إعراب القرآن الكريم وبيانه - ج ٣

محيي الدين الدرويش

إعراب القرآن الكريم وبيانه - ج ٣

المؤلف:

محيي الدين الدرويش


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: اليمامة للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٥٧٦

تأجيلا : جعلت له أجلا ، وجمع الأجل آجال ، مثل سبب وأسباب».

ومن أقوالهم : ابن آدم قصير الأجل ، طويل الأمل ، يؤثر العاجل ويذر الآجل. ومن أقوالهم أيضا : «أجلن عيون الآجال ، فأصبن النفوس بالآجال».

الاعراب :

(قُلْ : إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ) كلام مستأنف مسوق لخطاب الذين يحرمون ويحللون ، إن الله لم يحرّم ما تحرمونه من أجله وإنما حرم الفواحش. وقل فعل أمر وفاعله مستتر تقديره أنت ، وإنما كافة ومكفوفة ، وجملة حرم ربي الفواحش مقول القول ، وما اسم موصول في محل نصب بدل من الفواحش ، وجملة ظهر صلة ، ومنها جار ومجرور متعلقان بظهر ، وما بطن عطف على ما ظهر (وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ) من عطف الخاص على العام ، للاعتناء به. وبغير الحق جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال أو بالبغي لأنه مصدر (وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً) المصدر المؤول من أن وما في حيزها عطف أيضا ، وبالله جار ومجرور متعلقان بتشركوا ، وما اسم موصول في محل نصب مفعول به ، وجملة لم ينزل صلة. وبه جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال ، وسلطانا مفعول به لينزل (وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) عطف أيضا ، وعلى الله جار ومجرور متعلقان بتقولوا ، وما اسم موصول في محل نصب مفعول به ، وجملة لا تعلمون صلة الموصول (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ) كلام مستأنف مسوق للدلالة على أن الآجال مكتوبة ، والأعمار محسوبة ، لئلا يغتر الإنسان أفاويق اللذات وتعاجيبها الخلوب. ولكل جار ومجرور متعلقان

٣٤١

بمحذوف خبر مقدم ، وأمة مضاف اليه ، وأجل مبتدأ مؤخر (فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) الفاء استئنافية ، وإذا ظرف مستقبل متضمن معنى الشرط ، وجملة جاء أجلهم في محل جر بالإضافة ، وجملة لا يستأخرون لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم ، والمضارع المنفي بلا إذا وقع جوابا لإذا جاز أن يقترن بالفاء ، وأن لا يقترن بها. وساعة ظرف زمان متعلق بيستأخرون ، وهي أقل الأوقات في حساب الناس ، يقول المستعجل : أفي ساعة تريد ذلك؟ يريد غاية القلة في الزمان.

ولا يستقدمون عطف على قوله : لا يستأخرون ، أو الواو استئنافية ، كما ترى في باب الفوائد.

الفوائد :

وفيما يلي خلاصة لأقوال الأئمة حول هذا الكلام :

رأي الواحدي :

قال الواحدي بعد كلام طويل : إن قيل ما معنى هذا مع استحالة التقدم على الأجل وقت حضوره؟ قيل : هذا مبني على المقاربة ، تقول :إذا جاء الشتاء إذا قرب وقته ، ومع مقاربة الأجل يتصور التقدم ، وإن كان لا يتصور مع الانقضاء ، والمعنى لا يستأخرون عن آجالهم إذا انقضت ، ولا يستقدمون عليها إذا قاربت الانقضاء. وهذا بناء على أنه معطوف على قوله : لا يستأخرون.

رأي الكرخي :

وقال الكرخي : «قوله : ولا يستقدمون معطوف على الجملة الشرطية لا على جواب الشرط ، لأن إذا الشرطية لا يترتب عليها إلا

٣٤٢

المستقبل ، أي : فلا يترتب على مجيء الأجل إلا مستقبل ، أو لاستقدام سابق ، فالوجه انقطاع «لا يستقدمون» عن الجواب استئنافا ، كما حققه التفتازاني.

رأي البيضاوي :

وحاصل كلام القاضي البيضاوي أن هذا بمنزلة المثل ، أي :لا يقصد من مجموع الكلام إلا أن الوقت لا يتغير ولا يتبدل ، وهو نظير قولهم : الرمان حلو حامض ، يعني فالجزاء مجموع الأمرين لا كل واحد على حدته. وهذا كلام لطيف من البيضاوي ، ولعل فيه حسما للخلاف.

(يا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي فَمَنِ اتَّقى وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٣٥) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٣٦) فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ أُولئِكَ يَنالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتابِ حَتَّى إِذا جاءَتْهُمْ رُسُلُنا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قالُوا أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ قالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ (٣٧))

٣٤٣

الاعراب :

(يا بَنِي آدَمَ) تقدم إعرابها كثيرا (إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ) الكلام مستأنف مسوق لبيان مسألة إرسال الرسل ، وإن شرطية أدغمت في «ما» المزيدة المؤكدة لمعنى الشرط ، ولذلك لزمت فعلها النون الثقيلة أو الخفيفة ، ويأتينكم فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة ، ورسل فاعل ، ومنكم جار ومجرور متعلقان بمحذوف صفة لرسل ، وجعل الرسل منهم أقطع للحجة ، وأبعد عن العذر (يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي) الجملة صفة لرسل أيضا ، وعليكم جار ومجرور متعلقان بيقصون ، وآياتي مفعول به (فَمَنِ اتَّقى وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) هذه الجملة الشرطية جواب للشرط السابق ، والفاء رابطة ، ومن اسم شرط مبتدأ ، والفاء في قوله : فلا خوف ، رابطة ، وقد تقدم إعراب ما بعد ذلك كثيرا (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) الواو عاطفة ، والذين اسم موصول مبتدأ ، وجملة كذبوا بآياتنا صلة ، واستكبروا عنها معطوفة ، وأولئك مبتدأ ، وأصحاب النار خبره ، والجملة خبر الذين ، والرابط اسم الاشارة كما تقدم ، وهم مبتدأ ، وفيها جار ومجرور متعلقان بالخبر «خالدون» ، والجملة حالية أو خبر ثان للذين (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ) الفاء استئنافية ، ومن اسم استفهام معناه النفي ، أي : لا أحد أظلم ، وأظلم خبر «من» ، وممن جار ومجرور متعلقان بأظلم ، وجملة افترى لا محل لها لأنها صلة الموصول ، وعلى الله جار ومجرور متعلقان بافترى ، وكذبا مفعول به ، أو مفعول مطلق ، وجملة كذب بآياته عطف على جملة افترى (أُولئِكَ يَنالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتابِ) اسم الاشارة مبتدأ ،

٣٤٤

وجملة ينالهم خبر ، ونصيبهم فاعل ينالهم ، ومن الكتاب جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال (حَتَّى إِذا جاءَتْهُمْ رُسُلُنا يَتَوَفَّوْنَهُمْ) حتى حرف غاية وجر أو ابتدائية ، وقد تقدم الكلام عن هذا التعبير فجدد به عهدا ، وإذا ظرف مستقبل متضمن معنى الشرط ، وجملة جاءتهم رسلنا في محل جر بالإضافة ، وجملة يتوفونهم حال من رسلنا ، أي : متوفية إياهم (قالُوا أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) جملة قالوا لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم ، وأين اسم استفهام في محل نصب على الظرفية المكانية ، وهو متعلق بمحذوف خبر مقدم ، وما اسم موصول في محل رفع مبتدأ مؤخر ، وجملة الاستفهام في موضع نصب مقول القول ، وجملة كنتم صلة الموصول ، والتاء اسم كان ، وجملة تدعون خبرها ، ومن دون الله جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال ، أو متعلقان بتدعون (قالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ) الجملة جواب لسؤال مقدر ، كأنه قيل : ما فعل معبودكم ومن كنتم تدعونه؟ فأجابوا بأنهم ضلوا. وجملة ضلوا مقول القول ، وجملة شهدوا معطوفة على جملة قالوا ، أو مستأنفة ، وعلى أنفسهم جار ومجرور متعلقان بشهدوا ، وأن وما في حيزها في موضع نصب بنزع الخافض ، والجار والمجرور متعلقان بشهدوا ، وجملة كانوا كافرين خبر «أن».

(قالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيها جَمِيعاً قالَتْ أُخْراهُمْ لِأُولاهُمْ رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا فَآتِهِمْ عَذاباً ضِعْفاً مِنَ

٣٤٥

النَّارِ قالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلكِنْ لا تَعْلَمُونَ (٣٨) وَقالَتْ أُولاهُمْ لِأُخْراهُمْ فَما كانَ لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (٣٩) إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ (٤٠) لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ وَكَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (٤١))

اللغة :

(ادَّارَكُوا) : أي : تداركوا ، بمعنى تلاحقوا في النار ، وأصله تداركوا ، فأدغمت التاء في الدال بعد قلبها دالا وتسكينها ثم اجتلبت همزة الوصل ، وسيأتي في باب الفوائد كيفية ذلك.

(أخراهم وأولاهم) : يحتمل أن تكون «فعلى» أنثى «أفعل» الدال على المفاضلة ، والمعنى على هذا أخراهم منزلة ، وهم الأتباع والسفلة ، لأولاهم منزلة ، وهم القادة والسادة والرؤساء. ويحتمل أن تكون «أخرى» بمعنى آخرة ، تأنيث «آخر» ، مقابل «أول» ، لا تأنيث «آخر» الذي للمفاضلة ، ومنها قوله تعالى : «ولا تزر وازرة وزر أخرى». ولعلها الأظهر في الآية.

٣٤٦

(الضِّعْفِ) : قال أبو عبيدة الضعف مثل الشيء مرة واحدة ، وقال الأزهري : هو ما يستعمله الناس في مجاري كلامهم. والضعف في كلام العرب : المثل الى ما زاد ، ولا يقتصر به على مثلين ، بل تقول :هذا ضعفه أي : مثلاه وثلاثة أمثاله ، لأن الضعف في الأصل زيادة غير محصورة ، ألا ترى الى قوله تعالى : «فأولئك لهم جزاء الضعف» ، لم يرد به مثلا ولا مثلين ، وأولى الأشياء به أن يجعل عشرة أمثاله ، كقوله تعالى : «من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها» فأقلّ الضعف محصور وهو المثل ، وأكثره غير محصور. وفي القاموس : «وضعف الشيء بالكسر مثله ، وضعفاه مثلاه ، والضعف المثل الى ما زاد ، ويقال : لك ضعفه ، يريدون مثليه ، وثلاثة أمثاله ، لأنه زيادة غير محصورة».

(يَلِجَ) : في المصباح : «ولج الشيء في غيره يلج ، من باب وعد ، ولوجا ، وأولجته إيلاجا أدخلته».

(سَمِّ) السم : بتثليث السين ، وفي المصباح : «السم ما يقتل ، بالفتح في الأكثر ، وجمعه سموم وسمام مثل : فليس وفلوس ، وسمام أيضا ، مثل : سهم وسهام. والضم لغة لأهل العالية ، والكسر لغة لبني تميم ... والسم : ثقب الإبرة ، وفيه اللغات الثلاث ، وجمعه سمام». وهو المراد في الآية ، ولكن السبعة على الفتح ، وقرئ شاذا بالكسر والضم. وسم الإبرة مثل في ضيق المسلك ، يقال : أضيق من خرت الإبرة ، وقالوا للدليل الماهر : خرّيت ، للاهتداء به في المضايق المشبهة بأخرات الإبر ، والجمل مثل في عظم الجرم ، قال حسان ابن ثابت :

لا بأس في القوم من طول ومن عظم

جسم البغال وأحلام العصافير

٣٤٧

أي : لا بأس ولا ضرر يعتري هؤلاء من جهة الطول والغلظ.

وفيه تهكم بهم ، فأجسامهم كأجسام البغال ، وعقولهم كعقل العصافير ، ان كان لها عقول ، يعني أنهم لا عقل لهم.

(غَواشٍ) : جمع غاشية ، وهي الغطاء.

الاعراب :

(قالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ) الكلام مستأنف لحكاية قول الله لهم يوم القيامة. وقال فعل ماض وفاعله مستتر تقديره هو ، وجملة ادخلوا في محل نصب مقول القول ، وفي أمم جار ومجرور تعلقان بمحذوف حال ، أي كائنين في جملة أمم ، وفي غمارهم مصاحبين لهم ، وقيل : هما متعلقان بادخلوا ، والمعنى في جملة أمم ، وجملة قد خلت صفة لأمم ، ومن قبلكم جار ومجرور متعلقان بمحذوف صفة ثانية ، ومن الجن والإنس جار ومجرور متعلقان بمحذوف صفة ثالثة ، وفي النار جار ومجرور بدل من قوله : «في أمم» ، والظروف مجاز ، وسيأتي الحديث عنها. وقال أبو حيان :وفي النار جار ومجرور متعلقان بـ «خلت» ، على أن المعنى تقدم دخولها ، أو بمحذوف صفة الأمم ، أي في أمم سابقة في الزمان كائنة من الجن والإنس ، كائنة في النار ، وأطال أبو حيان فيما لا طائل تحته (كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها) كلما ظرف زمان متضمن معنى الشرط ، وجملة دخلت أمة في محل جر بالإضافة أو لا محل لها إذا اعتبرنا «ما» موصولا حرفيا ، وجملة لعنت أختها لا محلّ لها لأنها جواب شرط غير جازم والجملة الظرفية من تتمة مقول القول (حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيها جَمِيعاً) حتى حرف غاية وجر ، أو ابتدائية ، وإذا ظرف مستقبل

٣٤٨

متضمن معنى الشرط متعلق بالجواب ، أي : بقالت الآتية ، وجملة اداركوا في محل جر بالإضافة ، وفيها جار ومجرور متعلقان باداركوا ، وجميعا حال (قالَتْ أُخْراهُمْ لِأُولاهُمْ) الجملة لا محل لها لأنها جواب إذا ، ولأولاهم اللام حرف جر للتعليل أي : لأجلهم ، أو للتبليغ ، والجار والمجرور متعلقان بقالت (رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا فَآتِهِمْ عَذاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ) ربنا منادى مضاف حذف منه حرف النداء ، واسم الاشارة مبتدأ ، وجملة أضلونا خبره ، وجملة ربنا هؤلاء في محل نصب مقول القول فآتهم الفاء الفصيحة ، وآتهم فعل أمر مبني على حذف حرف العلة ، والهاء مفعول به ، وعذابا مفعول به ثان ، وضعفا صفة لـ «عذابا» ، من النار جار ومجرور متعلقان بمحذوف صفة ثانية (قالَ : لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلكِنْ لا تَعْلَمُونَ) جملة القول مستأنفة ، ولكل جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم ، وضعف مبتدأ مؤخر ، والجملة الاسمية في محل نصب مقول قوله تعالى ، ولكن الواو حالية ، أو استئنافية ، ولكن حرف استدراك مهمل ، ولا نافية ، وتعلمون فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه ثبوت النون (وَقالَتْ أُولاهُمْ لِأُخْراهُمْ فَما كانَ لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ) عطف على ما تقدم ، والفاء عاطفة ، عطفت ما بعدها من الكلام على قول الله تعالى للسفلة : لكل ضعف ، فقد ثبت أن لا فضل لكم علينا. وما نافية ، وكان فعل ماض ناقص ، ولكم جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر كان الناقصة ، ومن حرف جر زائد ، وفضل مجرور لفظا اسم كان محلا ، وعلينا جار ومجرور ، أي : إنا وإياكم سيان في الضلال واستحقاق العذاب (فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ) الفاء الفصيحة ، أي : إذا تبين لكم وعلمتموه ثم أصررتم على موقفكم المغاير فذوقوا ، والعذاب مفعوله ، وبما الباء سببية جارّة ، وما مصدرية ، أي بسبب كسبكم ، وجملة تكسبون خبر كنتم

٣٤٩

(إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ) كلام مستأنف مسوق لتأكيد مصير الكافرين ، وإن واسمها ، وجملة كذبوا بآياتنا صلة الموصول لا محل لها ، وجملة استكبروا عطف على جملة كفروا ، وعنها جار ومجرور متعلقان باستكبروا ، وجملة لا تفتح خبر إن ، ولهم جار ومجرور متعلقان بتفتح ، وأبواب السماء نائب فاعل ، (وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ) هذه الجملة معطوفة على جملة لا تفتح لهم ، وحتى حرف غاية وجر ، وفي سم الخياط جار ومجرور متعلقان بيلج (وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ) الواو استئنافية ، وكذلك نعت لمصدر محذوف ، أي : جزاء مثل ذلك ، والمجرمين مفعول به (لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ) الجملة الاسمية تحتمل الحالية والاستئنافية ، ولهم جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم ، ومهاد مبتدأ مؤخر ، ومن جهنم جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال ، لأنه كان في الأصل صفة لجهنم (وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ وَكَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ) عطف ، والجار والمجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم ، وغواش مبتدأ مؤخر ، والضمة مقدرة على الياء المحذوفة لالتقاء الساكنين ، وسيأتي مزيد من الكلام عنه في باب الفوائد.

البلاغة :

في قوله تعالى : «حتى يلج الجمل سم الخياط» فن بلاغي يسمى المذهب الكلامي. ويقول ابن المعتز في كتابه البديع : إن الجاحظ سماه هذه التسمية ، وعرفوه بأنه احتجاج المتكلم على ما يريد إثباته بحجة تفلّ سلاح المعاند المكابر ، وتقطع بينته ، على طريقة علماء الكلام.

لأن علم الكلام عبارة عن إثبات أصول الدين بحجج عقلية وبراهين

٣٥٠

قاطعة تدحض اللجاج ، ومنه نوع منطقي تستنتج فيه النتائج الصحيحة من المقدمات الصادقة. وفي الآية التي نحن بصددها وجه استنتاج النتيجة من المقدّمتين أن يقال : إن الكفار لا يدخلون الجنة أبدا حتى يلج الجمل في خرم الابرة ، والجمل لا يدخل في خرم لإبرة أبدا ، فهم لا يدخلون الجنة أبدا ، لأن تعليق الشرط على مستحيل يلزم منه استحالة وقوع المشروط. وسيرد الكثير منه في القرآن الكريم.

المذهب الكلامي في الشعر :

وقد جاء هذا الفن في كثير من الشعر العربي ، ولهم فيه روائع فمن ذلك قول أبي تمام :

وإذا أراد الله نشر فضيلة

طويت أتاح لها لسان حسود

لو لا اشتعال النار فيما جاورت

ما كان يعرف طيب عرف العود

والقطعة التالية لبهاء الدين زهير حافلة بضروب من هذا الفن ، وتجتزئ بإيرادها :

يا من أكابد فيه ما أكابده

مولاي أصبر حتى يحكم الله

سمّيت غيرك محبوبي مغالطة

لمعشر فيك قد فاهوا بما فاهوا

٣٥١

أقول زيد ، وزيد لست أعرفه

وإنما هو لفظ أنت م

عناه وكم ذكرت مسمّى لا اكتراث به

حتى يجرّ إلى ذكراك ذ

كراه أتيه فيك على العشاق كلهم

قد عزّ من أنت يا مولاي

مولاه والناس فينا ببعض القول قد لهجوا

لو صحّ ما ذكروا ما كنت

آباه كادت عيونهم بالبغض تنطق لي

حتى كأنّ عيون الناس أفواه

فإن جميع هذه العلل المذكورة ضمن هذه الأبيات علل حقيقية أصلية يسلم بها الخصم المعاند عند سماعها من غير مجادلة ، ولا لجوء إلى اللجاج والمكابرة ، وذلك لا يخفى على من له مسكة من ذوق.

الفوائد :

١ ـ إبدال التاء :

في ادّكر : وجهان : أولهما : أن الأصل تداركوا ، كما ذكرنا في باب اللغة. وما كانت فاؤه ثاء أو ذالا أو دالا أو زايا أو صادا أو

٣٥٢

ضادا أو طاء أو ظاء مما هو على وزن تفاعل أو تفعّل أو تفعلل ، بحيث تجتمع التاء وهذه الأحرف جاء فيه إبدال التاء حرفا من جنس ما بعدها مع إدغامها فيه ، وذلك نحو : اثّاقل وادّكر وازّيّن واصتبر واضّرع واطّرب واظّلم ، والأصل : تثاقل وتذكّر وتزيّن وتصبّر وتضرّع وتطرّب وتظلّم ، فأبدلت التاء حرفا من جنس ما بعدها ، ثم أسكن لإدغامه. فتعذر الابتداء بالساكن ، فأتي بهمزة الوصل تخلصا من ذلك.

وثانيهما أنه إذا أبدلت تاء افتعل الى حرف مجانس لما بعدها تلفظ في الوزن بأصل تاء الافتعال ، ولا تلفظ بما صارت إليه من طاء أو دال ، فنقول وزن اصطبر افتعل لا افطعل ، ووزن ازدجر افتعل لا افدعل ، فكذلك نقول هنا وزن ادّاركوا اتفاعلوا لا افّاعلوا ، فلا فرق بين تاء الافتعال والتفاعل في ذلك.

٢ ـ الجمع المنقوص على وزن مفاعل :

للنحاة في الجمع الذي على وزن مفاعل ـ إذا كان منقوصا ـ مذهبان ، فبعضهم قال : هو منصرف ، لأنه قد زالت عنه صيغة منتهى الجموع ، فصار وزنه وزن جناح ، وقد زال فانصرف. وقال الجمهور : هو ممنوع من الصرف ، والتنوين تنوين عوض ، وقد تقدم بحثه.

واختلفوا في المعوض عنه ماذا؟ فالجمهور على أنه عوض عن الياء المحذوفة ، وذهب المبرد الى أنه عوض عن حركتها ، والكسر ليس كسر إعراب.

(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها

٣٥٣

أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٤٢) وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا أَنْ هَدانَا اللهُ لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٤٣))

اللغة :

(الوسع) بتثليث الواو : الطاقة يقال : ليس في وسعه أن يفعل كذا ، أي : لا يقدر عليه. وقال الزجاج : الوسع : ما يقدر عليه.

(الغل) : الحقد.

الاعراب :

(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) كلام مستأنف مسوق للشروع في ذكر وعد المؤمنين وما أعدّ لهم في الآخرة ، بعد أن ذكر وعيد الكافرين وما أعد لهم في الآخرة. واسم الموصول مبتدأ ، وجملة آمنوا صلة ، وجملة عملوا الصالحات عطف على الصلة (لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) الجملة معترضة بين المبتدأ وخبره ، وقد حسن الاعتراض هنا لأنه من جنس الكلام ، فإنه تعالى لما نوه بعملهم الصالح ذكر أن ذلك العمل من وسعهم وطاقتهم وغير خارج عن نطاق قدرتهم ، ولا نافية ، ونكلف فعل مضارع مرفوع ، وفاعله مستتر تقديره نحن ،

٣٥٤

ونفسا مفعول نكلف الأول ، وإلا أداة حصر ، ووسعها مفعول نكلف الثاني (أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) الجملة الاسمية خبر الذين ، واسم الاشارة مبتدأ ، وأصحاب الجنة خبره ، وهم مبتدأ ، وخالدون خبره ، وفيها جار ومجرور متعلقان بقوله : خالدون ، وجملة هم فيها خالدون خبر ثان لأولئك ، أو حال من أصحاب الجنة (وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ) الواو عاطفة ، ونزعنا فعل وفاعل ، وما اسم موصول مفعول به ، وفي صدورهم جار ومجرور متعلقان بمحذوف صلة الموصول ومن غلّ جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال ، وجملة تجري حال من الضمير (وَقالُوا : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا) الواو عاطفة ، وقالوا فعل وفاعل ، والحمد مبتدأ ، ولله جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر ، والجملة الاسمية في محل نصب مقول القول ، والذي اسم موصول نعت لله ، وجملة هدانا لهذا لا محل لها لأنها صلة الموصول (وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا أَنْ هَدانَا اللهُ) يجوز أن تكون الواو للاستئناف أو للحال ، وما نافية ، وكان واسمها واللام لام الجحود ، ونهتدي فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد لام الجحود ، والجار والمجرور متعلقان بمحذوف خبر ، ولو لا حرف امتناع لوجود ، وأن مصدرية ، وهي مع مدخولها في موضع رفع مبتدأ ، وخبر المبتدأ محذوف ، كما هي القاعدة :

وبعد لو لا غالبا حذف الخبر

حتم وفي نص يمين ذا استقر

وجواب لو لا محذوف لدلالة ما قبله عليه ، والتقدير : لو لا هداية الله لنا موجودة ما اهتدينا أو لشقينا ، والجملة كلها مستأنفة أو حالية (لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ) اللام جواب قسم محذوف ، وقد حرف تحقيق ، وجاءت رسل ربنا فعل وفاعل ، وبالحق جار ومجرور متعلقان

٣٥٥

بجاءت (وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) الواو استئنافية ، ونودوا فعل ماض مبني للمجهول ، والواو نائب فاعل ، وأن يحتمل أن تكون مخففة من الثقيلة أو مفسرة ، وتلكم الجنة اسم الاشارة مبتدأ ، والجنة خبر أو بدل من اسم الاشارة ، والخبر جملة أورثتموها. وعلى الأول تكون جملة أورثتموها حالية ، وبما كنتم تعملون تقدم إعراب نظائرها كثيرا.

(وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنا ما وَعَدَنا رَبُّنا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (٤٤) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كافِرُونَ (٤٥) وَبَيْنَهُما حِجابٌ وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيماهُمْ وَنادَوْا أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ (٤٦) وَإِذا صُرِفَتْ أَبْصارُهُمْ تِلْقاءَ أَصْحابِ النَّارِ قالُوا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٤٧))

اللغة :

(العوج) بكسر العين : في المعاني وفي الأعيان ، ما لم يكن

٣٥٦

منتصبا ، وبالفتح فيما كان منتصبا كالرمح والحائط. وسيرد المزيد من البحث لهذه المادة اللغوية.

(الْأَعْرافِ) : سور مضروب بين الجنة والنار ، وهي أعاليه ، جمع عرف ، استعير من عرف الديك والفرس ، وقد أفاض أصحاب المطوّلات في وصفه ، وأنهى بعضهم الأقوال فيه الى ثلاثة عشر قولا.

أما مادة عرف اللغوية فهي عجيبة ، ونورد هنا بعض خصائصها ومعانيها جريا على ما توخيناه في هذا الكتاب. يقال عرف الشيء يعرفه من باب ضرب عرفة وعرفانا ومعرفة علمه ، وعرف يعرف بالضم من باب نصر عرافة على القوم دبرهم وساس أمرهم ، وعرف يعرف بالضم في الماضي والمضارع عرافة : صار عريفا وأكثر من الطيب. ومن المستعار : أعراف الريح والسحاب والضباب لأوائلها ، واعرورف البحر : أي ارتفعت أمواجه ، واعرورف فلان للشرّ : اشرأب له ، وقلة عرفاء مرتفعة ، قال زهير :

ومرقبة عرفاء أوفيت مقصرا

لأستأنس الأشباح فيه وأنظرا

ومقصرا من القصر وهو العشيّ. والعرّاف : دون الكاهن ، قالوا : إذا سال بك الغراف لم ينفعك العراف. وقال عروة :

جعلت لعرّاف اليمامة حكمه

وعرّاف نجد إذ هما شفياني

 (السّيمى) والسّيمة والسّومة والسّيماء والسيمياء : العلامة والهيئة والبهجة والحسن.

٣٥٧

الاعراب :

(وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ) الجملة استئنافية مسوقة للتقرير والتبكيت. وأصحاب الجنة فاعل نادى ، وأصحاب النار مفعوله (أَنْ قَدْ وَجَدْنا ما وَعَدَنا رَبُّنا حَقًّا) أن مخففة من الثقيلة ، فيكون اسمها ضمير الشأن ، وجملة قد وجدنا خبرها ، أو تكون «أن» مفسرة ، فتكون جملة قد وجدنا لا محل لها لأنها مفسره ، وما مفعول به ، وجملة وعدنا ربنا صلة لا محل لها ، وحقا مفعول به ثان لوجدنا (فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قالُوا نَعَمْ) الفاء عاطفة ، وهل حرف استفهام ، ووجدتم وما بعدها تقدم إعرابه ، قالوا فعل وفاعل ، والجملة مستأنفة ، ونعم حرف جواب ، وجملة الجواب المحذوفة في محل نصب مقول القول (فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) الفاء عاطفة ، وأذن مؤذن فعل وفاعل ، وأن مخففة من الثقيلة ، وهي مع مدخولها في محل جر بنزع الخافض ، والجار والمجرور متعلقان بأذن ، ويجوز أن تكون «أن» مفسرة فجملة أن وما في حيزها لا محل لها ، ولعنة الله مبتدأ ، وعلى الظالمين جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر لعنة وان كانت أن مخففة من الثقيلة فتعرب «لعنة» مبتدأ أيضا (الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً) الذين اسم موصول في محل جر صفة للظالمين ، ولك أن تعربه خبرا لمبتدأ محذوف ، أي : هم الذين يصدون ، وجملة يصدون لا محل لها لأنها صلة الموصول ، وعن سبيل الله جار ومجرور متعلقان بيصدون ، ويبغونها عطف على يصدون ، وهي فعل مضارع وفاعل ومفعول به ، وعوجا حال ، أي : معوجة ، ومعنى الاعوجاج هنا الميل عن الحق ، وذلك بتشويه الدين والتلبيس على الناس وإيهامهم أن فيه انحرافا عن الجادة وميلا عن الحق (وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كافِرُونَ) الواو حالية ، و «هم» مبتدأ

٣٥٨

وبالآخرة جار ومجرور متعلقان بـ «كافرون» ، وكافرون خبر «هم» ، والجملة في محل نصب على الحال (وَبَيْنَهُما حِجابٌ وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ) الواو عاطفة ، وبينهما الظرف متعلق بمحذوف خبر مقدم ، وحجاب مبتدأ مؤخر ، أي : وبين أصحاب الجنة وأصحاب النار ، وكذلك قوله : وعلى الأعراف رجال ، وجملة يعرفون في محل رفع صفة لرجال ، وكلا مفعول به ، وبسيماهم جار ومجرور متعلقان بيعرفون (وَنادَوْا أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ) الجملة مستأنفة مسوقة للحديث عن أهل الأعراف ، والقول فيهم ، وعن منزلتهم. مرجعه في المطوّلات ، فارجع إليها إن شئت.

ونادوا فعل وفاعل ، والضمير يعود على أصحاب الأعراف ، وأصحاب الجنة مفعوله ، وأن مخففة من الثقيلة أو مفسرة ، وقد تقدّمت ، وسلام مبتدأ ساغ الابتداء به لما فيه من معنى الدعاء فتخصص ، وعليكم جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبره ، وجملة لم يدخلوها مستأنفة مسوقة لتكون بمثابة جواب عن سؤال سائل عن أصحاب الأعراف ، فكأنه قيل : ما صنع بهم؟ فقيل لم يدخلوها ، والواو حالية ، وهم مبتدأ ، وجملة يطمعون خبر ، وجملة وهم إلخ في محل نصب على الحال (وَإِذا صُرِفَتْ أَبْصارُهُمْ تِلْقاءَ أَصْحابِ النَّارِ) الواو عاطفة لاستكمال حديث أصحاب الأعراف ، وإذا ظرف مستقبل متضمن معنى الشرط متعلق بالجواب وهو قالوا ، وجملة صرفت في محل جر بالإضافة ، وأبصارهم نائب فاعل ، وتلقاء ظرف مكان متعلق بصرفت ، ويأتي مصدرا ولم يأت من المصادر على تفعال بكسر التاء غير مصادر محددة.

(قالُوا : رَبَّنا لا تَجْعَلْنا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) الجملة جواب شرط غير جازم ، فلا محل لها ، وربنا منادى مضاف ، ولا ناهية المقصود بها هنا الدعاء ، ونا ضمير متصل في محل نصب مفعول به ، ومع ظرف مكان

٣٥٩

متعلق بمحذوف مفعول به ثان ، والقوم مضاف إليه ، والظالمين نعت للقوم.

الفوائد :

المصادر كلها من هذا الوزن على تفعال بفتح التاء ، وإنما تجيء تفعال في الأسماء ، وليست كثيرة ، ذكر بعض أئمة اللغة منها ستة عشر اسما ، ومنها التبيان والتلقاء ، ومر تهواء من الليل ، وتبراك وتعشار وترباع وهي مواضع ، وتمساح للدابة المعروفة ، والتمساح الرجل الكذاب أيضا ، والزلزال وتجفاف وتمثال وتمراد والتمراد بيت صغير في بيت الحمام لمبيضه ، وتلفاق وهما ثوبان يلفقان ، وتلقام أي : سريع اللقم ، ويقال أتت الناقة على تضرابها أي : على الوقت الذي ضربها الفحل فيه ، وتضراب كثير الضرب ، وتقصار وهي المخنفة ، وتنبال وهو القصير.

(وَنادى أَصْحابُ الْأَعْرافِ رِجالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيماهُمْ قالُوا ما أَغْنى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ (٤٨) أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لا يَنالُهُمُ اللهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (٤٩) وَنادى أَصْحابُ النَّارِ أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ قالُوا إِنَّ اللهَ حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ (٥٠)

٣٦٠