إعراب القرآن الكريم وبيانه - ج ٣

محيي الدين الدرويش

إعراب القرآن الكريم وبيانه - ج ٣

المؤلف:

محيي الدين الدرويش


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: اليمامة للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٥٧٦

فيقال : بخّ بخّ ، وتبنيان عندئذ على السكون ، وبخر الثوب أحدث فيه رائحة طيبة ، والبخر بفتحتين نتن الفم ، فهو من الأضداد. والبخار وهو الماء في الحالة الغازية ، وكل ما ارتفع من السوائل الحارّة كالدخان. وأثره في تسيير القواطر وغيرها مشهور متعارف ، وبخص عينه قلعها ، وبخع نفسه أهلكها ، وبخل أمسك ومنع.

الاعراب :

(وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ) تكررت هذه الآية مرارا وقد تقدم إعرابها (قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ) الجملة داخلة في حيز القول ، منصوبة به ، وبينة فاعل جاءتكم ، ومن ربكم جار ومجرور متعلقان بمحذوف صفة لبينة (فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ) الفاء الفصيحة. وأوفوا فعل أمر ، والواو فاعل ، والكيل مفعول به ، والميزان عطف على الكيل (وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ) الواو عاطفة ، ولا ناهية ، وتبخسوا فعل مضارع مجزوم بلا الناهية ، والواو فاعله ، والناس مفعول به ، وأشياءهم مفعول به ثان ، يقال :بخسته حقه إذا أنقصته إياه (وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها) عطف على ما تقدم ، ولا ناهية ، وتفسدوا فعل مضارع مجزوم بلا ، وفي الأرض جار ومجرور متعلقان بتفسدوا ، وبعد إصلاحها ظرف زمان متعلق بمحذوف حال ، ولا بد من تقدير مضاف ، أي : إصلاح أهلها (ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) الجملة مستأنفة ، واسم الإشارة مبتدأ ، وخير خبر ، ولكم جار ومجرور متعلقان بخير ، وإن شرطية ، وكنتم كان واسمها في محل جزم فعل الشرط ، ومؤمنين خبر كنتم ، وجواب إن محذوف ، أي : فبادروا الى الايمان (وَلا تَقْعُدُوا

٤٠١

بِكُلِّ صِراطٍ تُوعِدُونَ) عطف أيضا ، وبكل جار ومجرور متعلقان بتقعدوا ، وصراط مضاف إليه ، وجملة توعدون في محل نصب على الحال ، أي : ولا تقعدوا موعدين (وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ مَنْ آمَنَ بِهِ) عطف أيضا ، وعن سبيل الله جار ومجرور متعلقان بتصدون ، ومن مفعول لتصدون ، وجملة آمن به صلة ، وبه جار ومجرور متعلقان بآمن (وَتَبْغُونَها عِوَجاً) وتبغونها فعل وفاعل ومفعول به ، وعوجا حال وقع فيها المصدر موضع الاسم المشتق ، أي : معوجة. ويجوز أن تكون الهاء في محل نصب بنزع الخافض ، وعوجا مفعول به. وهو قول سليم تقدم في آل عمران ، فجدد عهدا به (وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ) عطف أيضا ، وإذ ظرف لما مضى من الزمن في محل نصب مفعول به ، أي : واذكروا شاكرين وقت كونكم قليلا عددكم. ويجوز أن تكون ظرفا ، والمفعول به محذوفا ، فيكون الظرف معمولا لذلك المحذوف ، أي : واذكروا نعمته عليكم في ذلك الوقت ، وجملة كنتم في محل جر بالإضافة ، وكان واسمها وخبرها ، فكثركم عطف على كنتم ، أي : كثركم بالغنى بعد الفقر ، وبالقدرة بعد الضعف (وَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ) عطف أيضا ، وكيف اسم استفهام في محل نصب خبر كان المقدم ، وعاقبة المفسدين اسمها ، وقد علق الاستفهام النظر فالجملة في محل نصب بنزع الخافض ، والجار والمجرور متعلقان بانظروا (وَإِنْ كانَ طائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ) الواو عاطفة ، وإن شرطية ، وكان واسمها ، منكم جار ومجرور متعلقان بمحذوف صفة لطائفة ، وجملة آمنوا خبر كان ، وبالذي جار ومجرور متعلقان بآمنوا ، وجملة أرسلت به صلة (وَطائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا) طائفة عطف على طائفة الأولى ، وجملة لم يؤمنوا معطوفة على جملة آمنوا التي هي خبر كان ، من عطف الاسم وعطف الخبر على الخبر ، وحذف متعلق لم يؤمنوا

٤٠٢

اكتفاء بمتعلق آمنوا (فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ بَيْنَنا) الفاء رابطة لجواب الشرط ، وحتى حرف غاية وجر ، ويحكم فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد حتى ، والجار والمجرور متعلقان باصبروا ، وبيننا ظرف متعلق بيحكم (وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ) الواو للحال أو الاستئناف ، وهو مبتدأ ، وخير الحاكمين خبره.

(قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا قالَ أَوَلَوْ كُنَّا كارِهِينَ (٨٨) قَدِ افْتَرَيْنا عَلَى اللهِ كَذِباً إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللهُ مِنْها وَما يَكُونُ لَنا أَنْ نَعُودَ فِيها إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ رَبُّنا وَسِعَ رَبُّنا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ (٨٩))

اللغة :

(لَتَعُودُنَّ) : لفعل «عاد» في لغة العرب استعمالان : أحدهما وهو الأصل : الرجوع الى ما كان عليه من الحال الأول ، وثانيهما : استعمالها بمعنى صار ، وحينئذ ترفع الاسم وتنصب الخبر. وقد جرينا على الإعرابين.

٤٠٣

الاعراب :

(قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ) تقدم هذا الاعراب بنصه ، والجملة مستأنفة مسوقة لبيان ما قالوه بعد ما سمعوا من المواعظ (لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا) اللام موطئة للقسم ، ونخرجنك فعل مضارع مبني على الفتح ، والكاف مفعول به ، والذين عطف على الكاف أو مفعول معه ، وجملة آمنوا صلة ، ومعك ظرف مكان متعلق بالإخراج لا بالإيمان ، وتوسيط النداء باسم شعيب زيادة بيان إغراقهم في الوقاحة والطغيان ، ومن قريتنا جار ومجرور متعلقان بنخرجنك (أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا) أو عاطفة ، ولتعودن عطف على جواب القسم الأول ، أي : والله لنخرجنك والمؤمنين أو لتعودن ، وتعودن هنا معرب لأنه لم يتصل مباشرة بنون التوكيد الثقيلة ، وأصله تعودونن ، فحذفت النون لتوالي الأمثال ، وحذفت الواو لالتقاء الساكنين ، والواو إما فاعل وإما اسم تعود على الاستعمالين ، وفي ملتنا جار ومجرور متعلقان بتعودن أو بمحذوف خبر تعودن (قالَ أَوَلَوْ كُنَّا كارِهِينَ) جملة القول مستأنفة مسوقة لبيان ردّ شعيب عليه السلام ، والهمزة للاستفهام الإنكاري ، أي إنكار ، ولو شرطية لمجرد الربط لا لانتفاء الشيء في الزمن الماضي لانتفاء غيره فيه ، وكان واسمها وخبرها ، وجملة لو كنا كارهين في محل نصب حال من ضمير الفعل المقدر ، أي : أنعود ولو كنا كارهين (قَدِ افْتَرَيْنا عَلَى اللهِ كَذِباً إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ) الجملة مستأنفة مسوقة للتعجب من إصرارهم على موقفهم ، وقد حرف تحقيق ، وافترينا فعل وفاعل ، وعلى الله جار ومجرور متعلقان بافترينا ، وكذبا مفعول به أو صفة لمصدر محذوف ، وإن شرطية ، وعدنا في ملتكم في محل جزم فعل الشرط ، وتقدم إعراب الباقي على

٤٠٤

الاستعمالين ، وجواب إن محذوف دل عليه ما قبله ، أي : فقد افترينا الكذب (بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللهُ مِنْها) بعد ظرف زمان متعلق بمحذوف حال ، والظرف مضاف الى ظرف آخر ، وجملة نجانا في محل جر بالإضافة والله فاعل ، ومنها جار ومجرور متعلقان بنجانا (وَما يَكُونُ لَنا أَنْ نَعُودَ فِيها) الواو استئنافية مسوقة لاستبعاد العود ، وما نافية ، ويكون فعل مضارع ، ولنا جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر ، وأن وما في حيزها هو اسم يكون ، وفيها جار ومجرور متعلقان بنعود أو بمحذوف خبرها ، على الاستعمالين (إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ رَبُّنا) في هذا الاستثناء وجهان : أحدهما أنه متصل ، فعلى هذا يكون الاستثناء من أعم الأوقات أو الأحوال ، وثانيهما أنه منقطع ، فيكون التقدير : لكن إذا شاء الله العود ، والله فاعل يشاء ، وربنا بدل من الله (وَسِعَ رَبُّنا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً) الجملة مستأنفة مسوقة لبيان سعة علم ربنا ، ووسع فعل ماض ، وربنا فاعل ، وكل شيء مفعول به ، وعلما تمييز محوّل عن الفاعل ، أي وسع علمه كل شيء (عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنا) الجملة في موضع نصب على الحال ، وعلى الله جار ومجرور متعلقان بتوكلنا ، وتوكلنا فعل وفاعل (رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ) الجملة مستأنفة ، وربنا منادى مضاف ، وافتح فعل أمر ، وبيننا ظرف مكان متعلق بافتح ، أي : احكم بيننا وبين قومنا ، والواو للحال أو للاستئناف أيضا ، وأنت مبتدأ ، وخير الفاتحين خبر.

الفوائد :

اشتملت هاتان الآيتان على : كثير من الفوائد نلخصها فيما يلي :

٤٠٥

١ ـ الشبهة في العود :

إذا كانت «عاد» على معناها الأصلي فكيف يحسن أن يقال :«أو لتعودنّ» أي : ترجعنّ الى حالتكم الأولى ، مع أن شعيبا عليه السلام لم يكن قط على دينهم ولا في ملتهم؟ وقد أجيب عن هذه الشبهة بأمور :

١ ـ إن هذا القول من رؤسائهم قصدوا به التلبيس والإيهام على العوام بأنه كان على دينهم وفي ملتهم.

٢ ـ أن يراد بعوده رجوعه الى حاله قبل بعثته ، وهي السكوت لأنه قبل أن يبعث يخفي إيمانه وهو ساكت.

٣ ـ تغليب الجماعة على الواحد ، لأنهم لما أصحبوه مع قومه في الإخراج أجروا عليهم حكم العود الى الملة تغليبا لهم عليه.

على أن استعمال عاد بمعنى صار لا يستدعي العود الى حالة سابقة بل العكس من ذلك ، وهو الانتقال من حالة سابقة الى حال مؤتنفة ، وحينئذ تندفع الشبهة تماما.

وثمة وجه لطيف فني لردّ الشبهة ليس بعيدا وهو أن تبقى عاد على معناها الأصلي ، وهو أن يكون الكلام من وادي قوله تعالى : «الله وليّ الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات الى النور ، والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور الى الظلمات» والإخراج يستدعي دخولا سابقا فيما وقع الإخراج منه ، ونحن نعلم أن المؤمن

٤٠٦

الناشئ في الإيمان المترعرع على ذراه لم يدخل قط في ظلمة الكفر ولا كان فيها ، وكذلك الكافر الأصلي لم يدخل قط في نور الايمان ولا كان فيه ، ولكن لما كان الايمان والكفر من الأفعال الاختيارية كان تعبيرا عن السبب بالمسبب لإقامة حجة الله على عباده.

٢ ـ لزوم ما لا يلزم :

وفي الآية الأولى لزوم ما لا يلزم وهي قوله تعالى : «لنخرجنك يا شعيب والذين معك من قريتنا أو لتعودن في ملتنا» فقد لزمت التاء قبل النون ، وهذا ما يسمى «لزوم ما لا يلزم» ، وهو أن يلتزم الشاعر في شعره والناثر في نثره حرفا أو حرفين فصاعدا قبل حرف الرّويّ على قدر طاقته ، ومقدار قوة عارضته ، مشروطا بعدم الكلفة. وسيرد في القرآن الكثير منه.

أبو العلاء المعرّي واللّزوم :

وقد قال أبو العلاء :

كثيّر أنا في حرفي أهبت له

في التاء يلزم حرفا غير يلتزم

فقد أرخ شاعرنا الفيلسوف في بيته الفنّ الذي أحبه ونذر له نفسه أولا وهو «لزوم ما لا يلزم». ومعنى البيت أنه حذا حذو كثيّر عزة الذي التزم اللام في تائيته التي يقول في مستهلها :

خليليّ هذا ربع عزّة فاعقلا

قلوصيكما ثم احللا حيث حلّت

٤٠٧

وهذه القصيدة المستجادة تعدّ حسب رواية القالي خمسة وثلاثين بيتا ، بناها من أولها الى آخرها على التزام حرف معين قبل الرّويّ ، وهو أمر لم يسبق إليه شاعر من شعراء العرب في استخدام هذا النوع ، فقلّده الشعراء ، وهل أراد المعري ذلك؟ الجواب : لا ، ومن رأينا أن المعري في اقتدائه بكثير عزّة لم يفعل ذلك ، لأن كثيّرا أول من استخدم هذا الفن ـ كما توهم فريق من علماء البيان ـ بل لأن لزوم ما لا يلزم لم يرد إلا نادرا في شعر العرب قبل عصر كثير ، كما أنه ورد في نبذ ومقطوعات قصيرة ، أما كثير فقد نظم أشهر وأطول قصيدة لزومية تناقلتها الرواة. وقد أكثر شعراء العرب قبل كثير وبعده من التزام ما لا يلزم قبل تاء التأنيث هذه.

هذا وقد بلغ أبو العلاء الغاية في لزومياته ، فقد بنى قافية على دارهم ، صدارهم ، ملتزما فيها أربعة أحرف ، وبنى أخرى على ضرائرهم ، صرائرهم ، سرائرهم ، ملتزما فيها خمسة أحرف.

ويطول بنا الحديث إن أردنا الاستشهاد فحسبنا ما تقدم.

(وَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ (٩٠) فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ (٩١) الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كانُوا هُمُ الْخاسِرِينَ (٩٢) فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي

٤٠٨

وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسى عَلى قَوْمٍ كافِرِينَ (٩٣))

اللغة :

(يَغْنَوْا) مضارع غني بالمكان أقام به فهو غان. والمغني المنزل ، والجمع المغاني ، قال الطائي :

غنينا زمانا بالتصعلك والغنى

وكلا سقاناه بكاسيهما الدهر

فما زادنا بغيا على ذي قرابة

غنانا ولا أزرى بأحسابنا الفقر

(آسى) : أصله أأسى بهمزتين ، قلبت الثانية ألفا. وفي المصباح : أسي أسى من باب تعب : حزن.

الاعراب :

(وَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ) تقدم إعرابها (لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ) الجملة القسمية في محل نصب مقول قولهم ، واللام موطئة للقسم ، وإن شرطية ، واتبعتم شعيبا فعل وفاعل ومفعول به ، وإن واسمها ، وإذن حرف جواب وجزاء مهمل ، واللام المزحلقة ، وخاسرون خبر إن ، وجملة إنكم جواب القسم لا محل لها ، وهي سادة مسد جواب الشرط كما هي القاعدة في اجتماع شرط وقسم

٤٠٩

(فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ) الفاء عاطفة ، وأخذتهم الرجفة فعل ومفعول به وفاعل ، فأصبحوا عطف على فأخذتهم ، والواو اسم أصبحوا وجاثمين خبرها ، وفي دارهم جار ومجرور متعلقان بجاثمين (الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا) جملة مستأنفة لبيان حقيقة هؤلاء المكذبين. والذين مبتدأ ، وجملة كذبوا شعيبا صلة ، وكأن مخففة من الثقيلة ، واسمها ضمير الشأن ، وجملة لم يغنوا فيها خبرها (الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كانُوا هُمُ الْخاسِرِينَ) الذين مبتدأ ، وجملة كذبوا شعيبا صلة ، وجملة كانوا خبر الذين ، وهذا التكرير في المبتدأ والخبر مبالغة في الردّ على أشياعهم وتسفيه آرائهم ، والإيذان بأن ما ذكر في حيز الصلة هو الذي استوجب العقوبتين ، وأسند الى الموصول تعظيما لغير السامعين ، فإن خسران مكذبيه يدل على سعادة مصدقه ، ويلزمه تعظيم شعيب عليه السلام الذي هو غير المتكلم والمخاطب في هذا المقام (فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ : يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي) الفاء عاطفة ، وتولى فعل ماض والفاعل مستتر تقديره هو ، وعنهم جار ومجرور متعلقان بتولي ، وقال عطف على تولى ، وجملة لقد أبلغتكم رسالات ربي مقول القول ، ورسالات مفعول به ثان لأبلغتكم (وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسى عَلى قَوْمٍ كافِرِينَ) عطف على ما سبق ، والفاء استئنافية ، وكيف اسم استفهام معناه النفي في محل نصب حال ، وآسى فعل مضارع ، وفاعله مستتر تقديره أنا ، وعلى قوم جار ومجرور متعلقان بآسى ، وكافرين صفة لقوم.

البلاغة :

في الآية وصف لحال النفس في ترددها فقد اشتد حزنه على قومه ثم أنكر على نفسه فقال : كيف يشتد حزني على قوم ليسوا بأهل للحزن

٤١٠

عليهم لكفرهم وتماديهم في الطغيان ، واستحقاقهم لما نزل بهم؟ ثم يتخلل ذلك العودة عليهم بالملامة ، يريد لقد أعذر من أنذر ، وبلغت أقصى ما يستطيعه الغيور على قومه من الارتطام في بوادي الجهل المتشعبة ، ومهالكه الموبقة.

(وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلاَّ أَخَذْنا أَهْلَها بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ (٩٤) ثُمَّ بَدَّلْنا مَكانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقالُوا قَدْ مَسَّ آباءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْناهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (٩٥) وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (٩٦))

اللغة :

(عَفَوْا) : كثروا ونموا في أنفسهم وأموالهم من قولهم : عفا النبات وعفا الشحم والوبر إذا كثرت. ويقال : عفا : كثر ، وعفا :درس ، فهو من أسماء الأضداء. وفي المصباح أنه يتعدى ولا يتعدى ، ويتعدى أيضا بالهمزة ، فيقال : أعفيته.

الاعراب :

(وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ) الواو استئنافية ، والكلام

٤١١

مستأنف مسوق لبيان أحوال الأمم بصورة مجملة لتكون مع القصة نذيرا للمنذرين. وما نافية ، وأرسلنا فعل وفاعل ، ومن حرف جر زائد ، ونبيّ مجرور لفظا منصوب محلّا على أنه مفعول به (إِلَّا أَخَذْنا أَهْلَها بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ) إلا أداة حصر ، فالاستثناء مفرّغ من أعم الأحوال ، فجملة أخذنا في محل نصب على الحال بتقدير «قد» كما هو الشرط في وقوع الماضي حالا ، وقد تقدّم بحثه.

والتقدير : وما أرسلنا في قرية من القرى المهلكة نبيا من الأنبياء في حال من الأحوال إلا حال كوننا قد أخذنا. وأهلها مفعول به ، وبالبأساء جار ومجرور متعلقان بأخذنا ، والضراء عطف على البأساء ، ولعلهم لعل واسمها ، وجملة يضّرّعون خبرها ، وجملة لعلهم يضرعون حالية.

(ثُمَّ بَدَّلْنا مَكانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ) ثم حرف عطف وتراخ ، وبدلنا عطف على أخذنا منتظم في حكمه. ومكان مفعول به لبدلنا ، والسيئة مضاف إليه ، والحسنة مفعول به ثان ، وهذا ما منع من نصبه على الظرفية ، فالحسنة هي المأخوذة الحاصلة ، ومكان السيئة هو المتروك الذاهب ، وهو الذي تصحبه الباء في مثل هذا التركيب ، وقد تقدم تحقيق ذلك في البقرة (حَتَّى عَفَوْا وَقالُوا : قَدْ مَسَّ آباءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ) حتى حرف غاية وجر ، وعفوا فعل ماض وفاعله ، والمصدر المؤول المجرور بأن متعلقان ببدلنا ، وقالوا عطف على عفوا ، وجملة قد مس مقول القول ، وآباءنا مفعول به ، والضراء والسراء عطف عليه (فَأَخَذْناهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) فأخذناهم عطف على عفوا ، وبغتة حال أو صفة لمصدر محذوف ، وهم الواو حالية ، وهم مبتدأ ، وجملة لا يشعرون خبر ، والجملة الاسمية في محل نصب حال (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) الواو استئنافية ، ولو شرطية لمجرد الربط ، وأن واسمها ، وجملة آمنوا خبرها ، وأن وما بعدها

٤١٢

فاعل لفعل محذوف ، أي : ثبت إيمانهم ، ولفتحنا اللام واقعة في جواب لو ، وفتحنا فعل وفاعل ، والجملة لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم ، وعليهم جار ومجرور متعلقان بفتحنا ، وبركات مفعول به ، ومن السماء والأرض جار ومجرور متعلقان بمحذوف صفة لبركات (وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) الواو حالية ، ولكن حرف استدراك مهمل ، وكذبوا فعل وفاعل ، والجملة نصب على الحال ، فأخذناهم الفاء عاطفة ، وأخذناهم فعل وفاعل ومفعول به ، وبما جار ومجرور متعلقان بأخذناهم ، وما مصدرية أو موصولة ، وكان واسمها ، وجملة يكسبون خبر ، وجملة الكون صلة «ما» أو المصدر المؤول ، لا محل له بعد الموصول الحرفي.

(أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا بَياتاً وَهُمْ نائِمُونَ (٩٧) أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ (٩٨) أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ (٩٩))

اللغة :

(بَياتاً) البيات يكون بمعنى البيتوتة ، يقال : بات بياتا ، وقد يكون بمعنى التبييت ، كالسلام بمعنى التسليم ، يقال بيته العدو بياتا ، فيجوز أن يراد يأتيهم بأسنا بائتين أو وقت بيات ، أو مبيتا أو مبيتين.

والبيات الهجوم على الأعداء ليلا.

٤١٣

(الضُّحى) : اشتداد الشمس وامتداد النهار ، يقال : ضحي ، ويقال : ضحى وضحاء ، إذا ضممته قصرته ، وإذا فتحته مددته.

الاعراب :

(أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى) الهمزة للاستفهام الانكاري التوبيخي ، والفاء عاطفة على أخذناهم بغتة ، وما بينها وهو قوله : «ولو أن أهل القرى» اعتراض بين المعطوف والمعطوف عليه ، وقد تقدّم أن مثل هذا التركيب يكون حرف العطف في نية التقديم ، وإنما تأخر ، وتقدمت عليه الهمزة لقوة تصدرها في أول الكلام. وأمن أهل القرى فعل وفاعل (أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا بَياتاً وَهُمْ نائِمُونَ) أن المصدرية وما في حيزها مفعول أمن ، وبأسنا فاعل يأتيهم ، وبياتا حال أو ظرف ، والواو حالية ، وهم نائمون مبتدأ وخبر ، والجملة نصب على الحال من الضمير في يأتيهم (أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ) عطف على الجملة السابقة مماثلة لها في الاعراب ، وضحى ظرف زمان متعلق بيأتيهم (أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللهِ) تقدم إعرابها ، والتكرير لزيادة النكير والتوبيخ ، وقد تقدم القول في المراد بمكر الله (فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ) الفاء عاطفة ، ولا نافية ، ويأمن مكر الله فعل ومفعول به ، وإلا أداة حصر ، والقوم فاعل ، والخاسرون صفة.

(أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِها أَنْ لَوْ نَشاءُ أَصَبْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (١٠٠) تِلْكَ الْقُرى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبائِها وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما

٤١٤

كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ كَذلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلى قُلُوبِ الْكافِرِينَ (١٠١) وَما وَجَدْنا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنا أَكْثَرَهُمْ لَفاسِقِينَ (١٠٢))

اللغة :

(يَهْدِ) : يبين ، من هدى يهدي.

الاعراب :

(أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِها) الهمزة للاستفهام الانكاري والواو عاطفة ، ولم حرف نفي وقلب وجزم ، ومعنى يهدي : أن يتبين وهي مجزومة بـ «لم» وللذين متعلقان بيهد ، وجملة يرثون الأرض صلة ، ومن بعد أهلها جار ومجرور متعلقان بيرثون (أَنْ لَوْ نَشاءُ أَصَبْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ) أن هنا هي المخففة من الثقيلة ، واسمها ضمير الشأن ، وجملة نشاء خبر ، وأن وما بعدها فاعل يهد ، ويجوز أن يكون فاعل «يهد» مستترا هو ضمير «الله» أو ضميرا عائدا على المفهوم من سياق الكلام ، أي : أولم يهد ما جرى للأمم السابقة ، وعندئذ تكون أن وما في حيزها في تأويل مصدر في محل المفعول ، والتقدير على الوجه الأول : أولم يهد الله ويبين للوارثين مآلهم وعاقبة أمرهم إصابتنا إياهم بذنوبهم ، ويكون المفعول به محذوفا كما قدرناه.

وعلى الوجه الثاني يكون التقدير : أولم يبين ويوضح الله أو ما جرى

٤١٥

للامم إصابتنا إياهم لو شئنا ذلك. وأصبناهم فعل وفاعل ومفعول به ، وبذنوبهم جار ومجرور متعلقان به (وَنَطْبَعُ عَلى قُلُوبِهِمْ) الواو استئنافية ، والجملة مستأنفة ، ولا يجوز عطفه على جواب «لو» لأنه يؤدي الى كون الطبع منفيا بمقتضى «لو» مع أنه ثابت لهم ، وعلى قلوبهم جار ومجرور متعلقان بنطبع (فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ) الفاء عاطفة لتعقيب عدم السمع بعد الطبع على القلب ، وهم مبتدأ ، وجملة لا يسمعون خبره (تِلْكَ الْقُرى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبائِها) تلك اسم إشارة في محل رفع مبتدأ ، والقرى بدل من تلك ، وجملة نقص خبر تلك. ويجوز أن تكون القرى هي الخبر وجملة نقص حالية ، على حد قوله تعالى : «هذا بعلي شيخا» ، وعليك جار ومجرور متعلقان بنقصّ ، ومن أبنائها ، جار ومجرور متعلقان بنقص أيضا ، ومن للتبعيض ، أي :بعض أنبائها ، ولها أنباء أخرى لم نقصها عليك ، وجملة الإشارة استئنافية مسوقة لبيان أن هؤلاء لا تجدي فيهم النصائح والعبر ، ولا تؤثر فيهم المواعظ ، فماتوا مصرين على عنادهم ، لم تلن لهم شكيمة ، ولم يهدأ لهم عناد (وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) الواو استئنافية أو عاطفة ، واللام جواب قسم محذوف ، وقد حرف تحقيق ، وجاءتهم فعل ومفعول به ، رسلهم فاعل ، وبالبينات جار ومجرور متعلقان بجاءتهم (فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ) الفاء عاطفة ، وما نافية ، وكان واسمها ، واللام للجحود ، ويؤمنوا فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد لام الجحود ، والجار والمجرور متعلقان بالخبر المحذوف ، أي فما كانوا مريدين ليؤمنوا ، وبما جار ومجرور متعلقان بيؤمنوا ، وما اسم موصول أو مصدرية ، ومن قبل جار ومجرور متعلقان بكذبوا ، وعلى كون «ما» موصولة فالعائد محذوف ، وهو مجرور ، كقوله تعالى في سورة يونس : «فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا

٤١٦

به» ، وهو من اتحاد المتعلق معنى ، وبيان كونه من ذلك أن مجموع «ما كانوا ليؤمنوا» بمعنى «كذبوا به» ، فاتحد المتعلقان معنى.

ويمكن أن يقال : قد تعدى قوله تعالى : «ليؤمنوا» بالياء ، ويؤمن نقيض يكذب ، فأجراه مجراه ، لأنهم قد يحملون الشيء على نقيضه ، كما يحمل على نظيره (كَذلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلى قُلُوبِ الْكافِرِينَ) الكاف مع مدخولها صفة لمصدر محذوف ، أي : مثل ذلك الطبع على قلوب أهل القرى المنتفى عنهم الايمان كذلك يطبع الله على قلوب الكفرة الآتين بعدهم (وَما وَجَدْنا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ) الواو معترضة ، والجملة لا محل لها لأنها اعتراضية ، وما نافية ، ووجدنا فعل وفاعل ، ولأكثرهم جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال لأنه كان في الأصل صفة لعهد ، ومن حرف جر زائد ، وعهد مفعول به محلا لوجدنا ، ويجوز أن يكون لأكثرهم مفعولا ثانيا لوجدنا ، بترجيح أنها علمية لا وجدانية (وَإِنْ وَجَدْنا أَكْثَرَهُمْ لَفاسِقِينَ) الواو عاطفة ، وإن مخففة من الثقيلة غير عاملة على قلة ، ويجوز أن تكون عاملة واسمها ضمير الشأن ، وسيأتي حكمها في باب الفوائد ، ووجدنا أكثرهم فعل وفاعل ومفعول به ، واللام الفارقة ، وفاسقين مفعول به ثان لوجدنا.

الفوائد :

إذا خففت «إن» المكسورة الهمزة أهملت وجوبا إن وليها فعل ، كقوله تعالى : «وإن نظنك لمن الكاذبين» ، فإن وليها اسم فالغالب إهمالها أيضا ، نحو : إن أنت لصادق ، ويقل إعمالها ، نحو : إن زيدا لمنطلق. ومتى خففت وأهملت لزمتها اللام المفتوحة وجوبا تفرقة بينها وبين «إن» النافية وتسمى اللام الفارقة.

٤١٧

(ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى بِآياتِنا إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ فَظَلَمُوا بِها فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (١٠٣) وَقالَ مُوسى يا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٠٤) حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللهِ إِلاَّ الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرائِيلَ (١٠٥) قالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِها إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (١٠٦))

الاعراب :

(ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى بِآياتِنا إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ فَظَلَمُوا بِها) ثم : حرف عطف وتراخ ، وبعثنا فعل وفاعل ، من بعدهم جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال ، والضمير للرسل أو للأمم ، وموسى مفعول به ، وبآياتنا جار ومجرور متعلقان ببعثنا ، والى فرعون جار ومجرور متعلقان ببعثنا أيضا ، وملئه عطف على فرعون ، أي الى قومه ، فظلموا الفاء للعطف والتعقيب ، وبها جار ومجرور متعلقان بظلموا ، وأجرى الظلم مجرى الكفر لأنهما من شعبة واحدة ، (فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ) تقدم إعراب نظيرها فجدد به عهدا (وَقالَ مُوسى يا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ) الواو استئنافية ، والجملة مسوقة لتفصيل ما أجمله من قبل. ويا حرف نداء للتوسط ، وفرعون منادى مفرد علم مبني على الضم ، وهو لقبه ، واسمه الحقيقي الوليد بن مصعب

٤١٨

ابن الريان ، أما كنيته فأبو مرة ، وإن واسمها ومن رب العالمين خبرها ، والجملة في محل نصب مقول القول (حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَّ) حقيق خبر لمبتدأ محذوف ، أي : أنا حقيق ، بمعنى جدير ، والجملة استئنافية ، وعلى أن لا أقول جار ومجرور متعلقان بحقيق ، لأنه فعيل بمعنى فاعل أو مفعول ، وعلى الله جار ومجرور متعلقان بأقول ، وإلا أداة حصر ، والحق صفة لمصدر محذوف ، أي : إلا القول الحق ، ويجوز أن يكون مفعولا به لأنه يتضمن معنى جملة (قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ) الجلة صفة لرسول ، وقد حرف تحقيق ، وجئتكم فعل وفاعل ومفعول به ، وببينة جار ومجرور متعلقان بجئتكم ، ومن ربكم جار ومجرور متعلقان بمحذوف صفة لبينة (فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرائِيلَ) الفاء الفصيحة ، أي : إذا استمعت كلامي وثبت الى الرشد فخلّ أمرهم واترك سبيلهم حتى يذهبوا معي.

وأرسل فعل أمر ، ومعي ظرف متعلق بأرسل ، وبني إسرائيل مفعول به ، وغاية موسى تحريرهم من العبودية وتخليصهم من ربقة الأسر والهوان (قالَ : إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِها إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) جملة قال استئنافية لطلب فرعون الإتيان بآية من ربه ، والجملة الشرطية في محل نصب مقول القول ، وإن شرطية ، وكان واسمها ، وجملة جئت خبر كنت ، وبآية جار ومجرور متعلقان بجئت ، والفاء رابطة للجواب ، وأت فعل أمر ، وبها جار ومجرور متعلقان به ، وكنت كان واسمها في محل جزم فعل الشرط ، ومن الصادقين جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر كنت ، وجواب إن محذوف لدلالة ما قبله عليه ، أي : فأت بها.

البلاغة :

من سنن العرب في كلامهم القلب ، وهو ضربان : الأول قلب

٤١٩

الحقيقة الى المجاز لوجه من المبالغة ، وقد تشبث أبو الطيب المتنبي بأهدابه حين قال :

والسيف يشقى كما تشقى الضلوع به

وللسّيوف كما للناس آجال

والمراد بشقاء السيف انقطاعه في أضلاع المضروب ، على حد قوله في بيت آخر :

طوال الرّدينيّات يقصفها دمي

وبيض السّريجيّات يقطعها لحمي

والضرب الثاني ضرب معرّى عن هذا المعنى البليغ ، كقولهم : خرق الثوب المسمار ، وأشباهه.

(فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ (١٠٧) وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ (١٠٨) قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ (١٠٩) يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَما ذا تَأْمُرُونَ (١١٠) قالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ (١١١) يَأْتُوكَ بِكُلِّ ساحِرٍ عَلِيمٍ (١١٢))

٤٢٠