إعراب القرآن الكريم وبيانه - ج ٢

محيي الدين الدرويش

إعراب القرآن الكريم وبيانه - ج ٢

المؤلف:

محيي الدين الدرويش


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: اليمامة للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٥٤٤

وعليم خبر أول وحكيم خبر ثان (وَاللهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ) الواو استئنافية والله مبتدأ وجملة يريد خبر وأن يتوب مصدر مؤول مفعول به وعليكم جار ومجرور متعلقان بيتوب (وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ) عطف على يريد السابقة والذين فاعل وجملة يتبعون صلة الموصول والشهوات مفعول به وعلامة نصبه الكسرة لأنه جمع مؤنث سالم (أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً) أن وما بعدها مصدر مؤول مفعول يريد ، وميلا مفعول مطلق وعظيما صفة (يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ) تأكيد لما سبق لبسط التقرير ، والجملة مستأنفة تقدم اعرابها (وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً) الجملة مستأنفة بمثابة التعليل للتخفيف وخلق فعل ماض مبني للمجهول والإنسان نائب فاعل وضعيفا حال من الإنسان وهي حال مؤكدة ، أي لا يقوى على مغالبة الشهوات ومدافعة النفس الأمّارة بالسوء.

الفوائد :

هذا تركيب شغل المعربين ، وتضاربت فيه أقوال المفسرين ، وقد أوردنا في باب الاعراب ما ارتأيناه وارتآه الزمخشري من قبل ، وهو رأي الكوفيين. ولكن سيبويه والبصريين يرون أن مفعول يريد محذوف وتقديره يريد الله هذا ، أي تحليل ما أحل وتحريم ما حرّم ، وتشريع ما تقدم ذكره ليستقيم معنى التعليل. ولكننا نرى فيه تكلفا لا يتفق مع أسلوب القرآن السمح ، وهناك قولان جديران بالتدوين :

١ ـ قول الفراء :

أما الفرّاء فيرى أن اللام هنا هي لام كي التي تعاقب «أن» قال

٢٠١

العرب تعاقب بين لام كي و «أن» فتأتي باللام التي على معنى «كي» في موضع «أن» في : أردت وأمرت فتقول : أردت أن تفعل وأردت لتفعل ، ومنه قوله تعالى : «يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم» «وأمرت لأعدل بينكم» «وأمرنا لنسلم لرب العالمين» ومنه قوله :

أريد لأنسى ذكرها فكأنما

تمثّل لي ليلى بكل سبيل

٢ ـ قول الزجاج :

وقد حكى الزجاج هذا القول وقال : لو كانت اللام بمعنى «أن» دخلت عليها لام أخرى كما تقول : جئت كي تكرمني ، ثم تقول : جئت لكي تكرمني ، وأنشد :

أردت لكيما يعلم الناس أنها

سراويل قيس والوفود شهود

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً (٢٩) وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْواناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ ناراً وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً (٣٠))

الاعراب :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ) كلام مستأنف مسوق للشروع في بيان بعض المحرمات المتعلقة بالأموال

٢٠٢

والأنفس ، وقد تقدم إعراب النداء كثيرا ، ولا ناهية وتأكلوا فعل مضارع مجزوم بلا والواو فاعل وأموالكم مفعول به وبينكم ظرف متعلق بتأكلوا وبالباطل : جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال والمراد بالباطل هنا ما لم تبحه الشريعة. (إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ) إلا أداة استثناء والمصدر المؤول في موضع نصب على الاستثناء المنقطع ، لأن التجارة ليست من جنس الأموال المأكولة بالباطل ، ولأن الاستثناء وقع على الكون ، والكون معنى لا مادة ، وخص التجارة لأن أسباب الرزق أكثرها متعلق بها. وتجارة خبر تكون واسمها مستتر تقديره :إلا أن تكون التجارة تجارة ، وعن تراض جار ومجرور متعلقان بمحذوف صفة ، أي تجارة صادرة عن تراض ، [والتراضي معروف في كتب الفقه وعند الشافعي تفرقهما عن مجلس العقد متراضيين]. ومنكم جار والمعاملات فهو عند أبي حنيفة رضا المتبايعين وقت الإيجاب والقبول ومجرور متعلقان بمحذوف صفة لتجارة (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) عطف على ما تقدم ، ولا ناهية وتقتلوا مضارع مجزوم بها وأنفسكم مفعول به (إِنَّ اللهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً) الجملة تعليل للمنع لا محل لها وإن واسمها ، وجملة كان واسمها وخبرها خبر إن (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْواناً وَظُلْماً) الواو استئنافية ومن شرطية مبتدأ ويفعل فعل الشرط وذلك اسم إشارة مفعول به ، والإشارة لما تقدم من المنهيات ، وقيل عن قتل الأنفس خاصة. وعدوانا وظلما مصدران في موضع نصب على الحال أو مفعول لأجله (فَسَوْفَ نُصْلِيهِ ناراً) الفاء رابطة لجواب الشرط وسوف حرف استقبال ونصليه فعل مضارع والهاء مفعول به أول ونارا مفعول به ثان والجملة المقترنة بالفاء في محل جزم جواب الشرط وفعل الشرط وجوابه خبر من الشرطية (وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً) الواو استئنافية وكان واسمها ، ويسيرا خبرها وعلى الله متعلقان بيسير أو بمحذوف صفة له.

٢٠٣

(إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً (٣١) وَلا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَسْئَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (٣٢))

الاعراب :

(إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ) كلام مستأنف مسوق للدعوة الى اجتناب الكبائر والتزام الطاعات. وإن شرطية وتجتنبوا فعل الشرط والواو فاعل وكبائر مفعول به وما اسم موصول مضاف اليه وجملة تنهون عنه لا محل لها لأنها صلة وتنهون فعل مضارع مبني للمجهول والواو نائب فاعل وعنه جار ومجرور متعلقان بتنهون (نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ) نكفر جواب الشرط وعنكم جار ومجرور متعلقان بنكفر وسيئاتكم مفعول به (وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً) وندخلكم عطف على نكفر والكاف مفعول به ومدخلا اسم مكان أو مصدر ميمي فهو مفعول به ثان على السعة أو مفعول مطلق وقيل ظرف مكان وليس ببعيد ، وكريما صفة (وَلا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ) كلام مستأنف مسوق للنهي عن التمني لأن فيه تعلق البال بالدنيا ونسيان الآخرة ، والواو استئنافية ولا ناهية وتتمنوا فعل مضارع مجزوم بلا والواو فاعل وما اسم موصول مفعول به وجملة فضل الله

٢٠٤

صلة وبه جار ومجرور متعلقان بفضل وبعضكم مفعول به وعلى بعض متعلقان بفضل أيضا. وفي هذا النهي دعوة الى تجنب الحسد (لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا) الجملة لا محل لها لأنها مستأنفة ، ويجوز أن تكون مفسرة لما ساق النهي لأجله ، وللرجال جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم ونصيب مبتدأ مؤخر ومما جار ومجرور متعلقان بمحذوف صفة لنصيب وجملة اكتسبوا صلة (وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ) عطف على الجملة السابقة (وَسْئَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ) عطف على النهي. واسألوا فعل أمر مبني على حذف النون ولفظ الجلالة مفعول أول والثاني محذوف ، ومن فضله متعلقان بمحذوف صفة للمفعول الثاني المحذوف ، أي : شيئا من فضله (إِنَّ اللهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) إن واسمها ، وجملة كان واسمها وخبرها خبر إن ، والجملة تعليلية لا محل لها وبكل جار ومجرور متعلقان بـ «عليما».

(وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً (٣٣) الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ فَالصَّالِحاتُ قانِتاتٌ حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ بِما حَفِظَ اللهُ وَاللاَّتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيراً (٣٤))

٢٠٥

اللغة :

(النشوز) : أصل النشوز الارتفاع الى الشرور ، ونشوز المرأة :بغضها لزوجها وارتفاع نفسها عليه تكبّرا ، ويقال : علوت نشزا من الأرض ونشزا بسكون الشين وفتحها. ونشز الشيء عن مكانه :

ارتفع ، ونشزت إليّ النفس : جاشت من الفزع ، وامرأة ناشز. ومن غريب أمر النون والشين أنهما لا تقعان فاء وعينا للكلمة إلّا دلتا على هذا المعنى أو ما يقاربه : ارتفاع عن الشيء ومباينة لأصله وعدم انسجام مع حقيقته ، ومنه نشأ الإنسان أي ارتفع وظهر ، وأنشأناهنّ إنشاء ، ومن أين نشأت؟ والجواري المنشآت : السفن الماخرة عباب البحر ، ونشب العظم في الحلق علق وارتفع عليه ، وتراموا بالنّشاب ونشبت الحرب ، ونشج الباكي نشجا وهو ارتفاع البكاء وتردّده في الصدر ، وأنشد الشعر إنشادا حسنا لأن المنشد يرفع صوته ، الى آخر ما اشتملت عليه هذه المادة وهذا من عجائب ما تميزت به لغتنا الشريفة.

الاعراب :

(وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ) الكلام مستأنف مسوق لتتمة أحكام الإرث وقد تكلم المعربون والمفسرون كثيرا عن هذه الآية ، وأطالوا في القول وقلبوا الكلام على شتى وجوهه فلم يصل أحد منهم الى طائل يشفي الغليل ، فهي من الكلام المعجز ، وأقرب ما رأيناه فيها هو ما يلي : الواو استئنافية ولكل جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم والتنوين في كل عوض عن كلمة ، أي :لكل قوم. وجملة جعلنا صفة لقوم ومفعول جعلنا الأول محذوف أي

٢٠٦

جعلناهم وموالي مفعول به ثان ومما جار ومجرور متعلقان بمحذوف صفة للمبتدأ المؤخر المحذوف أي نصيب وجملة ترك صلة الموصول والوالدان فاعل والأقربون عطف عليه. والمعنى ولكل من هؤلاء الذين جعلناهم موالي نصيب من التراث المتروك. وهذا أجود الاوجه من جهة المعنى ، ولكنه كما رأيت يحتاج الى تقديرات كثيرة. ويليه في الجودة أن يكون «لكل» مفعولا مقدما لجعلنا وموالي مفعول به ثان والمضاف «لكل» هو المال أي : جعلنا لكل مال موالي ، ومما ترك صفة ، وفي هذا ما فيه. وسيأتي في باب الفوائد بعض ما قاله الأئمة (وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ) الواو استئنافية والذين اسم موصول مبتدأ وجملة عقدت أيمانكم صلة والفاء رابطة لما في الموصول من رائحة الشرط وجملة آتوهم خبر الذين والهاء مفعول به أول ونصيبهم مفعول به ثان. ويجوز أن تكون الواو عاطفة والذين مرفوع عطف على الوالدان والأقربون ، ويجوز أن يكون الذين منصوبا على الاشتغال أي مفعول به لفعل محذوف نحو : زيدا فاضربه ، ومنهم من أعربه معطوفا على موالي ، واختاره أبو البقاء. وهناك أقوال كثيرة ضربنا عنها صفحا. ومفعول عقدت محذوف أي عقدتهم والنسبة مجازية كما سيأتي في باب البلاغة (إِنَّ اللهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً) إن واسمها ، وجملة كان خبر إن وعلى كل شيء متعلقان بـ «شهيدا» وشهيدا خبر كان الناقصة (الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ) كلام مستأنف مسوق لبيان سبب زيادة استحقاق الرجال الزيادة في الميراث مما يرجع اليه في المظانّ المعروفة ، والرجال مبتدأ وقوامون خبره وعلى النساء جار ومجرور متعلقان بقوامون أي يقومون بتدبير شئونهم وتحصيل معايشهم ليتاح للأم أن تنصرف الى شئون بيتها أو لتمارس الأعمال التي تنسجم مع طبيعتها ، وكل امرئ

٢٠٧

ميسّر لما خلق له ، كما جاء في الحديث. وبما فضل متعلقان بقوامون أيضا والباء سببية جارة وما مصدرية أو موصولية ، والجملة بعدها لا محل لها على التقديرين. والله فاعل وبعضهم مفعول وعلى بعض متعلقان بفضل (وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ) عطف على ما تقدم (فَالصَّالِحاتُ قانِتاتٌ حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ) الفاء استئنافية بمثابة التفريع على ما تقدم ، والصالحات مبتدأ وقانتات خبر أول وحافظات خبر ثان وللغيب متعلقان بحافظات (بِما حَفِظَ اللهُ) الجار والمجرور متعلقان بحافظات وما مصدرية أي بسبب حفظ الله لهن إذ عصمهنّ ووفقهنّ لحفظ غيبة الأزواج ، ويجوز جعل ما موصولة بمعنى الذي والعائد محذوف أي بالذي حفظه الله لهن من مهور أزواجهن والنفقة عليهن والجملة بعد «ما» لا محل لها من الاعراب (وَاللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ) الواو استئنافية واللاتي اسم موصول مبتدأ وجملة تخافون نشوزهن صلة ونشوزهن مفعول به (فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ) الفاء رابطة لما في الموصول من رائحة الشرط وعظوهن فعل أمر وفاعل ومفعول به والجملة خبر الموصول واهجروهن عطف على عظوهن وفي المضاجع متعلقان باهجروهن واضربوهن عطف أيضا (فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً) الفاء استئنافية وإن شرطية وأطعنكم فعل ماض والنون فاعل والكاف مفعول به وهو في محل جزم فعل الشرط والفاء رابطة لجواب الشرط ولا ناهية وتبغوا فعل مضارع مجزوم بلا وعليهن متعلقان بمحذوف حال ، لأنه كان في الأصل صفة لـ «سبيلا» وتقدم عليه وسبيلا مفعول به. ويحتمل أن تكون «تبغوا» من البغي أي الظلم ، والمعنى : فلا تبغوا عليهن ، فيتعلق «عليهن» بمحذوف حال ، وانتصاب «سبيلا» على هذا هو على إسقاط الخافض (إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيراً) إن واسمها وجملة كان عليا كبيرا خبرها.

٢٠٨

البلاغة :

١ ـ المجاز المرسل في قوله : «عقدت أيمانكم» سواء أريد بالإيمان اليد الجارحة أو القسم. والعلاقة هي السببية.

٢ ـ الكناية في قوله «في المضاجع» فقد كنى بذلك عن الجماع.

وقد تقدم البحث مستوفى عن الكناية. وللعرب في الكناية عن الجماع تأثّما عن ذكره أساليب عديدة ، كقوله تعالى : «هن لباس لكم وأنتم لباس لهن» ومن الشعر قول امرئ القيس :

وصرنا الى الحسنى ورقّ كلامنا

ورضت فذلّت صعبة أي إذلال

فرياضة المرأة وإذلالها ورقة كلامها من البهر وفرط الشهوة كناية عن ذلك غاية في الجمال والتعفف. ومن طريف الكنايات المتعلقة بالمضاجع ما يروى عن عمرو بن العاص أنه زوّج ولده عبد الله ، فمكثت المرأة عنده ثلاث ليال لم يدن منها وإنما كان ملتفتا الى صلاته ، فدخل عليها عمرو بعد ثلاث فقال : كيف ترين بعلك؟ فقالت : نعم البعل إلا أنه لم يفتش لنا كنفا ولم يقرب لنا مضجعا. من الكناية التي يعزّ نظيرها.

نموذج بين الإحسان والاساءة :

ومما أسيء استعماله من الكناية عن الجماع قول المتنبي :

إني على شغفي بما في خمرها

لأعفّ عمّا في سراويلاتها

٢٠٩

فقد أراد أن يكنّي عن النزاهة والعفة فوقع بما يعتبر شرا من الفجور ، وهو قوله «عما في سراويلاتها». وقد أخذ الشريف الرضي هذا المعنى فأبرزه في أجمل صورة ، وأعفّ لفظ وأشرفه حيث قال :

أحن إلى ما تضمر الخمر والحلا

وأصدف عما في ضمان المآزر

والشريف وقع في الخطأ :

على أن الشريف الرضي لم يسلم من الخطأ أيضا فقد نظم قصيدة يعزّي بها أبا سعد علي بن محمد بن أبي خلف عن وفاة أخيه وهو :

إن لم تكن نصلا فغمد نصال

غالته أحداث الزمان بغول

وفي هذا من سوء الكناية مالا يخفى ، فإن الوهم يسبق الى ما يقبح ذكره. والواقع أن الشريف الرضي أراد أن يرمق سماء الفرزدق في أبيات ثلاثة قالها وقد ماتت جارية له وهي حبلى وهي :

وجفن سلاح قد رزئت فلم أنح

عليه ولم أبعث إليه البواكيا

وفي جوفه من دارم ذو حفيظة

لو أن المنايا أمهلته لياليا

ولكن رأيت الدهر يعثر بالفتى

ولا يستطيع ردّ ما كان جائيا

وهذا حسن في معناه بديع في صياغته ، فجاء الشريف ، على سموّ ذوقه ورهافة حسه ، وسقط هذه السقطة في أخذ كنايته.

الفوائد :

نرى من المفيد أن نورد وجوها ، منها ما أورده أبو حيان في

٢١٠

تفسيره البحر ، ومن هذه الوجوه أن يكون «لكل» متعلقا بجعلنا ، والضمير في «ترك» عائد على «كل» المضاف لإنسان ، والتقدير :وجعل لكل إنسان إرثا مما ترك ، فيتعلق «مما» بما في معنى «موالي» من معنى الفعل ، أو بمضمر يفسره المعنى ، والتقدير : يرثون مما ترك ، وتكون الجملة قد تمت عند قوله : مما ترك ، ويرتفع «الوالدان» ، كأنه قيل : ومن الوارث؟ فقيل : هم الوالدان والأقربون ، والكلام جملتان. ومن تلك الوجوه أن يكون التقدير : وجعلنا لكل إنسان موالي ، أي ورّاثا ، ثم أضمر فعل أي : يرث الموالي مما ترك الوالدان ، فيكون الفاعل لـ «ترك» «الوالدان» وكأنه لما أبهم في قوله : وجعلنا لكل إنسان موالي ، بيد أن ذلك الإنسان الذي جعل له ورثة هو الوالدان والأقربون ، فأولئك الوراث يرثون مما ترك والداهم وأقربوهم ، ويكون الوالدان والأقربون موروثين ، وعلى هذين الوجهين لا يكون في «جعلنا» مضمر محذوف ، ويكون مفعول «جعلنا» لفظ «موالي» ، والكلام جملتان. ولعل فك الطلاسم أسهل من هذه الوجوه المتداخلة ، فالكلام معجز ، والقواعد جاءت تابعة للغة. فهي مهما امتدت وتوسعت لا تعم ولا تشمل جميع تراكيبها.

رأي وجيه للشوكاني :

وبعد كتابة ما تقدم وقعت على رأي وجيه للشوكاني ، فأحببت أن أختتم به البحث عن هذه الآية العجيبة ، قال : «أي جعلنا لكل إنسان ورثة موالي يلون ميراثه ، «لكل» مفعول ثان قدم على الفعل لتأكيد الشمول ، وهذه الجملة مقررة لمضمون ما قبلها ، أي ليتبع كل أحد ما قسم الله له من الميراث ولا يتمن ما فضل الله له غيره عليه.

٢١١

ولكنها مبتسرة ظاهرة التلفيق ، كأنما ضاق ذرعا بعد ما حام حول الحمى ، ولم يقع فيه ، وكلام الله أوسع من أن تحدّه الحدود ، أو تكتنه مطاويه الأذهان فتأمل ..

(وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُما إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً خَبِيراً (٣٥) وَاعْبُدُوا اللهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَبِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى وَالْجارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالاً فَخُوراً (٣٦))

اللغة :

(الشقاق) : الخلاف. وسمي الخلاف شقاقا لأن المخالف يفعل ما يشقّ على صاحبه ، أو لأن كل واحد منهما قد صار في شق ، أي جانب.

(الْجُنُبِ) بضمتين : البعيد الجوار والأجنبي ويستوي فيه المذكر وللمؤنث والمفرد والمثنى والجمع ، قال :

لا يجتوينا مجاور أبدا

ذو رحم أو مجاور جنب

٢١٢

(الصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ) بفتح الجيم وسكون النون هو الرفيق في أمر حسن كتعلم وتصرف وصناعة وسفر ، فإنه صاحبك ، وهو بجانبك دائما.

(ابْنِ السَّبِيلِ) : المسافر والمنقطع في سفره.

(المختال) : التّيّاه المتكبّر ، وأصل ألفه ياء ، ومنه الخيل لأنها تختال في مشيتها مرحا.

الاعراب :

(وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما) كلام مستأنف مسوق لمخاطبة أولي الأمر بشأن الخلاف بين الزوجين. وإن شرطية وخفتم فعل ماض في محل جزم فعل الشرط وشقاق مفعول به وبينهما مضاف إليه أضيف الشقاق الى الظرف على طريق الاتساع ، وأصله : شقاقا بينهما ، فأضيف على حدّ قوله : «بل مكر الليل والنهار» وأصله : بل مكر في الليل والنهار ، أو على أن جعل البين شاقا ، والليل والنهار ما كرين ، على حدّ قولهم : نهارك صائر والضمير في بينهما للزوجين وإن لم يجر لهما ذكر لجري ذكر ما يدل عليهما وهو الرجال والنساء (فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها) الفاء رابطة لجواب الشرط وابعثوا فعل أمر وفاعل والجملة في محل جزم جواب الشرط وحكما مفعول به ومن أهله جار ومجرور متعلقان بمحذوف صفة ، وحكما من أهلها عطف على ما تقدم (إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُما) الجملة مستأنفة وإن شرطية ويريدا فعل الشرط وعلامة جزمه حذف النون والألف فاعل وإصلاحا مفعول به ويوفق الله جواب الشرط والجملة لا محل لها وبينهما ظرف متعلق

٢١٣

بيوفق (إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً خَبِيراً) ان واسمها ، وجملة كان واسمها وخبريها خبر إن والجملة تعليلية لا محل لها. (وَاعْبُدُوا اللهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً) الواو استئنافية والكلام مستأنف مسوق لبيان حقوق الأبوين والأقارب والجيران وما الى ذلك. واعبدوا فعل أمر والواو فاعله والله مفعوله ولا تشركوا عطف على ما تقدم وبه متعلقان بتشركوا وشيئا مفعول به أي شيئا من الأشياء أو مفعول مطلق أي شيئا من الإشراك (وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) الواو عاطفة وبالوالدين جار ومجرور متعلقان بفعل المصدر المحذوف وإحسانا مفعول مطلق أي أحسنوا بهما إحسانا (وَبِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى وَالْجارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ) كلها معطوفة وبالجنب متعلقان بمحذوف حال (وَابْنِ السَّبِيلِ) عطف أيضا (وَما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) ما اسم موصول معطوف على ما تقدم وجملة ملكت أيمانكم صلة الموصول (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالاً فَخُوراً) إن واسمها ، وجملة لا يحبّ خبرها ومن اسم موصول مفعول به وجملة كان صلة واسم كان مستتر ومختالا خبر كان الاول وفخورا خبرها الثاني.

الفوائد :

لم يأت في الشرع ما يفيد أن الجار هو الذي بينه وبين جاره مقدار معيّن ، ولا ورد في لغة العرب ما يفيد ذلك ، بل المراد بالجار في اللغة المجاور ويطلق على معان : منها الجار والمجرور والذي أجرته من أن يظلم ، والمجير والمستجير والشريك في التجارة ، وزوج المرأة وهي جارته ، وفرج المرأة ، وما قرب من المنازل ، والاست. وروي أن رجلا جاء الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إني نزلت محلة قوم ، وإن أقربهم إليّ جوارا أشدهم لي

٢١٤

أذى ، فبعث النبي أبا بكر وعمر وعليّا يصيحون على أبواب المساجد : ألا إن أربعين دارا جار ، ولا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه.

وقرىء والجار ذا القربى نصبا على الاختصاص تنبيها على عظم حقه.

(الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً (٣٧))

اللغة :

(البخل) معروف. وفيه أربع لغات : فتح الباء والخاء ، وضمهما ، وفتح الباء وسكون الخاء ، وضم الباء وسكون الخاء ، وهي أشهرها ، وبها قرأ جمهور الناس. وقرىء أيضا باللغات الثلاث الآنفة الذكر.

الاعراب :

(الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ) كلام مستأنف مسوق للنهي عن البخل وذمه. والذين مبتدأ خبره محذوف تقديره : جديرون بكل ذم وملامة. ولك أن تعربه خبرا لمبتدأ محذوف أي : هم الذين.

وقيل : هي بدل من «من كان» فتدخل في نطاق ما قبلها وقيل في محل نصب على الذم فهو مفعول به لفعل محذوف تقديره : أذم وجملة يبخلون صلة الموصول ويأمرون الناس عطف على يبخلون وبالبخل متعلقان بيأمرون. (وَيَكْتُمُونَ ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) الواو عاطفة

٢١٥

ويكتمون عطف على يبخلون والواو فاعله وما مفعوله وجملة آتاهم الله صلة ومن فضله متعلقان بآتاهم (وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً) الواو استئنافية وأعتدنا فعل وفاعل وللكافرين. جار ومجرور متعلقان بأعتدنا وعذابا مفعول به ومهينا صفة.

البلاغة :

في قوله «للكافرين» وضع الظاهر موضع المضمر للتنويه بأن من كان هذا ديدنه فهو كافر بنعمة الله ، ومن كان كافرا بنعمته تعالى فله عذاب يسمه بالميسم الذي يتسم به الكفار. وقد ألمع الى هذا الميسم شعراؤنا ، فقال بشار بن برد :

وللبخيل على أمواله علل

زرق العيون عليها أوجه سود

وللزمخشري نثر جميل في وصف البخل نقتبس منه الفقرات التالية : «ولقد رأينا ممن بلي بداء البخل من إذا طرق سمعه أن أحدا جاد على أحد شخص به وحل حبوته واضطرب ودارت عيناه في رأسه كأنما نهب رحله ، وكسرت خزانته ، ضجرا من ذلك ، وحسرة على وجوده».

(وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطانُ لَهُ قَرِيناً فَساءَ قَرِيناً (٣٨))

اللغة :

(الرئاء) والرياء : الإنفاق للتباهي والتفاخر.

٢١٦

الاعراب :

(وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئاءَ النَّاسِ) الواو عاطفة والذين عطف على الذين السابقة وجملة ينفقون صلة الموصول وأموالهم مفعول به ورئاء الناس حال مؤولة أي مرائين ويجوز أن يعرب مفعولا من أجله ، أي : ليقال : ما أسخاهم! وهو أظهر من الحال ، وقد توفرت فيه شروط النصب (وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ) عطف على ما تقدم وسيأتي سر تكرير لا في باب البلاغة (وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطانُ لَهُ قَرِيناً) الواو استئنافية ومن شرطية مبتدأ ويكن فعل الشرط وله متعلقان بمحذوف حال لأنه كان في الأصل صفة لـ «قرينا» وقرينا خبر يكن (فَساءَ قَرِيناً) الفاء رابطة لجواب الشرط ، لأن ساء هنا فعل ماض جامد لإنشاء الذم والفاعل ضمير مستتر تقديره «هو» وقرينا تمييز مفسر للفاعل ، والمخصوص بالذم محذوف تقديره : «هو» العائد على : «الشيطان».

والجملة المقترنة بالفاء في محل جزم جواب الشرط وفعل الشرط وجوابه خبر «من».

البلاغة :

في تكرير «لا» النافية فن التكرير ، وكذلك الباء للإشعار بأن كلّا منهما منتف على حدته. فاذا قلت : لا أكرم زيدا وعمرا ، كان الكلام محتملا نفي الكرم عن المجموع ، ولا يلزم منه نفي الكرم عن كل واحد منهما ، واحتمل نفيه عنهما معا. فاذا قلت : «ولا عمرا» تعين نفي الكرم عنهما معا.

٢١٧

(وَما ذا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللهُ وَكانَ اللهُ بِهِمْ عَلِيماً (٣٩) إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً (٤٠))

اللغة :

(المثقال) : ما يوزن به ثقيلا كان أو كثيرا. ومثقال الشيء وزنه أو ميزانه ، والجمع مثاقيل. والمثقال عرفا يساوي درهما ونصف درهم ، وربما زاد على ذلك أو نقص شيئا.

الاعراب :

(وَما ذا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) الواو استئنافية وماذا تقدم القول : إن لنا في إعرابها وجهين ، أحدهما : أن تجعل «ما» استفهامية في محل رفع مبتدأ و «ذا» موصولية هنا خاصة خبر «ما» ، وعندئذ يكون «عليهم» متعلقين بمحذوف صلة الموصول. وثانيهما :أن تجعل ماذا كلها اسما للاستفهام مبتدأ وعليهم متعلقان بمحذوف خبر. والمراد بالاستفهام هنا التوبيخ والذّم والإنكار. ولو شرطية وآمنوا فعل الشرط والجواب محذوف والتقدير فماذا يضرهم ذلك؟وهو تركيب متداول تقول للمنتقم : ما ضرّك لو عفوت؟ وللعاق :ما يرزؤك لو كنت بارا بوالديك؟ وقد علم أنه لا مضرّة ولا مرزأة

٢١٨

في العفو والبر ، ولكنه لمحض التوبيخ والذّم. ويجوز أن تكون «لو» مصدرية والمصدر المؤول من «لو» والفعل منصوب بنزع الخافض أي : وماذا عليهم في إيمانهم. وبالله متعلقان بآمنوا واليوم عطف على لفظ الجلالة والآخر صفة (وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللهُ) عطف على آمنوا ومما متعلقان بأنفقوا وجملة رزقهم الله صلة الموصول (وَكانَ اللهُ بِهِمْ عَلِيماً) الواو استئنافية وكان واسمها وبهم جار ومجرور متعلقان بعليما وعليما خبر كان (إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ) كلام مستأنف مسوق ليكون توطئة لذكر الجزاء على الحسنات والسيئات. وان واسمها ، وجملة لا يظلم خبرها ومثقال ذرة صفة لمصدر محذوف أي : ظلما مثقال ذرة.

وقيل : ضمن «يظلم» معنى فعل يتعدى لاثنين ، فانتصب «مثقال» على أنه مفعول به ثان ، والثاني محذوف ، والتقدير : لا ينقص أو لا يبخس أحدا مثقال ذرة. والأول أسهل وأقل تكلفا (وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها) الواو عاطفة وإن شرطية وتك فعل الشرط وعلامة جزمه السكون المقدر على النون المحذوفة من مضارع كان المجزوم للتخفيف ، وقد تقدم بحثه. واسم تك يعود الى المثقال ، وأنثه لأنه أضيف الى ذرة وقد تقدم بحثه. وحسنة خبر «تك» ويضاعفها جواب الشرط والهاء مفعول به (وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً) ويؤت عطف على يضاعفها ومن لدنه جار ومجرور متعلقان بيؤت أو بمحذوف حال لتقدمه على الموصوف وأجرا مفعول به وعظيما صفة.

(فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً (٤١) يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثاً (٤٢))

٢١٩

الاعراب :

(فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ) الفاء استئنافية وكيف اسم استفهام ، وهي في مثل هذا التركيب تحتمل وجهين لا ثالث لهما ، وهما أن تكون خبرا لمبتدأ محذوف ، أي : كيف حالهم؟ وثانيهما أن تكون حالا من محذوف ، أي : كيف يصنعون؟ وإذا ظرف زمان متعلق بهذا المحذوف وجملة جئنا في محل جر بالإضافة ومن كل متعلقان بمحذوف حال لأنه كان في الأصل صفة لشهيد وتقدمت عليه ، وبشهيد متعلقان بجئنا. وهناك وجه ثالث حكاه ابن عطية عن مكّيّ ، وهو أن «كيف» معمولة لجئنا ، (وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً) الواو عاطفة وجئنا فعل وفاعل وهما عطف على جئنا الاولى ولك جار ومجرور متعلقان بجئنا وعلى هؤلاء متعلقان بـ «شهيدا» وشهيدا حال (يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا) الظرف متعلق بيودّ وإذ ظرف مضاف الى الظرف والظرف والتنوين عوض جملة ، والتقدير : يوم إذ جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا يود الذين كفروا. وجملة يود مستأنفة وجملة كفروا صلة (وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ) الواو عاطفة وعصوا الرسول عطف على كفروا ولو مصدرية بعد فعل الودادة مؤولة مع ما بعدها بمصدر مفعول به ليود ، أي يتمنون تسوية الأرض بهم بحيث يدفنون فيها ، والأرض نائب فاعل لتسوى (وَلا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثاً) عطف على «يود» ويجوز أن تكون للاستئناف ويكتمون فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه ثبوت النون والله منصوب بنزع الخافض وحديثا مفعول به ، أي : لا يكتمون عن الله حديثا. وأجاز قوم أن يكون لفظ الجلالة مفعولا به ليكتمون ، لأنه في رأيهم يتعدى لاثنين.

٢٢٠