إعراب القرآن الكريم وبيانه - ج ٣

محيي الدين الدرويش

إعراب القرآن الكريم وبيانه - ج ٣

المؤلف:

محيي الدين الدرويش


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: اليمامة للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٥٧٦

مناقشة ممتعة :

ما يقوله الزمخشري :

ويقول الزمخشري : «فإن قلت : يقال : «جاء زيد هو فارس» بغير واو فما بال قوله تعالى : «أو هم قائلون»؟ قلت : قدّر بعض النحويين الواو المحذوفة ، ورده الزّجّاج وقال : لو قلت : جاءني زيد راجلا أو هو فارس ، أو جاءني زيد هو فارس ، لم يحتج فيه إلى واو ، لأن الذكر قد عاد إلى الأول. والصحيح أنها إذا عطفت على حال قبلها حذفت الواو استثقالا لاجتماع حرفي عطف ، لأن واو الحال هي واو العطف استعيرت للوصل ، فقولك : جاز زيد راجلا ، أو هو فارس ، كلام فصيح وارد على حدّه. وأما : جاءني زيد هو فارس ، فخبيث».

ردّ أبي حيّان على الزمخشري والزجاج :

وقد رد أبو حيان يقول : «فأما بعض النحويين الذي اتهمه الزمخشري فهو الفراء ، وأما قول الزمخشري في التمثيلين : لم يحتج فيه إلى الواو لأن الذكر قد عاد إلى الأول ، ففيه إبهام ، وتعيينه لم يجز دخولها في المثال الثاني ، فانتفاء الاحتياج ليس على حدّ سواء ، لأنه في الأول لامتناع الدخول ، وفي الثاني لكثرة الدخول ، ولا لامتناعه.

وأما قول الزمخشري : والصحيح إلى آخره ، فتعليله ليس بصحيح ، لأن واو الحال ليست حرف عطف فيلزم من ذكرها اجتماع حرفي عطف ، لأنها لو كانت للعطف للزم أن يكون ما قبل الواو حالا حتى يعطف حال على حال ، فمجيئها فيما لا يمكن أن يكون حالا دليل على أنها ليست واو عطف ولا لحظ فيها معنى العطف. تقول : جاءني زيد

٣٠١

والشمس طالعة ، فجاء زيد ليس بحال ، فتعطف عليه جملة حال ، وإنما هذه الواو مغايرة لواو العطف بكل حال ، وهي قسم من أقسام الواو ، كما تأتي للقسم ، وليست فيه للعطف إذا قلت : والله لتخرجنّ. أما قوله : «فخبيث» فليس بخبيث ، وذلك أنه بناه على أن الجملة الاسمية إذا كان فيها ضمير ذي الحال فإن حذف الواو منها شاذ ، وتبع في ذلك الفراء ، وليس بشاذّ ، بل هو كثير وقوعه في القرآن وفي كلام العرب ، نثرها ونظمها ، وهو أكثر من رمل يبرين وفلسطين.

وقد ذكرنا كثرة مجيء ذلك في شرح التسهيل. وقد رجع الزمخشري عن هذا المذهب إلى مذهب الجماعة».

تعقيب على كلام أبي حيان :

أقول : لا يخلو ردّ أبي حيان من تهافت ، فقد تعقب عليه بأن أصل الواو العطف ، ثم استعيرت لربط الحال بعاملها ، كما أن الفاء أصلها العطف ، ثم استعيرت لربط الجزاء بالشرط.

الفاء العاطفة :

الفاء للترتيب. وهو إما معنوي كما في : «قام زيد فعمرو» وهو أن يكون ما بعدها حاصلا بعد ما قبلها في الواقع. أو ذكريّ وهو عطف مفصّل على مجمل ، نحو : «فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه». وهو أن يكون ما بعدها حاصلا بعد ما قبلها في اللفظ فقط ، وأما في الواقع فتارة يكون حاصلا معه في آن واحد أو قبل ما قبلها. وقال الفراء : إنها لا تفيد الترتيب مطلقا.

٣٠٢

واحتج بقوله تعالى : «أهلكناها فجاءها بأسنا بياتا أو هم قائلون».

وأجيب بأن المعنى : أردنا إهلاكها. ولا شك أن إرادة الإهلاك قبل مجيء البأس ، فيكون ترتيبا ذكريا إذ هو بيان لقوله : «أهلكناها» إذ هو مجمل. والحاصل أن الجمهور يقولون بإفادتها الترتيب مطلقا ، والفراء يمنع ذلك مطلقا. وقال الجرمي : لا تفيد الترتيب في البقاع ولا في الأمصار ، بدليل : «بين الدخول فحومل» ، وقولهم : «مطرنا بنوء بمكان كذا» فمكان كذا إذا كان وقوع الأمطار فيهما واحدا.

عودة الضمير :

قد أعربوا المضاف إليه بإعراب المضاف ، ولذلك عاد الضمير مؤنثا ومذكرا ، والمراد : وكم من أهل قرية ، ثم حذف المضاف الذي هو الأهل ، وعاد الضمير على الأمرين ، فأنّث في قوله : «فجاءها بأسنا» نظرا إلى التأنيث في اللفظ ، وهو القرية. وذكّر في قوله : «أو هم قائلون» ملاحظة للمحذوف ، فلما حذف المضاف أقيم المضاف إليه مقامه فباشره العامل فانتصب انتصاب المفعول به ، وإن لم يكن إياه في الحقيقة كذلك أعطوه حكمه في غير الإعراب من التأنيث والتذكير ، فمن ذلك قول حسان بن ثابت :

يسقون من ورد البريص عليهم

بردى يصفّق بالرحيق السلسل

والشاهد فيه تذكير الضمير الراجع إلى بردى ، وهو مؤنث.

والبريض موضع بأرض دمشق.

٣٠٣

(وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٨) وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِما كانُوا بِآياتِنا يَظْلِمُونَ (٩) وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ (١٠))

اللغة :

(مَعايِشَ) في المصباح : عاش عيشا ، من باب سار : صار ذا حياة ، فهو عائش ، والأنثى عائشة ، وعيّاش أيضا مبالغة ، والمعيش والمعيشة مكسب الإنسان الذي يعيش به ، والجمع المعايش. هذا على قول الجمهور إنه من عاش ، فالميم زائدة ، ووزن معايش مفاعل ، فلا يهمز ، وبه قرأ السبعة. وقيل : هو من معش ، فالميم أصلية ، ووزن معيش ومعيشة فعيل وفعيلة ، ووزن معائش فعائل ، فيهمز. هذا وسيأتي في باب الفوائد مزيد بحث عن عدم همز معايش.

الاعراب :

(وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ) الواو استئنافية والكلام مستأنف لتقرير وزن الأعمال يوم القيامة بميزانها الحق الثابت الذي لا يطيش به الموزون ، لامتحان الخلق وإظهار حكم العدل ، وإقامة الحجة على الناس. والوزن مبتدأ ، وفي الخبر وجهان : أحدهما هو الظرف

٣٠٤

«يومئذ» ، أي : الوزن الحق كائن أو مستقر يومئذ ، أي يوم يسأل الرسل والمرسل إليهم ، فحذفت الجملة المضاف إليها «إذ» وعوض منها التنوين. وقد تقدم بحث هذه المسألة. وفي الحق على هذا الوجه أوجه : منها أنه نعت للوزن ، أي الوزن الحق كائن في ذلك اليوم ، ومنها أنه خبر مبتدأ محذوف ، كأنه جواب سؤال مقدر من قائل يقول :ما ذلك الوزن؟ فقيل : هو الحق لا الباطل ، وثاني الوجهين في خبر «الوزن» أن يكون الخبر «الحق» و «يومئذ» على هذا الوجه متعلق بـ «الوزن» ، أي : يقع الوزن يومئذ (فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) الفاء استئنافية ، ومن اسم شرط جازم مبتدأ ، وثقلت فعل ماض في محل جزم فعل الشرط ، وموازينه فاعل ، والفاء رابطة لجواب الشرط ، واسم الاشارة مبتدأ ، وهم مبتدأ ثان ، والمفلحون خبر «هم» ، والجملة الاسمية خبر اسم الاشارة. ويجوز أن يكون «هم» ضمير فصل لا محل له ، والمفلحون خبر أولئك ، وجملة «فأولئك هم المفلحون» في محل جزم جواب الشرط ، وفعل الشرط وجوابه خبر «من» (وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) الجملة عطف على الجملة المتقدمة ، وأولئك اسم إشارة مبتدأ ، والذين اسم موصول خبر ، والجملة جواب الشرط الجازم المقترن بالفاء ، وجملة خسروا أنفسهم صلة الموصول ، وأنفسهم مفعول به (بِما كانُوا بِآياتِنا يَظْلِمُونَ) الجار والمجرور متعلقان بخسروا ، وبآياتنا جار ومجرور متعلقان بيظلمون ، وقد تعدى يظلمون بالباء لتضمنه معنى التكذيب. وسيأتي المزيد عن التضمين في باب الفوائد. وما مصدرية ، وجملة كانوا لا محل لها لوقوعها بعد موصول حرفي ، وجملة يظلمون خبر كانوا (وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ) الواو استئنافية ، والكلام مستأنف مسوق لتذكيرهم بما

٣٠٥

أفاض عليهم من النعم التي تستوجب الشكر ، ولكنهم لم يقابلوها بما يستوجب ، واللام جواب قسم محذوف ، وقد حرف تحقيق ، ومكناهم فعل ماض وفاعل ، وفي الأرض جار ومجرور متعلقان بمكناهم ، وجعلنا فعل وفاعل ، ولكم جار ومجرور متعلقان بمحذوف مفعول جعلنا الأول ، ومعايش مفعول جعلنا الثاني ، وفيها جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال (قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ) قليلا نعت لمصدر محذوف أو لظرف محذوف ، وقد تقدمت نظائره. وما زائدة لتأكيد القلة ، وتشكرون فعل مضارع مرفوع وفاعل ، والجملة حالية أو مستأنفة.

الفوائد :

١ ـ التضمين :

هو إشراب لفظ معنى لفظ ، فيعطى حكمه ، ويسمى ذلك تضمينا.

وفائدته أن تؤدي كلمة مؤدّى كلمتين. هذا ما قاله ابن هشام ، واستشهد على ذلك بقول الزمخشري «ألا ترى كيف رجع معنى «ولا تعد عيناك عنهم» إلى قولك : ولا تقتحم عيناك مجاوزين الى غيرهم ، «ولا تأكلوا أموالهم الى أموالكم» أي : ولا تضموها إليها آكلين». وواضح أن هذا ثراء لفظي ، يزيد في مرونة لغتنا ، وسعة تصرفها ، ولهذا آثرناه بالإشارة.

رأي ابن جنّي :

وقال ابن جني في الخصائص : «إن العرب قد تتوسع فتوقع أحد الحرفين موقع الآخر ، إيذانا بأن هذا الفعل في معنى ذلك الآخر

٣٠٦

فقط ، وعلى هذا فالتضمين مجاز مرسل ، لأنه استعمل اللفظ في غير معناه لعلاقة بينهما وقرينة».

رأي آخر :

وقيل تعقيبا على قول ابن جني : إن فيه جمعا بين الحقيقة والمجاز ، لدلالة المذكور على معناه بنفسه وعلى المحذوف بالقرينة.

رأي العزّ بن عبد السلام :

وقال العز بن عبد السلام في كتابه «مجاز القرآن» التضمين :هو أن يضمن اسم معنى آخر لإفادة معنى الاسمين ، فتعديه تعديته في بعض المواضع ، كقوله : «حقيق على أن لا أقول على الله إلا الحق» فيضمّن «حقيق» معنى حريص ، ليفيد أنه حريص عليه ، ويضمن معنى فعل ، فتعديه تعديته في بعض المواضع ، كقول الشاعر «قد قتل الله زيادا عنّي» ضمن «قتل» معنى صرف ، لإفادة أنه صرفه حكما بالقتل دون ما عداه من الأسباب ، فأفاد معنى القتل والصرف جميعا.

وسيأتي من آيات الله غرائب في التضمين ، ولهذا نجتزئ بما قدمناه عنه الآن.

٢ ـ إبدال الهمز من الواو والياء :

١ ـ أن تتطرّف إحداهما وهي لام أو زائدة للإلحاق بعد ألف زائدة ، نحو : كساء وسماء ودعاء ، فالهمزة فيهما مبدلة عن واو ،

٣٠٧

والأصل كساو وسماو ودعاو ، ونحو : بناء وظباء وفناء ، فالهمزة فيهنّ مبدلة عن ياء ، والأصل : بناي وظباي وفناي.

٢ ـ أن تقع إحداهما عينا لاسم فاعل أعلت فيه ، نحو : قائل وبائع ، فقلبوا عينهما ألفا.

٣ ـ أن تقع إحداهما بعد ألف «مفاعل» ، وقد كانت مدة زائدة في الواحد ، نحو : عجوز وعجائز ، وصحيفة وصحائف ، بخلاف نحو :قسورة وقساور ، ومعيشة ومعايش ، لأن المدة أصلية في الواحد فلا تبدل وشذّ : مصيبة ومصائب ومنارة ومنائر ، بالإبدال ، مع أن المدة في الواحد أصلية.

٤ ـ أن تقع إحداهما ثاني حرفين لينين بينهما ألف مفاعل ، سواء كان اللينان ياءين كنيائف جمع نيف ، أو واوين كأوائل جمع أول ، أو مختلفين كسيائد جمع سيد ، إذ أصله سيود ، اجتمعت فيه الواو والياء ، وسبقت إحداهما فقلبت الواو ياء ، وأدغمت الياء في الياء.

وهذا المبحث طويل ، وقد اختصرناه جهد الإمكان.

آراء في قراءة الهمزة :

إذا عرفت هذا فاعلم أنه قرأ الأعرج وزيد بن علي والأعمش وخارجة عن نافع وابن عامر في رواية : «معائش» بالهمز ، وليس بالقياس كما تقدم ، ولكن هؤلاء رووه وهم ثقات ، فوجب قبوله.

ولذلك نورد بعض آراء علماء اللغة :

٣٠٨

الزّجّاج :

قال الزجاج : جميع نحاة البصرة تزعم أن همزها خطأ ، ولا أعلم لها وجها إلا التشبيه بصحيفة وصحائف ، ولا ينبغي التعويل على هذه القراءة.

المازنيّ :

وقال المازني : أصل أخذ هذه القراءة عن نافع ، ولم يكن يدري ما العربية ، وكلام العرب التصحيح في نحو هذا.

الفرّاء :

وقال الفراء : ربما همزت العرب هذا وشبهه ، يتوهمون أنها فعلية فيشبهون مفعلة بفعيلة.

أبو حيّان :

أما أبو حيان فقد دافع عنها فقال : لسنا متعبدين بأقوال نحاة البصرة. ورد على المازني فقال : وأما قوله : إن نافعا لم يكن يدري ما العربية ، فشهادة على النفي. إلى آخر تلك المناقشة المفيدة.

(وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (١١) قالَ ما مَنَعَكَ أَلاَّ

٣٠٩

تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (١٢))

الاعراب :

(وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ) الواو استئنافية ، والكلام مستأنف مسوق للتذكير بالنعمة السارية من آدم الى ذريته ، والتي تستوجب الشكران الدائم. واللام جواب قسم محذوف ، وقد حرف تحقيق ، وخلقناكم فعل وفاعل ومفعول به ، ثم حرف عطف للترتيب والمهلة ، وصورناكم عطف على خلقناكم ، وتوجيه الخطاب الى المخاطبين مع أن المراد آدم هو تأكيد معنى الشكران للنعمة السابغة ، ثم قلنا للملائكة عطف على ما تقدم ، وللملائكة جار ومجرور متعلقان بقلنا ، واسجدوا فعل أمر ، والواو فاعل ، والجملة في محل نصب مقول القول ، ولآدم جار ومجرور متعلقان بقوله : اسجدوا (فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ) الفاء للترتيب مع التعقيب ، كأنما امتثلوا للأمر فور صدوره ، وسجدوا فعل وفاعل ، وإلا أداة استثناء وإبليس مستثنى من فاعل سجدوا ، وجملة لم يكن من الساجدين إما استئنافية كأنها جواب عن سؤال مقدر ، ويجوز أن تكون حالية ، أي : إلا إبليس حال كونه ممتنعا من السجود ، ومن الساجدين جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر يكن (قالَ ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ) ما اسم استفهام في محل رفع مبتدأ ، وجملة منعك في محل رفع خبرها ، والمعنى : أي شيء منعك. وأن وما بعدها في

٣١٠

موضع نصب بنزع الخافض ، أي : ما منعك من السجود. وإذ ظرف ماض متعلق بتسجد ، أي : ما منعك من السجود وقت أمري إياك به.

ولا زائدة لتأكيد معنى النفي ، وجملة أمرتك في محل جر بالإضافة (قالَ : أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) جملة القول مستأنفة مسوقة لجواب إبليس عن السؤال الناشئ عن حكاية عدم سجوده ، وأنا مبتدأ ، وخير خبر ، ومنه جار ومجرور متعلقان بخير ، وجملة خلقتني لا محل لها لأنها مسوقة لتعليل ما ادعاه غرورا واستكبارا من فضله على آدم. ومن نار جار ومجرور متعلقان بخلقتني ، وجملة خلقتني من طين عطف على سابقتها.

البلاغة :

في قوله : «ما منعك أن لا تسجد إذ أمرتك» فنّ التوهيم ، وقد تقدم الإلماع إليه. أي أن يأتي المتكلم بكلمة يوهم ما بعدها من الكلام أن المتكلم أراد تصحيفها أو تحريفها أو اختلاف إعرابها أو اختلاف معناها. فإن الظاهر ما منعك من السجود. والتأويل الذي يرد هذا الكلام أن العلماء قالوا : ما منعك أي : ما صيرك ممتنعا من السجود. وقد تقدم في آل عمران قوله في اختلاف الإعراب : «ثم لا ينصرون» ليبقى الفعل دالا على الحال والاستقبال. ومن توهيم التصحيف قول أبي الطيب المتنبي :

وإن الفيام التي حوله

لتحسد أرجلها الأرؤس

فإن لفظة «الأرجل» أوهمت السامع أن المتنبي أراد القيام بالقاف ، ومراده الفيام ، وهي الجماعات ، لأن الفيام يصدق على أقل الجمع ، فتفوت المبالغة منه.

٣١١

(قالَ فَاهْبِطْ مِنْها فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ (١٣) قالَ أَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (١٤) قالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (١٥) قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (١٦))

اللغة :

(الصَّاغِرِينَ) الصّغار بفتح الصاد : الذل والضيم. وقد صغر الرجل ، من باب طرب ، فهو صاغر ، والصاغر أيضا : الراضي بالضيم.

(أَنْظِرْنِي) : أخّرني.

الاعراب :

(قالَ فَاهْبِطْ مِنْها فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها) جملة القول استئنافية ، وفاهبط الفاء عاطفة لترتيب الأمر على ما ظهر من إبليس من المخالفة ، وفما الفاء عاطفة أيضا ، و «ما» نافية أيضا ، ويكون فعل مضارع تام لأنه متضمن معنى ينبغي أو يصح ، ولك جار ومجرور متعلقان بيكون لأنه متضمن معنى يصح ، وأن مع مدخولها في تأويل مصدر فاعل يكون ، وفيها جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال (فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ) الفاء عاطفة ، لتأكيد الأمر بالهبوط ، وإن واسمها ، ومن الصاغرين جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبرها ، وجملة إن وما في حيزها في محل نصب حال ، أي : ذليلا صاغرا

٣١٢

(قالَ أَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) جملة القول مستأنفة ، وجملة أنظرني في محل نصب مقول القول ، والى يوم جار ومجرور متعلقان بأنظرني ، وجملة يبعثون في محل جر بالإضافة ، ولهذا أعرب الظرف لإضافته لجملة معربة كما تقدم ، ويبعثون فعل مضارع مبني للمجهول ، والواو نائب فاعل (قالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ) جملة إنك من المنظرين في محل نصب مقول القول (قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ) الجملة مستأنفة أيضا ، والفاء عاطفة ، والباء حرف جر للسببية ، وما مصدرية ، والجار والمجرور متعلقان بفعل القسم المحذوف ، ولا يجوز أن يتعلق الجار والمجرور بـ «أقعدن» ، لأن لام القسم تصد عن ذلك ، لا نقول : والله لأمرن بزيد ، والمعنى : فبسبب إغوائك أقسم. ويجوز أن تكون الباء للقسم ، أي : فأقسم بإغوائك لأقعدن. وهي مع مجرورها متعلقان بفعله المحذوف ، واللام واقعة في جواب القسم المحذوف ، وأقعدن فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة ، ولهم جار ومجرور متعلقان بأقعدن ، وصراطك نصب على الظرفية المكانية ، وسيأتي المزيد من إعرابها في باب الفوائد ، والمستقيم : صفة.

الفوائد :

قال سيبويه في كتابه : وانتصاب «صراطك» على الظرفية ، أي :في صراطك المستقيم. وحكى سيبويه أيضا : ضرب زيد الظهر والبطن.

ورجح أبو حيان انتصابه بنزع الخافض.

عبارة أبي حيّان :

«وانتصب صراطك على إسقاط «على» ، قاله الزّجّاج ، وشبهه

٣١٣

بقول العرب : «ضرب زيد الظهر والبطن» ، أي على الظهر والبطن.

وإسقاط حرف الجر لا ينقاس في مثل هذا ، لا يقال : «قعدت الخشبة» تريد على الخشبة. قالوا : وعلى الظرف ، كما قال الشاعر فيه : «كما عسل الطريق الثعلب» ، وهذا أيضا تخريج فيه ضعف ، لأن «صراطك» ظرف مكان مختصّ ، وكذلك الطريق ، فلا يتعدى إليه الفعل إلا بواسطة «في» ، وما جاء خلاف ذلك شاذ أو ضرورة». الى أن يقول : «والأولى أن يضمن لأقعدنّ معنى ما يتعدّى بنفسه فينتصب «الصراط» على أنه مفعول به ، والتقدير : لألزمن بقعودي صراطك المستقيم.

الزمخشري وافق سيبويه :

أما الزمخشري فوافق سيبويه قال : «وانتصابه على الظرف كقول ساعدة بن جؤية يصف رمحا :

لدن بهز الكفّ يعسل متنه

فيه كما عسل الطريق الثعلب

يصفه بأنه لين يضطرب صلبه بسبب هزه فلا يبس فيه كما عسل أي اضطرب الثعلب في الطريق. فحذف الجار من الثاني للضرورة.

وفي «عسل» معنى الدخول بسرعة.

(ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ (١٧) قالَ اخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً

٣١٤

مَدْحُوراً لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ (١٨))

اللغة :

(مَذْؤُماً) في المختار : الذّأم : العيب يهمز ولا يهز ، يقال :ذأمه من باب قطع إذا عابه وحقره ، فهو مذءوم.

(مَدْحُوراً) : دحره : طرده وأبعده ، وبابه قطع.

الاعراب :

(ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ) ثم حرف عطف للترتيب والمهلة ، واللام موطّئة للقسم ، وآتينهم : فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة ، والفاعل ضمير مستتر ، والهاء مفعول به ، ومن بين أيديهم جار ومجرور متعلقان بآتينهم ، أي : لآتينهم من الجهات الأربع الي يأتي منها العدو ، ولكنه خالف بين حرفي الجر ، فجعل الفعل في الأولين يتعدى بمن ، وهي للابتداء ، وفي الأخيرين بعن ، وهي للمجاوزة ، لأنه يتوجه من الأولين وينحرف من الآخرين متجاوزا ، وسيأتي المزيد من التفصيل في باب البلاغة (وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ) الواو استئنافية أو عاطفة ، فالجملة بعدها مستأنفة أو معطوفة ، ولا نافية ، وتجد فعل مضارع إمّا من الوجود بمعنى اللّقاء فيتعدّى لواحد ، فيكون «أكثرهم» مفعولا به ، وشاكرين حالا ، وإما من الوجود بمعنى العلم فيكون قوله

٣١٥

«شاكرين» مفعولا به ثانيا (قالَ : اخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً مَدْحُوراً) الجملة مستأنفة ، وأخرج فعل أمر ، ومنها جار ومجرور متعلقان باخرج ، ومذءوما مدحورا حالان من فاعل اخرج والجملة مقول القول (لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ) اللام هي الموطئة للقسم المحذوف ، ومن اسم شرط جازم في محل رفع ، وتبعك فعل ماض في محل جزم فعل الشرط ، ومنهم جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال ، ولأملأن اللام جواب القسم المدلول عليه بلام التوطئة ، وجواب الشرط محذوف لدلالة جواب القسم عليه والجملة القسمية مستأنفة.

ويجوز أن تكون اللام لام الابتداء ، ومن اسم موصول في محل رفع مبتدأ ، وجملة تبعك صلة ، ولأملأن جواب قسم محذوف ، وذلك القسم وجوابه في محل رفع للمبتدأ ، والتقدير : للذي تبعك منهم والله لأملأن جهنم منكم ، وجهنم مفعول به ، ومنكم جار ومجرور متعلقان بأملأن ، وأجمعين تأكيد للضمير.

البلاغة :

في هذه الآية فن المخالفة بين حرفي الجر ، فقد ذكر الجهات الأربع ، لأنها هي التي يأتي منها العدوّ عدوّه ، ولهذا ترك جهة الفوق والتحت ، وعدى الفعل الى الجهتين الأوليين بمن ، والى الأخريين بعن ، لأن الغالب فيمن يأتي من قدام وخلف أن يكون متوجها بكليته ، والغالب فيمن يأتي من جهة اليمين والشمال أن يكون منحرفا ، فناسب في الأولين التعدية بحرف الابتداء ، وفي الآخرين التعدية بحرف المجاوزة. وهو تمثيل لوسوسته وتسويله بمن يأتي حقيقة.

٣١٦

فصل رائع للزمخشري :

وفيما يلي فصل رائع للزمخشري بهذا الصدد ، نقتبس منه الفقرات التالية ، لما تضمنته من تجسيد حي ، قال : «فإن قلت : كيف قيل : «من بين أيديهم ومن خلفهم» بحرف الابتداء ، وعن أيمانهم وعن شمائلهم» بحرف المجاوزة؟ قلت : المفعول فيه عدي إليه الفعل نحو تعديته الى المفعول به ، فكما اختلفت حروف التغدية في ذاك اختلفت في هذا ، وكانت لغة تؤخذ ولا تقاس ، وإنما يفتش عن صحة موقعها فقط ، فلما سمعناهم يقولون : جلس عن يمينه وعلى يمينه ، وعن شماله وعلى شماله ، قلنا : معنى على يمينه أنه تمكن من جهة اليمين تمكن المستعلي من المستعلى عليه ، ومعنى عن يمينه أنه جلس متجافيا عن صاحب اليمين منحرفا عنه غير ملاصق له ، ثم كثر حتى استعمل في المتجافي وغيره ، ونحوه من المفعول به قولهم : «رميت عن القوس ، وعلى القوس ، ومن القوس» ، لأن السهم يبعد عنها ويستعليها إذا وضع على كبدها للرمي ويبتدأ الرمي منها. وكذلك قالوا : جلس بين يديه وخلفه ، بمعنى فيه ، لأنهما ظرفان للفعل ، ومن بين يديه ومن خلفه لأن الفعل يقع في بعض الجهتين ، تقول : جئته من الليل تربد يعض الليل».

(وَيا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ (١٩) فَوَسْوَسَ لَهُمَا

٣١٧

الشَّيْطانُ لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما وَقالَ ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ (٢٠))

اللغة :

(وسوس) الوسوسة : الكلام الخفي المكرر ، ومثله الوسواس ، وهو صوت الحليّ. والوسوسة أيضا : الخطرة الرديئة ، ووسوس لا يتعدى الى مفعول بل هو لازم ، يقال : هو رجل موسوس بكسر الواو ، ولا يقال بفتحها. قاله ابن الأعرابيّ. وقال غيره : يقال موسوس له ، وموسوس إليه. وقال الليث : الوسوسة : حديث النفس ، والصوت الخفي من ريح تهزّ قضيبا ونحوه ، كالهمس.

وقال الأزهري : وسوس ووزوز بمعنى واحد ، وفي القاموس : رجل موزوز أي مغرّد. وسيأتي سرّ تكرير الحروف في باب البلاغة.

(وُورِيَ) : ستر وغطّي ، وهو ماض مبني للمجهول ، وأصله :وارى كضارب ، فلما بني للمجهول أبدلت الألف واوا كضورب.

(السوآت) : العورات ، وكلّ ما يستحيا منه.

الاعراب :

(وَيا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ) الواو عاطفة أو استئنافية ، ويا حرف نداء ، وآدم منادى مفرد علم مبني على الضم في محل نصب ، والكلام معطوف على اخرج ، أو بتقدير عامل ، أي : قلنا : يا آدم ،

٣١٨

واسكن فعل أمر ، وفاعله مستتر تقديره أنت ، وأنت تأكيد للفاعل المستتر ، وزوجك عطف على الضمير المستتر ، والجنة مفعول به ، على السعة ، أو منصوب بنزع الخافض ، وقد تقدم (فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُما) الفاء حرف عطف ، وكلا فعل أمر مبني على حذف النون ، والألف فاعل ، ومن حرف جر ، وحيث ظرف مكان مبني على الضم في محل جر بمن ، والجار والمجرور متعلقان بكلا ، وجملة شئتما في محل جر بالإضافة (وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ) الواو عاطفة ، ولا ناهية ، وتقربا فعل مضارع مجزوم بلا ، والألف فاعل ، وهذه اسم إشارة في محل نصب مفعول به ، وقرب يستعمل لازما ومتعديا كما هنا ، والشجرة بدل من اسم الاشارة ، فتكونا الفاء هي السببية ، وتكونا فعل مضارع ناقص منصوب بأن مضمرة بعد الفاء لوقوعها جوابا للنهي ، والألف اسم تكونا ، ومن الظالمين جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر تكونا (فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما) الفاء عاطفة ، ووسوس فعل ماض ، ولهما جار ومجرور متعلقان بوسوس ، والشيطان فاعل ، وليبدي اللام لام التعليل ، ويبدي فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام ويصح أن تكون لام الصيرورة أو العاقبة ، ولهما جار ومجرور متعلقان بيبدي ، وما اسم موصول في محل نصب مفعول به ، وجملة ووري صلة لا محل لها ، وعنهما جار ومجرور متعلقان بووري ، ومن سوءاتهما : جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال. (وَقالَ : ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ) الواو عاطفة ، وقال فعل ماض معطوف على وسوس ، وما نافية ، ونهاكما فعل ماض ، والكاف مفعول به ، والميم والألف حرفان دالان على التثنية ، وربكما فاعل ، وعن هذه جار ومجرور متعلقان بنهاكما ، والشجرة بدل من اسم

٣١٩

الإشارة. وإلا أداة حصر. وأن وما في حيزها استثناء مفرغ من أعم العلل. فهو مفعول لأجله على حذف مضاف ، أي ، إلا كراهة. وأن تكونا مصدر مؤول في محل جر بالإضافة ، تكونا فعل مضارع ناقص منصوب بأن ، والألف اسمها ، وملكين خبر تكونا ، وأو تكونا من الخالدين عطف على جملة تكونا الأولى ، وجملة ما نهاكما مقول القول.

البلاغة :

سر تكرير الحروف في اللفظ الواحد :

هذا باب من أبواب البلاغة ، قلّ من يتفطن له. وقد المع إليه الزمخشري في كشافه وابن الأثير في مثله السائر وابن جني في خصائصه.

ولكن إلماعهم لا يعدو لغة النظر التي لا تنقع الغلة ، ولا تشفي من الأوام ، ويتلخص هذا الباب في أنه كلما تكررت الحروف في اللفظ الواحد كان ذلك إيذانا بتكرير العمل ونقل الفعل من وزن الى وزن ، لم يجنح إليه الواضح في الأصل إلا لهذا السر الخفي ، واللفظ هنا «وسوس» فهو تجسيد حي وتصوير بليغ لدأب إبليس على الإغواء ، وإجهاده نفسه لحملها على أن تزل بهما القدم ، ويرتطما في مزالق الشر ، فهو يوسوس إليهما المرة بعد المرة.

ومن ذلك قولهم : خشن واخشوشن ، لا تفيد خشن ما تفيد كلمة اخشوشن ، لما فيه من تكرير الحروف. وقل مثل هذا في أعشب المكان واعشوشب. فكأنهم لما رأوا كثرة العشب قالوا : اعشوشب.

وسيرد معنا في القرآن الكريم العجيب منه ، كما في هذه الآية.

٣٢٠