إعراب القرآن الكريم وبيانه - ج ٣

محيي الدين الدرويش

إعراب القرآن الكريم وبيانه - ج ٣

المؤلف:

محيي الدين الدرويش


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: اليمامة للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٥٧٦

٢ ـ أن يكون المضاف وصفا والمضاف إليه مفعوله الأول ، والفاصل مفعوله الثاني ، كقراءة بعضهم : «فلا تحسبنّ الله مخلف وعده رسله» بنصب وعده وجر رسله ، فمخلف اسم فاعل وهو متعد لاثنين ، وهو مضاف ، ورسله مضاف إليه ، من إضافة الوصف إلى مفعوله الأول ، ووعده مفعوله الثاني ، وفصل به بين المضاف والمضاف إليه.

٣ ـ أن يكون الفاصل قسما كقولهم : «هذا غلام والله زيد» ، يجر زيد بإضافة الغلام إليه وفصل بينهما بالقسم.

والمسائل الأربع الباقية من السبع تختص بالشعر وهي :

١ ـ الفصل بالأجنبي كقول جرير :

تسقي امتياحا ندى المسواك ريقتها

كما تضمّن ماء المزنة الرّصف

فتسقي مضارع سقى متعد لاثنين ، وفاعله ضمير يرجع الى المحبوبة في البيت قبله ، وندى مفعوله الأول وهو مضاف ، وريقتها مضاف إليه والمسواك مفعوله الثاني ، فصل به بين المضاف والمضاف إليه ، أي : تسقي ندى ريقتها المسواك ، والمسواك أجنبي من «ندى» لأنه ليس معمولا له وإن كان عاملهما واحدا.

٢ ـ الفصل بفاعل المضاف كقوله :

ما إن وجدنا للهوى من طبّ

ولا عدمنا قهر وجد صبّ

فأضاف «قهر» الى مفعوله وهو «صب» ، وفصل بينهما بفاعل المصدر وهو «وجد».

٢٤١

٣ ـ الفصل بنعت المضاف ، بنعت المضاف ، كقول معاوية بن أبي سفيان ، لما اتفق ثلاثة من الخوارج على أن يقتل كل واحد منهم واحدا من علي بن أبي طالب وعمرو بن العاص ومعاوية بن أبي سفيان ، فقتل علي ، وسلم عمرو ومعاوية :

نجوت وقد بل المرادي سيفه

من ابن أبي شيخ الأباطح طالب

ففصل بين المتضايفين ، وهما : أبي وطالب ، بنعت المضاف وهو :شيخ الأباطح ، أي : من ابن أبي طالب شيخ الأباطح. والمرادي بفتح الميم نسبة الى مراد ، بطن من مذحج ، وهو عبد الرحمن بن ملجم ، بضم الميم وفتح الجيم ، على صيغة اسم المفعول.

٤ ـ الفصل بالنداء كقوله :

كأن برذون أبا عصام

زيد حمار دقّ باللجام

فأضاف برذون الى زيد ، وفصل بينهما بالمنادى الساقط حرفه ، وحمار خبر كأن ، والأصل كأن برذون زيد حمار يا أبا عصام. والى هذا كله أشار ابن مالك في الخلاصة بقوله :

فصل مضاف شبه فعل ما نصب

مفعولا أو ظرفا أجز ولم يعب

فصل يمين واضطرارا وجدا

بأجنبي أو بنعت أو ندا

بين أبي حيّان والزمخشري :

هذا وقد رد أبو حيان على الزمخشري ، وأغلظ في الردّ ، قال

٢٤٢

بعد أن أورد كلام الزمخشري الذي أوردناه في مستهل هذا البحث :«وأعجب لعجمي ضعيف في النحو يرد على عربي صريح محض قراءة متواترة ، وأعجب لسوء ظن هذا الرجل بالقراء الأئمة الذين تخيّرتهم هذه الأمة لنقل كتاب الله شرقا وغربا».

بين أبي حيان والفارسي :

ومضى أبو حيان يرد على أبي علي الفارسي قال : «ولا التفات أيضا لقول أبي علي الفارسي : هذا قبيح قليل في الاستعمال ، ولو عدل عنها ـ يعني ابن عامر ـ كان أولى ، لأنهم لم يجيزوا الفصل بين المضاف والمضاف إليه بالظرف في الكلام مع اتساعهم في الظرف ، وإنما أجازوه في الشعر».

لمحة عن عقبة بن عامر :

أما عقبة فهو الصحابي الجليل والقائد الأمير الذي اشترك في فتح مصر ، ثم حكمها نيابة وأصالة. وهو رجل مستنير ذكي يتمتع بمزايا فكرية واضحة ، وقد كلفه النبي صلى الله عليه وسلم أن يقضي بين خصمين اختصما إليه ، وكان شاعرا قارئا كاتبا.

أبو الطيّب المتنبي فصل بين المتضايفين :

هذا وقد استعمل أبو الطيب المتنبي الفصل بين المتضايفين ، ففصل بين المضاف والمضاف إليه بالمفعول ، فقال من قصيدة يمدح بها أبا القاسم طاهر بن الحسين :

٢٤٣

حملت إليه من لساني حديقة

سقاها الحجا سقي الرياض السحائب

فقد فصل بالمفعول. ومعنى البيت أنه جعل القصيدة حديقة لما فيها من المعاني كما يكون في الروضة من الزهر والنبات ، وجعل العقل ساقيا لها ، لأن المعاني التي فيها إنما تحسّن بالعقل ، فجعل العقل ساقيها كما تسقي الرياض السحاب ، وهو جمع سحابة.

كلمة ابن جنّي :

وقال أبو الفتح ابن جني : «إذا اتفق شيء من ذلك نظر في حال العربي وما جاء به ، فإن كان فصيحا وكان ما أورده يقبله القياس ، فالأولى أن يحسن به الظنّ ، لأنه يمكن أن يكون ذلك وقع إليه من لغة قديمة قد طال عهدها وعفا رسمها».

كلمة أبي عمرو بن العلاء :

وقال أبو عمرو بن العلاء : «ما انتهي إليكم مما قالت العرب إلا أقله ، ولو جاءكم وافرا لجاءكم علم وشعر كثير».

رواية عن عمر بن الخطاب :

وروى ابن سيرين عن عمر بن الخطاب أنه حفظ أقل ذلك ، وذهب عنهم كثيره. يعني الشعر ، في حكاية فيها طول.

٢٤٤

(وَقالُوا هذِهِ أَنْعامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لا يَطْعَمُها إِلاَّ مَنْ نَشاءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُها وَأَنْعامٌ لا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللهِ عَلَيْهَا افْتِراءً عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِمْ بِما كانُوا يَفْتَرُونَ (١٣٨) وَقالُوا ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكاءُ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (١٣٩))

اللغة :

(حِجْرٌ) : فعل بكسر الفاء ، بمعنى مفعول ، كالذبح والطحن ، ويستوي في الوصف به المذكر والمؤنث ، والواحد ، والجمع ، لأن حكمه حكم الأسماء غير الصفات ، ولذلك وقع صفة لأنعام وحرث ، ومعناه الحجر ، أي : المنع. كانوا إذا عينوا أشياء من حرثهم وأنعامهم لآلتهم قالوا : لا يطعمها إلا من نشاء ، فجعلوا نصيب الآلهة أقساما ثلاثة : الأول ما ذكره بقوله : حجر ، أي : ممنوعة محرّمة. والثاني ما ذكره بقوله : «وأنعام حرمت ظهورها». والثالث قوله : «لا يذكرون اسم الله عليها» فجعلوها أجناسا بهواهم ، ونسبوا ذلك التجنيس الى الله.

(خالِصَةٌ) التاء في خالصة للمبالغة ، مثلها في راوية وعلامة ونسّابة والخاصة والعامة ، أو تكون مصدر على وزن فاعلة ، كالعافية والعاقبة.

٢٤٥

الاعراب :

(وَقالُوا : هذِهِ أَنْعامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لا يَطْعَمُها إِلَّا مَنْ نَشاءُ بِزَعْمِهِمْ) الواو استئنافية ، والجملة مستأنفة مسوقة لحكاية نوع آخر من أنواع كفرهم. وهذه اسم اشارة في محل رفع مبتدأ ، وأنعام خبر ، والجملة الاسمية مقول القول ، وحرث عطف على أنعام ، وحجر وصف لهما ، أي : محجورة ممنوعة محرّمة ، وجملة لا يطعمها صفة ثانية لأنعام ، ويطعمها فعل مضارع ومفعول به ، وإلا أداة حصر ، ومن اسم موصول في محل رفع فاعل يطعمها ، وجملة نشاء لا محل لها لأنها صلة الموصول ، وبزعمهم جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال من فاعل قالوا ، أي :قالوا ذلك ملتبسين بزعمهم الباطل (وَأَنْعامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُها) الواو عاطفة ، وأنعام خبر لمبتدأ محذوف ، أي : هذه والجملة معطوفة على قوله : «هذه أنعام» ، أي قالوا مشيرين الى طائفة أخرى من أنعامهم ، ويريدون بها البحائر والسوائب والحوامي. وقد تقدمت في المائدة.

وجملة حرمت ظهورها صفة ، أي : لا تركب ، وظهورها نائب فاعل حرمت (وَأَنْعامٌ لا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللهِ عَلَيْهَا افْتِراءً عَلَيْهِ) الواو حرف عطف ، وأنعام خبر لمبتدأ محذوف أيضا ، والجملة عطف على ما تقدم ، فالمقولات ثلاث ، وجملة لا يذكرون صفة لأنعام ، واسم الله مفعول به ، وعليها جار ومجرور متعلقان بيذكرون ، وافتراء يجوز فيه أن يكون مفعولا لأجله ، أي : فعلوا ذلك كله لأجل الافتراء ، ويجوز أن يكون حالا ، أي : مفترين ، ويجوز أن يكون مصدرا مؤكدا ، لأن قولهم ذلك في معنى الافتراء ، فهو نظير قولك : رجع القهقرى ، وقعد القرفصاء. وعليه جار ومجرور متعلقان بافتراء ، أو بمحذوف صفة له (سَيَجْزِيهِمْ بِما كانُوا يَفْتَرُونَ) الجملة مستأنفة مسوقة لتقرير جزائهم ،

٢٤٦

وبما جار ومجرور متعلقان بيجزيهم ، ويجوز في «ما» أن تكون مصدرية أو موصولة ، والباء للسببية ، أي : بسبب افترائهم أو بسبب الذي كانوا يفترونه على الله (وَقالُوا : ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا) كلام مستأنف مسوق للشروع في قول آخر من مفترياتهم وأباطيلهم ، فقد كانوا يقولون في أجنة البحائر والسوائب : ما ولد منها حيا فهو خالص للذكور ، ولا تأكل منه الإناث ، وما ولد منها ميتا اشترك فيه الذكور والإناث. وما اسم موصول في محل رفع مبتدأ ، وفي بطون جار ومجرور متعلقان بمحذوف صلة الموصول ، وهذه اسم إشارة في محل جر بالإضافة ، والأنعام بدل من اسم الإشارة ، وخالصة خبر عن «ما» ولذكورنا جار ومجرور متعلقان بخالصة ، ومحرم عطف على خالصة ، وعلى أزواجنا جار ومجرور متعلقان بمحرّم (وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكاءُ) الواو حرف عطف ، وإن شرطية ، ويكن فعل الشرط ، واسم يكن مستتر تقديره : وإن يكن ما في بطونها ، وميتة خبر ، والفاء رابطة لجواب الشرط ، وهم ضمير منفصل في محلّ رفع مبتدأ ، وشركاء خبر ، وفيه جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال ، لأنه كان في الأصل صفة لشركاء ، ولك أن تعلقه بشركاء (سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ) كلام مستأنف بمثابة التعليل ، مسوق لبيان تلاعبهم بأحكام التحريم والتحليل بما تقتضيه حكمته ، ويتطلبه علمه. والسين حرف استقبال ، ويجزيهم فعل مضارع مرفوع ، والفاعل مستتر يعود على الله تعالى ، والهاء مفعول به أول ، ووصفهم مفعول به ثان ليجزيهم ، وجملة إنه حكيم عليم تعليلية لا محل لها ، ولا بد من تقدير مضاف ، والتقدير : سيجزيهم جزاء وصفهم الكذب على الله في التحليل والتحريم.

٢٤٧

(قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا ما رَزَقَهُمُ اللهُ افْتِراءً عَلَى اللهِ قَدْ ضَلُّوا وَما كانُوا مُهْتَدِينَ (١٤٠))

الاعراب :

(قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ) كلام مستأنف مسوق لبيان نمط آخر من جهالاتهم ، فقد كان بعض العرب من ربيعة ومضر يئدون بناتهم مخافة السبي والفقر. وقد حرف تحقيق ، وخسر الذين فعل وفاعل ، وجملة قتلوا أولادهم لا محل لها لأنها صلة الموصول ، وسفها مفعول لأجله ، أي لخفة عقولهم وجهلهم ، وبغير علم جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال من فاعل قتلوا ، أي : جاهلين أن الله هو الرازق لهم ولأولادهم (وَحَرَّمُوا ما رَزَقَهُمُ اللهُ افْتِراءً عَلَى اللهِ) الواو عاطفة ، وحرموا فعل وفاعل ، وما اسم موصول مفعول به ، وجملة رزقهم الله صلة ، وافتراء مفعول لأجله أو حال ، وعلى الله جار ومجرور متعلقان بافتراء (قَدْ ضَلُّوا وَما كانُوا مُهْتَدِينَ) الجملة تأكيد لقوله : «قد خسر الذين» ، والواو حرف عطف ، وما نافية ، وكانوا مهتدين : كان واسمها وخبرها.

(وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشابِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ وَلا تُسْرِفُوا

٢٤٨

إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (١٤١))

اللغة :

(مَعْرُوشاتٍ) : عرش يعرش ويعرش من بابي تعب ونصر بنى بناء من خشب. وعرش البيت : بناه. وعرش العرش عمله. والعرش سرير الملك ، وركن الشيء. وأصل العرش في اللغة : شيء مسقّف يجعل عليه الكرم ، وجمعه عروش. واستوى على عرشه إذا ملك. وثلّ عرشه :إذا هلك. قال زهير :

تداركتما عبسا وقد ثلّ عرشها

وذبيان إذ زلّت بأقدامها النّعل

والعروش : البيوت ، قال القطامي :

وما لمثابات العروش بقيّة

إذا استلّ من تحت العروش الدّعائم

ومكتنسات في العرائش : أي الهوادج. واختلفوا في معناها فقال ابن عباس : «المعروشات ما انبسط على الأرض وانتشر ، مثل الكرم والقرع والبطيخ ونحو ذلك ، وغير معروشات : ما قام على ساق.

كالنخل والزرع وسائر الشجر» ، وقال الضحاك : «كلاهما في الكرم خاصة ، لأن منه ما يعرش ومنه مالا يعرش ، بل يبقى على وجه الأرض منبسطا». وقال في الكشاف : «معروشات : مسموكات. وغير

٢٤٩

معروشات ، متروكات على وجه الأرض لم تعرش. وقيل : المعروشات ما في الأرياف والعمران مما غرسه الناس واهتموا به ، فعرّشوه.

وغير معروشات مما أنبته الله وحشيا في البراري والجبال ، فهو غير معروش».

الاعراب :

(وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشاتٍ) الواو استئنافية ، وهو مبتدأ ، والذي خبره ، وجملة أنشأ لا محل لها لأنها صلة الموصول ، وجنات مفعول به ، ومعروشات صفة ، وغير معروشات عطف على معروشات (وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ) والنخل والزرع :عطف على جنات ، ومختلفا حال مقدرة ، لأن النخل والزرع وقت خروجه لا أكل منه حتى يكون مختلفا أو متفقا ، وأكله فاعل «مختلفا» لأنه اسم فاعل (وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشابِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ) عطف على ما سبقه أيضا ، وخصّ هذه الأجناس لما فيها من الفضيلة على سائر ما ينبت في الجنات ، ومتشابها حال ، وغير متشابه عطف عليه (كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ) كلام مستأنف مسوق لبيان إباحته. وكلوا فعل أمر والواو فاعل ، ومن ثمره جار ومجرور متعلقان بكلوا ، وإذا ظرف مستقبل متضمن معنى الشرط ، وآتوا فعل أمر معطوف على كلوا ، وحقه مفعول به ، ويوم ظرف زمان متعلق بآتوا ، وحصاده مضاف إليه ، والمراد بالحق هنا الزكاة ، ولا يشكل كون السورة مكية ، والزكاة فرضت بالمدينة ، لأن هذه الآية مدنية ، والمراد به أيضا ما كان يتصدق به على المساكين وقت الحصاد ، وكان ذلك معروفا (وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) الواو عاطفة ، ولا ناهية ،

٢٥٠

وتسرفوا فعل مضارع مجزوم بلا ، أي : لا تجاوزوا الحدّ ، قال الزّجاج : وعلى هذا لو أعطى الإنسان كل ماله ، ولم يوصل إلى عياله شيئا فقد أسرف. وإن واسمها ، وجملة لا يحب المسرفين خبرها ، وجملة إن وما في حيزها تعليل لما تقدم.

(وَمِنَ الْأَنْعامِ حَمُولَةً وَفَرْشاً كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (١٤٢) ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١٤٣) وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللهُ بِهذا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٤٤))

اللغة :

(حَمُولَةً) الحمولة بفتح الحاء : ما أطاق الحمل عليه من الإبل.

٢٥١

(فَرْشاً) والفرش : صغارها. هذا هو المشهور في اللغة ، قال في الأساس : «ومرت الحمولة : وهي الإبل التي يحمل عليها ، «ومن الأنعام حمولة وفرشا» ، وقال عنترة :

ما راعني إلّا حمولة أهلها

وسط الديار تسفّ حبّ الخمخم

قال شارحه الزوزني : «الحمولة : الإبل التي تطيق أن يحمل عليها». وقيل : «الحمولة : كبار النعم ، أعني الإبل والبقر والغنم ، والفرش صغارها». وقال الزّجّاج : «أجمع أهل اللغة على أن الفرش صغار الإبل». وقال أبو زيد : «يحتمل أن يكون تسميته بالمصدر ، لأن الفرش في الأصل مصدر ، والفرش لفظ مشترك بين معان كثيرة ، منها : متاع البيت ، والفضاء الواسع ، واتساع خفّ البعير قليلا ، والأرض الملساء ، ونبات يلتصق بالأرض». وقيل : الحمولة : كل ما حمل عليه من إبل وبقر وبغل وحمار. والفرش : ما اتخذ من صوفه ووبره وشعره ما يفرش». وقال الزمخشري : «أي وأنشأ من الأنعام ما يحمل الأثقال ، وما يفرش للذبح ، أو ينسج من وبره وصوفه وشعره الفرش. وقيل : الحمولة التي تصلح للحمل ، والفرش الصغار ، كالفصلان والعجاجيل والغنم ، لأنها دانية من الأرض للطافة أجرامها ، مثل : الفرش المفروش عليها».

(الضَّأْنِ) : قيل : هو جمع ضائن للذكر وضائنة للمؤنث ، وقيل :اسم جمع ، وكذا يقال في المعز ، سواء سكّنت عينه أو فتحت. وفي القاموس : أضئن ضأنك : اعزلها من المعز. والضأن اسم جنس بخلاف الماعز من الغنم ، والضائن : ذو الصوف ، خلاف الماعز من الغنم ،

٢٥٢

وجعمه ضأن وضأن وضئين وضئين. وفي الأساس : ماله الضّأن والمعز والضّئين والمعز ، وعنده ضأئنة من الغنم ولحم وجلد ضائن وماعز ، وأضأن فلان وأمعز كثر ضأنه ومعزه ، وتقول العرب : اضأن ضأنك وامعز معزك أي : اعزلها».

(الْمَعْزِ) في المصباح : المعز اسم جنس لا واحد له من لفظه ، وهي ذوات الشعر من الغنم ، الواحدة : شاة ، وهي مؤنثة ، وتفتح العين وتسكن ، وجمع الساكن أمعز ومعيز مثل : عبد : أعبد وعبيد ، والمعزى ألفها للإلحاق لا للتأنيث ، ولهذا ينوّن في النكرة ، ويصغر على معيز ، ولو كانت الألف للتأنيث لم تحذف. والذكر ماعز ، والأنثى ماعزة.

الاعراب :

(وَمِنَ الْأَنْعامِ حَمُولَةً وَفَرْشاً) الواو حرف عطف ، ومن الأنعام جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال ، لأنه كان في الأصل صفة لـ «حمولة وفرشا» ، وتقدم عليهما ، وحمولة عطف على جنات ، أي :وأنشأ من الأنعام حمولة وفرشا (كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) كلام مستأنف مسوق لبيان ما جمجموا به واضطربت به أقوالهم ، وذلك أنهم كانوا يحرمون ذكورة الأنعام تارة ، وإناثها تارة ، فأنكر عليهم ذلك. وكلوا فعل أمر مبني على حذف النون ، والواو فاعل ، ومما جار ومجرور متعلقان بكلوا ، وجملة رزقكم الله لا محل لها لأنها صلة الموصول ، ولا ناهية ، وتتبعوا فعل مضارع مجزوم بلا ، والواو فاعل ، وخطوات الشيطان مفعول به ، والجملة معطوفة على جملة كلوا ، وإن واسمها ، ولكم جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال ، وعدو خبر إن ، ومبين صفة ، والجملة

٢٥٣

تعليلية لا محل لها (ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ) ثمانية أزواج بدل من حمولة وفرشا ، وقيل : هو منصوب بكلوا مما رزقكم الله ، أو بـ «أنشأ» مقدرة ، وإلى هذا ذهب الكسائي.

والزوج : ما معه آخر من جنسه يزاوجه ويحصل منهما النسل ، والمراد أربعة ذكور من كل من الإبل والبقر والغنم ، وأربع إناث كذلك ، ومن الضأن جار ومجرور متعلقان بفعل أنشأ مقدرا ، واثنين بدل من ثمانية أزواج ، وقد عطف على بقية الثمانية (قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ) قل فعل أمر ، وفاعله مستتر تقديره أنت ، والجملة معترضة لا محل لها ، والهمزة للاستفهام الإنكاري ، والذكرين مفعول به مقدم لحرّم ، وأم حرف عطف ، والأنثيين عطف على الذكرين ، والجملة في محل نصب مقول القول (أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ) أم الثانية عاطفة ، عطفت «ما» الموصولية بعدها على الأنثيين ، فهي في محل نصب ، فلما التقت ميم ساكنة مع ما بعدها وجب الإدغام ، وسيأتي مزيد بيان لذلك في باب الفوائد (نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) الجملة معترضة أيضا مسوقة لتعجيزهم ، وقد وقعت هاتان الجملتان الاعتراضيتان بين المعدودات للتأكيد على بطلان أقوالهم ، ونبئوني فعل أمر وفاعل ومفعول به ، وبعلم جار ومجرور متعلقان بنبئوني ، وإن شرطية ، وكان واسمها ، وهي فعل الشرط ، وصادقين خبرها ، وجواب الشرط محذوف لدلالة ما قبله عليه (وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ) تقدم إعراب نظيرها تماما (أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللهُ بِهذا) أم منقطعة وهي تقدر ببل والهمزة والتقدير : بل أكنتم شهداء ، وإذ ظرف متعلق بشهداء وجملة وصاكم الله في محل جر بالاضافة وبهذا متعلقان بوصاكم (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ) الفاء هي الفصيحة ، أي :

٢٥٤

إذا عرفتم هذا ورسخ في عقولكم ، ومن اسم استفهام في محل رفع مبتدأ ، وأظلم خبر ، والجملة لا محل لها ، والاستفهام معناه النفي ، أي : لا أحد أظلم ، وممن جار ومجرور متعلقان بأظلم ، وجملة افترى لا محل لها لأنها صلة الموصول ، وعلى الله جار ومجرور متعلقان بافترى ، وكذبا مفعول به أو مفعول مطلق ، وقد تقدم إعراب نظيره. واللام للتعليل ، ويضل فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد لام التعليل ، والناس مفعول به ، ولام التعليل ومدخولها متعلقان بافترى ، وبغير علم جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال من فاعل افترى ، أي : افترى عليه تعالى (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) إن واسمها ، وجملة لا يهدي خبرها ، والقوم مفعول به والظالمين نعت للقوم ، والجملة الاسمية تعليلية لا محل لها من الإعراب.

الفوائد :

الإدغام : هو إدخال حرف في حرف آخر من جنسه ، بحيث يصيران حرفا وأحدا مشددا ، وله ثلاث أحوال :

١ ـ وجوب الإدغام :

وذلك إذا كانا متجانسين في كلمة واحدة ، وأما قول الشاعر :

الحمد لله العليّ الأجلل

الواسع الفضل الوهوب المجزل

فمن الضرورات الشعرية. ويجب إدغام المثلين المتجاورين أولهما إذا كانا في كلمتين ، كما كانا في كلمة واحدة ، مثل : سكتّ وسكّنا وعنّي وعليّ ، واكتب بالقلم ، واستغفر ربك ، وكالآية التي نحن

٢٥٥

بصددها «أمّا اشتملت عليه». وشذت ألفاظ لا يقاس عليها ، مثل :ألل السّقاء والأسنان إذا تغيرت رائحتها وفسدت ، ودبب الإنسان إذا نبت الشعر في جبينه ، وضببت الأرض إذا كثر ضبابها ، وقطط الشعر إذا كان قصيرا جعدا ، ويقال قطّ بالإدغام ، ولححت العين إذا ألصقت أجفانها بالرّمص ، والخخت إذا كثر دمعها وغلظت أجفانها.

٢ ـ جواز الإدغام وتركه :

ويكون في أربعة مواضع :

آ ـ أن يكون الحرف الأول من المثلين متحركا والثاني ساكنا بسكون عارض للجزم ، أو للبناء في الأمر المفرد ، فتقول : لم يمدّ ومدّ بالإدغام ، ولم يمدد وامدد ، والفكّ أجود ، وبه نطق القرآن ، قال تعالى : «يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار». وقال : «واشدد على قلوبهم». وتكون حركة ثاني المثلين المدغمين في المضارع المجزوم والأمر اللذين لم يتصل بهما شيء تابعة لحركة فائه ، وهذا هو الأكثر ، ونرى أن يحرك بالفتح للتخفيف.

ب ـ أن يكون عين الكلمة ولامها ياءين ، لازما تحريك ثانيهما ، مثل : عيي وحيي. فتقول : عيّ وحيّ ، فإن كانت حركة الثانية عارضة للإعراب مثل : لن يحيي ، امتنع إدغامه.

ج ـ أن يكون في أول الفعل الماضي تاءان مثل : تتابع وتتبّع ، فيجوز الإدغام مع زيادة همزة وصل في أوله ، دفعا للابتداء بالساكن ،

٢٥٦

مثل : اتّابع واتّبع ، فإن كان مضارعا لم يجز الإدغام ، بل يجوز تخفيفه ، بحذف إحدى التاءين فتقول في : تتلظّى : تلظّى ، وفي تتجلّى : تجلّى ، قال تعالى : «تنزّل الملائكة والرّوح» وقال :«نارا تلظّى» وقال أبو تمّام يصف الربيع :

أضحت تصوغ بطونها لظهورها

نورا تكاد له القلوب تنوّر

د ـ أن يتجاوز مثلان متحركان في كلمتين ، مثل : جعل لي ، وكتب بالقلم ، فيجوز الإدغام بإسكان المثل الأول ، فتقل : جعل لي وكتب بالقلم ، غير أن الإدغام يجوز هنا لفظا لا خطّا.

٣ ـ امتناع الإدغام : وذلك في سبعة مواضع : آ ـ أن يتصدر المثلان كددن ، أي : لعب.

ب ـ أن يكونا في اسم على وزن فعل (بضم ففتح) كدرر ، أو فعل (بضمتين) كسرر ، أو فعل (بكسر ففتح) كلمم ، أو فعل (بفتحتين) كطلل.

ج ـ أن يكون المثلان في وزن مزيد فيه للإلحاق كجلبب وهيلل.

د ـ أن يتصل بأول المثلين مدغم فيه ، كهلّل. وذلك لأن الإدغام الثاني بمثابة تكرّر الإدغام ، وهو ممنوع.

٢٥٧

ه ـ أن يكون المثلان على وزن (افْعَلْ) في التعجب ، نحو : أحبب بالعلم.

و ـ أن يعرض سكون أحد المثلين لا تصاله بضمير رفع متحرك كمددت.

ز ـ أن يكون مما شذت العرب في فكه اختيارا ، وهي ألفاظ محفوظة تقدم ذكرها في مستهل البحث.

(قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٤٥) وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما إِلاَّ ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما أَوِ الْحَوايا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصادِقُونَ (١٤٦))

اللغة :

(مَسْفُوحاً) : السفح : الصبّ ، وسفح يأتي لازما ومتعديا ، يقال : سفح فلان دمعه ودمه أي : أهرقه ، إلا أن الفرق بينهما وقع

٢٥٨

باختلاف المصدر ، ففي المتعدي يقال : سفحا ، وفي اللازم يقال : سفوحا ، وفي هذه الآية وقع متعديا لأن اسم المفعول لا يبنى إلا من متعد ، ومن اللازم ما أنشده أبو عبيدة لكثيّر عزة :

أقول ودمعي واكف عند رسمها

عليك سلام الله والدمع يسفح

ومن المجاز في هذه المادة : وبينهم سفاح : أي قتال أو معاقرة ، لأنهم يتسافحون الدماء ، وسافحها مسافحة زاناها ، لأن كلّا منهما يسفح ماءه ويضيعه. ومن أقوالهم : «في النكاح غنية عن السفاح».

وقد مر ذكر هذه المادة وخصائص اجتماع السين والفاء فاء وعينا للكلمة.

(الْحَوايا) : الأمعاء والمصارين.

الاعراب :

(قُلْ : لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ) كلام مستأنف مسوق لبيان ما حرمه الله تعالى عليهم ، وجملة لا أجد مقول القول ، وفيما جار ومجرور متعلقان بأجد ، وجملة أوحي إليّ لا محل لها لأنها صلة الموصول ، وإليّ جار ومجرور في موضع رفع على أنه نائب فاعل أوحي ، ومحرما مفعول به لأجد ، أي : شيئا محرما ، وعلى (إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ) الاستثناء متصل ، طاعم جار ومجرور متعلقان بمحرّم ، وجملة يطعمه صفة لطاعم لأنه استثناء من الجنس ، وموضعه نصب ، ويجوز أن يكون استثناء

٢٥٩

منقطعا ، لأنه كون وما قبله عين ، وموضعه نصب أيضا ، وميتة خبر يكون. واسمها مستتر يعود على قوله : «محرما» وجملة الاستثناء نصب على الحال ، ودما منسوق على ميتة ، ومسفوحا صفة ، أي :سائلا كالدم في العروق لا كالكبد والطحال ، وأو لحم خنزير معطوف عطف نسق أيضا (فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ) الفاء للتعليل ، وإن واسمها ، ورجس خبرها ، وأو حرف عطف ، وفسقا معطوف عطف نسق على لحم خنزير ، وجملة أهل صفة ، وأهل فعل ماض ، ولغير الله جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال ، وبه جار ومجرور متعلقان بأهل ، وجملة «فإنه رجس» تعليلية لا محل لها (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) الفاء استئنافية ، ومن اسم شرط جازم في محل رفع مبتدأ ، واضطر فعل ماض مبني للمجهول في محل جزم فعل الشرط ، والجواب محذوف ، أي : فلا مؤاخذة عليه. ومعنى اضطر أصابته الضرورة الداعية إلى تناول شيء مما ذكر ، وغير باغ حال ، أي : غير ظالم. ولا عاد عطف على باغ ، أي غير معتد. وقد سبق تحقيق كلام مماثل له في سورة البقرة. والفاء تعليلية وإن واسمها ، وغفور خبر أول ، ورحيم خبر ثان ، وجملة فعل الشرط وجوابه خبر «من» (وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ) كلام مستأنف مسوق لبيان سبب تحريم كل ذي ظفر على اليهود لظلمهم ، وقد تقدم تحقيق ذلك في سورة البقرة ، وليشمل كل ذي ظفر ، وهو النعامة والبعير ونحو ذلك من الدواب ، وكل ما لم يكن مشقوق الأصابع من البهائم والطير ، مثل البعير والنعامة والأوز والبط. وعلى الذين جار ومجرور متعلقان بحرمنا ، وهادوا فعل وفاعل ، وحرمنا فعل وفاعل أيضا ، وكل مفعول به ، وذي مضاف إليه ، وظفر مجرور بإضافة «ذي» إليه (وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما) الواو عاطفة ، ومن البقر

٢٦٠