دروس تمهيديّة في القواعد الفقهيّة - ج ١

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

دروس تمهيديّة في القواعد الفقهيّة - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الفقه للطباعة والنشر
الطبعة: ٥
ISBN: 964-499-038-2
ISBN الدورة:
964-91559-2-9

الصفحات: ٢١٤
الجزء ١ الجزء ٢

ومن النحو التالي :

أ ـ موثقة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «كل ما شككت فيه مما قد مضى فامضه كما هو» (١).

ب ـ صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفرعليه‌السلام قال : «كل ما شككت فيه بعد ما تفرغ من صلاتك فامض ولا تعد» (٢).

__________________

يعني الصدوق ـ عن أبيه عن سعد بن عبد الله.

وأما سعد نفسه فقد تقدّم عن النجاشي انّه «شيخ هذه الطائفة وفقيهها ووجهها».

وأما أحمد بن محمد بن عيسى فقد تقدّم عن الشيخ الطوسي انّه «شيخ قم ووجيهها وفقيهها غير مدافع».

وأما والد أحمد الذي اسمه محمد بن عيسى الأشعري فهو على ما قال النجاشي «شيخ القميين ، وجه الأشاعرة ، متقدم عند السلطان».

وأما عبد الله بن المغيرة فهو على ما قال النجاشي : «ثقة ثقة لا يعدل به أحد من جلالته ودينه وورعه».

واما اسماعيل بن جابر فقد قال عنه الشيخ الطوسي في رجاله في أصحاب الباقر «ثقة ممدوح».

(١) وسائل الشيعة : الباب ٢٣ من أبواب الخلل ح ٣.

وانما كانت موثقة لأن في سندها عبد الله بن بكير وهو فطحي ولكنه ثقة.

وقد رواها في الوسائل هكذا : وعنه عن صفوان عن ابن بكير عن محمد بن مسلم عن أبي جعفرعليه‌السلام.

وضمير «عنه» يرجع الى الحسين بن سعيد المذكور في السند السابق. أي وعن الشيخ الطوسي بإسناده الى الحسين بن سعيد.

اما الحسين بن سعيد فهو ثقة.

واما عبد الله بن بكير فهو على ما قال الشيخ «فطحي إلاّ انّه ثقة».

واما صفوان فهو ثقة سواء كان صفوان بن مهران الجمال أو صفوان بن يحيى.

واما محمد بن مسلم فهو كما قال النجاشي : «وجه أصحابنا بالكوفة فقيه ورع».

يبقى طريق الشيخ الى الحسين بن سعيد. وهو صحيح. راجع مشيخة التهذيب ١٠ : ٦٣.

(٢) وسائل الشيعة : الباب ٢٧ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح ٢.

٤١

وبمضمونها صحيحته الأخرى (١).

ج ـ موثقة بكير بن أعين قال : «قلت له : الرجل يشك بعد ما يتوضأ.

قال : هو حين يتوضأ أذكر منه حين يشك» (٢).

__________________

(١) المصدر السابق ح ٣.

(٢) وسائل الشيعة : الباب ٤٢ من أبواب الوضوء ح ٧.

وهي على ما رواه في الوسائل هكذا : وبإسناده ـ أي الشيخ الطوسي بقرينة ما سبق عليها من الروايات ـ عن الحسين بن سعيد عن فضالة عن ابان بن عثمان عن بكير بن أعين.

اما الحسين بن سعيد فقد تقدم انّه ثقة.

واما فضالة فهو فضالة بن أيوب وقد قال عنه النجاشي : «كان ثقة في حديثه مستقيما في دينه».

واما ابان بن عثمان فقد عدّه الكشي ممن أجمع على تصديقهم. ولأجل كونه ناووسيا عدت الرواية موثقة.

واما بكير بن أعين فقد ورد بطريق صحيح ان الامام الصادق عليه‌السلام قال عنه لما بلغه موته : «اما والله لقد أنزله الله بين رسول الله وأمير المؤمنين صلوات الله عليهما».

ثم ان موثقة بكير مضمرة ، أي لم يذكر فيها الشخص المسؤول وانه الامام عليه‌السلام حيث قيل «قلت له ...». ولعل الضمير يرجع الى غير الامام عليه‌السلام ، ومعه تسقط الرواية عن الاعتبار.

وهناك كلام بين الأعلام يرتبط بالمضمرات وانّها حجّة أو لا.

والمشهور هو التفصيل بين ما اذا كان الشخص المضمر من أجلاء الرواة الذين لا يليق بهم السؤال من غير الامام عليه‌السلام ـ كزرارة ومحمد بن مسلم و ... ـ فتكون مضمراته حجّة ، وبين غيره فلا تكون حجّة.

والصحيح حجيّة مطلق المضمرات بالبيان التالي : ان العرب لا يذكرون الضمير مجردا عن مرجع يرجع اليه بل متى ما ذكروا الضمير ذكروا معه المرجع الذي يرجع إليه ، اما ذكره مجردا عن المرجع فهو أمر غير مألوف ، اللهم إلاّ اذا فرض وجود عهد خاص بين الطرفين يستندان إليه في إرجاع الضمير.

وعلى هذا الأساس نقول ان ذكر بكير بن أعين للضمير من دون مرجع يرجع اليه لا يكون وجيها إلاّ اذا افترضنا وجود شخص معهود يرجع اليه الضمير ، ومن الواضح انه لا يوجد شخص يليق أن يكون معهودا إلاّ الامام عليه‌السلام فيتعين رجوع الضمير اليه. وهو المطلوب.

٤٢

هذا هو المهم من الروايات. ويوجد غيرها كثير.

مستندات أخرى‌

وقد حاول البعض تجميع مستندات أخرى للقاعدتين المذكورتين ـ من قبيل التمسك بتسالم الفقهاء أو اصالة الصحة أو قاعدة نفي العسر والحرج أو السيرة ـ إلاّ انّها قابلة للمناقشة. والمهم هو الأخبار المتقدمة.

٣ ـ قاعدة واحدة أو قاعدتان‌

وقع الاختلاف بين الاعلام في أن القاعدتين المذكورتين هل ترجعان من حيث الروح الى قاعدة واحدة ، والاختلاف بينهما ليس إلاّ‌

__________________

وإذا قيل : لعلّ زرارة مثلا هو المعهود بين الطرفين ويقصدان إرجاع الضمير إليه دون الامام عليه‌السلام.

كان الجواب : ان بكير حينما سجل الرواية في أصله أو نقلها للآخرين كان قاصدا بذلك ايصال الرواية الى الأجيال المستقبلية وعدم احتكارها على نفسه والطرف الثاني الذي وقع طرفا للحوار ، ومع افتراض توجّه نظره الى الأجيال فلا بد من تعيين المرجع وعهده لدى الجميع ، وليس هو إلاّ الامام عليه‌السلام.

ثم ان بعض المضمرات قد يشتمل على نكتة خاصة اضافية تصلح لتشخيص كون المسؤول هو الامام ؛ من قبيل : ما ورد في رواية علي بن مهزيار ، قال : كتب اليه سليمان بن رشيد يخبره انه بال في ظلمة الليل وانه أصاب كفّه برد نقطة من البول ... فأجابه بجواب قرأته بخطه ... الباب ٤٢ من النجاسات.

ان السيّد الخوئي في التنقيح ٢ : ٣٧٦ ذكر ان سليمان بن رشيد حيث اننا لا نعرفه فالرواية ساقطة عن الاعتبار إذ لعلّه كان قاضيا من قضاة الجمهور وسأل من أئمة مذهبه.

ان هذا الكلام يمكن أن يورد عليه بأن الرواية تشتمل على خصوصية تعين كون المسؤول هو الامام عليه‌السلام وهي تعبير ابن مهزيار «قرأته بخطه» ، ان تأكيد رؤية خط المسؤول لا معنى له إلاّ إذا كان المقصود اني رأيت خط الامام عليه‌السلام.

٤٣

من قبيل اختلاف مصاديق الشي‌ء الواحد أو ان كلّ قاعدة هي مستقلة عن الاخرى.

وما هي الثمرة لهذا البحث؟ انها تظهر في بعض النقاط الآتية كما سيتجلى ان شاء الله (١).

والآراء في هذا المجال ثلاثة :

١ ـ ما يظهر من الشيخ في الرسائل في الموضع السادس من المواضيع السبعة التي بحثها في قاعدة الفراغ والتجاوز (٢) ، حيث ذكر ان القاعدتين ترجعان الى التعبد بشي‌ء واحد وهو التعبد بوجود العمل الصحيح. فمن شك في صحة العمل بعد الفراغ منه يكون شاكّا في وجود العمل الصحيح ، وقاعدة الفراغ تعبده بوجود العمل الصحيح ، ومن شك في الاتيان بالجزء السابق بعد دخوله في الجزء اللاحق يكون شاكا في الاتيان بالجزء الصحيح وقاعدة التجاوز تعبده بوجوده.

اذن المجعول في كليهما هو التعبد بمفاد كان التامة ، أي التعبد بأصل وجود الشي‌ء.

واذا قيل بأن التعبد في قاعدة التجاوز انما هو بأصل وجود الجزء وليس بوجوده الصحيح.

كان الجواب : ان التعبد بأصل وجود الشي‌ء دون وجوده الصحيح لغو.

ولم يذكر الشيخ وجها للاستدلال على ذلك.

والميرزا قدس‌سره أورد على مختار الشيخ أربع مناقشات ثم أخذ‌

__________________

(١) أحد تلك المواضع ما يأتي : ٤٩ ، ٥٤.

(٢) راجع الرسائل : ٤١٤ من طبع رحمت الله.

٤٤

بدفعها فراجع أجود التقريرات (١).

٢ ـ ما اختاره الميرزا من ان المجعول من قبل الشارع هو قاعدة الفراغ فقط ، أي الحكم بصحة العمل بعد الفراغ منه ، غايته ان الشارع نزّل جزء العمل بمنزلة تمام العمل في الحكم بصحته وعدم الاعتناء بالشك من ناحيته.

وذكر في توجيه ذلك : ان موثقة ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه‌السلام تقول : «إذا شككت في شي‌ء من الوضوء وقد دخلت في غيره فليس شكك بشي‌ء انّما الشك إذا كنت في شي‌ء لم تجزه» (٢) ، والمستفاد من قوله : «إذا كنت في شي‌ء لم تجزه» ان المدار على الفراغ من الشي‌ء والخروج عنه من دون فرق بين الوضوء والصلاة ، فمتى ما فرغ المكلف من الشي‌ء بكامله فشكّه ليس بشي‌ء ، واذا لم يفرغ منه بالكامل فلا بدّ ان يعتني لشكه.

هذا ولكن في باب الصلاة بالخصوص ولمثل صحيحة زرارة الواردة في أجزاء الصلاة والتي قيل في آخرها : «كلّ شي‌ء شك فيه مما قد جاوزه ودخل في غيره فليمض عليه» استفدنا ان الشارع نزّل في خصوص باب الصلاة كلّ جزء منها منزلة تمام العمل في عدم الاعتناء بالشك بعد الانتهاء عنه ، وان كان المناسب لو لا التنزيل المذكور الاعتناء بالشك لفرض عدم الفراغ من العمل بالكامل (٣).

٣ ـ ما اختاره جمع من الأعلام منهم السيد الخوئي من أن‌

__________________

(١) أجود التقريرات ٢ : ٤٦٥ ـ ٤٦٧.

(٢) وسائل الشيعة : الباب ٤٢ من أبواب الوضوء ح ٢.

(٣) أجود التقريرات : ٤٦٨.

٤٥

المجعول من قبل الشارع هو قاعدة التجاوز فقط ، فالشارع حكم بأن الشك في وجود الجزء بعد تجاوز محله لا يعتنى به ، واما الشك في الصحة بعد الفراغ فهو مسبب دائما عن الشك في وجود الجزء أو الشرط للمركب ، فالتعبد بالصحة بعد الفراغ يرجع الى التعبد بمنشإ الصحة وهو وجود القيد المشكوك (١).

عالم الاثبات وعالم الثبوت‌

ثم ان البحث في وحدة القاعدتين وتعددهما تارة يلحظ بالنسبة الى عالم الثبوت بأن يقال : هل يمكن ثبوتا وواقعا اتحاد القاعدتين أو لا؟

وكلامنا السابق كان ناظرا الى هذا العالم. وتقدم ان الميرزا قال : المجعول هو قاعدة الفراغ فقط ، والسيد الخوئي قال : ان المجعول هو قاعدة التجاوز فقط.

وأخرى يلحظ بالنسبة الى عالم الاثبات والأدلة بأن يقال اننا لو رجعنا الى الروايات فهل يستفاد منها وحدة القاعدتين أو تعددهما.

وبلحاظ هذا العالم اختلف الميرزا والسيد الخوئي أيضا ، فالميرزا (٢) ذكر ما نصه : «ان روايات الباب آبية عن حملها على جعل قاعدتين مستقلتين ، فان الرجوع اليها يشرف الفقيه على القطع بكون المجعول فيها أمرا واحدا ينطبق على موارد الشك في الأجزاء والشك بعد العمل ، فان اتحاد التعبير في موارد الأخبار الواردة في موارد التجاوز عن الأجزاء والفراغ عن العمل يوجب القطع بوحدة القاعدة المجعولة ، فالمقصود هو ضرب قاعدة كلية وهو عدم الاعتناء بالشك‌

__________________

(١) مصباح الأصول ٣ : ٢٧١.

(٢) أجود التقريرات ٢ : ٤٦٧.

٤٦

في تحقق المشكوك بعد تجاوز محله من دون فرق بين كون المشكوك وجود الجزء بعد تجاوز محله أو الكل بعد الفراغ عنه».

بينما السيد الخوئي ذكر ما نصه : «المستفاد من ظواهر الأدلة كون القاعدتين مجعولتين بالاستقلال ، وان ملاك إحداهما غير ملاك الأخرى ، فان ملاك قاعدة الفراغ هو الشك في صحة الشي‌ء مع احراز وجوده ، وملاك قاعدة التجاوز هو الشك في وجود الشي‌ء بعد التجاوز عن محله» (١).

الصحيح من الاحتمالين‌

ولا يبعد كون الصحيح ما أفاده الشيخ الأعظم من كون المجعول قاعدة واحدة وهي البناء على صحة العمل الواقع خارجا أعم من كونه تمام العمل أو جزأه وأعم من كون الشك في أصل الوجود أو في صحة الموجود.

هكذا نقول. ولا نقول كما قاله الميرزا من كون المجعول هو قاعدة الفراغ فقط ، أي البناء على صحة تمام العمل ، كما ولا نقول بما ذكره السيد الخوئي من كون المجعول هو قاعدة التجاوز فقط والبناء على تحقق الوجود المشكوك.

أجل الشيخ الأعظم يظهر منه ان متعلق التعبد هو البناء على وجود العمل الصحيح بنحو مفاد كان التامة ، ونحن نقول : ان بالامكان ان يدعى ان متعلق التعبد هو البناء على صحة العمل الواقع بنحو مفاد كان الناقصة ، فلا يرد الاشكال بأن التعبد بوجود العمل الصحيح بنحو‌

__________________

(١) مصباح الأصول ٣ : ٢٧٩.

٤٧

مفاد كان التامة ليس محلا للآثار ، فان الآثار الشرعية مترتبة على صحة العمل الواقع لا على وجود العمل الصحيح.

وعلى أي حال : ان ظاهر الروايات هو ما أفاده الشيخ الأعظم ؛ خصوصا لو قرأنا موثقة محمد بن مسلم التي تقول : «كل ما مضى من صلاتك وطهورك فذكرته تذكرا فأمضه ولا إعادة عليك فيه» (١) فانها ظاهرة في لزوم البناء على الصحة في الجزء والكل معا.

٤ ـ عموم القاعدتين لغير الصلاة والوضوء‌

وقع البحث في عموم القاعدتين لغير باب الصلاة والوضوء ، فالحج مثلا هل يمكن تطبيق ذلك عليه؟ سؤال اختلفت الاجابة عنه.

والمناسب أن يقال : اما بالنسبة الى قاعدة الفراغ فينبغي الجزم بعمومها ، فان موثقة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام قالت : «كل ما شككت فيه مما قد مضى فامضه كما هو» (٢) ، تشمل بعمومها مثل الحج.

وهكذا موثقة بكير بن أعين «هو حين يتوضأ أذكر منه حين يشك» (٣) ، فان النكتة المذكورة للزوم الحكم بالصحة بعد الفراغ تعم مثل الحج.

وعليه فلا ينبغي التشكيك في عمومها لبقية العبادات غير الصلاة والوضوء ، بل يمكن ان يقال بشمول موثقة ابن مسلم لباب‌

__________________

(١) تقدم في : ٤٢.

(٢) المتقدمة في : ٤١.

(٣) المتقدمة في : ٤٢.

٤٨

المعاملات أيضا.

واما بالنسبة الى قاعدة التجاوز فيمكن أن يقال بعمومها أيضا فيما اذا بني على أحد الأمور التالية : ـ

أ ـ القول بوحدة القاعدتين بالشكل الذي أفاده الشيخ الأعظم قدس‌سره ، فانه بناء على ان الكبرى المجعولة فيهما واحدة ، وان الاختلاف بين قاعدة الفراغ والتجاوز ليس إلا من قبيل اختلاف مصاديق الشي‌ء الواحد ، انّه بناء على هذا يلزم بعد البناء على عمومية قاعدة الفراغ البناء على عمومية قاعدة التجاوز أيضا. وهذا من أحد ثمرات البحث عن تعدد القاعدتين ووحدتهما.

ب ـ القول بأن وجود القدر المتيقن في مقام التخاطب لا يمنع من انعقاد الاطلاق ، فانّه بناء عليه يمكن التمسك بإطلاق القاعدة التي ذكرها الامام عليه‌السلام في آخر صحيحة زرارة (١) حيث قال عليه‌السلام : «يا زرارة اذا خرجت من شي‌ء ثم دخلت في غيره فشكك ليس بشي‌ء».

ج ـ القول بوجود عموم لموثقة ابن مسلم : «كلّ ما شككت فيه مما قد مضى فامضه كما هو» للشك في صحة الجزء أو أصل وجوده وعدم اختصاصه بالشك في صحة المركب بعد الفراغ منه.

٥ ـ استثناء الوضوء من قاعدة التجاوز‌

بعد البناء على شمول قاعدة التجاوز لجميع العبادات وعدم اختصاصها بالصلاة نعود لنستدرك من ذلك الوضوء ، فإن من شك في‌

__________________

(١) المتقدمة في : ٤٠.

٤٩

الجزء السابق من الوضوء بعد الانتقال الى الجزء اللاحق يلزمه العود اليه والاتيان به بشكل صحيح ، سواء كان شكّه في أصل الاتيان به أو في صحته.

أجل اذا فرغ من الوضوء وطرأ عليه الشك بعد ذلك فلا يعتدّ بشكّه.

اذن الوضوء شذّ عن قاعدة التجاوز ولم يشذّ عن قاعدة الفراغ.

والمستند في استثناء الوضوء من قاعدة التجاوز صحيحة زرارة عن أبي جعفرعليه‌السلام قال : «اذا كنت قاعدا على وضوئك فلم تدر أغسلت ذراعيك أم لا فأعد عليهما وعلى جميع ما شككت فيه أنّك لم تغسله أو تمسحه مما سمى الله ما دمت في حال الوضوء ، فاذا قمت من الوضوء وفرغت منه وقد صرت الى حال أخرى في الصلاة أو في غيرها فشككت في بعض ما سمّى الله مما أوجب الله عليك فيه وضوءه لا شي‌ء عليك فيه ...» (١).

__________________

(١) وسائل الشيعة : الباب ٤٢ من أبواب الوضوء ح ١.

وهي صحيحة السند لأن الحر العاملي رواها هكذا : محمد بن الحسن عن المفيد عن أحمد بن محمد عن أبيه عن أحمد بن إدريس وسعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن حماد عن حريز عن زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام.

اما محمد بن الحسن فهو الشيخ الطوسي وهو غني عن التعريف.

واما المفيد فهو غني عن التعريف أيضا.

وأما أحمد بن محمد فهو أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد الذي هو من مشايخ المفيد ، ولم يذكر في حقه توثيق ، ولذلك وقع محلا للكلام.

واما محمد بن الحسن بن الوليد فهو «شيخ القميين وفقيههم ومتقدمهم ووجههم» على ما قال النجاشي.

وأما أحمد بن إدريس وسعد بن عبد الله فيكفينا وثاقة أحدهما ، ومن حسن الصدفة وثاقة‌

٥٠

الوضوء وقاعدة الفراغ‌

وبعد أن عرفنا عدم جريان قاعدة التجاوز في باب الوضوء فهل الأمر في قاعدة الفراغ كذلك ، أي لا تجري في الوضوء كما لم تجر قاعدة التجاوز؟

المناسب جريانها لعدم الموجب لاستثناء الوضوء من عمومها ، والمفروض ان عمومها ـ المستفاد من موثقة محمد بن مسلم كل ما شككت فيه مما قد مضى فامضه كما هو (١) ـ شامل للوضوء.

الغسل والتيمم‌

وهل الغسل والتيمم ملحقان بالوضوء في عدم جريان قاعدة التجاوز في أجزائهما؟

المنسوب الى الشيخ الأعظم الإلحاق بتقريب ان النكتة التي من أجلها لم تجر قاعدة التجاوز في الوضوء هي ان الواجب في باب الوضوء هو الطهارة المسببة عن الغسلات والمسحات ، والغسلات والمسحات ما هي إلاّ محصّل لتحقق الطهارة، وحيث ان الطهارة الواجبة‌

__________________

(١) كليهما فان أحمد بن ادريس هو المكنى بأبي علي الأشعري الذي قال النجاشي عنه «كان ثقة فقيها في أصحابنا كثير الحديث صحيح الرواية» وهو شيخ الكليني ، وقد أكثر في الكافي الرواية عنه.

وسعد بن عبد الله قد تقدمت الإشارة له ص ٢٣.

واما أحمد بن محمد فهو أحمد بن محمد بن عيسى ، وقد تقدمت الاشارة له وبقية رجال السند ص٢٤.

ثم ان الرواية لها سند ثان ذكره الحر العاملي آخر الرواية. ولئن كانت هي بهذا السند قابلة للتشكيك في صحتها من ناحية أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد ولكنها بالسند الثاني صحيحة.

(١) راجع : ٤١.

٥١

أمر بسيط وليست مركبة من أجزاء فلذا لم يجر الشارع فيها قاعدة التجاوز.

وان شئت قلت : اذا أريد اجراء قاعدة التجاوز في باب الوضوء ففيم تجري؟هل تجري في نفس الطهارة ، وهذا لا معنى له لأنها أمر بسيط ، أو في الغسلات والمسحات ، وهذا لا معنى له أيضا لأنها ليست بنفسها واجبة بل هي محصلة للواجب. وعليه فالشك في حصول بعض الغسلات والمسحات يستلزم الشك في تمامية تحقق المحصّل للواجب ، وواضح ان الشك في المحصّل مجرى للاحتياط.

هذه هي النكتة التي من أجلها لم تجر قاعدة التجاوز في الوضوء ، وهي عامة للتيمم والغسل أيضا ولا تختص بالوضوء ، ومعه فالمناسب عدم جريان قاعدة التجاوز في الغسل والتيمم أيضا.

والصحيح عدم إلحاق الغسل والتيمم بالوضوء لأنّه حتى لو سلمنا بالمبنى الذي يرتكز عليه هذا البيان وهو ان الواجب في باب الطهارات الثلاث هو الطهارة المسببة دون نفس الغسلات والمسحات ، فبالامكان ان نقول ان كون الغسلات والمسحات محصلا للطهارة الواجبة وليست بنفسها مركز الوجوب لا يشكّل مانعا من جريان قاعدة التجاوز فيها ، لأن مجرد كونها ليست واجبة بل محصلة للواجب لا يمنع من جريان القاعدة فيها.

ومعه فاذا كان لدليل قاعدة التجاوز اطلاق يشمل الغسل والتيمم ـ كما هو المفروض ـ فلا ينبغي التوقف عن إعمالها فيهما.

واذا قلت : إذا لم يكن ما ذكر صالحا لتشكيل مانع من جريان قاعدة التجاوز في الوضوء فلما ذا اذن لم يجر الشارع قاعدة التجاوز‌

٥٢

في الوضوء.

كان الجواب : ان ذلك لنكتة لا يلزم أن نكون مطلعين عليها.

٦ ـ وهل يعتبر الدخول في الغير؟

وقع الكلام في انه هل يلزم لجريان قاعدة التجاوز والفراغ الدخول في الغير؟ فمن شك في الركوع وبعد لم يسجد هل تجري في حقه قاعدة التجاوز؟ ومن شك في صحة الكل أو صحة الجزء وبعد لم يدخل في غيره هل تجري في حقه قاعدة الفراغ؟

والجواب : اما بالنسبة الى قاعدة التجاوز ـ أي الشك في الاتيان بالجزء السابق ـ فلا اشكال في اعتبار الدخول في الجزء اللاحق لصراحة صحيحة زرارة المتقدمة في ذلك حيث قال عليه‌السلام في آخرها : «اذا خرجت من شي‌ء ثم دخلت في غيره فشكك ليس بشي‌ء» (١).

واما بالنسبة الى قاعدة الفراغ فقد يقال باعتبار الدخول في الغير أيضا ، فمن شك في صحة الجزء السابق ـ الذي يجزم بتحققه ـ فلا يجوز أن يا بني على صحته إلا بعد الدخول في الجزء اللاحق.

ويمكن توجيه ذلك بعدّة وجوه نذكر اثنين منها :

أ ـ ما أفاده الشيخ النائيني من ان عنوان المضي هو من قبيل الكلي المشكك فصدقه مع عدم الدخول في الغير ليس في درجة صدقه مع الدخول في الغير بل صدقه مع فرض الدخول في الغير أوضح ،

__________________

(١) المتقدمة : ٤٠.

٥٣

ومعه فلا يكون المضي مع عدم الدخول في الغير مشمولا لأدلّة قاعدة الفراغ لانصراف المطلق عنه ، ولا أقل من كون حالة الدخول في الغير هي القدر المتيقن في مقام التخاطب (١).

وفيه : ان اختلاف الأفراد في درجة الوضوح لا يمنع من شمول الدليل لجميعها ، فمثلا صدق العالم على الأكثر علما أوضح من صدقه على الأقلّ علما ولكن ذلك لا يمنع من شمول أكرم العالم لجميع الأفراد.

أجل اذا كان صدق العنوان على بعض الأفراد خفيا جدا أمكن أن يكون ذلك موجبا للانصراف عنه ، اما اذا لم يفرض مثل هذا الخفاء وانما كان الصدق على البعض أوضح وأظهر فلا يمنع ذلك من الشمول له.

ب ـ انه حيث اعتبر في قاعدة التجاوز الدخول في الغير فيلزم أن يكون ذلك معتبرا في قاعدة الفراغ أيضا بناء على وحدة القاعدتين وعدم اختلافهما في المجعول.

وهذا ما يمكن عدّه من أحد ثمرات البحث عن وحدة القاعدتين وتعددهما.

وفيه : ان قاعدة التجاوز لو كان يعتبر فيها الدخول في الغير فاعتباره في قاعدة الفراغ جيد ، لاستظهار وحدة القاعدتين ، إلا ان اعتبار ذلك في قاعدة التجاوز محل تأمل.

والوجه في ذلك : ان الملاك لعدم الاعتناء بالشك هو المضي عن الشي‌ء ، فإن موثقة محمد بن مسلم قالت : «كل ما مضى وشككت فيه ...»

__________________

(١) أجود التقريرات ٢ : ٤٧١.

٥٤

بيد ان المضي عن الشي‌ء يختلف محققه باختلاف كون الشك في أصل وجود الشي‌ء أو في صحته ، فمتى ما كان الشك في أصل وجود الشي‌ء فالمضي عنه لا يتحقق إلا بالانتقال الى الجزء المتأخر عنه ، إذ ما دام أصل وجود الشي‌ء مشكوكا فكيف يصدق المضي عن الشي‌ء؟ انه لا يصدق إلا باعتبار المضي عن محله ـ وإلا فالمضي عنه نفسه لا يمكن صدقه ما دام أصل وجوده مشكوكا ـ والمضي عن محل الجزء لا يتحقق إلا بالدخول في الجزء اللاحق.

ومن هنا اعتبر في قاعدة التجاوز ـ أي عند الشك في أصل تحقق الجزء ـ الدخول في الجزء اللاحق.

ان اعتبار ذلك ليس لاعتبار الدخول في الجزء اللاحق بعنوانه بل لكون ذلك طريقا لتحقق المضي.

هذا في قاعدة التجاوز.

واما بالنسبة الى قاعدة الفراغ ـ أي الشك في صحة الشي‌ء المتحقق سواء كان جزءا أم لا ـ فبما ان الشي‌ء المشكوك صحته يتيقن بوجوده فالمضي عنه لا يتوقف صدقه على الدخول في جزء لاحق بل بالانتهاء عنه يصدق المضي.

والخلاصة : ان الشارع ألغى الشك بعد المضي عن الشي‌ء ولم يعتبر في إلغاء الشك سوى المضي عن الشي‌ء ، إلا ان تحقق المضي عن الشي‌ء يختلف باختلاف كون الشك في أصل الوجود وكونه في صحة الشي‌ء الموجود ، فعدم الاعتناء بالشك في أصل الوجود يشترط فيه الدخول في الجزء اللاحق ، لأنّه لا يصدق المضي إلا بذلك ، بينما عدم الاعتناء بالشك في صحة الموجود لا يلزم فيه ذلك لصدق‌

٥٥

المضي بدونه.

وهذه من النكات المهمة التي يلزم الالتفات اليها ، وهي انه في قاعدة التجاوز يعتبر الدخول في الغير ، بخلافه في قاعدة الفراغ فانّه لا يعتبر ذلك بالرغم من وحدة القاعدتين ، وما ذاك إلا للبيان المتقدم.

٧ ـ ما المراد من الغير؟

ذكرنا ان شرط جريان قاعدة التجاوز ـ أي عدم الاعتناء بالشك في أصل الوجود ـ الدخول في الجزء الثاني ، وليس ذلك إلاّ من باب توقف تحقق المضي عليه. وهنا نتساءل عن ذلك الغير.

وفي هذا المجال نطرح عدّة أسئلة لنجيب عنها : ـ

الدخول في جزء الجزء :

أ ـ من شك في القراءة بعد الدخول في الركوع لا يعتني بشكه ، لأنّه شك في الجزء السابق بعد الدخول في الجزء اللاحق. ونسأل عمّن شك في الحمد بعد الدخول في السورة فهل لا يعتني لشكه أيضا بعد الالتفات الى ان مجموع القراءة جزء واحد وليست الفاتحة جزءا مستقلا في مقابل السورة؟ نعم لا يعتني لشكه ؛ لأن عنوان المضي صادق.

هذا مضافا إلى ان مجموع القراءة اذا كان جزءا فأبعاضه أجزاء أيضا. ولم يفرض في قاعدة «اذا خرجت من شي‌ء ودخلت في غيره ...» ‌ان يكون الشي‌ء جزءا مستقلا.

لا يقال : ان صحيحة زرارة مثّلت بالشك في القراءة بعد الدخول في الركوع ، ولم تمثّل بالشك في ابعاض القراءة.

فانه يقال : ان ذلك من باب فرض الشك في مجموع القراءة ، وهذا‌

٥٦

لا يدلّ على عدم صحة الفروض الاخرى ؛ خصوصا اذا التفتنا الى ان الأمثلة قد ذكرت في كلام زرارة دون الامام عليه‌السلام.

ثم ان من الغريب ما نسب الى جماعة ؛ منهم الشهيد الثاني ، والميرزا (١) من اعتبار الدخول في الأجزاء المستقلة ، ولا يكفي الدخول في أجزاء الأجزاء.

ووجه الغرابة : ان ذلك خلف اطلاق كلمة الجزء المذكورة في صحيحة زرارة. وسيأتي تقريب الميرزا لعدم الشمول.

الدخول في آية أخرى‌

ب ـ هل الشك في آية بعد الدخول في آية أخرى لا يعتنى به أيضا؟

ذكر الميرزا في أجود التقريرات (٢) عدم جريان قاعدة التجاوز في مثل ذلك ، لأن المجعول حسب مبناه هو قاعدة الفراغ فقط ، أي عدم الاعتناء بالشك بعد الفراغ من تمام المركب ؛ غايته ان الشارع نزّل أجزاء المركب منزلة تمام المركب في عدم الاعتناء بالشك بعده ، والقدر المتيقن من التنزيل المذكور هو تنزيل الأجزاء المستقلة كما تشهد به الأمثلة.

وفيه : انه لو سلم المبنى فيمكن ان يقال : ان اطلاق كلمة «شي‌ء» في صحيحة زرارة شامل للجزء غير المستقل ، وبذلك يثبت التنزيل في الأجزاء غير المستقلة أيضا.

__________________

(١) أجود التقريرات ٢ : ٤٧٣.

(٢) أجود التقريرات ٢ : ٤٧٥.

٥٧

الدخول في كلمة ثانية‌

ج ـ اذا شك في كلمة بعد الدخول في كلمة أخرى فهل لا يعتنى للشك أيضا؟

والجواب : ان لفظ «شي‌ء» وان كان صادقا على الكلمة بحسب الدقة ، إلا انه منصرف عنها عرفا. وأولى من ذلك الشك في الحرف السابق بعد الدخول في حرف جديد ، فان الانصراف فيه أوضح.

هذا كلّه لو لاحظنا القاعدة المذكورة في صحيحة زرارة بلسان «كلما دخلت في شي‌ء وخرجت ...» ، واما لو لاحظنا موثقة محمد بن مسلم التي تقول «كلّ ما مضى وشككت ...» فالأمر أوضح ، لعدم صدق المضي عرفا في مثل الحالات المذكورة.

الدخول في الأجزاء المستحبة‌

د ـ اذا شك في بعض الأجزاء الواجبة السابقة بعد الدخول في بعض الأجزاء المستحبة ـ كمن شك في القراءة بعد الدخول في القنوت ـ فهل يمكن التمسك بقاعدة التجاوز؟

ذكر السيد اليزدي في العروة الوثقى ، ووافقه جملة من المحشين ، عدم الاعتناء بالشك.

وفي مقابل ذلك ذهب جماعة منهم السيد الخوئي الى عدم الاعتداد بالدخول في الجزء المستحب.

ويمكن توجيه ذلك حسبما يستفاد من مصباح الاصول (١) بالبيانين التاليين (٢) : ـ

__________________

(١) مصباح الاصول ٣ : ٣٠٠.

(٢) وقد أشير الى البيان الثاني في المستند ٦ : ١٣١.

٥٨

البيان الأول‌

ان الجزء المستحب ليس معقولا في نفسه ، بل الجزء اما أن يكون واجبا أو لا يكون جزءا أصلا ، اما كونه جزءا مستحبا فهو غير معقول ، لأن القنوت مثلا ان كان مقوما لماهية الصلاة ومعتبرا فيها فهو واجب ، وإلا لم يكن جزءا أصلا.

وعليه فإطلاق الجزء على مثل القنوت المستحب مشتمل على المسامحة. وواقع الحال هو ان مثل القنوت مأمور به بأمر استحبابي مستقل ، غاية الأمر هو مستحب في ظرف الصلاة وبعد القراءة في الركعة الثانية فهو مستحب باستحباب نفسي في ظرف الواجب ، ومعه فيكون الدخول فيه كالدخول في أي فعل آخر ليس هو جزء من الصلاة ، فكما انه لا يتحقق التجاوز عن المحل بذلك كذلك في المقام.

وفيه : ان مرتبة القنوت ما دام قد قررها الشارع بعد مرتبة القراءة ، فالداخل في القنوت بعد شكّه في القراءة يصدق عليه انه دخل في غيره.

ودعوى : انه لا يكفي مطلق الدخول في الغير إلاّ فيما اذا كان جزءا.

مدفوعة : بان اعتبار كون الغير جزءا غير لازم بعد ما قرر الشارع له محلا متأخرا عن القراءة.

هذا كلّه اذا سلمنا المبنى المتقدم والحال انه قابل للمناقشة ، لأن ما ذكر خاص بالمركبات الحقيقية ، واما الاعتبارية كالصلاة مثلا فيمكن افتراض كون الشي‌ء دخيلا في الماهية بدرجة ضعيفة تقتضي الاستحباب دون اللزوم ؛ فان الاعتبار سهل المؤونة. كيف وفي المركبات الاعتبارية سلم بامكان أن يكون الشي‌ء جزءا للواجب حالة‌

٥٩

وجوده وليس بجزء حالة عدمه ـ كما في التشهد فانه جزء حالة وجوده وليس بجزء حالة تركه نسيانا ـ ولازم ذلك بالأولوية امكان أن يكون الشي‌ء دخيلا في المركب الاعتباري بدرجة ضعيفة تستدعي صيرورته جزءا مستحبا لا واجبا.

البيان الثاني‌

ان مثل القنوت وان اعتبر تأخره عن القراءة ، إلا ان القراءة لم يعتبر تقدمها على القنوت ، إذ ليس من شرط صحة القراءة ان تتقدم على القنوت ، وإلا يلزم عدم صحة القراءة فيما اذا لم يتعقبها القنوت.

ومع عدم اشتراط تعقب القراءة بالقنوت فالآتي بالقنوت لا يصدق عليه انه قد تجاوز عن محل القراءة ، إذ محلها غير مشروط بكونه قبل القنوت.

واذا قال قائل : انه بالرغم من ذلك يصدق التجاوز والدخول في الغير.

قلنا له : ان لازم هذا ان المكلف لو كان مشغولا بالتعقيب وشك في انه هل صلّى صلاة الظهر أو لا ، فبالامكان تطبيق قاعدة التجاوز والحكم عليه بعدم لزوم الاتيان بالظهر ، لأن محل التعقيب متأخر عن الصلاة وان كانت هي غير مشروطة بالتقدم عليه.

وهكذا لو كان المكلف قد دخل في العصر وهو شاك هل أتى بالظهر أو لا ، انه يلزم الحكم بالاتيان بالظهر ، لأن العصر متأخرة عن الظهر وان كانت الظهر غير مشروطة بالتقدم على العصر.

وفيه : ان الشارع ما دام قد أعطى للقنوت رتبة متأخرة عن القراءة فالآتي به يصدق عليه انّه دخل في غيره وقد تجاوز عن محل القراءة.

٦٠