دروس تمهيديّة في القواعد الفقهيّة - ج ٢

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

دروس تمهيديّة في القواعد الفقهيّة - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الفقه للطباعة والنشر
الطبعة: ٥
ISBN: 964-499-039-0
ISBN الدورة:
964-91559-2-9

الصفحات: ٢٠٧
الجزء ١ الجزء ٢

جبّة فراء لا يدري أذكية هي أم غير ذكية أيصلّي فيها؟ فقال : نعم ليس عليكم المسألة ، ان أبا جعفر عليه‌السلام كان يقول : ان الخوارج ضيّقوا على أنفسهم بجهالتهم ، ان الدين أوسع من ذلك» (١).

وهي تدل على ذم السؤال والفحص حذرا من ايقاع المؤمن نفسه في المشقة. وهي صحيحة السند أيضا لأن الشيخ يرويها بسنده الصحيح إلى ابن محبوب عن أحمد بن محمد (٢) عن البزنطي. والكل ثقات.

واذا قيل : ان الرواية مضمرة ولعل المسؤول ليس هو الامام عليه‌السلام.

قلنا : ان البزنطي حيث انّه من أجلّة الأصحاب الذين لا يليق بهم الرواية عن غير الامام عليه‌السلام فيتعيّن أن يكون المسؤول هو الامام عليه‌السلام.

هذا مضافا الى امكان تطبيق البيان العام الذي ذكرناه سابقا لحجية جميع المضمرات(٣).

وهناك روايات اخرى في هذا المجال يمكن ملاحظتها في الباب (٥٠) من أبواب النجاسات في كتاب وسائل الشيعة.

٣ ـ يد المسلم‌

اللحم تارة نأخذه من سوق المسلمين ، وهذا كما عرفنا محكوم بالتذكية ، واخرى نأخذه من يد شخص مسلم بهدية أو شراء من دون أن يمرّ ذلك الأخذ بسوق المسلمين ، كما لو أخذناه‌

__________________

(١) وسائل الشيعة باب ٥٠ من أبواب النجاسات حديث ٣.

(٢) أي أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري الثقة الجليل.

(٣) راجع الجزء الأوّل : ٤٢.

٨١

منه في البلاد الكافرة.

وهل يد المسلم كسوق المسلمين امارة على التذكية؟

اننا لو رجعنا الى الروايات نجدها تعبّر بكلمة السوق إلاّ انّه بالرغم من ذلك يمكن الحكم بالايجاب باعتبار ان الامارية التي ثبتت لسوق المسلمين لا نحتمل اعتبارها له بما هو بناء خاص يشتمل على محلات معدودة وانما اعتبرت له من جهة كونه المحل الذي يضم المسلمين والكاشف عن كون اليد المأخوذ منها يدا مسلمة.

اذن الامارة على التذكية ـ في ضوء هذا ـ هي يد المسلم دون السوق نفسها وانما السوق امارة على الامارة.

٤ ـ السوق امارة‌

من يقرأ الروايات السابقة يفهم منها بوضوح ان السوق ليس امارة تعبدا ولا لنكتة عقلائية بل هو امارة لنكتة عقلائية وهي كاشفيته عن كون البائع مسلما ، وكاشفية يده عن كونها تطبق الشرائط الشرعية للتذكية بدقة وبالكامل.

وكلتا الكاشفتين تستند الى نكتة الغلبة ، فانّه لما كان الغالب في السوق تواجد المسلمين فيه فوجود المحل في السوق يكشف عن كون صاحبه مسلما ، ولما كان الغالب على المسلمين التحفّظ على الشروط الشرعية للتذكية فالأخذ من اليد المحكوم بإسلامها يكشف عن تحقق الشروط.

اذن السوق يكشف عن كون اليد المأخوذ منها يدا مسلمة لأجل الغلبة ، والأخذ من اليد المسلمة يكشف عن تحقّق الشروط الشرعية‌

٨٢

لأجل الغلبة أيضا.

ويتفرّع على كون حجية السوق من الناحية المذكورة وليس لنكتة تعبدية الامور التالية:

أ ـ ان السوق لا يكون امارة على التذكية إلاّ إذا كان الطابع العام على أصحاب السوق الإسلام بحيث كان الكل أو الأغلب من المسلمين.

اما إذا كان الكل أو الأغلب من غير المسلمين فلا يكون امارة.

والوجه في ذلك واضح ـ بالرغم من اطلاق كلمة السوق في صحيحة البزنطي ـ فان السوق بما هو سوق وبقطع النظر عن كونه سوق المسلمين لا يحتمل اماريته على التذكية.

وبقطع النظر عن ذلك يمكن أن نستفيد اعتبار غلبة المسلمين من خلال التصريح بالتقييد المذكور في الرواية الاولى والثانية.

ب ـ ويترتب على ذلك أيضا ان السوق الإسلامي إذا كان يستورد بعض الأحزمة والأحذية المصنوعة من جلود الحيوانات من بعض الدول الكافرة مع الجزم بعدم مبالاة المسلم المستورد بقضية التذكية بل تمام همّه تحصيل الأرباح لا غير فلا يجوز شراؤها استنادا إلى امارية السوق لأنّ السوق لا امارية له بعد ضعف المبالاة بتعاليم الإسلام أو انعدامها.

ج ـ ويترتب على ذلك أيضا ان السوق الاسلامي لو كنّا نجزم باشتمال بعض المحلاّت فيه على لحوم غير مذكاة وليس بامكاننا تشخيص ذلك المحل عن غيره فلا بدّ من هجر الشراء من تلك المحلات لسقوط السوق عن الامارية بعد العلم باشتماله على غير المذكى فان السوق امارة عند الشك في التذكية لا عند الجزم بعدمها.

٨٣

وبتسليم سقوط السوق عن الامارية فيما يجزم بعدم تذكيته نقول : ان بقاء السوق على الحجية والامارية بلحاظ جميع المحلات باطل للعلم بسقوطه عن الحجية بلحاظ بعضها وهو ما يجزم باشتماله على غير المذكى ، وبقاؤه على الامارية بلحاظ بعض دون آخر ترجيح بلا مرجح فيلزم سقوطه عن الاعتبار بلحاظ أي فرد من المحلات.

هذا ما تقتضيه القاعدة.

بيد انّه قد يستفاد من موثقة إسحاق بن عمار المتقدّمة كفاية غلبة المسلمين في الحكم بالحلية إذ ورد فيها : «لا بأس بالصلاة في الفراء اليماني وفيما صنع في أرض الإسلام. قلت: فان كان فيها غير أهل الإسلام؟ قال : إذا كان الغالب عليها المسلمين فلا بأس».

د ـ ويترتب على ذلك أيضا ان يد المسلم انّما تكون امارة على التذكية فيما لو كان يتعامل مع ما هو تحت يده التعامل الخاص بالمذكى كعرض الجلود للبيع أو لبسها في الصلاة أو مسّها برطوبة وما شاكل ذلك ، اما إذا لم يكن له هذا التعامل ، كما إذا احتمل ان احتفاظه باللحم لأجل الالقاء في المزبلة أو الاحراق فلا تكون يده حجّة لفقدان الامارية في مثل الحالة المذكورة.

٥ ـ تحليل نكتة امارية السوق‌

من الواضح ان سوق المسلمين بما هو سوق المسلمين وبقطع النظر عن ضم نكتة اخرى لا عبرة به.

وبكلمة اخرى : لا نحتمل ان حجية سوق المسلمين قضية تعبدية بشكل بحت وإلاّ يلزم ان اللحم المشكوك تذكيته إذا كان بيد الكافر فهو‌

٨٤

محرم ولكن بمجرّد أن يدفعه الكافر الى المسلم ـ غير المبالي بتعاليم الشريعة الاسلامية ـ يصير حلالا ، فعملية النقل من هذه اليد إلى تلك توجب الحلية بالرغم من الجزم بعدم تحقيق اليد الثانية المسلمة عن قضية التذكية.

وعلى هذا الأساس لا بدّ من وجود نكتة عقلائية على أساسها تثبت الحجية لسوق المسلمين. وفي تلك النكتة العقلائية احتمالات ثلاثة :

أ ـ ان يكون ذلك لما أشرنا إليه سابقا من ان تواجد المسلمين في السوق لما كان هو الطابع العام كان ذلك كاشفا عن كون يد البائع يدا مسلمة ، واليد المسلمة بدورها ولأجل الغلبة تكشف عن تحقق شروط التذكية.

والسوق على هذا الأساس يكون امارة على الامارة.

ب ـ ان يكون السوق كاشفا ابتداء عن تذكية الحيوان ـ بلا توسط الكاشفية عن اليد المسلمة ـ باعتبار ان الغالب فيما يتداول في سوق المسلمين كونه مذبوحا على الطريقة الاسلامية.

والثمرة بين هاتين النكتتين تظهر فيما لو كان صاحب أحد المحلات في سوق المسلمين كافرا ، فانه على النكتة الاولى لا يمكن الحكم بتذكية اللحم المشترى منه لأنّ السوق امارة على اسلام الذابح حالة الشك في كونه مسلما والمفروض الجزم بكفره بينما على النكتة الثانية يمكن الحكم بالتذكية لأنّ السوق بحكم غلبة تواجد المذكى فيه يكشف عن تذكية اللحم المشكوك الموجود فيه حتى ولو كان بيد الكافر.

٨٥

ج ـ أن يكون السوق كاشفا عن مرور مشكوك التذكية بيد المسلم من خلال البيع ونحوه ، والانتقال إلى يد الكافر ـ ان كان ـ قد تم من خلال المرور باليد المسلمة لأن الكافر ما دام أحد الأفراد في السوق المسلمة فلا بدّ ان يكون وصول الدجاج ونحوه إلى يده قد تمّ من خلال الانتقال إليه من المذابح المسلمة.

فالسوق المسلمة على هذا كاشفة بنحو الاجمال عن وجود يد مسلمة قد مرّ الحيوان بها ، وتلك اليد المسلمة المعلومة بنحو الاجمال هي الامارة على تحقق التذكية.

والسوق على هذه النكتة امارة على الامارة كما هو الحال على النكتة الاولى ولا فرق بينهما من هذه الناحية.

والثمرة بينهما تظهر فيما لو كان البائع في السوق المسلمة كافرا ولكن كنّا نحتمل ان اللحم الموجود عنده قد مرّ باليد المسلمة فإنّه على النكتة الاولى لا يحكم بالتذكية لأنّ حجية السوق ـ بناء عليها ـ باعتبار كاشفيته عن اسلام البائع والمفروض في المقام الجزم بعدم اسلامه، بينما على النكتة الثالثة يحكم بالتذكية لكاشفية السوق عن مرور الحيوان باليد المسلمة.

ويبقى بعد هذا الفرق بين النكتتين الأخيرتين واضحا إذ في مثال البائع الكافر يحكم بكون اللحم المأخوذ منه مذكى على النكتة الثانية حتى ولو علم بعدم سبق يد المسلم عليه بينما على النكتة الثالثة لا يحكم بذلك إلاّ مع احتمال سبق ذلك.

وبعد هذا الاستعراض لنكتة امارية سوق المسلمين يمكن الحكم بترجيح النكتة الاولى اما لأنّها هي المفهومة عرفا من خلال قراءة‌

٨٦

النصوص أو لأنّه بعد اجمالها وعدم تعين الاولى ينبغي الاقتصار على القدر المتيقن وهو الاولى لأنّه بناء عليها يلزم اعتبار كون البائع مسلما ولا يكون السوق حجّة في صورة العلم بعدم إسلام البائع بخلافه على الأخيرتين ، ومقتضى الاقتصار في مخالفة استصحاب عدم التذكية على المقدار المتيقن هو عدم الحكم بالتذكية إلاّ مع اسلام البائع.

٦ ـ لا فرق بين فرق المسلمين‌

وهل الحكم بامارية سوق المسلمين على التذكية يختص بما إذا كان مسلمو السوق من الامامية؟ كلا ، بل يعمّ ما إذا كانوا من الفرق الاخرى ـ بالرغم من ذهاب كلّهم أو جلّهم إلى القول بطهارة جلد الميتة بالدبغ وحلية ذبائح أهل الكتاب ـ وذلك لوجهين :

أ ـ اطلاق النصوص وعدم تقييد كلمة «المسلمين» فيها بفرقة دون اخرى.

ب ـ ان الطابع العام على سوق المسلمين عصر صدور النصوص احتواؤها على الطوائف الاخرى غير الامامية ، وتخصيصها بهم دون غيرهم يلزم منه تخصيص الأكثر الذي هو مستهجن عرفا.

اذن ذهاب الفرق الاخرى من غير الامامية الى القول بطهارة جلد الميتة بالدبغ أو بحلية ذبائح أهل الكتاب لا يمنع من امارية سوق المسلمين للوجهين المتقدّمين خلافا لما ينسب الى العلاّمة الحلّي من عدم الحكم بالامارية.

وقد يستشهد له ـ العلاّمة الحلي ـ برواية أبي بصير قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الصلاة في الفراء فقال : كان علي بن الحسين عليه‌السلام

٨٧

رجلا صردا (١) لا يدفئه فراء الحجاز لأنّ دباغها بالقرظ (٢) فكان يبعث الى العراق فيؤتى ممّا قبلكم بالفرو فيلبسه فاذا حضرت الصلاة ألقاه وألقى القميص الذي يليه فكان يسأل عن ذلك فقال : ان أهل العراق يستحلون لباس الجلود الميتة ويزعمون ان دباغه ذكاته» (٣).

ورواية عبد الرحمن بن الحجاج قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : «اني أدخل سوق المسلمين أعني هذا الخلق الذين يدعون الإسلام فاشتري منهم الفراء للتجارة فأقول لصاحبها : أليس هي ذكية؟ فيقول : بلى فهل يصلح لي أن أبيعها على انّها ذكية؟ فقال : لا ، ولكن لا بأس أن تبيعها وتقول قد شرط لي الذي اشتريتها منه انّها ذكية. قلت : وما أفسد ذلك؟ قال : استحلال أهل العراق للميتة وزعموا ان دباغ جلد الميتة ذكاته ثم لم يرضوا ان يكذبوا في ذلك إلاّ على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم» (٤).

ولكن يرد الاولى ضعفها الدلالي ـ باعتبار ان القاء الامام عليه‌السلام للفرو فعل وهو مجمل إذ لعل ذلك صدر منه من باب الرجحان دون اللزوم ـ والسندي لاشتمال الطريق على جملة من المجاهيل كما يتضح من خلال المراجعة (٥).

ويرد الثانية ضعفها الدلالي أيضا ـ لأن أقصى ما تدل عليه عدم‌

__________________

(١) الصرد بفتح الصاد وكسر الراء : من يجد البرد سريعا.

(٢) القرظ بالتحريك : ورق السلم يدبغ به الأديم.

(٣) وسائل الشيعة باب ٦١ من أبواب لباس المصلي حديث ٢.

(٤) المصدر السابق باب ٦١ من أبواب النجاسات حديث ٤.

(٥) فان الكليني رواها عن شيخه علي بن محمد عن عبد الله بن إسحاق العلوي عن الحسن بن علي عن محمد بن سليمان الديلمي عن عيثم بن أسلم النجاشي عن أبي بصير. فان الكل مجاهيل ما عدا علي بن محمد وأبي بصير.

٨٨

جواز الشهادة والتعهد بكون المشكوك مذكى ولا تدل على الحكم عليه بعدم كونه مذكى ـ والسندي (١).

٧ ـ مصنوع أرض الإسلام‌

قد يعيش المسلم أحيانا في بلاد كافرة ويجد الأحزمة أو الأحذية المصنوعة من الجلود في أسواقها ، ان أمثال تلك محكوم عليها بمقتضى استصحاب عدم التذكية بكونها غير مذكاة ومن ثمّ بنجاستها ـ على رأي المشهور ـ وتنجس الرجل عند ملاقاتها لها مع الرطوبة.

بيد انّه نستثني من ذلك ما إذا كان قد كتب على الجلد بأنّه قد صنع في تركيا مثلا التي هي من البلدان الاسلامية ، انّه في مثل هذه الحالة إذا لم يحصل الاطمئنان الكامل بصدق الكتابة وحقانيتها فلا يجوز الاتكال عليها ، واما إذا حصل ذلك جاز الاتكال عليها والحكم بالتذكية ومن ثمّ الطهارة إذ يثبت بذلك كونه مصنوعا في أرض الإسلام ، وهو كاف في الحكم بالتذكية ولا يتوقف الحكم بها على الأخذ من سوق المسلمين.

والمستند في ذلك موثقة إسحاق بن عمار المتقدّمة عند بيان مدرك القاعدة إذ ورد فيها : «لا بأس بالصلاة في الفراء اليماني وفيما صنع في أرض الإسلام ...» فانّها تدل على المدعى بوضوح.

الخلاصة‌

والمتحصل من مجموع كل هذا العرض : ان الجلد أو اللحم الذي‌

__________________

(١) لأن الشيخ الطوسي رواها بسنده عن الحسن بن علي عن محمد بن عبد الله بن هلال عن عبد الرحمن بن الحجاج. ومحمد بن عبد الله بن هلال مجهول.

٨٩

يشك في تذكيته محكوم بعدم التذكية استنادا الى استصحاب عدم التذكية. وهذا الاستصحاب لا يجوز تجاوزه إلاّ إذا قامت امارة شرعية على خلافه. والامارة ذات أفراد ثلاثة: سوق المسلمين ، ويد المسلم ، والصنع في أرض الإسلام.

٨ ـ تطبيقات‌

١ ـ تباع الجلود ـ كالأحزمة والأحذية ـ في محلات البلدان الكافرة.

ونحن تارة نطمئن بسبق يد المسلم عليها واخرى نظن بذلك وثالثة نحتمل ذلك. ما هو الحكم في الحالات الثلاث المذكورة؟

٢ ـ ما حكم الأسماك التي تباع في أسواق البلاد الكافرة أو معلبات السمك التي تجلب منها وتباع في أسواق البلاد الاسلامية؟

٣ ـ المسلمون في لندن كثيرون في هذه الفترة فهل يجوز الاستناد بعد هذا إلى أسواقها والحكم بالتذكية؟

٤ ـ إذا كان بلد يشتمل على سوقين أحدهما مسلم والآخر ليس كذلك ولم نميّز هذا عن ذاك فهل يجوز الشراء من أحدهما؟

٥ ـ اشترينا أحزمة من بلاد اسلامية ولكن لا ندري هي مصنوعة فيها أو مستوردة من بلاد كافرة فما هو الحكم في مثل ذلك؟

٦ ـ بعض البلاد المسلمة يباع في مطاعمها الدجاج المستورد من البلاد الكافرة هل يجوز لنا التناول منه؟

٧ ـ بلاد كافرة فيها سوق كبير صاحب أحد المحلات فيه مسلم ـ وهو المحل الوحيد الذي صاحبه مسلم ـ وهو يبيع اللحوم فهل يجوز لنا الشراء منه؟ وما هي القاعدة التي نستند إليها في الجواز ان حكمنا به؟

٩٠

٨ ـ شخص له محل في شارع معين وليس في السوق ولا ندري هو مسلم أو لا ، والطابع العام على البلاد الإسلام. ما حكم شراء اللحوم منه ولأي قاعدة؟

٩ ـ الاجبان أو الزبدة أو الحليب التي تباع في سوق البلاد الكافرة هل يجوز شراؤها وتناولها؟ ولما ذا؟

١٠ ـ تباع معلبات الباذنجان وغيرها في أسواق البلاد الكافرة هل يجوز تناولها؟

١١ ـ إذا اشترينا طعاما من البلاد الكافرة وهو يشتمل على مادة لا ندري هي من قسم اللحوم أو لا هل يجوز تناوله؟ ولما ذا؟

١٢ ـ يوجد في بعض الدول الكافرة سوق للمسلمين ولكن المسيطر عليه وصاحب القوّة والنفوذ هم أشخاص من اليهود فهل يحكم بالتذكية على المشترى من ذلك السوق؟

٩١
٩٢

قاعدة السلطنة‌

١ ـ مضمون القاعدة‌

٢ ـ مدرك القاعدة‌

٣ ـ المحتملات في قاعدة السلطنة‌

٤ ـ حدود قاعدة السلطنة‌

٥ ـ التسلّط على الحقوق‌

٦ ـ التسلّط على النفس والأعضاء‌

٧ ـ السلطنة والضرر‌

٨ ـ تطبيقات‌

٩٣
٩٤

من القواعد المسلمة لدى الفقهاء والتي يذكرونها عادة في باب المعاملات قاعدة السلطنة ولكنّهم كعادتهم في بقية القواعد يكتفون بمجرّد الإشارة إليها والمرور عليها بلا بحث مستقل.

ففي مسألة ان المعاطاة تفيد الملك دون الاباحة ذكر الشيخ الأعظم في المكاسب ان من الوجوه التي قد يستدل بها على ذلك قاعدة الناس مسلّطون على أموالهم. وهكذا أشار الى امكان الاستدلال بها في مسألة ان الأصل في الملك عند الشك في كونه جائزا أو لازما هو اللزوم.

وهناك موضع آخر يشار فيه الى القاعدة المذكورة وهو مسألة لا ضرر عند بحثهم عن حدودها وتفاصيلها ، فان أحد الأبحاث هناك مسألة تعارض قاعدة لا ضرر مع قاعدة السلطنة ، كما لو أراد شخص أن يحدث حماما في داره ولكنّه كان موجبا لتضرّر جاره ، فان قاعدة لا ضرر تنفي جواز الاضرار بالجار بينما قاعدة السلطنة تقضي بجواز‌

٩٥

ذلك وان لزم تضرّر الجار لأنّ ذلك مقتضى سلطنة المالك على ملكه ، وعند التعارض المذكور ما ذا يكون الموقف؟

ولكنهم في هذا الموضع وسابقه يكتفون بالاشارة الى قاعدة السلطنة من دون بيان مدركها وحدودها وما يرتبط بها من أبحاث.

وحديثنا عن القاعدة المذكورة يقع ضمن النقاط التالية :

١ ـ مضمون القاعدة.

٢ ـ مدرك القاعدة.

٣ ـ المحتملات في قاعدة السلطنة.

٤ ـ حدود قاعدة السلطنة.

٥ ـ التسلّط على الحقوق.

٦ ـ التسلّط على النفس والأعضاء.

٧ ـ السلطنة والضرر.

٨ ـ تطبيقات.

١ ـ مضمون القاعدة‌

يقصد بقاعدة السلطنة ان كل مالك لشي‌ء هو مسلّط على التصرّف فيه بما يشاء ضمن الحدود الشرعية ، فله الحق في بيعه واهدائه وايجاره وأكله إلى غير ذلك من التصرّفات التي لم يثبت من الشريعة صدور منع عنها.

هذا هو المقصود من قاعدة السلطنة. وليس المقصود منها ان المالك لشي‌ء لا يحق لغيره التصرّف فيه بدون رضاه وطيب نفسه فان ذلك ليس تمام المقصود من قاعدة السلطنة بل المقصود منها أوسع‌

٩٦

من ذلك وهو ان المالك لشي‌ء له حق التصرّف فيه بأي شكل شاء ، ولازم ذلك ان الغير لا يحق له التصرف فيه بدون رضاه.

٢ ـ مدرك القاعدة‌

المدرك المهم للقاعدة المذكورة أمران :

أ ـ السيرة بكلا قسميها : سيرة العقلاء وسيرة المتشرّعة.

امّا سيرة العقلاء فمن الواضح انعقادها على ذلك بحيث لو منع أحدهم من التصرف في ماله لهبّ العقلاء منددين بالمنع ورافضين لذلك التضييق للسلطنة. بل ان حكمهم بسلطنة كل انسان على ما يملكه يكاد يكون من البديهيات الأولية عندهم.

وحيث ان السيرة المذكورة لا نحتمل حدوثها بعد عصر المعصوم عليه‌السلام ، كما ولا نحتمل الردع عنها فيثبت بذلك امضاؤها.

واما سيرة المتشرعة فانعقادها بينهم وبشكل متصل بزمن المعصوم عليه‌السلام أمر لا يقبل التشكيك.

وحيث انها سيرة متشرعة بما هم متشرعة فيكفي نفس افتراض ذلك لحجيتها بلا حاجة إلى افتراض فكرة الامضاء المستكشفة بعدم الردع ـ على خلاف سيرة العقلاء حيث تحتاج إلى ذلك ـ لأنّ نفس افتراض كونها سيرة متشرعة يستبطن تلقيها يدا بيد من المعصومعليه‌السلام.

ب ـ النصوص الدالة على ان الانسان ما دام حيّا فله الحق في أن يصنع بماله ما شاء من قبيل موثقة سماعة : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن عطية الوالد لولده فقال : اما إذا كان صحيحا فهو ماله يصنع به ما شاء ،

٩٧

واما في مرضه فلا يصلح» (١) ، فان ظاهر «يصنع به ما شاء» ان له الحق في كلّ تصرّف شاء بلا اختصاص لذلك بالعطية.

هذا هو الدليل على قاعدة السلطنة.

وقد يستدل على ذلك أيضا بالإجماع أو بالحديث المشهور «الناس مسلّطون على أموالهم» أو بالنصوص الدالّة على عدم جواز التصرّف في أموال الآخرين بدون رضاهم.

من قبيل قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ) (٢) ، فانّه يدل على اعتبار التراضي في صحّة التجارة فلا تصح التجارة بأموال شخص بدون رضاه.

ومن قبيل قوله تعالى : (وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْ‌ءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً) (٣) ، فانّه يدل على عدم جواز أكل مهور النساء بلا طيب أنفسهن.

ومن قبيل الحديث المشهور : «لا يحل مال امرئ مسلم إلاّ عن طيب نفسه» (٤).

هذا والكل قابل للتأمّل.

امّا الاجماع فلأنّه بعد انعقاد السيرة العقلائية فمن المحتمل قريبا استناد المجمعين الى السيرة المذكورة وليس ذلك لوصول الحكم لهم‌

__________________

(١) وسائل الشيعة باب ١٧ من أبواب الوصايا حديث ١١.

(٢) النساء : ٢٩.

(٣) النساء : ٤.

(٤) عوالي اللآلي ١ : ١١٣ حديث ٣٠٩.

٩٨

من الامام عليه‌السلام يدا بيد.

وامّا الحديث المشهور فهو ضعيف السند لأنّه لم يروه إلاّ الشيخ المجلسي في بحاره (١) عن عوالي اللآلي. وإذا رجعنا الى المصدر الأصلي وجدنا ابن أبي جمهور الاحسائي صاحب العوالي يروي الحديث في مواضع أربعة : تارة عن بعض كتب الأصحاب واخرى عن بعض كتب الشهيد وثالثة عن الفاضل المقداد ورابعة عن ابن فهد الحلي (٢).

والواسطة بين المنقول عنه والامام عليه‌السلام حيث انّها مجهولة فتسقط الرواية عن الاعتبار.

وقد روي الحديث في كتبنا الفقهية الاستدلالية ولكن بشكل مرسل أيضا فقد رواه العلاّمة الحلّي في المختلف (٣) والتذكرة (٤) والأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان (٥) والشهيد الثاني في مسالك الافهام (٦) وفخر المحققين في إيضاح الفوائد (٧).

وهو في جميع الموارد المذكورة روي بشكل مرسل عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وعليه فالحديث ضعيف السند لإرساله ، ولا طريق لتصحيحه‌

__________________

(١) بحار الأنوار ٢ : ٢٧٢.

(٢) عوالي اللآلي ١ : ٢٢٢ ، ٤٥٧ ، و ٢ : ١٣٨ ، و ٣ : ٢٠٨.

(٣) مختلف الشيعة ٦ : ٢٧٨.

(٤) تذكرة الفقهاء ١ : ٤٨٩.

(٥) مجمع الفائدة والبرهان ٩ : ٣٥٨.

(٦) مسالك الافهام ٦ : ٢٨ ، ١٣٥ ، ٣١٤.

(٧) إيضاح الفوائد ٢ : ٥٩٤.

٩٩

سوى دعوى انجباره اما بالشهرة الروائية أو بالشهرة الفتوائية ، ولكن ذلك قابل للتأمّل.

اما انجباره بالشهرة الروائية فباعتبار عدم تحقّق الشهرة المذكورة لأنّها انّما تتحقق بشهرة نقل الرواية في كتب الحديث وذلك لم يتحقق لأنّها لم تنقل في شي‌ء من كتب الحديث سوى عوالي اللآلي الذي هو معروف بالضعف لنقل الأحاديث فيه بشكل مرسل.

واما انجباره بالشهرة الفتوائية فباعتبار ان ذلك موقوف على عمل الطبقة المتقدّمة من اعلامنا به ولا يكفي اشتهار العمل به بين الطبقة المتأخرة كالعلاّمة الحلي ومن بعده فان الكاشف عن حقانية الرواية وصدورها هو عمل الطبقة المتقدّمة المقاربة لعصر صدور النص ولا يكفي عمل الطبقة المتأخرة.

وامّا النصوص الدالّة على اعتبار الرضا في جواز التصرف في أموال الآخرين فهي أجنبية عن المقام أو غير وافية بالمطلوب إذ أقصى ما تدل عليه ان غير المالك لا يجوز له التصرف في املاك غيره إلاّ برضاه ولا تدل على ان المالك يحق له التصرّف في ملكه بأي نحو شاء.

والخلاصة : ان مهم المستند على قاعدة السلطنة هو السيرة والنصوص الدالّة على ان الإنسان ما دام حيّا له الحق أن يصنع بماله ما شاء.

٣ ـ المحتملات في قاعدة السلطنة‌

في المراد من قاعدة «الناس مسلّطون على أموالهم» عدّة احتمالات :

١٠٠