دروس تمهيديّة في القواعد الفقهيّة - ج ٢

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

دروس تمهيديّة في القواعد الفقهيّة - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الفقه للطباعة والنشر
الطبعة: ٥
ISBN: 964-499-039-0
ISBN الدورة:
964-91559-2-9

الصفحات: ٢٠٧
الجزء ١ الجزء ٢

الرواية الاولى‌

ما روي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام من ان «الميسور لا يسقط بالمعسور». هكذا المشهور على الألسن إلاّ ان الوارد : «لا يترك الميسور بالمعسور» (١).

ولعل دلالة الرواية واضحة إذ هي تدل باطلاقها على ان كل ميسور بما في ذلك اجزاء المركب الواحد لا تسقط بالمعسور ولا تختص بالواجبات الاستقلالية.

وقد اشكل عليه بعدّة اشكالات :

أ ـ ان الرواية ناظرة إلى الافراد المتعددة الواجب كل واحد منها بوجوب مستقل لا للمركب من أجزاء متعددة التي وجبت بوجوب واحد ، والمهم اثبات نظرها الى الثاني وانه بتعذّر بعض الأجزاء لا يسقط وجوب الباقي دون الأوّل.

والوجه في كونها ناظرة الى الأوّل التعبير الوارد فيها بكلمة «يسقط» فان السقوط فرع الثبوت السابق ، فمن وجب عليه صوم شهر وتعذّر عليه صوم عشرة أيّام فالعشرون الباقية يصح أن يقال عنها لا يسقط وجوبها الثابت لها سابقا ، فان كلّ يوم قد ثبت له وجوب مستقل ، وذلك الوجوب المستقل لا يسقط بتعذر صوم العشرة ، اما الأجزاء الواجبة بوجوب واحد فلا يصح مثل التعبير المذكور فيها لأن الأجزاء الباقية لم يثبت لها الوجوب سابقا كي يقال هو لا يسقط عنها بتعذّر بعض الأجزاء.

__________________

(١) عوالي اللآلي ٤ : ٥٨.

١٢١

أجل كانت هي واجبة سابقا بوجوب ضمني وفي داخل وجوب المركب التام إلاّ ان ذلك قد سقط جزما عند سقوط الأمر بالكل لأنّه تابع له وفي ضمنه ، والمدعى ليس هو اثبات بقاء ذلك الوجوب الضمني فانه قد سقط ولا يحتمل بقاؤه وانما المدعى ثبوت وجوب نفسي استقلالي له ، وهذا الوجوب لم يكن ثابتا سابقا كي يحكم عليه بعدم السقوط ، وما كان ثابتا قد سقط جزما.

وهذا الاشكال قد تبنّاه السيّد الخوئي (١) وعلى أساسه ناقش دلالة الرواية. ومن قبله ناقش الشيخ النراقي بذلك (٢).

والشيخ الأعظم في الرسائل (٣) قد تعرّض لهذا الاشكال وأجاب عنه بجوابين كلاهما متين :

الأوّل : ان الرواية لم تقل لا يسقط حكم الميسور بسقوط حكم المعسور ليقال ان حكم الميسور الذي يراد ابقاؤه لم يكن ثابتا سابقا وما كان ثابتا قد سقط بل قالت نفس الميسور يبقى ثابتا.

الثاني : ان الوجوب الذي يراد اثباته وان لم يكن ثابتا سابقا وما كان ثابتا سابقا قد سقط جزما إلاّ ان التفرقة بين الوجوبين وان احدهما ضمني سقط جزما والآخر استقلالي لم يكن ثابتا سابقا مبتنية على الدقة وإلاّ فالنظرة العرفية ترى الوجوب واحدا وترى ان الوجوب إذا لم يثبت للباقي فالتعبير عنه بأنّه قد سقط وجيه بالرغم من انّه بحسب الدقة لم يكن ثابتا سابقا.

__________________

(١) مصباح الاصول ٢ : ٤٨٥.

(٢) عوائد الأيّام : ٩٠.

(٣) الطبع القديم : ٢٩٤.

١٢٢

هاتان مناقشتان للشيخ الأعظم.

ويمكن أن نضيف إلى ذلك : ان التعبير بجملة «لا يسقط» لم يثبت ورودها في الرواية وانّما ذلك متداول على الألسن بلا مستند بل الوارد : «لا يترك الميسور بالمعسور» على ما أشرنا إلى ذلك سابقا.

ب ـ ما تبناه الآخوند في كفاية الاصول من احتمال نظر الرواية الى الافراد المتعددة التي وجب كل واحد منها بوجوب مستقل وليس الى المركب من أجزاء التي وجبت بوجوب واحد (١).

وفيه : ان هذا الاحتمال لا يعتنى له بعد ثبوت الاطلاق.

ج ـ ما ذكر في الكفاية أيضا من ان جملة «لا يسقط» لا بدّ من حملها على الرجحان دون اللزوم لأنّ الرواية شاملة للمستحبات أيضا ولا اختصاص لها بالواجبات(٢).

وفيه : ان المقصود عدم سقوط الميسور بما له من الحكم فان كان مستحبا فيبقى الاستحباب وان كان وجوبا يبقى الوجوب.

ومن كل هذا اتضح ان دلالة الرواية على المطلوب تامة إلاّ ان المشكلة تبقى في سندها فانّها لم ترو إلاّ في كتاب عوالي اللئالي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام بشكل مرسل. والكتاب المذكور معروف بالضعف فكيف إذا اجتمع معه الارسال.

ولا يمكن التخلّص من الضعف السندي المذكور إلاّ بما ذكره الشيخ الأعظم في الرسائل وبعض من تأخّر عنه من الانجبار باشتهار التمسّك بها بين الأصحاب.

__________________

(١) كفاية الاصول / الجزء الأوّل / مبحث قاعدة الميسور.

(٢) المصدر السابق.

١٢٣

وتمكن المناقشة بأن الشهرة انّما تكون جابرة لو كانت ثابتة بين المتقدّمين دون ما لو كانت خاصة بالمتأخرين ، فان ما يمكن أن يورث الاطمئنان بحقانية الرواية هو الشهرة بين المتقدّمين دون الشهرة بين المتأخرين ، وفي المقام لم يشتهر التمسك بالرواية بين المتقدّمين كالشيخ الكليني والصدوق والطوسي فان أول من ذكرها هو ابن أبي جمهور الاحسائي في كتاب عوالي اللآلي الذي هو من أعلام القرن التاسع ومتأخر عن العلاّمة الحلّي.

الرواية الثانية والثالثة‌

واستدل أيضا بالحديث الوارد عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إذا أمرتكم بشي‌ء فأتوا منه ما استطعتم» ، وبالحديث الوارد عن أمير المؤمنين عليه‌السلام : «ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه».

وكلاهما ضعيف السند إذ لم يرويا إلاّ في كتاب عوالي اللآلي (١) بشكل مرسل لا مجال لدعوى الانجبار فيه على ما تقدّم.

وبعد ضعف السند لا تبقى حاجة إلى البحث عن تمامية الدلالة وعدمها.

٣ ـ الاستصحاب والقاعدة‌

قد يحاول اثبات وجوب الاجزاء الميسورة من خلال الاستصحاب.

وقد يبدو ان التمسّك بالاستصحاب أمر غريب لأن الوجوب السابق الذي كان ثابتا للأجزاء الميسورة ـ وهو وجوبها الضمني‌

__________________

(١) عوالي اللآلي ٤ : ٥٨.

١٢٤

الثابت ضمن وجوب الكل ـ قد سقط جزما لأنّه ثابت ضمن وجوب الكل فاذا سقط سقط ما في ضمنه ، والوجوب الذي يراد اثباته ـ وهو الوجوب النفسي الاستقلالي ـ لا ثبوت له سابقا ليستصحب.

وعليه فما كان سابقا لا يمكن استصحابه وما يراد استصحابه لم يكن ثابتا سابقا.

ومن هنا كان اجراء الاستصحاب بحاجة الى توجيه.

ويمكن في هذا المجال ذكر عدّة بيانات :

أ ـ اجراء الاستصحاب في كلي الوجوب الجامع بين الضمني والاستقلالي ، ببيان ان الوجوب الضمني للاجزاء الميسورة كان ثابتا لها سابقا وهو وان سقط جزما إلاّ انّا نحتمل حلول الوجوب النفسي الاستقلالي محله فنستصحب الوجوب الكلي الجامع بين الوجوبين ولا نستصحب أحدهما بالخصوص ليقال : ان الوجوب الضمني سقط جزما والوجوب الاستقلالي لم يكن ثابتا سابقا ليستصحب.

وفيه : ان هذا الاستصحاب هو استصحاب الكلي من القسم الثالث وهو لا يجري.

اما انّه من القسم الثالث فلأن الفرض الجزم بارتفاع الفرد الأول من الوجوب الذي يتيقن بوجود الكلي ضمنه غايته يحتمل حدوث فرد ثان مقارنا لارتفاعه ، وذلك هو ملاك القسم الثالث من استصحاب الكلي.

واما انّه لا يجري فباعتبار ان وجود الكلي في الخارج ليس وجودا مستقلاّ وانّما هو بوجود افراده وضمنها ، وهو ما يعبر عنه بكونه موجودا بالحصص فهناك حصص من الكلي بعدد الافراد وليس‌

١٢٥

وجوده واحدا ضمن جميع الافراد.

وعليه فالحصة من كلي الوجوب الثابتة ضمن الوجوب الضمني قد ارتفعت جزما والحصة الثانية من كلي الوجوب الثابتة ضمن الوجوب الاستقلالي لم تكن ثابتة سابقا لتستصحب. ومعه فلا يجري استصحاب الكلي لعدم تمامية أركان الاستصحاب.

وانّما تتم الأركان لو فرض ان وجوده كان واحدا ضمن جميع الافراد فانّه آنذاك يقال ان ذلك الوجود الواحد للكلي كان ثابتا سابقا جزما والآن ـ أي بعد تعسّر بعض الاجزاء ـ يشك في بقائه فيستصحب بقاؤه.

إلاّ ان المبنى المذكور باطل ـ وان كان هو المنسوب للرجل الهمداني الذي التقى به الشيخ الرئيس في مدينة همدان ـ لان لازمه اتصاف الشي‌ء الواحد بالصفات المتقابلة كالموت والحياة والبياض والسواد والعلم والجهل و....

ب ـ استصحاب الوجوب النفسي الاستقلالي فانه كان ثابتا قبلا جزما ويشك في ارتفاعه بتعذّر بعض الأجزاء فيستصحب بقاؤه. وبناء على هذا يكون الاستصحاب للجزئي دون الكلي.

وفيه : ان الوجوب النفسي الاستقلالي الذي كان ثابتا للمجموع قد ارتفع جزما ، والذي هو ثابت للميسور يشك في أصل حدوثه. واذا اريد ملاحظة الجامع بينهما صار الاستصحاب للكلي ـ دون الجزئي ـ وهو من القسم الثالث الذي تقدّم عدم جريانه فيه.

ج ـ استصحاب الوجوب الاستقلالي الثابت للصلاة فيشار الى الصلاة ويقال : سابقا كانت واجبة وهي الآن يشك في وجوبها ، فانه‌

١٢٦

بنقصان بعض الأجزاء ـ فيما إذا كان المتعذّر قليلا وغير مقوم لها ـ تبقى الصلاة هي تلك الصلاة ويصح ان يشار إليها ويقال : كانت سابقا واجبة والآن كذلك.

وهذا الوجه للاستصحاب جيّد شريطة كون المتعذّر قليلا وغير مقوم لمفهوم الصلاة ، فانه بناء على هذا يكون موضوع الصلاة باقيا عرفا وتصح الاشارة إليه وانه كان متّصفا بالوجوب الاستقلالي سابقا والآن كذلك.

ملاحظة مشتركة‌

هناك قضية لا بدّ من الالتفات إليها وهي ان الاستصحاب في هذه الوجوه الثلاثة لا يجري إلاّ إذا كان التعذّر قد طرأ بعد دخول وقت الواجب ، إذ بعد دخول الوقت يمكن أن يشار الى الصلاة ويقال : كانت قبل قليل واجبة والآن كذلك ، اما إذا كان التعذر قد طرأ قبل دخول الوقت فلا يجري إذ لا تمكن الاشارة الى الصلاة والحكم عليها بانها كانت واجبة قبلا ، بل حينما يدخل الوقت يشك في أصل حدوث الوجوب فيستصحب عدمه لا وجوده وبقاؤه.

وهذه الملاحظة مشتركة ولا تختص بالوجه الثالث بل تعمّ جميع الوجوه الثلاثة.

٤ ـ اطلاق الأدلّة الأوّلية والقاعدة‌

ان قاعدة الميسور لو تمّت فلا يصح التمسّك بها إلاّ بعد فقدان الاطلاق في الأدلة الأولية ، فمثلا إذا دلّ دليل وجوب الحج على ان الحج واجب مطلق ، بمعنى انه ثابت حتى في حالة تعذّر بعض الاجزاء فيلزم‌

١٢٧

الأخذ باطلاق دليل الواجب المذكور ويثبت بذلك وجوب الحج في حالة تعذر بعض الاجزاء بدون أن تصل النوبة الى قاعدة الميسور.

كما انه إذا كان لدليل جزئية الجزء المتعذر اطلاق يثبت من خلاله ان الجزئية مطلقة وثابتة حتى في حالة التعذر فالمناسب الأخذ بالاطلاق المذكور ويثبت بذلك سقوط وجوب الواجب وعدم لزوم الاتيان بالميسور بدون أن تصل النوبة الى قاعدة الميسور.

وإذا كان الاطلاق ثابتا في كل من الدليلين : دليل الواجب ودليل الجزء فالمناسب الأخذ باطلاق دليل الجزء والحكم بعدم وجوب الميسور فان دليل الجزء بمثابة المقيّد لدليل الواجب الذي هو بمثابة المطلق ، وكما ان أصل المقيّد مقدّم على المطلق بقانون الجمع بالتقييد كذلك اطلاق الدليل المقيّد مقدّم على اطلاق الدليل المطلق بنفس الملاك والنكتة.

اذن وصول النوبة إلى قاعدة الميسور يختص بحالة فقدان الاطلاق في دليل الواجب ودليل الجزء.

٥ ـ تطبيقات‌

١ ـ إذا كان الغسل يضرّ المكلف فهل بالامكان تطبيق قاعدة الميسور بناء على تماميتها لإثبات وجوب اراقة الماء على الملابس بدلا من اراقته على البدن؟ وبناء على عدم تماميتها هل يمكن اجراء الاستصحاب لإثبات ذلك؟

٢ ـ هل يمكن تخريج وضوء الجبيرة على طبق قاعدة الميسور بحيث تكفينا القاعدة المذكورة لإثبات مشروعيته بلا حاجة إلى دليل‌

١٢٨

خاص يدل على ذلك؟

٣ ـ من كان على بعض بدنه قطعة قير لا يمكنه إزالتها فما هي الوظيفة بلحاظ غسله ووضوئه؟

٤ ـ الميت يجب تغسيله بماء السدر أوّلا ثم بماء الكافور ثم بالماء القراح فإذا تعذّر السدر أو الكافور فما هي الوظيفة؟ وإذا كان الماء المطلق مفقودا فهل تصل النوبة الى التغسيل بالماء المضاف؟

٥ ـ شخص لم يصم عصيانا فترة طويلة من عمره ثم رجع وتاب ولم يمكنه قضاء تلك الفترة الطويلة أو التكفير عنها فما هو حكمه؟

١٢٩
١٣٠

قاعدة على اليد‌

١ ـ مضمون القاعدة‌

٢ ـ مدرك القاعدة‌

٣ ـ حكم وضعي أو تكليفي‌

٤ ـ ضمان المنافع والاعمال‌

٥ ـ المثل أو القيمة وبدل الحيلولة واجرة الرد‌

٦ ـ عموم القاعدة للجاهل والصغير‌

٧ ـ استثناء يد الامانة والاحسان‌

٨ ـ أسباب اخرى للضمان‌

٩ ـ تطبيقات‌

١٣١
١٣٢

هناك قواعد تداولها الفقهاء في باب الضمان بصفتها مستندات لإثباته من قبيل «من أتلف مال الغير فهو له ضامن» ، وقاعدة الغرور ، وقاعدة الاقدام على الضمان ، وقاعدة الأمر بالاتلاف.

ومن جملة تلك القواعد بل من أهمّها قاعدة على اليد التي هي من القواعد المشهورة ويتداول ذكرها في مبحث الغصب ومبحث المقبوض بالعقد الفاسد ومبحث تعاقب الأيدي وعند التعرض لقاعدة ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده وما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده.

ففي مبحث الغصب يتعرّض الى ان الغاصب وكل من تعاقبت يده على المغصوب ضامن له لقاعدة على اليد.

وعلى المنوال المذكور يتعرض لها في مبحث المقبوض بالعقد الفاسد باعتبار انّه باق على ملك مالكه السابق فكل من تعاقبت يده عليه يكون ضامنا له لقاعدة على اليد.

١٣٣

وفي قاعدة ما يضمن ... يتعرّض إلى قاعدة على اليد بصفتها مدركا لها.

وقد تكرّر من الشيخ الأعظم قدس‌سره في مكاسبه الاشارة إليها في بعض الأبحاث المذكورة، ولكننا لا نقرأ في الكتاب المذكور ولا غيره من الكتب الفقهية أو الاصولية بحثا مستقلاّ ومتكاملا عنها بالرغم من شدّة الحاجة إليها وكثرة التمسّك بها. أجل تعرض لها الشيخ النراقي في عوائده (١) ببحث مختصر لا يشفي الغليل.

ونمنهج الحديث عنها ضمن النقاط التالية :

١ ـ مضمون القاعدة.

٢ ـ مدرك القاعدة.

٣ ـ حكم وضعي أو تكليفي.

٤ ـ ضمان المنافع والاعمال.

٥ ـ المثل أو القيمة وبدل الحيلولة واجرة الرد.

٦ ـ عموم القاعدة للجاهل والصغير.

٧ ـ استثناء يد الامانة والاحسان.

٨ ـ أسباب اخرى للضمان.

٩ ـ تطبيقات.

١ ـ مضمون القاعدة‌

يقصد من قاعدة على اليد ان كل من استولى على مال غيره ووقع‌

__________________

(١) عوائد الأيّام : ١٠٨.

١٣٤

تحت يده كان ضامنا له وان لم يتلف أو تلف عند غيره.

فاذا ركب شخص سيارة غيره من دون كسب موافقته كان ضامنا لها وملزما بإرجاعها إليه سالمة. فاذا تعيّب بعض أجهزتها أو سرقت منه ولو مع تحفظه الكامل عليها أو حدث زلزال فتلفت أو ... كان ضامنا لها في كل الحالات المذكورة.

وطبيعي في حالة اتلافها عن قصد وتعمّد يكون الضمان ثابتا لها بالاولى ولكن لا من باب القاعدة المذكورة بل لقاعدة اخرى يصطلح عليها قاعدة الاتلاف ، أي ان من أتلف مال الغير فهو له ضامن.

اذن دائرة قاعدة على اليد تنحصر بما اذا لم يفرض تحقّق الاتلاف من قبل المستولي على العين عن قصد وتعمّد وإلاّ كان مدرك الضمان قاعدة الاتلاف دونها.

كما ينبغي الالتفات الى انّه في حالة تعاقب الأيدي على العين تكون كل واحدة منها ضامنة لقاعدة على اليد ، ومن حق المالك الرجوع على كل واحدة منها وان كان التلف متحققا عند غيرها. فلو فرض ان الأيدي المتعاقبة كانت ثلاثا وتحقق التلف عند الثالثة فمن حق المالك الرجوع على الاولى أو الثانية أيضا فضلا عن الثالثة لتحقق الضمان باليد في حق كل واحدة منها.

كما انه في حالة بقاء العين سالمة عند الأول يكون ملزما بارجاعها وعليه كامل نفقات الارجاع لقاعدة على اليد.

وبهذا كلّه اتضح الفارق بين قاعدة على اليد وقاعدة الاتلاف.

يبقى علينا أن نستوضح الفارق بين قاعدة على اليد وقاعدة اليد التي تقدّمت الاشارة إليها في أبحاث سابقة.

١٣٥

ان الفارق هو انّه في قاعدة اليد لا يراد اثبات الضمان بل يراد اثبات امارية اليد على الملكية وان من كانت له يد على شي‌ء فذلك امارة على كونه مالكا له ، وهذا بخلافه في قاعدة على اليد فانه يراد اثبات ان المستولي على مال غيره هو ضامن له.

وعليه توجد لدينا قواعد ثلاث : قاعدة على اليد وقاعدة اليد وقاعدة الاتلاف ، وقد اتضح الفارق بين كل واحدة والاخرى.

٢ ـ مدرك القاعدة‌

المدرك المعروف للقاعدة المذكورة هو الحديث المشهور عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «على اليد ما أخذت حتى تؤدي».

وليس للحديث المذكور أثر في معاجمنا الحديثية المعروفة. وأوّل من سجّله هو الاحسائي في عواليه (١) ، ومن ثم نقله عنه المحدّث النوري في مستدركه (٢).

أجل هو ممّا يستشهد به فقهاؤنا كثيرا في كتبهم الفقهية الاستدلالية. وأوّل من وجدناه يتمسّك به الشيخ الطوسي في خلافه (٣) ثم تابعه على ذلك من تأخّر عنه.

والظاهر ان المصدر الأصلي للحديث هو المعاجم الحديثية للجمهور فقد رواه كثير منهم كأحمد بن حنبل في مسنده والحاكم في مستدركه وابن ماجه في سننه والبيهقي في سننه والترمذي في‌

__________________

(١) عوالي اللآلي ١ : ٢٢٤ حديث ١٠٦.

(٢) مستدرك الوسائل ١٧ : ٨٨.

(٣) الخلاف : كتاب الغصب : مسألة ٢٢.

١٣٦

صحيحه وابي داود السجستاني في سننه (١) وغيرهم.

والكل رواه بسند ينتهي الى الحسن عن سمرة عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

والمقصود من الحسن هو الحسن البصري المعروف بالعداء لأمير المؤمنين عليه‌السلام ، فابن أبي الحديد في شرحه على نهج البلاغة ينقل :كان الحسن البصري يبغض عليّا عليه‌السلام ويذمّه ومن المخذلين عن نصرته وقد أنكر على أمير المؤمنين عليه‌السلام إراقته الدماء الكثيرة فقال له : أو ساءك ذلك؟ قال : نعم ، فقال أبو الحسن عليه‌السلام : لا زلت مسوءا ، فما رؤي الحسن البصري بعد هذا إلاّ مهموما عابسا إلى أن مات (٢).

واما سمرة بن جندب فهو عامل زياد على البصرة المعروف بالشقاء والوقوف في وجه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في قصة العذق والأنصاري المشتملة على قضية «لا ضرر ولا ضرار» حيث قال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اترك هذا العذق ولك بدله عذق في الجنّة الدال على ضمان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأمرين : دخوله الجنة وحصوله على عذق فيها ولكنه لشقائه أبى حتى ضمان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم له دخول الجنّة.

وهو الخارج لحرب الامام الحسين عليه‌السلام والمتنازل أمام دراهم معاوية مقابل ادّعاء نزول بعض آيات الوعيد في حقّ أمير المؤمنين عليه‌السلام وبعض آيات الوعد في حق ابن ملجم لعنه الله تعالى.

واضافة الى هذا يوجد تشكيك في أصل سماع الحسن من سمرة‌

__________________

(١) مسند أحمد بن حنبل ٥ : ٨ ، ١٢ ، ١٣. مستدرك الحاكم ٢ : ١٣ ، سنن ابن ماجه ٢ : ٨٠٢ حديث٢٤٠٠ ، سنن البيهقي ٦ : ٩٥ ، صحيح الترمذي بشرح ابن العربي ٦ : ٢١ ، سنن أبي داود السجستاني ٣ : ٢٩٦.

(٢) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١ : ٣٦٨ طبعة مصر الاولى.

١٣٧

فقيل لم يسمع منه غير حديث واحد وهو حديث العقيقة.

وبعد كون سند الحديث بهذه المنزلة لا يبقى إلاّ أن يقال بانجبار ضعفه بالشهرة كما قال الشيخ النراقي : «ان اشتهارها بين الأصحاب وتداولها في كتبهم وتلقيهم لها بالقبول واستدلالهم بها في موارد غير عديدة يجبر ضعفها ويكفي عن مئونة البحث في سندها» (١).

بيد انّه أشرنا عند البحث عن قاعدة السلطنة ان المقصود من الشهرة ان كان هو الروائية فهي غير محققة لعدم تواجد الرواية في المعاجم الحديثية ، وان كان هو الفتوائية فهي جابرة لو كانت بين القدماء ـ حيث انّهم الطبقة المقاربة لعصر صدور النصوص ـ ولا يكفي تحققها بين المتأخرين فقط. والشهرة في المقام هي بين المتأخرين فقط لأنّه لم يستند الى الرواية من المتقدّمين سوى الشيخ قدس‌سره ، والمقدار المذكور لا يحقق شهرة الفتوى على طبق الرواية بين المتقدمين.

بل ان عمل الشيخ في الخلاف برواية لا يكشف عن صحتها حتى في نظر الشيخ لاحتمال ان يكون تمسكه بها من باب الزام العامة برواياتهم وقواعدهم لان كتاب الخلاف مؤلف لبيان موارد الخلاف بين الشيعة وغيرهم.

هذا مضافا الى احتمال أن يكون استناد من استند اليها لا لأجل الوثوق بصدورها بل لكون مضمونها مضمونا عقلائيا مسلّما لا يحتاج الى رواية صحيحة.

وعليه فالتمسك لإثبات القاعدة بالحديث المذكور أمر قابل للتأمل.

__________________

(١) عوائد الأيام : ١٠٩.

١٣٨

والمناسب الاستدلال عليها بالسيرة العقلائية فانّها انعقدت على ان كل من استولى على مال غيره فهو ضامن له.

ونحن وان سلمنا بمضمون الحديث السابق من خلال السيرة إلاّ ان الثمرة تظهر في بعض تعابير الحديث التي قد يستفاد منها بعض الأحكام بخلافه بناء على السيرة فان تلك الأحكام قد لا يمكن اثباتها كما سيتضح ذلك خلال ما يأتي إن شاء الله تعالى.

* * *

وهل يمكن الاستدلال على القاعدة بما دلّ على احترام أموال المسلم من قبيل صحيحة الحلبي ومحمّد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «هل تجوز شهادة أهل ملة من غير أهل ملتهم؟ قال : نعم ، إذا لم يوجد من أهل ملّتهم جازت شهادة غيرهم انّه لا يصلح ذهاب حق أحد» (١) ، فان التعليل في الذيل يدل على الاحترام المطلوب اثباته.

ومن قبيل صحيحة أبي بصير عن أبي جعفر عليه‌السلام : «سباب المؤمن فسوق ... وحرمة ماله كحرمة دمه» (٢).

ومن قبيل صحيحة ابي اسامة زيد الشحام عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقف بمنى حتى قضى مناسكها في حجّة الوداع ... فقال : أي يوم أعظم حرمة؟ فقالوا : هذا اليوم ، فقال : فأي شهر أعظم حرمة؟ فقالوا : هذا الشهر ، قال : فأي بلد أعظم حرمة؟ قالوا : هذا البلد ، قال : فان دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم‌

__________________

(١) وسائل الشيعة باب ٢٠ من أحكام الوصايا حديث ٣.

(٢) اصول الكافي ٢ : ٣٥٩ باب السباب حديث ٢.

١٣٩

هذا في بلدكم هذا الى يوم تلقونه فيسألكم عن أعمالكم ، ألا هل بلغت؟ قالوا : نعم ، قال : اللهمّ اشهد ، ألا من كانت عنده أمانة فليؤدها الى من ائتمنه عليها فانه لا يحل دم امرئ مسلم ولا ماله إلاّ بطيبة نفسه ولا تظلموا أنفسكم ولا ترجعوا بعدي كفّارا» (١).

والاستدلال بذلك قابل للتأمّل ، إذ الحديث الأوّل والثاني يدلان على ان المال لو تلف فلا بدّ من ضمانه ولا يمكن تحقق التلف بدون ضمان لأنّه يلزم ذهاب الحق هدرا وهو مناف لحرمة مال المؤمن ، وهذا المقدار أضيق بكثير من المضمون الذي يراد اثباته بقاعدة اليد ، فان المراد اثباته بها تحقق الضمان بمجرّد وضع اليد وان لم يتحقق تلف أو تحقق عند انسان آخر.

والحديث الثالث ناظر الى الحكم التكليفي وان التصرف لا يجوز بدون طيب نفس صاحب المال وليس ناظرا الى الحكم الوضعي ، وهو الضمان.

وعليه فالمدرك منحصر بالسيرة العقلائية الممضية بسبب عدم الردع. ولا بدّ في كل مورد من ملاحظة حدود السيرة لا حدود الحديث وألفاظه.

٣ ـ حكم وضعي أو تكليفي‌

لا اشكال في ان المراد من اليد في القاعدة الكناية عن الاستيلاء وان من استولى على شي‌ء فهو عليه الى ان يتحقق منه الردّ الكامل.

__________________

(١) وسائل الشيعة باب ١ من أبواب القصاص في النفس حديث ٣.

١٤٠