دروس تمهيديّة في القواعد الفقهيّة - ج ١

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

دروس تمهيديّة في القواعد الفقهيّة - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الفقه للطباعة والنشر
الطبعة: ٥
ISBN: 964-499-038-2
ISBN الدورة:
964-91559-2-9

الصفحات: ٢١٤
الجزء ١ الجزء ٢

ودعوى : ان ذلك لا يكفي إلا اذا فرض اعتبار تقدّم القراءة على القنوت.

مدفوعة : بانها غير ثابتة.

والاستشهاد بالمثالين مدفوع بأن قاعدة التجاوز يمكن دعوى اختصاصها باجزاء المركب خاصة ، وواضح ان الشك في المثالين ليس من قبيل الشك في أجزاء المركب.

هذا مضافا الى امكان دعوى وجود نص خاص أخرج المثالين المذكورين من قاعدة التجاوز ، وهو ما دلّ على ان الشاك في أصل الاتيان بالصلاة لا يعتني بشكه ما دام ذلك بعد خروج الوقت (١) ، فانه يدلّ على ان الشك ما دام داخل الوقت فيجب الاحتياط ، وباطلاقه يشمل صورة الدخول في التعقيب أو الصلاة الثانية.

الدخول في المقدمات‌

ذ ـ وهل يكفي الدخول في مقدمات الأجزاء لتطبيق قاعدة التجاوز؟ فمن شك في الركوع بعد الهوي الى السجود هل يحكم عليه بعدم الاعتناء بشكّه؟ سؤال اختلفت الاجابة عنه.

والصحيح عدم تطبيق قاعدة التجاوز ، لانصراف كلمة الغير عن مثل الهوي ، فانه ليس معتبرا في الصلاة لا بنحو الوجوب ولا الاستحباب وليس له رتبة متأخرة ، بل لو أمكن لإنسان أن يأتي بالركوع والسجود بلا هوي كفاه ذلك ، وهو نظير ما اذا كان المصلي من عادته تحريك رأسه بشكل خاص بعد الركوع فهل ترى انّه لو شك في‌

__________________

(١) وسائل الشيعة : الباب ٦٠ من أبواب المواقيت ح ١.

٦١

الركوع وهو في حالة يحرّك رأسه فيها عدم اعتنائه لشكه.

ومما يؤكد ما نقول ان الامام الباقر عليه‌السلام في صحيحة اسماعيل بن جابر قال : «ان شك في الركوع بعد ما سجد فليمض ...» (١) فلو كان الهوي كافيا كان من المناسب أن يقول : ان شك في الركوع بعد ما هوى أو سجد.

هذا ولكن ورد في موثقة عبد الرحمن بن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : «رجل أهوى الى السجود فلم يدر أركع أم لم يركع؟

قال عليه‌السلام : قد ركع» (٢) فانّه قد يقال بدلالتها على كفاية الهوي.

وفيه : ان التعبير ب «أهوى» يدل على تحقق الهوي والفراغ منه ، ولازم الانتهاء من الهوي تحقق السجود ، فتكون دالة على حدوث الشك بعد تحقق السجود أو لا أقل هي مطلقة فتقيد بصحيحة اسماعيل.

واذا قيل انه مع فرض تحقق السجود لا يعبر باهوى بل بسجد أمكن تقديم جواب ثان هو ان الرواية المذكورة قد رويت بنفس السند بشكل آخر بحيث يمكن تحصيل الاطمئنان بعدم التعدد ، فقد نقل الشكل الأوّل في التهذيب (٣) والاستبصار (٤) هكذا قال : «وعنه ـ أي سعد بن عبد الله ـ عن أبي جعفر (٥) عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن ابان بن عثمان عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن ابي عبد الله عليه‌السلام قال : «قلت لأبي‌

__________________

(١) وسائل الشيعة : الباب ١٣ من أبواب الركوع ح ٤.

وانما لم نذكر صحيحة زرارة لأن الأمثلة فيها ليس من الامام عليه‌السلام بل من زرارة.

(٢) المصدر نفسه ح ٦.

(٣) التهذيب ٢ : ١٥١.

(٤) الاستبصار ١ : ٣٥٨.

(٥) أي أحمد بن محمد بن عيسى فإن كنيته أبو جعفر.

٦٢

عبد الله عليه‌السلام : رجل أهوى الى السجود فلم يدر أركع أم لم يركع. قال : قد ركع» (١). ونقل الشكل الثاني في التهذيب (٢) والاستبصار (٣) هكذا : «عن سعد عن أحمد بن محمد عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن ابان بن عثمان عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : «رجل رفع رأسه عن السجود فشك قبل أن يستوي جالسا فلم يدر أسجد أم لم يسجد؟ قال يسجد. قلت : فرجل نهض من سجوده فشك قبل أن يستوي قائما فلم يدر أسجد أم لم يسجد؟ قال : يسجد».

فان الرواية اما أن تكون واحدة ، وبذلك يلزم عدم العلم بالصادر ويسقطان عن الحجية أو يفترض صدق الجميع ـ بأن يكون السائل قد سأل ثلاثة أسئلة ، والشيخ الطوسي قطّع الأسئلة ـ فيحصل التعارض ؛ لأن إحداهما تدلّ على كفاية الدخول في مقدمة الجزء لتطبيق قاعدة التجاوز ، والاخرى تدلّ على عدم كفاية ذلك.

واذا قيل ان النقل الثاني يدلّ على ان المرتكز في ذهن السائل كفاية الاستواء في تطبيق قاعدة التجاوز ، وحيث ان الامام عليه‌السلام لم يردع عنه فتثبت بذلك حجيته.

كان الجواب : نحن لا نحتاج الى التمسك بهذا الارتكاز واثبات حجيته بل نحن نلتزم بمضمونه حتى لو قطعنا النظر عنه فإن الاستواء ما بين السجدتين واجب. والقيام من السجدة الثانية واجب أيضا لتتحقق بذلك القراءة الواجبة إذ القراءة تجب حالة الوقوف.

__________________

(١) ويمكن مراجعة الوسائل : الباب ١٣ من أبواب الركوع ح ٦.

(٢) التهذيب ٢ : ١٥٣.

(٣) الاستبصار ١ : ٣٦٢.

٦٣

ومع وجوب الاستواء يصح تطبيق قاعدة التجاوز عند تحققه ـ الاستواء ـ لصدق عنوان الغير عليه ويكون مشمولا لصحيحة زرارة التي تقول : «اذا خرجت من شي‌ء ودخلت في غيره ...».

الجزء المترتب‌

ز ـ إذا شك المكلف في جزء سابق فتارة يفرض انه لم يدخل في جزء جديد ، وأخرى يفرض دخوله في جزء جديد مترتب على سابقه شرعا ، وثالثة يفرض دخوله في جزء جديد غير مترتب على سابقه شرعا ، كمن تشهد في الركعة الأولى غفلة عن كونها أولى وشك في اتيانه بالسجود. ان التشهد حيث لم يؤمر به في الركعة الأولى فالدخول فيه دخول في جزء غير مترتب شرعا على سابقه.

ولا اشكال في عدم جريان قاعدة التجاوز في الحالة الأولى ، كما ولا اشكال في جريانها في الحالة الثانية. ووقع الاشكال في جريانها في الحالة الثالثة.

اختار جمع ـ منهم السيد اليزدي في العروة الوثقى (١) ـ الجريان تمسكا باطلاق كلمة «غيره» الواردة في صحيحة زرارة «اذا خرجت من شي‌ء ثم دخلت في غيره ...» (٢).

واختار آخرون ـ منهم السيد الحكيم والخوئي (٣) ـ عدم الجريان.

وقرّب ذلك بأن التجاوز عن الشي‌ء المشكوك حيث لا يمكن تحققه‌

__________________

(١) العروة الوثقى : مسألة ٥٩ من المسائل المذكورة تحت عنوان «ختام» في نهاية فصل الشكوك التي لا اعتبار بها.

(٢) المتقدمة في : ٤٠.

(٣) مستمسك العروة الوثقى ٧ : ٦٣٢. مستند العروة الوثقى ٧ : ٢٩٧.

٦٤

حقيقة ـ لفرض الشك في أصل الاتيان بالشي‌ء ، والتجاوز عن شي‌ء فرع الاتيان به ـ فلا بدّ من كون المقصود التجاوز عن محله ، وواضح ان التجاوز عن محل الشي‌ء المشكوك لا يتحقق إلاّ بالدخول في الجزء المترتب شرعا على الشي‌ء المشكوك ، إذ غير المترتب حيث لا محل له شرعا فالدخول فيه لا يتحقق به التجاوز عن محل الجزء المشكوك (١).

وفي مقام التعليق نقول : ان كلام الاعلام القائلين بالجريان والقائلين بعدمه مبني على التعامل مع ألفاظ القاعدة ، فبعضهم لاحظ لفظ «غيره» وتمسك باطلاقه ، وبعض لاحظ لفظ التجاوز وارتأى عدم صدقه إلاّ بالدخول في الجزء المترتب.

والمناسب التعامل مع نكتة القاعدة فان القاعدة المذكورة تبتني على نكتة عقلائية وهي ان المكلف حيث انّه في صدد الامتثال وتحقيق الاتيان بكل جزء في محله الشرعي فيكون ظاهر حاله عند الدخول في جزء جديد الاتيان بالجزء السابق.

وإذا كانت هذه نكتة القاعدة ولا يحتمل كونها قاعدة تعبدية فمن اللازم الحكم بعموم القاعدة لحالة الدخول في جزء غير مترتب على سابقه شرعا لعموم النكتة المذكورة لكلتا الحالتين.

الشك في الجزء الاخير‌

و ـ اذا شك المصلّي في اتيانه بالجزء الأخير كالتسليم فما هو حكمه بعد الالتفات الى عدم وجود جزء آخر بعد التسليم ليتحقق الدخول فيه الذي هو شرط تطبيق قاعدة التجاوز.

وهنا تارة يقصر النظر على الجزء الأخير ويحاول اثبات حصوله‌

__________________

(١) مستند العروة الوثقى ٧ : ٢٩٧.

٦٥

وتحققه من خلال قاعدة التجاوز ، وأخرى تلحظ الصلاة ككل ويحاول اثبات صحتها من خلال قاعدة الفراغ.

واما حالة الجزم بالاتيان بالتسليم والشك في صحته فلا اشكال في الحكم بصحته لقاعدة الفراغ.

اما اذا أخذنا بالملاحظة الاولى فالتمسك بقاعدة التجاوز مشكل ، لأن التجاوز عن محل الشي‌ء انما يتحقق بالدخول فيما تكون مرتبته متأخرة عن المشكوك ، وهو ليس إلا ما كان جزءا واجبا أو مستحبا من الصلاة ، اما ما كان خارجا عن الصلاة فتحقق التجاوز عن المحل به غير واضح.

واما اذا أخذنا بالملاحظة الثانية فالتمسك بقاعدة الفراغ انما يتم فيما اذا صدق عنوان مضي الصلاة والفراغ عنها ، وذلك لا يكون إلا بالدخول في أفعال أخرى منافية للصلاة سواء صدرت عمدا أو سهوا كالاستدبار أو نقض الطهارة.

٨ ـ احتمال الالتفات‌

تارة يفرض ان الشخص بعد فراغه من العمل وطرو الشك عليه يقطع بكونه حين العمل كان غافلا عن الجزء أو الشرط المشكوك ، وأخرى يفترض احتماله الالتفات. فمثلا الشخص الذي يتوضأ وهو لابس للخاتم وبعد اتمامه الوضوء شك هل وصل الماء تحته أو لا؟

في هذه الحالة تارة يقطع بكونه غافلا حالة الوضوء عن وجود الخاتم بيده وعن تحريكه ، غايته يحتمل تسرّب الماء تحته بلا التفات منه ، وأخرى يحتمل انه كان حالة الوضوء ملتفتا الى الخاتم والى‌

٦٦

تحريكه وايصال الماء تحته.

هاتان حالتان ولا ثالثة لهما ، إذ الثالثة ليست هي إلا حالة القطع بالالتفات ، ولكن مع وجود القطع بالالتفات لا يبقى مجال للشك واحتمال عدم وصول الماء ليحتاج الى تطبيق قاعدة الفراغ.

وباتضاح هذا نقول : اما اذا فرض احتمال الالتفات فلا اشكال في جواز تطبيق قاعدة الفراغ.

واما اذا فرض القطع بالغافلة فهناك من رفض تطبيقها مدّعيا عدم شمولها لمثل ذلك.

ومن جملة هؤلاء السيد الخوئي والسيد الشهيد قدس‌سرهما ، وذلك لوجهين : ـ

أ ـ ان قاعدة الفراغ والتجاوز لم تشرعا لتأسيس مطلب جديد تعبدي على خلاف المرتكزات العقلائية ، بل هما قاعدتان ناظرتان الى ما عليه سيرة العقلاء من عدم الاعتناء بالشك بعد الفراغ من العمل وترشدان الى ذلك ، وواضح ان العقلاء انما يلغون الشك فيما اذا لم يقطع بالغافلة حين العمل بشكل كامل.

ب ـ التمسك بتعبير الأذكرية والأقربية ، ففي موثقة بكير بن أعين ورد «هو حين يتوضأ أذكر منه حين يشك» (١) ، وفي رواية محمد بن مسلم الواردة فيمن شك بعد الفراغ من الصلاة انّه صلّى ثلاثا أو أربعا : «وكان حين انصرف أقرب الى الحق منه بعد ذلك» (٢) ، فإن مقتضى‌

__________________

(١) وسائل الشيعة : الباب ٤٢ من أبواب الوضوء ح ٧.

(٢) وسائل الشيعة : الباب ٢٧ من أبواب الخلل في الصلاة ح ٣.

وانما عبرنا عنها بالرواية لأن الصدوق رواها عن محمد بن مسلم ، وسنده إليه على ما في‌

٦٧

التعليل بالأذكرية والأقربية الاقتصار على الموارد التي يحتمل فيها الالتفات ، واما الموارد التي يقطع فيها بعدم الالتفات فلا مجال للأذكرية والأقربية (١).

ونترك التعليق على ذلك الى مستوى أعلى.

أبحاث أخرى

وهناك أبحاث أخرى في قاعدة الفراغ والتجاوز تعرض لها الأعلام نعرض عنها خوف الاطناب والملل ونقتصر على التطبيقات.

٩ ـ تطبيقات‌

١ ـ اذا شك المكلّف أثناء الصلاة أو بعدها انّه توضأ أو لا فما هو حكمه؟

٢ ـ اذا علم المكلف بانه قد توضأ ولكنه شك أثناء الصلاة أو بعدها في انّه هل ترك جزءا من الوضوء أو لا فما هو حكمه؟

٣ ـ الحاج أثناء السعي شك انه طاف بالكعبة المشرّفة سبعا أو ستا فما ذا يفعل؟

٤ ـ اذا أنهى الطائف طوافه ، وقبل ان يشرع في صلاة الطواف شك هل توضأ قبل الطواف أو لا فما هو حكمه بلحاظ الطواف؟ وما هو حكمه بلحاظ صلاة الطواف؟

٥ ـ اذا أنهى المصلّي صلاة المغرب وشك بعدها انّه صلاّها‌

__________________

مشيخة الفقيه ٤ : ٦ ضعيف بعلي بن أحمد بن عبد الله البرقي الذي يروي عنه مباشرة حيث انّه مجهول الحال.

(١) مصباح الأصول ٣ : ٣٠٦.

٦٨

ركعتين أو أربعا فما ذا يفعل؟

٦ ـ اذا انهى المكلّف الظهرين وجزم بفوات الركوع اما من الظهر أو من العصر فهل تجري قاعدة الفراغ بالنسبة الى كلتا الصلاتين أو تجري بلحاظ إحداهما ، أو لا تجري في شي‌ء منهما؟

٧ ـ الصورة السابقة مع فرض التشهد بدل الركوع.

٨ ـ اذا علم المكلف بعد صلاته انّه فاته اما القنوت أو الركوع فهل هناك مجال لتطبيق قاعدة الفراغ؟

٩ ـ اذا علم المكلف بعد الصلاة اما بفوات الركوع منها أو بعدم غسل بعض أعضاء الوضوء فهل بالإمكان تطبيق قاعدة الفراغ على الصلاة أو الوضوء؟

١٠ ـ اذا علم المكلف بعد صلاته اما بفوات التشهد منها أو عدم غسل بعض أعضاء الوضوء فما هو حكمه؟

١١ ـ اذا شك المصلي في الركعة الثانية ان الركوع من الاولى هل أتى به بشكل صحيح أو لا فهل هذا مجال قاعدة التجاوز أو الفراغ؟

١٢ ـ اذا أنهى المصلّي اثناء قراءة الحمد آية معينة ، وبمجرد انهائها شك هل أتى بها بشكل صحيح أو ملحون ، فهل عليه إعادتها ولما ذا؟

١٣ ـ اذا علم المكلف بعد انهاء وضوئه اما ببطلانه أو بطلان وضوء أحد اصدقائه فما هو الحكم؟

١٤ ـ اذا علم المأموم بعد إكمال صلاته ببطلان اما صلاته أو صلاة المأموم الآخر فما هو الحكم؟

١٥ ـ اذا علم المأموم اما هو لم يتوضأ أو إمامه لم يتوضأ فما هو‌

٦٩

حكم صلاته التي فرغ منها؟

١٦ ـ اذا علم المكلف بعد انهاء صلاته ببطلان اما صلاته أو وضوئه فما هو الحكم؟

١٧ ـ اذا علم المكلف ببطلان اما وضوء صلاة الصبح أو وضوء صلاة الظهر فما هو الحكم؟

١٨ ـ اذا علم المكلف ببطلان اما وضوء صلاة الظهر أو وضوء صلاة العصر فما هو الحكم؟

١٩ ـ لو علم المكلف قبل دخوله في تشهد الركعة الثانية بأنه قد ترك سجدتين جزما اما من الركعة الأولى أو من الركعة الثانية التي هي بيده فما هو الحكم؟

٢٠ ـ الصورة السابقة مع فرض حصول العلم الإجمالي المذكور بعد الدخول في التشهد.

٧٠

أصالة الصحة‌

١ ـ المقصود من القاعدة‌

٢ ـ الفرق بينها وبين قاعدة الفراغ‌

٣ ـ مدرك القاعدة‌

٤ ـ هل يشترط العلم بالصحة والفساد‌

٥ ـ هل تختص بحالة الشك في وجود المانع‌

٦ ـ يلزم احراز وقوع الفعل الجامع‌

٧ ـ الصحة عند الفاعل أو عند الحامل‌

٨ ـ تطبيقات‌

٧١
٧٢

من الاصول المسلمة بين الاعلام اصالة الصحة في فعل الغير.

وقد بحثها الشيخ الأعظم في الرسائل بعد الفراغ من قاعدة الفراغ والتجاوز تحت عنوان المسألة الثالثة من المسائل التي تعرّض فيها لبيان النسبة بين الاستصحاب وبقية القواعد.

وقد تبع الشيخ الأعظم من تأخر عنه.

وقد سبقه في بحثها استاذه النراقي (١).

والكلام في ذلك يقع ضمن نقاط :

١ ـ المقصود من القاعدة.

٢ ـ الفرق بينها وبين قاعدة الفراغ.

٣ ـ مدرك القاعدة.

٤ ـ هل يشترط العلم بالصحة والفساد؟

__________________

(١) عوائد الأيام : ٧٤.

٧٣

٥ ـ هل تختص بحالة الشك في وجود المانع؟

٦ ـ يلزم احراز وقوع الفعل الجامع.

٧ ـ الصحة عند الفاعل أو عند الحامل.

٨ ـ تطبيقات.

١ ـ المقصود من القاعدة‌

لا يقصد بالقاعدة المذكورة ان المسلم اذا صدر منه فعل يحتمل كونه محرما يحمل على كونه مباحا ، ان هذا وان كان أمرا مسلما ولكنه ليس هو المقصود من القاعدة المذكورة ، وانما المقصود : لو صدر فعل ـ عقدا كان أو ايقاعا أو تطهير شي‌ء أو صلاة استيجار أو ... ـ وشك في كونه صحيحا يترتب عليه الأثر أو باطلا لا يترتب عليه أثر فباصالة الصحة يحمل على كونه صحيحا ذا اثر.

وبكلمة أخرى : ان تطهير الثوب سواء كان صحيحا أم فاسدا هو مباح وليس بمحرم ، وباصالة الصحة لا يراد اثبات كونه مباحا في مقابل كونه محرما وانما يراد اثبات كونه صحيحا ذا أثر في مقابل الفاسد الفاقد للأثر. وهذا كلّه بخلافه في اصالة الصحة بالمعنى الأول فانه يراد بها نفي صدور الحرام ، كما لو تكلم مؤمن بكلام وشك في كونه غيبة محرمة أو غيبة مباحة فانّه بحمل فعل المسلم على المباح ينفى كونه غيبة محرمة.

٢ ـ الفرق بينها وبين قاعدة الفراغ‌

عرفنا فيما سبق ان قاعدة الفراغ تقتضي حمل الفعل بعد الفراغ‌

٧٤

منه على الصحيح ، والآن قد تسأل قائلا : إن قاعدة الفراغ اذا كانت تقتضي هذا فما الفارق اذن بينها وبين اصالة الصحة التي تقتضي حمل الفعل على الصحيح أيضا؟

ان الفارق بينهما ثابت في موردين :

أ ـ ان قاعدة الصحة ناظرة الى فعل الغير ، بخلاف قاعدة الفراغ فانها ناظرة الى فعل المكلف نفسه ، فمن صلّى على الميت وشك بعد ذلك في صحة صلاة نفسه أجرى قاعدة الفراغ ، اما اذا صلّى الغير على الميت وشككنا في صحة صلاته بعد فراغه فلا يمكننا اجراء قاعدة الفراغ وانما تجري اصالة الصحة في فعل الغير.

ب ـ ان قاعدة الفراغ لا تجري في أثناء العمل لتصحيحه بخلاف اصالة الصحة فانها تجري ، فلو فرض ان شخصا يصلّي وفي الأثناء شك هل هو متوضأ أو لا فلا يمكنه اجراء قاعدة الفراغ لتصحيح صلاته ، لأنها تقول له بما انك فرغت مما سبق فما سبق صحيح ، واما ما يأتي فبما انك لم تفرغ منه فلا معنى لإجراء قاعدة الفراغ بلحاظه.

وبهذا يبقى ما يأتي بدون قاعدة تقتضي صحته.

وهذا كلّه بخلاف ما لو كان الغير يصلّي على الميت مثلا وشككنا هل هو يصلّي عن وضوء ـ كي نجتزئ بصلاته ولا نحتاج الى الصلاة عليه من جديد ـ أو لا فإنّه بإمكاننا اجراء اصالة الصحة في صلاته والاجتزاء بها.

هذان فرقان بين قاعدة الفراغ واصالة الصحة.

وقد يقول قائل بوجود فرق ثالث بينهما ، وهو ان قاعدة الفراغ خاصة بالعبادات كالصلاة ونحوها بخلاف اصالة الصحة فانها لا‌

٧٥

تختص بالعبادات.

ولكنه باطل ، فإن قاعدة الفراغ تعمّ غير العبادات أيضا ، فمن أوقع عقدا وبعد الفراغ منه شك في صحته فبامكانه اجراء قاعدة الفراغ ، لأن موثقة محمد ابن مسلم قالت : «كل ما شككت فيه مما قد مضى فامضه كما هو» (١) من دون تخصيص بالعبادات.

٣ ـ مدرك القاعدة‌

قد يستدل على اصالة الصحة في فعل الغير بمثل قوله تعالى :(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ...) (٢) أو بمثل قول صادق أهل البيت عليهم‌السلام «اذا اتهم المؤمن أخاه انماث الايمان في قلبه كما ينماث الملح في الماء» (٣) أو بمثل قول أمير المؤمنين عليه‌السلام: «ضع أمر أخيك على أحسنه حتى يأتيك ما يغلبك منه ولا تظنن بكلمة خرجت من أخيك سوأ وأنت تجد لها في الخير محملا» (٤).

الا ان الاستدلال بهذه وجيه لو اريد اصالة الصحة بالمعنى الأول ، أي بمعنى حمل فعل المسلم على المباح وعدم ارتكابه للمحرم ، ولكن ليس هذا هو المهم ، وانما المهم اثبات الصحة بمعنى ترتب الأثر وعدم كون الفعل فاسدا ، والنصوص المذكورة لا تفي باثبات ذلك.

ومهم الدليل على ذلك هو السيرة العقلائية والمتشرعية على‌

__________________

(١) راجع صفحة ٤١.

(٢) الحجرات : ١٢.

(٣) وسائل الشيعة : الباب ١٦١ من أبواب أحكام العشرة ح ١.

(٤) المصدر نفسه ح ٣.

٧٦

التعامل مع الفعل الصادر من الآخرين معاملة الصحيح ، فمتى ما أخبر انسان اني بعت داري ، أو عقدت على امرأة ، أو طهّرت ثوبي يصدّق اخباره ويحمل على كون فعله صحيحا ، ولا يشكك في صحة بيع داره ، أو عقده على المرأة ، أو تطهيره للثوب، واذا أراد شخص أن يشكك ويقول : لعلّه لم يعصر الثوب جيدا ، أو لعله لم يجر العقد بالماضوية أو ... حمل ذلك منه على الشذوذ والوسواس.

وهذه السيرة لا تختص بما اذا كان فاعل العقد ونحوه مسلما ، بل حتى غير المسلم اذا صدر منه ذلك يحمل على الصحيح.

ولعل نكتة هذه السيرة هي ظهور حال فعل العاقل في انه لا يرتكب إلا الفعل الصحيح ذا الأثر ولا يكون لاغيا أو عابثا في أفعاله ، أو لأنّه يلزم العسر والحرج الغالب واختلال النظام لو لم تحمل أفعال الآخرين على الصحيح.

واذا قال قائل : اني أسلّم السيرة المذكورة ، ولكن ما هو الدليل على حجيتها؟ كان الجواب ان السيرة المذكورة اذا كانت عقلائية فليست سيرة جديدة جزما بل هي سابقة ومتصلة بعهد المعصوم عليه‌السلام فاذا لم يردع عنها كان ذلك دليلا على امضائها.

واذا كانت سيرة متشرعة فحيث ان هذه السيرة لا يحتمل كونها جديدة حدثت في الآونة المتأخرة بل هي متداولة يدا بيد بين المتشرعة فيلزم كونها متلقاة من المعصوم عليه‌السلام وإلا لم تكن سيرة متشرّعة ، فنفس افتراض كون السيرة ثابتة بين المتشرعة يقتضي وصولها من الامام عليه‌السلام بلا حاجة الى التمسك بعدم الردع لإثبات حجيتها فاننا قرأنا في علم الاصول وجود فارق بين سيرة العقلاء وسيرة المتشرعة ،

٧٧

فالأولى تحتاج الى امضاء بخلاف الثانية.

والفارق هو ان سيرة المتشرعة ما دامت سيرة للمتشرعة فنفس هذا الافتراض يعني انها متلقاة يدا بيد من حاشية الامام عليه‌السلام وأصحابه وإلا لم تكن سيرة متشرعة ، ومع تلقيها من الامام عليه‌السلام فأي حاجة للإمضاء ، وهذا بخلاف سيرة العقلاء فانه لا يفترض فيها ذلك.

٤ ـ وهل يشترط العلم بالصحة والفساد‌

ان الشخص الذي يجري العقد على امرأة مثلا تارة يفرض اننا نجزم باطلاعه ومعرفته بالعقد الصحيح وتمييزه عن العقد الفاسد.

وفي هذه الحالة لا اشكال في حمل فعله على الصحيح ، لأن هذه الحالة هي القدر المتيقن من السيرة المتقدمة.

وأخرى يفرض جزمنا بجهله وعدم تمييزه العقد الصحيح عن الفاسد.

وفي هذه الحالة لا تجري اصالة الصحة ولا يمكن التمسك بها للحمل على الصحيح ، لأن السيرة التي هي المدرك دليل لبي لا اطلاق له فيقتصر على القدر المتيقن.

وثالثة يفرض الشك في تمييزه بين الصحيح والفاسد.

ومثل هذه الحالة يمكن ان يقال بشمول السيرة لها أيضا كالحالة الأولى لأن غالب الناس الذين يجرون العقود لا يعرفون شروط العقود والموانع من صحتها بشكل تفصيلي ، لأنهم اما لم يتفقهوا بأحكام دينهم أو أنهم تفقهوا ولكنهم لم يطلعوا على أن هذا شرط في صحة العقد وذاك مانع ، فكثير من أهل العلم في يومنا هذا لا يعرفون بشكل‌

٧٨

تفصيلي شروط صحّة بعض العقود فيلزم لو لم تطبق اصالة الصحة اختلال النظام.

اذن اصالة الصحة ثابتة في موارد الجزم بالتمييز بين الصحيح والفاسد أو الشك في ذلك.

٥ ـ وهل تختص بحالة الشك في وجود المانع‌

اذا أجرى شخص عقدا وشك في صحته فسبب الشك :

تارة يكون هو احتمال كون البائع ليس بمالك مثلا.

وأخرى يكون هو احتمال كون المبيع خمرا أو ليس بمال عرفا مثلا.

وثالثة هو احتمال اجرائه بالفارسية أو بالمضارع مثلا.

ويصطلح على الأول بالشك في الصحة من جهة الشك في قابلية الفاعل.

وعلى الثاني بالشك في الصحة من جهة الشك في قابلية المورد.

وعلى الثالث بالشك في الصحة من جهة احتمال عدم شرط أو ثبوت مانع.

ولا اشكال في جريان اصالة الصحة في الحالة الثالثة واما الحالة الأولى والثانية فالصحيح عدم جريانها فيهما ـ لأن القدر المتيقن من السيرة هو الحالة الثالثة لا غير ـ خلافا للشيخ الأعظم وجماعة حيث اختاروا جريانها مطلقا.

٧٩

٦ ـ يلزم احراز وقوع الفعل الجامع‌

تارة يفرض اننا نجزم بإجراء شخص عقدا على امرأة ولكن نشك هل هو صحيح أو فاسد ،

وأخرى يفرض الشك في أصل وقوع العقد منه ، كما اذا رأيناه يتلفظ بألفاظ معينة مع امرأة وشككنا هل هي ألفاظ العقد أو ألفاظ أخرى هي أجنبية عن العقد.

والحالة الاولى هي القدر المتيقن من السيرة ، واما الثانية فان لم يجزم بعدم انعقاد السيرة فيها فلا أقل من الشك.

وعلى هذا الأساس لو فرض ان وصي الميت استأجر شخصا لأداء الصلاة عن الميت فأتى الأجير بعمل لا يدري الولي انه قد قصد به النيابة أو لا فلا يمكن اجراء اصالة الصحة للحكم بفراغ ذمة الميت ، لأن فراغ الذمة موقوف على قصد النيابة فاذا أحرز قصده أمكن آنذاك اجراء اصالة الصحة فيما لو شك في اختلال أحد الشروط فيه.

أجل لو أخبر الأجير بأني قد قصدت النيابة وأتيت بالصلاة بقصد النيابة صدّق في ذلك ، لكن لا لأجل اصالة الصحة بل لقاعدة أخرى تسمى «من ملك شيئا ملك الاقرار به» فالزوج مثلا يملك تطليق زوجته فاذا أخبر بأنه قد طلقها صدّق للقاعدة المذكورة ، وهكذا الحال في المقام.

٧ ـ الصحة عند الفاعل أو عند الحامل‌

اذا فرض ان شخصا أجرى عقدا فتارة : يفرض أن العربية شرط‌

٨٠