إعراب القرآن الكريم وبيانه - ج ٢

محيي الدين الدرويش

إعراب القرآن الكريم وبيانه - ج ٢

المؤلف:

محيي الدين الدرويش


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: اليمامة للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٥٤٤

ولا نافية ويستوي فعل مضارع مرفوع ، والضمة مقدرة على الياء ، والقاعدون فاعله ، ومن المؤمنين متعلقان بمحذوف حال من «القاعدون» ومن الضمير المستكنّ فيه (غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ) غير : بدل من «القاعدون» ، ولم نجعلها صفة ، لأن «غيرا» لا تتعرف بالإضافة ، لإيغالها في التنكير ، ولا يجوز اختلاف الصفة والموصوف. ولم يأبه الزمخشري لما تقرر في علم النحو ، فجعلها صفة. ويجوز نصبها على الاستثناء ، والأول أرجح كما هو مقرر في كتب النحو ، لأن الكلام منفي ، وقد قرىء به.

ويجوز جرها على أنها صفة للمؤمنين ، وقد قرأها الأعمش بالجر أيضا. وسيأتي بحث عنها في باب الفوائد. وأولي الضرر مضاف اليه مجرور وعلامة جره الياء لأنه ملحق بجمع المذكر السالم ، والمجاهدون عطف على «القاعدون» ، وفي سبيل الله متعلقان بـ «المجاهدون» ، وبأموالهم متعلقان به أيضا ، وأنفسهم عطف على «بأموالهم» (فَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً) الجملة مفسرة لا محل لها لعدم الاستواء بين الفريقين. وفضل الله فعل وفاعل ، المجاهدين مفعول به منصوب بالياء وجملة فضل الله المجاهدين مفسرة لعدم الاستواء بين الفريقين ، وبأموالهم جار ومجرور متعلقان بـ «المجاهدين» وأنفسهم معطوفة على أموالهم ، وعلى القاعدين متعلقان بفضل ودرجة مفعول مطلق لأنها آلة التفضيل ورفع المرتبة ، فهو كقولك : ضربته سوطا. وأعربه بعضهم ظرفا ، وليس ببعيد.

وأعربه آخرون حالا ، وهو يحتاج عندئذ الى تقدير مضاف ، أي :ذوي درجة. وقال بعضهم : هو تمييز ، ولا بأس بهذا القول.

وما ارتأيناه هو الأرجح (وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى) الواو اعتراضية ، وكلّا مفعول به مقدم لـ «وعد» ، والله فاعل ، والحسنى مفعول به

٣٠١

ثان ، والجملة لا محل لها لأنها اعتراضية (وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً) الواو عاطفة ، والجملة عطف على ما تقدم ، وأجرا مفعول مطلق لأنه مرادف لفضل ، أو لأنه آلته ، على حد قوله :درجة وسوطا ، وسيأتي مزيد بحث عنه في باب الفوائد. وعظيما صفة.

(دَرَجاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً) درجات بدل من «أجرا» ومنه متعلقان بمحذوف صفة لدرجات ، ومغفرة ورحمة عطف على درجات ، ونصبهما الزمخشريّ على المفعولية المطلقة بإضمار فعلهما ، بمعنى : وغفر لهم ورحمهم مغفرة ورحمة ، ولعله أولى لمراعاة التناسب (وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) الواو استئنافية أو حالية ، وكان واسمها ، وغفورا رحيما خبراها ، والجملة مستأنفة أو حالية.

الفوائد :

ما يقوله ابن يعيش :

قال ابن يعيش عند كلامه على «غير أولي الضرر» : «وقرىء بالرفع والجر والنصب ، فالرفع على النعت لـ «القاعدون» ، ولا يكون ارتفاعه على البدل في الاستثناء لأنه يصير التقدير فيه : لا يستوي إلا أولو الضرر ، وليس المعنى على ذلك ، إنما المعنى : لا يستوي القاعدون الأصحاء والمجاهدون. والجر على النعت للمؤمنين ، والمعنى :

لا يستوي القاعدون من المؤمنين الأصحاء والمجاهدون ، والمعنى فيهما واحد. والنصب على الاستثناء.

النحاة بين البدلية والوصفية لغير :

هذا وقد ترجح النحاة في البدلية والوصفية لـ «غير». فمن

٣٠٢

احتجّ للبدلية قال : إن جعل «غير» صفة يوجب التأويل ، لأن «غير» لا تتعرف بالاضافة ، ولا يجوز اختلاف النعت والمنعوت تعريفا وتنكيرا ، وتأويله إما بأن «القاعدون» لما لم يكونوا بأعيانهم بل أريد بهم الجنس أشبهوا النكرة فوصفوا بها كما توصف ، وإما بأن «غير» قد تتعرف إذا وقعت بين ضدين. ومن احتجّ للوصفية قال : لا يكون ارتفاعه على البدل في الاستثناء ، لأنه يصير التقدير فيه : لا يستوي القاعدون الأصحاء والمجاهدون ـ كما قال ابن يعيش ـ وهذا من طرائفهم التي تدل على ألمعية وثقوب ذهن ، فتأمل والله يرشدك.

رأي الزمخشري في اعراب أجرا :

قال الزمخشري : «لم نصب درجة وأجرا ودرجات؟ قلت : نصب قوله «درجة» لوقوعها موقع المرّة من التفضيل ، كأنه قيل : فضّلهم تفضيلة واحدة ونظيره قولك : ضربه سوطا ، بمعنى : ضربه ضربة.

وأما أجرا فقد انتصب بفضل لأنه في معنى آجرهم أجرا ودرجات ورحمة بدل من أجرا ويجوز أن ينتصب «درجات» نصب «درجة» كما تقول :

ضربه أسواطا ، بمعنى ضربات. كأنه قيل : وفضله تفضيلات. ونصب «أجرا عظيما» على أنه حال من النكرة التي هي «درجات» مقدمة عليها. وانتصب «مغفرة ورحمة» بإضمار فعلهما ، بمعنى : وغفر لهم ورحمهم مغفرة ورحمة.

(إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَساءَتْ مَصِيراً (٩٧) إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ

٣٠٣

مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً (٩٨) فَأُولئِكَ عَسَى اللهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكانَ اللهُ عَفُوًّا غَفُوراً (٩٩))

الاعراب :

(إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ) كلام مستأنف لتقرير حال جماعة أسلموا ولم يهاجروا ، فقتلوا يوم بدر مع الكفار ، مع أن الهجرة كانت ركنا أو شرطا في الإسلام ، ثم نسخ بعد الفتح. وإن واسمها ، وجملة توفاهم الملائكة لا محل لها لأنها صلة الموصول ، وأصل توفاهم : تتوفاهم ، فحذفت إحدى التاءين حسب القاعدة المقررة ، وأجاز ابن جرير وغيره أن تكون فعلا ماضيا مبنيا على الفتح المقدر. وليس ببعيد. والملائكة فاعل وظالمي أنفسهم حال. أما خبر إن فيجوز أن يكون محذوفا تقديره : إن الذين توفاهم الملائكة هلكوا ، ويجوز أن يكون الخبر قوله : قالوا فيم كنتم؟ ويجوز أن يكون :

فأولئك مأواهم جهنم ، ودخلت الفاء زائدة في الخبر تشبيها للموصول باسم الشرط (قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ؟) الضمير في قالوا يعود الى الملائكة ، والجملة إما خبر كما قدمنا وإما مستأنفة مبنية للجملة المحذوفة ، وفيم :

في حرف جر وما الاستفهامية في محل جر بفي ، وحذفت ألفها لدخول حرف الجر عليها ، والجار والمجرور متعلقان بمحذوف خبر كنتم المقدم ، والجملة في محل نصب مقول القول (قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ) الضمير في قالوا يعود الى الذين تتوفاهم الملائكة ، وجملة القول

٣٠٤

مستأنفة ، وجملة كنا مستضعفين في الأرض في محل نصب مقول القول ، ومستضعفين خبر كنا ، وفي الأرض متعلقان بمستضعفين (قالُوا : أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها) الضمير في قالوا يعود الى الملائكة ، والجملة مستأنفة ، والهمزة للاستفهام الإنكاري للتبكيت ، ولم حرف نفي وقلب وجزم ، وتكن فعل مضارع ناقص مجزوم بـ «لم» ، وأرض الله اسم تكن ، وواسعة خبرها ، والجملة في محل نصب مقول القول ، والفاء فاء السببية ، وتهاجروا فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد فاء السببية والواو فاعل ، وفيها متعلقان بتهاجروا (فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ) الفاء رابطة لما في الموصول من رائحة الشرط ، وأولئك مبتدأ ومأواهم مبتدأ وجهنم خبر المبتدأ الثاني والجملة الاسمية خبر اسم الاشارة وجملة فأولئك إما خبر لـ «إن الذين» كما قدمنا وإما استئنافية.

(وَساءَتْ مَصِيراً) الواو استئنافية أو حالية ، وساءت فعل ماض للذم ، ومصيرا تمييز ، والمخصوص بالذم محذوف أي : جهنم (إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ) إلا أداة استثناء والمستضعفين مستثنى منهم لضعفهم وعدم تمكنهم من الهجرة ، فالاستثناء متصل ، وقيل :الاستثناء منقطع ، لأن المستثنى منه إما كفارا وإما عصاة بالتخلف ، وهم قادرون على الهجرة ، فلم يندرج فيهم المستضعفون. ومن الرجال متعلقان بمحذوف حال ، والنساء والولدان عطف على الرجال (لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً) جملة لا يستطيعون صفة للمستضعفين ، وجاز وصف المعرفة بالجملة وهي نكرة ، لأن المعرفة هنا ليست لشيء معين بالذات ، على حد قول الشاعر :

ولقد أمر على اللئيم يسبني

فمضيت ثمّت قلت : لا يعنيني

وحيلة مفعول يستطيعون ، وجملة ولا يهتدون عطف على جملة

٣٠٥

لا يستطيعون ، وسبيلا مفعول يهتدون ، أو منصوب بنزع الخافض ، ولعله أقعد بالفصاحة ، أي : الى سبيل من السبل المختلفة (فَأُولئِكَ عَسَى اللهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ) الفاء الفصيحة لأنها وقعت في جواب شرط مقدر ، والجملة لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم ، أي إذا أردت أن تعرف مصيرهم فأولئك ، وأولئك مبتدأ ، وعسى فعل ماض جامد من أفعال الرجاء ، والله اسم عسى ، والمصدر المؤول خبرها ، والجملة الفعلية خبر اسم الاشارة (وَكانَ اللهُ عَفُوًّا غَفُوراً) الواو حالية أو استئنافية ، وكان واسمها ، وعفوا غفورا خبراها.

(وَمَنْ يُهاجِرْ فِي سَبِيلِ اللهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً (١٠٠))

اللغة :

(المراغم) بضم الميم وفتح الغين المعجمة : المذهب والحصن والمضطرب ، فهو اسم مكان ، وعبّر به للإشعار بأن المهاجر يرغم أنف قومه أي : يذلهم ، والرغم الذل والهوان ، وأصله لصوق الأنف بالرّغام ـ بفتح الراء ـ وهو التراب ، ورغم أنفه رغما من باب قتل :كناية عن الذل ، كأنه لصق بالرغام هوانا وذلّا. ويتعدى بالألف ، فيقال : أرغم الله أنفه ، وفعلته على رغم أنفه ـ بفتح الراء وضمها ـ أي : غاضبته ، وهذا ترغيم له أي : إذلال. وهذا من الأمثال التي

٣٠٦

جرت في كلامهم بأسماء الأعضاء ، ولا يراد أعيانها ، بل وضعوها لمعان غير المعاني الظاهرة ، ولا حظّ لظاهر الأسماء من طريق الحقيقة ، ومنه قولهم : كلامه تحت قدمي ، وحاجته خلف ظهري ، يريدون الإهمال وعدم الاحتفال. وفي القاموس : الرغم : الكره ، ـ ويثلث ـ كالمرغمة ، ورغمه كعلمه ومنعه : كرهه.

الاعراب :

(وَمَنْ يُهاجِرْ فِي سَبِيلِ اللهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَماً كَثِيراً وَسَعَةً) كلام مستأنف مسوق لبيان حال المهاجرين في سبيل الله. والواو استئنافية ومن اسم شرط جازم مبتدأ ، ويهاجر فعل مضارع فعل الشرط ، وفي سبيل الله متعلقان بيهاجر ، ويجد فعل مضارع جواب الشرط ، وفعل الشرط وجوابه في محل رفع خبر «من» ، ومراغما مفعول به ، وكثيرا صفة ، وسعة عطف على «مراغما». (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ) تقدم إعراب نظيرها ، ومهاجرا حال والى الله ورسوله متعلقان بـ «مهاجرا» (ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ) ثم حرف عطف ، ويدركه عطف على يخرج ، والهاء مفعول به ، والموت فاعل يدركه ، فقد الفاء رابطة لجواب الشرط ، وقد حرف تحقيق ، وجملة وقع أجره على الله في محل جزم جواب الشرط ، وفعل الشرط وجوابه خبر «من» ، وعلى الله متعلقان بوقع (وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) جملة مستأنفة وقد تقدم اعرابها.

(وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا

٣٠٧

مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكافِرِينَ كانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِيناً (١٠١))

الاعراب :

(وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ) كلام مستأنف مسوق لبيان أحكام قصر الصلاة. والواو استئنافية وإذا ظرف مستقبل متضمن معنى الشرط ، وجملة ضربتم في الأرض في محل جر بالاضافة ، والفاء رابطة لجواب إذا وليس فعل ماض ناقص ، وعليكم جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر ليس المقدم ، وجناح اسمها المؤخر ، والجملة لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم (أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ) المصدر المؤول منصوب بنزع الخافض ، أي : في قصر الصلاة والجار والمجرور صفة لجناح ، ومن الصلاة متعلقان بتقصروا. وبحث القصر من الصلاة مبسوط في كتب الفقه (إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا) إن شرطية وخفتم فعل ماض وفاعل ، وهو في محل جزم فعل الشرط ، وأن وما في حيزها مصدر مؤول مفعول به لخفتم ، والذين كفروا فاعل وجملة كفروا صلة وجملة الشرط مستأنفة وجواب الشرط محذوف دل عليه ما قبله أي : فليس عليكم جناح أن تقصروا. (إِنَّ الْكافِرِينَ كانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِيناً) الجملة تعليل لما تقدم من إباحة القصر ، وإن واسمها ، وجملة كانوا خبرها ، والواو اسم كان ولكم متعلقان بمحذوف حال ، وعدوا خبر كان. ومبينا صفة.

(وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ

٣٠٨

مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً واحِدَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللهَ أَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً (١٠٢))

الاعراب :

(وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ) الواو استئنافية ، والكلام مستأنف للشروع في أحكام صلاة الخوف ، والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ولا حجة فيه لمن ذهب الى أنه لا يرى صلاة الخوف بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بل الخطاب شامل متناول لكل إمام.

ويجوز أن تكون الواو عاطفة ، فيكون الكلام منسوقا على ما تقدم.

وإذا ظرف مستقبل متضمن معنى الشرط ، وجملة كنت في محل جر بالإضافة ، والتاء اسم كان ، وفيهم متعلقان بمحذوف خبر كنت ، والضمير يعود على الضاربين في الأرض أو على الخائفين ، وكلاهما محتمل. والفاء عاطفة ، وأقمت فعل وفاعل ، ولهم متعلقان بأقمت ، والجملة معطوفة على جملة كنت ، والصلاة مفعول به (فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ) الفاء رابطة ، واللام لام الأمر ،

٣٠٩

وتقم فعل مضارع مجزوم بلام الأمر وطائفة فاعل ومنهم متعلقان بمحذوف صفة ، ومعك ظرف مكان متعلق بتقم (وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ).

وليأخذوا عطف على فلتقم ، وأسلحتهم مفعول به (فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ) تقدم إعراب نظيره ، ومن ورائكم متعلقان بمحذوف خبر فليكونوا (وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ) عطف أيضا ، وجملة «لم يصلوا» صفة ثانية لطائفة ، فليصلوا فعل مضارع وفاعله ، ومعك ظرف مكان متعلق ب : فليصلوا (وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ) عطف أيضا (وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ) الجملة مستأنفة مسوقة للتأكيد على زيادة الحذر لظن العدو أن الصلاة مظنة لإلقاء السلاح. وود الذين فعل وفاعل وجملة كفروا صلة الموصول ولو مصدرية فهي موصول حرفي ، وهي منسبكة مع ما بعدها بمصدر منصوب لأنه مفعول تود ، وجملة تغفلون لا محل لها لأنها صلة الموصول الحرفي ، وعن أسلحتكم متعلقان بتغفلون ، وأمتعتكم عطف على أسلحتكم (فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً واحِدَةً) الفاء عاطفة ، ويميلون عطف على تغفلون ، وعليكم متعلقان بيميلون ، وميلة مفعول مطلق وواحدة صفة (وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ) الواو عاطفة ، ولا نافية للجنس ، وجناح اسمها ، وعليكم متعلقان بمحذوف خبر «لا» ، وإن شرطية وكان فعل ماض ناقص في محل جزم فعل الشرط ، وبكم متعلقان بمحذوف خبر كان المقدم ، وأذى اسمها المؤخر ، ومن مطر متعلقان بمحذوف صفة لأذى ، وجواب الشرط محذوف دل عليه ما قبله ، أي : فلا جناح عليكم (أَوْ كُنْتُمْ مَرْضى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ) أو حرف عطف ، وكنتم عطف على : كان بكم أذى ، ومرضى خبر كنتم ، وأن تضعوا مصدر مؤول منصوب بنزع الخافض ، أي : في أن تضعوا ، والجار والمجرور متعلقان بجناح أو بمحذوف صفة له

٣١٠

وأسلحتكم مفعول به (وَخُذُوا حِذْرَكُمْ) عطف أيضا (إِنَّ اللهَ أَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً) إن واسمها ، وجملة أعد للكافرين خبرها ، وعذابا مفعول أعد ، ومهينا صفة.

البلاغة :

في الآية عطف الحقيقة على المجاز ، وهو من البلاغة في ذروتها ، ومن الفصاحة في سدّتها ، فالأسلحة حقيقة ، والحذر مجاز لأنه أراد به آلة من الآلات التي يستعملها الغازون في حروبهم ، فلذلك جمع بينه وبين الأسلحة في الأخذ ، جعلهما معا كالمأخوذين. ومن طريف هذا المجاز الذي استعمل مع الحقيقة قول أبي تمّام الطائي يصف ركبا :

وركب يساقون الركاب زجاجة

من السير لم تقصد لها كفّ قاطب

والمجاز في قوله : «زجاجة» أي : شرابا في زجاجة. والمعنى يسكرون المطيّ بالتعب ، فكأنهم سقوها شرابا لم تقصد له كف قاطب ، أي : ليس على الحقيقة شرابا يناوله الساقي صاحبه بقصد. وهذا التناسب بين المجاز والحقيقة لا يسهل إدراكه إلا على أهل الطبع المرهف ، والذوق المترف ، فافهمه ، وقس عليه ، والله يعصمك.

(فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً (١٠٣) وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ

٣١١

كَما تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللهِ ما لا يَرْجُونَ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً (١٠٤))

الاعراب :

(فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِكُمْ) الفاء استئنافية ، والكلام مستأنف مسوق لتقرير ما يندب بعد أداء صلاة الخوف على الوجه الكامل المبين. وإذا ظرف مستقبل متضمّن معنى الشرط ، وجملة قضيتم الصلاة في محل جر بالاضافة ، والفاء رابطة ، وجملة اذكروا الله لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم ، وقياما حال وقعودا حال ثانية ، وعلى جنوبكم جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال ثالثة عن طريق العطف (فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) تقدم إعرابها ، والجملة معطوفة على ما تقدم (إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً) الجملة تعليل لما سبق ، وإن واسمها ، وجملة كانت خبر إن ، وعلى المؤمنين متعلقان بـ «موقوتا» وكتابا خبر كانت ، وموقوتا صفة ، أي : محدودا بأوقات (وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغاءِ الْقَوْمِ) الواو عاطفة أو استئنافية ، ولا ناهية ، وتهنوا فعل مضارع مجزوم بـ «لا» وفي ابتغاء القوم متعلقان بتهنوا (إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَما تَأْلَمُونَ) إن شرطية جازمة ، وتكونوا فعل مضارع ناقص فعل الشرط ، والواو اسم كان ، وجملة تألمون خبرها ، وجملة الشرط لا محل لها لأنها تعليلية للنهي ، فانهم الفاء رابطة للجواب ، وان واسمها ، وجملة يألمون خبرها والجملة المقترنة بالفاء في محل جزم جواب الشرط وكما تألمون في محل نصب على المفعولية المطلقة أو على الحالية ، وقد

٣١٢

تقدمت له نظائر (وَتَرْجُونَ مِنَ اللهِ ما لا يَرْجُونَ) عطف على جملة يألمون ، وما اسم موصول مفعول به لترجون ، وجملة لا يرجون لا محل لها لأنها صلة (وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً) تقدم إعرابه كثيرا.

(إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللهُ وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً (١٠٥) وَاسْتَغْفِرِ اللهَ إِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (١٠٦))

الاعراب :

(إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ) كلام مستأنف للتحذير من التعجل في الحكم ، وهو عام ، وإن واسمها ، وجملة أنزلنا خبرها ، وإليك متعلقان بأنزلنا والكتاب مفعول به ، وبالحق متعلقان بمحذوف حال (لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللهُ) اللام للتعليل وتحكم فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام ، والجار والمجرور : لام التعليل والمصدر المؤول من أن المضمرة والفعل تحكم متعلقان بأنزلنا وبين الناس ظرف متعلق بتحكم ، وبما متعلقان بتحكم وجملة أراك الله لا محل لها لأنها صلة للموصول ، والإراءة هنا بمعنى المعرفة والعلم ، فالكاف مفعوله الأول والثاني محذوف ، وهو العائد المحذوف ، أي : بما أراكه الله (وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً) الواو عاطفة ولا ناهية وتكن فعل مضارع ناقص مجزوم بلا ، واسم تكن مستتر تقديره أنت ، وللخائنين جار ومجرور متعلقان بخصيما ، وخصيما خبرها. (وَاسْتَغْفِرِ

٣١٣

اللهَ إِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً) عطف على ما تقدم ، وقد تقدم إعراب نظائره.

(وَلا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ خَوَّاناً أَثِيماً (١٠٧) يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ وَكانَ اللهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطاً (١٠٨))

اللغة :

(يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ) : يستريبون بها ويخونونها بالمعاصي.

(يَسْتَخْفُونَ) : يستترون.

(يُبَيِّتُونَ) يدبرون الأمر بليل. ولا يكاد يستعمل إلا في الشر ، وعبارة المبرّد في كامله :«يقال بيّت فلان كذا وكذا إذا فعله ليلا ، وفي القرآن :«وإذ يبيتون ما لا يرضى من القول» أي : أداروا ذلك ليلا بينهم».

الاعراب :

(وَلا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ) الواو عاطفة ولا ناهية ،

٣١٤

وتجادل فعل مضارع مجزوم بلا والفاعل أنت ، وعن الذين متعلقان بتجادل ، وجملة يختانون أنفسهم لا محل لها لأنها صلة الموصول (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ خَوَّاناً أَثِيماً) تعليل للنهي ، وان واسمها ، وجملة لا يحب خبرها ومن اسم موصول مفعول به ، وجملة كان صلة الموصول وخوانا خبر كان ، وأثيما صفة ، أو هما خبران لكان (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ وَهُوَ مَعَهُمْ) الجملة مستأنفة مسوقة لمجرد الإخبار بأنهم يطلبون الستر ، أو حالية من «من» على أنها موصولة ، وجملة ولا يستخفون من الله عطف على الاولى ، الواو حالية ، وهو مبتدأ ، والظرف معهم متعلق بمحذوف خبر ، والجملة حالية (إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ) إذ ظرف لحكاية الحال الماضية ، وجملة يبيتون في محل جر بالاضافة ، وما اسم موصول مفعول به وجملة لا يرضى صلة الموصول ، ومن القول متعلقان بمحذوف حال (وَكانَ اللهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطاً) تقدم اعراب نظائرها كثيرا.

البلاغة :

١ ـ المبالغة في قوله : «خوانا أثيما» : فقد استعمل صيغتين من صيغ المبالغة ، لأن الله كان عالما من طعمة بن أبيرق الذي سرق درعا من جار له وأودعها عند يهودي ، الإفراط في الخيانة وركوب المآثم.

٢ ـ المجاز في الاستخفاء : إذ الاستخفاء من الله محال ، لأن الله يعلم الجهر وما يخفى ، فيكون مجازا عن الحياء.

٣١٥

(ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ جادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا فَمَنْ يُجادِلُ اللهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً (١٠٩))

الاعراب :

(ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ جادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) كلام مستأنف مسوق لتبكيت قوم طعمة بن أبيرق ، وهم بنو ظفر من الأنصار الذين حاولوا ستر جنايته وسرقته. وها للتنبيه وأنتم مبتدأ وهؤلاء خبره ، وجملة جادلتم خبر ثان ، وأعرب بعضهم هؤلاء منادى محذوف منه حرف النداء ، وجملة النداء اعتراضية وهو صحيح. وعنهم جار ومجرور متعلقان بجادلتم ، وفي الحياة متعلقان بمحذوف حال ، والدنيا صفة (فَمَنْ يُجادِلُ اللهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) الفاء عاطفة ، ومن اسم استفهام انكاري مبتدأ ، وجملة يجادل الله خبر ، وعنهم متعلقان بيجادل ، ويوم القيامة ظرف متعلق بمحذوف حال (أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً) أم حرف عطف ، ومن اسم استفهام مبتدأ ، ويكون فعل مضارع ناقص واسمها ضمير مستتر تقديره «هو» يعود على «من» والجملة في محل رفع خبر «من» ، وعليهم جار ومجرور متعلقان بـ «وكيلا» ووكيلا خبر يكون.

البلاغة :

في هذه الآية الالتفات ، في قوله : «ها أنتم جادلتم عنهم ...» فقد انتقل من الغيبة الى الخطاب ، لمشافهتهم بالتوبيخ والإنكار.

٣١٦

(وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ يَجِدِ اللهَ غَفُوراً رَحِيماً (١١٠) وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّما يَكْسِبُهُ عَلى نَفْسِهِ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً (١١١) وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً (١١٢))

الاعراب :

(وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ) كلام مستأنف مسوق لحمل طعمة على التوبة ، ومع ذلك أصر على ركوب متن الشطط ، وأبى أن يتوب ، والواو استئنافية ومن اسم شرط جازم مبتدأ ، ويعمل فعل مضارع فعل الشرط ، والفاعل هو ، وسوءا مفعول به ، وأو حرف عطف. ويظلم نفسه عطف على يعمل ، ونفسه مفعول به (ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ يَجِدِ اللهَ غَفُوراً رَحِيماً) ثم حرف عطف ، ويستغفر الله عطف على ما تقدم ، ويجد الله جواب الشرط ، وفعل الشرط وجوابه خبر «من» ، وغفورا مفعول به ثان ، ورحيما صفة (وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّما يَكْسِبُهُ عَلى نَفْسِهِ) عطف على ما تقدم ، وهو مماثل له في إعرابه. وجملة فإنما جواب الشرط ، وفعل الشرط وجوابه خبر من ، وعلى نفسه متعلقان بيكسبه ، لأن وبال الإثم متعلق بها (وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً) تقدم إعرابها. (وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً) تقدم إعرابه (ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً) عطف على يكسب ووحد الضمير

٣١٧

تغليبا للإثم ، وبه متعلقان بـ «يرم» ، وبريئا مفعول به (فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً) الجملة في محل جزم جواب الشرط وفعل الشرط وجوابه خبر «من» ، والمعنى : فله عقوبتان.

(وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَما يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيماً (١١٣))

الاعراب :

(وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ) الواو عاطفة أو استئنافية إتماما لقصة بني ظفر الذين حاولوا إضلال النبي ، ولكن الله عصمه. والواقع أن الخطاب عام ، يتناول الناس جميعا في مختلف ظروف الزمان والمكان.

ولو لا حرف امتناع لوجود متضمن معنى الشرط ، وفضل الله مبتدأ محذوف الخبر ، وعليك متعلقان بفضل ورحمته عطف على فضل (لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ) اللام واقعة في جواب لو لا ، وجملة همت طائفة لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم ، وقد يرد على ذلك انتفاء الهمّ ، لأن لو لا لا تقتضي انتفاء جوابها لوجود شرطها ، ولكن المنفي في الحقيقة أثر الهمّ ، وسيرد هذا كله في مكانه من هذا الكتاب ، وأن يضلوك مصدر مؤول منصوب بنزع الخافض ، والجار والمجرور متعلقان بهمت ، أي همّت بإضلالك (وَما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ) الواو

٣١٨

حالية وما نافية ، ويضلون فعل مضارع علامة رفعه ثبوت النون ، وإلا أداة حصر ، وأنفسهم مفعول يضلون ، والجملة في محل نصب على الحال (وَما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ) الواو عاطفة وما نافية ويضرونك فعل مضارع وفاعل ومفعول به ، وهو معطوف على يضلون ، ومن حرف جر زائد وشيء مجرور لفظا منصوب على المفعولية المطلقة محلّا ، أي :شيئا من الضرر (وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ) الواو استئنافية والجملة مستأنفة فيها معنى العلة لما تقدم ، والكتاب مفعول به ، والحكمة عطف على الكتاب (وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ) عطف على ما تقدم ، وما اسم موصول مفعول علمك الثاني ، وجملة لم تكن صلة وجملة تعمل خبر تكن (وَكانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيماً) عطف أيضا ، وكان فعل ماض ناقص وفضل الله اسمها ، وعظيما خبرها ، وعليك جار ومجرور متعلقان بفضل.

(لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (١١٤))

اللغة :

(نَجْواهُمْ) : النجوى في الأصل مصدر ، وهو التناجي في السر ، وقد يطلق على الأشخاص مجازا ، قال تعالى : «وإذ هم نجوى» ، ولا تكون النجوى إلا بين اثنين فصاعدا.

٣١٩

الاعراب :

(لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ) كلام مستأنف مسوق لإتمام قصة بني ظفر. وهي عامة في حق الناس جميعا. ولا نافية للجنس وخير اسمها المبني على الفتح ، وفي كثير جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبرها ، ومن نجواهم متعلقان بمحذوف صفة لكثير (إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ) إلا أداة حصر ، ومن اسم موصول بدل من «كثير» أو من «نجوى» ، فالاستثناء على هذا متصل على حذف مضاف ، وقيل : هي نصب على الاستثناء المنقطع ، لأن «من» للاشخاص ، وليس التناجي من جنسها ، ويكون المعنى : لكن من أمر بصدقة ففي نجواه خير كثير. وبصدقة جار ومجرور متعلقان بأمر ، وما بعدها معطوف عليها ، وبين الناس ظرف مكان متعلق بإصلاح (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ) الواو استئنافية ومن اسم شرط جازم في محل رفع مبتدأ ، ويفعل فعل الشرط ، وذلك مفعول به وابتغاء مرضاة الله مفعول لأجله (فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) الفاء رابطه للجواب وسوف حرف استقبال ونؤتيه فعل مضارع ومفعول به أول. وأجرا مفعول به ثان ، والفاعل مستتر تقديره «نحن». وعظيما صفة ، والجملة المقترنة بالفاء في محل جزم جواب الشرط ، وفعل الشرط وجوابه خبر «من».

(وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً (١١٥))

٣٢٠