دروس تمهيديّة في القواعد الفقهيّة - ج ١

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

دروس تمهيديّة في القواعد الفقهيّة - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الفقه للطباعة والنشر
الطبعة: ٥
ISBN: 964-499-038-2
ISBN الدورة:
964-91559-2-9

الصفحات: ٢١٤
الجزء ١ الجزء ٢

توجد في باب الصلاة عدّة قواعد ؛ من قبيل قاعدة لا تعاد ، وقاعدة الفراغ والتجاوز ، وقاعدة الحيلولة ، وقاعدة لا شك لكثير الشك ، وقاعدة عدم تحمل الركعتين الأوليين للسهو و ....

ونحن ننتخب الآن أهمها ، وهما قاعدتان : قاعدة لا تعاد، وقاعدة الفراغ والتجاوز.

ونمنهج حديثنا حول قاعدة لا تعاد ضمن النقاط التالية :

١ ـ مضمون القاعدة.

٢ ـ مدرك القاعدة.

٣ ـ عدم شمول القاعدة للعامد.

٤ ـ هل تختص بالناسي؟

٥ ـ هل تعمّ الجاهل بكلا قسميه؟

٦ ـ معذورية العامد في بعض الحالات.

٧ ـ هل تختص القاعدة بحالة الفراغ؟

٢١

٨ ـ عموم القاعدة لحالة الزيادة.

٩ ـ نكتة عدم الاشارة الى بعض الأركان.

١٠ ـ ما المراد بالطهور؟

١١ ـ هل تعمّ القاعدة الموانع؟

١٢ ـ تطبيقات على ضوء قاعدة لا تعاد.

١ ـ مضمون القاعدة‌

والمقصود من قاعدة لا تعاد : ان من ترك بعض أجزاء الصلاة وشرائطها فصلاته لا تبطل ، إلاّ إذا كان الجزء أو الشرط من قبيل الركوع والسجود والطهارة من الحدث والقبلة والوقت.

ان الاخلال اذا كان بواحد من هذه الخمسة فالصلاة تبطل ، حتى ولو كان الاخلال عن سهو أو جهل ، اما اذا كان بغيرها فلا تبطل.

وان شئت قلت : ان الاخلال اذا كان بأحد الأركان فالصلاة تبطل وإلاّ فلا.

واذا قلت : ان التكبير والقيام هما من الأركان أيضا فلما ذا لم يذكرا؟ كما ان الطهارة والقبلة والوقت ليسا من الأركان فلما ذا ذكرت؟

قلت : ان الجواب يأتي فيما بعد ان شاء الله تعالى.

٢ ـ مدرك القاعدة‌

والمدرك للقاعدة المذكورة هو صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام والتي رواها الصدوق في خصاله تارة ، وفي الفقيه أخرى ، كما رواها الشيخ الطوسي في تهذيبه.

٢٢

ففي الخصال رواها الصدوق عن أبيه عن سعد عن أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن حمّاد بن عيسى عن حريز عن زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام «قال : لا تعاد الصلاة إلاّ من خمسة : الطهور والوقت والقبلة والركوع والسجود. ثم قال عليه‌السلام: القراءة سنة ، والتشهد سنة ، والتكبير سنة ، ولا تنقض السنّة الفريضة» (١).

وفي الفقيه قال : «وروى زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام انّه قال : لا تعاد الصلاة إلاّ من خمسة : الطهور والوقت والقبلة والركوع والسجود ، ثم قال : القراءة سنّة ، والتشهد سنّة ، ولا تنقض السنّة الفريضة» (٢).

وفي التهذيب : «روى زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام انّه قال : لا تعاد الصلاة إلاّ من خمسة : الطهور والوقت والقبلة والركوع والسجود. ثم قال : القراءة سنّة ، والتشهد سنّة ، فلا تنقض السنّة الفريضة» (٣).

والرواية صحيحة السند ، فانها بطريق الشيخ وان كانت قابلة للتأمل (٤) إلاّ انها بكلا طريقي الصدوق هي معتبرة (٥). ويكفينا لاعتبار‌

__________________

(١) الوسائل ، الباب ١ من أفعال الصلاة ح ١٤.

(٢) الفقيه ١ : ٢٥٥.

(٣) التهذيب ٢ : ١٥٢.

(٤) لأن الطريق الذي ذكره الشيخ الى زرارة في الفهرست : ٧٥ يمرّ بابن أبي عمير عن بعض أصحابه حيث قال «أخبرنا به ابن أبي جيد عن ابن الوليد عن سعد بن عبد الله والحميري عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي عن أبيه عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابه عنه».

هذا مضافا الى ان زرارة لم يكن له إلاّ كتاب واحد وهو كتاب الاستطاعة والجبر. والشيخ حينما يذكر طريقه في الفهرست الى زرارة يذكر طريقه الى هذا الكتاب. ومن البعيد أن الرواية المذكورة موجودة فيه. وعلى هذا فالرواية مرسلة.

(٥) اما طريق الخصال فواضح لأن وثاقة نفس الصدوق ووالده أبين من الشمس.

واما سعد فهو كما قال النجاشي : «شيخ هذه الطائفة وفقيهها ووجهها».

٢٣

الرواية صحّة أحد طرقها.

توضيح اجمالي‌

ورد في الرواية التعبير ب «السنة» و«الفريضة». ويراد من مصطلح السنّة عادة ما سنّه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وشرّعه ، ومن مصطلح الفريضة ما شرّعه الله سبحانه وفرضه.

وعلى هذا فالمعنى ان الركوع وبقية الخمسة واجبات فرضها الله سبحانه في حين أن بقية الأجزاء سنّها وشرّعها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. وأي خلل يقع فيما فرضه الله سبحانه تبطل به الصلاة ، بينما الخلل الواقع فيما سنّه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا تبطل به الصلاة ولا يؤثر على صحّة ما فرضه الله سبحانه.

وهناك باب خاص قد عقده الشيخ الكليني في الكافي (١) تحت عنوان «باب التفويض إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإلى الأئمة عليهم‌السلام في أمر‌

__________________

وأما أحمد بن محمد بن عيسى فهو كما قال الشيخ الطوسي : «شيخ قم ووجيها وفقيهها غير مدافع».

«واما الحسين بن سعيد فهو كما قال الشيخ «صاحب المصنفات الأهوازي ثقة».

«واما حماد فهو غريق الجحفة والذي قال عنه النجاشي «كان ثقة في حديثه صدوقا».

وأما حريز فهو ثقة كوفي على حد تعبير الشيخ.

واما زرارة فهو شيخ أصحابنا في زمانه ومتقدمهم على حدّ تعبير النجاشي.

هذا بالنسبة الى طريق الخصال.

واما طريق الفقيه فقد ذكر الصدوق في المشيخة المذكورة آخر الجزء الرابع من الفقيه هكذا : أبي رضي‌الله‌عنه عن عبد الله بن جعفر الحميري عن محمد بن عيسى بن عبيد والحسن بن ظريف وعلي بن اسماعيل بن عيسى كلّهم عن حمّاد بن عيسى عن حريز بن عبد الله عن زرارة بن أعين. وجميع السلسلة المذكورة هم من الثقات.

(١) الكافي ١ : ٢٦٥.

٢٤

الدين» يدلّ على ثبوت السلطة التشريعية للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

٣ ـ عدم شمول الحديث للعامد‌

ينبغي أن يكون من الواضحات عدم شمول الحديث للمتعمد ترك الجزء أو الشرط ، فان عدم وجوب الاعادة خلف فرض الجزئية والشرطية ، إذ كيف تجتمع جزئية الشي‌ء وشرطيته مع عدم بطلان العمل بتركه عمدا.

هذا مضافا الى انصراف التعبير ب «لا تعاد» إلى من اعتقد اتيانه الصلاة بكامل متطلباتها ثمّ التفت بعد ذلك الى وقوع الخلل فيها.

ومن الغريب ما نقله الميرزا في تقريرات صلاة تلميذه الكاظمي (١) من ذهاب بعض الى شمول الحديث في نفسه لكلّ مكلّف ، غايته ان العامد خرج بالإجماع حيث قام على بطلان صلاته (٢).

٤ ـ هل تختص بالناسي‌

لا اشكال في ان القدر المتيقن من الحديث هو الناسي ، وانما الكلام وقع في شمولاه للجاهل.

اختار جمع ؛ منهم الميرزا قدس‌سره الاختصاص بالناسي وقرّب ذلك على ما في تقريرات الصلاة لتلميذه الكاظمي (٣) بأن الجاهل حيث لم‌

__________________

(١) التقريرات ٢ : ١٩٣.

(٢) وفي القواعد الفقهية للسيد البجنوردي ١ : ٦٢ نسبة دعوى امكان شمول الحديث للعامد الى الشيخ محمد تقي الشيرازي قدس‌سره.

(٣) التقريرات ٢ : ١٩٤.

٢٥

يأت بالواجب الثابت عليه واقعا فلا يخاطب بخطاب أعد أو لا تعد ، بل بخطاب ائت بالسورة أو بالتشهد أو ... وهذا بخلاف الناسي فانّه حيث لا يكون مكلّفا حالة النسيان بما نساه لعدم امكان تكليف الناسي ـ من جهة عدم قدرته على فعل المنسي حالة نسيانه ، وهذا بخلاف الجاهل فإن جهله لا يسلب قدرته على فعل الجزء ـ فمن المناسب توجيه الأمر بالإعادة له ، فيقال له : أعد أو لا تعد (١).

وفيه : انه بناء على هذه التدقيقات يلزم عدم شمول الحديث للناسي أيضا ، لأنّه ما دام لم يكلف بالسورة التي نساها فلا معنى لأن يقال له : أعد ، فإن الأمر بالإعادة فرع وجود أمر سابق.

والصحيح شمول الحديث للجاهل ، لأنّه نسب الإعادة إلى الصلاة فقال لا تعاد الصلاة ، ومن الواضح ان الصلاة حيث أتي بها أولا بلا سورة مثلا ، فمن الوجيه حينئذ التعبير بالإعادة نظرا إلى الاتيان بها سابقا.

٥ ـ هل تعمّ الجاهل بكلا قسميه‌

بعد التسليم بشمول الحديث للجاهل نسأل هل هو خاص بالجاهل القاصر أو يعمّ المقصّر أيضا؟

ذكر السيد الخوئي في المستند (٢) انّه خاص بالقاصر لأن ظاهره التعرّض لحكم من هو معذور وليس مكلفا بشي‌ء لو لا اتضاح الحال له‌

__________________

(١) وقد نقل السيد الخوئي التقريب المذكور عن الميرزا فراجع التنقيح ١ : ٥٠ ، وفقه الشيعة ١ : ٢٢٥ ، والمستند ٦ : ١٧.

(٢) المستند ٦ : ١٨.

٢٦

وانه لم يأت ببعض الأجزاء ، ومن الواضح ان الجاهل المقصّر تجب عليه الإعادة بحكم العقل سواء انكشف له الخلاف أم لا ، لتنجز التكليف الواقعي عليه وعدم كونه معذورا بعد فرض تقصيره.

وفيه : انه لا فرق بين المقصر والقاصر ، فانّه بعد انكشاف الخلاف وانه لم يؤت ببعض الأجزاء فمن اللازم عليهما معا الإعادة ، وقبل انكشاف الخلاف لا يجب عليهما الإعادة فيما اذا كانا قاطعين بالتمامية.

أجل الفرق بينهما يظهر في الجاهل البسيط بمعنى المتردد ، فان المقصّر يلزمه التعلم بخلاف القاصر فانه لا يلزمه ، وإلاّ لم يكن قاصرا ، إلاّ ان هذا مطلب آخر لا ربط له بما نحن فيه.

وقد يقال بعدم الشمول للجاهل المقصّر بتقريب ان الحديث لو شمله كما شمل القاصر يلزم اختصاص الأحكام بخصوص العالمين بها وهو خلف فرض ضرورة الاشتراك.

وفيه : ان عدم الاشتراك لا محذور فيه بعد دلالة الدليل عليه ـ وهو اطلاق حديث لا تعاد ـ كما لم يكن فيه محذور في مثل مسألة الجهر والاخفات والقصر والتمام.

على ان عدم وجوب الإعادة لعلّه من باب الاكتفاء بالناقص عن التام في مقام الامتثال ، وليس من باب اختصاص الحكم ابتداء بالعالم.

وعليه فدعوى الشمول للجاهل المقصّر أمر وجيه لو لا شبهة الاجماع على عدم معذورية الجاهل المقصّر من هذه الناحية.

ويؤيد الاجماع حكمهم بتخصيص معذورية الجاهل بخصوص مسألة الجهر والاخفات والقصر والتمام ، فان ذلك يدلّ على عدم‌

٢٧

معذوريته في غير ذلك.

٦ ـ معذورية العامد في بعض الحالات‌

ذكرنا ان الحديث لا يشمل العامد. ونستدرك الآن لنقول : ان الحديث يشمل العامد فيما اذا كان إخلاله العمدي عن عذر ، كما لو اقتدى بشخص باعتقاد انّه عادل وترك قراءة الحمد والسورة ، ثم اتضح انّه فاسق ؛ ان ترك القراءة في هذه الحالة عمدي ، إلاّ انّه عن عذر حيث تخيّل عدالة الامام وتحمله القراءة.

وهكذا لو كان المكلف يصلّي منفردا فأتى في الركعة الثانية بالتسبيحات بتخيل انها الركعة الثالثة.

أو اقتدى بشخص بتخيل انّه يصلّي فريضة فاتضح انّه يصلّي نافلة ، فان الصلاة محكومة في الحالات المذكورة بالصحة ، إذ الخلل اما من ناحية نيّة الاقتداء بمن لا يصح الاقتداء به ، أو من ناحية ترك القراءة عن عمد واختيار ، وكلاهما لا يضرّ لقاعدة لا تعاد.

ثم ان الوجه في شمول الحديث لحالة الترك العمدي عن عذر هو ان ما تقدّم من الوجهين السابقين لعدم الشمول لحالة العمد لا يعمّ الحالة المذكورة ، فالمنافاة مع جزئية الجزء أو شرطية الشرط لا تلزم ، كما ان الانصراف المدعى لا يتم هنا.

٧ ـ هل تختص القاعدة بحالة الفراغ‌

تارة يصلّي المكلف وبعد الفراغ منها يتضح له الخلل فيها بترك جزء أو شرط ، كما اذا انكشف له عدم ستر عورته ، وأخرى يتضح له‌

٢٨

ذلك في أثناء العمل.

أما الحالة الأولى فهي القدر المتيقن من الحديث.

واما الحالة الثانية فقد يقال بعدم شمول الحديث لها ، لأن التعبير بالإعادة يدلّ على ضرورة الفراغ من العمل وإلاّ فلا معنى للإعادة وعدمها. وهكذا التعبير بالصلاة يدلّ على إرادة تمام الصلاة.

وفيه : ان لفظ الصلاة كما يصدق على المجموع يصدق على البعض أيضا ، فيقال مثلا : لا تتكلم في صلاتك ، أي أثناءها وقبل اكمالها.

والتعبير بإعادة الصلاة كما يصح بلحاظ تمام الصلاة ، كذلك يصح بلحاظ بعضها.

وعليه فمقتضى اطلاق الحديث شمولاه للحالة الثانية أيضا وعدم اختصاصه بالاولى.

٨ ـ عموم القاعدة لحالة الزيادة‌

تارة يكون الاخلال في الصلاة بسبب ترك جزء أو شرط وأخرى يكون بسبب زيادة ذلك.

والقدر المتيقن من الحديث هو الأول. وقد وقع الاختلاف في شمولاه لحالة الزيادة فقيل بعدم الشمول ، لأن ثلاثة من الخمسة ـ وهي الوقت والقبلة والطهور ـ لا يتصور فيها الزيادة.

والصحيح هو الشمول.

اما بناء على ما هو المعروف من ان حذف المتعلق يدلّ على العموم فالأمر واضح ، إذ الحديث لم يقل : لا تعاد الصلاة من النقيصة إلاّ في خمسة ، بل حذف المتعلق وقال : لا تعاد الصلاة إلاّ من خمسة.

٢٩

واما بناء على التشكيك في دلالة حذف المتعلق على العموم فيمكن التمسك بعموم التعليل وان السنة لا تنقض الفريضة ، ان هذا التعليل لا يتناسب وخصوص النقيصة بل يلتئم مع الزيادة أيضا ، وواضح ان عموم التعليل قرينة على عموم الحكم المعلل وعدم اختصاصه بحالة النقيصة.

ومن الغريب ما ذكره بعض (١) من ان التعليل يدلّ على الاختصاص بالنقيصة إذ المقصود منه ان الأجزاء التي فرضها الله سبحانه متى ما تحققت فلا يضرّ فقد غيرها.

وفيه : ان تفسير التعليل بهذا الشكل الضيق تفسير لا وجه له.

واما ما استدلّ به من ان ثلاثة من الخمسة لا يتصور فيه الزيادة فيمكن دفعه بأن ذلك قرينة على عدم إرادة الزيادة في خصوص الثلاثة المذكورة ، ولا يصلح قرينة على عدم إرادتها في مطلق الخمسة.

٩ ـ نكتة عدم الاشارة لبعض الأركان‌

نحن نعرف ان الأركان لا تختص بالركوع والسجود ، بل النيّة والتكبير والقيام هي من جملة الأركان أيضا ، فلما ذا لم يشر لها الحديث؟

ونعرف ان الوقت والقبلة والطهارة من الحدث ليست من الأركان فلما ذا لم يذكرها الفقهاء من جملة الأركان بالرغم من ذكر الحديث لها؟

والجواب : أما بالنسبة الى نكتة الاقتصار على الركوع والسجود‌

__________________

(١) وهو الشيخ ناصر مكارم في قواعده الفقهية ١ : ٥٢٧.

٣٠

فلعل ذلك من جهة ان العمل من دون نيّة لا يصدق عليه صلاة ، فالمكلّف اذا لم ينو الصلاة لا يصدق انه دخل في الصلاة حتى يحكم عليه بإعادة الصلاة ، واذا لم يكبّر لم يتحقق منه الدخول في الصلاة حتى يحكم عليه بالإعادة أو بعدمها.

واما القيام فالمعروف ان الركن منه هو القيام المتصل بالركوع ، أي الذي يكون قبل الركوع بلحظة. ولعل عدم ذكره من باب ان تركه بشكل مستقل عن ترك الركوع لا يتحقق عادة ، بل ان ترك القيام السابق على الركوع بلحظة يلازم ترك الركوع ، وحيث ان الركوع قد أشير اليه في الحديث فلا حاجة للإشارة الى القيام.

وهناك قيام ثان قيل بركنيته وهو القيام حالة تكبيرة الاحرام.

ولعل عدم ذكره هو من باب عدم تحقق عنوان تكبيرة الاحرام بدونه ، فإن العنوان المذكور متقوم بالقيام.

واما ان الفقهاء لم يحكموا على الطهارة والقبلة والوقت بالركنية بالرغم من انها مذكورة في النص ، فلعلّ ذلك من جهة ان الركن لدى الفقهاء مصطلح يختص بالأجزاء التي تبطل الصلاة بتركها ولو عن سهو ، وواضح ان الطهارة والقبلة والوقت ليست أجزاء للصلاة ، وانما هي شرائط لها.

١٠ ـ ما المراد بالطهور؟

هل المقصود بالطهور خصوص الطهارة الحدثية أو ما يعمّ الطهارة الخبثية؟

قد يقال : بأن المراد هو الأعمّ أو لا أقل أن الكلمة مجملة ومرددة‌

٣١

بين إرادة الأعم أو خصوص الحدثية ؛ الأمر الذي لازمه عدم امكان الاستدلال بالحديث على الصحة في موارد فوات الطهارة الخبثية ، والظاهر إرادة خصوص الطهارة الحدثية ، لأن حديث لا تعاد اشتمل على ذيل وهو «القراءة سنّة والتشهد سنّة ، ولا تنقض السنة الفريضة» فإن المراد بالفريضة ما ثبت بتشريع الله سبحانه ، وبالسنّة ما ثبت بتشريع الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وواضح ان الذي ثبت بتشريع الله سبحانه هو اعتبار الطهارة الحدثية دون الخبثية ؛ قال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ...) (١) واما الطهارة الخبثية فقد دلّت على اعتبارها الروايات دون القرآن الكريم.

لا يقال : قد دلّ القرآن الكريم على اعتبار الطهارة من الخبث بقوله : (وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ) (٢).

فانّه يقال : ليس المراد من الأمر ـ فطهّر ـ طلب الطهارة الشرعية بل الطهارة العرفية بمعنى النظافة في مقابل القذارة العرفية ، فإنّه كما قيل : النظافة من الايمان.

١١ ـ هل تعم القاعدة الموانع؟

ان الصلاة مركبة من أجزاء وشرائط وعدم موانع معينة كعدم القهقهة وعدم التكلّم.

والحديث يشمل الأجزاء والشرائط قطعا وذلك هو القدر المتيقن‌

__________________

(١) المائدة : ٦.

(٢) المدثر : ٤.

٣٢

منه. واما عدم الموانع فقد يشكك في ذلك (١). فاذا ضحك المصلّى أو لبس ما لا يصح له لبسه ونحو ذلك ، فلا يمكن تصحيح صلاته بالقاعدة المذكورة.

والوجه في ذلك : ان العناوين المذكورة في المستثنى هي اما من قبيل الأجزاء كالركوع والسجود أو من قبيل الشرائط كبقية الخمسة ، وليس شي‌ء منها من قبيل عدم المانع.

هذا مضافا الى ان الامام عليه‌السلام في مقام التعليل قال : «ان القراءة سنّة والتشهد سنّة ...» ولم يذكر ما هو من قبيل عدم المانع.

وفيه : ان القادح بصحة الصلاة اذا كان منحصرا بالخمسة المذكورة فهل يبقى توقع ذكر ما هو من قبيل عدم المانع.

واما الاقتصار في مقام التعليل على التشهد والقراءة فذلك من باب المثال ، وإلاّ فالترتيب والموالاة شرط ومع ذلك لم يشر لهما.

وفي الحقيقة ان الذي يقرأ الرواية يفهم من لهجتها الشمول ؛ خصوصا وان التعليل فيها يدلّ على ان فرض الله لا يحكم عليه بالبطلان بسبب غيره ، سواء كان من قبيل اختلال الشرط أو من قبيل وجود المانع.

١٢ ـ تطبيقات على ضوء قاعدة لا تعاد‌

ما هو الحكم في الفروع التالية على ضوء قاعدة لا تعاد؟

١ ـ شخص صلّى العشاء قبل المغرب بتخيل اداء المغرب أو‌

__________________

(١) من جملة من شكك في ذلك الشيخ ناصر مكارم في قواعده الفقهية ١ : ٥٢٣.

٣٣

صلّى العصر قبل الظهر بتخيل اداء الظهر.

٢ ـ شخص كان يقلّد مجتهدا يقول بوجوب اداء الصلاة قصرا ثم قلّد ثانيا من يقول بوجوب التمام.

٣ ـ صلّى المكلف وهو لا يدري ان على بدنه أو ملابسه بعض أجزاء حيوان لا يحلّ أكل لحمه شرعا ، كشعر القط مثلا.

٤ ـ لو نسي المكلف الركوع قبل تجاوز المحل ـ أي قبل الدخول في السجود ـ أو بعده.

٥ ـ لو سبّح المصلي بدل القراءة في الركعة الأولى أو أتى بتشهد فيها.

٦ ـ اذا اتضح عدم صحّة قراءة الامام بعد فترة من الزمن ، أو عدم صحّة قراءة المكلف نفسه لو كان يصلّي فرادى.

٧ ـ اذا اتضح للمأموم ان الامام امرأة أو فاسق ، أو يوجد حائل بينهما يمنع من صدق الجماعة؟

٨ ـ امرأة كانت تغتسل غسل الحيض قبل انقضاء حيضها فترة من الزمن.

٩ ـ شخص كان يغتسل أو يتوضأ فترة من الزمن وعلى بعض أعضائه حائل ثم التفت.

١٠ ـ شخص كان يغسل أعضاء وضوئه ثلاث مرّات ثم التفت الى عدم جواز ذلك.

١١ ـ ما حكم من تيمم بدل الوضوء باعتقاد ضيق الوقت ثم انكشف سعته؟وما هو حكم العكس ، أي من توضأ بدل التيمم باعتقاد سعة الوقت ثم انكشف الخلاف؟

٣٤

قاعدتا الفراغ والتجاوز‌

١ ـ مضمون القاعدتين‌

٢ ـ مدرك القاعدتين‌

٣ ـ قاعدتان أو قاعدة واحدة‌

٤ ـ عموم القاعدتين لغير الصلاة والوضوء‌

٥ ـ استثناء الوضوء من قاعدة التجاوز‌

٦ ـ هل يعتبر الدخول في الغير‌

٧ ـ ما المراد من الغير‌

٨ ـ احتمال الالتفات‌

٩ ـ تطبيقات‌

٣٥
٣٦

من القواعد المهمة التي يستفيد منها الفقيه كثيرا قاعدتا الفراغ والتجاوز ، وقد جرت عادة الأعلام على جمعهما بالبحث في مورد واحد للتقارب الشديد بينهما.

ونمنهج الحديث عنهما كما يلي :

١ ـ مضمون القاعدتين.

٢ ـ مدرك القاعدتين.

٣ ـ قاعدتان أو قاعدة واحدة.

٤ ـ عموم القاعدتين لغير الصلاة والوضوء.

٥ ـ استثناء الوضوء من قاعدة التجاوز.

٦ ـ هل يعتبر الدخول في الغير‌

٧ ـ ما المراد من الغير؟

٨ ـ احتمال الالتفات.

٩ ـ تطبيقات.

٣٧

١ ـ مضمون القاعدتين‌

وقع الاختلاف بين الأعلام في مضمون القاعدتين وكيفية التفرقة بينهما ، فذهب جمع منهم الشيخ النائيني الى ان قاعدة الفراغ ناظرة الى الشك في صحة الكلّ ، بينما قاعدة التجاوز ناظرة الى الشك في الجزء السابق بعد الدخول في الجزء اللاحق (١).

توضيح ذلك : إنّ شكّ المصلّي في صحة صلاته له صورتان ، فتارة يشك بعد فراغه من صلاته في صحتها؟ وأخرى يشك وهو في أثنائها في الجزء السابق بعد الدخول في الجزء اللاحق كأن يشك في الركوع بعد ما سجد مثلا.

فإن شك في صحة صلاته بعد فراغه منها حكم بصحتها. وهذا هو مضمون قاعدة الفراغ.

وإن شك في الجزء السابق بعد الدخول في اللاحق حكم بتحقق ما سبق وعدم الاعتناء بالشك. وهذا هو مضمون قاعدة التجاوز.

هذا ما ذهب اليه جمع من الأعلام.

وذهب جمع ثان ؛ منهم السيّد الخوئي (٢) الى ان المصلي تارة يشك في صحة ما أتى به بعد جزمه بإتيانه به سواء كان ما شك في صحته هو الكل أو الجزء ، وأخرى يشك في أصل اتيانه بالشي‌ء.

ففي الحالة الأولى يحكم عليه بصحة ما أتى به. وذلك هو مضمون قاعدة الفراغ من دون تخصيصها بالشك في صحة الكلّ ، بل‌

__________________

(١) أجود التقريرات ٢ : ٤٦٥.

(٢) مصباح الأصول ٣ : ٢٧٧.

٣٨

تعمّ الشك في صحة الجزء أيضا.

وفي الحالة الثانية يحكم بتحقق الجزء المشكوك. وذلك مضمون قاعدة التجاوز.

وان شئت قلت : انه على الرأي الثاني يكون مضمون قاعدة الفراغ الحكم بصحة ما اتي به ، ومضمون قاعدة التجاوز الحكم بتحقق ما شك في اتيانه.

بينما على الرأي الأول يكون مضمون قاعدة الفراغ الحكم بصحة الكلّ بعد الفراغ منه ، ومضمون قاعدة التجاوز الحكم بتحقق الجزء السابق عند ما يكون الشك أثناء العمل.

وقد وقع الاختلاف في ان القاعدتين المذكورتين هل ترجعان من حيث الروح الى قاعدة واحدة أو إلى قاعدتين. وسنوضح ذلك فيما بعد ان شاء الله تعالى.

٢ ـ مدرك القاعدتين‌

الأخبار الواردة في المقام على نحوين فبعضها ناظر الى الحكم بوجود الشي‌ء المشكوك وبعضها الآخر ناظر الى الحكم بصحة الشي‌ء المشكوك.

فمن النحو الأول : صحيحة زرارة : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل شك في الاذان وقد دخل في الاقامة. قال : يمضي.

قلت : رجل شك في الاذان والاقامة وقد كبّر. قال : يمضي.

قلت : رجل شك في التكبير وقد قرأ. قال : يمضي.

قلت : رجل شك في القراءة وقد ركع. قال : يمضي.

٣٩

قلت : شك في الركوع وقد سجد. قال : يمضي على صلاته.

ثم قال : يا زرارة اذا خرجت من شي‌ء ثم دخلت في غيره فشكك ليس بشي‌ء» (١).

وبمضمونها صحيحة اسماعيل بن جابر فقد روى عن أبي جعفر عليه‌السلام ما نصه : «ان شكّ في الركوع بعد ما سجد فليمض. وان شك في السجود بعد ما قام فليمض. كلّ شي‌ء شك فيه مما قد جاوزه ودخل في غيره فليمض عليه» (٢).

__________________

(١) وسائل الشيعة : الباب ٢٣ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح ١.

والرواية صحيحة السند لأن صاحب الوسائل رواها كما يلي : محمد بن الحسن بإسناده عن أحمد بن محمد عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن حماد بن عيسى عن حريز بن عبد الله عن زرارة.

اما محمد بن الحسن فهو الشيخ الطوسي الذي لا يحتاج لشهرته الى توثيق.

وأما أحمد بن محمد فهو أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري «شيخ قم ووجيهها وفقيهها غير مدافع».

وأما أحمد بن محمد بن أبي نصر فهو البزنطي الذي قال الشيخ الطوسي في حقه «ثقة جليل القدر».

واما حمّاد وحريز وزرارة فقد تقدم حالهم.

يبقى علينا ملاحظة سند الشيخ الطوسي الى أحمد بن محمد بن عيسى ، وهو محلّ كلام بين الأعلام.

وسائل الشيعة : الباب ١٣ من أبواب الركوع ح ٤.

(٢) والوجه في كونها صحيحة السند : ان الحر رواها هكذا : وباسناده عن سعد عن أحمد بن محمد عن أبيه عن عبد الله بن المغيرة عن اسماعيل بن جابر.

والمقصود من قوله «وباسناده» أي وباسناد الشيخ الطوسي عن سعد بن عبد الله الأشعري.

وسند الشيخ الطوسي الى سعد صحيح لأنّه ذكر في مشيخة التهذيب ١٠ : ٧٤ ان ما أرويه عن سعد فقد أخبرني به الشيخ رحمه‌الله ـ أي المفيد ـ عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين ـ

٤٠