إعراب القرآن الكريم وبيانه - ج ٣

محيي الدين الدرويش

إعراب القرآن الكريم وبيانه - ج ٣

المؤلف:

محيي الدين الدرويش


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: اليمامة للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٥٧٦

جار ومجرور متعلقان بمحذوف صفة لرسل (فَصَبَرُوا عَلى ما كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتاهُمْ نَصْرُنا) الفاء عاطفة ، وصبروا فعل وفاعل عطف على كذبت ، و «على ما» جار ومجرور متعلقان بصبروا و «ما» مصدرية مؤولة مع ما بعدها بمصدر ، أي : على تكذيبهم ، وأوذوا عطف على «صبروا» ، وحتى تحتمل الغاية ـ ولعلها هنا أرجح ـ وتحتمل أن تكون ابتدائية ، وأتاهم نصرنا فعل ومفعول به مقدم وفاعل مؤخر (وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِ اللهِ وَلَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ) الواو حالية ، ولا نافية للجنس ، ومبدل اسمها المبني على الفتح ، ولكلمات الله جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر ، والواو استئنافية ، واللام جواب القسم محذوف ، وقد حرف تحقيق ، وجاءك فعل ومفعول به ، وفاعل جاءك مشكل ، والظاهر أن الجار والمجرور متعلقان بمحذوف هو صفة للفاعل نابت منابه ، أي جاءك بعض أنبائهم أو مزيد من أنبائهم وقصصهم ، ويجوز أن يعلق الجار والمجرور بمحذوف حال من الفاعل المستتر في جاء ، والعائد الى ما هو مفهوم من الجملة السابقة ، أي : ولقد جاءك هذا الخبر كائنا من نبأ المرسلين. والأول أسهل ، وأبعد عن التكلف.

البلاغة :

الالتفات البديع من ضمير الغيبة الى ضمير المتكلم في قوله تعالى :«حتى أتاهم نصرنا» ، إذ قبله : «بآيات الله يجحدون» ، ولو جرى الكلام على نسقه لقيل : نصره ، وفائدة هذا الالتفات ـ بالإضافة الى تطرية الكلام وتنويعه ـ إسناد النصر الى ضمير المتكلم المشعر بالعظمة ، والحافز على وجوب مداومة الجهاد والنضال والصمود في سبيل تحقيق المطمح الكبير ، وتأدية الرسالة السامية المثلى.

١٠١

(وَإِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْراضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّماءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ (٣٥))

اللغة :

(نَفَقاً) النفق : سرب في الأرض له مخرج الى مكان معهود ، ومنه نفق السكة الحديدية. وقد تقدم البحث مستوفى في هذه المادة.

(السلم) : هو المصعد ، وقيل : هو الدّرج ، وقيل : هو السبب أيّا كان ، تقول العرب : اتخذني سلما لحاجتك ، أي : سببا ، وهو مشتق من السلامة ، لأن الصاعد به تكتب له السلامة. والأفصح تذكيره ، وحكى الفرّاء تأنيثه عن العرب.

الاعراب :

(وَإِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْراضُهُمْ) كلام مستأنف مسوق لتأكيد وجوب صبره صلى الله عليه وسلم. وإن شرطية ، وكان فعل ماض ناقص في محل جزم فعل الشرط ، واسم كان هو ضمير الشأن ، وجملة كبر عليك إعراضهم خبر ، وعليك جار ومجرور متعلقان بكبر ، وإعراضهم فاعل (فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّماءِ) الفاء رابطة لجواب الشرط ، والجملة في محل جزم جواب الشرط ، وإن شرطية أيضا ، واستطعت فعل ماض في محل جزم فعل الشرط والجواب محذوف ، أي : فافعل. والمعنى : إن استطعت منفذا تحت الأرض تنفذ فيه فتطلع لهم بآية ، أو سلما تصعد به الى السماء

١٠٢

فتنزل منها بآية فافعل ، وأن تبتغي مصدر مؤول في محل نصب مفعول استطعت ، والشرط الثاني وجوابه جواب الشرط الأول ، وفي الأرض صفة لـ «نفقا» وفي السماء جار ومجرور متعلقان بمحذوف صفة لـ «سلما» (فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى) الفاء حرف عطف ، وتأتيهم فعل مضارع معطوف على تبتغي ، والواو استئنافية ، ولو شرطية ، وشاء الله فعل وفاعل ، واللام واقعة في جواب لو ، وجملة جمعهم على الهدى لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم (فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ) الفاء الفصيحة ، أي : إذا عرفت هذا فلا تكونن ، ولا ناهية ، وتكونن فعل مضارع ناقص مبني على الفتح في محل جزم بـ «لا» ، ومن الجاهلين جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر تكونن.

(إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتى يَبْعَثُهُمُ اللهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (٣٦) وَقالُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللهَ قادِرٌ عَلى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٣٧) وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ (٣٨))

١٠٣

الاعراب :

(إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتى يَبْعَثُهُمُ اللهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ) كلام مستأنف مسوق لتأكيد أن عدم استجابتهم ناشىء عن وجود الأكنة على قلوبهم والوقر في آذانهم ، لأنهم يحسبون في عداد الأحياء وهم في الحقيقة موتى. وإنما كافة ومكفوفة ، ويستجيب فعل مضارع مرفوع ، والذين فاعله ، وجملة يسمعون صلة الموصول لا محل لها ، والموتى الواو يجوز أن تكون مستأنفة ، والموتى مبتدأ ، وجملة يبعثهم الله خبره ، ويجوز أن تكون الواو عاطفة ، والموتى منصوب على الاشتغال بفعل مضمر يفسره الاسم الظاهر بعده وتكون جملة يبعثهم الله مفسرة لا محل لها ، ولعل هذا الوجه أولى ، لينسجم التركيب. وثم حرف عطف للترتيب مع التراخي ، واليه جار ومجرور متعلقان بيرجعون ، ويرجعون فعل مضارع عطف على جملة يبعثهم (وَقالُوا : لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ) الواو استئنافية ، وقالوا فعل وفاعل ، والجملة مستأنفة لحكاية نمط آخر من أنماط جناياتهم ، ولولا حرف تحضيض ، ونزل فعل ماض مبني للمجهول ، وعليه جار ومجرور متعلقان بنزل ، وآية نائب فاعل ، ومن ربه جار ومجرور متعلقان بمحذوف صفة لآية ، والجملة في محل نصب مقول قولهم. (قُلْ : إِنَّ اللهَ قادِرٌ عَلى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً) الجملة مستأنفة مسوقة للدلالة على إفراطهم في اللجاجة ، وتماديهم في الفساد ، مع ترادف الآيات وتتابعها. وإن واسمها وخبرها ، والجملة في محل نصب مقول القول ، وعلى حرف جر ، وإن وما في حيزها في تأويل مصدر مجرور بعلى ، والجار والمجرور متعلقان بقادر ، وآية مفعول به لينزل (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) الواو حالية ، ولكن واسمها ، ولا نافية ، وجملة يعلمون خبرها ،

١٠٤

والجملة نصب على الحال (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ) كلام مستأنف مسوق لبيان قدرته تعالى وعلمه وتدبيره.

وما نافية ، ومن حرف جر زائد ، ودابة اسم مجرور بمن لفظا مرفوع محلا على أنه مبتدأ ، وفي الأرض جار ومجرور متعلقان بمحذوف صفة لدابة ، والواو حرف عطف ، ولا نافية ، وطائر اسم معطوف على دابة ، وجملة يطير بجناحيه صفة لطائر ، وسيأتي مزيد من بحث هذه الآية في باب البلاغة (إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ) إلا أداة حصر ، وأمم خبر دابة ، وأمثالكم صفة لأمم (ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ) ما نافية ، وفرطنا فعل وفاعل ، وفي الكتاب جار ومجرور متعلقان بفرطنا ، ومن حرف جر زائد ، وشيء مجرور لفظا منصوب محلا على المصدرية أو المفعولية وجملة ما فرطنا استئنافية ، وسيأتي مزيد من إعراب هذا الكلام في باب الفوائد ، وثم حرف عطف للترتيب مع التراخي ، والى ربهم جار ومجرور متعلقان بيحشرون ، ويحشرون فعل مضارع معطوف على ما تقدم.

البلاغة :

في قوله : «يطير بجناحيه» فن الانفصال لزيادة التعميم والشمول ، فإن لقائل أن يقول : جملة قوله تعالى : «يطير بجناحيه» لا فائدة في الإتيان بها ظاهرا ، إذ كل طائر يطير بجناحيه ، وهذا إخبار بمعلوم ، والانفصال عن ذلك أن يقال : إنه سبحانه أراد أن يدمج في هذا الخبر النهي عن قتل الحيوان الذي لا يؤذي عبثا بدليل قوله : «إلا أمم أمثالكم» ، ففي مساواته بين ذلك وبين المكلفين إشارة الى أن الإنسان يدان بما يفعله مع كل جسم قابل للحياة ، وفي دواب

١٠٥

الأرض ما لا حرج على قاتله ، كالذباب والبعوض والنمل والعقارب والجعلان وسائر الهمج. فأراد تبيين هذا الصنف من هذا النوع ، وهو أشرف أصنافه الذي امتنّ الله سبحانه على نبيّه داود عليه السلام بتسخيره له وعلى ابنه سليمان بتعليم منطقه ، وقال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم مصرحا بأن الإنسان يدان به : «من قتل عصفورا عبثا ...» الحديث ، فخصّص هذا الصنف بصفة مميزة له من بقية الأصناف فقال «يطير بجناحيه» ، لأنه لا يطلق الجناح حقيقة إلا على العضو الذي ليس له ريش وقصب وأباهر وخوافي وقوارم ، ليستدل يكون هذا الصنف من بين جميع أصناف الطائر هو المقصود بالنهي عن قتله وتعذيبه ، على أن المراد بالدابة المذكورة في صدر الآية هي الصنف الشريف من أصناف الدواب ، لتخرج الحشرات من ذلك النوع كما خرجت الهمج من نوع الطائر بتمييز الصنف المشار اليه منه ، واكتفى بتبيين الثاني عن تبيين الأول لعلمه أن العارف بترتيب نظم الكلام يقيس الأول منه على الثاني. وفي صحيح مسلم : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لتؤدنّ الحقوق الى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء.

الفوائد :

هل تزاد «من» في بقية المفاعيل؟ الجواب إنها لا تزاد في المفعول معه والمفعول لأجله والمفعول فيه ، ووجه منع زيادتها أنهن في المعنى بمنزلة المجرور بالإضافة وباللام وبفي ، ولا تجامعهن «من» ، ولكن لا يظهر وجه للمنع في المفعول المطلق ، وقد خرّج عليه أبو البقاء قوله تعالى : «ما فرطنا في الكتاب من شيء» ، فقال : من زائدة ،

١٠٦

وشيء في موضع المصدر ، أي : تفريطا شيئا ، فحذف الموصوف وأقيمت صفته مقامه ، ثم زيدت «من» ، قال : ولا يكون مفعولا به ، لأنّ «فرط» إنما يتعدى إليه بـ «في» ، وقد عدّي بها الى الكتاب ، قال : وعلى هذا فلا حجة في الآية لمن ظنّ أن الكتاب يحتوي على ذكر كل شيء صريحا. والردّ على هؤلاء الظانّين بأن هذا لا يسلم إلا لو كان «من شيء» مفعولا به لأن المعنى : ما فرطنا أي : ما تركنا شيئا في الكتاب ، وأما لو جعل المفعول به «في الكتاب» وجعل قوله : «من شيء» مصدرا ، أي : ما فرطنا في الكتاب فلا دلالة له على ذلك.

وزاد ابن هشام فقال : «وكذا لا حجة فيها لو كان «شيء» مفعولا به ، لأن المراد بالكتاب اللوح المحفوظ ، كما في قوله تعالى : «ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين» وهو رأي الزمخشري ، والسياق يقتضيه.

(وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُماتِ مَنْ يَشَأِ اللهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٣٩))

الاعراب :

(وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُماتِ) الواو استئنافية ، والكلام مستأنف مسوق لبيان مصير المكذبين. والذين مبتدأ ، وجملة كذبوا صلة الموصول لا محل لها ، وبآياتنا جار ومجرور متعلقان بكذبوا ، وصم خبر ، وبكم عطف على صم ، وفي الظلمات جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر ثان ، وقد وهم أبو البقاء فظنّ أنهما من باب «الرمان حلو حامض» ، فجعل الكلمتين خبرا ، وليس الأمر

١٠٧

كذلك ، لأن الاختلاف واضح بين التعبيرين ، فكلمتا حلو حامض تعبران عن معنى واحد ، وهو مزّ ، أما صم وبكم فلكل واحدة منهما معناها القائم بها ، فالصمم عدم السمع ، والبكم عدم النطق ، وسيأتي مزيد لهذا البحث الفريد. (مَنْ يَشَأِ اللهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) كلام مستأنف مسوق لتقدير ما سبق من حالهم ، ومن اسم شرط جازم في محل رفع مبتدأ ، ويشأ فعل الشرط ، ويضلله جوابه ، وفعل الشرط وجوابه خبر «من» ، ومن يشأ يجعله على صراط مستقيم عطف على الجملة السابقة ، ومفعول المشيئة في كلا الفعلين محذوف ، وهو مضمون الجزاء ، أي : إضلاله وهدايته.

الفوائد :

يجوز أن يتعدد الخبر ، نحو : «زيد كاتب شاعر» ، وليس من تعدّد الخبر ما ذكره بعضهم من قولهم : «الرّمان حلو حامض» لأن معنى الخبرين راجع الى شيء واحد ، إذ معناهما مزّ.

(قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٤٠) بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شاءَ وَتَنْسَوْنَ ما تُشْرِكُونَ (٤١))

الاعراب :

(قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ) الكلام مستأنف مسوق لطلب الإخبار عن حالتهم

١٠٨

العجيبة ، وأ رأيتكم تعبير استفاض في كلامهم وكثرت فيهم أقوال العلماء والمعربين ، وسترى تلخيصا مفيدا في باب الفوائد لما قيل فيه ، وهو على وجه الاختصار. الهمزة للاستفهام ، ورأى فعل ماض مبني على السكون ، والتاء فاعل ، والكاف حرف خطاب يدل على اختلاف المخاطب ، والتاء مفتوحة دائما في جميع أحواله ، ومعنى الكلام :أخبروني عن حالتكم العجيبة ، وقد جرى ذلك على سبيل المجاز ، لأنه لما كان العلم بشيء سببا للإخبار عنه أو الإبصار به طريقا للإحاطة به علما والى صحة الإخبار عنه استعملت الصيغة التي هي لطلب العلم أو لطلب الإبصار في طلب الخبر لاشتراكهما في الطلب ، ففيه مجازان :

رأى بمعنى علم أو أبصر في الإخبار ، واستعمال الهمزة التي هي لطلب الرؤية في طلب الإخبار. هذا ولا يلزم من كون «أرأيت» بمعنى «أخبرني» أن يتعدى تعديته لأن أخبرني يتعدّى بـ «عن» ، وأ رأيت يتعدى لمفعول به صريح ، وإلى جملة استفهامية في موضع المفعول الثاني. والمفعول الأول في هذه الآية محذوف ، تقديره :«أرأيتم إياه» أي : العذاب ، والثاني هو الجملة الاستفهامية ، وهي :«أغير الله تدعون» ، (إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ) إن شرطية ، وأتاكم فعل ماض في محل جزم فعل الشرط ، والكاف مفعول به ، وعذاب الله فاعل ، وأو حرف عطف ، وأتتكم الساعة عطف على أتاكم ، وجواب الشرط محذوف تقديره : «فمن تدعون» ، وقيل : تقديره :«فأخبروني عنه أتدعون غير الله لكشفه»؟ (أَغَيْرَ اللهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) الجملة استئنافية والهمزة للاستفهام ، وغير الله مفعول به مقدم لتدعون ، وإن شرطية ، وكنتم فعل ماض ناقص في محل جزم فعل الشرط ، وصادقين خبرها ، وجواب إن محذوف ، أي : إن كنتم صادقين في أن الأصنام تنفعكم فادعوها

١٠٩

(بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شاءَ وَتَنْسَوْنَ ما تُشْرِكُونَ) بل حرف إضراب وعطف ، وإياه ضمير منفصل في محل نصب مفعول به مقدم لتدعون ، فيكشف عطف على تدعون ، وما اسم موصول في محل نصب مفعول يكشف ، وجملة تدعون إليه صلة ، الواو حرف عطف وإن شرطية ، وشاء فعل الشرط ، والجواب محذوف لفهم المعنى ودلالة ما قبله عليه ، والمراد بها ما عبد من دون الله مطلقا من العقلاء وغيرهم ، وغلب «غير الله» زيادة في التنديد بهم ، وتنسون معطوفة على تدعون ، وما اسم موصول مفعول به ، وجملة تشركون صلة «ما».

الفوائد :

(أَرَأَيْتَكُمْ) هذه التاء من الأمور الغريبة في لغتنا ، وذلك أنه إذا أريد بـ «أرأيت» معنى «أخبرني» جاز أن تتصل به تاء الخطاب ، فإن لم تتصل به وجب للتاء ما يجب لها مع سائر الأفعال ، من تذكير وتأنيث ، وتثنية وجمع ، عما يلحق التاء مما يلزمها في خطاب المفرد المذكّر ، ولو كان الخطاب لاثنين لقيل : أرأيتكما ، أو للجمع لقيل : أرأيتكم ، أو للإناث لقيل : أرأيتكن ، فتلزم التاء الفتح والتجريد عن الخطاب ، والكاف في هذا حرف خطاب لا موضع لها من الاعراب ، واستدل سيبويه على ذلك بقول العرب : أرأيتك فلانا ما حاله؟ أما إذا لم يرد بـ «أرأيت» معنى أخبرني فإنه يجب للتاء والكاف مجتمعتين ما يجب لهما منفردتين ، فيقال : أرأيتك قادرا أو أرأيتكما قادرين أو أرأيتكم قادرين أو أرأيتكنّ قادرات ، كما تقول :أعلمتك قادرا.

١١٠

خلاصة المذاهب في هذا التعبير :

إذا قررنا هذا فنقول : اختلف العلماء في هذه الآية على ثلاثة أقوال :

المذهب الأول :

إن المفعول الأول والجملة التي سدّت مسد المفعول الثاني محذوفان لفهم المعنى ، والتقدير : أرأيتكم عبادتكم الأصنام هل تنفعكم؟ أو اتخاذكم غير الله إلها هل يكشف عنكم العذاب؟ ونحو ذلك ، فعبادتكم واتخاذكم مفعول أول ، والجملة الاستفهامية مسد الثاني ، والتاء هي الفاعل ، والكاف حرف خطاب.

المذهب الثاني :

إن الشرط وجوابه قد سدّا مسدّ المفعولين ، لأنهما قد حصلا المعنى المقصود ، فلم يحتج هذا الفعل الى مفعول.

المذهب الثالث :

إن المفعول الأول محذوف ، والمسألة من باب التنازع بين أرأيتكم وأتاكم ، والمتنازع فيه هو لفظ العذاب.

(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ

١١١

لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ (٤٢) فَلَوْ لا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا وَلكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٤٣))

الاعراب :

(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ) الجملة القسمية كلام مستأنف مسوق لتسليته صلى الله عليه وسلم. والواو استئنافية ، واللام جواب قسم محذوف ، وأرسلنا فعل وفاعل ، وإلى أمم جار ومجرور متعلقان بأرسلنا ، ومن قبلك جار ومجرور متعلقان بمحذوف صفة لأمم ، وجملة قد أرسلنا لا محل لها لأنها جواب للقسم المحذوف (فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ) الفاء حرف عطف ، وأخذناهم فعل وفاعل ومفعول به ، والجملة معطوفة على محذوف تقديره :فكذبوا فأخذناهم ، وبالبأساء جار ومجرور متعلقان بأخذناهم ، والضراء عطف على قوله : بالبأساء ، ولعل واسمها ، وجملة يتضرعون خبرها ، وجملة الرجاء حالية (فَلَوْ لا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا) الفاء استئنافية ، والكلام مستأنف مسوق لتوبيخهم وحثهم على الندامة والتخويف من العاقبة واللياذ بالتضرّع إليه تعالى. ولولا وإذ ظرف لما مضى من الزمن متعلق بتضرعوا ، وجملة جاءهم في محل جر بالإضافة ، وبأسنا فاعل تضرعوا (وَلكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) الواو حالية ، ولكن مخففة من الثقيلة مهملة ، فهي لمجرد الاستدراك ، وقست قلوبهم فعل ماض وفاعل ، والجملة حالية ، أي : والحال أنها استمرت على ما هي عليه من القساوة وجفاء الطبع.

١١٢

وزين فعل ماض ، ولهم جار ومجرور متعلقان بزين ، والشيطان فاعل ، والجملة معطوفة ، وما اسم موصول مفعول به ، وجملة كانوا صلة ، والواو اسم كان ، وجملة يعملون خبرها.

الفوائد :

(لو لا) تكون على ثلاثة أوجه :

١ ـ حرف امتناع لوجود ، يمتنع الشرط لوجود الجواب ، والاسم بعدها مبتدأ محذوف الخبر وجوبا ، ويجب كون الخبر كونا مطلقا. أما إذا كان مقيدا كالقيام والقعود فيجب ذكره ، ولذلك لحنوا أبا العلاء المعري بقوله يصف السيف :

يذيب الرّعب منه كلّ عضب

فلو لا الغمد يمسكه لسالا

وأجيب عنه بأن جملة يمسكه ليست خبرا وإنما هي بدل اشتمال من الغمد أو حالية ، وإذا وليها مضمر فحقه أن يكون ضمير رفع ، نحو قوله : «لولا أنتم لكنّا مؤمنين». وسمع قليلا : لولاي ولولاك ولولاه فهي عندئذ حرف جر ولا تتعلق بشيء.

٢ ـ حرف تحضيض وعرض ، فتختص بالمضارع أو ما في تأويله ، نحو : «لو لا تستغفرون الله» و «لولا أخرتني إلى أجل قريب».

٣ ـ حرف توبيخ وتنديم ، فتختص بالماضي كهذه الآية ، وكثيرا ما ترافقها إذ الظرفية أو إذا ، كقوله تعالى : «فلو لا إذا بلغت الحلقوم».

وسيأتي مزيد بحث عنها في مواطنه.

١١٣

(فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ (٤٤) فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٤٥))

اللغة :

(مُبْلِسُونَ) : واجمون متحيرون آيسون.

(دابِرُ) : الدابر : التابع من خلف ، أي آخرهم.

الاعراب :

(فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ) الفاء استئنافية ، ولما ظرفية ، ونسوا فعل وفاعل ، وجملة نسوا في محل جر بالإضافة ، وما اسم موصول في محل نصب مفعول به ، وجملة ذكروا صلة الموصول ، وبه جار ومجرور متعلقان بذكروا ، وفتحنا فعل وفاعل. والجملة لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم ، وعليهم جار ومجرور متعلقان بفتحنا ، وأبواب مفعول به ، وكل شيء مضاف إليه (حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ) حتى ابتدائية أو غائية ، وإذا ظرف مستقبل متضمن معنى الشرط متعلق بأخذناهم ، وجملة فرحوا في محل جر بالإضافة ، وبما جار ومجرور متعلقان بفرحوا ، وجملة أوتوا صلة الموصول ، وأوتوا فعل ماض مبني

١١٤

للمجهول والواو نائب فاعل ، وجملة أخذناهم من الفعل والفاعل والمفعول لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم ، وبغتة حال أو مفعول مطلق ، فإذا الفاء عاطفة ، وإذا هي الفجائية وهي حرف على ما اخترناه ، وهم مبتدأ ، ومبلسون خبر ، والجملة استئنافية.

(فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) الفاء عاطفة ، وقطع فعل ماض مبني للمجهول ، ودابر نائب فاعل ، والقوم مضاف إليه ، والذين اسم موصول في محل جر نعت للقوم ، وجملة ظلموا لا محل لها لأنها صلة الموصول ، والحمد الواو استئنافية ، والحمد مبتدأ ، ولله جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر ، ورب نعت أو بدل ، والعالمين مضاف اليه.

الفوائد :

(إذا الفجائية) فيها ثلاثة مذاهب :

١ ـ مذهب سيبويه : وهو أنها ظرف مكان أو زمان.

٢ ـ مذهب جماعة آخرين من البصريين : وهو أنها ظرف زمان.

وفي الحالين تتعلق بالخبر وهو قوله : مبلسون ، أي أبلسوا في زمان إقامتهم أو مكانها.

٣ ـ مذهب الكوفيين : وهو أنها حرف فلا تتعلق بشيء. وهذا ما اخترناه. وسترد تفاصيل عنها في مواطنها.

(قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصارَكُمْ وَخَتَمَ عَلى قُلُوبِكُمْ

١١٥

مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ (٤٦) قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ (٤٧))

اللغة :

(يَصْدِفُونَ) في المختار : «صدف عنه : أعرض ، وبابه ضرب وجلس. وأصدفه عنه كذا : أماله عنه» ، وصادفه قابله على قصد وبدونه ، فما تقوله العامة : صدفة خطأ ولحن. وزعم صاحب المنجد أن الصدفة بكسر الصاد : لفظة مولّدة بمعنى المصادفة والاتفاق.

الاعراب :

(قُلْ : أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصارَكُمْ وَخَتَمَ عَلى قُلُوبِكُمْ) كلام مستأنف مسوق لأخذ الحجة عليهم ، وقطع الطريق على مكابرتهم.

وقل فعل أمر وفاعله مستتر تقديره أنت يا محمد ، والهمزة للاستفهام التقريري ، ومفعول رأيتم الأول محذوف تقديره : أرأيتم سمعكم وأبصاركم إن أخذها الله؟ والجملة الاستفهامية الآتية وهي : «من إله» في موضع المفعول الثاني ، وإن شرطية ، وأخذ فعل ماض في محل جزم فعل الشرط ، والجواب محذوف ، وقد تقدم إعراب نظيره في :«أرأيتكم» ، ولم يؤت هنا بكاف الخطاب كما أتى به هناك لهول التهديد في الأول ، ووحد السمع وجمع الأبصار لسرّ تقدم ذكره في

١١٦

سورة البقرة ، وقيل : جائز أن تكون الهاء عائدة على السمع فتكون موحدة لتوحيده ، وجائز أن تكون موحدة لتوحيد «من» ، أي :من إله غير الله يأتيكم بما أخذ منكم من السمع والأبصار والأفئدة؟وسمعكم مفعول به وأبصاركم عطف ، وجملة ختم معطوفة وعلى قلوبكم متعلقان بختم. (مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ) من اسم استفهام للتوبيخ ، وهو مبتدأ ، وإله خبره ، وغير الله صفة ، وجملة يأتيكم صفة ثانية ، وبه جار ومجرور متعلقان بيأتيكم (انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ) الجملة مستأنفة ، وانظر فعل أمر ، وكيف اسم استفهام في محل نصب حال ، وقد علقت انظر عن العمل ، وجملة نصرف الآيات في محل نصب مفعول به ، والآيات مفعول به ، وثم حرف عطف للترتيب مع التراخي ، وهم مبتدأ ، وجملة يصدفون خبر (قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً) تقدم الكلام في أرأيتكم قريبا ، وإعراب بغتة أو جهرة (هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ) إلا أداة حصر ، والقوم نائب فاعل ، والظالمون صفة.

(وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٤٨) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا يَمَسُّهُمُ الْعَذابُ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (٤٩))

الاعراب :

(وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ) الواو استئنافية ، والكلام مستأنف مسوق لتبيان مهام الرسالة ، ودقة التكليف الذي يتمرس به المرسلون. ونرسل المرسلين فعل وفاعل مستتر ومفعول به ،

١١٧

وإلا أداة حصر ، ومبشرين حال ، ومنذرين عطف على مبشرين (فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) الفاء استئنافية ، ومن اسم شرط جازم في محل رفع مبتدأ ، وآمن فعل ماض وهو فعل الشرط ، وأصلح عطف عليه والفاء رابطة لجواب الشرط ، ولا نافية مهملة وخوف مبتدأ ، وعليهم خبر ، ولا هم يحزنون الجملة عطف على الجملة الأولى ، وجملة «لا خوف عليهم» في محل جزم جواب الشرط ، وفعل الشرط وجوابه خبر «من» ، ويجوز أن تكون «من» موصولة لمناسبة ما بعدها ، فتكون في محل رفع مبتدأ ، وتكون جملة : «لا خوف عليهم» هي الخبر للموصول ، وجيء بالفاء لما في الموصول من رائحة الشرط (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا يَمَسُّهُمُ الْعَذابُ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ) الواو عاطفة أو استئنافية ، والذين مبتدأ ، وجملة كذبوا صلة ، وبآياتنا جار ومجرور متعلقان بكذبوا ، وجملة يمسهم العذاب خبر اسم الموصول ، وبما الباء حرف جر ، وما مصدرية ، والمصدر المؤول مجرور بالباء ، والجار والمجرور متعلقان بيمسهم ، أي : بسبب فسقهم ، وكان واسمها ، وجملة يفسقون خبرها.

البلاغة :

في قوله : «يمسهم العذاب» استعارة تصريحية تبعية كأن العذاب كائن حيّ يفعل بهم ما يريده من الآلام. وقد تقدم أمثالها كثيرا.

(قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ

١١٨

لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ ما يُوحى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ (٥٠))

الاعراب :

(قُلْ : لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ) الكلام مستأنف مسوق لتنزيه نفسه مما يقترحونه عليه. وقل فعل أمر ، ولا نافية ، وأقول فعل مضارع ، ولكم جار ومجرور متعلقان بأقول ، وجملة لا أقول مقول القول الأول ، ولكم متعلقان بأقول وعندي ظرف مكان متعلق بمحذوف خبر مقدم ، وخزائن الله مبتدأ مؤخر ، والجملة في محل نصب مقول القول الثاني (وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ) جملة ولا أعلم الغيب معطوفة على جملة عندي خزائن الله لأنه من جملة مقول القول وجملة لا أقول لكم إني ملك معطوفة على جملة لا أقول لكم الأولى ، وإني ملك : إن واسمها وخبرها مقول القول أيضا. (إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ) الجملة داخلة في حيز المقول الذي لم ينته بعد ، وإن نافية ، وإلا أداة حصر ، و «ما» اسم موصول في محل نصب مفعول به ، وجملة يوحى صلة الموصول ، ونائب الفاعل مستتر ، وإليّ جار ومجرور متعلقان بيوحى (قُلْ : هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ) كلام مستأنف لتتمة الوصايا ، وهل حرف استفهام معناه النفي ، أي : لا يستويان ، ويستوي فعل مضارع ، والأعمى فاعله ، والبصير عطف على الأعمى ، والجملة في محل نصب مقول القول ، أفلا الهمزة للاستفهام الإنكاري ، والفاء عاطفة ، ولا نافية ، وتتفكرون عطف على مقدر محذوف تقديره أي لا يستمعون هذا الكلام الذي يتلى عليكم فلا تتفكرون فيه وتتبينون مغابّه؟

١١٩

البلاغة :

الطباق بين الأعمى والبصير ، وهما تشبيهان بليغان للضّالّ والمهتدي. ويجوز أن يعتبرا من باب الاستعارة التصريحية ، لأن المشبّه لم يذكر وذكر المشبه به.

(وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (٥١) وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ (٥٢))

الاعراب :

(وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلى رَبِّهِمْ) الواو عاطفة ، والكلام معطوف على ما تقدم معدولا به إلى توجيه الانذار للذين يتفرس فيهم قبول الاتعاظ والاستعداد لتقبّله ، وهم المؤمنون العاصون.

وأنذر فعل أمر ، وبه جار ومجرور متعلقان بأنذر ، والذين اسم موصول مفعول به ، وجملة يخافون صلة الموصول ، وأن وما بعدها في تأويل مصدر مفعول يخافون (لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ

١٢٠