إعراب القرآن الكريم وبيانه - ج ٢

محيي الدين الدرويش

إعراب القرآن الكريم وبيانه - ج ٢

المؤلف:

محيي الدين الدرويش


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: اليمامة للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٥٤٤

بمحذوف خبر مقدم وفيها جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال وأزواج مبتدأ مؤخر ومطهرة صفة ، أي أن هذه الأزواج مطهرة من الاقذار المعروفة في الدنيا كالحيض وغيره. والجملة الاسمية صفة ثانية لجنات.

(وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلاً) الجملة معطوفة ، وظلا مفعول به ثان على السعة والمفعول الاول الهاء ، وظليلا صفة.

البلاغة :

في عطف «الذين آمنوا» على «الذين كفروا» لف ونشر مشوّش ، وقد سبقت الاشارة إليه مع ما في الكلام من مقابلة وتنظير.

(إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللهَ كانَ سَمِيعاً بَصِيراً (٥٨))

الاعراب :

(إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها) كلام مستأنف مسوق لتقرير الأمانات بعد أن تقدم إخلال اليهود بها ونقضهم إياها.

وإن واسمها ، وجملة يأمركم خبرها وأن وما في حيزها مصدر مؤول منصوب بنزع الخافض أي : بأن تؤدوا ، والجار والمجرور متعلقان بيأمركم أو مفعول به ثان ليأمركم والأمانات مفعول به لتؤدوا وعلامة نصبه الكسرة لأنه جمع مؤنث سالم والى أهلها جار ومجرور متعلقان

٢٤١

بتؤدوا (وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) الواو عاطفة وإذا ظرف مستقبل متضمن معنى الشرط متعلق بمحذوف ، لأن ما بعد أن المصدرية لا يعمل فيما قبلها ، والتقدير يأمركم ، وجملة حكمتم في محل جر بالاضافة وبين الناس ظرف متعلق بحكمتم وأن تحكموا مصدر مؤول معطوف على أن تؤدوا ، فيكون قد فصل بين حرف العطف والمعطوف بالظرف ، وبالعدل متعلقان بتحكموا ولك أن تعلقها بمحذوف حال من فاعل تحكموا أن متلبسين بالعدل (إِنَّ اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ) الجملة مستأنفة مسوقة لتعليل الأمر. ونعما أصلها : نعم وما ، ونعم فعل ماض جامد لإنشاء المدح وما نكرة تامة منصوبة على التمييز والفاعل مستتر مميز بنكرة أو «ما» موصولة فهي فاعل نعم وجملة يعظكم به صفة للمخصوص بالمدح وهو محذوف ، والتقدير :نعم الشيء شيئا يعظكم به ، وحذف الموصوف على حد قوله : «من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه» ، والمعنى : قوم يحرفون الكلم ، وقد تقدم هذا قريبا ، فجدد به عهدا. وبه متعلقان بيعظكم وجملة نعما خبر إن (إِنَّ اللهَ كانَ سَمِيعاً بَصِيراً) إن واسمها ، وجملة كان خبرها وسميعا خبر كان الاول وبصيرا خبره الثاني.

الفوائد :

الأمانة اسم شامل يشمل جميع الحقوق سواء أكانت لله أم للآدمي ، وتفصيلاتها مدونة في المطولات. وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أدّ الأمانة الى من ائتمنك ، ولا تخن من خانك.

وروى البغوي بسنده عن أنس قال : ما خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا قال : «لا إيمان لمن لا أمانة له ، ولا دين لمن لا عهد له».

٢٤٢

٢ ـ نعمّا : بكسر النون اتباعا لكسر العين.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (٥٩))

الاعراب :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) كلام مستأنف مسوق لجميع الناس ، للأمر بطاعة الولاة وقد تقدم إعراب النداء كثيرا. وأطيعوا الله فعل أمر وفاعل ومفعول به وأطيعوا الرسول عطف على : أطيعوا الله ، وأولي الأمر عطف أيضا.

وأولي منصوب وعلامة نصبه الياء لأنه ملحق بجمع المذكر السالم ومنكم متعلقان بمحذوف حال (فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ) الفاء استئنافية وإن شرطية وتنازعتم فعل ماض في محل جزم فعل الشرط وفي شيء متعلقان بتنازعتم فردوه : الفاء رابطة لجواب الشرط وردوه فعل أمر وفاعل ومفعول به والى الله متعلقان بردوه والرسول عطف على الله والجملة المقترنة بالفاء في محل جزم جواب الشرط (إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) إن شرطية وكنتم كان الناقصة واسمها ، والفعل الماضي في محل جزم فعل الشرط ، وجملة تؤمنون في محل نصب خبر كنتم وبالله متعلقان بتؤمنون واليوم عطف على الله والآخر

٢٤٣

صفة والجملة الشرطية مستأنفة وجواب الشرط محذوف أي فردوه (ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) الجملة مستأنفة واسم الاشارة مبتدأ وخير خبر وأحسن عطف على خير وتأويلا تمييز والاشارة للردّ.

الفوائد :

في هذه الآية إلماع الى الأدلة الفقهية الأربعة فقوله : «أطيعوا الله» إشارة الى الكتاب ، وقوله : «وأطيعوا الرسول» اشارة الى السنة ، وقوله : «وأولي الأمر» إشارة الى الإجماع ، وقوله : «فإن تنازعتم» إشارة الى القياس.

(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً (٦٠))

الاعراب :

(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ) كلام مستأنف مسوق لبيان مكان التعجب من حال هؤلاء الذين ادعوا لأنفسهم أنهم قد جمعوا بين الإيمان بما أنزل على رسول الله ، وهو القرآن ، وما أنزل على من قبله من الأنبياء ، فجاءوا بما يناقض هذه

٢٤٤

الدعوى ، ويطيح بها من أساسها ، وهو إرادتهم التحاكم الى الطاغوت ، فجمعوا بين النقيضين ، وألّفوا بين الضّدّين. والهمزة للاستفهام التعجبي. ولم حرف نفي وقلب وجزم وتر فعل مضارع مجزوم بلم وعلامة جزمه حذف حرف العلة والفاعل ضمير مستتر تقديره أنت والمخاطب هو رسول الله صلى الله عليه وسلم والى الذين متعلقان بتر ، وقد علق فععل الرؤية إن كانت قلبية وجملة يزعمون صلة الموصول وأنهم : أن واسمها ، وجملة آمنوا خبرها وقد سدّت أن واسمها مسدّ مفعولي يزعمون وبما جار ومجرور متعلقان بآمنوا وأنزل فعل ماض مبني للمجهول والجملة صلة وإليك متعلقان بأنزل (وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ) الواو عاطفة وما عطف على ما الأولى وجملة أنزل صلة ومن قبلك متعلقان بأنزل أو بمحذوف حال (يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ) جملة يريدون حالية وأن وما في حيزها مصدر مؤول مفعول به ليريدون والى الطاغوت متعلقان بيتحاكموا (وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ) الواو حالية وقد حرف تحقيق وأمروا فعل ماض مبني للمجهول والواو نائب فاعل وأن يكفروا مصدر مؤول منصوب بنزع الخافض وبه متعلقان بيكفروا (وَيُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً) الواو عاطفة ويريد الشيطان عطف على يريدون وأن يضلهم مصدر مؤول مفعول يريد وضلالا مفعول مطلق وبعيدا صفة.

(وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً (٦١) فَكَيْفَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جاؤُكَ يَحْلِفُونَ بِاللهِ إِنْ أَرَدْنا إِلاَّ

٢٤٥

إِحْساناً وَتَوْفِيقاً (٦٢) أُولئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللهُ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً (٦٣))

الاعراب :

(وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ) كلام مستأنف مسوق لتكملة مادة التعجب من حالهم. والواو استئنافية وإذا ظرف مستقبل متضمن معنى الشرط متعلق بالجواب وهو رأيت وجملة قيل في محل جر بالإضافة ولهم متعلقان بقيل وجملة تعالوا مقول القول والى ما أنزل الله متعلقان بتعالوا وجملة أنزل الله صلة الموصول والى الرسول عطف على قوله : الى ما أنزل الله (رَأَيْتَ الْمُنافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً) رأيت فعل وفاعل والجملة لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم والمنافقين مفعول به وجملة يصدون حالية إن كانت الرؤية بصرية أو مفعول به ثان إن كانت الرؤية قلبية وعنك متعلقان بيصدون وصدودا مفعول مطلق (فَكَيْفَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ) الفاء استئنافية وكيف اسم استفهام مبني على الفتح في محل نصب حال أي فكيف يصنعون؟ أو فكيف تراهم؟ ويجوز أن تكون خبرا لمبتدأ محذوف أي : فكيف صنعهم أو حالهم؟ وإذا ظرف مستقبل متضمن معنى الشرط متعلق بالجواب المحذوف وجملة أصابتهم في محل جر بالاضافة ومصيبة فاعل وبما متعلقان بأصابتهم ويجوز في ما أن تكون مصدرية ، أو موصولية وجملة قدمت أيديهم لا محل لها ، وأيديهم فاعل (ثُمَّ جاؤُكَ يَحْلِفُونَ بِاللهِ إِنْ أَرَدْنا إِلَّا إِحْساناً وَتَوْفِيقاً) ثم جاءوك

٢٤٦

عطف على أصابتهم ولا أرى مساغا لصنع بعضهم في عطفها على جملة يصدون كما يرى البيضاوي وجملة يحلفون بالله حالية وإن نافية وأردنا فعل وفاعل وإلا أداة حصر وإحسانا مفعول به وتوفيقا عطف على إحسانا (أُولئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللهُ ما فِي قُلُوبِهِمْ) الجملة مستأنفة مسوقة لزيادة التنبيه على نفاقهم. وأولئك مبتدأ والذين خبر اسم الاشارة وجملة يعلم الله صلة الموصول وما اسم موصول مفعول به وفي قلوبهم متعلقان بمحذوف صلة الموصول (فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً) الفاء الفصيحة وهي التي أفصحت عن شرط مقدر أي :إذا كانت حالهم كذلك فأعرض عنهم ولا تقبل لهم عذرا ، وأعرض فعل أمر وفاعله أنت وعنهم جار ومجرور متعلقان بأعرض والجملة لا محل لها لأنها جواب شرط محذوف غير جازم وعظهم عطف على أعرض وقل لهم : عطف على أعرض ولهم متعلقان بقل ، وفي أنفسهم في متعلق هذا الجار والمجرور ثلاثة أوجه متساوية في الصحة والجودة :

١ ـ إنهما متعلقان ببليغا لأن أمره بتهديدهم بلغ صميم قلوبهم.

وسياق التهديد في قوله : فكيف إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم ، «ثم جاءوك» يشهد له.

٢ ـ أنهما متعلقان بقل ، ومعناه : قل لهم في معنى أنفسهم الخبيثة وقلوبهم المنطوية على الشرّ قولا بليغا. ويلائمه من السياق قوله : «أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم» من دواخل الغي ونوازع الضلال.

٣ ـ إنهما متعلقان بمحذوف حال أي حالة كون المقول سرا لا يتجاوز نفوسهم ولا يتعدّاها ، وتشهد له سيرة النبي صلى الله عليه

٢٤٧

وسلم ، ويتلاءم مع حرص النبي على الستر والملاينة ، رجاء أن يثوبوا الى الرشد ويخلدوا الى الصواب. وقولا مفعول مطلق بليغا صفة أو حال كونا خاليا بهم. والنصيحة في السر أنفع منها في العلانية.

(وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِيماً (٦٤))

الاعراب :

(وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ) الواو استئنافية وما نافية وأرسلنا فعل وفاعل ومن حرف جر زائد ورسول مجرور لفظا منصوب محلا على أنه مفعول أرسلنا (إِلَّا لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللهِ) إلا أداة حصر واللام للتعليل ويطاع فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام والجار والمجرور استثناء مفرغ من أعم العلل أي : وما أرسلنا من رسول لشيء من الأشياء إلا للطاعة ، فهو مفعول لأجله ولكنه لم يستوف شروط النصب.

وبإذن الله يجوز في هذا الجار والمجرور أن يتعلق بمحذوف حال ، وقيل : بأرسلنا ، وقيل بيطاع. والأوجه الثلاثة متساوية الرجحان (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ) الواو استئنافية ولو شرطية وأن واسمها وما في حيزها مصدر مؤوّل فاعل لفعل محذوف ، أي لو ثبت مجيئهم وإذ ظرف لما مضى من الزمن متعلق بجاءوك وجملة ظلموا أنفسهم في محل جر بالإضافة وجملة جاءوك في محل رفع خبر أن (فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ

٢٤٨

لَهُمُ الرَّسُولُ) الفاء عاطفة وجملة استغفروا معطوفة على جاءوك ولفظ الجلالة مفعول به واستغفر لهم الرسول عطف على ما تقدم (لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِيماً) اللام واقعة في جواب لو ووجدوا الله فعل وفاعل ومفعول به أول والجملة لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم وتوابا مفعول به ثان ورحيما صفة لتوابا أو بدل منه.

البلاغة :

في الآية التفات بقوله : «واستغفر لهم الرسول» وسياق الكلام يقتضي أن يقول : واستغفرت لهم ، ولكنه عدل عن ذلك للتنويه بالرسول ، وليدل عليه دلالة مؤثّرة في قلوبهم ، ولاشتماله على ذكر صفة مناسبة ، وهي الاستغفار لمن تعاظمت ذنوبهم وتعدّدت آثامهم.

(فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً (٦٥))

اللغة :

(شَجَرَ) اختلط مختلفا متداخلا متشابكا ، ومنه سمي الشجر لتداخل أغصانه وتشابكها ، قال طرفة بن العبد :

وهم الحكّام أرباب الهدى

وسعاة الناس في الأمر الشّجر

أي المختلف المتشابك. ومنه : تشاجر الرماح أي اختلافها.

٢٤٩

الاعراب :

(فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ) الفاء استئنافية ولا مزيدة لتأكيد القسم والواو حرف قسم وجر والجار والمجرور متعلقان بمحذوف تقديره أقسم ، ولا يؤمنون : لا نافية ويؤمنون فعل مضارع مرفوع والواو فاعل وجملة لا يؤمنون لا محل لها لأنها جواب القسم (حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ) حتى حرف غاية وجر ويحكموك فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد حتى والواو فاعل والكاف مفعول به والجار والمجرور متعلقان بيؤمنون وفيما جار ومجرور متعلقان بيحكّموك وجملة شجر صلة الموصول وبينهم ظرف مكان متعلق بشجر (ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ) ثم حرف عطف للتراخي ولا نافية ويجدوا عطف على يحكموك وفي أنفسهم جار ومجرور متعلقان بيجدوا فهو بمثابة المفعول الثاني وحرجا مفعول به أول ليجدوا ومما متعلقان بمحذوف صفة لحرجا وجملة قضيت صلة الموصول (وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) عطف على يجدوا وتسليما مفعول مطلق.

البلاغة :

في هذه الآية مبالغات عديدة ، بلغت أسمى مراتب البيان. والغاية منها زيادة الوعيد والتهديد مما ترتعد له الفرائص وترتجف منه الأفئدة. وسنلمع إليها بالتفصيل :

١ ـ فقد أقسم سبحانه أولا بنفسه مؤكدا لهذا القسم بحرف النفي بأنهم لا يؤمنون. والإيمان رأس مال الصالحين من عباد الله حتى تحصل لهم غاية من أشرف الغايات وهي اللجوء الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتحكيمه فيما نشب بينهم من خلاف.

٢٥٠

٢ ـ ثم لم يكتف سبحانه بذلك حتى قال : «ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت» ، فضمّ الى التحكم أمرا آخر وهو عدم وجود أي حرج في صدورهم ، فلا يكون مجرد التحكيم والإذعان كافيا بل لا بد أن يكون نابعا من صدورهم ، صادرا عن رضا واطمئنان وطيب نفس. وهذا أجمل تصوير للعلاقة التي يجب أن تترسخ بين رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين وبين الرئيس والمرءوس ، والثقة التي تتأصل في نفوس الشعب لقائدهم وولي أمرهم ، ما دام موفقا ، سائرا في جوار الاستقامة السليمة.

٣ ـ ثم لم يكتف سبحانه ، بهذا كله ، بل ضمّ إليه قوله :ويسلموا أي يذعنوا إذعانا تاما وينقادوا ظاهرا وباطنا لا انقيادا أعمى ولكنه انقياد الواثق المطمئن الى سلامة موقف رسول الله صلى الله عليه وسلم.

٤ ـ وضمّ الى «يسلموا» المصدر المؤكد فقال : «تسليما» وهكذا لا يثبت الإيمان لعبد حتى يقع منه هذا التحكيم ولا يجد الحرج في صدره بما قضى عليه والتسليم لحكم الله وشرعه تسليما لا يخالطه رد ولا تشوبه شائبة ، فسبحان قائل هذا الكلام! واستمع الى تتمة هذا الفصل في الآية التالية.

الفوائد :

ما ذكرناه في إعراب قوله تعالى : «فلا وربك» هو المختار في رأينا ، ونرى تميما للفائدة أن نورد بعض ما قيل فيه ، فاعلم أنه كثرت زيادة «لا» مع القسم في القرآن الكريم حيث يكون بالفعل مثل : «فلا

٢٥١

أقسم بمواقع النجوم» «لا أقسم بهذا البلد» «لا أقسم بيوم القيامة» وغيرها. والفائدة منها تأكيد تعظيم المقسم به ، ومعلوم أنه لا يقسم بالشيء إلا إعظاما له فكأنه يقول : إن إعظامي لهذه الأشياء بالقسم كلا إعظام ، يعني بذلك أنها بمثابة من التعظيم والفخمية تستأهل أكثر من ذلك ، وتستوجب ما فوقه ، ومن أمثلته في الشعر قوله :

فلا وأبيك ابنة العامر

يّ لا يدعي القوم أني أفرّ

وسيأتي المزيد من بحثه في مواضعه القادمة من هذا الكتاب العجيب ، وهناك أقوال للعلماء في هذا التركيب نثبتها لأنها لا تخلو من وجاهة منها :

١ ـ أن «لا» رد لكلام تقديره : فلا يفعلون ، أو : ليس الأمر كما يزعمون من أنهم آمنوا بما أنزل إليك ، ثم استأنف القسم بقوله :

وربك لا يؤمنون. فعلى هذا يكون الوقف على «لا» تاما ، وقد ارتضاه الطبري ، وناهيك به.

٢ ـ والثاني أن «لا» الأولى قدمت على القسم اهتماما بالنفي ، ثم كررت توكيدا.

٣ ـ والثالث أن «لا» الثانية زائدة ، والقسم معترض بين حرف النفي والمنفي ، وكان التقدير فلا يؤمنون وربك فتكون الوجوه فيها أربعة.

(وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ ما فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ لَكانَ خَيْراً

٢٥٢

لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً (٦٦) وَإِذاً لَآتَيْناهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْراً عَظِيماً (٦٧) وَلَهَدَيْناهُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً (٦٨))

الاعراب :

(وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) كلام مستأنف مسوق لتوبيخ الذين يتقاعسون عن الاستجابة للرسول وطاعته. والواو استئنافية ولو شرطية وأن وما في حيزها فاعل لفعل محذوف أي لو ثبتت كتابتنا ، وقد تقدمت له نظائر ، وأن واسمها ، وجملة كتبنا خبرها وعليهم متعلقان بكتبنا وأن مصدرية واقتلوا فعل أمر والواو فاعل والمصدر المؤوّل مفعول كتبنا ، وقيل : أن مفسرة ، لأن كتبنا فيه معنى القول دون حروفه. وأنفسكم مفعول به (أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ) عطف على اقتلوا أنفسكم ، ومن دياركم متعلقان باخرجوا (ما فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ) الجملة لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم والضمير في «فعلوه» يعود الى أحد الأمرين أو للمكتوب عليهم ، وإلا أداة حصر وقليل بدل من الواو في «فعلوه» لأنه استثناء من كلام تام غير موجب ومنهم متعلقان بمحذوف صفة لقليل ، وقرىء بالنصب على الاستثناء منهم (وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ) عطف على ما تقدم ، وقد تقدم إعراب هذا التركيب قبل قليل. وما اسم موصول مفعول به وجملة يوعظون به صلة الموصول (لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً) اللام واقعة في جواب لو وكان واسمها المستتر ، وخيرا خبرها. وأشد عطف على «خيرا» وتثبيتا تمييز (وَإِذاً لَآتَيْناهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْراً عَظِيماً)

٢٥٣

الواو عاطفة وإذن حرف جواب وجزاء مهمل لأنه وقع بعد أحد العاطفين ، وهما الواو والفاء ، وهو جواب لسؤال مقدّر ، كأنه قيل : وماذا يكون لهم بعد التثبيت؟ فقيل : وإذن لو ثبتوا ولآتيناهم واللام جواب لو المقدرة وآتيناهم فعل وفاعل ومفعول به ومن لدنا جار ومجرور متعلقان بآتيناهم وأجرا مفعول به وعظيما صفة (وَلَهَدَيْناهُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً) عطف أيضا وصراطا مفعول به ثان أو منصوب بنزع الخافض ، وقد تقدمت الاشارة الى ذلك في الفاتحة ، ومستقيما صفة.

الفوائد :

صورة من روائع البطولة العربية الاسلامية :

روى التاريخ أن الزبير بن العوّام وحاطب بن أبي بلتعة اختصما الى رسول الله صلى الله عليه وسلم في شراج كانا يسقيان بها النخل ، وهي مسيل الماء ، فقال : اسق يا زبير ثم أرسل الماء الى جارك ، فغضب حاطب وقال : لأن كان ابن عمتك؟ فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال : اسق يا زبير ثم احبس الماء حتى يرجع الى الجدر واستوف حقك ثم أرسله الى جارك. كان قد أشار على الزبير برأي فيه السعة له ولخصمه ، فلما أحفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم استوعب للزبير حقه في صريح الحكم.

ثم خرجا فمرّا على المقداد فقال له : لمن كان القضاء؟ فقال الأنصاري : قضى لابن عمته ، ولوى شدقه. فاستغل يهودي الموقف فقال : يشهدون أنه رسول الله ثم يتهمونه في قضاء يقضي بينهم! وايم الله لقد أذنبنا ذنبا مرة في حياة موسى فدعانا الى التوبة منه وقال :

٢٥٤

اقتلوا أنفسكم ، ففعلنا فبلغ قتلانا سبعين ألفا حتى رضي عنا. فقال ثابت وابن مسعود وعمار بن ياسر : لو أمرنا محمد أن نقتل نفوسنا لقتلناها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : والذي نفسي بيده إن من أمتي الإيمان أثبت في نفوسهم من الجبال الرواسي.

(وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً (٦٩) ذلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللهِ وَكَفى بِاللهِ عَلِيماً (٧٠))

الاعراب :

(وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ) كلام مستأنف مسوق لبيان فضل طاعة الله ورسوله. ومن شرطية في محل رفع مبتدأ ويطع الله فعل الشرط والرسول عطف على الله (فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ) الفاء رابطة لجواب الشرط وأولئك مبتدأ ومع ظرف مكان متعلق بمحذوف خبر والذين اسم موصول مضاف اليه والجملة المقترنة بالفاء في محل جزم جواب الشرط وجملة أنعم الله عليهم صلة الموصول ومن النبيين جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال وما بعده عطف على النبيّين (وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً) الواو عاطفة وحسن فعل ماض تضمن معنى المدح والتعجب وأولئك اسم اشارة فاعل ورفيقا تمييز أو حال على رأي الأخفش.

والرفيق يستوي فيه الواحد والجمع ومثله الصديق والخليط (ذلِكَ

٢٥٥

الْفَضْلُ مِنَ اللهِ وَكَفى بِاللهِ عَلِيماً) اسم الاشارة مبتدأ والفضل بدل منه ومن الله متعلقان بمحذوف خبر ، ويجوز أن يكون الفضل هو الخبر ومن الله متعلقان بمحذوف حال وجملة الاشارة استئنافية وكفى فعل ماض والباء حرف جر زائد والله فاعل محلا مجرور لفظا وعليما تمييز أو حال ، وقد تقدم إعرابه. وجملة كفى استئنافية.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُباتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً (٧١) وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قالَ قَدْ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيداً (٧٢))

اللغة :

(الحذر) بكسر الحاء وسكون الذال أو بفتحتين : التّيقّظ والاحتراز من الأمر المخوف.

(ثُباتٍ) بضم الثاء : الجماعة من الفرسان ، ويقال ثبوت أيضا ، ووزنها في الأصل فعلة كحطمة ، وإنما حذفت منها لامها وعوض عنها تاء التأنيث المربوطة. وهل هو واو أو ياء قولان ، وفي كتب اللغة الثبات : جمع ثبة وهي الجماعة من الرجال فوق العشرة ، وقيل : فوق الاثنين. والسرية أقلها مائة وغايتها أربعمائة ، ويليها المنسر من أربعمائة الى ثمانمائة ، ويليه الجيش من ثمانمائة الى أربعة آلاف ،

٢٥٦

ويليه الجحفل وهو ما زاد على ذلك. قال زهير يصف جماعة كراما ويمدحهم :

وقد أغدو على ثبة كرام

نشاوى واجدين لما نشاء

لهم راح وراووق ومسك

تعلّ به جلودهم وماء

أمشي بين قتلى قد أصيبت

نفوسهم ولم تقطر دماء

يجرّون البرود وقد تمشّت

حميّا الكأس فيهم والغناء

 (انفروا) أمر من النفر وهو الفزع ، يقال : نفر إليه نفرا من باب ضرب وقعد. وقد قرأ الأعمش : انفروا بضم الفاء في الموضعين.

(يبطئن) بتشديد الطاء زيادة التثاقل والإبطاء والتخلّف عن الجهاد. يقال : بطّأ بالتشديد وأبطأ.

الاعراب :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُباتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً) كلام مستأنف مسوق لتحذير عسكر الرسول صلى الله عليه وسلم من المخاطر التي قد يستهدفون لها إذا لم يأخذوا حذرهم. وقد تقدم اعراب النداء ، وخذوا فعل أمر مبني على حذف النون لأن مضارعه من الافعال الخمسة والواو فاعل وحذركم مفعول به والفاء عاطفة وانفروا عطف على خذوا أي : بادروهم قبل أن يبادروكم ولا تتخاذلوا فتلقوا بأيديكم الى التهلكة. وثبات حال وعلامة نصبه الكسرة لأنه جمع مؤنث سالم أو انفروا عطف على انفروا الاول وجميعا حال (وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ) الواو استئنافية والكلام مستأنف مسوق

٢٥٧

لخطاب المبطئين والمنافقين الذين تثاقلوا وتخلفوا عن الجهاد. وإن حرف مشبه بالفعل ومنكم متعلقان بمحذوف خبر مقدم لمن اللام المزحلقة وفائدتها التأكيد ومن اسم موصول في محل نصب اسمها المؤخر وليبطئن اللام جواب قسم محذوف وتقدير الكلام : وإن منكم لمن أقسم ليبطئن ، والقسم وجوابه صلة الموصول ويبطئن هنا يجوز أن يكون لازما ويجوز أن يكون متعديا والمفعول محذوف أي : ليبطئنّ غيره أي يثبّطه ويبعث في نفسه الجبن والهلع ، وهؤلاء شر من الأعداء ، وفي جعلهم منهم تعميم اقتضاه الظاهر ، والواقع أنهم عدو لكم. ولاحظ أن صلة الموصول نفسها هي جواب القسم ، وكلتاهما لا محل لها من الاعراب (فَإِنْ أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قالَ : قَدْ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيَّ) الفاء استئنافية وإن شرطية وأصابتكم فعل ماض في محل جزم فعل الشرط ومصيبة فاعل وجملة قال في محل جزم جواب الشرط وجملة قد أنعم الله علي في محل نصب مقول القول (إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيداً) إذ ظرف لما مضى من الزمن متعلق بأنعم ولم حرف نفي وقلب وجزم وأكن فعل مضارع ناقص واسمها مستتر تقديره أنا ومعهم ظرف مكان متعلق بمحذوف حال وشهيدا خبر أكن.

البلاغة :

١ ـ الطباق بين ثبات وجميعا. أي انهدوا للعدو وتصدوا له سرايا متعاقبه أو كواكب مجتمعة ، فالتباطؤ ديدن المنافقين.

٢ ـ المجاز المرسل في خذوا حذركم ، والعلاقة هي السببية ، لأن الحذر ـ وإن كان لا يمنع القدر ـ هو الآلة التي يقي بها الإنسان نفسه ، ويعصم روحه.

٢٥٨

٣ ـ الخبر الإنكاري في قوله : «وإن منكم لمن ليبطئنّ».

فقد جاء التأكيد بإن وبلام التأكيد التي يسميها النحاة المزحلقة ونون التوكيد الثقيلة ، وفي استعمال الفعل المضعّف ، وزيادة الحروف زيادة في المعنى. وفي مجموع هذه المؤكدات تخويف رهيب لمن ثبّط نفسه أو ثبّط غيره. وقد نزلت هذه الآيات في المنافق عبد الله بن أبي الذي ثبط المؤمنين في غزوة أحد. وقد تشبث الشعراء بأهداب هذه المعاني فقال أبو تمام في مدح الثبات على الحرب والقتل في الجهاد يرثي محمد ابن حميد الطوسي من قصيدة فريدة :

وقد كان فوت الموت سهلا فردّه

إليه الحفاظ المرّ والخلق الوعر

ونفس تعاف العار حتى كأنما

هو الكفر يوم الرّوع أو دونه الكفر

فأثبت في مستنقع الموت رجله

وقال لها : من تحت أخمصك الحشر

تردى ثياب الموت حمرا فما دجا

لها الليل إلا وهي من سندس خضر

إلى آخر تلك القصيدة الرائعة.

(وَلَئِنْ أَصابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللهِ لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ

٢٥٩

مَوَدَّةٌ يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً (٧٣) فَلْيُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ وَمَنْ يُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (٧٤))

الاعراب :

(وَلَئِنْ أَصابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللهِ) الواو عاطفة على قوله : «فإن أصابتكم مصيبة» وإنما قدمت الشرطية الاولى لأن مضمونها أوفق لمقصدهم ، ولأن أثر نفاقهم أكثر ظهورا ، وأشد تأثيرا. واللام موطئة للقسم وإن شرطية وأصابكم فعل ماض في محل جزم فعل الشرط والكاف مفعول به وفضل فاعل ومن الله جار ومجرور متعلقان بمحذوف صفة (لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ) اللام جواب القسم ويقولنّ فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة والجملة لا محل لها لأنها جواب القسم لتقدمه. وكأن مخففة من الثقيلة وسيأتي حكمها في باب الفوائد ، واسمها ضمير الشأن وجملة لم تكن خبرها ، وجملة كأن وما في حيزها اعتراضية بين القول ومقوله ، واختار أبو البقاء أن تكون حالية ، وتبع في ذلك قول الراغب الذي قال : «وذلك مستقبح ، فانه لا يفصل بين بعض الجملة وبعض ما يتعلق بجملة أخرى» وهذا غريب جدا لأنه يطيح بأقوال النحاة جميعا ، قال الرازي بصدده : «هو اعتراض في غاية الحسن لأن من أحب إنسانا فرح عند فرحه وحزن عند حزنه ، فإذا قلب القضية فذلك إظهار للعداوة» وبينكم ظرف متعلق بمحذوف خبر تكن المقدم وبينهم عطف

٢٦٠