نهج البيان عن كشف معاني القرآن

محمّد بن الحسن الشيباني

نهج البيان عن كشف معاني القرآن

المؤلف:

محمّد بن الحسن الشيباني


المحقق: حسين درگاهي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: نشر الهادي
المطبعة: مؤسسة الهادي
الطبعة: ١
ISBN: 964-400-034-X
الصفحات: ٣٦٥

مقدّمة أخرى (١) يحسن تقديمها

روي عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ أنّه قال : نزل القرآن على سبعة أحرف ، كلّها كاف شاف ، فاقرؤوا كيف شئتم (٢).

واختلف علماء التّأويل في معنى ذلك ، فقال جماعة منهم : هي سبعة أوجه ، من اللّغات ، متفرّقة في القرآن (٣).

وروى ابن مسعود ، عن النّبيّ (ـ صلّى الله عليه وآله ـ) (٤) أنّه قال : نزل القرآن على سبعة أحرف : زجر (٥) ، وأمر ، وحلال وحرام ، ومحكم ، ومتشابه ، وقصص ، وأمثال (٦).

وقال قوم من المفسرين : نزل على سبعة أحرف : ناسخ ، ومنسوخ ، ومحكم ، ومتشابه ، ومجمل ، ومفصّل ، وتأويل (٧) ؛ لا يعلمه إلّا الله ونبيّه والرّاسخون في العلم من آله ـ عليهم السّلام ـ (٨).

__________________

(١) ليس في م.

(٢) روى الطبري عن يونس عن سفيان عن عمرو بن دينار قال : قال النبي ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ : أنزل القرآن على سبعة أحرف كلّها شاف كاف. تفسير الطبري ١ / ١١.

(٣) تفسير الطبري ١ / ١٥.

(٤) ج ، د : ـ عليه السّلام ـ.

(٥) ليس في م.

(٦) تفسير الطبري ١ / ٢٣.

(٧) في ج زيادة : العلماء.

(٨) لم نعثر عليه فيما حضرنا من المصادر.

٢١

وقال آخرون : الأحرف السّبعة : وعد ، ووعيد ، وحلال ، وحرام ، ومواعظ ، وأمثال ، واحتجاج (١).

وقال آخرون : حلال ، وحرام ، وأمر ، ونهي ، وخبر ما كان ، وخبر ما هو كائن بعد ، وأمثال (٢).

وروي عن الصّادق ؛ جعفر بن محمّد ـ عليهما السّلام ـ أنّه قال : نزل القرآن على سبعة أحرف : أمر ، وزجر ، وترغيب ، وترهيب ، وقصص ، ومثل ، وجدل (٣).

وروي عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ أنّه قال : لقد أنزل عليّ آيات ما أنزل في التّوراة والإنجيل والزّبور مثلهنّ ؛ وهي فاتحة الكتاب وهي أمّ القرآن والسّبع المثاني ، والسّبع الطّوال (٤).

وهي السّبع السّور من البقرة إلى الأنفال.

وروي عن النّبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ أنّه قال : أعطيت مكان التّوراة السّبع الطّوال ، ومكان الزّبور المئين ، ومكان الإنجيل المثاني. وفضّلت بالمفصّل (٥).

فالمئون ، كلّ مائة وما يزيد عليها. والمثاني ، ما وراء المائتين. ثمّ الطّواسين

__________________

(١) لم نعثر عليه فيما حضرنا من المصادر.

(٢) لم نعثر عليه فيما حضرنا من المصادر.

(٣) البحار ٩٣ / ٤ عن تفسير النعماني.+ تفسير الطبري ١ / ٢٤ عن رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ.

(٤) عن أبي بن كعب أنّه قال : قرأت على رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فاتحة الكتاب فقال : والّذي نفسي بيده ما أنزل الله في التوراة والإنجيل ولا في الزبور ولا في القرآن مثلها ، هي امّ القرآن ، وهي السبع المثاني ، وهي مقسومة بين الله وبين عبده ولعبده ما سأل. البحار ٩٢ / ٢٥٩ عن جامع الأخبار.

(٥) تفسير الطبري ١ / ٣٤ وعنه وعن غيره الدّر المنثور ٦ / ١٠١ ويقرب منه الكافي ٢ / ٦٠١ ح ١٠ ، وعنه نور الثقلين ١ / ٣١٠ ح ٨+ العياشي ١ / ٢٥ ح ١ ، وعنه البحار ٩٢ / ٢٧ ح ٣١ ، والبرهان ١ / ٥٢ ح ١+ المناقب ١ / ٢٢٩ وعنه البحار ١٦ / ٣٣٥ ح ٢٨+ مجمع البيان ١ / ٨٢.

٢٢

بعدها ، وسمّيت الطّواسين بأوائلها. ثمّ الحواميم ، وسمّيت ـ أيضا ـ بأوائلها. ثمّ المفصّل ، وسمّي بذلك لكثرة فصوله.

وروى مكحول ، عن رجل ، قال : كنّا جلوسا عند عمر بن الخطّاب ـ فذكر فضائل القرآن ـ في مسجد النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ. فقال رجل : أفضل القرآن سورة الحمد.

وقال آخر : خاتمة براءة.

وقال آخر : خاتمة بني إسرائيل.

وقال آخر : كهيعص.

وقال آخر (١) : يس وتبارك.

فقدّم القوم وأخرّوا ، وفي القوم عليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام ـ لا يحير جوابا.

فقال له عمر بن الخطّاب : فما عندك ، يا أبا الحسن؟

فقال ـ عليه السّلام ـ : سمعت النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ يقول : سيّد البشر آدم ، وسيّد العرب محمّد ، وسيّد الرّوم صهيب ، وسيّد الفرس سلمان ، وسيّد الحبشة بلال ، وسيّد الجبال طور سيناء ، وسيّد الشّجر السّدر ، وسيّد الأشهر أشهر الحرم ، وسيّد الأيّام يوم الجمعة ، وسيّد الكلام القرآن ، وسيّد القرآن البقرة ، وسيّد البقرة آية الكرسيّ. أما إنّ فيها خمسين كلمة ، وفي كلّ كلمة خمسون بركة (٢).

وعن عبد الله بن العبّاس ـ رضي الله عنه ـ أنّه قال : قال النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ : إنّ لكلّ شيء سناما ، [وإنّ سنام القرآن البقرة] (٣). وإنّ لكلّ شيء

__________________

(١) ليس في د.

(٢) مجمع البيان ٢ / ٦٢٦+ تفسير أبي الفتوح الرازي ٢ / ٣١٩ وعنه مستدرك الوسائل ٤ / ٣٣٦ ح ٢٧ مع اختلاف يسير في كلّها.

(٣) ليس في أ.

٢٣

قلبا ، وقلب القرآن يس. وإنّ لكلّ شيء بابا ، وباب القرآن المفصّل. وما خلق الله من سماء ولا أرض و [لا سهل و] (١) لا جبل ، أعظم من آية الكرسيّ (٢).

وروي : أنّها حيث أنزلت على النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ نزل معها سبعون ألفا من الملائكة يحفّونها حفّا ، وذلّت لها رقاب الجنّ والإنس ، وهي أفضل آية في القرآن (٣).

__________________

(١) ليس في أ.

(٢) روى الشيخ أبو الفتوح عن أبي امامة ، عن أبي بن كعب ، قال : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : إنّ لكلّ شيء سناما وسنام القرآن سورة البقرة. تفسير أبي الفتوح ١ / ٥٧ وعنه مستدرك الوسائل ٤ / ٣٣٣ ، ح ١٣+ روى الصدوق عن محمد بن موسى بن المتوكّل عن محمد ابن يحيى عن محمد بن أحمد ، عن محمّد بن حسان عن إسماعيل بن مهران عن الحسن بن عليّ عن الحسين بن أبي العلاء عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : «إنّ لكلّ شيء قلبا وإنّ قلب القرآن يس». ثواب الأعمال / ١٣٨ وعنه البحار ٩٢ / ٢٨٨ ، ح ١.

أخرج ابن الضريس ومحمّد بن نصر والهروي في فضائله عن ابن عباس قال : ما خلق الله من سماء ولا أرض ولا سهل ولا جبل أعظم من سورة البقرة ، وأعظم آية فيها آية الكرسي. الدرّ المنثور ١ / ٣٢٣ وعنه جامع الأخبار والآثار ، كتاب القرآن ٢ / ١٢٠ ، ح ٦.

(٣) لم نعثر عليه فيما حضرنا من المصادر.

٢٤

(فصل)

في ذكر اشتقاق القرآن ومعناه

ذكر جماعة من المفسّرين وأئمّة اللّغة : أنّ اشتقاق القرآن من قول العرب : قرأت الماء في الحوض ؛ أي : جمعته. ومنه اشتقاق القرية ، لاجتماع النّاس بها. وكذلك اشتقاق قرى النّمل. وسمّي القرآن بذلك ، لأنّه يجمع السّور والآيات.

وسمّيت السّورة : سورة ، لأنّها قطعة منفصلة عمّا سواها. ومنها سور المدينة.

[وقيل] (١) : سمّيت بذلك ، لشرفها وارتفاعها. وأخذت من سور البناء وارتفاعه.

وسمّيت الآية : آية ، لأنّها علامة على ما وضعت له. ومنه قوله ـ تعالى ـ حكاية (٢) عن قول زكرياء ـ عليه السّلام ـ حيث سأل الله الولد ، فأجيب إلى ذلك ، فقال : (رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً) ؛ أي : علامة أستدلّ بها على الإجابة ، وتعلمها النّاس. فقال : (آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا) (٣) يعني : من غير كلام (٤) ولا خرس. فأمسك الله لسان زكرياء ثلاثة أيّام ، بلياليهنّ ، عن الكلام ، علامة له على الإجابة. وكان كلامه ـ

__________________

(١) ليس في د.

(٢) ليس في ج.

(٣) مريم (١٩) / ١٠.

(٤) ج ، د : آفة بدل كلام.

٢٥

عليه السّلام ـ بالإشارة والإيماء. واستشهد بقول الشّاعر ، في أنّ الآية هي العلامة :

الكني (١) إليها عمّرك الله يا فتى

بآية ما جاءت إلينا تهاديا (٢)

__________________

(١) الكني إليها بالسلام ؛ أي : بلّغها سلامي وكن رسولي إليها. لسان العرب ١٠ / ٣٩٣ مادّة «أ لك».

(٢) لعبد بني الحسحاس. التبيان ١ / ١٣٠ وتفسير الطبري ١ / ٣٦ ، ١٥٦.

٢٦

(فصل)

فيما يشتمل عليه القرآن العزيز

ذكر بعض المفسّرين ، ممّن روى التّفسير ، عن أبي جعفر ؛ محمّد بن عليّ الباقر ، وعن أبي عبد الله ؛ جعفر بن محمّد الصّادق ـ عليهما السّلام ـ فقال (١) : إنّ (٢) القرآن المجيد ، يشتمل على أمر ، ونهي ، وناسخ ، ومنسوخ ، ومحكم ، ومتشابه ، وبيان ، ومبيّن ، ومجمل ، ومفسّر ، ومطلق ، ومقيّد ، وحقيقة ، ومجاز ، وعامّ ، وخاصّ ، ومقدّم ، ومؤخّر ، وعلى المعطوف المنقطع ، وعلى الحرف مكان الحرف. وفيه ما هو على خلاف الظّاهر في التّنزيل ، وفيه آية في سورة وتمامها في سورة أخرى ، وفيه آية نصفها منسوخ ونصفها متروك ، وفيه ما تأويله في تنزيله ، ويحتاج فيه إلى البيان من الرّسول (ـ صلّى الله عليه وآله ـ) (٣) وفيه ما تأويله بعد تنزيله ، وفيه ما هو خطاب للنّبيّ [ـ صلّى الله عليه وآله ـ] (٤) والمراد به أمّته ، وفيه ما هو خاصّ له [ـ صلّى الله عليه وآله ـ] (٥) وفيه القصص والأمثال (٦).

وأنا أقدّم بيان ذلك ، وأمثلته في الكتاب العزيز ، وحقائقه عند علماء المفسّرين ، وعند متكلّمي أصول الفقه ، وعند علماء اللّغة ـ إن شاء الله تعالى ـ.

__________________

(١) د : قال.

(٢) ليس في د.

(٣) ج ، د ، أ : ـ عليه السّلام ـ.

(٤ ، ٥) ج : ـ عليه السّلام ـ.

(٦) تفسير القمّي ١ / ٥+ بحار الأنوار ٩٣ / ٤ عن النعماني.

٢٧
٢٨

(فصل)

في ذكر (١) حقائق ما ذكرناه وأمثلته في الكتاب

العزيز وعند المحقّقين من المفسّرين وأئمّة

اللّغة ومتكلّمي أصول الفقه

فحقيقة «الأمر» عند أهل اللّسان هو قول القائل لمن هو دونه في الرّتبة : افعل.

[وما في معنى ذلك ـ خ] (٢) لأنّ المعنى ذلك من قوله : ليفعل. وهو مخصوص بالغائب.

وهو ينقسم إلى واجب ومندوب.

وقد اختلف علماء أصول الفقه ، في لفظ الأمر ، على قولين : هل هو حقيقة في استدعاء الفعل ومجاز في التّحدي (٣) والتّهديد والإباحة والإلزام والسّؤال والشّفاعة والطّلب ، أو هو مشترك في ذلك كلّه؟

فذهب قوم منهم إلى القول الأوّل ، واحتجّوا عليه بأنّه إذا قيل : أمر فلان فلانا ، لم يفهم منه إلّا استدعاء الفعل.

وذهب قوم منهم إلى القول الثّاني ، واحتجّوا عليه باستعمال العرب ذلك في الوجوه التي ذكرناها وبما ورد من ذلك في الكتاب العزيز.

وحجج الفريقين واعتراضاتهم مذكورة في كتب أصول الفقه (٤) ، لا يحتمل كتاب التّفسير ذكرها.

__________________

(١) ليس في ج ود.

(٢) من هامش أ. وفيه : المعنى بدل معنى والصواب ما أثبتناه في المتن.+ م ، د ، ج : لأنّ معنى ذلك.

(٣) ج : التحديد.

(٤) انظر : الذريعة إلى أصول الشريعة ١ / ٥١.

٢٩

وحقيقة «النّهي» عند أهل اللّسان ، هو قول القائل لمن هو دونه في الرّتبة : لا تفعل. وما في معنى ذلك ، من قوله : ليكفّ وليترك. وهو يختصّ بالغائب.

و «النّهي» عند علماء أصول الفقه ، ينقسم قسمين : نهي عن محظور ، ونهي عن مكروه.

وحقيقة «النّسخ» عندهم ، هو إزالة مثل الحكم الشّرعيّ ، بدليل شرعيّ متراخ عنه.

ويعرف النّاسخ من المنسوخ بالتّأريخ ، فيكون النّاسخ متأخّرا والمنسوخ متقدّما.

و «النسخ» عند أهل هذا (١) اللّسان له معنيان : بمعنى النّقل ؛ كقولك : نسخت الكتاب ؛ أي : نقلته. ومعنى الإزالة ؛ كقولك : نسخت الشّمس الظّل ، ونسخت الرّيح آثارهم ؛ أي : أزالتها.

وحقيقة «المحكم» عند علماء أصول الفقه والتّفسير : ما علم المراد بظاهره ، من دون قرينة أو دلالة ؛ مثل قوله ـ تعالى ـ : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) (٢) وما ماثل ذلك.

وحقيقة «المتشابه» عندهم : ما لم يعلم المراد بظاهره حتّى يقترن به ما يدلّ على معناه ؛ مثل قوله : (وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلى عِلْمٍ) (٣) ؛ أي : عاقبه.

و «الضّلال» في كتاب الله ـ تعالى ـ على وجوه. وكذلك «الهدى».

و «الضّلال» ، بمعنى : العقوبة ، في قوله ـ سبحانه ـ : (يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ) (٤).

و «الضّلال» بمعنى : الهلاك ، في قوله ـ تعالى ـ : (أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ) (٥)

__________________

(١) ليس في أ.

(٢) الإخلاص (١١٢) / ١ ـ ٢.

(٣) الجاثية (٤٥) / ٢٣.

(٤) الرعد (١٣) / ٢٧.

(٥) السجدة (٣٢) / ١٠.

٣٠

بمعنى : هلكنا وتقطّعنا.

و «الضّلال» ، بمعنى : المحبّة ، في قوله ـ تعالى ـ حكاية عن قول إخوة يوسف لأبيه (١) : (إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ) (٢) ؛ أي : في محبّتك ليوسف.

و «الهدى» في الكتاب العزيز بمعنى : الثّواب ، في قوله ـ تعالى ـ : (يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) (٣) ؛ أي : يثيب من يستحقّ الثّواب.

و «الهدى» فيه (٤) بمعنى : الرّشاد ، في قوله ـ تعالى ـ : (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى) (٥) ؛ أي : أرشدناهم.

و «الهدى» في الكتاب العزيز بمعنى : الهادي ، في قوله ـ تعالى ـ : (أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً) (٦) ؛ أي : هاديا.

وكلّ هذا يجيء فيما يأتي ، من التّفسير ، في مواضعه ـ إنشاء الله تعالى ـ.

و «البيان» عندهم : هو الكشف والإيضاح. وقيل : هو الدلالة.

و «المبيّن» عندهم : ما لا يحتاج إلى بيان وتفسير. وكذلك «المفسّر».

و «المجمل» : ما يحتاج إلى بيان وتفسير في معرفة المراد.

و «المطلق» عندهم : ما لم يقترن به غيره ؛ مثل قوله ـ تعالى ـ : (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ) (٧).

__________________

(١) ليس في أ.

(٢) يوسف (١٢) / ٩٥.

(٣) إبراهيم (١٤) / ٤.

(٤) ليس في أ.

(٥) فصّلت (٤١) / ١٧.

(٦) طه (٢٠) / ١٠.

(٧) البقرة (٢) / ٢٨٢.

٣١

و «المقيّد» عندهم ؛ مثل قوله ـ تعالى ـ : (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) (١) (٢).

و «الحقيقة» عندهم (٣) : كلّ لفظ استعمل فيما وضع له ؛ كقولهم : «أسد» لهذا السّبع الضّاري. و «بحر» لهذا الماء الوسيع (٤) الغليظ.

و «المجاز» عندهم : كلّ لفظ استعمل في غير ما وضع له ؛ كوصفنا الشّجاع بالأسد ، ووصفنا الجواد بالبحر.

و «العامّ» عندهم : ما أفاد اثنين ، فما زاد عليهما.

و «الخاصّ» عندهم : ما أفاد واحدا ، دون ما سواه.

ومثال النّاسخ ، في القرآن المجيد ؛ كآية العدّة بالأشهر ؛ كقوله (٥) ـ تعالى ـ : (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً) (٦) نسخت ما قبلها ، وهي قوله ـ تعالى ـ : (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ) (٧) وكآية الجلد ؛ قوله ـ تعالى ـ : (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي ، فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ) (٨) نسخت الآية الّتي قبلها ، وهي آية الحبس ، حتّى يموت ؛ قوله ـ تعالى ـ : (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ ، فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ. فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ ، حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ. أَوْ يَجْعَلَ اللهُ

__________________

(١) ليس في أ.

(٢) الطلاق (٦٥) / ٢.

(٣) ليس في ج.

(٤) في د زيادة : و.

(٥) أ ، د : قوله بدل كقوله.

(٦) البقرة (٢) / ٢٣٤.

(٧) البقرة (٢) / ٢٤٠.

(٨) النور (٢٤) / ٢.

٣٢

لَهُنَّ سَبِيلاً) (١) وهي (٢) التّوبة والتّزويج.

ومثال المحكم في القرآن ؛ قوله ـ تعالى ـ : (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) (٣) ومثل قوله : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ) (الآية) (٤) ومثال (٥) ذلك كثير في الكتاب العزيز ، يعلم الحكم من ظاهره.

و «المتشابه» عندهم : ما له معان كثيرة مختلفة ؛ مثل قوله ـ تعالى ـ : (يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ) (٦) ؛ أي : يحرقون ، ويعذّبون.

وقد تكون «الفتنة» بمعنى «الكفر» ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ) (٧) في البيت الحرام والشّهر الحرام.

وتكون «الفتنة» بمعنى : الحبّ للشّيء ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ) (٨).

وتكون «الفتنة» ، بمعنى : الاختبار ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ) (٩) ؛ أي : يختبرون بالأمراض والآلام ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً) (١٠).

__________________

(١) النساء (٤) / ١٥.

(٢) ج ، د : هو.

(٣) المائدة (٥) / ٦.

(٤) النساء (٤) / ٢٣.

(٥) م وج وأ : أمثال.

(٦) الذاريات (٥١) / ١٣.

(٧) البقرة (٢) / ١٩١.

(٨) التغابن (٦٤) / ١٥.

(٩) العنكبوت (٢٩) / ٢.

(١٠) طه (٢٠) / ٤٠.

٣٣

ومن ذلك «القضاء» بمعنى الحكم ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (وَاللهُ يَقْضِي بِالْحَقِ) (١).

وبمعنى الإعلام ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ) (٢) ؛ أي : أعلمناهم.

وبمعنى الإيجاب والإلزام ، في قوله ـ تعالى ـ (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) (٣) ؛ أي : أوجب ، وألزم.

ومن ذلك «التّقدير» ، بمعنى الخلق والاختراع ، في قوله ـ تعالى ـ : (وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها) (٤).

وبمعنى الكتابة ، في قوله ـ تعالى ـ : (إِلَّا امْرَأَتَهُ ، قَدَّرْناها مِنَ الْغابِرِينَ) (٥) ؛ أي : كتبناها من الهالكين.

ومن ذلك «الكفر» ، بمعنى التّغطية (٦) ، وبمعنى الجحود (٧).

__________________

(١) غافر (٤٠) / ٢٠.

(٢) الإسراء (١٧) / ٤.

(٣) الإسراء (١٧) / ٢٣.

(٤) فصلت (٤١) / ١٠.

(٥) النمل (٢٧) / ٥٧.

(٦) قال لبيد بن ربيعة : «في ليلة كفر النجوم غمامها» ، يعني : غطاها. تفسير الطبري ١ / ٨٦.

(٧) روى القمّي ـ قدّس سرّه ـ عن أبيه عن بكر بن صالح عن أبي عمر الزبيدي (الزبيري ـ ط) عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : الكفر في كتاب الله على خمسة وجوه فمنه كفر بجحود وهو على وجهين جحود بعلم وجحود بغير علم فأمّا الّذين جحدوا بغير علم فهم الّذين حكاه الله عنهم في قوله : (... وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ) وقوله : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) (البقرة (٢) / ٦) ... وأمّا الّذين كفروا وجحدوا بعلم فهم الّذين قال الله ـ تبارك وتعالى ـ (وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ) (البقرة (٢) / ٨٩).

تفسير القمّي ١ / ٣٢ ويقرب منه البحار ٩٣ / ٦٠ عن تفسير النعمانيّ.

٣٤

ومن ذلك «الجعل» ، بمعنى الحكم ؛ كقوله : (وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ) (١) ؛ أي : حكمنا ؛ وكقوله : (وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ) (٢).

وبمعنى الفعل.

ومن ذلك «الختم» ، بمعنى الشهادة ، في قوله ـ تعالى ـ : (الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ ، بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) (٣).

ومن ذلك «اللّام» ، بمعنى لام الغرض ، في قوله : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (٤).

ومن ذلك «لام العاقبة» ، في قوله : (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً) (٥) وفي قوله ـ سبحانه ـ : (إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً) (٦) ؛ أي : عاقبة بغيهم الإثم ، العقاب.

وما في القرآن عامّ ومعناه خاصّ ؛ كقوله ـ تعالى ـ في حقّ مريم ـ عليها السّلام ـ : (وَاصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ) (٧) ؛ أي : على عالمي زمانها ؛ وكقوله ـ تعالى ـ (وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ) (٨) ؛ يعني : بني إسرائيل ، فضّلهم على عالمي زمانهم بالمنّ والسّلوى ، والحجر والغمام ، والمائدة عند سؤال الحواريّين لعيسى ـ عليه السّلام ـ ؛ وكقوله ـ سبحانه ـ : (إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى

__________________

(١) الفرقان (٢٥) / ٣١.

(٢) القصص (٢٨) / ٤١.

(٣) يس (٣٦) / ٦٥.

(٤) الذاريات (٥١) / ٥٦.

(٥) القصص (٢٨) / ٨.

(٦) آل عمران (٣) / ١٧٨.

(٧) آل عمران (٣) / ٤٢.

(٨) البقرة (٢) / ١٢٢.

٣٥

الْعالَمِينَ) (١) ؛ أي : على عالمي زمانهم.

وفي القرآن ، ما هو خاصّ بلفظ العموم ؛ كقوله ـ تعالى ـ في حقّ بلقيس : (وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) (٢) ؛ [وكقوله : (تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ) (٣).

وفي القرآن ، ما لفظه خاصّ وهو عامّ ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ) (٤) فهو عامّ فيهم وفي غيرهم ، وخاصّ في قتل (٥) نبيّ أو إمام ، بدليل قوله : (فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً) (الآية) (٦) ؛ وكقوله ـ تعالى ـ : (الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً. وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلَّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ. وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) (٧) وهذه الآية نزلت في نساءكنّ بمكّة من اليهود ، أصحاب رايات في الخانات ، منهنّ سارة وخشّة والرّباب وغيرهنّ ، استأذنوا النّبيّ ـ ـ عليه السّلام ـ في نكاحهنّ. فنزلت الآية فيهنّ. ثمّ تعدّى ذلك (٨) إلى غيرهنّ.

والمقدّم والمؤخّر في القرآن ؛ كآية العدّة بالأشهر ، قدّمت المنسوخة على النّاسخة عند التّأليف ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً) (٩) فقدّموا أحرفا بأحرف في التّأليف ؛ وكقوله ـ تعالى ـ : (يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي

__________________

(١) آل عمران (٣) / ٣٣.

(٢) النمل (٢٧) / ٢٣.

(٣) ليس في م+ الآية في سورة الأحقاف (٤٦) / ٢٥.

(٤) المائدة (٥) / ٣٢.

(٥) ليس في ج ، د.

(٦) المائدة (٥) / ٣٢.

(٧) النور (٢٤) / ٣.

(٨) ليس في أ.

(٩) الأحقاف (٤٦) / ١٢.

٣٦

مَعَ الرَّاكِعِينَ) (١) ؛ وكقوله ـ تعالى ـ (٢) حكاية عن الدّهريّة : (قالُوا : ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا. نَمُوتُ وَنَحْيا. وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ) (٣) وإنّما ذلك (٤) اعتقادهم ، أنّهم يموتون بعد الحياة ولا يحيون بعد ذلك.

ومثال (٥) المعطوف المنقطع في القرآن ، ثمّ يرجع إلى الأوّل. وذلك أنّ الآية تنزل في خبر ثمّ ينقطع الكلام قبل تمام ذلك الخبر ، ويجيء خبر آخر غيره ، ثمّ يرجع إلى الأوّل المنقطع ؛ كقوله في ذكر نساء النّبيّ ـ عليه السّلام ـ : (لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ) : أي : فجور. (وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً. وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ. وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى. وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ. وَآتِينَ الزَّكاةَ وَأَطِعْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ) ثمّ قطع ـ سبحانه ـ (٦) هذه الجملة. وابتدأ بقوله : ـ سبحانه ـ (٧) : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) ثمّ رجع ـ سبحانه ـ إلى ذكر النساء ، فقال : (وَاذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللهِ وَالْحِكْمَةِ) (الآية) (٨).

ومثل قوله ـ تعالى ـ : (وَإِبْراهِيمَ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللهَ وَاتَّقُوهُ) ثمّ قال : (وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ) خاطب بذلك أمّة محمّد ـ عليه السّلام ـ ـ ثمّ رجع إلى إبراهيم ، فقال : (فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ

__________________

(١) آل عمران (٣) / ٤٣.

(٢) ليس في أ.

(٣) الجاثية (٤٥) / ٢٤.

(٤) ليس في م.

(٥) د : أمثال.

(٦) م زيادة : وتعالى.

(٧) ليس في أ ، م.

(٨) الأحزاب (٣٣) / ٣٢ ـ ٣٤.

٣٧

حَرِّقُوهُ) (١).

ومثل قوله ـ تعالى ـ : (وَإِذْ قالَ لُقْمانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) ثمّ قطع فقال : (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً) (الآية). ثمّ رجع إلى لقمان (٢) ، فقال : (يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ ، يَأْتِ بِهَا اللهُ) (٣) ؛ يعني : يوم القيامة.

ومثال الحرف مكان الحرف ، في القرآن ، قوله ـ تعالى ـ : (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ. إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ) (٤) ومعناه ؛ ولا الّذين ظلموا منهم (٥) وكقوله ـ تعالى ـ : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً) (٦) و «إلّا» في موضع و «لا» وليست باستثناء ؛ وكقوله ـ تعالى ـ (يا مُوسى لا تَخَفْ. إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ ، إِلَّا مَنْ ظَلَمَ) (٧) ومعناه : ولا من ظلم.

وقيل : إنّ «إلّا» هاهنا (٨) ، بمعنى : لكن من ظلم من ذرّيتهم ؛ ككنعان بن نوح وقابيل بن آدم.

وما في القرآن ، خلاف لما (٩) أنزل ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللهِ إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ) (١٠) وإنّما قال هو (وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا

__________________

(١) العنكبوت (٢٩) / ١٦ ، ١٨ ، ٢٤.

(٢) زيادة : (ع)

(٣) لقمان (٣١) ١٣ ، ١٤ ، ١٦.

(٤) البقرة (٢) / ١٥٠.

(٥) ليس في أ.

(٦) النساء (٤) / ٩٢.

(٧) النمل (٢٧) / ١٠ ـ ١١.

(٨) ج ، د ، م : هنا.

(٩) ج ، د : ما بدل لما.

(١٠) الروم (٣٠) / ٥٦.

٣٨

الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ) [من كتاب الله] (١) (لَقَدْ لَبِثْتُمْ) (الآية) ؛ وكقوله ـ تعالى ـ : (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً) (٢) ؛ أي : عدولا وواسطة بين الرّسول ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ وبين الناس. ويكون الرّسول شهيدا عليكم ، وتكونوا شهداء على النّاس.

وكما روي عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ أنّه سمع قارئا يقرأ : (ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عامٌ ، فِيهِ يُغاثُ النَّاسُ. وَفِيهِ يَعْصِرُونَ) (٣).

فقال ـ عليه السّلام ـ : ويحك ، لأيّ شيء يعصرون؟

فقال : الخمر.

فقال ـ عليه السّلام ـ : ليس [كما تقول. و] (٤) إنّما هو يعصرون ؛ أي : يمطرون. ألم تسمع قوله ـ تعالى ـ : (وَأَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ ماءً ثَجَّاجاً) (٥)؟

وقال الصّادق ؛ جعفر بن محمّد ـ عليهما السّلام ـ : نزلت هذه الآية هكذا قوله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ) (٦) فحرّفوها

__________________

(١) ليس في أ.

(٢) البقرة (٢) / ١٤٣.

(٣) يوسف (١٢) / ٤٩.

(٤) ليس في ج ، د.

(٥) النبأ (٧٨) ١٤. روى القمّي ـ قدّس سرّه ـ عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ أنّه قرأ رجل على أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ : (ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عامٌ فِيهِ يُغاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ) قال : ويحك أيّ شيء يعصرون؟ أ يعصرون الخمر؟ قال الرجل : يا أمير المؤمنين كيف أقرؤها؟ قال : إنّما نزلت : (عامٌ فِيهِ يُغاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ) أي يمطرون بعد سنين المجاعة والدليل على ذلك قوله : (وَأَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ ماءً ثَجَّاجاً) تفسير القمّي ١ / ٣٤٦ وعنه مجمع البيان ٥ / ٣٦٢ ، ونور الثقلين ٢ / ٤٣٠ ح ٨٨+ قريب منها في العياشي ٢ / ١٨٠ ح ٣٥ ، وعنه نور الثقلين ٢ / ٤٣٠ ح ٨٩.

(٦) الزخرف (٤٣) / ٥٧.

٣٩

يصدّون (١). وكقوله ـ تعالى ـ : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) (٢) في عليّ فمحوا اسمه ـ عليه السّلام ـ (٣).

وما في القرآن واحد وهو جمع ؛ فكقوله ـ تعالى ـ : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ) (٤).

ونزلت هذه الآية في أبي لبابة بن [عبد المنذر (٥) لمّا بعثه النبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ إلى بني قريظة] (٦) (وكان قد حاصرهم) (٧). لينزلوا على [حكمه ، فقالوا : يا محمد ،

__________________

(١) روى القمّي عن أبيه عن وكيع عن الأعمش عن سلمة بن كهيل عن أبي الصادق عن أبي الأغر عن سلمان قال : (... وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ) فحرّفوها يصدون. تفسير القمّي ٢ / ٢٨٦ ، وعنه نور الثقلين ٤ / ٦٠٩ ح ٦٩. والبرهان ٤ / ١٥١ ح ٣ وهذا كما ترى ليس منقولا عن الصادق ـ عليه السّلام ـ وقد روى الصدوق عن محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد عن محمد بن الحسن الصفّار عن العباس بن معروف ، عن الحسين بن يزيد النوفليّ ، عن اليعقوبي ، عن عيسى بن عبد الله الهاشمي ، عن أبيه ، عن جدّه قال : قال النبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ في قوله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ) قال : الصدود في العربيّة الضحك. معاني الأخبار / ٢٢٠ وعنه نور الثقلين ٤ / ٦٠٩ ح ٧٠ وقال الطبرسي : معنى يصدّون ويصدّون جميعا يضجّون. مجمع البيان ٩ / ٧٩.

(٢) المائدة (٥) / ٦٧.

(٣) وليعلم أنّ هذا القرآن الّذي بين الدّفتين لم يقع فيه تحريف عند المحقّقين لا بنقصان ولا بزيادة وهذه الرواية ونظائرها تحمل على أنّ التحريف وقع في التفسير الّذي جاء من قبل النبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ.

(٤) الأنفال (٨) / ٢٧.

(٥) ج : المنذر بدل عبد المنذر.

(٦) ليس في أ.

(٧) ليس في ج.

٤٠