خاتمة مستدرك الوسائل - ج ٣

الشيخ حسين النوري الطبرسي [ المحدّث النوري ]

خاتمة مستدرك الوسائل - ج ٣

المؤلف:

الشيخ حسين النوري الطبرسي [ المحدّث النوري ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : رجال الحديث
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
964-5503-84-1

الصفحات: ٥٧٥

مخصوص بوجه الفدية ، دون غيرها من وجوه القربة ، فدخلت هذه (الواو) للفائدة التي ذكرناها من نفي التفصيل بعد الجملة فأمّا من استشهد على زيادة (الواو) هاهنا بقوله تعالى في الأنعام : (وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ) (١) وقدّر أن (الواو) هناك زائدة ، فليس الأمر على ما قدّره ، لأن (الواو) هناك عاطفة على محذوف في التقدير ، فكأنّه تعالى قال : (وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) لضروب من العبر (وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ).

فإن قال قائل : قد وردت في القرآن آيات تدل على أن نفي القبول منهم لما لو قدروا عليه لبذلوه ، إنّما هو في الافتداء من العذاب لا غيره ، فوجب أن يكون ذلك أيضا في هذه الآية التي نحن في تأويلها مختصا بهذا الوجه دون وجه الصدقة ، والقربة ، فيصح أن (الواو) هنا زائدة.

فمن الآيات المشار إليها قوله تعالى في المائدة : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذابِ يَوْمِ الْقِيامَةِ ما تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (٢).

ومنها أيضا قوله تعالى في الرعد : (لِلَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ) (٣).

قيل له : قد ورد أيضا في القرآن ما يدل على نفي القبول منهم لما يبذلونه على وجوه القرب والصدقات فمن ذلك قوله تعالى في براءة : (قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فاسِقِينَ. وَما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسالى وَلا

__________________

(١) الأنعام ٦ : ٧٥.

(٢) المائدة ٥ : ٣٦.

(٣) الرعد ١٣ : ١٨.

٢٠١

يُنْفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كارِهُونَ) (١) فإذا وجدنا القرآن قد دلّ في مواضع على نفي القبول منهم لما يبذلونه على وجه القربة ، وما يبذلونه على وجه الفدية ، لم يكن مخالفنا أولى بحمل ذلك على وجه القربة منا بحمله على وجه الفدية والقربة ، جميعا ، إذ كان فيهما زيادة معنى.

وكنا مع هذه الحال نافين عن كلام الله تعالى ما لا يليق به من إيراد الزوائد المستغنى عنها ، والتي لا يستعين بمثلها إلاّ من يضطرّه ضيق العبارة إليها ، أو يحمله فضل العيّ (٢) عليها ، وذلك مزاح عن كلام الله سبحانه ، فكلّما حملت حروفه على زيادات للمعاني والأغراض كان ذلك أليق به من حمله على نقصان المعاني مع زيادات الألفاظ ، وفي ما ذكرناه من ذلك مقنع بحمد الله (٣) ، انتهى كلامه الشريف.

وقد خرجنا بطوله عن وضعنا ، إلاّ أنّ ذكر أمثاله في ترجمته أولى من نقل إشعاره ، خصوصا ما مدح به أجلاف بني العباس اضطرارا ، وذكر كلمات المترجمين في مدحها وحسنها ، لا نقول ما قاله الفاضل المعاصر في ترجمته في الروضات ، فإنه بعد ما بالغ في الثناء عليه في أوّل الترجمة حتى قال : لم يبصر بمثله إلى الآن عين الزمان في جميع ما يطلبه إنسان العين من عين الإنسان ، وسبحان الذي ورثه غير العصمة والإمامة ما أراد من قبل أجداده الأمجاد وجعله حجّة على قاطبة البشر في يوم الميعاد (٤) ، جعله في آخر الترجمة من أجلاف الشعراء الذين ديدنهم مدح الفاسقين لجلب الحطام.

ولو لا شبهة دخول نقل كلامه في تشييع الفاحشة ، لنقلته بطوله لينظر

__________________

(١) التوبة ١٠ : ٥٣ ـ ٥٤.

(٢) العيّ : العجز عن النطق وبيان مراده. أنظر (المعجم الوسيط ٢ : ٦٤٢)

(٣) حقائق التأويل في متشابه التنزيل : ١٦٨ ـ ١٧٤.

(٤) روضات الجنات ٦ : ١٩٠ ـ ٢٠٦ / ٥٧٨.

٢٠٢

الناظر كيف ناقض ذيل كلامه صدره ، إلاّ أني أذكر من باب المثال قوله : ومما يحقق لك أيضا جميع ما ذكرناه كثرة ما يوجد في ديوان هذا الرجل العظيم الشأن من قصائد (١) مديح الخلفاء والأعيان ، وشواهد الركون إلى أهل الديوان ، مع عدم محضور له في ترك هذا التملّق ، وظهور المباينة بين قوله هذا وفعله الذي أفاد في الظاهر أن لا تقيد له بأهل الدنيا ، ولا تعلّق ، وكذا من أشعار الغزل والتشبيب ، وصفة الخدّ والعارض والعذار من الحبيب ، وأشعار المفاخرة بالأصل والنسب. إلى آخر ما قال مما كاد [أن] تزول منه الجبال.

بل نقول : مضافا إلى أن قوّة النظم ، وملكة الشعر في عالم وان فاتت أئمته لا يعدّ من الكمالات التي تطلب من حفّاظ الشرع ، وسدنة الدين ، وإنه رحمه‌الله في نظمه ذلك كان معذورا ، بل ربّما كان عليه واجبا ، ولكن نشره من بعده ، وبعد قطع دابر الظالمين ترويج للباطل ، فإن الفقهاء قد نصّوا في أبواب المكاسب أن مدح من لا يستحق المدح أو يستحق الذم ، حرام.

وقال الشيخ الأعظم الأنصاري (طاب ثراه) : والوجه فيه واضح من جهة قبحه عقلا ، ويدل عليه من الشرع قوله تعالى : (وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ) (٢).

وعن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من عظّم صاحب دنيا وأحبّه طمعا في دنياه سخط الله عليه ، وكان في درجته مع قارون في التابوت الأسفل من النار (٣).

وفي النبوي الآخر ـ الوارد في حديث المناهي ـ : من مدح سلطانا جائرا ، أو تخفّف أو تضعضع له طمعا فيه ، كان قرينه في النار (٤).

__________________

(١) في الحجريّة : فضائل ، وما أثبتناه من المصدر.

(٢) هود ١١ : ١١٣.

(٣) ثواب الأعمال : ٣٣١ / ١.

(٤) الفقيه ٤ : ٦.

٢٠٣

ومقتضى هذه الأدلة حرمة المدح طمعا في الممدوح ، وأمّا لدفع شرّه فهو واجب (١) ، انتهى.

ولكنه رحمه‌الله كان معذورا فيما قاله فيهم حفظا لنفسه أو لكافة الشيعة عن شرورهم ، وأمّا بعده وبعدهم فحفظ هذه الأشعار وكتبها ونسخها ونشرها وقراءتها لا يخلو من شبهة التحريم ، فإنه داخل في عموم النص والفتوى ، والسيد أجلّ وأعلى من أن يحتاج في ثبوت مقام فضله وكماله إلى إشعاره ، وإن كان ولا بدّ ففي ما أنشده في رثاء أهل البيت عليهم‌السلام مندوحة عن نشر مدائح أعدائهم أعداء الله.

قال طاوس آل طاوس رضي الدين في كشف المحجة في وصاياه لولده : وإيّاك وتقليد قوم من المنسوبين إلى علم الأديان ، وكونهم قالوا الشعر ، ومدحوا به ملوك الأزمان ، فإنّهم مخاطرون بل هالكون أو نادمون إن كانوا ما تابوا منه ، ويؤدّون يوم القيامة أنّهم كانوا أخراسا عنه ، ولقد تعجّبت منهم كيف دوّنوه وحفظوه وكان يليق بعلومهم أن يذهبوه ويبطلوه ، أو يرفضوه ، أما ترى فيه يا ولدي ـ مدح من الله جلّ جلاله ورسوله وخاصته ذامّون لهم ، وساخطون عليهم ، أما في ذلك مفارقة لله جلّ جلاله وكسر حرمة الله جلّ جلاله وأئمّتهم الذين هم محتاجون إليهم (٢)؟!. إلى آخره.

وهو كلام حسن متين ، وان اشمأزت منه نفوس البطالين.

هذا ، وليعلم انّ كتابه نهج البلاغة ـ الذي تفتخر به الشيعة ، وتبتهج به الشريعة ، المنعوت في كثير من الإجازات بأخ القرآن في قبال أخته التي هي الصحيفة الكاملة السجادية ـ له شروح كثيرة دائرة ومستورة ، وما يحضرني الآن منها :

__________________

(١) المكاسب : ٥٤.

(٢) كشف المحجة : ١٣٥.

٢٠٤

شرح أبي الحسن البيهقي (١) ، وهو أوّل من شرحه ، كما مرّ في مشايخ ابن شهرآشوب (٢).

وشرح الفخر الرازي ـ إمام أهل السنة ـ إلاّ أنه لم يتمه ، صرّح بذلك الوزير جمال الدين القفطي وزير السلطان بحلب في تاريخ الحكماء (٣).

وشرح القطب الراوندي ، المسمى : بمنهاج البراعة ، في مجلّدين.

وشرح القاضي عبد الجبار ، المردد بين ثلاثة لا يعلم من أي واحد منهم ، إلاّ أنّهم قريبي العصر من الشيخ الطوسي.

وشرح الإمام أفضل الدين الحسن بن علي بن أحمد الماهابادي ، شيخ الشيخ منتجب الدين صاحب الفهرست.

وشرح أبي الحسين محمّد بن الحسين بن الحسن البيهقي الكيدري ، المسمى بالإصباح ، فرغ من تأليفه سنة ٥٧٦.

وشرح آخر قبل شرح الكيدري المسمى (٤) : بالمعراج ، فإنه قال في أول شرحه بعد كلام طويل : فعنّ لي أن أشرع في شرح هذا الكتاب مستمدا ـ بعد

__________________

(١) هنا حاشية لشيخنا الطهراني نقلت عن خطّه غير معلّمة ، ومحلّها هنا وهي :

أبو الحسن البيهقي ، مؤلف المعارج ، توفّي ٥٦٥ ، والقطب الراوندي مؤلف المنهاج توفّي ٥٧٣ ، وأبو الحسن الكيدري ألّف شرحه ٥٧٦ ، فهذه الثلاثة مرتبة في الوجود ، والأخير منها ينقل عن سابقيه.

(٢) تقدم في صفحة : ٩٩.

(٣) تاريخ الحكماء : ٢٩٣.

(٤) هنا حاشية لشيخنا الطهراني نقلت عن خطه الشريف وهي :

بحدائق الحقائق في تفسير دقائق أحسن الخلائق ، كما ذكره في الروضات [٦ : ٢٩٥ / ٥٨٧] وكانت النسخة عنده ، يذكر شطرا من أوّله ووسطه وآخره ، والإصباح اسم كتابه في الفقه كما صرح به آية الله بحر العلوم في الفوائد الرجاليّة [٣ : ٢٤٢] ثم إنّ هذين الشرحين الذي استمدّ منهما هما : المنهاج والمعارج وكلاهما للقطب الراوندي كما في الروضات أيضا ، لكن المعارج اسم شرح أبي الحسن البيهقي كما صرح به في كتابه : مشارب التجارب المنقول عنه ترجمته في معجم الأدباء الذي طبع أخيرا ، ولم يره شيخنا.

٢٠٥

توفيق الله ـ من كتابي المعراج والمنهاج ، غائصا على دررهما في أعراف كافلا بإيراد فوائد على ما فيهما ، وزوائد لا كزيادة الأديم ، بل كما زيد في العقل من الدرّ اليتيم ، ومتمما ما تضمّناه. إلى آخره.

أمّا المنهاج فهو شرح الراوندي ، وأمّا المعراج ، فلا أعرف مؤلفه.

وهذه الشروح كلّها قبل شرح ابن أبي الحديد بزمان طويل ، ومع ذلك يقول في أول شرحه : ولم يشرح هذا الكتاب قبلي فيما أعلم إلا واحدا ، وهو سعيد بن هبة الله بن الحسن الفقيه المعروف بالقطب الراوندي. إلى آخره.

وشرح ابن أبي الحديد المعتزلي.

ومختصره للفقيه الجامع المولى سلطان محمود بن غلام علي الطبسي ، ثم المشهدي القاضي فيه ، صاحب رسالة في الرجعة بالفارسية.

وشرح الشيخ كمال الدين ميثم البحراني : الكبير ، والمتوسط ، والصغير.

وشرح الشيخ العالم الجليل كمال الدين عبد الرحمن بن محمّد بن إبراهيم العتائقي الحلّي ، من علماء المائة الثامنة ، وهو شرح كبير في أربع مجلدات ، اختاره من شروح أربعة ، وهي الشرح الكبير لابن ميثم ، وشرح القطب الكيدري ، وشرح القاضي عبد الجبار ، وشرح ابن أبي الحديد.

وشرح المولى الجليل جلال الدين الحسين بن الخواجه شرف الدين عبد الحق الأردبيلي ، المعروف بالإلهي ، الفاضل المتبحر المعاصر للسلطان الغازي الشاه إسماعيل الصفوي ، المتوفى سنة ٩٠٥ ، وقد جاوز عمره عن السبعين ، صاحب المؤلفات الكثيرة ، سمّى شرحه : بمنهج الفصاحة في شرح نهج البلاغة ، وهو بالفارسية ، ألّفه باسم السلطان المذكور.

٢٠٦

وشرح العالم النبيل المولى فتح الله بن شكر الله القاشاني الشريف ، بالفارسية ، سمّاه : تنبيه الغافلين وتذكرة العارفين.

وشرح العالم الفاضل علي بن الحسن الزوارئي المفسر المعروف ، أستاذ المولى فتح الله المذكور ، وتلميذ السيد غياث الدين جمشيد المفسر الزوارئي ، وهو أيضا بالفارسية ، إلاّ أنه أحسن ما شرح بالفارسية.

وشرح العالم الكامل الحكيم الشيخ حسين بن شهاب الدين بن الحسين ابن محمّد بن الحسين بن الجنيدر العاملي الكركي ، الفاضل الماهر الأديب ، المتوفى سنة ١٠٧٧.

في الأمل : له كتب منها : شرح نهج البلاغة ، كبير (١).

وشرح الفاضل علي بن الناصر ، سمّاه : أعلام نهج البلاغة.

وشرح الفاضل نظام الدين الجيلاني ، سمّاه : أنوار الفصاحة.

وشرح العالم الجليل السيد ماجد البحراني ، ولكن في الأمل : إنه لم يتمّ (٢).

وشرح السيد الجليل رضي الدين علي بن طاوس رحمه‌الله نسبه إليه العالم النحرير النقاد الخبير المولوي إعجاز حسين الهندي المعاصر (طاب ثراه) في كتابه كشف الحجب والأستار عن وجوه الكتب والأسفار (٣).

وشرح المولى الجليل جمال السالكين عبد الباقي الخطاط الصوفي التبريزي ، المعروف بحسن الخطّ في خطّ النسخ والثلث ، وكان فاضلا عالما محقّقا ، ولكن له ميل عظيم إلى مسلك الصوفية ، وكان في عصر السلطان شاه عباس الماضي الصفوي ، له من المؤلفات شرح نهج البلاغة مبسوط

__________________

(١) أمل الآمل ١ : ٧٠ / ٦٦ ، وفيه بدل الجنيدر : حيدر ، كما وبهامشه نقلا عن السلافة : خاندار.

(٢) أمل الآمل ٢ : ٢٢٥ / ٦٧٥.

(٣) كشف الحجب والأستار : ٣٥٩ / ٢٠١٧.

٢٠٧

بالفارسية. إلى آخر ما في الرياض (١).

وشرح عزّ الدين الآملي ، في الرياض : فاضل ، عالم ، فقيه ، محقّق ، مدقّق ، جامع للعلوم العقلية والنقلية ، وكان من شركاء الدرس مع الشيخ علي الكركي ، والشيخ إبراهيم القطيفي ، عند الشيخ علي بن هلال الجزائري.

قال : وقبره الآن معروف بتوابع بلدة ساري من بلاد مازندران ، وله من الكتب كتاب شرح نهج البلاغة ، والرسالة الحسنية في الأصول الدينية ، وفروع العبادات ، ألّفها لآقا حسن من وزراء مازندران (٢).

وحاشية المولى عماد الدين علي القاري الأسترآبادي ، صاحب الرسائل الكثيرة في القراءات.

وشرح العالم المحدّث السيد نعمة الله الجزائري ، كتفسيره المسمى :

بالعقود والمرجان الذي يكتب على حواشي القرآن ، يكتب على حواشي النهج ، صرّح بذلك في الرياض في ترجمته (٣).

وشرح رأيته في مشهد الرضا عليه‌السلام ، وقد سقط من أوّله أوراق ، وهو مختصر لم أعرف مؤلّفه ، إلاّ أنّ النسخة كانت عتيقة جدّا.

وشرح السيد الجليل الآميرزا علاء الدين گلستانه ، المسمى : ببهجة الحدائق ، مختصر.

وشرح آخر له كبير يقرب من ثلاثين ألف بيت ، إلاّ أنه ما جاوز من الخطبة الشقشقية إلاّ نزرا يسيرا.

وشرح العالم المحدث الجليل السيد عبد الله بن السيد محمّد رضا شبّر الحسيني ، يقرب من أربعين ألف بيت.

__________________

(١) رياض العلماء ٣ : ٥٩.

(٢) رياض العلماء ٣ : ٣١٢.

(٣) رياض العلماء ٥ : ٢٥٤.

٢٠٨

وشرح آخر له عليه يقرب من ثلاثين ألف بيت.

وشرح الفاضل المعاصر الآميرزا إبراهيم الخويي.

ولعل السارح طرفه في أكناف التراجم يقف على أضعاف ما عثرنا عليه.

وأمّا مشايخه : فقال رحمه‌الله في تفسير قوله تعالى : (رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى وَاللهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ) (١) ، في وجه قراءة من قرأ وضعت ـ بضمّ التاء ، ومن قرأها بتسكينها ـ قال : قال لي شيخنا أبو الحسن علي بن عيسى النحوي صاحب أبي علي الفارسي ، وهذا الشيخ كنت بدأت بقراءة النحو عليه قبل شيخنا أبي الفتح عثمان بن جني ، فقرأت عليه مختصر الجرمي ، وقطعة من كتاب الإيضاح لأبي علي الفارسي ، ومقدمة أملاها علي كالمدخل إلى النحو ، وقرأت عليه العروض لأبي إسحاق الزجاج ، والقوافي لأبي الحسن الأخفش ، وهو ممّن لزم أبا علي السنين الطويلة ، واستكثر منه ، وعلت في النحو طبقته ، وقال لي : بدأت بقراءة مختصر الجرمي على أبي سعيد الحسن بن عبد الله السيرافي رحمه‌الله في سنة أربع وأربعين وثلاثمائة ، ثم انتقلت إلى أبي علي (٢). انتهى.

وظاهره أنه لم يقرأ على السيرافي ، وإلا لأشار إليه ، مع أنه عند وفاة السيرافي كان ابن تسع سنين ، كما يظهر من تاريخ ولادة الأول ، ووفاة الثاني (٣).

ونقل ابن خلّكان عن بعض مجاميع ابن جنّي : أن الشريف الرضي احضر إلى ابن السيرافي النحوي وهو طفل جدّا لم يبلغ عشر سنين فلقنه النحو ، وقعد يوما في الحلقة فذاكره بشيء من الإعراب على عادة التعليم ، فقال : إذا قلنا : رأيت عمر ، فما علامة النصب في عمر؟ فقال : بغض عليّ عليه‌السلام!

__________________

(١) آل عمران ٣ : ٣٦.

(٢) حقائق التأويل في متشابه التنزيل : ٨٧.

(٣) إذ ان ولادة الشريف الرضي رحمه‌الله كانت في سنة ٣٥٩ ، ووفاة السيرافي في سنة ٣٦٨ ، انظر مقدمة حقائق التأويل : ٢٨.

٢٠٩

فتعجب الحاضرون والسيرافي من حدّة خاطره (١). انتهى.

وفي قوله : فلقّنه النحو ، مسامحة.

أ ـ ويروي عن الشيخ المفيد ، كما صرّح به في جملة من الإجازات (٢).

ب ـ وعن الشيخ الجليل أبي محمّد هارون بن موسى التلعكبري ، كما يظهر من كتاب خصائصه ، بل لم نجد فيه رواية له عن غيره (٣).

وفي كتاب الدرجات الرفيعة وغيره : انه رحمه‌الله توفي بكرة يوم الأحد لست خلون من المحرم سنة ست وأربعمائة ، وحضر الوزير فخر الملك وجميع الأعيان والأشراف والقضاة جنازته والصلاة عليه ، قال : ومضى أخوه المرتضى من جزعه عليه إلى مشهد مولانا الكاظم موسى بن جعفر عليهما‌السلام لأنه لم يستطع أن ينظر إلى تابوته ، ودفنه ، وصلّى عليه فخر الملك أبو غالب ، ومضى بنفسه آخر النهار إلى أخيه المرتضى إلى المشهد الشريف الكاظمي فألزمه بالعود إلى داره (٤). انتهى.

قلت : لا أدري كيف صلّى عليه فخر الملك مع وجود الشيخ المفيد حينئذ ، إلاّ أن يكون في هذه الأيام في مشهد الحسين عليه‌السلام ، لكونها أيام زيارته عليه‌السلام ، والله العالم.

ونقل في الدرجات عن أبي الحسن العمري ، وهو السيد الجليل صاحب المجدي في أنساب الطالبيين ، المعاصر للسيدين ، قال : دخلت على الشريف

__________________

(١) وفيات الأعيان ٤ : ٤١٦.

(٢) لم يتعرض في المشجرة لسواه.

(٣) هذا وقد ورد في ترجمته في مقدمة البحار (٠ : ١٦٧) عند عدّ مشايخه أنّ له أربعة عشر شيخا من الفريقين ، وهم أكثر من هذا قطعا ، انظر مقدّمة كتابه حقائق التأويل : ٨٧.

(٤) الدرجات الرفيعة : ٤٧٨.

٢١٠

المرتضى رضي‌الله‌عنه فأراني بيتين قد عملهما ، وهما :

سرى طيف سعدى طارقا فاستفزّني

هبوبا (١) وصحبي بالفلاة هجود

فقلت لعيني عاودي النوم واهجعي

لعلّ خيالا طارقا سيعود

فخرجت من عنده ، ودخلت على أخيه الرضي ، فعرضت عليه البيتين ، فقال بديهيا :

فردت جوابا والدموع بوادر

وقد آن للشمل المشتّت ورود

فهيهات من لقيا حبيب تعرّضت

لنا دون لقياه مهامه بيد

فعدت إلى المرتضى بالخبر ، فقال : يعزّ عليّ أخي قتله الذكاء ، فما كان إلاّ يسيرا حتى مضى الرضي بسبيله (٢). انتهى.

فإن أخذ هذه الحكاية من كتابه المجدي (٣) فلا مجال لردّها ، وإلاّ ففي النفس منها شيء ، لكثرة غرابتها ، وذكر في هذا الكتاب جملة من رسائل السيد ، ونوادر حكاياته ، من أرادها راجعة.

وبالأسانيد إلى السيد الجليل الشريف الرضي رحمه‌الله قال : حدثني هارون بن موسى قال : حدثنا أبو علي محمّد بن همام قال : حدثنا أبو عبد الله جعفر بن محمّد بن الحسن قال : حدثنا محمّد بن علي بن خلف قال : حدثنا عيسى بن الحسين بن عيسى بن زيد العلوي ، عن إسحاق بن إبراهيم

__________________

(١) كذا ، وفي شرح الخويي ١ : ٢٣٤ : هوينا.

(٢) الدرجات الرفيعة : ٤٦٩ ، وقد أورد فيه للسيد المرتضى ثلاث أبيات ، ذكر منها هنا الأول والثالث ، أما الآخر فهو :

فلمّا انتهينا للخيال الذي سرى

إذا الدّار قفر والمزار بعيد

(٣) الظاهر أنّه لم يأخذ الحكاية من المجدي ، إذ لم نعثر عليها فيه.

٢١١

الكوفي ، عن الكلبي ، عن أبي صالح ، عن كميل بن زياد النخعي قال : أخذ بيدي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام فأخرجني إلى الجبان ، فلمّا أصحر تنفس السعداء ، ثم قال : يا كميل بن زياد ، إن هذه القلوب أوعية فخيرها أوعاها ، فاحفظ عنّي ما أقول لك : الناس ثلاثة : فعالم ربّاني ، ومتعلّم على سبيل نجاة ، وهمج رعاع أتباع كلّ ناعق ، يميلون مع كلّ ريح ، لم يستضيؤوا بنور العلم ، ولم يلجؤوا إلى ركن وثيق.

يا كميل بن زياد ، العلم خير من المال ، العلم يحرسك وأنت تحرس المال ، والمال تنقصه النفقة ، والعلم يزكو على الإنفاق.

يا كميل بن زياد ، معرفة العلم دين يدان به ، يكسب الإنسان الطاعة في حياته ، وجميل الأحدوثة بعد وفاته ، والعلم حاكم ، والمال محكوم عليه.

يا كميل بن زياد ، هلك خزّان الأموال وهم أحياء ، والعلماء باقون ما بقي الدهر ، أعيانهم مفقودة ، وأمثالهم في القلوب موجودة. ها إن هاهنا لعلما جمّا ـ وأشار إلى صدره ـ لو أصبت له حملة ، بلى أصبت لقنا غير مأمون عليه ، مستعملا آلة الدين للدنيا ، ومستظهرا بنعم الله على عباده ، وبحججه على أوليائه. أو منقادا لحملة الحقّ لا بصيرة له في أحنائه ، ينقدح الشك في قلبه لأول عارض من شبهة. ألاّ لا ذا ولا ذاك. أو منهوما باللذة ، سلس القياد للشهوة.

أو مغرما بالجمع والادخار ، ليسا من رعاة الدين في شيء ، أقرب شبها بهما الأنعام السائمة ، كذلك يموت العلم بموت حامليه.

اللهم بلى لا تخلو الأرض من قائم لله بحجّة ، إمّا ظاهرا مشهورا ، أو خافيا مغمورا ، لئلا تبطل حجج الله وبيناته ، وكم ذا؟ وأين؟ أولئك والله الأقلون عددا ، والأعظمون بهم يحفظ الله حججه بيّناته يودعها نظراءهم ، ويزرعوها في قلوب أشباههم. هجم بهم العلم على حقيقة البصيرة ، وباشروا اليقين ، استلانوا ما استوعر المترفون ، بما

٢١٢

استوحش منه الجاهلون ، وصحبوا الدنيا بأبدان أرواحها معلّقة بالملإ الأعلى ، أولئك خلفاء الله في أرضه ، والدعاة إلى دينه ، آه آه شوقا إلى رؤيتهم ، انصرف إذا شئت (١).

الخامس : السيد السند المقدم المعظم ، ومنبع العلوم والآداب والأسرار والحكم ، محيي آثار أجداده الأئمة الراشدين ، وحجّتهم البالغة الدامغة على أعداء الدين ، المؤيد المسدّد بروح القدس عند مناظرة العدي ، الملقب من جدّه المرتضى في الرؤيا الصادقة السيماء بعلم الهدى ، سيدنا أبو القاسم الثمانيني ، ذو المجدين ، علي بن الحسين الموسوي أخو الشريف الرضي ، أمره في الجلالة والعظمة في الفرقة الإمامية أشهر من أن يذكر ، وأجلّ من أن يسطر.

قال الشهيد في أربعينه : نقلت من خطّ السيد العالم صفيّ الدين محمّد ابن معد الموسوي ، بالمشهد المقدس الكاظمي ، في سبب تسمية السيد المرتضى بعلم الهدى ، أنّه مرض الوزير أبو سعيد محمّد بن الحسين بن عبد الصمد ، في سنة عشرين وأربعمائة ، فرأى في منامه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام يقول له : قل لعلم الهدى يقرأ عليك حتى تبرأ ، فقال : يا أمير المؤمنين ومن علم الهدى؟ قال : علي بن الحسين الموسوي.

فكتب الوزير إليه بذلك ، فقال المرتضى رضي‌الله‌عنه : الله الله في أمري ، فإنّ قبولي لهذا اللقب شناعة عليّ ، فقال الوزير : ما كتبت إليك إلاّ بما لقبك به جدّك أمير المؤمنين عليه‌السلام : فعلم القادر الخليفة بذلك ، فكتب إلى المرتضى : تقبّل يا عليّ بن الحسين ما لقّبك به جدّك ، فقبل واسمع

__________________

(١) خصائص أمير المؤمنين عليه‌السلام : ٨١ ـ ٨٢.

٢١٣

الناس (١).

ونظير هذه الرؤيا في الدلالة على علوّ مقامه ، ما نقله الفاضل السيد علي خان في الدرجات الرفيعة قال : وكان المفيد رحمه‌الله رأى في منامه فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دخلت إليه وهو في مسجده بالكرخ ، ومعها ولداها الحسن والحسين عليهما‌السلام صغيرين ، فسلّمتهما إليه وقالت له : علمهما الفقه ، فانتبه متعجبا من ذلك. فلمّا تعالى النهار في صبيحة تلك الليلة التي رأى فيها الرؤيا ، دخلت إليه المسجد فاطمة بنت الناصر ، وحولها جواريها ، وبين يديها ابناها عليّ المرتضى ومحمّد الرضي صغيرين ، فقام إليها وسلّم عليها ، فقالت له : أيّها الشيخ هذان ولداي قد أحضرتهما إليك لتعلّمهما الفقه ، فبكى الشيخ ، وقصّ عليها المنام. وتولّى تعليمهما ، وأنعم الله تعالى عليهما ، وفتح لهما من أبواب العلوم والفضائل ما اشتهر عنهما في آفاق الدنيا ، وهو باق ما بقي الدهر (٢).

ونظيرها أيضا في الدلالة على قربه منهم عليهم‌السلام ، وأن جدّه عليه‌السلام ذكره باللقب المذكور في المنام ، ما نقله السيد الجليل بهاء الدين علي بن عبد الحميد في الدّر النضيد ، على ما في الرياض : عن الشيخ الصالح عزّ الدين حسن بن عبد الله بن حسن التغلبي : أن السلطان مسعود بن بويه لمّا بنى سور المشهد الشريف دخل الحضرة الشريفة ، وقبّل العتبة المنيفة ، وجلس على حسن الأدب ، فوقف أبو عبد الله ـ أعني الحسين بن أحمد بن الحجاج البغدادي ـ بين يديه ، وأنشد القصيدة على باب أمير المؤمنين صلوات الله عليه ، فلمّا وصل إلى الهجاء الذي فيها ، أغلظ له السيد المرتضى في الكلام ، ونهاه أن ينشد ذلك في

__________________

(١) أربعين الشهيد : ١٣.

(٢) الدرجات الرفيعة : ٤٥٩.

٢١٤

باب حضرة الإمام ، فقطع عليه الإنشاد ، فانقطع عن الإيراد ، فلمّا جنّ عليه الليل رأى الإمام عليا عليه‌السلام في المنام وهو يقول له : لا ينكسر خاطرك ، فقد بعثنا المرتضى علم الهدى يعتذر إليك ، فلا تخرج إليه ، وقد أمرناه أن يأتي دارك فيدخل عليك.

ثم رأى السيد المرتضى في تلك الليلة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمة عليهم‌السلام حوله جلوس ، فوقف بين أيديهم عليهم‌السلام فسلّم عليهم عليهم‌السلام ، فلم يقبلوا عليه ، فعظم ذلك عنده ، وكبر لديه ، فقال : يا موالي ، أنا عبدكم وولدكم ومولاكم ، فبم استحققت هذا منكم؟

فقالوا : بما كسرت خاطر شاعرنا أبي عبد الله بن الحجاج ، فتمضي إلى منزله ، وتدخل عليه ، وتعتذر إليه ، وتأخذه وتمضي إلى مسعود بن بويه ، وتعرفه عنايتنا فيه ، وشفقتنا عليه.

فقام السيد المرتضى من ساعته ، ومضى إلى أبي عبد الله ، فقرع عليه باب حجرته ، فقال : يا سيدي ، الذي بعثك إليّ أمرني أن لا أخرج إليك ، وقال : إنه سيأتيك ويدخل عليك ، فقال : نعم ، سمعا وطاعة لهم ، ودخل عليه ، واعتذر إليه ، ومضى به إلى السلطان وقصّا القصّة عليه كما رأياه ، فكرّمه وأنعم عليه ، وحيّاه وخصّه بالرتبة الجليلة ، واعترف له بالفضيلة ، وأمر بإنشاد القصيدة في تلك الحال ، فقال :

يا صاحب القبة البيضاء على النجف

من زار قبرك واستشفى لديك شفي (١)

القصيدة ، وهي طويلة ذكرناها في كتابنا دار السلام (٢) ، وأشرنا فيه ان

__________________

(١) رياض العلماء ٢ : ١٣ ، وفيه : في النجف.

(٢) دار السلام ١ : ٣٢١.

٢١٥

النسخة كذا ، والموجود في التواريخ أن الباني عضد الدولة من آل بويه ، فلعلّه من تصحيف النساخ.

وفي قصّة الجزيرة الخضراء (١) التي نقلها علي بن فاضل المازندراني ، وذكرنا في كتابنا النجم الثاقب (٢) ، قرائن تدلّ على اعتبارها.

قال علي بن فاضل في آخر القصة : وما رأيتهم يذكرون أحدا من علماء الشيعة إلاّ خمسة : السيد المرتضى ، والشيخ أبو جعفر الطوسي ، ومحمّد بن يعقوب الكليني ، وابن بابويه ، والشيخ أبو القاسم الحلي (٣).

وأمّا أمّ السيدين التي قام لها الشيخ المفيد وسلم عليها ، فهي بنت الحسين بن احمد بن الحسن ، الملقب تارة : بالناصر الكبير ، وأخرى : بالناصر ، وتارة : بناصر الحق أبي محمّد الأطروش ، العالم الكبير ، صاحب المؤلفات الكثيرة على مذهب الإمامية ، التي منها مائة مسألة صححها سبطه علم الهدى وسمّاها بالناصريات. وهو الذي خرج بطبرستان والديلم في خلافة المقتدر ، وتوفي ـ أو استشهد ـ بآمل ، وقبره فيه ، وتوهمت الزيدية أنه من أئمتهم وأخطأوا ، بل هو من عظماء علماء الإمامية ، وهو ابن علي بن الحسن بن علي بن عمر الأشرف بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام.

وأظنّ أن الشيخ المفيد رحمه‌الله ألّف كتاب أحكام النساء للسيدة فاطمة أم السيدين ، فإنّه قال في أوّله : فإنّي عرفت من آثار السيدة الجليلة الفاضلة أدام الله إعزازها جميع الأحكام التي تعم المكلّفين من الناس ، وتختص النساء منهن على التميز لهن ، والإيراد ، ليكون ملخصا في كتاب يعتمد للدين ، ويرجع

__________________

(١) بحار الأنوار ٥٢ : ١٥٩ ـ ١٧٤.

(٢) النجم الثاقب : ٣٢١ ـ ٣٥٦.

(٣) بحار الأنوار ٥٢ : ١٧٤.

٢١٦

إليه فيما يثمر العلم به واليقين ، وأخبرتني برغبتها ـ آدم الله تعالى توفيقها ـ في ذلك (١). إلى آخره.

ثم إنّا نقتصر في ذكر بعض مناقب السيد تبرّكا بما قاله فيه علماء أهل السنة :

قال ابن الأثير الجزري في جامع الأصول على ما في الرياض وغيره في ترجمته بعد ذكر النسب : هو السيد الموسوي المعروف بالمرتضى ، وهو أخو الرضي الشاعر ، كانت إليه نقابة الطالبيين ببغداد ، وكان عالما فاضلا كاملا متكلّما ، فقيها على مذاهب الشيعة ، وله تصانيف كثيرة حدّث عن أحمد بن سهل الديباجي ، وأبي عبد الله المرزباني و. غيرهما ، روى عنه الخطيب الحافظ أبو بكر البغدادي ، ولد سنة ٣٥٥ ، ومات ببغداد سنة ٤٣٦.

وقال ـ في موضع آخر ـ : إن مروّج المائة الرابعة برواية العلماء الإمامية هو الشريف المرتضى الموسوي (٢).

وقال القاضي التنوخي صاحب السيد المرتضى ـ على ما وجدته بخطّ بعض الأفاضل ـ : إن مولد السيد المذكور سنة ٣٥٥ ، وخلف بعد وفاته ثمانين ألف مجلّد من مقروّاته ومصنفاته ومحفوظاته ، ومن الأموال والأملاك ما يتجاوز عن الوصف ، وصنّف كتابا يقال له : الثمانين ، وخلف من كلّ شيء ثمانين ، وعمّر إحدى وثمانين سنة ، فمن أجل ذلك سمّي بالثمانيني ، وبلغ في العلم وغيره مرتبة عظيمة ، قلّد نقابة الشرفاء شرقا وغربا ، وإمارة الحاج والحرمين ، والنظر في المظالم وقضاء القضاة ، وبقي على ذلك ثلاثين سنة (٣) انتهى.

وهي مدّة حياته بعد وفاة أخيه الرضي ، ومنه انتقلت هذه المناصب إليه.

__________________

(١) أحكام النساء (ضمن مجموعة رسائل) : ٣.

(٢) جامع الأصول ١١ : ٣٢٣.

(٣) رياض العلماء ٤ : ٢٠ ـ ٥٣.

٢١٧

وقال الجرزي في مختصر تاريخ ابن خلّكان : إن السيد المرتضى كان نقيب الطالبيين ، إماما في علم الكلام والأدب والشعر. إلى أن قال : وله كتاب الغرر والدرر ، وهي مجالس أملاها تشتمل على فنون من معاني الأدب ، تكلّم فيها على النحو واللغة ، وتدلّ على فضل وتوسع واطلاع. إلى أن قال : ولقد كانت له أخبار وأشعار ومآثر وآثار ممّا تشهد أنّه من فرع تلك الأصول ، ومن أهل ذلك البيت الجليل (١).

وتقدم (٢) في ترجمة القطب الرازي ، عن طبقات السيوطي في ترجمته ، نقلا عن ياقوت قال : قال أبو القاسم الطوسي : توحد في علوم كثيرة ـ مجمع على فضله ـ مثل الكلام والفقه ، وأصول الفقه ، والأدب من النحو والشعر ومعانيه واللغة ، وغير ذلك (٣).

وقال ابن خلكان في جملة كلام له : وكان إمام أئمة العراق بين الاختلاف والاتفاق ، إليه فزع علماؤها ، وعنه أخذ عظماؤها ، صاحب مدارسها ، وجامع مشاردها ، سارت أخباره ، وعرفت إشعاره (٤).

وأثنى عليه اليافعي في تاريخه مرآة الجنان (٥) بما يقرب من ذلك ، ونقل ثناؤه عن ابن بسام في أواخر كتاب الذخيرة.

إلى غير ذلك ممّا لا حاجة إلى نقلها ، ونقل ما ذكره علماؤنا في ترجمته ، ويكفي في هذا المقام ما ذكر العلامة في آخر ترجمته ، وهو قوله : وبكتبه

__________________

(١) مختصر وفيات الأعيان : غير متوفر لدينا.

(٢) تقدم في الجزء الثاني في صفحة : ٣٨٧.

(٣) بغية الوعاة ٢ : ١٦٢ / ١٦٩٩ ، ومعجم الأدباء ١٣ : ١٤٧ / ١٩.

(٤) وفيات الأعيان ٣ : ٣١٣.

(٥) مرآة الجنان ٣ : ٥٥.

٢١٨

استفادت الإمامية منذ زمنه رحمه‌الله إلى زماننا هذا ، وهو سنة ثلاث وتسعين وستمائة ، وهو ركنهم ومعلمهم قدّس الله روحه ، وجزاه عن أجداده خيرا (١).

قلت : وممّا يستغرب من حاله أنه رحمه‌الله كان إليه النقابة والنظر إلى قضاء القضاة ، وديوان المظالم ، وإمارة الحاج ، وهذه الأموال الكثيرة التي لا بدّ من صرف برهة من الأوقات في تدبيرها وإصلاحها وإنفاقها ، ومع هذه المشاغل العظمية التي تستغرق الأوقات في مدّة ثلاثين سنة يبرز منه هذه المؤلّفات الكثيرة الرائقة ، وأغلبها عقليات وفكريات ونظريات ، لا يرجى بروزها إلاّ ممّن حبس نفسه على الفكر والبحث والتدريس ، فلو عدّ هذا من كراماته فلا يعدّ شططا من القول ، وهذرا من الكلام.

وقال العلامة الطباطبائي في رجاله ـ بعد ذكر شطر من فضائل ـ : وقد كان مع ذلك أعرف الناس بالكتاب والسنة ، ووجوه التأويل في الآيات والروايات ، فإنه لما سدّ العمل بأخبار الآحاد اضطر إلى استنباط الشريعة من الكتاب والأخبار المتواترة والمحفوفة بقرائن العلم ، وهذا يحتاج إلى فضل اطلاع على الأحاديث ، وإحاطة بأصول الأصحاب ، ومهارة في علم التفسير ، وطريق استخراج المسائل من الكتاب ، والعامل بأخبار الآحاد في سعة من ذلك.

وأمّا مصنّفات السيد فكلّها أصول وتأسيسات غير مسبوقة بمثال من تقدمه من علمائنا الأمثال (٢).

ومما ينبغي التنبيه عليه أن كتاب عيون المعجزات الدائر بين المحدّثين ، ونسبه إلى السيد جزما السيد هاشم البحريني ، وينقل عنه في كتبه ، واحتمالا شيخنا المجلسي في البحار ، هو من مؤلفات الشيخ الجليل حسين بن عبد

__________________

(١) رجال العلاّمة : ٩٥ / ٢٢.

(٢) رجال السيد بحر العلوم ٣ : ١٤٠.

٢١٩

الوهاب المعاصر للسيدين ، وقد صرّح في مواضع من هذا الكتاب بأنه مؤلّفه ، وقد بسط القول في ذلك في الرياض (١) في ترجمة مؤلّفه ، مع أن كثيرا من الأخبار المودعة فيه لا يلائم مذاق السيد رحمه‌الله ، فلاحظ.

هذا ويروي علم الهدى عن :

أ ـ الشيخ المفيد (٢).

ب ـ وأبي محمد هارون بن موسى التلعكبري.

ج ـ والحسين بن علي بن بابويه ، أخي الصدوق.

د ـ وأبي الحسن احمد بن علي بن سعيد الكوفي ، عن محمّد بن يعقوب الكليني.

ه ـ وأبي عبد الله المرزباني ، وهو الشيخ الأقدم محمّد بن عمران ، أو عبد الله بن موسى بن سعد بن عبيد الله الكاتب المرزباني ، الخراساني الأصل ، البغدادي المولد ، وهو أيضا من مشايخ الشيخ المفيد. وغير هؤلاء من مشايخ عصره.

وبالأسانيد إلى السيد الأجلّ المرتضى قال : أخبرنا أبو عبد الله المرزباني قال : حدثني عبد الواحد بن محمّد الخصيبي قال : حدثني أبو علي أحمد بن إسماعيل قال : حدثني أيوب بن الحسين الهاشمي ، قال : قدم على الرشيد رجل من الأنصار ـ وكان عرّيضا ـ فحضر باب الرشيد يوما ومعه عبد العزيز بن عمر ابن عبد العزيز ، وحضر موسى بن جعفر عليهما‌السلام على حمار له ، فتلقاه الحاجب بالبشر والإكرام ، وأعظمه من كان هناك ، وعجّل له الإذن.

فقال نفيع لعبد العزيز : من هذا الشيخ؟ قال : أو ما تعرفه! هذا شيخ

__________________

(١) رياض العلماء ٢ : ١٢٣.

(٢) لم يذكر في المشجرة سواه.

٢٢٠