نهج البيان عن كشف معاني القرآن

محمّد بن الحسن الشيباني

نهج البيان عن كشف معاني القرآن

المؤلف:

محمّد بن الحسن الشيباني


المحقق: حسين درگاهي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: نشر الهادي
المطبعة: مؤسسة الهادي
الطبعة: ١
ISBN: 964-400-034-X
الصفحات: ٣٦٥

و «الألف» في قوله : (أَوَلَمْ تُؤْمِنْ) (١) ألف (٢) إيجاب ؛ كما قال الشّاعر :

ألستم خير من ركب المطايا

وأندى العالمين بطون راح (٣)

والمعنى قد آمنت ، فلم سألت؟

فقال : (لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) ؛ أي : ليزداد يقينا إلى يقينه.

فقيل له (٤) في الجواب : (فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ) :

قال مجاهد : «الأربعة» : الطّاووس والدّيك والبطّ والغراب (٥).

وقال السّديّ : الطّاووس والدّيك والحمام والغراب (٦).

__________________

كان على يقين. ولكنه أراد من الله الزيادة في يقينه. المحاسن / ١٩٤ ، ح ٢٤٩ وعنه كنز الدقائق ٢ / ٤٢٨ ، ونور الثقلين ١ / ٢٧٥ ، ح ١٠٨٧ ، والبرهان ١ / ٢٥٠ ، ح ٦ ، والصافي ١ / ٢٢٣. وورد مثله في تفسير العياشي ١ / ١٤٣ ، ح ٤٧٢ وعنه كنز الدقائق ٢ / ٤٢٨ ، ونور الثقلين ١ / ٢٧٨ ح ١٠٩٢ ، والبرهان ١ / ٢٥١ ، ح ٩ ، والصافي ١ / ٢٢٣.

(١) أ زيادة : هنا.

(٢) ليس في أ.

(٣) لجرير : التبيان ١ / ١٣٢ و ٤٠٠ ، وج ٢ / ٣٢٧.

(٤) ليس في ج.

(٥) تفسير الطبري ٣ / ٣٥ والتبيان ٢ / ٣٢٨ وفيهما الحمام بدل البطّ. نعم جاء ذكر البطّ في قول عطاء الخراساني حيث قال : ديك أحمر وحمامة بيضاء وبطة خضراء وغراب أسود أنظر : تفسير أبي الفتوح ٢ / ٣٥٢. وجاء ذكره أيضا في قول الصدوق حيث قال : وروى أنّ الطيور التي أمر بأخذها الطاووس والنسر والديك والبطّ. الخصال ١ / ٢٦٤ ، ح ١٤٦ وعنه نور الثقلين ١ / ٢٧٨ ، ح ١٠٩١ وكنز الدقائق ٢ / ٤٣٣.

(٦) لم نعثر عليه منقولا عن السديّ فيما حضرنا من المصادر. ولكن تقدّم آنفا نقلا عن مجاهد.

٣٤١

وقال الكلبيّ : أربعة من الشفانين (١).

وقال آخرون : الطّاووس والحمام والدّيك والهدهد (٢).

وقيل : إنّما سأل ربّه ذلك ، لأنّ الكافر قال له : أرنا كيف يحيي ربّك (٣) الموتى؟ وإلّا قتلتك.

فقيل له في الجواب : (فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ. فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ).

فامتثل ما أمره (٤) به ، فسلم من أذى الكافر ، وجعل الله ذلك معجزة لإبراهيم ـ عليه السّلام ـ (٥).

من قرأ بضم «الصّاد» ، أراد : أصلهنّ (٦) إليك. ومن قرأ بكسر «الصّاد» ، أراد (٧) : فقطّعهنّ (٨) وشقّقهنّ.

(ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً) :

__________________

(١) لم نعثر عليه فيما حضرنا من المصادر. هامش أ : الشغانين ـ خ.+ د : الشفائين+ ج : الشفاتين. + السفاتين.

(٢) تفسير البحر المحيط ٢ / ٢٩٩ نقلا عن أبي عبد الله.+ روى العياشي عن أبي بصير عن أبي عبد الله في رجل أوصى بجزء من ماله فقال : جزء من عشرة ، كانت الجبال عشرة وكان الطير الطاووس والحمامة والديك والهدهد. تفسير العياشي ١ / ١٤٤ ، ح ٤٧٥. وعنه نور الثقلين ١ / ٢٧٨ ، ح ١٠٩٤ ، والبرهان ١ / ٢٥١ ، ح ١٢. والصافي ١ / ٢٢٤.

(٣) ج : «ربّه يحيي» بدل «يحيي ربّك».

(٤) ج ، د : أمر.

(٥) التبيان ٢ / ٣٢٦ ـ ٣٢٧ نقلا عن ابن إسحاق.

(٦) ج ، د ، م : أملهن.

(٧) ليس في ج.

(٨) ج : أقطعهنّ.+ أ ، د : قطّعهنّ.

٣٤٢

قال ابن عبّاس ـ رحمه الله ـ : كانت (١) الجبال أربعة (٢).

وقال (٣) الحسن : كانت الجبال عشرة (٤).

وقال السّديّ وابن جريح : كانت الجبال سبعة (٥). وهو المرويّ عن أبي جعفر وأبي عبد الله ـ عليهما السّلام ـ (٦).

وقوله ـ تعالى ـ : (ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً) ؛ أي : مشيا.

فامتثل ما أمره (٧) به. فشاهد (٨) الكافر ذلك.

وقيل : لمّا أخذ الأربعة ذبحهنّ ونحرهنّ في المنحار ، وهو الهاون ، إلّا رؤوسهنّ. فاختلطت لحومهنّ ، فجعله (٩) عشرة أجزاء ، على عشرة جبال. ثمّ

__________________

(١) ج : كان.

(٢) تفسير الطبري ٣ / ٣٨.

(٣) ج : فقال.

(٤) التبيان ٢ / ٣٣٠. وفيه أربعة بدل عشرة.+ ورد مؤدّاه نقلا عن أبي عبد الله وأبي جعفر والرّضا ـ عليهم السّلام ـ في الكافي ٨ / ٣٠٥ ، ح ٤٧٣ ، وج ٧ / ٣٩ ـ ٤٠ ، ج ١ ـ ٣. وتفسير القمّي ١ / ٩١. وتفسير العياشي ١ / ١٤٢ ، ح ٤٦٩ ـ ٤٧٧ والتوحيد / ١٣٢ ، ح ١٤. والخصال ١ / ٢٦٤ ، ح ١٤٦ والعيون ١ / ١٥٥ ، ح ١ ومعاني الأخبار / ٢١٧ ، ح ١. وعنها. أو عن بعضها كنز الدقائق ٢ / ٤٢٩ و ٤٣١ و ٤٣٢ و ٤٣٣ ونور الثقلين ١ / ٢٧٥ ، ح ١٠٨٨ وص ٢٧٧ ، ح ١٠٩ وص ٢٧٨ ، ح ١٠٩٢ ـ ١٠٩٨ وص ٢٨١ ، ح ١١٠٢ وص ٢٨٢ ، ح ١١٠٣ والبرهان ١ / ٢٤٩ ـ ٢٥٢ ، ح ٢ و ٣ و ٧ ـ ١٤ والصافي ١ / ٢٢٣ و ٢٢٤.

(٥) تفسير الطبري ٣ / ٣٩.

(٦) لم نعثر عليه منقولا عنهما ـ عليهما السّلام ـ فيما حضرنا من المصادر. ولكن قال الطوسي في التبيان ١ / ٣٣٠ : وفي رواية أخرى أنّها كانت سبعة.

(٧) م ، د : أمر.

(٨) ج زيادة : ذلك.

(٩) ب : فجعلهنّ.

٣٤٣

جعل مناقرهنّ بين أصابعه. ثمّ دعاهنّ فأتين سعيا ، يتطاير اللّحم إلى اللّحم والجلد إلى الجلد والرّيش إلى الرّيش. وقيل له : هكذا يحيي الله الموتى ، إنّه على كلّ (١) شيء قدير (٢).

وقوله ـ تعالى ـ : (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ؛ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ ، فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ. وَاللهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (٢٦١)) :

قيل : «السّنبلة» ها هنا ، [هي سنبلة] (٣) الدّخن (٤). وهي أكثر ما يكون حبّا.

__________________

(١) ليس في ج.

(٢) أنظر : تفسير الطبري ٣ / ٣٨.+ روى الصدوق عن محمد بن علي ماجيلويه ، عن عمّه محمد ابن أبي القاسم قال : حدّثني أبو سمينة محمّد بن عليّ الكوفي عن موسى بن سعدان ، عن عبد الله ابن القاسم ، عن صالح بن سهل عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً) ـ الآية قال : أخذ الهدهد والصرد والطاووس والغراب ، فذبحهنّ وعزل رؤوسهنّ ، ثمّ نحز أبدانهنّ في المنحاز بريشهنّ ولحومهنّ وعظامهنّ حتّى اختلطت ، ثمّ جزّأهنّ عشرة أجزاء على عشرة أجبل ، ثمّ وضع عنده حبّا وماء ، ثمّ جعل مناقيرهنّ بين أصابعه ، ثمّ قال : آتين سعيا بإذن الله ـ عزّ وجلّ ـ ، فتطاير بعضها إلى بعض اللّحوم والرّيش والعظام حتّى استوت الأبدان كما كانت وجاء كلّ بدن حتّى التزق برقبته الّتي فيها رأسه والمنقار ، فخلّى إبراهيم عن مناقيرهنّ فوقعن وشربن من ذلك الماء ، والتقطن من ذلك الحبّ ، ثمّ قلن : يا نبيّ الله أحييتنا أحياك الله ، فقال إبراهيم بل الله يحيي ويميت ، فهذا تفسير الظاهر ... الخصال ١ / ٢٦٤ ، ح ١٤٦ وعنه كنز الدقائق ٢ / ٤٣٢ ـ ٤٣٣ ونور الثقلين ١ / ٢٧٧ ، ح ١٠٩٠. + سقط من هنا قوله ـ تعالى ـ : (وَاعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٦٠)).

(٣) ليس في أ.

(٤) تفسير القرطبي ٣ / ٣٠٤.

٣٤٤

وقيل : غيرها من السّنبل (١).

وقوله : (وَاللهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ) ، يريد يضاعفه في الجزاء (٢) عليه ، الواحد بعشرة. قال الله ـ تعالى ـ : (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ ، فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها) (٣).

وقوله ـ تعالى ـ : (قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ ، خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُها أَذىً) ؛ أي : يتبعها منّ ، من المعطي وتبرّم وضجر.

وقوله في الآية : «معروف» ؛ أي : ردّ جميل طيّب ؛ مثل قوله : يسّر الله لك وسهّل. وغفر الله لك ويسّر. وأشباه ذلك ، خير من أن يعطيه شيئا ويمنّ به عليه فيؤذيه بذلك (٤).

قال الله ـ تعالى ـ بعد الآية : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى ؛ كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ. فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوانٍ عَلَيْهِ تُرابٌ) :

و «الصّفوان» : الحجر الأملس.

(فَأَصابَهُ وابِلٌ) ؛ أي (٥) : مطر شديد كثير.

(فَتَرَكَهُ صَلْداً) ؛ أي : لا (٦) شيء عليه من التّراب والغبار.

__________________

(١) تفسير القرطبي ٣ / ٣٠٤.

(٢) ج : بالجزاء.

(٣) الأنعام (٦) / ٦٠.+ سقط من هنا قوله ـ تعالى ـ (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذىً لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٢٦٢)).

(٤) ب : بعد ذلك.+ سقط من هنا قوله ـ تعالى ـ : (وَاللهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ (٢٦٣)).

(٥) ليس في ب.

(٦) ليس في ج.

٣٤٥

فكذلك المرائي بأفعاله يبطلها الله ويذهبها ؛ كما يذهب المطر التّراب عن الصّفا. وذلك لأنّ المطر لم يوقف (١) في الصّفا منبتا. وكذلك أفعال المنافق المرائي (٢). لم يستحقّ عليها ثوابا [في الآخرة] (٣) حيث (٤) لم يوقعها على الوجه المأمور به خالصا لله ـ تعالى ـ (٥).

[(وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ)].

ثمّ ضرب الله ـ تعالى ـ (٦) مثلا آخر للمخلصين بأفعالهم وصدقاتهم ، القاصدين بها وجه الله ـ تعالى ـ وطاعته.

(وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ) ؛ أي : تحقيقا ؛ أي : يضعونها في وجوهها (٧) المأمور بها فقال (٨) ـ سبحانه ـ : (كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ). وهي أحسن ما يكون نباتا (٩) في موضع عال.

(أَصابَها وابِلٌ) ؛ أي : مطر شديد.

(فَآتَتْ أُكُلَها ضِعْفَيْنِ) ؛ أي : تضاعف ثمرها وريعها.

__________________

(١) م ، أ : لم يوافق.

(٢) أ ، ج ، د ، م : زيادة : في الآخرة.

(٣) ليس في أ ، ج ، د ، م.

(٤) ب : كيف.

(٥) سقط من هنا قوله ـ تعالى ـ : (لا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (٢٦٤)).

(٦) ليس في ب.

(٧) ب : أي تحقيقا يضعونها ، أي : وجهها.

(٨) ب : قال.

(٩) أ ، ج ، د ، م : نباتها.

٣٤٦

(فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌ) ؛ أي : مطر ضعيف.

وكذلك أفعال المخلصين لله وصدقاتهم ، فانّها لم تخب من (١) الجزاء عليها من قليل أو كثير. بخلاف المرائي المنافق ، فإنّه (٢) لم يكن في الآخرة له جزاء عليها (٣).

وقوله ـ تعالى ـ : (أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ ، تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَأَصابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفاءُ فَأَصابَها إِعْصارٌ فِيهِ نارٌ فَاحْتَرَقَتْ) يعني : الجنّة. وهي البستان الّذي له أشجار وزروع. و «الإعصار» : هي الرّيح العاصف ؛ أي : «نار فاحترقت» جنّته ففقدها ، أحوج ما كان إليها. فكذلك المنافق بأفعاله [يفقد الجزاء عليها] (٤) ، أحوج ما يكون (٥) إليه (٦).

وقوله ـ تعالى ـ : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا! أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ ، وَمِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ) ؛ يعني : من الزّروع والثّمار.

(وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ) ؛ يعني : الحرام من المكسب ، والرّديء من الزّرع والثّمار (٧).

__________________

(١) ليس في أ ، ج ، د.

(٢) ج : وإنّه.

(٣) سقط من هنا قوله ـ تعالى ـ : (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٢٦٥)).

(٤) ليس في ب.

(٥) أ ، ب : كان.

(٦) سقط من هنا قوله ـ تعالى ـ : (كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (٢٦٦)).

(٧) أ ، ج ، د ، م : الثمرة.

٣٤٧

وقال الكلبيّ : نزلت هذه الآية في قوم كانوا يتصدّقون ممّا (١) كسبوا في الجاهليّة من الرّبا (٢).

وروي عن عليّ ـ عليه السّلام ـ : أنّها نزلت فيمن كان يأخذ الحشف والرّديء من الثّمرة ، فيدخله في ثمر الصّدقة. فنهاهم الله ـ تعالى ـ (٣) عن ذلك (٤).

وقوله ـ تعالى ـ : (الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ) ؛ أي : يخوّفكم الفقر والحاجة ، ويثبّطكم عن الصّدقة والبرّ.

(وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ) ؛ أي : بالإمساك والبخل.

(وَاللهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً [مِنْهُ]) ؛ يريد : لذنوبكم في الآخرة ، ورحمة وثوابا. (وَفَضْلاً) في الدّنيا ؛ أي : بركة وزيادة في الإحسان إليكم ، والنّعمة عليكم (٥).

__________________

(١) ب : بما.

(٢) روى الكليني عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ) فقال : كان القوم قد كسبوا مكاسب سوء في الجاهليّة فلمّا أسلموا أرادوا أن يخرجوها من أموالهم ليتصدّقوا بها فأبى الله تبارك وتعالى إلّا أن يخرجوا من أطيب ما كسبوا. الكافي ٤ / ٤٨ ، ح ١٠ وعنه كنز الدقائق ٢ / ٤٤٠ ونور الثقلين ١ / ٢٨٥ ، ح ١١٢٣ والبرهان ١ / ٢٥٤ ، ح ١ والصافي ١ / ٢٢٧. وورد مثله في التبيان ٢ / ٣٤٤ ونحوه في تفسير العياشي ١ / ١٤٩ ، ح ٤٩١ ، و ٤٩٢ وعنه البرهان ١ / ٢٥٥ ، ح ٦ و ٧.

(٣) ليس في أ.

(٤) التبيان ٢ / ٣٤٤.+ ورد مؤدّاه عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في الكافي ٤ / ٤٨ ، ح ٩ وتفسير العياشي ١ / ١٥٠ ، ح ٤٩٣ وعنهما كنز الدقائق ٢ / ٤٤١ و ٤٤٢ ونور الثقلين ١ / ٢٨٥ ، ح ١١٢٢ وص ٢٨٦ ، ح ١١٢٤ والبرهان ١ / ٢٥٤ ، ح ١ وص ٢٥٥ ، ح ٨ وفي تفسير العياشي ١ / ١٤٨ ، ح ٤٨٨ و ٤٨٩ وعنه البرهان ١ / ٢٥٤ ، ح ٣ و ٤.+ سقط من هنا قوله ـ تعالى ـ : (وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (٢٦٧)).

(٥) سقط من هنا قوله ـ تعالى ـ : (وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (٢٦٨)).

٣٤٨

وقوله ـ تعالى ـ : (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً) (الآية) :

قال ابن عبّاس : هو علم القرآن ؛ ناسخه ومنسوخه ، ومحكمه ومتشابهه ، ومقدّمه ومؤخّره ، وحلاله وحرامه ، وأمثاله (١).

وقيل : هو علم الدين ـ عن ابن زيد (٢).

وروي عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ أنّه قال : هو الفقه (٣).

وقال الكلبيّ : «الحكمة» ها هنا هي (٤) النّبوّة. ومثله قال السّديّ (٥).

وقال مقاتل : «الحكمة» ، العلم (٦) بالفقه والقرآن (٧). وهو المرويّ عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ (٨).

وقال مجاهد : «الحكمة» الإصابة بالقول (٩).

__________________

(١) تفسير الطبري ٣ / ٦٠.

(٢) تفسير الطبري ٣ / ٦٠ : التبيان ٢ / ٣٤٩.

(٣) روى العياشي عن سليمان بن خالد قال : سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن قول الله ـ تعالى ـ : (وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً) فقال : إنّ الحكمة المعرفة والتفقّه في الدين. تفسير العياشي ١ / ١٥١ ، ح ٤٩٨ وعنه كنز الدقائق ٢ / ٤٤٤ ونور الثقلين ١ / ٢٨٧ ، ح ١١٣٥ والبرهان ١ / ٢٥٦ ، ح ٧ والصافي ١ / ٢٢٨.

(٤) ليس في ج ، د ، أ.

(٥) تفسير الطبري ٣ / ٦١ نقلا عن السديّ.

(٦) ليس في أ.

(٧) تفسير الطبري ٣ / ٦٠ ، التبيان ٢ / ٣٤٩ وليس فيهما نقل عن مقاتل بل نقلا عن قتادة ومجاهد.

(٨) التبيان ٢ / ٣٤٩. تقدّم آنفا ما يدلّ عليه مرويّا عن الصادق ـ عليه السّلام ـ.

(٩) تفسير الطبري ٣ / ٦٠ ، التبيان ٢ / ٣٤٩ وليس فيهما بالقول.

٣٤٩

وقوله ـ تعالى ـ : (وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ ، فَإِنَّ اللهَ يَعْلَمُهُ) ؛ أي : ما تصدّقتم (١) به لوجه الله ـ تعالى ـ وما وفيتم به من نذر وعهد ، «فإنّ الله يعلمه». ويثيبكم عليه (٢).

وقوله ـ تعالى ـ : (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ ، فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ) ؛ يريد : في (٣) السّرّ (فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) ؛ لأنّ في الفقراء من يكره استظهار ذلك عليه (٤) ، مع استحقاقه لها.

وقال بعض مشايخنا ـ رحمهم الله ـ : يجب إظهار الصّدقة الواجبة ، إذا خاف من وجبت عليه من (٥) التّهمة بأنّه لا يخرجها. ويستحبّ إخفاء الصّدقة المندوبة ، وإن أظهرها ليستنّ (٦) به غيره وينشّطه (٧) لإخراجها (٨) كان ـ أيضا ـ حسنا (٩).

وقوله ـ تعالى ـ : (وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ) ؛ أي : يرجع إليكم

__________________

(١) د : قصدتم.

(٢) سقط من هنا قوله ـ تعالى ـ : (وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ (٢٧٠)).

(٣) ليس في ب.

(٤) ب : يكره ذلك من الاستظهار عليه.

(٥) ليس في ب.

(٦) م ، ج ، د ، أ : استسنّ.

(٧) م : نشطه.

(٨) ب : على إخراجها.

(٩) انظر : تفسير أبي الفتوح ٢ / ٣٨٢.+ سقط من هنا قوله ـ تعالى ـ : (وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٢٧١) لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَما تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ اللهِ).

٣٥٠

ثوابه (١).

وقوله ـ تعالى ـ : (لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) ؛ يريد : الصّدقة للفقراء الّذين أحصرهم المرض ، الّذي هو طريق إلى ثواب الله وأعواضه ، إذا (٢) اعترف أنّ ذلك نعمة من الله ومصلحة له وشكر.

وقوله ـ تعالى ـ : (لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ. يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ) ؛ يريد : أن (٣) الصّدقة للفقراء الّذين هذه صفتهم ، يظنّ (٤) من لا يعرف حالهم ، أغنياء من التّعفّف عمّا في أيدي النّاس.

([تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ] لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً) ؛ أي : [لا يسألون] (٥) إلحاحا في المسألة (٦).

وقوله ـ تعالى ـ : (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٢٧٤)).

نصب «سرّا وعلانية» على الحال.

قال علماء التّأويل كلّهم ، وهو المرويّ في أخبارنا ، [عن أئمّتنا ـ عليهم

__________________

(١) سقط من هنا قوله ـ تعالى ـ : (وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (٢٧٢)).

(٢) أ : إلى.

(٣) ليس في ج ، د ، أ ، م.

(٤) م ، ج ، د ، أ : «يقول يظنّهم» بدل «يظنّ».

(٥) ليس في ب.

(٦) سقط من هنا قوله ـ تعالى ـ : (وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ (٢٧٣)).

٣٥١

السّلام ـ :] (١) أنّ السّبب في هذه الآية ، أنّ عليّا (٢) ـ عليه السّلام ـ كان عنده (٣) أربعة دراهم ، فتصدّق بدرهم ليلا وبدرهم نهارا وبدرهم سرّا وبدرهم علانية. فنزلت هذه الآية [فيه ـ عليه السّلام ـ] (٤).

وقوله ـ تعالى ـ : (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا ، لا يَقُومُونَ إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ ، مِنَ الْمَسِ) ؛ أي (٥) : من لجنون.

قال ابن عبّاس ـ رحمه الله ـ ومجاهد والحسن وسعيد بن جبير وقتادة : يكون ذلك عند قيام السّاعة ، من قبورهم ، يوم القيامة. فيكون ذلك علامه للنّاس ، أنّهم كانوا يأكلون الرّبا في الدّنيا (٦).

وقال أبو عليّ الجبّائيّ : هذا مثل من (٧) تغلب عليه الصّفراء ، فيخبط في

__________________

(١) ليس في ج ، د ، أ ، م.

(٢) ج ، د ، أ ، م : أنّ علي بن أبي طالب.

(٣) ج ، د ، م ، أ : معه.

(٤) ليس في ج ، د ، أ ، م.+ رويت هذه القصّة عن ابن عبّاس بطرق مختلفة في المجاميع الروائيّة للعامّة والخاصّة كالكشّاف للزمخشري ١ / ٣٠١ والعمدة لابن بطريق / ٣٤٩ ، ح ٦٦٩ والدرّ المنثور للسيوطي ١ / ٣٦٣ وإحقاق الحق ١٣ / ٢٤٦ ـ ٢٥٢ وغاية المرام للبحراني ٣٤٧ باب ٤٧ (جمع فيه ١٢ حديثا من طريق السنّة) وباب ٤٨ (ذكر فيه ٤ أحاديث من طريق الشيعة) والبرهان ١ / ٢٥٧ ، ج ٢ و ٤ و ٥ ـ ٨. والتبيان ٢ / ٣٥٧ وبحار الأنوار ٣٦ / ٦١ ـ ٦٣ والاختصاص / ١٥٠ وتفسير العيّاشي ١ / ١٥١ ، ح ٥٠٢ والفقيه ٢ / ١٨٨ ، ح ٨٥٢ وعنهما كنز الدقائق ٢ / ٤٥١ ونور الثقلين ١ / ٢٩١ ، ح ١١٥٣ و ١١٥٦.

(٥) ليس في ب.

(٦) تفسير الطبري ٣ / ٦٨ ، التبيان ٢ / ٣٥٩.

(٧) ج ، د ، أ ، م : لمن.

٣٥٢

مشيه. وكان أبو الهذيل العلّاف وابن الأخشاد ، يخبران (١) أن (٢) يكون (٣) الصّرع من قبل الشّيطان (٤).

وقوله ـ تعالى ـ : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا : إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا) :

وأصل «الرّبا» : الزّيادة ـ لغة ـ. وفي العرف الشّرعيّ هي (٥) الزّيادة على رأس المال ، في نسيئة أو مماثلة. وذلك كالزّيادة على رأس الدّين (٦) ، للزّيادة في الأجل (٧) وكإعطاء (٨) درهم بدرهمين ، أو دينار بدينارين.

والمنصوص عن النّبيّ [ـ صلّى الله عليه وآله ـ] (٩) تحريم الرّبا في سبعة أشياء : الذّهب والفضّة والحنطة والشّعير والتّمر والزّبيب والملح (١٠).

وقال النّبيّ ـ عليه السّلام ـ : مثلا بمثل ، ويدا بيد. من زاد واستزاد ، فقد

__________________

(١) التبيان ٢ / ٣٦٠ : يجيزان.

(٢) ليس في أ ، ب.

(٣) ليس في أ.

(٤) التبيان ٢ / ٣٦٠.

(٥) أ ، ج : هي.

(٦) أ : المال.

(٧) ب : للأجل.

(٨) م ، ج ، د ، أ : أو كالإعطاء.

(٩) أ ، ب ، ج ، د : عليه السّلام.

(١٠) التبيان ٢ / ٣٥٩ : والمنصوص عن النبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ تحريم التفاضل في ستة أشياء الذهب ، والفضة والحنطة ، والشعير ، والتمر والملح وقيل : الزبيب.+ وورد مؤدّاه في وسائل الشيعة ١٢ / ٤٢٢ ـ ٤٥٦ أبواب الربا والمستدرك ١٣ / ٣٢٩ ـ ٣٤٥.

٣٥٣

أربى (١).

هذه السبعة (٢) الأشياء ، لا خلاف فيها. وباقي الأشياء ، عند الفقهاء (٣) مقيس عليها. وفيها ـ أيضا ـ (٤) عندهم (٥) خلاف. وعندنا ـ نحن ـ إنّ الرّبا فيما يكال أو يوزن ، إذا كان الجنس واحدا. منصوص ذلك عن النّبيّ ـ عليه السّلام ـ وعن أئمّتنا ـ عليهم السّلام ـ (٦).

وقوله ـ تعالى ـ : (فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ) ؛ أي : زجر [عن الربا «فانتهى عنه»] (٧).

(فَلَهُ ما سَلَفَ) ؛ يعني : أنّ له من (٨) رأس ماله من غير (٩) زيادة (١٠).

(وَمَنْ عادَ ، فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ [هُمْ فِيها خالِدُونَ (٢٧٥)]) ؛ يعني :

__________________

(١) التبيان ٢ / ٣٥٧.+ ورد مؤدّاه في صحيح مسلم ، كتاب المساقاة ح ٨١ وسنن أبي داود كتاب البيوع ح ٣٣٤٩ وسنن النسائي ٧ / ٢٧٣ باب ٤٣ و ٤٤ ومسند أحمد بن حنبل ٥ / ٢٧١ و ٣١٤ و ٣٢٠ وسنن الترمذي ٣ / ١٢٣٩ كتاب البيوع باب ٢٣.

(٢) ب : الأربعة.

(٣) ليس في ب.

(٤) ليس في ج ، د ، أ ، م : أيضا.

(٥) ج ، د ، أ ، م زيادة : أيضا.

(٦) أنظر : الكافي ٥ / ١٤٦ ، ح ١٠ وص ١٩١ ، ح ٨ والفقيه ٣ / ١٧٥ ، ح ٦ والتهذيب ٧ / ١٧ ، ح ٧٤ وص ١٩ ، ح ٨١ وص ٥٦ ، ح ٤١ وعنها وسائل الشيعة ١٢ / ٤٣٤ و ٤٣٥ باب ٦ وورد مؤدّاه فيه ١٢ / ٤٢٢ ـ ٤٥٦ أبواب الربا. والمستدرك ١٣ / ٣٢٩ ـ ٣٤٥.

(٧) ليس في ب.

(٨) ج ، د ، أ ، م : «له» بدل «أنّ له من».

(٩) أ ، ج ، د ، م : بغير.

(١٠) سقط من هنا قوله ـ تعالى ـ : (وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ).

٣٥٤

عاد إلى الرّبا ، بعد الإسلام والتّحريم والتّوبة عنه ، فله النّار ، خالدا فيها ، لعوده إليه وارتداده واستحلاله.

وقوله ـ تعالى ـ : (يَمْحَقُ اللهُ الرِّبا. وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ) ؛ أي : ينقصه (١) حالا بعد حال.

وقال البلخيّ : ينقصه في الدّنيا لسقوط عدالة صاحبه ، وفي الآخرة يمحق حسناته (٢).

(وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ) ؛ أي : يزيد في الثّواب عليها ، الواحد بعشرة (٣).

وقوله ـ تعالى ـ : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ) ؛ أي : أطيعوا الله ، بفعل ما أمركم به وترك ما نهاكم عنه.

(وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا ، إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٢٧٨)) :

قيل : إنّ هذه الآية نزلت بسبب قوم ، كان لهم بقية من الرّبا في الجاهليّة ، عند بني المغيرة وغيرهم. فطالبوهم بها ، فأبوا أن يعطوهم شيئا من ذلك عند الإسلام. فترافعوا إلى عتاب بن أسد ؛ قاضي مكّة ، فكتب إلى النّبيّ ـ [صلّى الله عليه وآله ـ] (٤) [في ذلك. فكتب النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ] (٥) إليه (٦)

__________________

(١) ليس في ج.

(٢) التبيان ٢ / ٣٦٣.

(٣) سقط من هنا قوله ـ تعالى ـ : (وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (٢٧٦) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٢٧٧)).

(٤) أ : عليه السّلام.

(٥) ليس في د.+ أ : «عليه السّلام» بدل «صلّى الله عليه وآله».

(٦) ليس في ب.

٣٥٥

الآية (١) ، فتلاها عليهم (٢).

وقوله ـ تعالى ـ : (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا ، فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ) ؛ أي إن (٣) لم تتركوه واستحللتموه بعد الإسلام والتّحريم (٤) ، وجب على إمام المسلمين حربكم وقتلكم.

وقوله ـ تعالى ـ : (وَإِنْ تُبْتُمْ ، فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ) ؛ أي : تبتم من الرّبا ، [فلكم رؤوس أموالكم من غير الزّيادة] (٥) (لا تَظْلِمُونَ) بالزّيادة (٦) (وَلا تُظْلَمُونَ (٢٧٩)) بالنّقصان عن رأس المال.

وقوله ـ تعالى ـ : (وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ ، فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ) ؛ [أي : إيسار] (٧).

يقول : أنظروه إلى إيساره ؛ أي : عليكم إنظاره (٨).

وهل الإنظار واجب في كلّ دين ، أو في دين الرّبا فقط؟ أقوال (٩) :

أوّلها ، قال ابن عبّاس والضّحّاك والحسن : في كلّ دين (١٠). وهو المرويّ عن

__________________

(١) ج ، د ، أ ، م : بالآية.

(٢) أسباب النزول / ٦٥ ، تفسير الطبري ٣ / ٧١.

(٣) ليس في ب.

(٤) ليس في ج ، د ، أ ، م.

(٥) ليس في ج ، د ، أ ، م.

(٦) ليس في ب.

(٧) ليس في ب.

(٨) في ج ، د ، م ، بعد الآية هكذا : أي : أنظروه ؛ أي : إيسار. يقول : عليكم إنظاره.

(٩) ليس في ب ، أ ، ج ، د.

(١٠) تفسير الطبري ٣ / ٩١ ، التبيان ٢ / ٣٦٨.

٣٥٦

أبي جعفر وأبي عبد الله ـ عليهم السّلام ـ (١).

والثّاني ، قال شريح وإبراهيم : ذلك في دين الرّبا خاصّة (٢).

والثّالث ، قيل : الآية في دين الرّبا خاصّة ، والباقي مقيس عليه (٣).

والإعسار الّذي يجب فيه الإنظار ، قال الجبّائيّ : هو التّعذّر بالإعدام ، وكساد المتاع ونحوه (٤).

وروي عن أبي عبد الله [ـ عليه السّلام ـ] (٥) قال : هو ألّا يقدر على [ما يفضل عن] (٦) قوته وقوت عياله ، على الاقتصاد (٧).

وقوله ـ تعالى ـ : (وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ) ؛ أي (٨) احذروا يوم القيامة.

وروي عن ابن عبّاس ـ رحمه الله ـ أنّه قال : هذه الآية آخر ما نزل على

__________________

(١) التبيان ٢ / ٣٦٨.+ ورد مؤدّاه في الكافي ٤ / ٣٥ ـ ٣٦ ، ح ١ ـ ٤ وج ٥ / ٩٣ ح ٥ وعنه كنز الدقائق ٢ / ٤٦٠ ـ ٤٦٢ ونور الثقلين ١ / ٢٩٥ ـ ٢٩٧ ، ح ١١٨٢ و ١١٨٣ و ١١٨٧ ـ ١١٨٩ والبرهان ١ / ٢٦٠ ح ١ و ٢ وفي تفسير العياشي ١ / ١٥٣ ، ح ٥١٣ وص ١٥٤ و ١٥٥ ، ح ٥١٤ ـ ٥٢٠ وعنه البرهان ١ / ٢٦١ ، ح ٤ ـ ١١ ، وفي ثواب الأعمال / ١٤٥.

(٢) تفسير الطبري ٣ / ٧٣ ، التبيان ٢ / ٣٦٨.

(٣) ليس في ج.+ التبيان ٢ / ٣٦٨.

(٤) التبيان ٢ / ٣٦٩.

(٥) ليس في أ.

(٦) ليس في ب.

(٧) التبيان ٢ / ٣٦٩.+ سقط من هنا قوله ـ تعالى ـ : (وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٢٨٠)).

(٨) ليس في أ.

٣٥٧

النّبيّ ـ عليه السّلام ـ من القرآن (١). وبقي بعدها ثلاث ساعات ، وقبضه الله ـ سبحانه وتعالى ـ إلى دار كرامته وبحبوحة جنّته (٢).

وقيل : بقي بعدها تسع ليال (٣) ، أو سبع ليال (٤).

وقوله ـ تعالى ـ : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) ؛ أي : إلى وقت معلوم.

(فَاكْتُبُوهُ. وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ ، كاتِبٌ بِالْعَدْلِ) ؛ أي : بالحقّ.

(وَلا يَأْبَ كاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَما عَلَّمَهُ اللهُ. فَلْيَكْتُبْ) وذلك أمر الله (٥) ؛ كما علّمه وفهّمه ، من الكتابة.

(وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ. وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ. وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً) ؛ أي : لا ينقص.

(فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ ، سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً) :

«سفيها» : جاهلا. «ضعيفا» : صبيّا.

(أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ ، فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ) ؛ أي : بالحقّ ، من غير زيادة ولا نقصان.

(وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ. فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ ، فَرَجُلٌ

__________________

(١) تفسير الطبري ٣ / ٧٦.

(٢) أنظر : البحر المحيط ٢ / ٣٤١.

(٣) تفسير الطبري ٣ / ٧٦ نقلا عن ابن جريح.

(٤) كشف الأسرار للميبدي ١ / ٧٦٦ والبحر المحيط ٢ / ٣٤١.+ سقط من هنا قوله ـ تعالى ـ : (ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (٢٨١)).

(٥) الظاهر أنّ ما أثبتناه في المتن هو الصواب.+ ج ، م : مر لله.+ أ : مر الله. ب ، د : شكر الله.

٣٥٨

وَامْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى) :

[قيل : يصير (١) شهادتهما كشهادة الذّكر] (٢).

وقيل : يصيران كالذّكر (٣).

(وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا) :

قيل : في ذلك ثلاثة أقوال :

قيل : في التّحمّل (٤).

وقيل : في الأداء ـ وعليه الأكثر ـ (٥).

وقيل : فيهما (٦).

(وَلا تَسْئَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ ، صَغِيراً أَوْ كَبِيراً ، إِلى أَجَلِهِ) ؛ يعني (٧) الحقّ.

(ذلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ) ؛ أي : أعدل.

(وَأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ. وَأَدْنى أَلَّا تَرْتابُوا) ؛ [أي : أدنى ألّا تشكّوا] (٨)

(إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَلَّا تَكْتُبُوها) :

__________________

(١) ليس في ب.

(٢) ليس في د.+ التبيان ٢ / ٣٧٣ نقلا عن سفيان بن عيينة.

(٣) لم نعلم الفرق بين هذا القول وسابقه.

(٤) تفسير الطبري ٣ / ٨٣ و ٨٤ ، التبيان ٢ / ٣٧٤ نقلا عن ابن عباس وقتادة والربيع.

(٥) تفسير الطبري ٣ / ٨٤ و ٨٥ ، التبيان ٢ / ٣٧٥ نقلا عن مجاهد وعامر وعطاء.

(٦) تفسير الطبري ٣ / ٨٥.+ التبيان ٢ / ٣٧٥ نقلا عن ابن عباس والحسن وأبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ.

(٧) ج ، د ، أ : أي.

(٨) ليس في ب.

٣٥٩

هذا رخصة في ترك الكتابة.

(وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ) : وذلك خوف من السّهو والاختلاف بينكم.

(وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ) :

قال مقاتل : وهو أن تعمد إلى (١) الكاتب والشّهيد ، ولهما شغل أو (٢) حاجة فيعتذران إليك ، فتضيّق عليهما وتقول : لا بدّ من ذلك يقول ـ سبحانه ـ : دعهما! واطلب غيرهما ، ممّن لا حاجة له ولا شغل (٣).

وعلى القراءة الأخرى : ولا يضارّ الكاتب ؛ أي (٤) : يفاعل (بكسر العين) ولا الشّهيد ؛ أي : لا يفعل الضّرر (٥) بغيره ، ولا يكتب إلّا بالحقّ ، ولا يتخلّف مع تمكّنه ممّا حمّل أو يراد منه (٦).

(وَإِنْ تَفْعَلُوا ، فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ) ؛

يريد : ان تفعلوا الإضرار ، فإنّه فسوق بكم (٧) ومعصية.

(وَاتَّقُوا اللهَ) فيما أمركم به ونهاكم عنه.

(وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ) ؛ يريد : مصالحكم وآدابكم.

(وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٢٨٢)) ؛ أي : عالم. وفيه (٨) مبالغة في العلم.

__________________

(١) ليس في ج.

(٢) ب : و.

(٣) تفسير الطبري ٣ / ٩٠ ، التبيان ٢ / ٣٧٦ نقلا عن ابن مسعود ومجاهد.

(٤) ليس في ب.

(٥) في ب : الضرورة.

(٦) تفسير الطبري ٣ / ٨٩ ، التبيان ٢ / ٣٧٦. نقلا عن الحسن وقتادة وعطاء وابن زيد.

(٧) ليس في ب ، ج ، د ، م.

(٨) في أ : وفي.

٣٦٠