نهج البيان عن كشف معاني القرآن

محمّد بن الحسن الشيباني

نهج البيان عن كشف معاني القرآن

المؤلف:

محمّد بن الحسن الشيباني


المحقق: حسين درگاهي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: نشر الهادي
المطبعة: مؤسسة الهادي
الطبعة: ١
ISBN: 964-400-034-X
الصفحات: ٣٦٥

تروّحنا من الدّهناء (١) عصرا (٢)

وأعجلنا الإلهة أن تؤوبا (٣)

ويروى : قصرا (٤). والقصر موضع. والعصر والأصيل واحد.

وقيل : أخذت العرب هذا (٥) من السّريانيّة ، لأنّهم يسمّون الله : أليها (٦) ؛ كما يسمّون المسيح : مسيحا. فعرّفوه (٧).

وقيل : إنّه اسم غير مشتقّ ؛ وضع للتّعظيم ، فصار خاصّا للمعبود ، لا يسمّى به غيره. قال الله تعالى : (هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا) (٨) ؛ أي : لم يسمّ الله غيره (٩).

وكذلك (الرَّحْمنِ).

وقيل : (اللهِ) هو الاسم الأعظم (١٠). والإله عند المتكلّمين : من يحقّ له العبادة. و «العبادة» عندهم : [نهاية ما يقدر] (١١) عليه المكلّف من التّضرّع

__________________

(١) لسان العرب ١٣ / ٤٦٨ مادّة «أله» : اللّعباء.+ الدّهناء : الفلاة. والدّهناء : موضع كلّه رمل ، وقيل : الدهناء موضع من بلاد بني تميم مسيرة ثلاثة أيّام لا ماء فيه ، يمدّ ويقصر. لسان العرب ١٣ / ١٦٣ مادّة «دهن».

(٢) ج ، م : عصيرا+ تفسير أبي الفتوح : أيضا.

(٣) لابن بري. تفسير أبي الفتوح ١ / ٣٤+ لسان العرب ١٣ / ٤٦٨ مادّة «أله».

(٤) هامش لسان العرب ١٣ / ٤٦٨ مادّة «أله» : ورواية المحكم : قسرا.

(٥) ليس في أ.

(٦) أ : إلها.

(٧) لم نعثر عليه فيما حضرنا من المصادر.

(٨) مريم (١٩) / ٦٥.

(٩) مجمع البيان ١ / ٩١ ، كشف الأسرار للميبدي ١ / ٥ ، ٦.

(١٠) تفسير القرطبي ١ / ١٠٢ نقلا عن بعض العلماء.

(١١) ليس في أ.

٦١

[والتذلّل] (١) والتديّن للمعبود. ولا يستحقّ عندهم إلّا بأصول النّعم ؛ وهي خلق الحياة ، والقدرة ، وكمال العقل ، والشّهوة ، والنّفرة ، والمشتهيات والتّمكين منها.

ومعنى (الرَّحْمنِ) : العاطف على خلقه ؛ البرّ والفاجر.

ومعنى (الرَّحِيمِ) : الرّاحم.

وعن ابن عبّاس ـ رحمه الله ـ أنّه قال : هما اسمان لله (٢) ـ تعالى ـ رقيقان ، أحدهما أرقّ من الآخر (٣).

وروي عن عليّ ـ عليه السّلام ـ أنّه قال : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) شفاء من كلّ داء ، وعون على كلّ دواء (٤).

وقال الزّجّاج : (الرَّحْمنِ) الكثير الرّحمة. وهو عامّ (٥).

وقال أبو عبيدة : (الرَّحْمنِ) ذو الرّحمة. و (الرَّحِيمِ) الرّاحم (٦).

وقال المبرد : (الرَّحْمنِ) ، فيه معنى الكمال. و (الرَّحِيمِ) ، فيه معنى الإفضال (٧).

وقيل : كلاهما مشتقّان من الرّحمة. عن ابن عبّاس (٨).

__________________

(١) ليس في أ.

(٢) ليس في د.

(٣) التبيان ١ / ٣٠.

(٤) لم نعثر عليها ولكن روى الرّاوندي عن الصادق ـ عليه السّلام ـ قال : قراءة الحمد شفاء من كلّ داء إلّا السّام. الدعوات / ١٨٩ ح ٥٢٤ وعنه البحار ٩٢ / ٢٦١.

(٥) لم نعثر عليه فيما حضرنا من المصادر.

(٦) التبيان ١ / ٣٠.

(٧) لم نعثر عليه فيما حضرنا من المصادر.

(٨) تفسير الطبري ١ / ٤٤.

٦٢

وقيل : «رحمان ورحيم» واحد ؛ كندمان ونديم (١).

__________________

(١) تفسير الطبري ١ / ٤٥.

٦٣
٦٤

تفسير

فاتحة الكتاب

٦٥
٦٦

تفسير

سورة الفاتحة

هي مكّية ، بلا خلاف. وهي سبع آيات.

روي عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ أنّه قال : سورة الفاتحة أفضل القرآن ، وهي الشّافية الكافية (١).

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) : آية منها ، ومن كلّ سورة ، وبعض آية من سورة النّمل. وهي خمسة وعشرون حرفا.

وتسمّى «الفاتحة» ، و «أمّ القرآن» ، و «السّبع المثاني».

وسورة الحمد سمّيت بالفاتحة ، لأنّها افتتاح كتاب الله تعالى (٢).

__________________

(١)عن إسماعيل بن أبان ، يرفعه إلى النبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ قال : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ لجابر بن عبد الله : يا جابر ألا اعلّمك أفضل سورة أنزلها الله في كتابه؟ قال : فقال جابر : بلى بأبي أنت وامّي يا رسول الله علّمنيها. قال : فعلّمه الحمد ـ امّ الكتاب ـ قال : ثمّ قال له : يا جابر ألا أخبرك عنها؟ قال : بلى بأبي أنت وامّي فأخبرني ، قال : هي شفاء من كلّ داء إلّا السّام ـ يعني الموت ـ. تفسير العياشي ١ / ٢٠ ح ٩ ، وعنه البحار ٩٢ / ٢٣٧ ح ٣٣ ، والبرهان ١ / ٤٢ ح ٢٠.

وروى محمد بن خلّاد الاسكندراني. قال : قال النبي ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ امّ القرآن عوض عن غيرها وليس غيرها منها عوضا. تفسير القرطبي ١ / ١١٣.

(٢) ليس في أ.

٦٧

وسمّيت أمّ القرآن ، لأنّها إمامه ومقدمته (١) وأصله ؛ كما أنّ أمّ الولد أصله.

وسمّيت أمّ الكتاب ، لفضلها وشرفها وتقدّمها (٢).

وسمّيت السّبع المثاني ، لأنّها سبع آيات.

وسمّيت المثاني ، لأنّها يثنّى بها في كلّ ركعة. روي ذلك (٣) عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ (٤).

وقيل : لأنّها نزلت على النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ مرّتين : مرّة بمكّة ، ومرّة بالمدينة (٥).

وقيل : لأنّ نصفها دعاء ، ونصفها ثناء (٦).

وقيل : لأنّ نصفها من الرّبّ ، ونصفها من العبد (٧).

__________________

(١) ج ، د : مقدّمه.

(٢) م ، ج ، د : تقديمها.

(٣) ليس في أ.

(٤) روى العياشي عن ابن عبد الرحمن ، عمّن رفعه ، قال : سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ) (الحجر / ٨٧) قال : هي سورة الحمد ... وإنّما سمّيت المثاني لأنّها تثنّى في الركعتين. تفسير العياشي ١ / ١٩ وعنه نور الثقلين ٣ / ٢٧ ح ٩٨ والبحار ٨٩ / ٢٣٥ ح ٢٣ والبرهان ١ / ٤٢ ح ١٤+ مجمع البيان ٦ / ٥٣٠ نحوه.

(٥) تفسير أبي الفتوح ١ / ١٨ ، مجمع البيان ١ / ٨٧ ، كشف الأسرار للميبدي ١ / ٣.

(٦) مجمع البيان ٦ / ٥٣٠.

(٧) مجمع البيان ٦ / ٥٣٠+ روى الصدوق عن محمد بن القاسم المفسر الأسترآبادي ، عن يوسف ابن محمد بن زياد وعلي بن محمّد بن سيّار ، عن أبويهما ، عن الحسن بن علي ، عن أبيه عليّ بن محمّد ، عن أبيه محمّد بن عليّ ، عن أبيه الرضا عليّ بن موسى ، عن أبيه موسى بن جعفر ، عن أبيه جعفر بن محمّد ، عن أبيه محمد بن عليّ ، عن أبيه عليّ بن الحسين ، عن أبيه الحسين بن

٦٨

وروي عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ أنّه قال في تفسير (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) : «الباء» من بهاء الله. و «السّين» من سناء الله. و «الميم» من ملك الله. و «الله» إله كلّ شيء. و «الرّحمن» لجميع خلقه. و «الرّحيم» بالمتّقين خاصّة (١).

وروي عنه ـ عليه السّلام ـ أنّه قال : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) أولى ما جهر به العبد قال الله تعالى : (وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً). ذلك قول القارئ : «بسم الله الرّحمن الرّحيم» (٢).

وروي عنهم ـ عليهم السّلام ـ أنّهم قالوا : علامات المؤمن خمس : الجهر «ببسم الله الرّحمن الرّحيم». والتّختّم في اليمين ، وصلاة إحدى وخمسين ، وتعفير الجبين ، وزيارة الأربعين (٣).

__________________

عليّ ، عن أبيه أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب ـ عليهم السّلام ـ ، قال : قال رسول الله : قال الله ـ عزّ وجلّ ـ : قسمت فاتحة الكتاب بيني وبين عبدي فنصفها لي ونصفها لعبدي ، ولعبدي ما سأل. العيون ١ / ٣٠٠ ح ٥٩ وعنه البحار ٩٢ / ٢٢٦ ح ٣ ونور الثقلين ١ / ٤ ح ٩.

(١) روى الكليني عن عدّة من أصحابنا ، عن احمد بن محمّد بن خالد ، عن القاسم بن يحيى ، عن جدّه الحسن بن راشد ، عن عبد الله بن سنان ، قال : سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن تفسير (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) قال : الباء بهاء الله والسين سناء الله والميم مجد الله ، وروى بعضهم : الميم ملك الله ، والله إله كلّ شيء ، الرّحمن بجميع خلقه والرحيم بالمؤمنين خاصّة. الكافي ١ / ١١٤ ح ١+ التوحيد / ٢٣٠ ومعاني الأخبار / ٣ وعنهما البحار ٨٩ / ٢٢٨ ح ٨ وص ٢٣١ ح ١١+ تفسير القمّي ١ / ٢٨.

(٢) روى القمّي ـ قدّس سرّه ـ عن ابن اذينة قال ، قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) أحقّ ما اجهر به وهي الآية الّتي قال الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً) (الإسراء / ٤٦). تفسير القمّي ١ / ٢٨ وعنه نور الثقلين ١ / ١٠ ح ٣٤ والبرهان ١ / ٤١ ح ١٠.

(٣) مصباح المتهجّد / ٧٣٠ وعنه البحار ٨٥ / ٧٥ ح ٧+ التهذيب ٦ / ٥٢ ح ٣٧ وعنه البحار

٦٩

وقوله ـ تعالى ـ : (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ).

روي عن ابن عبّاس ـ رحمه الله ـ أنّه قال : معنى «الحمد لله» : الشّكر لله (١).

وهو تعليم لنا أن نقول : «الحمد لله».

ومعنى «الحمد» ، عند أهل اللّغة : المدح والثّناء والشّكر والرّضا.

وقال الخليل بن أحمد : «الحمد» حسن الثّناء (٢). وهو نقيض الهجاء. قال الشاعر :

يا أيّها الماتح (٣) دلوي (٤) دونكا

إنّي رأيت النّاس يحمدونكا

يثنون خيرا أو يمجّدونكا

أرجوك للخير كما يرجونكا (٥)

قال : و «الحمد» يكون على الخلال الجميلة. و «الشّكر» على المعروف.

و «الحمد» لله (٦) ـ سبحانه ـ على أسمائه الحسنى وصفاته العليا.

__________________

١٠١ / ١٠٦ ح ١٧ وفيها : الخمسين بدل إحدى وخمسين.

(١) تفسير الطبري ١ / ٤٦.

(٢) لم نعثر عليه فيما حضرنا من المصادر.

(٣) المصدران : المائح. والمائح : الّذي يملأ الدلو من أسفل البئر ، والماتح : المستقي من أعلى البئر. لسان العرب ٢ / ٥٨٨ مادّة «متح».

(٤) ليس في د.

(٥) لأبي عبيدة. تفسير الطبري ١ / ٤١+ لسان العرب ٢ / ٦٠٨ مادّة «ميح» والموجود فيهما البيت الأوّل فقط.

(٦) ليس في د.

٧٠

و «الشّكر» على نعمه وإحسانه.

ولا يوضع «الحمد» موضع «الشّكر». ولا يوضع «الشّكر» موضع «الحمد».

وقيل «الحمد» يختصّ (١) بالله ـ تعالى ـ. و «الشّكر» عامّ له ولغيره (٢).

وقيل : هما واحد (٣).

وقوله ـ تعالى ـ : (رَبِّ الْعالَمِينَ).

قال الكلبيّ : ربّ كلّ ذي روح دبّ على وجه الأرض ، وربّ أهل السّماء والأرض ؛ أي : مالكهم ومدبّرهم (٤).

وقال مقاتل بن سليمان : «ربّ العالمين» مالكهم (٥).

وقال مجاهد : سيد الجنّ والإنس (٦).

و «الرب» عند أهل اللّغة : السّيّد والمالك والمصلح.

قال الله ـ تعالى ـ في السّيّد : (أَمَّا أَحَدُكُما فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً) (٧) ؛ أي : سيّده ومالكه.

ويقال : ربّ الدّار والضّيعة ؛ أي : مالكهما.

وقال الشّاعر في المصلح :

__________________

(١) ج ، د : مختصّ.

(٢) كشف الاسرار للميبدي ١ / ١٠.

(٣) التبيان ١ / ٣١.

(٤) لم نعثر عليه فيما حضرنا من المصادر.

(٥) لم نعثر عليه فيما حضرنا من المصادر.

(٦) تفسير الطبري ١ / ٤٩ وليس فيه سيّد.

(٧) يوسف (١٢) / ٤١.

٧١

كانوا كسالئة حمقاء إذ خفيت (١)

سلاءها (٢) في أديم غير مربوب (٣)

أي : غير مصلح. يصف هذا الشّاعر امرأة فيها رعونة وحمق ، سلت ودكا (٤) وطرحته في أديم غير مصلح ، فذهب منها.

و «الرّبّ» : هو المخوّل في الشيء ، المتصرّف فيه.

والرّبّ والرّابّ والمربّ والمربّت (٥) ، واحد.

قوله تعالى : (الْعالَمِينَ).

قال مقاتل : هم الجنّ والإنس (٦).

وقال الكلبيّ (٧) : «العالمين» : كلّ ذي روح دبّ.

وقيل : «العالم» : اسم لجميع ما حواه الفلك.

وقال أبو العالية : «العالمين» ، ثمانية عشر ألف عالم (٨).

وقال غيره : «العالم» ما كان في عصر واحد (٩). ومنه قوله ـ تعالى ـ :

__________________

(١) ج ، د : حفيت. المصدر : حقنت.

(٢) ليس في أ.

(٣) للفرزدق بن غالب. تفسير الطبري ١ / ٤٨.

(٤) الودك : الدسم معروف. لسان العرب ١٠ / ٥٠٩ مادّة «ودك».

(٥) ج ، د : المرتّب.

(٦) تفسير الطبري ١ / ٤٨ ـ ٤٩ وفيه مجاهد بدل مقاتل. والظاهر أنّ ذكر مقاتل هنا من سهو القلم ، وتقدّم آنفا نقل هذا القول عن مجاهد.

(٧) ليس في أ.

(٨) تفسير الطبري ١ / ٤٩.

(٩) التبيان ١ / ٣٢.

٧٢

(وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ) (١) ؛ يعني (٢) : بني إسرائيل فضّلهم على عالمي (٣) زمانهم بأشياء.

وقال الضّحّاك : «العالمين» : جميع ما خلق الله (٤) ـ سبحانه (٥) وتعالى (٦) ـ.

وقال أبو عبيدة : «العالمين» : كلّ من له (٧) عقل وتمييز (٨).

وقال القتيبيّ : «العالمين» : أصناف الخلق كلّهم ، كلّ صنف منهم عالم (٩).

واشتقاق «العالم» ، من «العلامة» فكأنّه علامة على الخالق ـ سبحانه ـ.

و «العالم» عند المتكلّمين ، عبارة عن الجواهر والأعراض (١٠).

وقوله ـ تعالى ـ : (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) : هما صفتان لله ـ تعالى ـ مشتقّتان من الرّحمة. وضعتا (١١) للمبالغة.

وقيل : هما واحد ؛ كقولنا : «ندمان ونديم» (١٢).

وقيل : إنّ «الرّحمن» اسم خاصّ لله ـ تعالى ـ لا يشركه فيه غيره. و

__________________

(١) البقرة (٢) / ٤٧.

(٢) ليس في أ.

(٣) أ : عالم.

(٤) ليس في ج ، د.

(٥) ليس في د.

(٦) كشف الأسرار للميبدي ١ / ١٢ نقلا عن حسن ومجاهد وقتادة.

(٧) ليس في ج.

(٨) كشف الأسرار للميبدي ١ / ١٢.+ د : تميّز.

(٩) تفسير الطبري ١ / ٤٩ نقلا عن قتادة.

(١٠) أنظر : تجريد الاعتقاد / ١٤٣+ تلخيص المحصّل / ١٢٩.

(١١) الظاهر أنّ ما أثبتناه في المتن هو الصحيح وفي النّسخ : وضعا.

(١٢) تفسير الطبري ١ / ٤٥.

٧٣

«الرّحيم» يشركه فيه غيره ؛ لأنّه يقال : ملك رحيم. ولا يقال : ملك رحمان ، إلّا لله (١) ـ تعالى (٢) ـ. (قال الله ـ تعالى ـ) (٣) : (هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا) (٤) ؛ أي : لم يسمّ الله (٥) غيره باسمه (٦).

وقوله ـ تعالى ـ : (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) ؛ أي : ملك يوم الجزاء ، لا يملكه غيره.

و «يوم» ، مجرور بالإضافة.

وقرئ «مالك» بالألف. روي ذلك عن عليّ ـ عليه السّلام ـ وابن عبّاس ـ رضي الله عنه ـ وعن جماعة من الصّحابة غيرهما (٧).

وقرئ بنصب «مالك» على وجه النّداء (٨).

وقرئ بالرّفع ، على إضمار «هو مالك» (٩).

وقرئ بالجرّ ، على أنّه نعت «للرّحمان الرّحيم» (١٠).

__________________

(١) الظاهر أنّ ما أثبتناه في المتن هو الصحيح وفي النسخ : إلّا الله.

(٢) انظر : تفسير الطبري ١ / ٤٤ ـ ٤٥ ، الكشّاف ١ / ٦.

(٣) ليس في د.

(٤) مريم (١٩) / ٦٥.

(٥) ليس في أ.

(٦) ليس في ج ، د ، م.

(٧) التبيان ١ / ٣٣ ، كشف الاسرار للميبدي ١ / ١٤ ـ ١٥+ روى العيّاشي عن محمد بن عليّ الحلبي عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ أنّه كان يقرأ (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ). تفسير العيّاشي ١ / ٢٢ ح ٢٢ وعنه نور الثقلين ١ / ١٩ ح ٧٩.

(٨) التبيان ١ / ٣٣.

(٩) تفسير أبي الفتوح ١ / ٤٦.

(١٠) التبيان ١ / ٣٣.

٧٤

و «الدّين» الجزاء.

و [الدين] (١) الحكم والقضاء.

و «الدّين» العادة. ومنه قوله (٢) ـ سبحانه ـ : (ما كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ) (٣) ؛ أي : في عادته وسنّته.

و «الدّين» اسم لجميع ما تعبّد الله به خلقه.

والفرق بين «ملك» و «مالك» : [أنّ «ملك»] (٤) في سورة الحمد مخصوص بيوم الجزاء ، لا ملك غيره في ذلك اليوم. وملك في سائر النّاس ، على معنى ملك التّدبير ، لمن يشعر بالتّدبير.

ويقال : بينهما فرق العموم والخصوص ، لأنّه يقال : مالك الثّوب. ولا يقال : ملكه. ويقال : ملك الرّوم. ولا يقال : مالكهم.

وقوله ـ تعالى ـ (إِيَّاكَ نَعْبُدُ).

قال الكلبيّ : إيّاك نطيع (٥).

وقال مقاتل : إيّاك نوحّد. ومعناه : لك نطيع ، ولك نعبد ونخضع ونستكين ونخنع ونخشع (٦).

__________________

(١) من ج ود.

(٢) ج ، د زيادة : تعالى.

(٣) يوسف (١٢) / ٧٦.

(٤) ليس في د.

(٥) لم نعثر عليه فيما حضرنا من المصادر.

(٦) روى الطبري عن أبي كريب عن عثمان بن سعيد عن بشر بن عمار عن أبي روق عن الضحاك عن عبد الله بن عبّاس ، قال : قال جبريل لمحمد ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ : قل : يا محمد ، إيّاك نعبد ايّاك نوحد ونخاف ونرجو يا ربّنا لا غيرك. تفسير الطبري ١ / ٥٣.

٧٥

وقال : «إيّاك» لفظة أمر. و «هيّاك» لفظة نهي (١).

وقوله ـ تعالى ـ : (وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) ؛ أي : نطلب منك المعونة على عبادتك وطاعتك.

وقوله ـ تعالى ـ : (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ).

«المستقيم» صفة «الصّراط».

قال الكلبيّ : «اهدنا» : أرشدنا إلى الطّريق القائم ، وهو الإسلام (٢).

وقال مقاتل : «اهدنا» إلى دين الإسلام (٣).

وقال ابن مسعود : «اهدنا» إلى كتاب الله (٤).

وقال الضّحّاك : «اهدنا» إلى طريق الجنّة (٥).

وروي في أخبارنا ، عن أئمّتنا ـ عليهم السّلام ـ أنّ «الصّراط» طريق النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ وطريق الأئمّة الطّاهرين من آله ـ عليهم السّلام ـ (٦).

وروي عن عليّ ـ عليه السّلام ـ أنّه قال : ثبّتنا على دين الإسلام (٧).

__________________

(١) لم نعثر عليه فيما حضرنا من المصادر.

(٢) لم نعثر عليه فيما حضرنا من المصادر.

(٣) تفسير أبي الفتوح ١ / ٥٢.

(٤) التبيان ١ / ٤٢.

(٥) تفسير أبي الفتوح ١ / ٥٢ نقلا عن سعيد بن جبير.

(٦) انظر : نور الثقلين ١ / ٢٠ ـ ٢٤ ، معاني الأخبار / ٣٢ ـ ٣٨ ، البحار ٢٤ / ٩ ـ ٢٥ ، البرهان ١ / ٥٠ ـ ٥٢.

(٧) تفسير أبي الفتوح ١ / ٥١.

٧٦

وقيل : معنى «اهدنا» : ألهمنا (١) وأرشدنا (٢) وسدّدنا ووفّقنا (٣).

والصّراط والمنهج والرّصد والمرصاد والسّبيل واللّقم واللّاحب ، كلّه بمعنى واحد.

وأصل «الصّراط» : السّين. مأخوذ من سرط الطّعام ، يسرطه ، سرطا : إذا ابتلعه.

والقائم والقيّم والمستقيم ، واحد.

وقوله ـ تعالى ـ : (صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) :

«صراط» ، بدل من «الصّراط» الأوّل.

قال ابن عبّاس والكلبيّ : اهدنا طريق الّذين مننت عليهم ، وهم الأنبياء والأئمة والملائكة والصّديقون والشّهداء والصّالحون (٤).

وقوله ـ تعالى ـ : (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ) : اليهود ، بإجماع المفسّرين.

(و «غير» ، مجرور ، لأنّه نعت «الّذين» بإجماع النّحاة والمفسّرين) (٥).

__________________

(١) روى الطبري عن أبي كريب ، عن عثمان بن سعيد ، عن بشر بن عمار ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن عبد الله بن عبّاس ، قال : قال جبرئيل لمحمد قل يا محمد اهدنا الصراط المستقيم يقول : ألهمنا الطريق الهادي وهو دين الله الّذي لا عوج له. تفسير الطبري ١ / ٥٧.

(٢) روى الصدوق عن محمد بن القاسم الأسترآباديّ المفسّر عن يوسف بن محمد بن زياد ، وعلي ابن محمد بن يسار ، عن أبويهما ، عن الحسن بن عليّ العسكري ـ عليهما السّلام ـ قال : وقال جعفر بن محمد الصادق ـ عليهما السّلام ـ ، في قوله ـ عزّ وجلّ ـ : (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) قال : يقول : أرشدنا إلى الصراط المستقيم. معاني الأخبار / ٣٣ ح ٤ وعنه نور الثقلين ١ / ٢٢ ، ح ٩٦ والبرهان ١ / ٥١ ، ح ٢٤.

(٣) تفسير الطبري ١ / ٥٥ نقلا عن ابن عبّاس.

(٤) تفسير الطبري ١ / ٥٨ نقلا عن ابن عبّاس فقط.

(٥) ليس في م.

٧٧

وقوله ـ تعالى ـ : (وَلَا الضَّالِّينَ (٧)) : هم النّصارى ، بإجماع المفسّرين ـ أيضا ـ. لأنّ الله ـ سبحانه ـ أخبر عن اليهود ، أنّه غضب عليهم ، ومسخهم قردة وخنازير. وأخبر عن النّصارى ، فقال : (وَضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ) (١).

والغضب من الله ، إرادة الانتقام. والغضب من العباد ، غليان دم القلب.

و «الضّلال» العدول عن الحقّ.

والرّشد والهدى والضّلال ، في الكتاب العزيز ، على وجوه تجيء مبيّنة فيما يأتي من التفسير في مواضعها ـ إن شاء الله تعالى ـ.

__________________

(١) المائدة (٥) / ٧٧.

٧٨

تفسير

سورة البقرة

٧٩
٨٠