع ، والرجز فاعل ، وجملة وقع لا محل لها أو في محل جر بالإضافة (قالُوا يا مُوسَى ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ) جملة قالوا لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم ، ويا حرف نداء ، وموسى منادى مفرد علم ، وادع فعل أمر ، ولنا جار ومجرور متعلقان بـ «ادع» ، وربك مفعول به ، وبما جار ومجرور متعلقان بـ «ادع» وما مصدرية أو موصولة ، وجملة عهد لا محل لها على كل حال ، وعندك ظرف مكان متعلق بعهد (لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ) اللام موطئة للقسم ، وإن شرطية وكشفت فعل ماض وفاعل وهو في محل جزم فعل الشرط ، وعنا جار ومجرور متعلقان بكشفت ، والرجز مفعول به ، ولنؤمنن : اللام جواب للقسم ، ونؤمنن فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة ، والجملة لا محل لها لأنها جواب للقسم ، ولك جار ومجرور متعلقان بنؤمننّ (وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرائِيلَ) عطف على ما تقدم ، ومعك ظرف مكان متعلق بنرسلن ، وبني إسرائيل مفعول به (فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الرِّجْزَ) الفاء عاطفة ، ولما رابطة أو حينية ، وجملة كشفنا لا محل لها أو في محل جر بالإضافة ،

٤٤١

وكشفنا فعل وفاعل ، والرجز مفعول به ، وعنهم جار ومجرور متعلقان بكشفنا (إِلى أَجَلٍ هُمْ بالِغُوهُ إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ) الى أجل جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال ، وهم مبتدأ ، وبالغوه خبر ، والجملة الاسمية صفة لأجل ، وإذا الفجائية وقد تقدم أننا اخترنا الحرفية لها وجها ، وهم مبتدأ ، وجملة ينكثون خبره ، والجملة لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم ، وقد استدل سيبويه بهذه الآية على أن «لما» حرف وجوب لوجوب ، أي رابطة لا ظرف بمعنى حين ـ كما زعم بعضهم ـ لافتقاره الى عامل فيه ، ولا يحتمل إضمارا ، ولا يعمل ما بعد إذا الفجائية فيما قبلها (فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ فِي الْيَمِّ) فانتقمنا عطف ، ومنهم جار ومجرور متعلقان بانتقمنا ، فأغرقناهم عطف أيضا ، وفي اليم جار ومجرور متعلقان بأغرقناهم (بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ) بأنهم الباء وما في حيزها جار ومجرور متعلقان بأغرقناهم ، ومعنى الباء السببية ، أي : بسبب أنهم ، وجملة كذبوا خبر أن ، وكانوا عطف على كذبوا ، وعنها جار ومجرور متعلقان بغافلين ، وغافلين خبر كانوا.

البلاغة :

سر استعمال القمّل :

وردت لفظة «القمّل» في آية من القرآن حسنة مستساغة ، وقد وردت في بيت للفرزدق غير حسنة مستهجنة ، وهو :

من عزّه احتجزت كليب عنده

زربا كأنهم لديه القمّل

وإنما حسنت هذه اللفظة في الآية دون البيت لأنها جاءت في الآية

٤٤٢

مندرجة في ضمن كلام متناسب ، ولم ينقطع الكلام عندها ، وجاءت في الشعر قافية ، أي : آخرا انقطع الكلام عندها ، فقد تضمنت الآية خمسة ألفاظ هي الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم ، وأحسن هذه الألفاظ الخمسة هي الطوفان والجراد والدم ، فلما وردت هذه الألفاظ الخمسة بجملتها قدم منها الطوفان والجراد وأخرت لفظة الدم آخرا ، وجعلت لفظة القمل والضفادع في الوسط ، ليطرق السمع أولا الحسن من الألفاظ الخمسة ، وينتهي إليه آخرا. ثم إن لفظة «الدم» أحسن من لفظتي «الطوفان» و «الجراد» ، وأخف في الاستعمال ، ومن أجل ذلك جيء بها آخرا. ومراعاة مثل هذه الأسرار والدقائق في استعمال الألفاظ ليس من القدرة البشرية.

(وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا الَّتِي بارَكْنا فِيها وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ بِما صَبَرُوا وَدَمَّرْنا ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَما كانُوا يَعْرِشُونَ (١٣٧) وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلى أَصْنامٍ لَهُمْ قالُوا يا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (١٣٨))

٤٤٣

اللغة :

(كَلِمَتُ رَبِّكَ) نصّوا على رسم هذه بالتاء المجزورة (أي المبسوطة) وما عداها في القرآن بالهاء على الأصل ، والمراد بالكلمة وعده تعالى لهم بقوله : «ونريد أن نمنّ» إلخ.

(يَعْرِشُونَ) : بضم الراء وكسرها ، وقد قرئ بهما في السبع.

أي يرفعون من البنيان تمهيدا للشروع في قصة بني إسرائيل وما أحدثوه بعد إنقاذهم من فرعون من أنواع الكفر وأنماط التعنت والشطط مما لا تزال شواهده نواطق بحقائقهم.

الاعراب :

(وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا) الواو عاطفة أو استئنافية ، وأورثنا القوم فعل وفاعل ومفعول به ، والذين صفة للقوم ، وجملة كانوا صلة الموصول ، وجملة يستضعفون خبر كانوا ، ويستضعفون فعل مضارع مبني للمجهول ، والواو نائب فاعل ، مشارق الأرض مفعول به ثان ، ومغاربها عطف على مشارق (الَّتِي بارَكْنا فِيها وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ بِما صَبَرُوا) التي اسم موصول صفة للمشارق والمغارب ، وجملة باركنا لا محل لها لأنها صلة الموصول ، وفيها جار ومجرور متعلقان بباركنا ، وتمت كلمة ربك عطف على «أورثنا» ، وكلمة فاعل ، والحسنى صفة لكلمة ، وعلى بني إسرائيل جار ومجرور متعلقان بتمت وبما جار ومجرور متعلقان بصبروا (وَدَمَّرْنا ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَما كانُوا يَعْرِشُونَ) الواو عاطفة ، ودمرنا فعل وفاعل ، وما اسم موصول في محل نصب مفعول به ، وجملة كان صلة ، واسم كان

٤٤٤

ضمير مستتر ، وجملة يصنع خبر كان ، وفرعون فاعله ، وقومه عطف على فرعون ، و «ما» عطف على «ما» الأولى ، وجملة كانوا يعرشون صلة «ما» وجملة يعرشون خبر كانوا (وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ) الواو استئنافية ، والكلام مستأنف مسوق للشروع في قصة بني إسرائيل وما أحدثوه من بدع للاعتبار والاتعاظ بحال الإنسان المفطور على الشرّ. وببني إسرائيل جار ومجرور متعلقان بجاوزنا ، والبحر مفعول به ، ويجوز أن يتعلق «ببني» بمحذوف حال (فَأَتَوْا عَلى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلى أَصْنامٍ لَهُمْ) فأتوا عطف على جاوزنا ، وعلى قوم جار ومجرور متعلقان بأتوا ، وجملة يعكفون صفة لقوم ، وعلى أصنام جار ومجرور متعلقان بيعكفون ، ولهم جار ومجرور متعلقان بمحذوف صفة لأصنام (قالُوا : يا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ) كلام مستأنف مسوق لبيان تعنتهم وافتئاتهم وطلبهم الآلهة ورؤية الله جهرة ، وغير ذلك من أنواع المعاصي. وجملة اجعل مقول القول ، ولنا جار ومجرور متعلقان باجعل ، أو بمحذوف مفعول به أول ، وإلها مفعول به ثان. وكما الكاف حرف جر ، وما اسم موصول بمعنى الذي ، ولهم جار ومجرور متعلقان بمحذوف صلة ، وآلهة بدل من الضمير المستكن في «لهم» والتقدير : كالذي استقر هو لهم آلهة ، والكاف ومجرورها صفة لإلها ، واختار الزمخشري أن تكون «ما» كافة للكاف ، فهي كافة ومكفوفة ، ولذلك وقعت الجملة بعدها (قالَ : إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ) كلام مستأنف لبيان جواب موسى لهم ، وإن واسمها وخبرها ، وجملة تجهلون صفة لقوم ، وجملة إنكم مقول القول.

(إِنَّ هؤُلاءِ مُتَبَّرٌ ما هُمْ فِيهِ وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٣٩) قالَ أَغَيْرَ

٤٤٥

اللهِ أَبْغِيكُمْ إِلهاً وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ (١٤٠) وَإِذْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يُقَتِّلُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (١٤١))

اللغة :

(مُتَبَّرٌ) مكسّر ، فهو اسم مفعول من تبر ، أي : دمّر وأهلك ، والمصدر التتبير. ومنه التبر وهو كسارة الذهب ، لتهالك الناس عليه.

الاعراب :

(إِنَّ هؤُلاءِ مُتَبَّرٌ ما هُمْ فِيهِ) كلام مستأنف مسوق لبيان مصيرهم الذي يئولون إليه. وإن حرف مشبه بالفعل ، وهؤلاء اسم إشارة اسم إن ، ومتبر يجوز أن يكون خبر إن ، وما اسم موصول في محل رفع نائب فاعل لمتبر ، وهم فيه مبتدأ وخبر ، والجملة لا محل لها لإنها صلة ، ويجوز أن يكون الموصول مبتدأ ، ومتبر خبره المقدم عليه ، والجملة خبر إن (وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) الواو حرف عطف ، وباطل خبر مقدم ، وما مبتدأ مؤخر ، وكانوا يعملون من كان واسمها وخبرها صلة «ما» ، ولك أن تعطف «باطل» على «متبر» وتجعل «ما» فاعلا لباطل لأنه اسم فاعل (قالَ : أَغَيْرَ اللهِ أَبْغِيكُمْ إِلهاً) كلام مستأنف مسوق للشروع في بيان شئون الله الموجبة لتخصيص العبادة به. والهمزة للاستفهام الإنكاري التوبيخي ، وغير مفعول به لفعل

٤٤٦

محذوف ، أي : أأطلب لكم معبودا غير المستحق للعبادة؟ وجملة أبغيكم مقول القول ، وإلها تمييز أو حال ، ويجوز أن يكون «غير» مفعولا مقدما لأبغيكم ، والكاف منصوبة بنزع الخافض ، أي : أأبغي لكم غير الله؟ ويجوز على هذا الوجه إعراب «غير» حالا وإلها هو المفعول به (وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ) الواو حالية ، وهو مبتدأ ، وجملة فضلكم خبر ، والجملة كلها حالية ، وعلى العالمين جار ومجرور متعلقان بفضلكم ، ويجوز أن تكون الواو للاستئناف ، والجملة مستأنفة لا محل لها من الإعراب (وَإِذْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ) الواو عاطفة أو استئنافية ، وإذ مفعول به لفعل محذوف ، تقديره : اذكروا وقت أنجيناكم ، وجملة أنجيناكم في محل جر بالإضافة ، ومن آل جار ومجرور متعلقان بأنجيناكم ، وفرعون مضاف إليه مجرور وعلامة جره الفتحة لمنعه من الصرف (يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ) الجملة نصب على الحال من آل فرعون ، ويسومونكم فعل مضارع وفاعل ومفعول به أول ، وسوء العذاب مفعول به ثان (يُقَتِّلُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ) جملة يقتلونكم بدل من جملة يسومونكم ، ويستحيون نساءكم جملة معطوفة عليها (وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ) الواو حالية أو استئنافية ، وفي ذلكم جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم ، وبلاء مبتدأ مؤخر ، ومن ربكم جار ومجرور متعلقان بمحذوف صفة لبلاء ، وعظيم صفة ثانية.

(وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقالَ مُوسى لِأَخِيهِ هارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا

٤٤٧

تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ (١٤٢) وَلَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً فَلَمَّا أَفاقَ قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (١٤٣))

الاعراب :

(وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ) الواو استئنافية ، والكلام مستأنف مسوق لتفصيل ما أجمله في سورة البقرة ، وهو قوله تعالى : «وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة» ، وواعدنا موسى فعل وفاعل ومفعول به ، وثلاثين مفعول به ثان لواعدنا ، وفيه حذف مضاف تقديره : تمام ثلاثين ، وليلة تمييز ، وذلك ليصومها حتى نكلمه ، وأتممناها عطف على واعدنا ، وبعشر جار ومجرور متعلقان بأتممناها (فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) الفاء عاطفة ، وتم ميقات فعل وفاعل ، وربه مضاف إليه ، وأربعين حال ، أي تمّ بالغا هذا العدد ، وليلة تمييز ، وسيأتي في باب الفوائد تعليل نصبها على الحال. وقيل : هو مفعول «تم» لأن معناه بلغ ، ولا يصح أن يكون ظرفا للتمام ، لأن التمام إنما هو بآخر جزء من تلك الأزمنة (وَقالَ مُوسى لِأَخِيهِ هارُونَ) الواو عاطفة ، وقال موسى فعل وفاعل ، ولأخيه جار ومجرور متعلقان

٤٤٨

بقال. وهارون : بدل من أخيه أو عطف بيان (اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ) الجملة مقول قول موسى ، واخلفني فعل أمر ومفعول به ، وفي قومي جار ومجرور متعلقان باخلفني ، وأصلح عطف على اخلفني ، ولا تتبع الواو حرف عطف ، ولا الناهية وتتبع فعل مضارع مجزوم بلا الناهية ، وسبيل المفسدين مفعول به (وَلَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا) الواو عاطفة ، ولما رابطة أو حينية ، متضمنة معنى الشرط ، وجملة جاء موسى لا محل لها. أو في محل جر بالإضافة ، ولميقاتنا جار ومجرور متعلقان بجاء ، واللام للاختصاص ، كما تقول : أتيته لعشر خلون من الشهر (وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قالَ : رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ) وكلمه ربه عطف على جاء ، وربه فاعل كلمه. وجملة قال لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم ، ورب منادى مضاف محذوف منه حرف النداء ، وأرني فعل أمر للدعاء ، وفاعله مستتر ، والنون للوقاية ، والياء مفعول به أول ، ومفعول الرؤية الثاني محذوف تقديره : نفسك ، وأنظر فعل مضارع مجزوم لأنه جواب الطلب وجملة الطلب وجوابه مقول القول ، وإليك جار ومجرور متعلقان بأنظر (قالَ لَنْ تَرانِي) الجملة مقول القول ، ولن حرف نفي ونصب واستقبال ، وتراني فعل مضارع منصوب بلن والياء مفعول به (وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي) الواو عاطفة ، ولكن حرف استدراك مخفف مهمل ، وانظر فعل أمر ، والى الجبل جار ومجرور متعلقان بانظر ، فإن الفاء عاطفة ، وإن شرطية ، واستقر فعل ماض في محل جزم فعل الشرط ، ومكانه ظرف مكان متعلق باستقر ، فسوف الفاء رابطة لجواب الشرط ، وسوف حرف استقبال ، وتراني فعل مضارع ، والجملة في محل جزم جواب الشرط (فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا) الفاء عاطفة ، ولما رابطة أو حينية ، وتجلى ربه فعل وفاعل ،

٤٤٩

وللجبل جار ومجرور متعلقان بتجلى ، وجعله فعل ومفعول به ، والجملة لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم ، ودكا مفعول به ثان لجعله ، لأنه مصدر بمعنى مفعول ، أي : مدكوك ، ويجوز نصبه على المصدرية ، إذ التقدير : دكه دكا (وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً) صعقا حال (فَلَمَّا أَفاقَ قالَ : سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) الفاء عاطفة ، ولما رابطة أو حينية ، وجملة أفاق لا محل لها ، أو في محل جر بالإضافة ، وجملة قال لا محل لها ، وسبحانك مفعول مطلق لفعل محذوف ، وتبت فعل وفاعل ، وإليك جار ومجرور متعلقان بتبت ، وأنا الواو عاطفة ، وأنا مبتدأ ، وأول المؤمنين خبر.

الفوائد :

رؤية الله في الآخرة :

استدل الزمخشري وغيره من أئمة المعتزلة على عدم رؤية الله تعالى في الآخر بـ «لن» ، قالوا : هي للتأكيد والتأبيد. ورد عليهم علماء السنة ، وشجر خلاف طويل حول ذلك ، وجر إلى التهاتر والتراشق بالحساب العسير والتهم ، مما لا يتسع المجال له في كتابنا. فارجع إليه في المطولات.

(قالَ يا مُوسى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي وَبِكَلامِي فَخُذْ ما آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (١٤٤) وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْها بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ

٤٥٠

يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها سَأُرِيكُمْ دارَ الْفاسِقِينَ (١٤٥) سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ (١٤٦))

الاعراب :

(قالَ : يا مُوسى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي وَبِكَلامِي) كلام مستأنف مسوق لتسلية موسى عليه السلام على ما فاته من الرؤية.

وجملة النداء في محل نصب مقول القول ، وإن واسمها ، وجملة اصطفيتك خبر ، وعلى الناس جار ومجرور متعلقان باصطفيتك ، وبرسالاتي جار ومجرور متعلقان باصطفيتك أيضا ، وجمع الرسالة لأن الذي أرسل به ضروب وأنواع مختلفة ، وبكلامي عطف على برسالاتي ، وقدم الرسالة تنويها بالترقي إلى الأشرف ، لأن مكالمته مزية خاصة له ، وأعاد حرف الجر تنويها بمغايرة الاصطفاء للكلام (فَخُذْ ما آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ) الفاء الفصيحة ، والجملة بعدها لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم ، وجملة آتيتك صلة «ما» ، وكن من الشاكرين عطف على خذ ، ومن الشاكرين جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر «كن» (وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) الواو استئنافية ، وكتبنا فعل وفاعل ، وله جار ومجرور متعلقان بكتبنا ، وفي

٤٥١

الألواح جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال ، ومن كل شيء جاء ومجرور متعلقان بمحذوف مفعول به ، والمراد ألواح التوراة (مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ) موعظة بدل من محل «من كل شيء» ، لأنه مفعول به كما تقدم ، ويجوز إعراب «موعظة» مفعولا من أجله ، أي : كتبنا له تلك الأشياء للموعظة والتفصيل ، ولكل شيء جار ومجرور متعلقان بـ «تفصيلا» أو صفة له (فَخُذْها بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها سَأُرِيكُمْ دارَ الْفاسِقِينَ) الفاء الفصيحة أو عاطفة لمحذوف على كتبنا ، والتقدير : فقلنا خذها ، وخذ فعل أمر ، والهاء مفعول به. وبقوة جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال من فاعل خذها ، وجملة امر عطف على خذها ، وقومك مفعول به ، ويأخذوا فعل مضارع مجزوم لأنه جواب الطلب ، وخص الأحسن بالأخذ ، وكل ما فيها مطلوب ، مبالغة في التحري وحسن الأخذ واختيار الأسدّ المحكم ، أو ان التفضيل غير مراد كقولهم : الصيف أحر من الشتاء ، أي هو في حرّه أبلغ من الشتاء في برده ، فتفضيل حرارة الصيف على برد الشتاء غير مراد ، فلما أريد بالأحسن المأمور به ـ لكونه أبلغ في الحسن من المنهي عنه في القبح ـ كان اللازم أن لا يجوز الأخذ بالمنهي عنه ، وسأريكم دار الفاسقين جملة مستأنفة مسوقة للتأكيد للأمر بالأخذ بالأحسن والحث عليه ، فهي بمثابة التعليل ، ولا يخفى ما في الالتفات من زيادة في التأكيد والمبالغة للأخذ بالأحسن. أما دار الفاسقين فقيل : هي دار فرعون وأتباعه ، للاعتبار بها ، وقيل : هي غير ذلك ، ولا محل للاجتهاد هنا (سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ) كلام مستأنف مسوق للتحذير من الاستكبار الصارف للأذهان عن التفكير الحق. وعن آياتي جار ومجرور متعلقان بأصرف ، والذين اسم موصول في محل نصب مفعول

٤٥٢

به ، وجملة يتكبرون صلة ، وفي الأرض جار ومجرور متعلقان بيتكبرون ، وبغير الحق جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال من الذين يتكبرون ، أي : حال كونهم ملتبسين بالدين غير الحقّ (وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها) الواو عاطفة ، وإن شرطية ، ويروا فعل الشرط ، والواو فاعل ، وكل آية مفعول به ، وجملة لا يؤمنوا جواب الشرط ، وبها جار ومجرور متعلقان بيؤمنوا (وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً) عطف على ما تقدّم ، وسبيلا مفعول به ثان (وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً) عطف على ما سبق أيضا (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ) اسم الاشارة في محل رفع أو نصب : فالرفع على أنه مبتدأ خبره الجار والمجرور بعده ، أي : ذلك الصرف بسبب تكذيبهم ، والنصب على أنه بمعنى صرفهم عن ذلك الصرف بعينه ، فجعله مصدرا مفعولا به ، وعلى كل حال فالجملة ابتدائية لا محل لها ، وجملة كذبوا خبر أن ، وبآياتنا جار ومجرور متعلقان بكذبوا ، وكانوا عطف على كذبوا ، والواو اسم كان ، وعنها جار ومجرور متعلقان بغافلين ، وغافلين خبر كانوا.

البلاغة :

١ ـ الالتفات في قوله : «سأريكم دار الفاسقين» لاسترعاء الاهتمام كما أسلفنا.

٢ ـ الطباق بين سبيل الرشد وسبيل الغيّ. ولما كانت المقابلة بينهما بالسلب ظهر حسنها بصورة واضحة.

(وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَلِقاءِ الْآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ هَلْ

٤٥٣

يُجْزَوْنَ إِلاَّ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٤٧) وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً اتَّخَذُوهُ وَكانُوا ظالِمِينَ (١٤٨))

اللغة :

(حُلِيِّهِمْ) : جمع حلي كثدي وثديّ ، وأصله حلويّ ، اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت ياء وأدغمت في الياء وكسرت اللام لأجل الياء. والحلي اسم لما يتحلى به من الذهب والفضة.

(خُوارٌ) : بضم الخاء كما هي القاعدة الأغلبية في أسماء الأصوات ، إما على وزن فعال أو فعيل كزئير.

الاعراب :

(وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَلِقاءِ الْآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ) الواو استئنافية ، والجملة مستأنفة لبيان نمط آخر من عصيانهم وافتئاتهم على الله. واسم الموصول في محل رفع مبتدأ ، وجملة كذبوا بآياتنا صلة ، ولقاء الآخرة عطف على بآياتنا ، وجملة حبطت أعمالهم خبر المبتدأ (هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ) الهمزة للاستفهام ، المراد به النفي ، ولذلك دخلت بعدها «إلا» ، ويجزون فعل مضارع مبني للمجهول ، والواو نائب فاعل ، وإلا أداة حصر ، وما اسم موصول

٤٥٤

في محل نصب مفعول به ثان ، وجملة كانوا صلة الموصول ، وجملة يعملون خبر ، ولا أرى داعيا لتقدير محذوف ، كما قال الواحديّ ، ونصه : «وهنا لا بد من تقدير محذوف ، أي إلا بما كانوا ، أو على ما كانوا ، أو جزاء ما كانوا». قلت : والجزاء المقابل أوضح ، فلا داعي لهذا التكلف. (وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ) الواو استئنافية ، والكلام مستأنف مسوق لسرد نمط آخر من أنماط تجنيهم ، ويجوز أن تكون الواو عاطفة ، من عطف قصة على قصة. وقوم موسى فاعل ، ومن بعده جار ومجرور متعلقان باتخذ ، ومن حليهم جار ومجرور متعلقان باتخذ ، أو بمحذوف في موضع الحال ، لأنه لو تأخر لكان صفة ، كما هي القاعدة. وعجلا مفعول به ، وجسدا بدل ، وأتى بهذا البدل دفعا لتوهم أنه صورة عجل منقوشة ، وله جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم ، وخوار مبتدأ مؤخر ، والجملة في محل نصب صفة لقوله : «عجلا» (أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً) كلام مستأنف مسوق لتقريعهم على سوء اختيارهم ، وإمعانهم في ركوب متن الشطط. والهمزة للاستفهام الإنكاري ، ولم حرف نفي وقلب وجزم ، والواو فاعل يروا ، وأن وما في حيزها سدت مسد مفعولي يروا ، وجملة لا يكلمهم خبر ، ولا يهديهم سبيلا عطف على لا يكلمهم ، وسبيلا مفعول به ثان ، أو منصوب بنزع الخافض (اتَّخَذُوهُ وَكانُوا ظالِمِينَ) جملة مستأنفة مسوقة لتكون جوابا عن سؤال نشأ من سياق الكلام ، أي : فكيف اتخذوه؟ والواو عاطفة ، وكان واسمها ، وظالمين خبرها.

(وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنا

٤٥٥

رَبُّنا وَيَغْفِرْ لَنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ (١٤٩) وَلَمَّا رَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً قالَ بِئْسَما خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْواحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (١٥٠) قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (١٥١))

اللغة :

(سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ) : اضطربت أقوال أهل اللغة في أصل هذه الكلمة ، وهي تستعمل للندم والتّحيّر. فقال أبو مروان اللغوي : قول العرب : سقط في يده مما أعياني معناه. وقال الواحدي : قد بان من أقوال المفسرين وأهل اللغة أن سقط في يده : ندم. وأنه يستعمل في صفة النادم. فأما القول في مأخذه وأصله فلم أر لأحد من أئمة اللغة شيئا أرتضيه فيه. وقال الزّجّاج : قوله تعالى : «سقط في أيديهم» : بمعنى ندموا ، وهذه اللفظة لم تسمع قبل القرآن ، ولم تعرفها العرب في النظم والنثر ، جاهلية وإسلاما. فلما سمعوه خفي عليهم وجه استعماله ، لأنه لم يقرع أسماعهم ، فقال أبو نواس : «في نشوة قد سقطت منها يدي» وهو العالم النحرير

٤٥٦

فأخطأ في استعماله. وعبارة الفراء : يجوز سقط وأسقط ، وترك الهمزة هو الأكثر الأجود ، وسقط بالفتح والبناء للفاعل لغة قليلة ، قال الأخفش : وقد قرئ بها في الشواذّ كأنه أضمر الندم ، أي : سقط الندم في أيديهم. وقال المطرزي : سقط في يده مثل يضرب للنادم المتحيّر ، ومعناه ندم. لأن من شأن من اشتد ندمه أن يعضّ يده فتصير يده مسقوطا فيها ، كأن فاه وقع فيها. هذا وترى مزيدا من القول في هذه اللفظة في باب البلاغة.

الاعراب :

(وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ) الواو استئنافية ، والجملة مستأنفة مسوقة لبيان مصيرهم بعد ارتكاب جريرتهم. ولما رابطة أو حينية ، وسقط بالبناء للمجهول ، وفي أيديهم قائم مقام نائب الفاعل ، وفي بمعنى على ، أي : على أيديهم (وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا) عطف على سقط في أيديهم ، وأن وما في حيزها سدت مسدّ مفعولي رأوا ، لأنها بمعنى علموا ، وجملة قد ضلوا خبر أن (قالُوا : لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنا رَبُّنا وَيَغْفِرْ لَنا) جملة قالوا لا محل لها من الإعراب لأنها جواب شرط غير جازم ، واللام موطئة للقسم ، وإن شرطية ، ولم حرف نفي وقلب وجزم ، ويرحمنا فعل مضارع مجزوم بلم ، ونا مفعول به ، وربنا فاعل مؤخر ، ويغفر الواو حرف عطف ، وجملة يغفر عطف على يرحمنا ، ولنا جار ومجرور متعلقان بيغفر (لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ) اللام جواب للقسم ، ونكونن فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة ، وجملة جواب القسم لا محل لها ، وجملة القسم في محل نصب مقول القول ، ومن الخاسرين جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر نكونن (وَلَمَّا رَجَعَ

٤٥٧

مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً) الواو استئنافية ، أو عاطفة ، ولما رابطة أو حينية ، وجملة رجع موسى لا محل لها ، أو في محل جر بالإضافة ، والى قومه جار ومجرور متعلقان برجع ، وغضبان حال أولى ، وأسفا حال ثانية من موسى (قالَ بِئْسَما خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي) بئس فعل ماض جامد لإنشاء الذم ، وفاعله ضمير مستتر تقديره هو وجوبا هنا خاصة. وما نكرة موصوفة في محل نصب تمييز ، والمعنى خلافة ، وجملة خلفتموني صفة لما ، والمخصوص بالذم محذوف أي : خلافتكم ، ومن بعدي جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال (أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ) الهمزة للاستفهام الإنكاري التقريعي ، وعجلتم أي : سبقتم فعل وفاعل ، وأمر ربكم مفعول به ، وكلها تتمة مقولهم (وَأَلْقَى الْأَلْواحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ) الواو عاطفة ، وألقى عطف على قال ، والمراد هنا استيلاء الغضب ، وأخذ عطف على ألقى ، وبرأس جار ومجرور متعلقان بأخذ ، وأخيه مضاف إليه ، وجملة يجره إليه حال من ضمير موسى المستتر في أخذ ، أي : أخذه جارّا برأسه إليه (قالَ ابْنَ أُمَّ) ابن أمّ اسمان مبنيان على الفتح لتركبهما تركيب الأعداد ، مثل خمسة عشر أو الظروف مثل صباح مساء ، فعلى هذا ليس ابن مضاف لأم بل هو مركب معها ، فحركتهما حركة بناء. وذهب الكوفيون الى أن ابن مضاف لأمّ ، وأمّ مضاف الى ياء المتكلم ، وقد قلبت ألفا كما تقلب في المنادى المضاف الى ياء المتكلم ، ثم حذفت الألف واجتزئ عنها بالفتحة كما يجتزأ بالياء عن الكسرة ، وحينئذ فحركة ابن حركة إعراب ، وهو مضاف لأمّ ، فهي في محل جر بالإضافة ، وعلى كل فحرف النداء محذوف أي : يا ابن أم ، وانما اقتصر في خطابه على الأم مع أنه شقيقه لأن ذكر الأم أعطف لقلبه (إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي) الجملة بمثابة التعليل لما عاملوه به. وإن واسمها ، وجملة استضعفوني خبرها ،

٤٥٨

وكادوا عطف على استضعفوني ، والواو اسم كاد ، وجملة يقتلونني خبرها (فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ) الفاء الفصيحة ، أي : إذا علمت عذري فلا تسرّ الأعداء بما تفعل بي من المكروه ، وبي جار ومجرور متعلقان بتشمت ، والأعداء مفعول به (وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) الواو عاطفة ، ولا ناهية ، وتجعلني فعل مضارع مجزوم بلا ، ومع ظرف مكان متعلق بتجعلني ، والقوم مضاف إليه والظالمين صفة (قالَ : رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي) الجملة مستأنفة مسوقة لطلب المغفرة له ولأخيه ، ورب منادى محذوف منه حرف النداء ، واغفر فعل دعاء ، ولي جار ومجرور متعلقان باغفر ، ولأخي عطف على «لي» (وَأَدْخِلْنا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) عطف على اغفر ، وفي رحمتك جار ومجرور متعلقان بأدخلنا ، وأنت الواو حالية أو استئنافية ، وأنت مبتدأ ، وأرحم الراحمين خبر.

البلاغة :

الكناية في قوله : «سقط في أيديهم» عن الندم فإن العادة أن الإنسان إذا ندم على شيء عضّ بفمه على أصابعه ، فسقوط الأفواه على الأيدي لازم للندم ، فأطلق اسم اللازم وأريد الملزوم على سبيل الكناية. وقال الزمخشري : «ولما سقط في أيديهم : ولما اشتد ندمهم ، وحسرتهم على عبادة العجل ، لأن من شأن من اشتد ندمه وحسرته أن يعضّ يده غما فتصير يده مسقوطا فيها لأن فاه قد وقع فيها».

وقال القطب في شرح الكشاف : إنه على تفسير الزّجّاج استعارة تمثيلية ، لأنه شبه حال الندم في القلب بحال الشيء في اليد ، وفيل : هو على تفسيره ، استعارة بالكناية في الندم بتشبيهه ما يرى في العين.

٤٥٩

(إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ (١٥٢) وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِها وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١٥٣) وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْواحَ وَفِي نُسْخَتِها هُدىً وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ (١٥٤))

الاعراب :

(إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) كلام مستأنف ، مسوق لإخبار موسى بما سينالهم بعد هذه الكبائر المتتابعة. وإن واسمها ، وجملة اتخذوا العجل لا محل لها لأنها صلة الموصول ، وجملة سينالهم خبر إن ، وغضب فاعل ، ومن ربهم جار ومجرور متعلقان بمحذوف صفة لغضب ، وذلة عطف على غضب ، وفي الحياة جار ومجرور متعلقان بمحذوف صفة لذلة ، والدنيا صفة للحياة (وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ) أي : مثل ذلك الجزاء نجزيهم ، وقد تقدمت له نظائر كثيرة (وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِها وَآمَنُوا) عطف على الذين السابقة أو مبتدأ ، وجملة عملوا السيئات صلة ، ثم تابوا عطف على عملوا ، ومن بعدها جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال ، وآمنوا عطف على عملوا (إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ

٤٦٠