نهج البيان عن كشف معاني القرآن

محمّد بن الحسن الشيباني

نهج البيان عن كشف معاني القرآن

المؤلف:

محمّد بن الحسن الشيباني


المحقق: حسين درگاهي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: نشر الهادي
المطبعة: مؤسسة الهادي
الطبعة: ١
ISBN: 964-400-034-X
الصفحات: ٣٦٥

بعضهم بعضا وقتل بينهم قتلى كثيرة ، فجاءوا إلى النّبيّ [صلّى الله عليه وآله] (١). ليحكم بينهم ، فنزل عليه جبرائيل ـ عليه السّلام ـ بالآية ، فتلاها [عليهم النّبيّ] (٢) [ـ صلّى الله عليه وآله ـ] (٣). وعرّفهم الحكم فيه (٤).

وقال أبو عبيدة (٥) ؛ القاسم بن سلام (٦) : روي عن ابن عباس [ـ رضى الله عنه ـ] (٧) في هذه الآية : أنّهم (٨) كانوا لا يقتلون الرّجل بالمرأة ، وإنّما كانوا يقتلون الرّجل بالرّجل والمرأة بالمرأة. فأنزل الله الآية : (النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) في المائدة (٩) ، فجعل الأحرار في القصاص سواء ، والعبيد في القصاص سواء (١٠). وقوله : (الْحُرُّ بِالْحُرِّ ، وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ ، وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى). وليست آية المائدة ناسخة لآية البقرة ، والآيتان محكمتان ، وإنّما آية المائدة كالمفسرة لآية البقرة. ويتكافأ الأحرار بينهم في القصاص ، وكذلك العبيد. ولها تفصيل ، نذكره إن شاء الله ـ تعالى ـ.

ويقتل الرّجل بالمرأة ، عند أهل البيت ـ عليهم السّلام ـ إذا ردّ أولياؤها

__________________

(١) أ : عليه السّلام.

(٢) ج ، د ، أ ، م : النّبيّ عليهم.

(٣) ليس في أ ، م.

(٤) تفسير أبي الفتوح ١ / ٣٣ نقلا عن الشعبي والكلبي ومقاتل.

(٥) ج ، د : أبو عبيد.

(٦) القاسم بن عبد السّلام.

(٧) ليس في أ.

(٨) ليس في أ.

(٩) المائدة (٥) / ٤٥.

(١٠) تفسير الطبري ٢ / ٦٢.

٢٤١

لهم نصف الدّية. وتقتل هي بغير ردّ ، إذا رضوا بذلك ، لقوله ـ تعالى ـ : (النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) وقوله : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ) ؛ أي : فرض عليكم. ومنه سمّيت الصّلاة الواجبة ، المفروضة (١) المكتوبة.

و «القصاص» : هو التّقاصّ في (٢) الجراحات والحقوق.

و «الحرّ» [نقيض العبد.

و «الحرّ»] (٣) ذكر القماريّ.

و «الحرّ» : الأرض الطيّبة الخالصة.

و «الحرّة» : أرض (٤) ذات حجارة سوداء.

و «الحروريّة» : منسوبون إلى حروراء ، قرية كان أوّل ما اجتمعوا بها.

و «المحرّر» : المختصّ لخدمة (٥) الكنيسة والبيعة ما عاش. ومنه قوله ـ تعالى ـ [حكاية عن مريم ـ عليها السّلام ـ : (إِنِّي]) (٦) (نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً) (٧) ؛ أي : خادما لبيت المقدس ما عاش.

وقوله ـ تعالى ـ : (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ) ؛ أي : ترك. ومنه عفت المنازل ؛ أي : تركت ، ودرست.

__________________

(١) ليس في ج ، د ، م ، أ.

(٢) ج ، د ، أ ، م : من.

(٣) ليس في ب.

(٤) أ : الأرض.

(٥) ج ، د : بخدمة.+ أ : بحرمة.

(٦) ليس في ب.

(٧) آل عمران (٣) / ٣٥.

٢٤٢

وقال الطّوسيّ ـ رحمه الله ـ : ذكر ابن مبشر : أنّ هذه الآية منسوخة بقوله ـ تعالى ـ (النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) (١). وقال : ليست عندي منسوخة. لأنّه ـ تعالى ـ إنّما أخبر ، أنّه كتبها على اليهود قبلنا. وليس في ذلك ما يوجب أنّه فرض ذلك علينا الآن ؛ لأنّ شريعتهم منسوخة بشريعتنا. قال : والّذي أقوله : إنّ هذه الآية ليست منسوخة ، لأنّ ما تضمّنته معمول عليه. ولا ينافي قوله : (النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) لأنّ تلك عامّة وهذه خاصّة ، ويمكن بناء تلك على هذه ولا يتناقض ، ولا تنسخ أحدهما الأخرى (٢).

ويجوز قتل العبد بالحرّ ، والأنثى بالذّكر ـ إجماعا ـ لقوله ـ تعالى ـ : (النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) (٣) ولقوله ـ تعالى ـ : (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً ، فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً) (٤) وقوله في هذه الآية : (الْحُرُّ بِالْحُرِّ ، وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ ، وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى). لأنّه ـ تعالى ـ لم يقل : ولا تقتل الأنثى بالذّكر ولا العبد بالحرّ. وإذا لم يكن في الظّاهر ذلك فما تضمّنته معمول عليه ، وما قلناه مثبت بما تقدّم من الأدلّة.

وأمّا قتل الحرّ بالعبد ، فعندنا غير جائز. وبه قال الشّافعيّ وأهل (٥) المدينة (٦).

__________________

(١) المائدة (٥) / ٤٥.

(٢) التبيان ٢ / ١٠٢.

(٣) المائدة (٥) / ٤٥.

(٤) الإسراء (١٧) / ٣٣.

(٥) ليس في ج ، د ، أ ، م.

(٦) التبيان ٢ / ١٠٣.

٢٤٣

وقال أهل العراق : يجوّز ذلك أبو حنيفة وأصحابه (١).

ولا يقتل والد بولده ، عندنا وعند أكثر الفقهاء. وعند مالك يقتل به ، على وجه (٢).

فأمّا قتل الوالدة بالولد ، فجائز عندنا.

وقال جميع الفقهاء : إنّها (٣) لا تقتل به ، كالأب (٤). وكذلك قال بعض أصحابنا (٥).

ويقتل (٦) الولد بالوالد ، إجماعا. (٧)

ويجوز قتل الجماعة بالواحد ، إجماعا.

إلّا أنّه (٨) [عندنا ، أنّه] (٩) يردّ فاضل الدّية. وعندهم ، لا يردّ شيء على حال.

وإذا اشترك بالغ مع طفل أو مجنون في قتل ، فعندنا لا يسقط القود عن البالغ. وبه قال الشّافعيّ (١٠). وقال أهل العراق : يسقط (١١).

__________________

(١) التبيان ٢ / ١٠٣.

(٢) التبيان ٢ / ١٠٣.

(٣) ليس في ب.

(٤) التبيان ٢ / ١٠٣.

(٥) كالاسكافي. انظر : جواهر الكلام ٤٢ / ١٧٠.

(٦) م : قتل.

(٧) أ : إجماعا جائزا.+ م : جائزا إجماعا.

(٨) د : أنّ.+ ليس في ج.

(٩) ليس في ب ، ج.

(١٠ ، ١١) التبيان ٢ / ١٠٤.

٢٤٤

ودية القصاص في القود ألف دينار ، أو عشرة آلاف درهم ، أو مائة من الإبل ، أو مائتان من البقر ، أو ألف شاة ، أو مائتا حلّة ، والحلّة ثوبان.

والقتل بالحديد ظلما عمدا (١) يوجب القود ، إجماعا. فأمّا غير الحديد ، فكلّ شيء يغلب على الظّنّ أنّه يقتل مثله ، فإنّه يوجب القود ، عندنا وأكثر الفقهاء.

ودية العمد ، تستأدى في سنة واحدة ، من مال القاتل.

ودية قتل (٢) الخطأ شبيه العمد ، تستأدى في سنتين ، من مال القاتل ـ أيضا ـ. فإن لم يكن له مال ، استسعى أو تبقى في ذمّته.

ودية قتل (٣) الخطأ المحض تستأدى في ثلاث سنين ، من العاقلة ، وهم الذكور من كلالة الأب.

ومن قتل في الحرم أخذ منه دية وثلث ، عندنا. وكذلك كلّ (٤) من قتل في الأشهر الحرم ، لانتهاكه الحرمة.

والّذي له العفو عن القصاص كلّ من يرث الدّية ، إلّا الزّوج والزّوجة. وهم لا يستثنونهما ، إلّا أنّ (٥) أبا حنيفة قال : إذا كان للمقتول ولد كبار وصغار ، فللكبار أن يقتلوا. ويحتجّ بقاتل عليّ ـ عليه السّلام ـ (٦).

__________________

(١) أ ، ب : ظلما أو عمدا.

(٢) ليس في أ.

(٣) ليس في أ.

(٤) ليس في ب.

(٥) ليس في ج.

(٦) التبيان ٢ / ١٠٤.

٢٤٥

وقال غيره : لا يجوز ، حتّى تبلغ الصّغار. وعندنا ، أنّ لهم ذلك ، إذا ضمنوا حصّة الصّغار من الدّية إذا بلغوا ولم يرضوا بالقصاص (١).

ويقتل الرّجل بالمرأة ، إذا ردّ أولياؤها نصف الدّية. وخالف جميع الفقهاء في ذلك (٢).

ولا يقتل حرّ بعبد ولا مسلم بكافر. ويجري (القصاص في العبيد) (٣) ، على السّواء.

ودية اليهوديّ والنّصرانيّ والمجوسيّ ، إذا لزموا شرائط الذّمّة ، ثمانمائة درهم. هكذا روي عن عليّ ـ عليه السّلام ـ (٤).

[قوله ـ تعالى ـ] (٥) : (فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ ، فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ (١٧٨)) ؛ أي : من قتل بعد قبول الدّية (٦) ، أو قتل من غير عشيرة القاتل ، فإنّه يقتل به.

__________________

(١) التبيان ٢ / ١٠٤.

(٢) التبيان ٢ / ١٠٤.

(٣) أ : في القصاص العبيد.

(٤) روى الكليني عن عليّ بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن ابن مسكان ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : دية اليهوديّ والنصراني والمجوسيّ ثمانمائة درهم.

الكافي ٧ / ٣٠٩ ح ١ وورد مؤدّاه في مستدرك الوسائل ١٨ / ٣٠٤ ، ولم نعثر في جميعها على ما رويت عن عليّ ـ عليه السّلام ـ.

(٥) ليس في ب.

(٦) روى الكليني عن عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حمّاد بن عثمان ، عن الحلبيّ عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : سألته عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ (فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ) فقال : هو الرّجل يقبل الدية ، أو يعفو ، أو يصالح ، ثمّ يعتدي ، فيقتل. فله عذاب أليم كما قال الله ـ عزّ وجلّ ـ. الكافي ٧ / ٣٥٨ ، ح ١ وعنه كنز الدقائق ٢ / ٢٢٩ والبرهان ١ / ١٧٦ ، ح ٢ ونور الثقلين ١ / ١٥٧ ، ح ٥٢٠.

٢٤٦

وقيل : لا يتعدى بقتله غير (١) القاتل (٢).

وقوله ـ تعالى ـ : (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ) :

المراد بذلك : القصاص في القتل ، عند أكثر المفسرين ؛ كمجاهد وقتادة والرّبيع وابن زيد (٣).

وإنّما كان فيه حياة ، لأنّه إذا همّ الإنسان بالقتل فذكر القصاص ارتدع عن القتل ، فكان سببا للحياة. قال الشّاعر :

بسفك الدّما يا جارتي تحقن الدّما

وبالقتل تنجو كلّ نفس من القتل (٤)

والوجه الثّاني ـ قال السّديّ ـ : [من جهة ،] (٥) أنّه لا يقتل إلّا القاتل ، خلاف ما كانت عليه الجاهليّة ، لأنّهم كانوا يتفانون بالطّوائل (٦).

وذكر بعض علماء اللّغة والتّفسير والكلام والفقه : إنّ هذه (٧) الآية من أدل دليل على فصاحة القرآن وبلاغته. وذلك أنّ حدّ البلاغة ، عندهم ، اختصار اللّفظ ، مع استيفاء المعنى. وقد استوفى ـ سبحانه وتعالى ـ في هذه الآية المعنى

__________________

(١) أ : عن.+ ب : على.

(٢) التبيان ٢ / ١٠٢ ، مجمع البيان ١ / ٤٨٠.

(٣) تفسير الطبري ٢ / ٦٧ ـ ٦٨.

(٤) لم نعثر عليه فيما حضرنا من المصادر.

(٥) ليس في ج ، د ، أ ، م.

(٦) تفسير الطبري ٢ / ٦٨.+ الطّوائل : الأوتار والذّحول ، واحدتها طائلة ؛ يقال : فلان يطلب بني فلان بطائلة أي بوتر كأن له فيهم ثأرا فهو يطلبه بدم قتيله. لسان العرب ١١ / ٤١٤ مادّة «طول».

(٧) من هنا ليس في «ب» إلى موضع نذكره ـ إن شاء الله تعالى ـ.

٢٤٧

المقصود ، وأبان فيها عن العدل مع اختصارها.

وقد اعترض من لا بصيرة له على ذلك ، بأن قال : إنّ في كلام العرب ما هو أفصح منها في معناها ، قولهم : القتل أنفى للقتل.

وقد رويت هذه الكلمات لأمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ (١). وإذا صحّت الرّواية ، فهي مأخوذة من كلامه ـ تعالى ـ. لأنّ القرآن نزل عليهم ، وهم حفظته وتراجمته والمبينون لمعانيه وأسراره وأحكامه. وهذه الكلمات الثّلاث وإن كانت بليغة ، فالآية أبلغ منها. لأنّها تحتوي (٢) على أربعة عشر حرفا ، والآية تحتوي على اثني عشر حرفا. فكانت أقلّ حروفا وأخصر (٣) ، وفيها زيادة في المعنى على الكلمات ، وهو العدل في القصاص. فكانت الآية ، أفصح وأبلغ (٤).

قوله ـ تعالى ـ : (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ) (الآية) :

«كتب» ، بمعنى : فرض ، عند جماعة من المفسّرين ؛ كالضّحّاك ومسروق والشّعبيّ وأبي (٥) مخلّد (٦).

ورفع «الوصيّة» «بكتب».

__________________

(١) لم نعثر عليه فيما حضرنا من الكتب مرويّا عن عليّ ـ عليه السّلام ـ وقد نسبه الطوسي إلى العرب. انظر : التبيان ٢ / ١٠٥.

(٢) ج : تحوي.

(٣) ب ، أ : أحصر.

(٤) انظر : التبيان ٢ / ١٠٥ ، البحر المحيط ٢ / ١٥ ، تفسير أبي الفتوح ٢ / ٤٠ ، الكشّاف ١ / ٢٢٢ ، مجمع البيان ١ / ٤٨١.

(٥) ج : ابن.

(٦) تفسير أبي الفتوح ٢ / ٤٠ نقلا عن الضحّاك وداود والطبري.

٢٤٨

وقال قوم منهم : كان الحكم بها واجبا ، فنسخ بآية المواريث. روي ذلك عن ابن عبّاس ـ رحمه الله ـ والحسن والشّعبيّ والرّبيع بن أنس وقتادة وابن زيد (١).

قال الطّوسيّ ـ رحمه الله ـ في الآية : كتب (٢) بمعنى الحثّ والتّرغيب ، دون الفرض والإيجاب (٣).

قوله ـ تعالى ـ : (إِنْ تَرَكَ خَيْراً) ؛ أي : ترك مالا ـ عن ابن عبّاس ـ (٤).

قال الطّوسيّ : وفي الآية دلالة على أنّ الوصيّة جائزة للوارث ، لأنّه قال : «للوالدين والأقربين». والوالدان وارثان ، بلا خلاف ، إذا كانا مسلمين حرّين غير قاتلين. ومن خصّ الآية بالكافرين ، فقد أبعد ، وقال قولا بغير دليل.

ومن ادّعى نسخها ، بالإجماع ، فقد قال دعوى باطلة. وبمثل ما قلناه ، قال محمّد بن جرير الطّبريّ.

ومن ادّعى نسخها ، بما روي عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ من قوله : لا وصيّة لوارث ، فقد أبعد. لأنّ هذا أولا خبر واحد لا يجوز نسخ القرآن به ، إجماعا. ولو سلّمنا الخبر ، جاز لنا أن نحمله على أنّه لا وصيّة لوارث فيما زاد على الثّلث. ولو لا النّصّ لأجزنا (٥) ذلك.

__________________

(١) تفسير الطبري ٢ / ٦٩ ، نقلا عن ابن عبّاس والحسن والربيع وقتادة وابن طاوس.

(٢) أ ، ج ، د ، م : الإيجاب.

(٣) التبيان ٢ / ١٠٧.

(٤) تفسير الطبري ٢ / ٧٠.

(٥) أ : لأخبرنا.+ قال الشيخ في التبيان (٢ / ١٠٨) : لو خلّينا وظاهر الآية لأجزنا الوصيّة بجميع ما يملك للوالدين والأقربين ، لكن خصّ ما زاد على الثلث لمكان الإجماع.

٢٤٩

ومن قال هي منسوخة بآية الميراث ، فقوله بعيد لا يمكن الجمع بينهما.

والوصيّة عندنا ، لا يجوز بأكثر من الثّلث ، لقوله ـ عليه السّلام ـ : الثّلث كثير (١).

قوله ـ تعالى ـ : (فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ ، فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ) :

قيل : معناه : إنّ الوصيّ إذا بدّل الوصيّة ، لم ينقص من أجر الموصي شيء. ولا يجازى أحد عن عمل غيره (٢).

قوله ـ تعالى ـ : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ ، كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) ؛ أي : فرض عليكم الصّيام ، كما فرض على اليهود والنّصارى من قبلكم.

(أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ) :

قيل : في معنى التّشبيه أقوال :

أحدها ، أنّه شهر رمضان بعينه وعدد أيّامه كتبت (٣) عليهم. فحوّلوه ، وزادوا فيه. قال ذلك الشّعبيّ والحسن (٤).

وفي رواية ، عن الشّعبيّ ـ أيضا ـ أنّه قال : فرض على النّصارى ، كما فرض علينا ، فحوّلوه إلى الفصل. لأنّهم كانوا ربّما صاموه في القيظ. وجاء بعدهم

__________________

(١) التبيان ٢ / ١٠٧ ـ ١٠٨ مع تلخيص بعض عباراته هنا.

(٢) التبيان ٢ / ١١٠.+ سقط من هنا قوله ـ تعالى ـ : (إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (١٨١) فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٨٢)).

(٣) ج ، د : كتب.

(٤) مجمع البيان ٢ / ٤٩٠.

٢٥٠

قوم ، فصاموا قبله يوما وبعده يوما. ولم يزل يستنّ بسنّتهم في الزّيادة ، حتّى بلغوه خمسين يوما (١).

وكان السّبّب في الزّيادة ، أنّ ملكا من (٢) ملوكهم مرض ، فجعل على نفسه إن بريء أن يزيد في الصّيام عشرة أيّام ، ففعل. ثمّ مرض ملك آخر ، فنذر أن يزيد سبعا ، ففعل. ثمّ جاء آخر ، فقال : كمّلوها خمسين.

والقول الآخر : إنّ هذه الآية ناسخة ، لما كان النّبيّ ـ عليه السّلام ـ يصوم في أوّل الإسلام عشر المحرّم وثلاثة أيّام من كلّ شهر. فالآية منسوخة بصوم شهر رمضان. قال ذلك معاذ وعطاء (٣).

والثّالث : أنّ التّشبيه واقع على الصّوم ، لا على الصّفة (٤).

وقيل في قوله ـ تعالى ـ : (أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ) قال عطاء (٥) : ثلاثة أيّام من كلّ شهر ، فنسخت بشهر رمضان. وقد روي مثل ذلك ، عن ابن عبّاس ـ رحمه الله ـ (٦).

وقال غيرهما : هو عشر المحرّم ، فنسخ بشهر رمضان (٧).

__________________

(١) تفسير الطبري ٢ / ٧٥.

(٢) ليس في أ ، ب.

(٣) تفسير الطبري ٢ / ٧٧ ، التبيان ٢ / ١١٦.

(٤) التبيان ٢ / ١١٥ ، تفسير الطبري ٢ / ٧٥.

(٥) ليس في ج.

(٦) التبيان ٢ / ١١٦ ، تفسير الطبري ٢ / ٧٦.

(٧) روى الطبري عن أبي كريب ، عن بشر بن بكير ، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة ، عن عمرو بن مرّة ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن معاذ بن جبل أن رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ قدم المدينة فصام يوم عاشوراء وثلاثة أيّام من كلّ شهر ثمّ أنزل الله ـ جلّ وعزّ ـ

٢٥١

قوله ـ تعالى ـ : (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ ، فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) :

[المراد به : فأفطر ، فعدّة من أيّام أخر ،] (١) يريد : القضاء.

وقال بعض النّحاة : قوله : (فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) ؛ أي : فعليه عدّة من أيّام أخر. فيكون مرفوعا على أنّه مبتدأ ، والخبر محذوف (٢).

وروي عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ أنّ صوم شهر رمضان كان واجبا على كلّ نبيّ دون أمّته ، وإنّما أوجب ذلك على أمّة نبيّنا ـ عليه السّلام ـ (٣).

قال الطّوسيّ ـ رحمه الله ـ : وكلّ من أوجب القضاء بنفس السّفر والمرض ، أوجب الإفطار. فإن قدّروا في الآية «فأفطر» ، كان ذلك خلاف الظّاهر. وبوجوب الإفطار. قال عمر بن الخطّاب وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عبّاس ـ

__________________

فرض شهر رمضان. تفسير الطبري ٢ / ٧٦. وقال الزمخشري : وقيل : الأيّام المعدودات : عاشوراء وثلاثة أيّام من كلّ شهر كتب على رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ صيامها حين هاجر ثم نسخت بشهر رمضان. الكشّاف ١ / ٢٢٥.

(١) ليس في ج.

(٢) مجمع البيان ٢ / ٤٩٢ ، نقلا عن سيبويه.

(٣) روى الصدوق عن سليمان بن داود المنقريّ ، عن حفص بن غياث النخعيّ قال : «سمعت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ يقول : إنّ شهر رمضان لم يفرض الله صيامه على أحد من الأمم قبلنا ، فقلت له : فقول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) قال : إنّما فرض الله صيام شهر رمضان على الأنبياء دون الأمم ففضّل به هذه الامّة وجعل صيامه فرضا على رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وعلى أمّته. من لا يحضره الفقيه ٢ / ٩٩ ـ ١٠٠ ، ح ١٨٤٤ وعنه كنز الدقائق ٢ / ٢٣٧ ونور الثقلين ١ / ١٦٢ ، ح ٥٤٦+ قريب منه في مستدرك الوسائل ٧ / ٤٠٠ ، ح ١٦ عن فضائل الأشهر الثلاثة. + قريب منه في تفسير القميّ ١ / ٦٥ وعنه البرهان ١ / ١٨٣ ، ح ١٤.

٢٥٢

رحمه الله ـ وعبد الرّحمن بن عوف الزّهريّ وأبو هريرة وعروة بن الزّبير وأبو جعفر ؛ محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ ـ عليهم السّلام ـ (١).

وروي عن ابن عبّاس أنّه قال : الإفطار في السّفر عزيمة (٢).

وروي عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ أنّه قال : كان أبي لا يصوم في السّفر ، وينهى عنه (٣).

وروي عن عمر بن الخطّاب ، أنّ رجلا صام في السّفر ، فأمره أن يعيد صومه (٤).

وروي عن ابن عمر ، أنّه قال : الإفطار في السّفر صدقة ، تصدّق الله بها عليكم (٥).

وروي عن عبد الرّحمن بن عوف ، عن النّبيّ ـ عليه السّلام ـ أنّه قال : الصّائم في السّفر ، كالمقصّر (٦) في الحضر (٧).

__________________

(١) التبيان ٢ / ١١٧.+ الروايات الدالّة على وجوب الإفطار في السفر مذكورة في الكافي ٤ / ١٢٦ ـ ١٢٨ ، ح ١ ـ ٧ ومن لا يحضره الفقيه ٢ / ١٤٠ ـ ١٤٢ ، ح ١٩٧٣ ـ ١٩٨٠ وص ٨١ والتهذيب ٤ / ٢١٥ ـ ٢١٨ ، ح ٦٢٧ ـ ٦٣٢. ومستدرك الوسائل ٧ / ٣٧٣ ـ ٣٧٦ ، ح ١ ـ ١٠.

(٢) التبيان ٢ / ١١٧.

(٣) تفسير أبي الفتوح ٢ / ٥٤ وعنه مستدرك الوسائل ٧ / ٣٨٣ ح ٥ وفيهما : كان ينهى عنه.

(٤) التبيان ٢ / ١١٧.

(٥) التبيان ٢ / ١١٧.

(٦) تفسير أبي الفتوح ، مستدرك الوسائل ، التبيان : كالمفطر.

(٧) التبيان ٢ / ١١٧ ، تفسير أبي الفتوح ٢ / ٥٤ وعنه مستدرك الوسائل ٧ / ٣٨٣ ، ح ٣.+ روى الكليني عن أحمد بن محمّد ، عن عليّ بن الحكم ، عن عبد الملك بن عتبة ، عن إسحاق بن عمّار ، عن يحيى بن أبي العلاء ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : الصائم في السفر في شهر رمضان كالمفطر فيه في الحضر. الكافي ٤ / ١٢٧ ، ح ٣.

٢٥٣

وروي عن النّبيّ (١) ، إنّه قال : ليس من البرّ الصّيام في السّفر (٢).

ذلك عامّ في كلّ صوم.

وقد وردت رخصة ، في جواز صوم المندوب ، في السّفر ، عن الباقر والصّادق ـ عليهما السّلام ـ (٣).

وروى معاذ (٤) ، أنّ النّبيّ ـ عليه السّلام ـ لمّا قدم المدينة ، كان يصوم عاشوراء وثلاثة أيّام من كلّ شهر. فنسخ ذلك بشهر رمضان ، في قوله : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ). واختار ذلك الطّبريّ ؛ صاحب التّأريخ (٥).

والصّوم في اللّغة العربيّة : الإمساك مطلقا. قال الشّاعر :

خيل صيام وخيل غير صائمة

تحت العجاج وخيل (٦) تعلك (٧) اللّجما (٨)

أي : خيل ممسكة عن القتال ، وخيل غير ممسكة.

والصّوم ، في العرف الشّرعيّ : هو إمساك مخصوص [في وقت مخصوص] (٩) ،

__________________

(١) م زيادة : عليه السّلام.

(٢) تفسير أبي الفتوح ٢ / ٥٤ وعنه مستدرك الوسائل ٧ / ٣٨٣ ، ح ٢.+ من لا يحضره الفقيه ٢ / ١٤٢ ، ح ١٩٨١ ، عن الصادق ـ عليه السّلام ـ.

(٣) انظر : الكافي ٤ / ١٣٠ ـ ١٣١ ، ح ١ ـ ٥+ مستدرك الوسائل ٧ / ٣٨٣ ح ١ ـ ٥.

(٤) ليس في ج.

(٥) تفسير الطبري ٢ / ٧٧.

(٦) تفسير الطبري ، لسان العرب : وأخرى.

(٧) أ : تقلك.

(٨) للنابغة تفسير الطبري ٢ / ٧٥ ، لسان العرب ١٢ / ٣٥١ مادّة «صوم».

(٩) ليس في أ ، ب ، م.

٢٥٤

عن أشياء مخصوصة.

وهي عندنا : الأكل ، والشّرب ، والجماع ، والكذب على الله ـ تعالى ـ وعلى رسوله وعلى (١) آله الطّاهرين ـ عليهم السّلام ـ ، والتّعمّد على البقاء على (٢) الجنابة إلى طلوع الفجر ، والاستمناء ، والارتماس في الماء على خلاف فيه.

فمن تعمّد شيئا من ذلك ، كان عليه القضاء والكفّارة ؛ وهي : عتق رقبة ، أو صيام شهرين متتابعين ، أو إطعام ستّين مسكينا ، مخيّرا في ذلك.

وإن لم يتعمّد ، وجب عليه القضاء. وللفقهاء تفصيل في ذلك ، لا يحتمله كتاب التّفسير.

قوله ـ تعالى ـ : (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ) ؛ أي : الّذين (٣) يقوون على صيامه.

وقيل : على الّذين يقدرون على الفداء (٤).

قال الحسن وأكثر أهل التّأويل : إنّ ذلك كان في الحوامل والمراضيع والشّيخ الكبير والشّيخة ، فنسخ من الآية المراضيع والحوامل وبقي الشّيخ الكبير والعجوز الكبيرة ، يتصدّق كلّ واحد منهما عن كلّ يوم بمدّ لمسكين. وبه قال السّدي (٥).

وروي عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ : إنّ ذلك في الشّيخ الكبير ، يطعم

__________________

(١) ليس في ج ، د.

(٢) ليس في أ ، ب ، م.

(٣) ليس في ج ، د.

(٤) التبيان ٢ / ١١٩.

(٥) التبيان ٢ / ١١٨ وفيه : قال السدي : لم ينسخ ، وإنّما المعنى وعلى الّذين كانوا يطيقونه.

٢٥٥

لكلّ يوم مسكينا (١).

قوله ـ تعالى ـ : (فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ) ؛ يعني : بإطعام أكثر من مسكين. روي ذلك عن ابن عبّاس ـ رحمه الله ـ (٢).

وقال غيره : ذلك أن يجمع بين الصّوم والصّدقة. حكي ذلك عن ابن شهاب (٣).

وقال بعض النّحاة : قوله في الآية : (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ) (الآية) «فدية» ، مرفوع بالابتداء ، وخبره محذوف. تقديره : فعليه فدية (٤).

قوله ـ تعالى ـ : (وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ) : خير (٥) مرفوع ، لأنّه خبر مبتدأ (٦) وتقديره : وصومكم (٧) خير لكم. وكان ذلك في جواز الفدية ، والتّخيير بينها وبين الصّيام. فأمّا بعد النّسخ ، فلا يجوز أن يقال : الصّوم خير لكم من

__________________

(١) روى الكليني عن أحمد بن محمد ، عن ابن فضّال ، عن ابن بكير ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ) قال : الّذين كانوا يطيقون الصوم فأصابهم كبر أو عطاش أو شبه ذلك فعليهم لكلّ يوم مدّ. الكافي ٤ / ١١٦ ، ح ٥ وعنه كنز الدقائق ٢ / ٢٤٢+ ورد مؤدّاه في الكافي ٤ / ١١٦ ، ح ١ وعنه كنز الدقائق ٢ / ٢٤٢ وفي تفسير العياشي ١ / ٧٨ ح ٢ ـ ٥ وعنه مستدرك الوسائل ٧ / ٣٨٧ ح ٢ ـ ٥.

(٢) تفسير الطبري ٢ / ٨٣.

(٣) تفسير الطبري ٢ / ٨٤.

(٤) لم نعثر عليه فيما حضرنا من المصادر.

(٥) ليس في أ ، ب ، م.

(٦) ج ، د : ابتداء.

(٧) ما أثبتناه في المتن هو الصواب وفي النسخ : صوموا.

٢٥٦

الفدية. مع أنّ الإفطار لا يجوز أصلا (١).

قوله ـ تعالى ـ : (شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً) (الآية).

«شهر رمضان» ، مرفوع بالابتداء ، وما بعده خبر.

وقوله : (الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) :

قال ابن عبّاس وسعيد بن جبير والحسن : نزل القرآن إلى سماء الدّنيا في ليلة القدر ، جملة واحدة. ثمّ بعد ذلك أنزل على النّبيّ ـ عليه السّلام ـ نجوما ، بحسب الحاجة. وهو المروي ، عن أبي جعفر وعن أبي عبد الله ـ عليهما السّلام ـ (٢).

وقوله ـ تعالى ـ : (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ ، فَلْيَصُمْهُ) :

قيل فيه قولان :

أحدهما ، فمن شاهد منكم الشّهر مقيما ، والثّاني ، فمن شهده ولم يغب عنه (٣).

وعندنا : أنّ من دخل عليه الشّهر ، كره له أن يسافر ، حتّى يمضي منه

__________________

(١) سقط من هنا قوله ـ تعالى ـ : (إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١٨٤)).

(٢) التبيان ٢ / ١٢٢.+ روى الكليني عن عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ومحمّد بن القاسم ، عن محمّد ابن سليمان ، عن داود ، عن حفص بن غياث ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : ... نزل القرآن جملة واحدة في جملة شهر رمضان إلى البيت المعمور. ثمّ نزل في طول عشرين سنة. الكافي ٢ / ٦٢٨ ، ح ٦ وعنه كنز الدقائق ٢ / ٢٤٤ ونور الثقلين ١ / ١٦٦ ، ح ٥٦٤ والبرهان ١ / ١٨٢ ، ح ٢+ ورد مؤدّاه في البحار ٩٧ / ١١ ، ح ١٤ عن أمالي الصدوق ، وفي تفسير العياشي ١ / ٨٠ ، ح ١٨٤ وعنه البرهان ١ / ١٨٣ ، ح ١٠.+ لا يخفى أنّه سيأتي تفسير قوله ـ تعالى ـ : (هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ) عن قريب وإن كان في غير موضعه.

(٣) التبيان ٢ / ١٢٣.

٢٥٧

ثلاث وعشرون ليلة ، إلّا أن يكون سفرا واجبا كالحجّ ، أو تطوّعا كزيارة.

والعدّة المأمور بها في الآية ، أيّام السّفر والمرض (١).

قوله ـ تعالى ـ : (وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ) :

المراد بالتّكبير ، ها هنا ، تكبير ليلة الفطر ، عقيب أربع صلوات عندنا ؛ المغرب والعشاء الآخرة وصلاة الغداة وصلاة العيد.

قوله ـ تعالى ـ : (هُدىً لِلنَّاسِ) ؛ يريد : هدى من الضّلالة.

«وهدى» ، حال. «وبيّنات» عطف عليه.

والمعنى فيه : أنزلنا فيه آيات بيّنات ، من الحلال والحرام.

قوله ـ تعالى ـ : (وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي ، فَإِنِّي قَرِيبٌ) :

قال الكلبيّ : نزلت في اليهود ، حيث قالوا للنّبيّ [ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ] (٢) : [يا محمّد] (٣) ، أنت تزعم أنّ بيننا وبين السّماء مسيرة خمسمائة عام؟ فنزلت الآية (٤).

قوله ـ تعالى ـ : (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ) (الآية) (٥) :

__________________

(١) سقط من هنا قوله ـ تعالى ـ : (وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ).

(٢) م : عليه السّلام.

(٣) ليس في ج.

(٤) تفسير أبي الفتوح ٢ / ٧٢ نقلا عن ابن عبّاس+ سقط من هنا قوله ـ تعالى ـ : (أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (١٨٦)).

(٥) ليس في أ ، ب ، م.

٢٥٨

«الرّفث» ها هنا ، هو الجماع.

قال ابن عبّاس ـ رحمه الله ـ : السّبب فيها ، أنّ المسلمين كانوا إذا صلّوا العشاء الآخرة حرّم عليهم النّساء والطّعام إلى مثلها من القابلة. ثمّ إنّ أناسا من المسلمين أصابوا من النّساء والطّعام في شهر رمضان ، بعد العشاء الآخرة ، منهم عمر بن الخطّاب. فشكوا ذلك إلى (١) النّبيّ ـ عليه السّلام ـ ، فأنزل الله الآية ، بالإباحة (٢).

قوله ـ تعالى ـ : (عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ) :

قيل : إنّ قوما من الأحداث كانوا ينكحون باللّيل سرّا ، فأنزل الله الإباحة جهرا. لقوله : (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ) وهو الجماع (٣).

و «الرّفث» مفعول ما لم يسمّ فاعله. وهو مرفوع (٤).

قوله ـ تعالى ـ : (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ) ؛ أي : يتبيّن لكم وضح النّهار من سواد اللّيل (٥).

قوله ـ تعالى ـ : (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ ، وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ) ؛ يريد : لا تأكلوها بالظّلم والغصب ، والحلف بالأيمان الكاذبة (٦).

__________________

(١) ليس في ج.

(٢) أسباب النزول / ٣٣.

(٣) انظر : مجمع البيان ٢ / ٥٠٣.

(٤) سقط من هنا قوله ـ تعالى ـ : (فَتابَ عَلَيْكُمْ وَعَفا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللهُ لَكُمْ).

(٥) سقط من هنا قوله ـ تعالى ـ : (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلا تَقْرَبُوها كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (١٨٧)).

(٦) سقط من هنا قوله ـ تعالى ـ : (لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١٨٨)).

٢٥٩

قوله ـ تعالى ـ : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ) (الآية) :

قيل : إنّ الآية نزلت في معاذ بن جبل وثعلب (١) بن غنم (٢) الأنصاريّ ، سألا النّبيّ ـ عليه السّلام ـ عن زيادة الهلال ونقصانه. فتلا عليهما الآية (٣).

وقال قتادة : ذكر لنا أنّ اليهود سألت النّبيّ ـ عليه السّلام ـ : لم خلقت هذه الأهلّة؟ فنزل جبرائيل ـ عليه السّلام ـ بالآية ، فتلاها عليهم (٤).

قوله ـ تعالى ـ : (لَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها) (الآية).

نزلت هذه الآية في الحمس ؛ قريش وكنانة وبني عامر. كان الرّجل منهم إذا أحرم ، لم يدخل بيته من بابه بل من السّطح أو ظهر البيت. فأمرهم الله ، أن يدخلوا من الأبواب. وسمّوا : حمسا. لشدّتهم في دينهم (٥).

قوله ـ تعالى ـ : (وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ [الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ]) ؛ أي : في طاعة الله.

(وَلا تَعْتَدُوا) ؛ أي : لا تبدوهم بالقتال في الشّهر الحرام. ثمّ نسخ ذلك بقوله : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) (٦).

ونسخت هذه الآية ، وهي آية القتال ـ أيضا ـ بقوله ـ سبحانه ـ :

__________________

(١) المصدران : ثعلبة.

(٢) أ ، ب ، م : أغنم.+ أسباب النزول : عنمة.

(٣) أسباب النزول / ٣٥ ، تفسير أبي الفتوح ٢ / ٨٧.

(٤) أسباب النزول / ٣٥.

(٥) انظر : تفسير الطبري ٢ / ١٠٩ ، مجمع البيان ٢ / ٥٠٩ ، أسباب النزول / ٣٦.

(٦) التوبة (٩) / ٥.

٢٦٠