نهج البيان عن كشف معاني القرآن

محمّد بن الحسن الشيباني

نهج البيان عن كشف معاني القرآن

المؤلف:

محمّد بن الحسن الشيباني


المحقق: حسين درگاهي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: نشر الهادي
المطبعة: مؤسسة الهادي
الطبعة: ١
ISBN: 964-400-034-X
الصفحات: ٣٦٥

ابعث إلينا أبا لبابة لنستشيره (١) فبعثه إليهم ، فقالوا له : يا أبا لبابة] (٢) لقد حاصرنا محمّد لننزل على [حكمه ، فما حكمه فينا] (٣)؟

فقال : الذّبح. ثمّ ندم على ما قال لهم ، فقال (٤) في نفسه : خنت الله ورسوله. ونزل من الحصن (٥) ، ودخل المدينة ، وشدّ في عنقه حبلا ، وشدّه إلى أسطوانة التّوبة ، وقال : لا أحلّه (٦) حتّى أموت أو يتوب الله عليّ. فأنزل الله على نبيّه [ـ صلّى الله عليه وآله ـ] (٧) قبول (٨) توبته ، فأمر بحلّه منها (٩).

وروي أنّه حلّه منها بنفسه (١٠).

فقوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا) (الآية) عامّة في جميع ما نهى الله عنه ، ونزلت في أبي لبابة خاصّة.

ومثله ، إنّ قريشا جاءت إلى حرب أحد ، وانهزموا ، فخرج النّبيّ ـ عليه السّلام ـ في طلبهم ، فلقيه نعيم بن مسعود الأشجعيّ ، فقال له : أين تريد (١١) ، يا رسول الله؟

فقال : قريشا.

__________________

(١) د : نستشيره.

(٢) ليس في أ.

(٣) ليس في أ.

(٤) ج ، د : وقال.

(٥) أ : الحضيرة ، د : الحصر.

(٦) أ : أحمله.

(٧) د ، أ : عليه السلام ..

(٨) ليس في د.

(٩) انظر : مجمع البيان ٤ / ٨٢٣ ـ ٨٢٤ وفيه : وهو المرويّ عن أبي جعفر وأبي عبد الله ـ عليهما السلام ـ + تفسير الطبري ٩ / ١٤٦.

(١٠) تفسير الطبري ٩ / ١٤٦.

(١١) ليس في ج.

٤١

فقال : ارجع! فإنّ قريشا قد اجتمعت إليها حلفاؤها ، من الأخامس وكنانة ، في خلق عظيم ، فاخشوهم.

فقال أصحاب النّبيّ ـ عليه السّلام ـ : ما نبالي ، حسبنا الله ونعم الوكيل.

فأنزل الله ـ تعالى ـ على نبيّه ـ عليه السّلام ـ : (الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ. فَاخْشَوْهُمْ) (الآية) (١) فلفظها عامّ ، وهي خاصّة ؛ لأنّ «النّاس» الأوّل ، هو نعيم بن مسعود. و «النّاس» الثّاني ، هو أبو سفيان بن حرب (٢).

وكقوله ـ تعالى ـ : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ) (٣).

نزلت هذه الآية في حاطب بن أبي بلتعة ، كتب إلى أهل مكّة يخبرهم أنّ رسول الله يريد أن يغزوكم. ونفذ الكتاب مع جاريته إليهم. فنزل جبرائيل ـ عليه السّلام ـ على النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ فأخبره بذلك. فنفذ في أثرها عليّا ـ عليه السّلام ـ وأبا بكر ليستخرجاه (٤) منها ، فوصل أبو بكر إليها قبل عليّ ـ عليه السّلام ـ فطلب منها الكتاب ، فحلفت له ، فتركها ، فوصل (٥) عليّ ـ عليه السّلام ـ فأخبره أبو بكر بإنكارها ويمينها.

فقال له عليّ ـ عليه السّلام ـ : سبحان الله! يخبرنا رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ بذلك ، وتقول : قد حلفت [وشام سيفه وقال] (٦) لها : والله ، لئن لم تخرجي الكتاب [وإلّا علوتك بسيفي هذا] (٧).

فقالت له : تنحّ عنّي. فأخرجت الكتاب من عقيصتها ، فأخذه عليّ ـ عليه

__________________

(١) آل عمران (٣) / ١٧٣.

(٢) تفسير القمّي ١ / ١٢٥ ـ ١٢٦+ مجمع البيان ٢ / ٨٨٦+ بحار الأنوار ٩٣ / ٢٤ ـ ٢٥ عن تفسير النعماني.

(٣) الممتحنة (٦٠) / ١.

(٤) ج ، د : يستخرجاه.

(٥ ، ٦ ، ٧) ليس في أ.

٤٢

السّلام ـ فأتى به إلى النّبيّ ـ عليه السّلام ـ وعنده جماعة. وفيهم حاطب بن أبي بلتعة.

فقال النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ : ليقم هذا (١) الّذي كتب هذا الكتاب إلى أهل مكّة ، وإلّا فضحة الوحي.

فقام حاطب يرعد ، وقال : أنا كتبت ، يا رسول الله!

فقال له النّبيّ ـ عليه السّلام ـ : فما حملك على هذا؟

فقال : خشيت على أهلي.

فقال له : لا ترجع إلى مثلها. واستتابه (٢). فلفظها عامّ ، وهي خاصّة.

قال : وأمّا ، ما لفظه ماض ، وهو مستقبل ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ. إِلَّا مَنْ شاءَ اللهُ) (٣). فلفظها ماض ، وهو (٤) يريد المستقبل ؛ وكقوله ـ سبحانه ـ : (إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً) (٥) ؛ أي : تكون عليهم.

قال : وأمّا الآية الّتي هي في سورة وتمامها في سورة أخرى ، فقوله ـ تعالى ـ : (وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ). هذا قول اليهود ، من بني إسرائيل ، حيث كان ينزل عليهم المنّ والسّلوى ، فملّوه. وقالوا لموسى : (فَادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ ، مِنْ بَقْلِها وَقِثَّائِها) (٦) الآية في البقرة ، وتمامها في المائدة ؛ قوله ـ

__________________

(١) ليس في أ.

(٢) تفسير القمّي ١ / ١١ ، ج ٢ / ٣٦١+ بحار الأنوار ٩٣ / ٢٤ عن تفسير النعماني+ تفسير الطبري ٢٨ / ٣٨ ـ ٤٠+ مجمع البيان ٩ / ٤٠٤.

(٣) الزمر (٣٩) / ٦٨.

(٤) ليس في د.

(٥) النساء (٤) / ١٠٣.

(٦) البقرة (٢) / ٦١.

٤٣

تعالى ـ : (إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ. وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَها حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْها) (الآية) (١).

قال : وأمّا الآية الّتي نصفها منسوخ (ونصفها) (٢) متروك فقوله ـ تعالى ـ : حيث حرّم نكاح المشرك ونكاح المشركين المشركة للمسلم أن يتزوّج بمشركة (٣) من أهل الكتاب ، في سورة المائدة ، لقوله : (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ) ؛ يعني : الحرائر من أهل الذّمّة. فأحلّ نكاح المشركات ، ولم يحلّ نكاح المشرك (٤). وقوله ـ تعالى ـ : (وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) (الآية) (٥) ثمّ (نسخ ذلك) (٦) بقوله : (الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى) (٧) وترك جروح القصاص [على

__________________

(١) المائدة (٥) / ٢٢.

(٢) ليس في ج ، د.

(٣) ج ، م : «المشركة» بدل «بمشركة».

(٤) هذه العبارات كما ترى وإليك ما أورده القمّي ـ قدّس سرّه ـ : وأمّا الآية الّتي نصفها منسوخة ونصفها متروكة على حالها فقوله : (وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَ) (البقرة (٢) / ٢٢١) وذلك أنّ المسلمين كانوا ينكحون أهل الكتاب من اليهود والنصارى وينكحونهم فأنزل الله (وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ) فنهى الله أن ينكح المسلم المشركة أو ينكح المشرك المسلمة ثمّ نسخ قوله : (وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَ) بقوله في سورة المائدة ((٥) / ٥) : (وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَ) فنسخت هذه الآية قوله : (وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَ) وترك قوله : (وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا) لم ينسخ لأنّه لا يحلّ للمسلم أن ينكح المشركة ويحلّ له أن يتزوّج المشركة من اليهود والنصارى. تفسير القمّي ١ / ١٢ ـ ١٣.

(٥) المائدة (٥) / ٤٥.

(٦) ليس في أ.

(٧) البقرة (٢) / ١٧٨.

٤٤

حالها لم] (١) تنسخ.

وأمّا ما تأويله في تنزيله ؛ مثل قوله : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ) (الآية) (٢). [ومثله كثير في القرآن] (٣).

وأمّا ما تأويله مع تنزيله ؛ فكقوله (٤) ـ تعالى ـ : (اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) (٥). وكقوله (٦) ـ تعالى ـ (٧) : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) (٨) وأراد بذلك : النّبيّ وأهل بيته الطّاهرين ـ عليهم السّلام ـ ؛ وكقوله ـ تعالى ـ : (أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ) (٩) فاحتاجوا [في ذلك] (١٠) كلّه إلى (١١) التّفسير والبيان (١٢) ، من النّبيّ ومن آله القائمين مقامه.

وأمّا ما تأويله قبل تنزيله ؛ فكلّما أحدث في عصر النّبيّ [ـ صلّى الله عليه وآله ـ] (١٣) ممّا لم يكن ؛ مثل حكم الظّهار. لأنّه كان في الجاهليّة ، إذا ظاهر الرّجل من امرأته حرّمت عليه إلى آخر الأبد.

__________________

(١) ليس في أ.

(٢) المائدة (٥) / ٣.

(٣) ليس في أ.

(٤) ج : فقوله بدل فكقوله.

(٥) التوبة (٩) / ١١٩.+ أ زيادة : الآية.

(٦) أ : قوله بدل كقوله.

(٧) ليس في م.

(٨) النساء (٤) / ٥٩.

(٩) البقرة (٢) / ٤٣.

(١٠) ج : بذلك.

(١١) ليس في ج.

(١٢) ج : التأويل.

(١٣) أ ، د : عليه السّلام.

٤٥

فلمّا هاجر النّبيّ [ـ صلّى الله عليه وآله ـ] (١) إلى المدينة ، ظاهر رجل يقال له : أوس (٢) بن الصّامت. [ثمّ ندم] (٣) على ذلك ، فقال لزوجته خولة : امضي إلى النّبيّ ـ عليه السّلام ـ فسليه (٤) عن ذلك.

فأتت إلى النّبيّ [ـ صلّى الله عليه وآله ـ] (٥) [وشكت] (٦) حالها ، وسألته عن حكم الظّهار.

فسكت النّبيّ [ـ صلّى الله عليه وآله ـ] (٧) لأنّه لم يكن نزل عليه في ذلك شيء. فولولت ، وبكت. فبكى النّبيّ (٨) [ـ صلّى الله عليه وآله ـ] (٩) لبكائها ولولولتها.

فنزل عند ذلك جبرئيل ـ عليه السّلام ـ بحكم الظّهار. فأمرها (١٠) النّبيّ [ـ صلّى الله عليه وآله ـ] (١١) ان تقول لزوجها : يكفّر ، ويرجع إليها. فجاءت إلى زوجها ، فأخبرته بما أمر به النّبيّ [ـ صلّى الله عليه وآله ـ] (١٢) فقام أوس (١٣) وأتى إلى (١٤) النّبيّ ـ

__________________

(١) أ : عليه السّلام.

(٢) ج : أويس.

(٣) ليس في د ، م ، ج : فندم.

(٤) ج : فاسأليه.

(٥) أ ، د : عليه السّلام.

(٦) ليس في د.+ ج : فقالت له.

(٧) أ ، د : عليه السّلام.

(٨) ليس في د.

(٩) أ ، د : عليه السّلام.

(١٠) ج : فأمر.

(١١) م ، أ ، د : عليه السّلام.

(١٢) ج ، أ ، د : عليه السّلام.

(١٣) ج : أو يس.

(١٤) ليس في ج.

٤٦

عليه السّلام ـ فسأله عن الكفّارة.

فقال له : أعتق رقبة.

فقال : لا أجد.

فقال (١) : فصيام شهرين متتابعين.

فقال : لا أقدر.

فقال : فإطعام ستّين مسكينا.

فقال : يا رسول الله! [والله] (٢) ، ما بين لابتيها أهل بيت أفقر منّا.

فأمر له النّبيّ ـ عليه السّلام ـ بشيء من مال الصّدقة ، وقال له : خذوه (٣) ، فكلوه (٤).

وحكاية اللّعان ، حيث وجد شريك بن الشّحماء مع امرأته رجلا. فأتى إلى (٥) النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ (٦) ومعه زوجته ، فحكى له ذلك ، ولم يكن له شهود. فتلا عليهما آية اللّعان (٧) ، ولا عن بينهما ، وقال له : لا تحلّ لك (٨) أبدا (٩).

__________________

(١) م : قال.

(٢) ليس في ج ، د ، م.

(٣) ج ، د : خذ.+ م : خذه.

(٤) ليس في د+ ج : وتصدّق به على عيالك بدل فكلوه+ م : فكفّر به+ توجد حكاية المظاهرة في بحار الأنوار ٩٣ / ٧١ ـ ٧٢ عن تفسير النعماني+ تفسير الطبري ٢٨ / ٣.

(٥) ليس في م.

(٦) أ ، ج ، د : عليه السّلام.

(٧) وهي قوله ـ تعالى ـ : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ، وَالْخامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللهِ عَلَيْهِ إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ) (النور / ٦)

(٨) أ : له.

(٩) انظر : تفسير القميّ ٢ / ٩٨ ومجمع البيان ٧ / ٢٠٢+ بحار الأنوار ٩٣ / ٧٢ عن تفسير النعماني.

٤٧

وأمّا ما تأويله بعد تنزيله ، فكأخبار القيامة والرّجعة والنّشور وخروج القائم من آل محمّد ـ عليهم السّلام ـ (١).

وما هو متّفق اللّفظ ، مختلف المعنى ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) (٢) ؛ وكقوله : (وَتِلْكَ الْقُرى) (٣) ؛ وكقوله : (وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها) (٤) ؛ عنى في ذلك كلّه : أهل القرية.

وما هو رخصة ، بعد الحظر (٥) ؛ فكآية التّيمّم بالتّراب (٦) ، بعد الأمر بالماء (٧) ؛ وكصلاة الخائف (٨) ؛ وكآية الإفطار في السّفر والمرض (٩) ، بعد الأمر بالصّوم في الحظر (١٠) ؛

__________________

ولكن جاء في جميعها أنّ شريكا ، هو الموجود على بطن المرأة لا الواجد كما في المتن.

(١) في قوله : (وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ) الأنبياء (٢١) / ١٠٥ وقوله : (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً) النور (٢٤) / ٥٥ تفسير القمي ١ / ١٤.

(٢) يوسف (١٢) / ٨٢.

(٣) الكهف (١٨) / ٥٩.

(٤) الأنبياء (٢١) / ٩٥.

(٥) تفسير القميّ ١ / ٩٥ : العزيمة بدل الحظر.

(٦) وهي قوله ـ تعالى ـ : (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً) المائدة (٥) / ٦.

(٧) في قوله ـ تعالى ـ : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) المائدة (٥) / ٦.

(٨) في قوله ـ تعالى ـ : (فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالاً أَوْ رُكْباناً) (البقرة (٢) / ٢٣٩) فإنها رخصة بعد العزيمة في قوله ـ تعالى ـ : (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ) البقرة (٢) / ٢٣٨.

(٩) وهي قوله ـ تعالى ـ : (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) البقرة (٢) / ١٨٤.

(١٠) في قوله ـ تعالى ـ : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ

٤٨

وكتحريم النّكاح باللّيل ، في شهر رمضان. فرخّص بالآية الأخرى ، في قوله (١) : (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ) (٢).

وقال النّبيّ [ـ صلّى الله عليه وآله ـ] (٣) إنّ الله يحبّ أن يؤخذ برخصته (٤) ؛ كما يحبّ أن يؤخذ بعزائمه (٥).

ومن ذلك ، جزاء السّيّئة الواحدة. وجزاء الحسنة عشرا. وما هو بالخيار فيه بين القصاص والعفو ، فقوله ـ تعالى ـ : (فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ) (٦).

والرّخصة الّتي ظاهرها بخلاف باطنها ، فعند التّقيّة رخّص الله ـ تعالى ـ أن نوالي الكافر ونعمل مثل عمله ، إذا خفناه تقيّة. والباطن بخلافه.

وقد فسّر قوله ـ تعالى ـ : (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ) (٧) أنّه أراد به : التّقيّة (٨).

وقيل : المداراة والتّقيّة (٩).

__________________

لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ) البقرة (٢) / ١٨٣ ـ ١٨٤.

(١) زيادة : تعالى.

(٢) البقرة (٢) / ١٨٧.

(٣) أ : عليه السلام.

(٤) ج ، د : برخصه.

(٥) البحار ٩٣ / ٣٠ عن تفسير النعماني.

(٦) الشورى (٤٢) / ٤٠.

(٧) الحجرات (٤٩) / ١٣.

(٨) روى البرقي عن أبيه ، عن حمّاد بن عيسى ، عن عبد الله بن حبيب عن أبي الحسن ـ عليه السّلام ـ في قوله الله تعالى : (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ) قال : أشدّكم تقية. المحاسن / ٢٥٨ ح ٣٠٢ وعنه البرهان ٤ / ٢١٢ ح ٨+ نحوه في أمالي الطوسي ٢ / ٢٧٥ عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ وعنه البرهان ٤ / ٢١٢ ح ٧ والبحار ٧٥ / ٤٢٠ ح ٧٧+ اعتقادات الصدوق / ١٠٤ عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ وعنه نور الثقلين ٥ / ٩٧.

(٩) لم نعثر عليه فيما حضرنا من المصادر.

٤٩

وكقوله ـ تعالى ـ : (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ) (١) [قيل : التّقيّة (٢)] (٣).

وقيل : المداراة (٤).

ولمّا نزل قوله ـ تعالى ـ : (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ) (٥) فاعتزلهم النّبيّ ـ عليه السّلام ـ بأهل بيته خاصّة في مشربة أمّ إبراهيم ، فنزل قوله ـ تعالى ـ : (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ) (الآية) (٦).

وما خوطب به النّبيّ [ـ صلّى الله عليه وآله ـ] (٧) والمراد به أمّته ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (وَلا تَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ) (٨) ؛ وكقوله : (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) (٩) ؛ وكقوله : (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ ، لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ) (١٠) ؛ أي : أخبرهم بذلك ، يا محمّد ؛ وكقوله : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللهَ وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ) (١١) ؛ وكقوله : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ) (١٢) وأمثال ذلك كثير [ة] في القرآن.

__________________

(١) المؤمنون (٢٣) / ٩٦.

(٢) روى البرقي عن أبيه ، عن حمّاد بن عيسى ، عن حريز ، عمّن أخبره عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ في قول الله : (... ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ) قال : «التي هي أحسن» التقية ، (فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) (فصّلت (٤١) / ٣٤) المحاسن / ٢٥٧ ح ٢٩٧ وعنه البحار ٧٥ / ٣٩٨ ح ٣٠+ الكافي ٢ / ٢١٨ ح ٦ وعنه البحار ٧٥ / ٤٢٨ ح ٨٦.

(٣) ليس في د.

(٤) لم نعثر عليه فيما حضرنا من المصادر.

(٥) الذاريات (٥١) / ٥٤.

(٦) الأنفال (٨) / ٣٣.

(٧) أ : عليه السّلام.

(٨) القصص (٢٨) / ٨٨.

(٩) الزمر (٣٩) / ٦٥.

(١٠) الحاقّة (٦٩) / ٤٤.

(١١) الأحزاب (٣٣) / ١.

(١٢) الطلاق (٦٥) / ١.

٥٠

قال الصّادق ـ عليه السّلام ـ : نزل القرآن بإيّاك أعني واسمعي يا جاره (١).

وروي مثل ذلك ، عن ابن عبّاس ـ رحمه الله ـ (٢).

وأمّا الأمثال في القرآن [فكثيرة ، منها] (٣) قوله ـ تعالى ـ : (مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ. وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ) (٤) قيل (٥) : «الشّجرة الطيّبة» النّخلة. و «الشّجرة الخبيثة» الحنظلة (٦).

وقال الصّادق ـ عليه السّلام ـ : (كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ) هاهنا [رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ ونسبته (٧)] (٨) في بني هاشم. وغصن الشّجرة عليّ ـ عليه السّلام ـ وأهل بيته الطّاهرون (٩) ـ عليهم السّلام ـ. وثمرها الشّيعة. [وورقها] (١٠) المؤمنون (١١).

__________________

(١) رواه الكليني عن محمد بن يحيى ، عن عبد الله بن محمّد ، عن عليّ بن الحكم ، عن عبد الله بن بكير عنه ـ عليه السّلام ـ. الكافي ٢ / ٦٣١ ح ١٤ وعنه البرهان ٤ / ٨٤ ح ٦ ، ونور الثقلين ٣ / ١٩٨ ح ٣٦١+ العياشي ١ / ١٠ ح ٤ ، وعنه البحار ٩٢ / ٣٨٢ ح ١٧ ، والبرهان ١ / ٢٢ ح ٢+ يقرب منه تفسير القمّي ١ / ١٦ وعنه البحار ٩ / ٢٢٢ ح ١٠٨ وج ١٧ / ٨٣ ح ٧ ، وج ٩٢ / ٣٨١ ح ١٢.

(٢) لم نعثر عليه فيما حضرنا من المصادر.

(٣) ليس في أ.

(٤) إبراهيم (١٤) / ٢٦.

(٥) ليس في أ.

(٦) روى الطبري بأسانيد مختلفة عن أنس عن النبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ : أنّ الشجرة الطيّبة هي النخلة والشجرة الخبيثة هي الحنظلة. تفسير الطبري ١٣ / ١٣٦ ، ١٤١.

(٧) م : نسبه.

(٨) ليس في أ.

(٩) ما أثبتناه في المتن هو الصواب وفي النسخ : الطاهرين.

(١٠) ليس في أ.

(١١) ورد مؤدّاه في البحار ٢٤ / ١٣٦ ـ ١٤٣ وتفسير القمّي ١ / ٣٦٩ ومجمع البيان ٦ / ٤٨٠ وبصائر الدرجات / ٧٨ ـ ٨٠. وإليك ما رواه الصفّار عن يعقوب بن يزيد عن الحسن بن محبوب عن

٥١

وستأتي الأمثال مبيّنة فيما يأتي ، من التّفسير ، في مواضعها ـ إن شاء الله تعالى ـ.

وأمّا القصص في القرآن فكثيرة ؛ كأخبار الأنبياء في أممهم. قال الله ـ تعالى ـ : (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ) (١).

وسيأتي ذلك في مواضعه ، من التّفسير ـ بعون الله وتوفيقه ـ.

وأمّا الوجه في تكرار القصص والأنباء ، فإنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ أنزل القرآن على نبيّه نجوما في ثلاث وعشرين سنة ، بحسب ما اقتضته المصلحة ، فرضا بعد فرض ، تيسيرا عليهم وتدريجا لهم إلى كمال دينه. وأنزل فيه الوعظ بعد الوعظ ، تنبيها لهم من سنة الغفلة وتحذيرا من الإهمال. وأنزل النّاسخ بعد المنسوخ ، بحسب ما اقتضته مصلحتهم. ثمّ كرّر الأنباء والقصص ، لوقوعها في موطن بعد موطن ، بلفظ غير ذلك اللّفظ ، مع زيادة و (٢) اختصار. وثنّاها في السّور ، للتّوكيد والتّنبيه والتّحذير.

وأمّا تكرير الكلام من جنس واحد ؛ كقوله : (قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ) (٣) ؛ وكقوله : (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) (٤) ؛ وكقوله : (كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ. ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ) (٥) ؛ وكقوله : (أَوْلى لَكَ. فَأَوْلى. ثُمَّ أَوْلى لَكَ. فَأَوْلى) (٦) ؛ وكقوله : (فَإِنَّ مَعَ

__________________

الأحول عن سلام بن المستنير قال : سألت أبا جعفر ـ عليه السّلام ـ عن قوله الله تعالى (كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها) فقال : الشجرة رسول الله نسبه ثابت في بني هاشم وفرع الشجرة عليّ وعنصر الشجرة فاطمة وأغصانها الأئمّة ، وورقها الشيعة. بصائر الدرجات / ٧٩ ، ح ٢.

(١) يوسف (١٢) / ٣.

(٢) م ، ج ، د : أو.

(٣) الكافرون (١٠٩) / ١+ لا يخفى أنّ ما ذكر في المتن لا تكرار فيه بل ينبغي أن يورد قوله ـ تعالى ـ : (وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ) الكافرون (١٠٩) / ٣.

(٤) الرحمن (٥٥) / ١٣.

(٥) التكاثر (١٠٢) / ٣ ـ ٤.

(٦) القيامة (٧٥) / ٣٤.

٥٢

الْعُسْرِ يُسْراً. إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) (١) ؛ وكقوله : (وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ ثُمَّ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ) (٢).

فإنّ القرآن نزل بلسان العرب وطريقهم (٣) ومذهبهم في التّكرار الّذي يريدون به التّوكيد ؛ كما أنّ مذهبهم وطريقهم الاستعارة والإيجاز والاختصار والمجاز. وليست القصص والأنباء كالفرائض ؛ لأنّ كتب النّبيّ ورسله كانت ترد إلى كلّ قوم بما افترض الله عليهم ، ولم يكن كتبه ورسله ترد على كلّ قوم بقصص الأنبياء [وأخبارهم ، فتنتشر] (٤) كما انتشرت الفرائض. [فلمّا كمل] (٥) القرآن وجمع بين الدّفّتين وانتشر في سائر الأقطار ، اجتمعت الفرائض والأحكام والأنباء والقصص والأمثال والآداب فيه. فلم (٦) يحتج بعد ذلك فيه إلّا إلى (٧) التّفسير والبيان من النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ ومن أهل بيته الطّاهرين ـ عليهم السّلام ـ القائمين مقامه.

__________________

(١) الإنشراح (٩٤) / ٥ ـ ٦.

(٢) الانفطار (٨٢) / ١٧ ـ ١٨.

(٣) ج ، د : طرقهم.

(٤) ليس في أ.

(٥) ليس في أ.

(٦) د : ولم.

(٧) ليس في د.

٥٣
٥٤

تفسير أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

(أَعُوذُ بِاللهِ) ؛ أي (١) : أمتنع بالله ، وألتجئ إليه. ومنه : العوذ (٢) والعياذة والعياذ والمعاذ.

والشيطان : نونه من نفس الكلمة. وهو من شطن ؛ أي : بعد. فكأنّه بعد (٣) من الخير والرحمة.

وقيل : الشيطان على وزن فعلان ، لا ينصرف (٤). وشاط (٥) فلان : إذا هلك.

وقيل : هو مأخوذ من شطن الدّابّة ؛ الّذي يمنعها من الذهاب في الجهات. فكأنّه يمنع الإنسان ويثبّطه عن فعل الخير (٦).

وقال بعضهم : الشيطان اسم لكلّ مبعد من الخير والطّاعة ، من الجنّ والإنس والسّباع (٧). وأصل الشّطون : البعد. ومنه نوى شطون ؛ أي : فرقة بعيدة.

__________________

(١) ليس في أ.

(٢) ج ، د : العوذة.

(٣) ج ، د : بعيد.

(٤) مجمع البيان ١ / ٨٩.

(٥) في النسخ : شطن ، والصواب ما أثبتناه في المتن.

(٦) لم نعثر عليه فيما حضرنا من المصادر.

(٧) تفسير الطبري ١ / ٣٨.

٥٥

والرجيم : هو المرجوم باللّعنة والطّرد. فهو فعيل بمعنى مفعول ؛ كقوله (١) : شعر دهين ، وكفّ خضيب ، ورجل قتيل.

__________________

(١) ج ، د : كقولهم.

٥٦

تفسير (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) [واشتقاقه] (١)

روي أنّ قريشا كانت تكتب في الجاهليّة : «باسمك اللهم» حتّى نزلت سورة هود ، فيها (بِسْمِ اللهِ مَجْراها وَمُرْساها) (٢). فأمر النّبيّ ـ عليه السّلام ـ أن يكتب «بسم الله». ثمّ نزل عليه بعد ذلك : (قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ. أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) (٣). فأمر أن يكتب الرحمان. فلمّا نزل في سورة النّمل : (إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ. وَإِنَّهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) (٤) ، أمر ـ عليه السّلام ـ أن يكتب ذلك في صدور (٥) الكتب وأوائل الرّسائل ، تبرّكا به (٦). وهي آية من كلّ سورة.

وقولنا : (بِسْمِ اللهِ) ؛ أي : أبتدئ ببسم الله ، أو ابتدائي ببسم الله. فهو خبر مبتدأ محذوف.

واشتقاق الاسم ، من السّمو ؛ وهو العلوّ والرّفعة. ومنه : سما الزّرع ؛ أي : علا وارتفع. ومنه اشتقاق السّماء ؛ لارتفاعها وعلوّها.

__________________

(١) ليس في أ.

(٢) هود (١١) / ٤١.

(٣) الإسراء (١٧) / ١١٠.

(٤) النمل (٢٧) / ٣٠.

(٥) د ، أ : صدر.

(٦) ليس في د+ قريب من الرواية في تفسير القرطبي ١ / ٩٢.

٥٧

وقيل : هو مشتقّ من السّمة (١) ، و (٢) هي العلامة. فكأنّه علامة لما (٣) وضع له.

وقولنا : (اللهِ).

قال الفرّاء : الإله والإلهة والألوهة والألوهيّة ، كلّها صفة (٤) ، لا فاعل ولا مفعول. وأله إلهة كقولك : عبادة. والمصدر يقوم مقام الفاعل والمفعول جميعا.

[والإلهة : العبادة ؛ كما] (٥) روي عن ابن عبّاس ـ رحمه الله ـ وعن مجاهد ، في قراءتهما (٦) : (وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ) ؛ أي : وعبادتك (٧).

والتّألّه : التّعبّد. والآلهة : العبادة. قال رؤبة :

لله درّ الغانيات المدّه

سبّحن واسترجعن من تألّهي (٨)

أي : من عبادتي.

ويروى : المدح (٩).

__________________

(١) التبيان ١ / ٢٧.

(٢) ج ، د : التي بدل و.

(٣) د : ما بدل لما.

(٤) د : وصفه.

(٥) ليس في أ.

(٦) ليس في أ.

(٧) تفسير الطبري ١ / ٤٢.

(٨) تفسير الطبري ١ / ٤١.

(٩) لم نعثر عليه فيما حضرنا من المصادر.

٥٨

وقال الخليل بن أحمد ـ رحمه الله ـ : اشتقاقه من أله يأله : [إذا تحيّر] (١).

ومنه يقال للمفازة : ميلهة ؛ لأنّ العيون تأله لبعد أقطارها. قال الشّاعر :

وبيداء تيه تأله العين وسطها

مخفّقة (٢) غبراء (٣) صرماء (٤) سملق (٥)

وقيل : إنّه مشتقّ من أله يأله ؛ إذا دام وبقي (٦). قال الشاعر :

ألهنا بدار لا تبيد رسومها

كأنّ بقاياها وشام (٧) على اليد (٨)

وقيل : أصل الكلمة مشتقّة من الوله. تقول : وله ، يوله : إذا فزع وجزع ؛ كوله الصّبيّ إلى أمّه ، وولهت الأمّ بولدها (٩). قال الأعشى يصف بقرة جزعت على ولدها :

__________________

(١) ليس في أ.+ الظاهر أن هذا القول قول ضحاك وأبي عمرو بن العلا ولم نجده منقولا عن الخليل على ما تتّبعنا في كتب التفسير واللّغة. انظر : تفسير أبي الفتوح ١ / ٣٣ ، مجمع البيان ١ / ٩١ ، كشف الأسرار للميبدي ١ / ٦ ، لسان العرب ١٣ / ٤٦٩ مادّة «أله».

(٢) أ : مخففة ، المصدر : محققة.

(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ : بالآل.

(٤) ليس في أ. والصرماء : المفازة الّتي لا ماء فيها. لسان العرب ١٢ / ٣٣٩ مادّة «صرم».

(٥) لزهير. تفسير أبي الفتوح ١ / ٣٣.

(٦) لم نعثر عليه فيما حضرنا من المصادر.

(٧) الوشم : ما تجعله المرأة على ذراعها بالإبرة ثمّ تحشوه بالنّئور ، وهي دخان الشحم ، والجمع وشوم ووشام. لسان العرب ١٢ / ٦٣٨ مادة «وشم».

(٨) لم نعثر عليه فيما حضرنا من المصادر.

(٩) لسان العرب ١٣ / ٤٦٨ مادّة «أله».

٥٩

فأقبلت والها ثكلى على عجل

كلّ دهاها وكلّ عندها اجتمعا (١)

وقيل : اشتقاقه من لاه يلوه ؛ إذا خفي واحتجب (٢). ومن ذلك قول الشّاعر :

لاهت فما عرفت يوما بخارجة

يا ليتها خرجت حتّى عرفناها (٣)

وقال آخر :

لاه ربّي من (٤) الخلائق طرّا

فهو الله (٥) لا يرى ويرانا (٦)

و «إله» : اسم مخصوص بالمعبود. وسميت الشّمس : آلهة (تأنيث الإله) لأنّها عبدت في الجاهليّة. وقد فسّر قوله ـ تعالى ـ : (وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ) (٧) على الشّمس. وكان بعض الجاهليّة (٨) يعبدها. قال الأعشى :

__________________

(١) لسان العرب ١٣ / ٥٦١ مادّة «وله».

(٢) التبيان ١ / ٢٧.

(٣) تفسير أبي الفتوح ١ / ٣٤ وفيه : رأيناها بدل عرفناها.

(٤) المصدر : عن.

(٥) المصدر : «خالق الخلق» بدل «فهو الله».

(٦) التبيان ١ / ٢٨.

(٧) الأعراف (٧) / ١٢٧.

(٨) م : بعض أهل الجاهلية.

٦٠