الدكتور الشيخ جعفر الباقري [ سامي صبيح علي ]
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-8629-04-8
الصفحات: ٢٧١
|
( فُرضت على النبي صَلّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ ليلةَ أُسريَ بهِ الصلواتُ خمسين ، ثمَّ نقصت حتّى جُعلت خمساً ، ثمَّ نُوديَ : ـ يا محمد! إنَّه لا يُبدَّلُ القولُ لديَّ ، وإنَّ لك بهذهِ الخمس خمسين ) (١). |
وعلى فرضِ صحة ما وردَ في هذه الأحاديث من خشيةِ الافتراض ، فلعلَّ المرادَ بها هو :
|
( النهي عن التكلُّف فيما لم يَرد فيه أمرٌ ، والتحذيرُ من ارتكابِ البِدعةِ في الدين ) (٢). |
فالنبي الخاتَم ( صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ ) كانَ يبالغُ في ردع هؤلاءِ المصلين ، ويحذرُهم من التمادي في طلبِ الأُمورِ غير المشروعة ، والوقوعِ في البِدع ، من خلال هذا اللون من الخطاب.
٤ ـ بعد أنْ علمَ رسولُ اللهِ ( صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ ) أنَّ هذه الثلةَ جاءَت مرةً أخرى لأداءِ النوافل جماعةً أبطأَ في الخروج إليهم ، لكي يكونَ في ذلك دليلاً لهم على عدم رغبتِهِ في استمرارهم في هذا الأمر غيرِ المشروع ، فـ ( الإبطاءُ ) في الخروج قرينةٌ قويةٌ على عدم مشروعيةِ ( التراويح ) أيضاً.
وإذا لاحظنا ( القرآن المجيد ) نجدُ أنه يتنافى مع أمر ( الإبطاء ) هذا فيما لو كان العمل راجحاً ، وذلك من جانبين :
فمن الجانب الأول : نرى أنَّ اللهَ ( جَلَّ وَعَلا ) يأمر عباده الصالحينَ بالمسارعة في طلب الآخرة والجنة ، ومن ذلكَ قوله ( جَلَّ وَعَلا ) :
__________________
(١) الترمذي ، سنن الترمذي : ج : ١ ، ص : ٤١٧ ، باب : كم فرض اللّه على عباده من الصلوات ، ح : ٢١٣.
(٢) الطبسي ، نجم الدين ، صلاة التراويح بين السُنَّة والبدعة ، ص : ١٥.
|
( وَسارِعُوا إلى مَغفرَةٍ من ربِّكُم وَجنَّةٍ عَرضُها السَّمواتُ والأرضُ أُعدَت للمتَّقينَ ) (١). |
وقولُه ( جَلَّ وَعَلا ) :
|
( سابِقُوا إلى مَغفرةٍ من ربِّكُم وجَنَّةٍ عَرضُها كَعَرضِ السماءِ والأرضِ أُعدت للذينَ آمنوا باللهِ ورُسُلِهِ ذلكَ فضلُ اللهِ يؤتيهِ مَن يَشاءُ واللهُ ذو الفضلِ العَظيمِ ) (٢). |
ووردَ وصف الله ( جَلَّ وَعَلا ) لهؤلاءِ المؤمنينَ بالقول :
|
( أولئكَ يُسارِعُونَ في الخَيراتِ وَهم لَها سابقونَ ) (٣). |
فلو كانَ أمرُ ( التراويح ) مشروعاً ومندوباً ، فكيفَ يُعقل أن يتباطأ عنه رسولُ اللهِ ( صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ ) مع هذه الدعوة القرآنية الصريحة للـ ( مسارعةِ ) والـ ( مسابقةِ ) في الخيرات التي وجهها الله ( جَلَّ وَعَلا ) لعباده المؤمنينَ ، وهو ( صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ ) على رأس المؤمنينَ؟
ومن الجانب الثاني : نرى أنَّ هذا الإبطاء يتنافى مع الوصف الملازم للأنبياء ، ويدلُّ على أنَّ ( التراويح ) ليست بـ ( خير ) ، إذ لو كانت ( خيراً ) ؛ لما أبطأَ عنها وهو سيد المرسلين وخاتَم النبيين.
قال ( جَلَّ وَعَلا ) في وصف أنبيائه :
|
( إنَّهم يُسارِعُونَ في الخَيراتِ وَيدعوننا رَغَباً وَرَهَباً وَكانوا لَنا خاشِعينَ ) (٤). |
٥ ـ إنَّ رفعَ هؤلاءِ الثلة أصواتَهم أمامَ بيت النبي ( صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ ) ، ومن ثمَّ رشقهم بابَ بيته بالحصى ، لهوَ من الأدلة على المستوى الخُلقي والديني المتدنّي الذي
__________________
(١) آل عمران / ١٣٣.
(٢) الحديد / ٢١.
(٣) المؤمنون / ٦١.
(٤) الأنبياء / ٩٠.
كانَ يتصفُ به هؤلاءِ المحتجُّون ، وإنَّ هذا السلوكَ المشين تجاه أطهرِ إنسانٍ أنجبته البشريةُ لهوَ من أقوى الأدلة على أنَّ هؤلاءِ القوم إنَّما أصرّوا على تنفيذ رغباتهم الذاتية ، بقطع النظر عن رضا حاملِ لواءِ الشريعة ، ولا شكَ أنَّ هؤلاء هم أكثرُ الناسِ ابتهاجاً بصلاة ( التراويح ) التي ابتُدعت فيما بعد في زمن خلافة ( عمر بن الخطاب ) ، لأنَّها جاءَت ملبّيةً لرغبتهم الساذجة ، وأهوائهم المضلة ، التي دفعتهم إلى انتهاك حرمةِ الساحةِ المقدّسة لمن أرسلَه اللهُ رحمةً للعالمين ، ولا شكَ أنَّ هؤلاءِ كانوا يشكلونَ النواةَ الأُولى لإقامة صلاة ( التراويح ) ، وهم الذين روَّجوا لها ، وهلَّلوا ، وكبَّروا لاستقبالها؛ لأنَّها أيقظت ما توارى من إصرارهم المبطَّن ، وإلحاحهم الدفين.
جاءَ في كتابِ الله المجيد بصددِ تبجيل رسولِ اللهِ ( صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ ) ، وتوقيره ، وتجليله :
|
( فَالَّذينَ آمَنُوا بِهِ وَعزَّرُوه وَنَصَرُوهُ واتَّبَعوا النُّورَ الَّذي أُنزِلَ مَعَه أُولئِكَ هُمُ المُفلحُون ) (١). |
وقد ذكرَ المفسرونَ أنَّ المرادَ من ( التعزير ) الوارد في هذه الآية ليس مطلقَ النصرة ، إذ انَّه أُفرد عن قوله : ( نصروه ) ، ولو كانَ بمعنى مطلق النصرة لما كانَ هناكَ داعٍ للتكرار ، فالمراد من ( التعزير ) هو التبجيلُ ، والتوقيرُ ، والتعظيمُ ، أو النصرةُ مَعَ التعظيم (٢).
كما ذكرَ ( القرآنُ المجيد ) الأدبَ الخاص الذي ينبغي أنْ يتعاملَ به المسلمونَ مَعَ رسولِ الإنسانية ( صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ ) ، والمكانةَ التي يتحتمُ عليهم حفظُها له ،
__________________
(١) الأعراف : ١٥٧.
(٢) قالَ ( الطباطبائي ) في تفسير الميزان ، ج : ٨ ، ص : ٢٩٦ : ( التعزير : النصرة مَعَ التعظيم ) ، وقالَ ( الطبرسي ) في مجمع البيان ، ج : ٤ ، ص : ٦٠٤ : ( وعزروه : أي عظموه ووقروه ومنعوا عنه أعداءه ) ، وقالَ ( أبو حيان الأندلسي ) في البحر المحيط ، ج : ٥ ، ص : ١٩٦ : ( وعزروه أثنوا عليه ومدحوه ) ، وقالَ ( ابن كثير ) في تفسير القرآن العظيم ، ج : ٩ ، ص : ٢٦٥ : ( ونصروه : أي عظموه ووقروه ).
ورعايتُها بشأنِه ، فقد وردَ النهي عن أنْ يرفعوا أصواتَهم فوق صوته ، أو يجهروا له بالقول؛ لأنَّ ذلك سيكونُ مدعاةً الى أنْ تحبَطَ أعمالُهم ، بخلافِ أولئك الذين يُظهرون أمامَه الأدبَ الرفيع ، ويغضّونَ أصواتَهم عنده ، كما يقولُ اللّهُ ( جَلَّ وَعَلا ) :
|
( يا أَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرفَعُوا أَصواتَكُم فَوقَ صَوتِ النَّبي وَلا تَجهَرُوا لَهُ بالقَولِ كَجَهرِ بَعضِكُم لِبَعضٍ أنْ تَحبَط أَعمالُكُم وَأنتُم لا تَشعُرُونَ * إنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصواتَهُم عِندَ رَسُولِ اللّهِ أُولئكَ الَّذِينَ امتَحَنَ اللّهُ قُلوبَهُم لِلتَّقوى لَهُم مَّغفِرةٌ وأَجرٌ عَظيمٌ ) (١). |
كما وردَ النهي في ( القرآنِ المجيد ) عن أنْ يُدعى النبيُّ الخاتَم ( صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ ) باسمه كما يُدعى سائرُ الناس ، وذلكَ في قوله ( جَلَّ وَعَلا ) :
|
( لا تَجعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَينَكُم كَدُعاءِ بَعضِكُم بَعضاً ) (٢). |
وكذلكَ وردَ النهي عن التسرُّعِ في إبداء الرأي والنظرِ بين يديه ، كما قالَ ( جَلَّ وَعَلا ) :
|
( يا أَيُّها الَّذِينَ آمنُوا لا تُقدِّموا بَينَ يَديِ اللّهِ ورسُولهِ واتَّقُوا اللّهَ إنَّ اللّهَ سميعٌ عليمٌ ) (٣). |
فأينَ هؤلاءِ المحتجّونَ على عدم خروج النبي ( صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ ) لأداء النوافل جماعةً من كلِّ هذا؟!
وماذا يقولُونَ للهِ ( جَلَّ وَعَلا ) بعد أنْ رشقوا بابَ النبي الخاتَمَ ( صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ ) بالحصى ، وتعالت أصواتُهم بالاعتراضِ والاحتجاج؟؟!
__________________
(١) الحجرات : ٢ ـ ٣.
(٢) النور / ٦٣.
(٣) الحجرات / ١.
٦ ـ ومن القرائن المهمة في هذا المقام هو الهيئةُ التي خرجَ عليها رسولُ اللهِ ( صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ ) ، فقد خرج مُغضباً ، ومن دون شكٍ أنَّه ( صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ ) لا يغضبُ لأمور الدنيا ، ولا للتجاوز على حرمته الشخصية ، وإنَّما يغضبُ لأنَّه يرى دينَ اللهِ مهدَّداً من داخل الكيانِ الإسلامي ، ويغضبُ لأنَّ القومَ كانوا يريدون أنْ يبدِّلوا شريعةَ السماء حسبَ أهوائهم ورغباتهم ، ويغضبُ لأنَّه يريدُ أنْ يقولَ للأجيال القادمة : أنْ لا تتلاعبوا بالتشريع ، ولا تجتهدوا في مقابل النص ، ولا يأتينَّ عليكم يومٌ تبدِّلونَ فيه سُنَّتي ، وتُغيِّرون شريعةَ ربِّكم وربي ، فتبتدعوا قيامَ نوافل الليل جماعةً ، وتورِّثوا ذلك للأجيال من بعدكم ، فتختلطَ الأمورُ ، ويلتبسَ الموقفُ ، ويمتزج الحرامُ بالحلال!!
د ـ النبي (ص) لم يصل التراويحَ في نظرِ كثير من أئمةِ مدرسةِ الصحابة
صرَّح إمامانِ كبيرانِ من أئمة ( مدرسة الصحابة ) وهما ( مالك ) و ( الشافعي ) بأنَّ النبي الخاتَم ( صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ ) قد نهى القومَ عن أداء صلاة ( التراويح ) بالكيفيَّة المذكورة ، وأنَّه قد عنَّفهم على فعلها ، وأمرَهم أنْ يصلّوا النوافلَ في بيوتهم على طبقِ تلك القاعدة العامة.
جاءَ في ( المغني ) :
|
( وقالَ مالكُ والشافعيُّ : قيامُ رمضانَ لمن قويَ في البيتِ أحبُّ إلينا ، لما روى زيدٌ بنُ ثابتٍ قالَ : احتجرَ رسولُ اللّهِ صَلّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ حجيرةً بخصفةِ أو حصير ، فخرجَ رسولُ اللّهِ صَلّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ فيها فتتبعَ إليهِ رجالٌ ، وجاءوا يصلّونَ بصلاتهِ. |
|
قالَ : ثمَّ جاءوا ليلةً فحضروا ، وأبطأَ رسولُ اللّهِ صَلّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ عنهم ، فلم يخرجْ إليهم ، فرفَعوا أصواتَهم ، وحصبوا البابَ ، فخرجَ إليهم رسولُ اللّهِ صَلّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ مُغضباً فقالَ : ـ ما زالَ بكم صنيعُكم حتى ظننتُ أنَّه سيُكتبُ عَليكم ، فعَليكُم بالصلاةِ في بيوتِكم ، فإنَّ خيرَ صلاةِ المرءِ في بيتِهِ إلاّ الصلاةَ المكتوبةَ ) ، رواه مسلم ) (١). |
ومما يدلُّ على أنَّ رسولَ اللّهِ ( صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ ) لم يقم بالناس في نافلة شهر رمضانَ ما رُويَ في ( كنز العمّال ) :
|
( عن أُبي بنِ كعب : أنَّ عمرَ بنَ الخطّابِ أمرَه أنْ يصلّيَ بالليل في رمضانَ ، فقالَ : ـ إنَّ الناسَ يصومونَ النهارَ ، ولا يحسنونَ أنْ يقرأوا ، فلو قرأتَ عليهم بالليل ، فقالَ : ـ يا أميرَ المؤمنينَ! هذا شيءٌ لم يكنْ!! فقالَ : ـ قد علمتُ ، ولكنَّه حَسَنٌ! فصلّى بهم عشرينَ ركعةً ) (٢). |
وجاءَ في ( صحيح البخاري ) في باب ( فضل مَن قامَ رمضانَ ) :
|
( عن أبي هريرةَ رضيَ اللّهُ عنه انَّ رسولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ قالَ : ـ مَن قامَ رمضانَ إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدَّم من ذنبه. |
__________________
(١) ابن قدامة ، موفق الدين ، المغني ، ج : ١ ، ص : ٨٠٠.
وانظر نصَّ الحديث في صحيح البخاري ، ج : ٧ ، ص : ٩٩ ، باب : ما يجوز من الغضب والشدة لأمر اللّه ، ح : ٤ ، وكنز العمال ، ج : ٧ ، ح : ٢١٥٤١ ، ص : ٨١٦ ، وح : ٢١٥٤٣ ، و ٢١٥٤٥ ، ص : ٨١٧.
(٢) المتقي الهندي ، علاء الدين ، كنز العمال ، ج : ٨ ، ح : ٢٣٤٧١ ، ص : ٤٠٩.
|
قالَ ابنُ شهاب : فتُوفيَ رسولُ اللّهِ صَلّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ والناسُ على ذلك ، ثمَّ كانَ الأمرُ على ذلكَ في خلافةِ أبي بكر ، وصدراً من خلافةِ عمر رضيَ اللّهُ عنهما ) (١). |
فقالَ ( العسقلاني ) في ( فتح الباري ) ضمن شرح الحديث ما نصه :
|
( قالَ ابنُ شهاب : فتُوفيَ رسولُ اللّهِ صَلّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ والناسُ ، في رواية الكشميهني : ـ والأمرُ ـ ( على ذلك ) : أي على تركِ الجماعةِ في التراويح ). |
وأضافَ الى ذلك القول :
|
( ولأحمدَ من روايةِ ابنِ أبي ذئب عن الزهري في هذا الحديث : ولم يكنْ رسولُ اللّهِ صلّى اللّهُ عليهِ وسلَّمَ جمعَ الناسَ على القيام ، وقد أدرجَ بعضُهم قولَ ابنَ أبي شهاب في نفس الخبر ، أخرجَه الترمذي عن طريقِ معمَّر بنِ أبي شهاب ) (٢). |
فهذا تصريحٌ واضحٌ وصريح من ( ابن حجر العسقلاني ) بأنَّ رسولَ اللّهِ ( صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ ) لم يصلِّ هذهِ الصلاةَ ، ولم يجمعِ الناسَ لها.
ثمَّ يضعِّفُ ( ابن حجر ) بعد ذلك الحديثَ المنتحل الذي يُروى فيه أنَّ رسولَ اللّهِ ( صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ ) قد استحسنَ هذهِ الصلاةَ حين رآها! فيذكرُ أنَّ لضعفه سببين :
الأول : إنَّ فيه ( مسلمَ بن خالد ) وهو ضعيف.
والثاني : إنَّ الحديثَ يذكرُ أنَّ النبي ( صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ ) قد جَمعَ الناسَ على ( أُبي بنِ كعب ) ، بينما المعروف أنَّ ( عمرَ ) هو الذي صنع ذلك.
وقد قالَ في هذا المجال :
__________________
(١) البخاري ، صحيح البخاري ، ج : ٢ ، ص : ٢٤٩ ـ ٢٥٠.
(٢) العسقلاني ، ابن حجر ، فتح الباري بشرح صحيح البخاري ، ج : ٤ ، ص : ٢٥٢.
|
( وأمّا ما رواه ابنُ وهب عن أبي هريرة : خرجَ رسولُ اللّهِ صَلّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ ، وإذا الناسُ في رمضانَ يصلّون في ناحية المسجد ، فقالَ : ـ ما هذا؟ فقيلَ : ـ ناسٌ يصلّي بهم أُبي بنُ كعب ، فقالَ : ـ أصابوا ، ونعمَ ما صنعوا. ذكرَه ابنُ عبدِ البر ، وفيه مسلمُ بنُ خالد ، وهو ضعيف ، والمحفوظُ أنَّ عمرَ هو الذي جمعَ الناسَ على أُبي بن كعب ) (١). |
ولكي نطلعَ على حال ( مسلم بن خالد ) الذي روى أنَّ رسولَ اللّهِ ( صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ ) قد استحسنَ صلاةَ التراويح وأقرَّها ، يكفينا أنَّ نطّلعَ على ما ذكره ( المزي ) في ( تهذيب الكمال ) ، حيثُ يقولُ حوله :
|
( وقالَ علي بنُ المديني : ـ ليس بشيء. وقالَ البخاري : ـ منكرُ الحديث. وقالَ النسائي : ـ ليسَ بالقوي. وقالَ أبو حاتم : ـ ليسَ بذلك القوي ، منكرُ الحديث ، يُكتب حديثه ولا يُحتجُّ به ، تعرفُ وتُنكرُ ) (٢) |
وأضافَ ( محقّقُ الكتاب ) في الهامش :
|
( وذكره أبو زرعة الرازي في كتاب : أسامي الضعفاء ) (٣). |
__________________
(١) العسقلاني ، ابن حجر ، فتح الباري ، ج : ٤ ، ص : ٢٥٢.
(٢) المزي ، جمال الدين ، تهذيب الكمال في أسماء الرجال ، تحقيق : د. بشار عواد معروف ، ج : ٢٧ ، ص : ٥١٢.
(٣) المزي ، جمال الدين ، تهذيب الكمال في أسماء الرجال ، تحقيق : د. بشار عواد معروف ، ج : ٢٧ ، ص : ٥١٢ ، عن : أبو زرعة الرازي : ٦٥٧.
|
( وكذلك ذكره العقيلي وابن الجوزي في جملة الضعفاء ، وكانَ علي بن المديني يضعفه ) (١). ( وقالَ علي : سمعت ابن نمير يقولُ : ـ مسلم بن خالد الزنجي ليس يُعبأ بحديثه ) (٢). ( وقالَ البزاز : ـ لم يكن بالحافظ. وقالَ الدارقطني : ـ سيئ الحفظ ، وساق له الذهبي في الميزان عدةَ أحاديث وقالَ : ـ هذهِ الأحاديث وأمثالها تُردُّ بها قوةُ الرجل ويُضعف. وذكره ابن البرقي في باب مَن نُسب إلى الضعف ممن يكتب حديثه ) (٣). |
وذكر ( النووي ) في شرحه على ( صحيح مسلم ) ما نصه :
|
( قولُه : فتُوفي رسولُ اللّهِ صَلّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ والأمرُ على ذلك ، ثمَّ كانَ الأمرُ على ذلك في خلافة أبي بكر وصدراً من خلافةِ عمر ، معناه : استمرَ الأمرُ هذه المدّة على أنَّ كلَّ واحدٍ يقومُ رمضانَ في بيته منفرداً ، حتى انقضى صدرٌ من خلافةِ عمر ، ثمَّ |
__________________
(١) المزي ، جمال الدين ، تهذيب الكمال في أسماء الرجال ، تحقيق : الدكتور بشار عواد معروف ، ج : ٢٧ ، ص : ٥١٢ ، عن : المعرفة والتاريخ : ٣ / ٥١.
(٢) المزي ، جمال الدين ، تهذيب الكمال في أسماء الرجال ، تحقيق : الدكتور بشار عواد معروف ، ج : ٢٧ ، ص : ٥١٢ ، عن : تقدمة الجرح والتعديل : ٣٢٣.
(٣) المزي ، جمال الدين ، تهذيب الكمال في أسماء الرجال ، تحقيق : الدكتور بشار عواد معروف ، ج : ٢٧ ، ص : ٥١٣ ـ ٥١٤.
|
جمعهم عمرُ على أُبي بن كعب ، فصلّى بهم جماعةً ، واستمرَ العملُ على فعلها جماعةً ) (١). |
وقالَ ( القسطلاني ) في ( إرشاد الساري ) :
|
( قالَ ابنُ شهاب الزهري : ( فتُوفي رسولُ اللّهِ صَلّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ والأمرُ على ذلك ) ، أي : على تركِ الجماعةِ في التراويح ، ولغيرِ الكشميهني كما في الفتح : والناسُ على ذلك ، ( ثمَّ كانَ الأمرُ على ذلك ) أيضاً ( في خلافة أبي بكر ) الصدّيق ( وصدراً من خلافة عمر ) رضيَ اللّهُ عنهما ) (٢). |
وقالَ في موضع آخر :
|
( قالَ عمرُ لما رآهم : ( نعمَ البدعةُ هذه ) ، سمّاها بدعةً لأنَّه صَلّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ لم يسنَّ لهم الاجتماعَ لها ، ولا كانت في زمنِ الصدّيق ، ولا أول الليل ، ولا كل ليلةٍ ، ولا هذا العدد ) (٣). |
فأينَ هو موضعُ صلاة ( التراويح ) من كلِّ ذلك ، وأينَ الأصلُ المدّعى لها في الدين؟؟!
قالَ الله ( جَلَّ وَعَلا ) :
|
( وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلِسنَتُكُمُ الكَذِبَ هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ لِتَفتَروا عَلى اللّهِ الكَذِبَ إنَّ الَّذينَ يَفتَرُونَ عَلى اللّهِ الكَذِبَ لا يُفلِحُونَ ) (٤). |
__________________
(١) مسلم ، صحيح مسلم بشرح النووي ، ج : ٣ ، ص : ٤٠.
(٢) القسطلاني ، شهاب الدين ، إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري ، ج : ٤ ، ص : ٦٥٥.
(٣) القسطلاني ، شهاب الدين ، إرشاد الساري ، ج : ٤ ، ص : ٦٥٦.
(٤) النحل / ١١٦.
(٢)
أمير المؤمنينَ عليٌّ (ع) ينهى عن صلاةِ التراويح
من المتفق عليه أنَّ أميرَ المؤمنينَ علياً عليهالسلام هو أعلمُ الصحابة ، وأفقهُهُم ، وأقضاهم ، بنصٍ من رسولِ اللّهِ ( صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ ) على ذلك ، وقد روى علماءُ ( مدرسةِ الصحابة ) في كتبهم بهذا الصدد الكثيرَ من الأحاديث التي تدلُّ على هذا المعنى ، فمن ذلك أنَّه ( صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ ) قالَ :
|
( أعلمُ أمتي بالسُنَّة والقضاءِ بَعدي عليُّ بنُ أبي طالب ) (١). |
وقالَ ( صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ ) :
|
( أعلمُ أمتي من بَعدي عليُّ بنُ أبي طالب ) (٢). |
وقالَ ( صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ ) مخاطباً علياً عليهالسلام :
|
( أنتَ تبَيِّنُ لأمتي ما اختلَفوا فيهِ بَعدي ) (٣). |
ورُويَ عن ( أنس ) أنَّه قالَ :
|
( قيلَ : |
__________________
(١) راجع : الاستيعاب ، ج : ٢ ، ص ٢٩ ، والرياض النضرة : ج : ٢ ، ص : ١٩٤ ، وتفسير النيسابوري في سورة الأحقاف ، ومناقب الخوارزمي ، ص : ٤٨ ، وتذكرة الخواص ، ص : ٨٧ ، ومطالب السؤول ، ص : ١٢ ، وفيض القدير ، ج : ٤ ، ص : ٢٥٧ ، وأخرجه أحمد ، والعقيلي ، وابن السمّان. ولمزيد من الإطلاع انظر : حسين الشاكري ، علي في الكتاب والسُنَّة ، ج : ٢ ، ص : ١٤١.
(٢) راجع : الخوارزمي في المناقب ، ص : ٤٩ ، ومقتل الحسين ، ج : ١ ، ص : ٤٢ ، والمتقي في كنز العمال ، ج : ٦ ، ص : ١٥٢. ولمزيد من الإطلاع انظر : حسين الشاكري ، علي في الكتاب والسُنَّة ، ج : ٢ ، ص : ١٤٠.
(٣) راجع : الحاكم في المستدرك ، ج : ٢ ، ص : ١٢٢ ، والذهبي في ميزان الاعتدال ، ج : ١ ، ص : ٤٧٢ ، والقندوزي في ينابيع المودة ، ص : ٢٠٣ ، وانظر لمزيد من الإطلاع على مصادر الحديث إحقاق الحق ، ج : ٦ ، ص : ٥٢ ـ ٥٥ ، وج : ١٦ ، ص : ٤٣٥ و ٤٣٦ ، وج : ٢٠ ، ص : ٣١٨ و٣١٦.
|
ـ يا رسولَ اللّهِ ، عمَّن نأخذُ العلمَ بعدَكَ؟ فقالَ صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ : ـ عن علي ) (١). |
وقالَ ( صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ ) :
|
( عليٌّ وعاءُ علمي ، ووصيي ، وبابي الذي أُوتَى منه ) (٢). |
وكانَ جميعُ الصحابة يقرّون لعلي عليهالسلام بالأعلمية ، ويرجعون إليه عندما تشكلُ عليهم أُمورُ الدين ، ويَقبلونَ حكمَه من دون توقف؛ لمعرفتهم بأنَّه بابُ مدينة علمِ النبي ( صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ ) ، ووارثُ حكمته ، وقد قالَ فيه ( أبو الفضل بنُ العباس بنُ عتبة بنُ أبي لهب ) :
ما كنتُ أحسبُ أنَّ الأمرَ منصرفٌ |
|
عن هاشمٍ ثمَّ منها عن أبي حَسَنِ |
أليسَ أولَ مَن صلّى لقبلتكم |
|
وأعلمَ الناسِ بالقرآنَّ والسُّننِ |
وقد ثبتَ تاريخيا أنَّ أمير المؤمنينَ عليهالسلام قد نهى عن صلاة ( التراويح ) ، وزجرَ الناسَ عندما رآهم يؤدّونها ، فقد رُويَ أنَّه :
|
( لمّا اجتمعَ الناسُ على أميرِ المؤمنينَ عليهالسلام بالكوفةِ سألوه أنَّ ينصبَ لهم إماماً يصلّي بهم نافلةَ شهرِ رمضانَ ، فزَجرَهم ، وعرَّفهم أنَّ ذلكَ خلافُ السُنَّة ، فتركوه ، واجتمعوا ، وقدَّموا بعضَهم ، فبعثَ إليهم الحسنَ عَليهِ السَّلامُ ، فدخلَ عليهم المسجدَ ومعه الدرّةُ ، فلمّا رأوه تبادروا الأبوابَ وصاحوا : واعمراه ) (٣)! |
__________________
(١) الشاكري ، حسين ، علي في الكتاب والسُنَّة ، ج : ٢ ، ص : ١٤٣ ، عن العلامة قطب الدين شاه في قرة العينين ، ص : ٢٣٤.
(٢) الشاكري ، حسين ، علي في الكتاب والسُنَّة ، ج : ٢ ، ص : ١٤٠ ، عن كفاية الطالب ، ص : ٧٠ و ٩٢ ، وشمس الأخبار ، ص : ٢٩.
(٣) المعتزلي ، ابن أبي الحديد ، شرح نهج البلاغة ، ج : ١٢ ، ص : ٢٨٣ ، وانظر : التهذيب للشيخ الطوسي ، ج : ٣ ، ص : ٧٠ ، ح : ٢٢٧ ، ووسائل الشيعة للحر العاملي ، ج : ٥ ، ص : ١٩٢ ، ح : ٢.
وروي عن الإمامين الباقر والصادق عليهماالسلام أنَّهما قالا :
|
( لما كانَ أميرُ المؤمنينَ بالكوفة أتاهُ الناسُ فقالَوا له : ـ اجعلْ لنا إماماً يؤمُّنا في شهرِ رمضانَ ، فقالَ : ـ لا!! ونَهاهم أنَّ يجتمعوا فيه ، فلما أمسَوا جَعلوا يقولُون : ـ ابكُوا شهرَ رمضانَ! واشهرَ رمضانَاه!! فأتى الحارثُ الأعور في أنَّاسٍ ، فقالَ : ـ يا أميرَ المؤمنينَ! ضجَّ الناسُ وكرهوا قولَكَ ، فقالَ أميرُ المؤمنينَ عند ذلك : ـ دعوهم وما يريدون ، ليصلِّ بهم مَن شاؤوا ، ثمَّ قالَ : ـ ومَن يتبع غيرَ سبيلِ المؤمنينَ نولِّهِ ما تَولّى ونُصلِهِ جَهنَّمَ وساءَت مَصيراً ) (١). |
ولنقرأ معاناةَ أميرِ المؤمنينَ عليهالسلام ، ومشاعرَه التي تجيشُ بالألم واللوعة ، من خلال ما وردَ عنه بهذا الشأنَّ :
|
( قد عَملت الولاةُ قَبلي أعمالا خالفوا فيها رسولَ اللّهِ صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ متعمدينَ لخلافِهِ ، ولو حَملتُ الناسَ على تركها لتفرَّقوا عنّي … واللّهِ لقد أمرتُ الناسَ أنَّ لا يجتمعوا في شهرِ رمضانَ إلا في فريضةٍ ، وأعلمتُهم أنَّ اجتماعَهم في النوافل بدعةٌ ، فتنادى بعضُ أهلِ عسكري ممن يقاتلُ معي : يا أهلَ الإسلام ، غُيِّرت سُنَّةُ عمر! ينهانا عن الصلاةِ في شهر رمضانَ تطوعاً ، ولقد |
__________________
(١) البحراني ، يوسف ، الحدائق الناضرة ، ج : ١٠ ، ص : ٥٢٣.
|
خِفتُ أنَّ يثوروا ناحية جانب عسكري ، ما لَقيتُ من هذهِ الأمةِ من الفرقة!! وطاعةِ أئمةِ الضلال!! والدعاةِ إلى النار )؟! (١) |
فأمير المؤمنينَ عليٌّ عليهالسلام ينصُّ هنا على كون الجماعة في نافلة شهر رمضانَ ( بدعةٌ ) ، وأنَّ الجماعةَ لا تشرعُ إلا في الفريضة ، ونصَّ في صدر هذا الحديثِ أيضاً على أنَّ هذهِ الأمور قد أصبحت بمثابة السُنَّة الثابتة في نظر عوام الناس ، على الرغم من أنَّها لم تُشرَّع من قبل صاحب الرسالة ( صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ ) ، وأنَّه عليهالسلام كانَ يعاني من تمسك الناس بهذهِ البدع ، وتركهم لسُنَّة رسولِ اللّهِ ( صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ ) ، ولكنَّه عليهالسلام يؤثرُ السكوتَ ، ويفضّلُ الغضَّ عن ذلك ، خوفاً من وقوع الفتنة بين المسلمين ، وحفظاً لمصلحة الإسلام العليا.
(٣)
أهل البيتِ (ع) يؤكدونَ عدمَ مشروعيةِ التراويح
ومن بعد هذا يأتي دورُ أهلِ البيت عليهمالسلام في ردع هذه ( البدعة ) الدخيلة على الإسلام ، وتأكيدِهم على نهي النبي الخاتَم ( صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ ) عن الإتيان بها.
ولا يخفى مقامُ أهل البيت عليهمالسلام على مسلمٍ موحّدٍ قط ، ودورُهم في حفظ التشريعات الإسلامية وذبِّهم ودفاعهم عنها ، وأنَّ اللهَ ( جَلَّ وَعَلا ) عصمَهم وطهَّرَهم تطهيراً ، حيثُ يقولُ :
__________________
(١) الحر العاملي ، وسائل الشيعة ، ج : ٥ ، ص : ١٩٣ ، ح : ٤.
وانظر : بحار الأنوار للعلامة المجلسي ، ج : ٩٣ ، ص : ٣٨٤ ، ح : ١.
|
( إنَّمَا يُريدُ اللّهُ لِيُذهبَ عَنكمُ الرّجسَ أَهلَ الَبيتِ ويطهّركُم تطهيراً ) (١). |
وأنَّهم قرناءُ الكتاب الكريم كما وردَ في ( حديث الثقلين ) المروي في أُمهات كتب المسلمين ، حيثُ قالَ رسولُ اللهِ ( صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ ) :
|
( إنَّي تاركٌ فيكم ما إنْ تَمسكتُم به لن تضلّوا بعدي ، أحدُهما أعظمُ من الآخر : كتاب اللّهِ حبلٌ ممدودٌ من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهلَ بيتي ، ولن يَفترقا حتى يردا عليَّ الحوضَ ، فانظروا كيف تخلِّفوني فيهما ) (٢). |
وجاءَ في ( حديث السفينة ) عنه ( صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ ) :
|
( النجومُ أمانٌ لأهل الأرض من الغرق ، وأهلُ بيتي أمانٌ لأُمتي من الاختلاف ) (٣). |
ويصفُ لنا أميرُ المؤمنينَ عليٌّ عليهالسلام دورَ أهل البيت عليهمالسلام وموقعَهم بالقول :
__________________
(١) الأحزاب : ٣٣ ، انظر ( علي في الكتاب والسُنَّة ) ، ج : ( ١ ، ص : ٤١١ ـ ٤٢٤ ) نقلاً عن الترمذي في ( الجامع الصحيح ) ، ج : ٥ ، ص : ٣٥١ ، ح : ٣٢٠٥ و ص : ٣٥٢ ، ح : ٣٢٠٦ ، وص : ٦٦٣ ، ح ٣٧٨٧ ، وص : ٦٩٩ ، ح : ٣٨٧١ ، وفي مسند أحمد بن حنبل ، ج : ١ ، ص : ٣٣٠ ، و ج : ٤ ، ص : ١٠٧ .. والطبراني في المعجم الصغير ج : ١ ، ص : ٦٥ و ١٣٤ ، وتاريخ بغداد ، ج : ٩ ، ص : ١٢٦ ، وفي فتح الباري ج : ٧ ، ص : ٦٠ وفي الإصابة ج : ٢ ص : ١٦٩ و ٥٠٣ ، و ج : ٤ ، ص : ٣٦٦ ، وغير ذلك من الكتب الحديثية المعتبرة عند أتباع ( مدرسة الصحابة ) فضلاً عن مصادرنا المتواترة بهذا الشأن.
(٢) الترمذي ، محمد بن عيسى بن سورة ، سنن الترمذي ، تحقيق : أحمد محمد شاكر ، المجلد الخامس ، ص : ٦١٢ ، ح : ٣٧٨٦.
والمتقي الهندي في كنز العمال ، ج : ١ ، ص : ٣٨١ ، ح : ١٦٥٧.
وقد أخرج الحفّاظ والمحدّثون هذا الحديث بطرق كثيرة صحيحة ، حتى ناهز عدد رواته من الصحابة بضعة وثلاثين صحابياً وصحابية ، راجع للتفصيل : مجلة ( رسالة الثقلين ) ، العدد الرابع ، ص : ( ١١٢ ـ ١١٩ ).
(٣) الحاكم النيسابوري ، مستدرك الحاكم على الصحيحين ، ج : ٣ ، كتاب معرفة الصحابة ، ص : ١٥١.
|
( هم عيشُ العلم ، وموتُ الجهل ، يخبرُكم حلمُهم عن علمهم ، وظاهرُهم عن باطنهم ، وصمتُهم عن حكمِ منطقِهم ، لا يخالفون الحقَّ ، ولا يختلفونَ فيه ، وهم دعائمُ الإسلام ، وولائجُ الاعتصام ، بهم عادَ الحقُّ إلى نصابه ، وانزاحَ الباطلُ عن مقامه ، وأنَّقطعَ لسانُه عن منبته ، عقلوا الدينَ عقلَ وعايةٍ ورعايةٍ ، لا عقلَ سماعٍ ورواية ) (١). |
من هنا كانَ طريقُ أهل البيت عليهمالسلام أقربَ الطرق إلى معرفة حقائق التشريع؛ لأنَّ أهلَ البيت عليهمالسلام أدرى بما فيه ، ولأنَّ كلَّ ما يُدلون به من أحاديث إنَّما هو مأخوذٌ من باب مدينة علم النبي الخاتَم ( صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ ) وصيِّه علي عليهالسلام ، وبالتالي مأخوذٌ عن مدينة العلم ، وعن اللهِ ( جَلَّ وَعَلا ).
يقولُ الإمام جعفرٌ الصادقُ عليهالسلام :
|
( حديثي حديثُ أبي ، وحديثُ أبي حديثُ جدّي ، وحديثُ جدّي حديثُ الحسين ، وحديثُ الحسين حديثُ الحسن ، وحديثُ الحسن حديثُ أمير المؤمنينَ ، وحديثُ أمير المؤمنينَ حديثُ رسولِ اللّه صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ ، وحديثُ رسولِ اللّهِ صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ قولُ اللّه عزَّ وجلَّ ) (٢). |
وقد وردَ النهي الصريحُ في أحاديث أهل البيت عليهمالسلام عن أداء ( التراويح ) ، واعتبروها ( بدعةً ) محدَثة ، ولا علاقةَ لها مع الدين الحنيف ، وذلك من خلال مجموعةٍ من الأحاديث ، منها ما رُويَ عن الإمام جعفرٍ الصادقِ عليهالسلام حيثُ يقولُ :
__________________
(١) نهج البلاغة للإمام علي بن أبي طالب : الخطبة / ٢٣٩.
(٢) العاملي ، زين الدين ، منية المريد في آداب المفيد والمستفيد ، ص : ١٩٤.
|
( صومُ شهر رمضانَ فريضةٌ ، والقيامُ في جماعةٍ في ليلتِهِ بِدعةٌ ، وما صلاّها رسولُ اللّهِ صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ في لياليهِ بجماعةٍ ، ولو كانَ خيراً ما تركه ، وقد صلّى في بعض ليالي شهر رمضانَ وحدَه ، فقامَ قومٌ خلفه ، فلَّما أحسَّ بهم ، دخلَ بيتَه ، فعلَ ذلكَ ثلاثَ ليالٍٍ ، فلما أصبحَ بعدَ ثلاث ، صعدَ المنبرَ ، فحمدَ اللّهَ وأثنى عليه ثمَّ قالَ : ـ أيُّها الناسُ ، لا تصلّوا النافلةَ ليلاً في شهر رمضانَ ، ولا في غيره في جماعةٍ فإنَّها بدعةٌ ، ولا تصلوا ضحىً فإنَّها بدعةٌ ، وكلُّ بدعةٍ ضلالةٌ ، وكلُّ ضلالةٍ سبيلُها إلى النار ، ثمَّ نزلَ وهو يقولُ : ـ قليلٌ في سُنَّة خيرٌ من كثيرٍ في بِدعةٍ ) (١). |
وقالَ عليهالسلام :
|
( إنَّ هذهِ الصلاةَ نافلةٌ ، ولن يُجتمعُ للنافلة ، فليصلِّ كلُّ رجلٍ منكم وحدَه ، وليقل ما علَّمه اللهُ من كتابِهِ ، واعلموا أنَّه لا جماعةَ في نافلةٍ ) (٢). |
وقالَ الإمامُ موسى الكاظم عليهالسلام :
|
( قيامُ شهر رمضانَ بدعةٌ ، وصيامُهُ مفروضٌ ، قالَ الراوي ، فقلت : ـ كيفَ أُصلّي في شهر رمضانَ؟ فقالَ : |
__________________
(١) الطوسي ، أبو جعفر ، تهذيب الأحكام ، ج : ٣ ، ص : ٦٩ ، ح : ٢٢٦.
وانظر : وسائل الشيعة للحر العاملي ، ج : ٥ ، ص : ١٩٢ ، ح : ١ ، وبحار الأنوار للمجلسي ، ج : ٩٤ ، ص : ٣٨١ ، ح : ٤.
(٢) النراقي ، أحمد بن محمد مهدي ، مستند الشيعة في أحكام الشريعة ، ج : ٨ ، ص : ١٥ ، عن : التهذيب ، ج : ٣ ، ص : ٢١٧ ، والاستبصار ، ١ ، ص : ٤٥٤ ، والوسائل ، ج : ٨ ، ص : ٣٢.
|
ـ عشرَ ركعات ، والوتر ، والركعتانِ قبلَ الفجر ، كذلك كانَ يصلّي رسولُ اللّه صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ ، ولو كانَ خيراً لم يتركهُ ) (١). |
ورُويَ عن الامام علي الرضا عليهالسلام :
|
( ولا يجوزُ التراويحُ في جماعةٍ ) (٢). |
وبخصوص عدم مشروعية صلاة النوافل جماعةً وردَ عن الامام جعفرٍ الصادقِ عليهالسلام :
|
( ولايصلّى التطوع في جماعةٍ ، لأنَّ ذلك بدعةٌ ، وكلُّ بدعةٍ ضلالةٌ ، وكلُّ ضلالةٍ في النار ) (٣). |
وقد وردَ استثناءُ بعضِ الصلوات من عموم هذا الإطلاق كصلاة الاستسقاء والعيدين ، مما هو مذكورٌ في محلّه من الأبواب الفقهية.
(٤)
التراويحُ بدعة بإجماعِ علماءِ مدرسةِ أهلِ البيت
من الأُمور التي أجمعَ عليها علماءُ مدرسة أهل البيت عليهمالسلام هو أنَّ صلاةَ ( التراويح ) بدعةٌ محدثة ، بناءاً على المنهج الاستدلالي العميق التي اتسمت به مدرسةُ
__________________
(١) المجلسي ، محمد باقر ، بحار الأنوار ، ج : ٩٣ ، ص : ٣٨٤ ، ح : ٣.
(٢) الحراني ، الحسن بن علي بن شعبة ، تحف العقول عن آل الرسول ، تحقيق : علي أكبر الغفاري ، ص : ٤١٩.
(٣) الحر العاملي ، وسائل الشيعة ، ج : ٨ ، ص : ٣٣٤ ، باب : ٢٠ ، ح : ٥.
أهل البيت عليهمالسلام ؛ حيثُ يتمُّ استنباطُ الأحكام ، وصياغةُ الفتاوى ، وتحديدُ النتائج ، بدقةٍ بالغة ، وتتبعٍ مستفيض.
ويكفي المتأملَ في هذا المنهج الاطلاعُ على الكتب الاستدلالية لدى علماءِ مدرسة أهل البيت عليهمالسلام ككتاب ( جواهر الكلام ) (١) ، ليقف على معالم مدرسةٍ علميةٍ شاملة ، قلَّما عرفَ لها التأريخُ الإنساني نظيراً.
ويضيقُ بنا المقامُ فيما لو أردنا استعراضَ مجملِ فتاوى علماءِ مدرسة أهل البيت عليهمالسلام بخصوص عدم مشروعية ( التراويح ) ، فضلاً عن نقل كلماتهم ، واستدلالاتهم ، في هذا المجال ، على أنَّنا سوف نقتصرُ على بعض النماذج من الأحكام التي توصّلَ إليها هؤلاءِ الأعلام :
يقولُ الشيخُ ( الطوسي ) في ( الخلاف ) :
|
( نوافلُ شهر رمضانَ تُصلى منفرداً ، والجماعةُ فيها بِدعةٌ ) (٢). |
ويقولُ السيدُ ( المرتضى ) :
|
( أما التراويحُ فلا شبهةَ أنَّها بدعةٌ ، وقد روي عن النبي صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلَّمَ أنَّه قالَ : ـ أيها الناسُ ، إنَّ الصلاةَ بالليل في شهر رمضانَ من النافلة جماعةً بدعةٌ ) (٣). |
وجاءَ في ( الحدائق الناضرة ) للعلامة ( البحراني ) :
__________________
(١) جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام من مؤلفات العلامة الفقيه الشخ محمد حسن النجفي المتوفى سنة ( ١٢٦٦ ) هـ ، وهو كتاب موسوعي يتألف من (٤٣) مجلداً في الفقه الإستدلالي ، يشرح المؤلف فيه كتاب : ( شرائع الإسلام في معرفة الحلال والحرام ) لأبي القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن المعروف بالمحقق الحلي المتوفى سنة (٦٧٦) هـ.
(٢) الطوسي ، أبو جعفر محمد بن الحسن ، الخلاف ، تحقيق : جماعة من المحققين ، ج : ١ ، ص : ٥٢٨.
(٣) المرتضى ، تلخيص الشافي ، ج : ١ ، ص : ١٩٣.
|
( لا ريبَ أنَّ الجماعةَ في هذه النافلة محرّمةٌ عند أصحابنا ) (١). |
و ( التراويحُ ) في كلمات علماء مدرسة أهل البيت عليهمالسلام مشمولةٌ بالفتاوى التي دلَّت على عدم مشروعية أداءِ النوافل الأصلية جماعةً ، واستثنت من ذلك بعضَ الصلوات التي وردَ الدليلُ الشرعي بجوازِ أدائها جماعةً ، كصلاة الاستسقاء ، وصلاةِ العيدين المستحبة.
جاءَ في ( العروةِ الوثقى ) للسيد ( محمد كاظم الطباطبائي ) ، وفي ( منهاج الصالحين ) لكلٍ من السيد ( أبي القاسم الخوئي ) ، والسيد ( علي السيستاني ) ، والسيد ( محمد سعيد الحكيم ) :
|
( لا تشرع الجماعةُ في شيءٍ من النوافلِ الأصلية ) (٢). |
__________________
(١) البحراني ، يوسف ، الحدائق الناضرة ، ج : ١٠ ، ص : ٥٢١.
(٢) الطباطبائي اليزدي ، محمد كاظم ، العروة الوثقى ، ج : ١ ، فصل : في الجماعة ، المسألة : ٢ ، ص : ٥٩٩ ،
وانظر : أبو القاسم الخوئي ، منهاج الصالحين ، ج : ١ ، ص : ٢١٠.
وانظر : علي السيستاني ، منهاج الصالحين ، ج : ١ ، ص : ٢٧١ ، والمسائل المنتخبة له ، ص : ١٥٧.
وانظر : محمد سعيد الحكيم ، منهاج الصالحين ، ج : ١ ، ص : ٢٦٢.