نهج البيان عن كشف معاني القرآن

محمّد بن الحسن الشيباني

نهج البيان عن كشف معاني القرآن

المؤلف:

محمّد بن الحسن الشيباني


المحقق: حسين درگاهي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: نشر الهادي
المطبعة: مؤسسة الهادي
الطبعة: ١
ISBN: 964-400-034-X
الصفحات: ٣٦٥

وعائشة ، وابن عمر ، وسالم ، وابن عبّاس ، وابن مسعود (١).

وقال أهل العراق وأبو حنيفة ومن تبعه : «الأقراء» هي الحيض (٢).

قوله ـ تعالى ـ : (وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحامِهِنَ) :

قيل : في معناه ثلاثة أقوال :

أحدها ، قال إبراهيم : هو الحيض (٣).

وثانيها ، قال قتادة : هو الحبل (٤).

وثالثها ، قال الحسن : هو الحيض والحبل. وهو الأقوى (٥).

وإنّما لم يحلّ لهنّ الكتمان لظلم الزّوج ، لمنعه المراجعة ، في قول ابن عبّاس (٦).

وقال قتادة : لنسبة الولد إلى غير أبيه ؛ كفعل الجاهليّة (٧).

قوله ـ تعالى ـ : (وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ [فِي ذلِكَ إِنْ أَرادُوا إِصْلاحاً]) ؛ أي : أولى برجعتهنّ (٨).

قوله ـ تعالى ـ : (وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ) ؛ يعني : أنّه ـ تعالى ـ فضّل

__________________

(١) التبيان ٢ / ٢٣٧ ، تفسير أبي الفتوح ٢ / ٢٢٥.

(٢) تفسير أبي الفتوح ٢ / ٢٢٤.

(٣) التبيان ٢ / ٢٣٩.

(٤) نفس المصدر والموضع.

(٥) نفس المصدر والموضع.

(٦) التبيان ٢ / ٢٤٠.

(٧) التبيان ٢ / ٢٤٠.+ انظر : تفسير الطبري ٢ / ٢٧٠ ـ ٢٧٢.+ سقط من هنا قوله ـ تعالى ـ : (إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ).

(٨) يأتي عن قريب ، تفسير قوله ـ تعالى ـ : (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ).

٣٠١

الرّجال على النّساء ، في الميراث والشّهادة والدّية وغير ذلك ؛ لكونهم يقومون بنفقتهنّ ومؤنتهنّ.

قوله ـ تعالى ـ : (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ [بِالْمَعْرُوفِ]) :

قال الضّحّاك : لهنّ عليهم من حسن العشرة بالمعروف ، مثل ما عليهنّ من الطّاعة لهم (١).

وقال ابن عبّاس [ـ رحمه الله ـ] (٢) : لهنّ من التّصنّع لزوجاتهم ، مثل ما لأزواجهم عليهنّ من التّصنّع والتّزيّن لهم (٣).

وقال الطّبريّ : لهنّ على أزواجهنّ ترك مضارّتهنّ ؛ كما لأزواجهنّ ذلك عليهنّ. وهذا قريب (٤).

قوله ـ تعالى ـ : (الطَّلاقُ مَرَّتانِ) ؛ أي : عدة الطّلاق الّذي يملك فيه الزّوج المراجعة ، مرّتان.

فقوله : «الطّلاق مرّتان» ، مبتدأ وخبر.

وللطّلاق عند أهل البيت ـ عليهم السّلام ـ شروط نذكرها :

وهي أن يطلّق الرّجل زوجته ـ المدخول بها ـ مختارا وهي طاهر ، طهرا لم يقربها فيه بجماع ، بمحضر من رجلين عدلين ، في مجلس واحد. ويتلفّظ بالطّلاق موحّدا قاصدا ، فإن أتى به ثلاثا بلفظ واحد ومجلس واحد ، فقد اختلف أصحابنا

__________________

(١) ليس في د.+ التبيان ٢ / ٢٤١.

(٢) ليس في م.

(٣) التبيان ٢ / ٢٤١ ، تفسير الطبري ٢ / ٢٧٤.

(٤) ج : أقرب.+ تفسير الطبري ٢ / ٢٧٥.+ سقط من هنا قوله ـ تعالى ـ : (وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٢٨)).

٣٠٢

فيه :

فمنهم من قال : تقع واحدة ، والباقي لغو (١).

ومنهم من قال : لا يقع الطّلاق. لأنّه خلاف المشروع (٢).

ولا يقع الطّلاق ـ عندهم ـ في الحيض (٣) ، ولا في الطّهر الّذي جامع الرّجل زوجته فيه.

ولا يقع ـ عندهم ـ بالكنايات ؛ كقوله : أنت خليّة ، وبريّة ، وبتّة ، وبتلة ، وحبلك على غاربك ، والحقي بأهلك. إلى غير ذلك من الكنايات ، سواء نوى الطّلاق أو لم ينو.

ولا يقع الطّلاق ـ عندهم ـ بيمين ، ولا على سكر ، ولا مع غضب شديد لا تحصيل (٤) معه ، ولا على سبيل الإكراه ، ولا يقع بشرط.

ولا بدّ من النّيّة فيه.

قوله ـ تعالى ـ. (فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ) :

«إمساك» : مبتدأ ، وخبره محذوف. تقديره : فعليكم إمساك بمعروف.

ومعنى الآية : قيل : فيه قولان. قيل : التّطليقة الثّانية (٥).

__________________

(١) كما عليه مشهور الفقهاء. الجواهر ٣٢ / ٨٢.

(٢) كما عليه السّيّد المرتضى في المحكيّ عن الانتصار ، وسلّار وابن أبي عقيل وابن حمزة ويحيى بن سعيد. الجواهر ٣٢ / ٨١.

(٣) هذا إذا كانت مدخولا بها وكانت حائلا وكان المطلق حاضرا فلو كانت غير مدخول بها أو حاملا مستبينة الحمل جاز طلاقها. أنظر : الجواهر ٣٢ / ٣٠.

(٤) م : لا يحصل.

(٥) تفسير الطبري ٢ / ٢٧٦ ـ ٢٧٧.

٣٠٣

وقال السّديّ والضّحّاك : هو ترك المعتدّة حتّى تبين بانقضاء العدّة (١). وهو المرويّ عن أبي جعفر وأبي عبد الله ـ عليهما السّلام ـ (٢).

قوله ـ تعالى ـ : (فَإِنْ طَلَّقَها ، فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ ، حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ) ؛ يريد التّطليقة الثّالثة (٣). روي ذلك عن أبي جعفر (٤) وأبي عبد الله ـ عليهما السلام ـ (٥) وبه قال السّديّ والضّحّاك. [والزجّاج والجبائي والنظّام] (٦).

__________________

(١) تفسير الطبري ٢ / ٢٧٨ ـ ٢٧٩.

(٢) سقط من هنا قوله ـ تعالى ـ : (وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلَّا أَنْ يَخافا أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلا تَعْتَدُوها وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٢٢٩)).+ التبيان ٢ / ٢٤٤.+ روى الطوسي عن الكليني عن أبي عليّ الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبّار ومحمّد بن جعفر وأبي العبّاس الرزّاز ، عن أيوب بن نوح ، وعليّ بن إبراهيم عن أبيه ، جميعا عن صفوان بن يحيى عن ابن مسكان ، عن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : طلاق السّنّة يطلّقها تطليقة ؛ يعني : على طهر من غير جماع بشهادة شاهدين. ثمّ يدعها حتّى تمضي أقراؤها. فإذا مضت أقراؤها ، فقد بانت منه. وهو خاطب من الخطّاب ، إن شاء [ت] نكحته. وإن شاءت فلا. وإن أراد أن يراجعها أشهد على رجعتها قبل أن تمضي أقراؤها ، فتكون عنده على التطليقة الماضية. قال : وقال أبو بصير ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ : هو قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ) التطليقة الثالثة التسريح بإحسان. التهذيب ٨ / ٢٦ ، ح ٨٢ وعنه البرهان ١ / ٢٢١ ، ح ١.+ الكافي ٦ / ٦٤ ، ح ١ وعنه كنز الدقائق ٢ / ٣٤٥ ونور الثقلين ١ / ٢٢٣ ، ح ٨٥٧.

(٣) م : الثانية.

(٤) التبيان ٢ / ٢٤٨.

(٥) أنظر : الفقيه ٣ / ٣٢٤ ، ح ٤ وتفسير العياشي ١ / ١١٦ وعنهما البرهان ٢ / ٢٢١ ، ح ٢ ـ ٦+ العيون ٢ / ٨٥ وعنه كنز الدقائق ٢ / ٣٤٥.+ الكافي ٦ / ٧٥ ـ ٧٦ ، ح ١ ـ ٥.

(٦) التبيان ٢ / ٢٤٨.+ ما بين المعقوفتين ليس في أ.

٣٠٤

وقال مجاهد : هو تفسير لقوله «أو تسريح بإحسان» ؛ يعني : التّطليقة الثالثة (١). وهو اختيار الطّبريّ (٢).

قوله ـ تعالى ـ : (فَإِنْ طَلَّقَها ، فَلا جُناحَ عَلَيْهِما ، أَنْ يَتَراجَعا) ؛ يريد به : نكاح الزّوج الثّاني للدّوام ، ويطلّقها مختارا على الشّروط المذكورة ، وتقضي العدّة منه ، وترجع إلى الزّوج الأوّل بعقد جديد ومهر جديد.

وصفة الزّوج الّذي يحلّل المرأة للزّوج الأوّل ، أن يكون بالغا ويعقد عليها عقدا صحيحا دائما ، لتدخل (٣) في مثل ما خرجت منه. ويطأها في القبل ، ويذوق عسيلتها ، وتذوق عسيلته. ولا يحلّ لأحد أن يتزوّجها في العدّة.

فأمّا العقد الفاسد والوطء في الحيض ، أو في الاعتكاف ، أو في الدّبر. فلا تحلّل (٤) للزّوج الأوّل ، بلا خلاف ، بين أهل العلم (٥).

وقوله ـ تعالى ـ : (فَلا تَعْضُلُوهُنَّ [أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَ]) ؛ أي : لا تمنعوهنّ ، يا معشر الأولياء! مع انقضاء عدّتهنّ من التّزويج.

__________________

(١) م : الثانية.

(٢) تفسير الطبري ٢ / ٢٩٠.+ هامش أ : «فلا تحلّ له من بعد حتّى تنكح زوجا غيره» يريد الطلقة الثالثة ، أو يريد نكاح. نسخة.

(٣) أ ، ج ، د : ليدخل.

(٤) أ : تحليل.+ م : يحلّل.

(٥) سقط من هنا قوله ـ تعالى ـ : (إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيما حُدُودَ اللهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ يُبَيِّنُها لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٢٣٠) وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلا تَتَّخِذُوا آياتِ اللهِ هُزُواً وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَما أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٢٣١) وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَ).

٣٠٥

وأخذ «العضل» من عضل الدّجاجة : إذا امتنعت من البيض.

قوله ـ تعالى ـ : (إِذا تَراضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ) ؛ يريد : إذا تراضوا بالعقد الجديد والمهر الجديد.

و «المهر» عندنا ، كلّما له قيمة في شرع الإسلام (١).

قوله ـ تعالى ـ : (وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ) ؛ أي : سنتين كاملتين. وهذا هو الرّضاع الأعلى. ويدلّ عليه قوله ذلك : (لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ).

و «الرّضاع» الأدنى أحد وعشرون شهرا. لأنّ الله ـ تعالى ـ يقول : (وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً) (٢) فتسعة حمل ، وأحد وعشرون فصال ، فصارت [ثلاثين (٣) شهرا] (٤).

[قوله ـ تعالى ـ : (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ [وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ]) (٥) ؛ يعني : للمرضعات] على الأزواج نفقتهنّ (٦).

قوله ـ تعالى ـ : (لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها) ؛ أي : لا ينتزع الولد منها ويعطى لغيرها ترضعه ، إذا أرادت هي رضاعه من النّفقة والأجرة مثل ما يأخذ أمثالها.

__________________

(١) سقط من هنا قوله ـ تعالى ـ : (ذلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكُمْ أَزْكى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (٢٣٢)).

(٢) الأحقاف (٤٦) / ١٥.

(٣) ما أثبتناه في المتن هو الصواب وفي النسخ : ثلاثون.

(٤) ليس في د.

(٥) ج ، م زيادة : أي : نفقتهنّ.

(٦) سقط من هنا قوله ـ تعالى ـ : (لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَها).

٣٠٦

قوله ـ تعالى ـ : (وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ) ؛ أي : ولا تلقي المرأة الولد على أبيه ، إذا لم يجد ضئرا غيرها ترضعه له.

وقيل : «لا تضارّ والدة بولدها» ؛ أي : لا تمنع (١) زوجها من (٢) وطئها مخافة الحمل ، فيستضرّ الولد بالحمل. وكذلك الزّوج ، لا يمتنع من الوطء مخافة الحمل (٣).

قوله ـ تعالى ـ : (وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ) :

قال الكلبيّ : فيه قولان :

أحدهما على وارث الأب مثل ما (٤) على الأب من النّفقة.

والقول الآخر «الوارث» ها هنا ، الأب نفسه (٥).

وقال القتيبيّ : على الوارث ألّا (٦) يضارّها ولا تضارّه ، مثل ما على الأب لو كان حيّا (٧).

[قوله ـ تعالى ـ] (٨) : (فَإِنْ أَرادا فِصالاً عَنْ تَراضٍ مِنْهُما [وَتَشاوُرٍ فَلا

__________________

(١) م ، أ ، د : يمتنع.

(٢) أ : عن.

(٣) تفسير الطبري ٢ / ٣٠٧.

(٤) ليس في ج.

(٥) أنظر : تفسير الطبري ٢ / ٣٠٧ ـ ٣١٢ من دون نسبة القول إلى القتيبي.

(٦) أ : لا بدل ألا.

(٧) أنظر : تفسير الطبري ٢ / ٣١٠ ـ ٣١١ من دون نسبة القول إلى القتيبي.

(٨) ليس في ج.

٣٠٧

جُناحَ عَلَيْهِما]) : أرادا (١) فطاما عن تراض منهما ، وتشاور باتّفاق منهما (٢) ، بدون الحولين ، فجائز ؛ يعني : الرّضاع الأدنى (٣).

قوله ـ تعالى ـ : (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً ، يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ، أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً) :

وهذه الآية ناسخة لقوله ـ تعالى ـ : (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً ، وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ ، مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ) (٤). وكان هذا الحكم في الجاهليّة وصدر الإسلام ، فنسخته آية الأشهر بعدها.

وعدّة المتوفّى عنها زوجها ـ عندنا ـ أبعد الأجلين. سواء كانت (٥) حاملا أو حائلا ، يلزمها الحداد ، عندنا. وهو ترك الزّينة والتّكحّل والتّطيّب ، بخلاف المطلّقة.

وعدّة المطلّقة أقرب الأجلين ، إذا كانت المطلّقة رجعيّة ، بلا خلاف. ويلزم [ـ عندنا ـ] (٦) الرّجل النّفقة بخلاف البائن ؛ لأنّه لا نفقة لها في العدّة.

وعدّة الأمة المتوفّى عنها زوجها شهران وخمسة أيّام. ويلزمها الحداد

__________________

(١) م : أراد.

(٢) ليس في ج.

(٣) سقط من هنا قوله ـ تعالى ـ : (وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِذا سَلَّمْتُمْ ما آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٢٣٢)).

(٤) البقرة (٢) / ٢٤٠.

(٥) أ ، د ، م : كان.

(٦) ليس في ج ، د ، م.

٣٠٨

 ـ أيضا ـ عندنا (١).

قوله ـ تعالى ـ : (وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ) ؛ يعني : وهنّ بالعدّة (٢).

قوله ـ تعالى ـ : (وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ ، سِرًّا. إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً) :

قال ابن عبّاس ـ رحمه الله ـ : التّعريض (٣) المباح في العدّة هو قول الرّجل للمرأة المعتدّة : أريد التّزويج بامرأة من حالها كيت وكيت ، أو كذا وكذا.

أو (٤) أحبّ من النّساء من حالها كيت وكيت. ويكون ذلك فيها ومن صفتها (٥).

و «الخطبة» : هي القول الّذي يستدعي به الرّجل عقدة النّكاح.

قوله ـ تعالى ـ : (وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا) :

قال الحسن وإبراهيم بن مجلز (٦) : السّرّ المنهيّ عنه ، ها هنا ، هو الزّنا (٧).

__________________

(١) سقط من هنا قوله ـ تعالى ـ : (فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٢٣٤)).

(٢) ج : في العدّة+ د ، م : في العدّة بدل وهنّ بالعدّة.+ سقط من هنا قوله ـ تعالى ـ : (أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَ).

(٣) أ : التعرّض.

(٤) أ : و.

(٥) تفسير الطبري ٢ / ٣٢٠ ـ ٣٢١.

(٦) ج : إبراهيم بن محاز.+ تفسير الطبري ٢ / ٣٢٣ : أبو مجلز بدل إبراهيم بن مجلز.+ تفسير القرطبي ٣ / ١٩١ : أبو مجلز لاحق بن حميد بدل إبراهيم بن مجلز.

(٧) تفسير الطبري ٢ / ٣٢٣.

٣٠٩

وقال ابن عبّاس وسعيد بن جبير والشّعبيّ : هو العقد ، على الامتناع من تزويج غيرك (١).

وقال مجاهد : هو أن يقول لها : لا تحرميني نفسك ، إنّي راغب فيك (٢).

وقال ابن زيد : هو إسراره عقد (٣) النّكاح في العدّة (٤).

و «السّرّ» عند أهل اللّغة : النّكاح. قال الحطيئة :

ويحرم (٥) سرّ جارتهم عليهم

ويأكل جارهم أنف القصاع (٦)

قوله ـ تعالى ـ : (إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً) ؛ يعني : تلويحا لا تصريحا.

قوله ـ تعالى ـ : (وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ ، حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ ، أَجَلَهُ) ؛ يريد : انقضاء العدّة ؛ أي : فرض الكتاب وحكمه (٧).

قوله ـ تعالى ـ : (لا جُناحَ عَلَيْكُمْ) ؛ أي : لا إثم عليكم (٨) (إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ، ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ ، أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً) ؛ أي : تكتبوا لهنّ مهرا.

(وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ ، وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ) (٩) :

__________________

(١ ، ٢) تفسير الطبري ٢ / ٣٢٤.

(٣) م : عقدة.

(٤) تفسير الطبري ٢ / ٣٢٤.

(٥) د ، أ : تحرم.

(٦) تفسير الطبري ٢ / ٣٢٥.

(٧) سقط من هنا قوله ـ تعالى ـ : (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (٢٣٥)).

(٨) ليس في د ، أ ، م.

(٩) من الموضع الّذي ذكرناه إلى هنا ليس في ب.

٣١٠

هذا حكم المفوّضة البضع. وهي الّتي يعقد عليها ، ولا يسمّى لها مهرا. وهي على ضربين : مدخول بها ، وغير مدخول بها. فإن دخل بها وجب لها مهر المثل ، وإن لم يدخل بها وجب لها المتعة على قدر حال الرّجل والمرأة. فالموسع بالخادم والثّوب الفاخر والجارية الحسناء ، والمتوسّط يمتّع بالثّوب الوسط أو قيمته ، والمقتر يمتّع بالثّوب الدّون أو الدّرهم أو الخاتم. هذا مذهب أهل البيت ـ عليهم السّلام ـ (١).

وقوله ـ تعالى ـ : (وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ ، وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً ، فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ. إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ ، أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ) :

قوله [ـ تعالى ـ :] (٢) «يعفون» ؛ أي : الّتي يصحّ عفوها ، من الحرّة البالغة العاقلة ، غير المولّى عليها.

و «الّذي بيده عقدة النّكاح» : هو الوليّ ـ عن مجاهد وعلقمة (٣) ـ. وهو المرويّ عن أبي جعفر وأبي عبد الله ـ عليهما السّلام ـ (٤). غير أنّه لا ولاية ـ عندنا ـ إلّا للأب والجدّ ، على غير البالغ. وأمّا غيرهما (٥) ، فلا ولاية إلّا بتولية (٦).

__________________

(١) سقط من هنا قوله ـ تعالى ـ : (مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ (٢٣٦)).

(٢) ليس في أ ، م.

(٣) تفسير الطبري ٢ / ٣٣٦.

(٤) انظر : الكافي ٦ / ١٠٦ ح ٢ و ٣ ، تفسير العياشي ١ / ١٢٥ ، ح ٤٠٨ ـ ٤١٠ ، تهذيب الأحكام ٦ / ٢١٥ ـ ٢١٦ ، ذيل ح ٥٠٧ ، الفقيه ٣ / ٢٧٢ ح ١٢٩٢ ومنها كنز الدقائق ٢ / ٣٦٣ ـ ٣٦٤ ، نور الثقلين ١ / ٢٣٣ ح ٩١٨ ـ ٩٢٥ ، البرهان ١ / ٢٢٨ ـ ٢٣٠.

(٥) ب : غيرها.

(٦) د : بوليّه.

٣١١

وقال قوم : المتعة (١) نصف صداق مثلها. واحتجّوا بقوله ـ تعالى ـ : (وَلِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ ، حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ) (٢).

وقيل : هي منسوخة بقوله ـ تعالى ـ : (فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ) (٣).

وقوله ـ تعالى ـ : (وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ) ؛ أي : طاقته (٤).

وقوله ـ تعالى ـ : (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ ، وَالصَّلاةِ الْوُسْطى. وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ (٢٣٨)) ؛ أي : داعين.

وأصل «القنوت» : الدّعاء.

و «المحافظة» (٥) : إيقاع الصّلاة في وقتها.

«والصلاة الوسطى» : [هي صلاة] (٦) العصر. وروي ذلك عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ وعن عليّ [ـ عليه السّلام ـ] (٧) وعن ابن عبّاس (٨).

__________________

(١) م : في المتعة.

(٢) تفسير الطبري ٢ / ٣٣٢.+ الآية في البقرة (٢) / ٢٤١.

(٣) تفسير الطبري ٢ / ٣٣٤ نقلا عن قتادة.+ الآية.

(٤) سقط من هنا قوله ـ تعالى ـ : (وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٢٣٧)).

(٥) أ ، ج : زيادة على.

(٦) ليس في أ.

(٧) ليس في أ.

(٨) تفسير الطبري ٢ / ٣٤٢ ـ ٣٤٣.+ ورد مؤدّاه عن النبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ في علل الشرايع ٢ / ٣٣٧ ح ١ وعنه كنز الدقائق ٢ / ٣٦٨ ونور الثقلين ١ / ٢٣٨ ح ٩٤٢.+ روى القمّي عن أبيه ، عن النضر بن سويد ، عن ابن سنان عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ أنّه قرأ : حافظوا على الصّلوات والصّلاة الوسطى صلاة العصر وقوموا لله قانتين. تفسير القمّي ١ / ٧٩ وعنه كنز الدقائق ٢ / ٣٦٧ ونور الثقلين ١ / ٢٣٧ ح ٩٣٥ والبرهان ١ / ٢٣١ ح ٣.

٣١٢

وقال زيد بن ثابت وابن عمر : هي الظّهر (١).

وفي رواية ، عن عليّ ـ عليه السّلام ـ : شأنّها الفجر (٢).

وروي مثل ذلك ، عن أبي جعفر وأبي عبد الله ـ عليهما السّلام ـ (٣).

وقال قبيصة بن ذؤيب : هي المغرب (٤).

وقال جابر بن عبد الله الأنصاريّ : هي الغداة (٥).

وروي عن عمر بن الخطّاب ، أنّه قال : هي واحدة من (٦) الصّلوات الخمس ، غير معيّنة.

قالوا : وإنّما قال عمر ذلك ، ليواظب المكلّف عليها كلّها (٧).

وقال الوزير (٨) ؛ أبو القاسم ؛ الحسين بن عليّ المغربيّ ـ رحمه الله ـ : هي

__________________

(١) تفسير الطبري ٢ / ٣٤٧ ـ ٣٤٨.+ ورد مؤدّاه عن أبي جعفر وأبي عبد الله ـ عليهما السّلام ـ. في الكافي ٣ / ٢٧١ ـ ٢٧٢ ، ضمن ح ١ والتهذيب ٢ / ٢٤١ ح ٩٥٤ وتفسير العياشي ١ / ١٢٨ ح ٤١٥ و ٤١٧ ـ ٤١٩ ومنها كنز الدقائق ٢ / ٣٦٧ ـ ٣٦٨ ونور الثقلين ١ / ٢٣٦ ح ٩٣٤ و ٩٣٦ و ٩٣٨ و ٩٣٩ والبرهان ١ / ٢٣٠ ح ١ و ٢ و ٤ و ٧ و ٨.

(٢) روى الراوندي عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ ، في قوله ـ تعالى ـ : (وَقُرْآنَ الْفَجْرِ) [الإسراء (١٧) / ٧٨] أنّها الصلاة الوسطى. فقه القرآن ١ / ٨٢ وعنه المستدرك ٣ / ٢٣ ح ١٢.

(٣) إن كان المراد الاشارة الى ما روي عن علي ـ عليه السّلام ـ فلم نعثر عليه مرويّا عنهما ـ عليهما السّلام ـ. وأمّا إن كان المراد الإشارة إلى ما قال زيد بن ثابت وابن عمر فتقدّم آنفا مصادر المرويّ ، عن أبي جعفر وأبي عبد الله ـ عليهما السّلام ـ.

(٤) تفسير الطبري ٢ / ٣٤٩.

(٥) تفسير الطبري ٢ / ٣٥٠.

(٦) ب : في.

(٧) تفسير الطبري ٢ / ٣٥١ نقلا عن ابن عمر.

(٨) ليس في ج ، د ، أ ، م.

٣١٣

صلاة الجماعة. لأنّ «الوسط» العدل. قال الله ـ تعالى ـ : (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً) (١) ؛ أي : خيارا عدولا (٢).

وقوله ـ تعالى ـ : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ ، فَقالَ لَهُمُ اللهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْياهُمْ) :

قال الكلبيّ : ألم تعلم ، يا محمّد! حال الّذين خرجوا من ديارهم ، حذر الطّاعون ، وهم ألوف (٣).

قيل : كانوا أربعين ألفا (٤).

وقيل : كانوا ثمانية آلاف (٥).

وقال السّديّ : كانوا نيفا وثمانين ألفا ، خرجوا فرارا من الطّاعون فأماتهم الله ، ثمّ أحياهم بدعاء حزقيل ، وهو ابن العجوز ؛ وهو ذو الكفل ـ عليه السّلام ـ (٦).

__________________

(١) البقرة (٢) / ١٤٣.

(٢) التبيان ٢ / ٢٧٥.+ سقط من هنا قوله ـ تعالى ـ : (فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالاً أَوْ رُكْباناً فَإِذا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللهَ كَما عَلَّمَكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (٢٣٩) وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْراجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِي ما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٤٠) وَلِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (٢٤١) كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٢٤٢)).

(٣) تفسير الطبري ٢ / ٣٦٥ من دون نسبة القول إلى الكلبي.

(٤) تفسير الطبري ٢ / ٣٦٥ نقلا عن ابن عباس.

(٥) تفسير الطبري ٢ / ٣٦٦ نقلا عن ابن عباس.

(٦) ورد مؤدّاه في تفسير الطبري ٢ / ٣٦٧ عن وهب بن منبه.

٣١٤

وقال وهب بن منبه : أحياهم الله بدعاء شمويل بن هلقايا (١).

وقال قتادة : أحياهم الله بدعاء يوشع بن نون (٢).

وقوله ـ تعالى ـ : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى ، إِذْ قالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ : ابْعَثْ لَنا مَلِكاً نُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ) :

«الملأ» : هم الأشراف (٣) ، الّذين (٤) يملئون المجالس بأخلاقهم وفضلهم وإحسانهم.

وجاء في الخبر : أنّهم الّذين خرجوا من الطّاعون فأماتهم الله ، ثمّ أحياهم بدعاء يوشع بن نون. وكانت التّوراة ـ إذ ذاك ـ قد رفعت (٥) عنهم ، والتّابوت ـ أيضا ـ حيث استخفّوا بحرمتهما. فاستلّت التّابوت ، ورفعت التّوراة ، وارتفعت البركة عنهم ، وطمع فيهم العدوّ ، وسلّط الله عليهم الجبّارين (٦).

وقوله ـ تعالى ـ : (إِذْ قالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ : ابْعَثْ لَنا مَلِكاً) (٧) :

__________________

(١) ورد مؤدّاه في تفسير الطبري ٢ / ٣٦٥ وفيه حزقيل بدل شمويل.+ يوجد إشارة إلى شمويل في نفس المصدر ٢ / ٣٧٣.+ م : شمويل بن هلقانا.

(٢) يوجد إشارة إلى يوشع في تفسير الطبري ٢ / ٣٧٣ عن وهب.+ سقط من هنا قوله ـ تعالى ـ : (إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ (٢٤٣) وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢٤٤) مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً وَاللهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٢٤٥)).

(٣) أ : هم الأشراف من بني إسرائيل.

(٤) ما أثبتناه في المتن هو الصواب. وفي النسخ : الّذي.

(٥) ب : ارتفعت.

(٦) لم نعثر عليه فيما حضرنا من المصادر.

(٧) ليس في ج ، د ، م.

٣١٥

قيل (١) : هو يوشع بن نون (٢). فسأل النّبيّ ربّه عن ذكره ، فبعث لهم طالوت ملكا. وكان من ولد بنيامين بن يعقوب ـ عليه السّلام ـ. وكان طالوت ـ إذ ذاك ـ سقّاء قبل الملك (٣).

(قالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنا ، وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ ، وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمالِ).

ف «قال» لهم نبيّهم : (إِنَّ اللهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ ، وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ) (٤).

وقيل : إنّما سمّي «طالوت» ، لطوله عليهم. فما كان أحد منهم يوازيه (٥).

(وَقالَ) (٦) (لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ) ؛ أي : علامة ملكه ، (أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ). وكان في التّابوت التّوراة والسّكينة والبقيّة.

قال الحسن : جاء التّابوت ، بين السّماء والأرض ، تحمله الملائكة (٧).

وقال بعضهم ، من (٨) المفسرين : إنّ التّابوت كان فيه جميع الكتب الّتي

__________________

(١) أ : فقيل.

(٢) تفسير الطبري ٢ / ٣٧٣ نقلا عن قتادة.+ ج ، د ، أ ، م زيادة : ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله.

(٣) ج ، د ، ب : قيل للملك.+ أ : قتل الملك.+ سقط من هنا قوله ـ تعالى ـ : (وَقَدْ أُخْرِجْنا مِنْ دِيارِنا وَأَبْنائِنا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (٢٤٦) وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً).

(٤) سقط من هنا قوله ـ تعالى ـ : (وَاللهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (٢٤٧)).

(٥) أ ، ج ، د : فما كان منهم أحد يوازيه.+ انظر : كشف الأسرار للميبدي ١ / ٦٦٢ ، تفسير أبي الفتوح ٢ / ٢٩٥.

(٦) كذا في القرآن الكريم وفي النسخ : فقال.

(٧) التبيان ٢ / ٢٩٢.

(٨) ب : قال بعض بدل قال بعضهم من.+ م : قال بعض من.

٣١٦

أنزلها الله ـ تعالى ـ وكانت تحمله الملائكة (١).

قال وهب ابن منبّه : كان طوله ثلاثة أذرع ، وعرضه ذراعين (٢).

وروي : أنّه (٣) التّابوت ، الّذي وضعت فيه أمّ موسى (٤) [موسى] (٥) أنزله الله إليها من الجنّة (٦).

وقوله ـ تعالى ـ : (فِيهِ سَكِينَةٌ [مِنْ رَبِّكُمْ]) :

روي عن عليّ ـ عليه السّلام ـ : أن «السّكينة» ريح هفّافة لها وجه كوجه الإنسان (٧).

__________________

(١) روى العياشي عن حريز ، عن رجل ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في قول الله : (يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَآلُ هارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ) فقال : رضاض الألواح فيها العلم والحكمة. العلم جاء من السماء. فكتب في الألواح. وجعل في التابوت. تفسير العياشي ١ / ١٣٣ ح ٤٤٠ وعنه كنز الدقائق ٢ / ٣٨٥ ونور الثقلين ١ / ٢٤٦ ح ٩٧٧ والصافي ١ / ٢٠٩ والبرهان ١ / ٢٣٧ ح ١٤.+ ورد قريب منه في الكافي ٨ / ٣١٧ ح ٥٠٠ ، وعنه البرهان ١ / ٢٣٦ ، والصافي ١ / ٢٠٨.

(٢) تفسير الطبري ٢ / ٣٨٥.

(٣) ب : أنّ.

(٤) ب زيادة : عليه السّلام.

(٥) ليس في ب ، د.

(٦) التبيان ٢ / ٢٩٣.+ تفسير القمّي ١ / ٨١ وعنه بحار الأنوار ١٣ / ٢٥ ح ٢.

(٧) روى الطبري عن عمران بن موسى عن عبد الوارث بن سعيد عن محمد بن جحادة عن سلمة ابن كهيل عن أبي وائل عن علي بن أبي طالب قال : السكينة ريح هفافة لها وجه كوجه الإنسان. تفسير الطبري ٢ / ٣٨٥. + ورد مؤدّاه عن الرّضا ـ عليه السّلام ـ في تفسير القمّي ١ / ٨٢ ، تفسير العياشي ١ / ١٣٣ ، معاني الأخبار / ٢٨٥ وعنها كنز الدقائق ٢ / ٣٨٥ والبرهان ١ / ٢٣٥ ، بحار الأنوار ١٣ / ٤٤٠ و ٤٤٣ و ٤٤٦ و ٤٥٠ ح ٥ و ٩ و ١٤ ونور الثقلين ١ / ٢٤٧ ، ح ٩٨١ والصافي ١ / ٢٠٩.

٣١٧

وقال مجاهد : لها رأس ؛ كرأس الهرّ ، وذنب (١).

وعن وهب : إنّها روح [من الله] (٢) تكلّمهم ، إذا اختلفوا في شيء تبيّنه (٣) لهم (٤).

وقال ابن عبّاس [ـ رضي الله عنه ـ] (٥) : إنّها (٦) بقدر الهرّ ، ولها عينان لهما شعاع. إذا التقى الجمعان أخرجت يدها من التّابوت ونظرت إليهم ، فصاحت صيحة عالية (٧) هائلة ، فينهزم الجيش من الرّعب والخوف (٨).

وقوله ـ تعالى ـ : (وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَآلُ هارُونَ [تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ]) (٩).

قال ابن عبّاس ـ رحمه الله ـ : «البقيّة» : ثياب موسى وعصاه ومدرعة هارون ورصاص الألواح (١٠).

__________________

(١) تفسير الطبري ٢ / ٣٨٦.

(٢) ليس في ب.

(٣) ليس في أ ، ج ، د ، م.

(٤) تفسير الطبري ٢ / ٣٨٦.

(٥) أ ، ج ، د : رحمه الله.+ ليس في م.

(٦) م : هي.

(٧) ليس في أ ، ج ، د ، م.

(٨) انظر : تفسير الطبري ٢ / ٣٨٦ نقلا عن وهب نحوه.

(٩) ليس في ب.

(١٠) التبيان ٢ / ٢٩٣ : قال ابن عباس وقتادة والسدي : إنّها عصا موسى ورصاص للألواح ، وهو المرويّ عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ. + سقط من هنا قوله ـ تعالى ـ (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٢٤٨)).

٣١٨

وقوله ـ تعالى ـ : (فَلَمَّا فَصَلَ طالُوتُ بِالْجُنُودِ) :

قيل : كانوا ثمانين ألفا (١).

«قال» لهم : (إِنَّ اللهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ) (٢) ؛ أي : مختبركم.

والنّهر قيل : نهر بين (٣) الأردنّ وفلسطين (٤).

وقيل : نهر فلسطين (٥).

وقيل : نهر الأردنّ (٦).

وقوله ـ تعالى ـ : (فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي) ؛ يريد : ليس من أهل طاعتي.

(وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ ، فَإِنَّهُ مِنِّي) :

قيل : كان ذلك علامة المؤمن والكافر. [وكان الكافر] (٧) يشرب (٨) منه ، فلا يروى (٩).

وقوله ـ تعالى ـ (فَلَمَّا جاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ) :

__________________

(١) تفسير الطبري ٢ / ٣٩٠ نقلا عن السدي.

(٢) ب زيادة : فمن شرب منه فليس منّي.

(٣) ب : وقيل : النهر هو نهر بين.

(٤) تفسير الطبري ٢ / ٣٩١ نقلا عن ابن عباس.

(٥) تفسير الطبري ٢ / ٣٩١ نقلا عن ابن عباس.

(٦) لم نعثر عليه فيما حضرنا من المصادر.

(٧) ليس في ب.

(٨) ب : ليشرب.

(٩) تفسير الطبري ٢ / ٣٩٤ نقلا عن ابن عباس.+ سقط من هنا قوله ـ تعالى ـ : (إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ).

٣١٩

وكانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر ؛ عدّة أصحاب بدر مع نبيّنا ـ عليه السّلام ـ. وكان قد رجع أكثرهم عنه.

(قالُوا لا طاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ ، بِجالُوتَ وَجُنُودِهِ) :

قيل : إنّما سمّي هذه (١) الطّاغية بجالوت ، لكثرة جولانه في الحرب (٢). وكان ملك العمالقة ، وقد (٣) ضرب الجزية على بني إسرائيل وأذلهم ، وأخذ التّوراة منهم. فسألوا الله ـ تعالى ـ أن يبعث لهم ملكا يقاتلون معه جالوت وأصحابه ، وكانوا جمعا عظيما ، فبعث لهم (٤) شمويل النّبيّ ـ عليه السّلام ـ فكذّبوه ، ولم يتّبعوه ، وكان معه عصا.

فقال لهم : إنّ ملككم يكون بطول هذه العصا.

فلم يجدوا في بني إسرائيل بطولها إلّا طالوت.

وكان سقّاء ـ على ما قيل ـ على حمار.

فقال : أنا ملككم.

فكذّبوه ، وطلبوا منه آية على أنّه ملك (٥) من قبل الله ـ تعالى ـ عليهم.

فقال لهم (٦) : آيتي رجوع التّابوت إليكم ، تحمله الملائكة. وكان التّابوت

__________________

(١) م ، ب : هذا.

(٢) ب : الحروب.+ انظر : تفسير أبي الفتوح ٢ / ٢٩٥.

(٣) أ : وكان قد.

(٤) أ ، ج ـ د : فبعث الله إليهم.

(٥) م : آية ملك بدل آية على أنه ملك.

(٦) ليس في د.

٣٢٠