إعراب القرآن الكريم وبيانه - ج ٣

محيي الدين الدرويش

إعراب القرآن الكريم وبيانه - ج ٣

المؤلف:

محيي الدين الدرويش


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: اليمامة للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٥٧٦

بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا ما هُمْ مُقْتَرِفُونَ (١١٣))

الاعراب :

(وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ) كلام مستأنف مسوق لتسلية النبي صلى الله عليه وسلم عمّا شاهده من عداء قريش له ، وما يبيتونه من مؤامرات. والكاف في محل نصب على أنها مع مدخولها نعت لمصدر محذوف مؤكد لما بعده ، وجعلنا فعل وفاعل وهو يتعدى لمفعولين ، ولكل نبي جار ومجرور في موضع نصب على الحال لأنه كان في الأصل صفة لـ «عدوا» ، وعدوا مفعول جعلنا الثاني ، وشياطين الإنس والجن مفعول جعلنا الأول (يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً) يجوز أن تكون الجملة مستأنفة لبيان حال العدو ، وسمي وحيا لأنه إنما يكون خفية بينهم ، وجعل تمويههم زخرفا من القول لتزيينهم إياه ، ويجوز أن تكون حالا منه ، ويوحي فعل مضارع ، وبعضهم فاعل ، وإلى بعض جار ومجرور متعلقان بيوحي ، وزخرف القول مفعول به ، وغرورا مفعول لأجله ، أي : ليغرّوهم ، أو مصدر في موضع نصب على الحال ، أي غارّين ، أو على المفعولية المطلقة ، لأن معنى يوحي بعضهم إلى بعض : يغرونهم بذلك غرورا (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ ما فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ) الواو استئنافية ، ولو شرطية ، وشاء ربك فعل وفاعل وهو شرط لو ، ومفعوله محذوف ، وقد تقدم بحثه ، وجملة ما فعلوه لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم ، والفاء هي الفصيحة ، وذرهم فعل أمر وفاعل مستتر ، والهاء مفعول به ، والواو عاطفة ، وما اسم موصول معطوف على الهاء في

٢٠١

فذرهم ، أي : اتركهم واترك الذي يفترونه ، ويجوز أن تكون الواو بمعنى مع ، وما مفعول معه ، ويجوز أن تكون ما مصدرية ، أي :اتركهم واترك افتراءهم. وقد نزلت هذه الآية قبل الأمر بالقتال (وَلِتَصْغى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) الواو عاطفة ، واللام للتعليل ، وتصغى فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام ، والجار والمجرور عطف على «غرورا» ، وإنما لم ينصب على أنه مفعول لأجله لاختلاف الفاعل ، ففاعل تصغى المغرور وفاعل الأول الفارّون ، ولأنه ليس صريح المصدرية ، ففات شرطان من شروط نصب المفعول لأجله ، ومعنى تصغى : تميل ، وإليه جار ومجرور متعلقان بتصغى ، وأفئدة فاعل تصغى ، والذين مضاف إليه ، وجملة لا يؤمنون صلة الموصول ، وبالآخرة جار ومجرور متعلقان بيؤمنون (وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا ما هُمْ مُقْتَرِفُونَ) عطف على «غرورا» أيضا ، أي : فاللام للتعليل ، وهي مكسورة ، و «أن» مقدرة بعدها جوازا في الأفعال الثلاثة ، وترتيبها حسن للغاية وفي منتهى الفصاحة ، لأنه يكون أولا الخداع فيكون الميل فيكون الرضا فيكون الاقتراف ، فكل واحد مسبّب عما قبله ، وجنح الزمخشري إلى تسمية هذه اللامات بلام الصيرورة أو العاقبة ، وليس ببعيد.

(أَفَغَيْرَ اللهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ

٢٠٢

بِالْحَقِّ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (١١٤) وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (١١٥))

اللغة :

(حَكَماً) : حاكما لا يحكم إلا بالعدل ، وهو أبلغ من حاكم ، لأن الحكم لا يحكم إلا بالعدل ، والحاكم قد يشتطّ ويجور ، أو لأن الحكم تكرر منه ، بخلاف الحاكم فإنه يصدق بمرّة واحدة ، وقد رمق أبو الطيب المتنبي سماء هذه الكلمة بقوله :

يا أعدل الناس إلّا في معاملتي

فيك الخصام وأنت الخصم والحكم

الاعراب :

(أَفَغَيْرَ اللهِ أَبْتَغِي حَكَماً) الجملة عطف على مقدّر يقتضيه سياق الكلام ، أي قل لهم : أأميل إلى زخارف الدنيا فأبتغي حكما؟ والهمزة للاستفهام الإنكاري ، فهي مقول قول محذوف ، وجملة القول مستأنفة ، وغير الله مفعول به مقدم لأبتغي ، وحكما حال أو تمييز ، ويجوز أن يكون «حكما» هو المفعول به ، و «غير» حال من «حكما» لأنه في الأصل وصف له (وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتابَ مُفَصَّلاً) الواو للحال ، والجملة حال مؤكدة للإنكار ، وهو مبتدأ ، والذي خبر ، وجملة أنزل صلة لا محل لها ، وإليكم جار ومجرور متعلقان بأنزل ، والكتاب مفعول به ، ومفصلا حال من الكتاب

٢٠٣

(وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ) الواو استئنافية ، والجملة مستأنفة مسوقة من الله تعالى لتقرير كون الكتاب حقيقة منزلة من عنده تعالى ، والذين اسم موصول مبتدأ ، وجملة آتيناهم صلة الموصول ، والكتاب مفعول به ثان ، وجملة يعلمون خبر اسم الموصول ، وأنّ واسمها وخبرها ، وقد سدت مسد مفعولي يعلمون ، ومن ربك جار ومجرور متعلقان بمنزل ، بالحق جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال من الضمير المرفوع في «منزل» والذي هو نائب فاعل ، والفاء في «فلا» الفصيحة ، أي : إذا علمت هذا وتأكدت منه فلا تكونن ، ولا ناهية ، وتكونن فعل مضارع ناقص مبني على الفتح لاتصاله بنون الثقيلة وهو في محل جزم بلا الناهية ، واسمها ضمير مستتر تقديره أنت ، ومن الممترين جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبرها ، والخطاب ، وإن كان في ظاهر الكلام موجها إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، إلا أنه موجّه في الواقع إلى أمته (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً) الواو استئنافية ، والجملة مستأنفة مسوقة للشروع في بيان كمال الكتاب ، وكلمة ربك فاعل تمت ، وصدقا وعدلا حال ، وأعربهما أبو البقاء والطبريّ تمييزا ، وتبعهما الجلال ، وردّ ابن عطية هذا القول ، وقال : «وهو غير صواب». ولعل مراده أن كلمات الله من شأنها الصدق والعدل ، والتمييز إنما يفسر ما انبهم ، وليس في ذلك إبهام. وأعربهما الكواشي حالا من «ربك» أو على المفعولية من أجله ، وإذا أعربناهما حالين فلا بد من تأويلهما بمعنى المشتق ، أي صادقا وعادلا ، واقتصر الزمخشري على الحالية.

قلت : ولا أرى بعيدا أن ينصبا على نزع الخافض ، أي بالصدق والعدل ، تفادا للتأويل ، أو على أنهما نعتان لمصدر محذوف ، أي :

٢٠٤

نمام صدق وعدل (لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) الجملة حالية من فاعل تمت ، أو مستأنفة ، ولا نافية للجنس ، ومبدل اسمها المبني على الفتح ، ولكلماته جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر «لا».

وهو السميع العليم الواو استئنافية ، وهو مبتدأ ، والسميع خبر أول ، والعليم خبر ثان.

(وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ (١١٦) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (١١٧))

اللغة :

(يَخْرُصُونَ) : يكذبون ، من الخرص : وهو الحزر والتخمين.

وسمي الكذب خرصا لما يدخله من الظنون الكواذب ، وقد خرص يخرص وبابه نصر ، واخترص القول وتخرّصه : افتعله.

الاعراب :

(وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) الواو عاطفة. وإن شرطية ، وتطع فعل الشرط ، وأكثر مفعول به ، ومن اسم موصول في محل جر بالإضافة ، وفي الأرض جار ومجرور متعلقان بمحذوف صلة الموصول ، ويضلوك جواب الشرط مجزوم ، والواو

٢٠٥

فاعل ، والكاف مفعول به ، وعن سبيل الله جار ومجرور متعلقان بيضلوك (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ) الجملة مستأنفة لا محل لها وإن نافية ، ويتّبعون فعل مضارع مرفوع ، والواو فاعله ، وإلا أداة حصر ، والظن مفعول به والواو حرف عطف ، وإن نافية ، وهم مبتدأ وإلا أداة حصر ، وجملة يخرصون خبرهم (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) الجملة مستأنفة لتقرير مضمون الجملة الشرطية. وإن واسمها ، وهو مبتدأ وأعلم خبر ، والجملة خبر «إن» ، أو «هو» ضمير فصل ، وأعلم خبر «إن» ، ومن اسم موصول منصوب بفعل مقدر لا بنفس أعلم ، لأن اسم التفضيل لا ينصب الظاهر في مثل هذه الصورة وسيأتي مزيد من بحث هذا الإعراب في باب الفوائد ، والتقدير : يعلم من يضل ، وجملة يضل صلة الموصول ، وعن سبيله جار ومجرور متعلقان بيضل ، وهو مبتدأ ، وأعلم خبر وبالمهتدين جار ومجرور متعلقان بأعلم.

الفوائد :

شغلت هذه الآية المعربين والمفسرين ، وسنلخص لك ما قيل في هذا الصدد. فقد قال بعضهم : إن «أعلم» في الموضعين بمعنى يعلم قال حاتم الطائي :

فحالفت طيء من دوننا حلفا

والله أعلم ما كنا لهم خولا

وقيل : إن اسم التفضيل على بابه ، والنصب بفعل مقدر ، كما اخترنا في باب الإعراب ، وقيل : إنها منصوبة باسم التفضيل على مذهب الكوفيين. ويشكل على ذلك أن الإضافة تقتضي أن الله بعض الضالين ، تعالى عن ذلك ، وقيل : في محل نصب بنزع الخافض ، أي : بمن يضل ،

٢٠٦

وقيل في محل جر بإضافة اسم التفضيل إليها ، وقيل : «من» في موضع رفع ، وهي استفهامية في محل رفع مبتدأ ، والخبر جملة يضل : والجملة في موضع نصب أو معلقة عن العمل بـ «أعلم» ، أي : أعلم أي الناس يضل : كقوله تعالى : «لنعلم أي الحزبين»؟ فتدبّر ، والله يعصمك.

(فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآياتِهِ مُؤْمِنِينَ (١١٨) وَما لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيراً لَيُضِلُّونَ بِأَهْوائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ (١١٩))

الاعراب :

(فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآياتِهِ مُؤْمِنِينَ) الفاء هي الفصيحة ، لأنها أفصحت عن شرط مقدر ، والتقدير : إذا كنتم متحقفين بالإيمان فكلوا. وهذا الأمر مرتب على النهي عن اتباع المضلّين الذين يحرّمون الحلال ويحللون الحرام. ومما جار ومجرور متعلقان بكلوا ، وجملة ذكر اسم الله عليه صلة الموصول ، واسم الله نائب فاعل ذكر ، وعليه جار ومجرور متعلقان بذكر ، وإن شرطية ، وكنتم فعل ماض ناقص في محل جزم فعل الشرط ، والتاء اسمها ، ومؤمنين خبرها ، وبآياته جار ومجرور متعلقان بمؤمنين ، وجواب الشرط محذوف لدلالة ما قبله عليه ، أي : فكلوا (وَما لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ)

٢٠٧

كلام مستأنف مسوق للتأكيد على إباحة ما ذبح على اسم الله. وما اسم استفهام في محل رفع مبتدأ ، ولكم جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر «ما» ، وأن لا تأكلوا مصدر مؤوّل منصوب بنزع الخافض ، أي : في أن لا تأكلوا ، ولما حذف حرف الجر كان في موضع نصب ، والجار والمجرور متعلقان بما تعلق به «لكم» الواقع خبر لـ «ما» الاستفهامية ، ومما جار ومجرور متعلقان بتأكلوا ، وجملة ذكر اسم الله عليه صلة الموصول (وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ) الواو حالية ، وقد حرف تحقيق ، وفصل فعل ماض وفاعل مستتر ، ولكم جار ومجرور متعلقان بفصّل ، وما اسم موصول في محل نصب مفعول به ، وجملة حرم عليكم لا محل لها لأنها صلة الموصول ، وإلا أداة استثناء ، وما اسم موصول في محل نصب على الاستثناء المنقطع ، وجملة اضطررتم إليه صلة الموصول ، ولك أن تجعله استثناء من ضمير «حرّم» ، وما مصدرية في معنى المدة ، أي الأشياء التي حرّمت عليكم إلا اضطرارا إليها ، كما فصله في آية حرمت عليكم الميتة ، فيكون الاستثناء متصلا ، ولعل هذا أولى ، لأن الاستثناء من الجنس ، وجملة اضطررتم لا محل لها على كل حال ، وإليه جار ومجرور متعلقان باضطررتم المبني للمجهول ، والتاء نائب فاعل ، والجملة كلها نصب على الحال (وَإِنَّ كَثِيراً لَيُضِلُّونَ بِأَهْوائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ) الواو عاطفة أو حالية ، وإن واسمها ، واللام المزحلقة ، وجملة يضلون خبر إن ، وبأهوائهم جار ومجرور متعلقان بيضلون ، وبغير علم جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال ، أي : متلبسين بالجهل.

(إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ) الجملة تعليلية لا محل لها ، وإن واسمها ، وهو مبتدأ ، أو ضمير فصل وأعلم خبر هو ، أو خبر إن ، وبالمعتدين جار ومجرور متعلقان بأعلم.

٢٠٨

(وَذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِما كانُوا يَقْتَرِفُونَ (١٢٠) وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ (١٢١))

الاعراب :

(وَذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَهُ) الواو عاطفة على ما تقدم ، وذروا فعل أمر ، والواو فاعل ، وظاهر الإثم مفعول به ، وباطنه عطف على ظاهر (إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِما كانُوا يَقْتَرِفُونَ) الجملة تعليلية لا محل لها ، وإن واسمها ، وجملة يكسبون صلة الموصول ، والإثم مفعول به ، وجملة سيجزون خبر إن ، وبما جار ومجرور متعلقان بيجزون ، وجملة كانوا صلة الموصول ، والواو اسم كان ، وجملة يقترفون خبرها ، والعائد محذوف ، أي : يقترفونه (وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ) الواو عاطفة ، ولا ناهية ، وتأكلوا فعل مضارع مجزوم بلا ، والواو فاعل ، ومما جار ومجرور متعلقان بتأكلوا ، ولم حرف نفي وقلب وجزم ، ويذكر فعل مضارع مجزوم بلم ، واسم الله نائب فاعل يذكر ، وعليه جار ومجرور متعلقان بيذكر ، وإنه الواو حالية ، وإن واسمها ، واللام المزحلقة ، وفسق خبر إن ، والضمير في «إنه» يعود إلى مصدر الفعل الذي دخل عليه حرف النهي ،

٢٠٩

أي : الأكل ، أو من «ما» ، أي : من متروك التسمية. وسيأتي مزيد من القول في هذه المسألة (وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ) الواو عاطفة على «وإنه لفسق» ، أو استئنافية ، وإن واسمها ، واللام المزحلقة ، وجملة يوحون خبر «إن» ، وإلى أوليائهم جار ومجرور متعلقان بيوحون ، واللام للتعليل ، ويجادلوكم فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام ، والجار والمجرور متعلقان بـ «يوحون» أيضا (وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ) الواو عاطفة ، وإن شرطية ، وأطعتموهم فعل وفاعل ومفعول به ، في محل جزم فعل الشرط ، والتاء فاعل ، والواو لإشباع الضمة ، وإن واسمها ، واللام المزحلقة ، ومشركون خبرها ، ولم يقترن جواب الشرط بالفاء لأمرين : أولهما أن لام التوطئة للقسم مقدرة قبل إن الشرطية ، لذلك أجيب القسم المقدر بقوله : «إنكم لمشركون» ، وحذف جواب الشرط لسد جواب القسم مسدّه ، وقال أبو البقاء : حذف الفاء من جواب الشرط ، وهو حسن ، إذا كان الشرط بلفظ الماضي ، وسيأتي مزيد بحث بهذا الصدد في باب الفوائد.

الفوائد :

١ ـ شغلت الواو في قوله تعالى : «وانه لفسق» المفسرين والمعربين والفقهاء بما لا يتسع صدر هذا الكتاب له ، وقد اخترنا ما رأيناه أدنى إلى الفهم ، ونرى من المفيد أن نلمح إلى خلافهم إلماحا سريعا ، وعلى من يريد الاستيعاب أن يرجع إلى المطوّلات.

٢١٠

عبارة السمين :

قال الشهاب الحلبي المعروف بالسمين : «قوله : وإنه لفسق ـ هذه الجملة فيها أوجه :

١ ـ انها مستأنفة : قالوا لا يجوز أن تكون نسقا على ما قبلها ، لأن الأولى طلبية ، وهذه خبرية ، وتسمى هذه الواو واو الاستئناف.

٢ ـ أنها منسوقة على ما قبلها ، ولا يبالي نتجا لفهمها ، وهو مذهب سيبويه.

٣ ـ أنها حالية : لا تأكلوه والحال أنه فسق».

وعلى أساس هذه الأوجه اختلف الفقهاء في جواز أكل ما لم يذكر اسم الله عليه :

١ ـ فذهب قوم إلى تحريمها سواء أتركها عمدا أو نسيانا ، وهو قول ابن سيرين والشعبي ومالك بن أنس ، ونقل عن عطاء أنه قال : كل ما لم يذكر اسم الله عليه من طعام أو شراب فهو حرام ، واحتجوا عليه بظاهر هذه الآية.

٢ ـ وقال الثوري وأبو حنيفة : إن ترك التسمية عامدا لا تحل ، وإن تركها ناسيا حلّت.

٣ ـ وقال الشافعي : تحل الذبيحة سواء أترك التسمية عامدا أو ناسيا. ونقله ابن الجوزيّ عن أحمد بن حنبل.

٢١١

ما نقله الرازي عن الشافعي :

وذكر الرازي في كتابه : مناقب الشافعي : أن مجلسا ضمه وجماعة من الحنفية ، وأنهم زعموا أن قول الشافعي بحل أكل متروك التسمية مردود بقوله تعالى : «ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق» ، فقال : فقلت لهم : لا دليل فيها ، بل هي حجة للشافعي ، وذلك لأن الواو ليست للعطف ، لتخالف الجملتين الاسمية والفعلية ، ولا للاستئناف ، لأن أصل الواو أن تربط ما بعدها بما قبلها ، فبقي أن تكون للحال ، فتكون جملة الحال مقيدة للنهي ، والمعنى : لا تأكلوا منه في حالة كونه فسقا ، ومفهومه جواز الأكل إذا لم يكن فسقا.

ما يقوله الزمخشري :

وقال الزمخشري في كشّافه : «فإن قلت : قد ذهب جماعة من المجتهدين إلى جواز أكل ما لم يذكر اسم الله عليه بنسيان أو عمد قلت : قد تأوّله هؤلاء بالميتة ، وبما ذكر غير اسم الله عليه ، كقوله : «أو فسقا أهل لغير الله به». وواضح أن الزمخشري حنفي ، فهو ينتصر لمذهبه. ويطول بنا القول إن رحنا نورد حجج الفريقين ، مما لا يندرج في نطاق كتابنا ، وحسبنا ما تقدم.

٢ ـ كل جواب يمتنع جعله شرطا فإن الفاء تجب فيه ، لأن معناها التعقيب بلا فصل ، كما أن الجزاء يتعقب فعل الشرط كذلك ، وذلك في المواضع الآتية :

١ ـ الجملة الاسمية نحو قوله تعالى : «وإن يمسسك بخير فهو على كل شيء قدير».

٢١٢

٢ ـ الجملة الطلبية ، نحو قوله تعالى : «إن كنتم تحبون الله فاتبعوني».

٣ ـ الجملة التي فعلها ماض ، لفظا ومعنى ، وحينئذ يجب أن يكون مقترنا بـ «قد» ظاهرة ، نحو قوله تعالى : «إن يسرق فقد سرق» ، أو مقدّرة ، نحو قوله تعالى : «إن كان قميصه قد من قبل فصدقت» أي : فقد صدقت.

٤ ـ الجملة التي فعلها جامد ، نحو قوله تعالى : «إن ترني أنا أقلّ منك مالا وولدا فعسى ربي أن يؤتين خيرا من جنّتك».

٥ ـ الجملة التي فعلها مقترن بـ «قد» ، نحو قوله تعالى : «إن يسرق فقد سرق».

٦ ـ الجملة التي فعلها مقترن بما النافية ، نحو قوله تعالى : «فإن توليتم فما سألتكم من أجر».

٧ ـ الجملة التي فعلها مقترن بـ «لن» ، نحو قوله تعالى : «وما يفعلوا من خير فلن يكفروه».

٨ ـ الجملة التي فعلها مقترن بالسين ، نحو قوله تعالى : «ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم إليه جميعا».

٩ ـ الجملة التي فعلها مقترن بسوف ، نحو قوله تعالى : «وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله».

١٠ ـ الجملة التي فعلها مصدر بـ «ربّ» ، نحو : «إن تجيء فربما أجيء».

٢١٣

١١ ـ الجملة التي فعلها مصدر بكأنما ، نحو قوله تعالى :«أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا».

١٢ ـ الجملة التي فعلها مصدّر بأداة شرط ، نحو قوله تعالى :«وإن كان كبر عليك إعراضهم فإن استطعت أن تبتغي نفقا في الأرض أو سلما في السماء فتأتيهم بآية».

وقد تحذف الفاء في الندرة كقوله صلى الله عليه وسلم لأبّي ابن كعب لما سأله عن اللقطة : «فإن جاء بها صاحبها وإلا استمتع بها».

أو في الضرورة كقول حسان بن ثابت :

من يفعل الحسنات الله يشكرها

والشرّ بالشرّ عند الله مثلان

أراد فالله يشكرها.

هذا وقد تخلف فاء الجزاء إذا الفجائية إن كانت الأداة «إن» ، نحو قوله تعالى : «وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم إذا هم يقنطون».

(أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْكافِرِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٢٢))

٢١٤

الاعراب :

(أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ) كلام مستأنف مسوق للتمثيل لحال الكافر والمؤمن. والهمزة للاستفهام الإنكاري ، والواو عاطفة على جملة منتزعة من قوله : «وإن أطعتموهم» والتقدير : أأنتم مثلهم ، لتستوي الجملتان في الاسمية.

من اسم موصول في محل رفع مبتدأ ، وجملة كان صلة الموصول ، وميتا خبر كان ، فأحييناه الفاء عاطفة ، وأحييناه فعل وفاعل ومفعول به ، وجعلنا عطف على قوله فأحييناه ، وله جار ومجرور في موضع نصب مفعول جعلنا الأول ، ونورا مفعول به ثان ، أو تكون «جعلنا» بمعنى : خلقنا ، فيكون الجار والمجرور في موضع نصب على الحال ، لأنه كان في الأصل صفة له ، نورا مفعول به إذا كانت جعلنا بمعنى خلقنا ومفعول ثان إذا كانت على حالها وجملة يمشي في محل نصب صفة لـ «نورا» ، وبه جار ومجرور متعلقان بيمشي ، وفي الناس جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال ، أي : كائنا بينهم (كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها) كمن الجار والمجرور متعلقان بمحذوف خبر «من» ، ومثله مبتدأ ، وفي الظلمات جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر ، والجملة الاسمية صلة الموصول ، وجملة ليس بخارج منها نصب على الحال ، وليس فعل ماض ناقص ، واسمها مستتر ، والباء حرف جر زائد ، وخارج مجرور بالباء لفظا منصوب على أنه خبر ليس محلا ، ومنها جار ومجرور متعلقان بخارج (كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْكافِرِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) كذلك جار ومجرور في محل نصب نعت لمصدر محذوف ، وقد تقدمت نظائره كثيرا. وزين بالبناء للمجهول ، وللكافرين جار ومجرور متعلقان بزين ، وما اسم موصول نائب فاعل ، وجملة كانوا صلة الموصول ، وجملة يعملون خبر كانوا.

٢١٥

البلاغة :

في الآية التشبيه التمثيلي ، وقد سبقت الاشارة إليه كثيرا. وإن وجه الشبه فيه صورة منتزعة من متعدّد ، وهذا مثل ضربه الله تعالى لحال المؤمن والكافر ، فبّين أن المؤمن المهتدي بمنزلة من كان ميتا فأحياه وأعطاه نورا يهتدي به في مصالحه ، وإن الكافر بمنزلة من هو في الظلمات منغمس فيها ، ولم تأتلف هذه الأجناس المختلفة للتمثيل ، ولم تتصادف هذه الأشياء المتباينة على حكم المشبه ، إلا لأنه لم يراع ما يحضر العين ، ولكن ما يستحضر العقل ، ولم يعن بما تنال الرؤية بل بما تعلق به الرّويّة. ونحن نعتقد أن ما ورد في القرآن من أمثال هو عام بحق كل إنسان في مختلف ظروفه وأحواله ، وهو الصحيح الذي يتناسب مع مدلول الهداية التي جاء بها القرآن ، ولكن المفسرين ، رحمهم الله ، يتوسعون ، فيجعلون لكل آية مناسبة تتعلق بها ، وليس ثمة مانع من ذلك ما دامت أحوال الناس متناسبة متشابهة في مختلف ظروف الزمان والمكان. وقد ذكر غير واحد منهم أن في الآية رجلين معنيين ، الأول هو حمزة بن عبد المطلب عمّ النبي صلى الله عليه وسلم ، والثاني هو أبو جهل بن هشام. ويوردون قصة طريقة لا بأس بإيرادها ، وخلاصتها أن أبا جهل رمى النبي صلى الله عليه وسلم بفرث ، فأخبر حمزة بما فعل أبو جهل ـ وكان حمزة قد رجع من صيد ، وبيده قوس ، وحمزة لم يؤمن بعد ـ فأقبل حمزة غضبان حتّى علا أبا جهل ، وجعل يضربه بالقوس ، وجعل أبو جهل يتضرّع إلى حمزة ويقول : يا أبا يعلى! أما ترى ما جاء به؟ سفّه عقولنا وسبّ آلهتنا وخالف آباءنا! فقال حمزة : ومن أسفه منكم عقولا؟ تعبدون الحجارة من دون الله! أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا رسول الله. فأسلم حمزة يومئذ.

٢١٦

(وَكَذلِكَ جَعَلْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكابِرَ مُجْرِمِيها لِيَمْكُرُوا فِيها وَما يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنْفُسِهِمْ وَما يَشْعُرُونَ (١٢٣) وَإِذا جاءَتْهُمْ آيَةٌ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللهِ اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغارٌ عِنْدَ اللهِ وَعَذابٌ شَدِيدٌ بِما كانُوا يَمْكُرُونَ (١٢٤))

اللغة :

(صَغارٌ) الصغار : بفتح الصاد الذل والهوان. يقال فيه صغر ككرم صغرا بكسر الصاد وفتح الغين ، وصغرا بضمّ الصاد وسكون الغين ، وصغار بفتح الصاد والغين ، وصغارة وصغرانا بضم الصاد وسكون الغين. وأما صغر بفتح الصاد وكسر الغين ، وصغر بضم الغين أيضا : فهو ضد كبر وعظم.

الاعراب :

(وَكَذلِكَ جَعَلْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكابِرَ مُجْرِمِيها) كلام مستأنف للشروع في تقسيم الناس إلى أقوياء وضعفاء ، وخص الأكابر بالإجرام لأنهم أقدر على بثّ الإجرام والفساد. وقيل عاطفة على ما قبلها.

وليس ثمة مانع. وكذلك نعت لمصدر محذوف ، وقد تقدم. وجعلنا

٢١٧

فعل وفاعل ، وفي كل قرية مفعول جعلنا الثاني ، وأكابر مفعول جعلنا الأول ، ومجرميها مضاف لأكابر (لِيَمْكُرُوا فِيها وَما يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَما يَشْعُرُونَ) اللام للتعليل ، وقيل للعاقبة أو الصيرورة ، وكلاهما صحيح ، والجار والمجرور متعلقان بجعلنا ، والواو للحال ، وما نافية ، ويمكرون فعل مضارع ، والجملة نصب على الحال من فاعل يمكروا ، وإلا أداة حصر ، وبأنفسهم جار ومجرور متعلقان بيمكرون ، والواو حالية ، وما نافية ، وجملة ما يشعرون في محل نصب من ضمير يمكرون (وَإِذا جاءَتْهُمْ آيَةٌ قالُوا : لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللهِ) الواو عاطفة نسقا على ما تقدم ، وإذا ظرف مستقبل متعلق بقالوا ، وجملة جاءتهم في محل جر بالإضافة ، وآية فاعل ، وجملة قالوا لا محلّ لها من الإعراب لأنها جواب شرط غير جازم ، ولن حرف نفي ونصب واستقبال ، ونؤمن فعل مضارع منصوب بلن ، والجملة في محلّ نصب مقول القول ، وحتى حرف غاية وجر ، ونؤتى فعل مضارع مبني للمجهول منصوب بأن مضمرة بعد حتى ، ونائب الفاعل مستتر ، ومثل مفعول به ثان ، وما اسم موصول في محل جر بالإضافة ، وجملة أوتي لا محل لها لأنها صلة الموصول ، ورسل الله نائب فاعل (اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ) الله مبتدأ ، وأعلم خبره ، وحيث :اختلفت آراء المعربين فيها فقال قوم : إنها ليست ظرفا ، لأنه تعالى أن يكون في مكان أعلم منه في مكان آخر ، ولأن علمه لا يختلف باختلاف الأمكنة ، وإنما هو مفعول به لفعل دل عليه «أعلم» ، أي : يعلم الموضع الصالح لوضع رسالته ، وهؤلاء ليسوا أهلا لوضعها فيهم.

وقال أبو حيّان في البحر : «الظاهر إقرارها على الظرفية المجازية ، وتضمين «أعلم» معنى ما يتعدّى إلى الظرف ، فيكون التقدير :الله أنفذ علما حيث يجعل ، أي هو نافذ العلم في هذا الموضع الذي

٢١٨

يجعل فيه رسالته». وقال السفاقسي : «الظاهر أنه باق على معناه من الظرفية ، والإشكال إنما يرد من حيث مفهوم الظرف ، وكم من موضع ترك فيه المفهوم لقيام الدليل عليه ، لا سيما وقد قام في هذا الموضع». وجملة يجعل رسالته في محل جر بالإضافة ، ورسالته مفعول به (سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغارٌ عِنْدَ اللهِ وَعَذابٌ شَدِيدٌ بِما كانُوا يَمْكُرُونَ) الجملة مستأنفة ، مسوقة لبيان ما يصل بهم يوم القيامة. والسين حرف استقبال ، ويصيب فعل مضارع مرفوع ، والذين اسم موصول في محل نصب مفعول به ، وجملة أجرموا لا محل لها لأنها صلة الموصول ، وصغار فاعل ، وعند الله ظرف متعلق بيصيب أو صفة لصغار ، أي : ثابت عند الله ، وعذاب شديد معطوفة على صغار ، والباء حرف جر للسببية ، وما مصدرية ، أو موصولة ، بمعنى الذي ، وجملة كانوا لا محل لها من الإعراب على كل حال ، وجملة يمكرون في محل نصب خبر كانوا.

(فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ كَذلِكَ يَجْعَلُ اللهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ (١٢٥) وَهذا صِراطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيماً قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (١٢٦))

الاعراب :

(فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ) الفاء استئنافية ،

٢١٩

ومن اسم شرط جازم مبتدأ ، ويرد فعل الشرط ، والله فاعله ، وأن يهديه مصدر مؤول منصوب لأنه مفعول به ، أي : هداية ، ويشرح جواب الشرط ، وصدره مفعول به ، وللاسلام جار ومجرور متعلقان بيشرح وفعل الشرط وجوابه خبر «من». (وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ) الواو عاطفة ، ومن اسم شرط جازم معطوفة على «من» الأولى ، وأن يضلّه مصدر مؤول مفعول يرد ، ويرد فعل الشرط ، ويجعل جواب الشرط مجزوم ، وصدره مفعول به ، وضيقا مفعول به ثان ، وحرجا نعت لـ «ضيقا» ، وجملة كأنما التشبيهية في محل نصب على الحال من صدره ، أو من الضمير المستكن في «ضيقا» ، وهي كافة ومكفوفة ، ويصعّد فعل مضارع ، وفي السماء جار ومجرور متعلقان بيصّعد (كَذلِكَ يَجْعَلُ اللهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) الجملة مستأنفة ، وكذلك الجار والمجرور نعت لمصدر محذوف ، ويجعل فعل مضارع ، والله فاعل ، والرجس مفعول به ، وعلى الذين في موضع المفعول الثاني ، وجملة لا يؤمنون صلة الموصول (وَهذا صِراطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيماً) الجملة مستأنفة مسوقة لبيان أن ما يسير عليه محمد صلى الله عليه وسلم ، وهو الإسلام.

وهذا مبتدأ ، وصراط ربك خبر ، ومستقيما حال مؤكد للجملة ، والعامل فيه اسم الإشارة ، باعتبار ما فيه من معنى الفعل ، فإنه في معنى أشير (قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ) الجملة مستأنفة ، وقد حرف تحقيق ، وفصلنا الآيات فعل وفاعل ومفعول به ، ولقوم جار ومجرور متعلقان بفصّلنا ، وجملة يذكرون صفة لقوم.

البلاغة :

في قوله : «كأنما يصّعد في السماء» تشبيه تمثيلي منتزع من

٢٢٠