دروس تمهيديّة في القواعد الفقهيّة - ج ١

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

دروس تمهيديّة في القواعد الفقهيّة - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الفقه للطباعة والنشر
الطبعة: ٥
ISBN: 964-499-038-2
ISBN الدورة:
964-91559-2-9

الصفحات: ٢١٤
الجزء ١ الجزء ٢

نفي الحكم الضرري يصير المعنى : انّك رجل مضار ، والحكم الضرري منتف، ولا يظن بالأذهان المستقيمة ارتضاءه.

د ـ اتفاق أهل اللغة على فهم النهي من الحديث.

مناقشة أدلّة شيخ الشريعة‌

ويمكن مناقشة الوجوه المذكورة بما يلي :

امّا الوجه الأول فلأنّ مجرد استعمال التركيب المذكور في جملة من الموارد لإفادة النهي لا يعني ان التركيب المذكور اينما ورد يلزم حمله على ذلك بل لا بدّ من ملاحظة المناسبات والنكات.

وفي المقام توجد بعض النكات التي تعيق عن ذلك ، فان الضرر على ما تقدم هو نفس النقص بدون التفات إلى حيثيّة الصدور من الفاعل ، والنهي عن نفس النقص لا معنى له. أجل الضرار حيث ان الملحوظ فيه حيثية الصدور من الفاعل فاستعماله لإفادة النهي وجيه ، ويصير لا ضرار بمنزلة لا إضرار ، أي : لا يضر بعضكم بعضا.

وعليه يتضح ان المناسب هو التفكيك بين جملة «لا ضرر» وجملة «لا ضرار» ، فالثانية تفيد النهي دون الاولى ؛ ولا ينبغي ملاحظة الجملتين كجملة واحدة بدون تفكيك بينهما ، انّه خطأ لا توجيه له.

وظاهر كلمات المشهور وإن كان عدم التفكيك بينهما إلاّ ان المناسب هو التفكيك.

وأمّا الوجه الثاني فعهدة دعوى التبادر عليه.

وأمّا الوجه الثالث فلأنّ استفادة الصغرى والكبرى وإن كانت أمرا وجيها إلاّ انّه يكفي لذلك تفسير فقرة لا ضرار بالنهي ، ولا يتوقف على تفسير الفقرة الاولى ـ لا ضرر ـ بالنهي.

١٢١

وأمّا الوجه الرابع فيرده ان فهم أهل اللغة لا حجيّة له ، فان الحجّية لو كانت ثابتة لأهل اللغة فهي ثابتة في مقام تشخيص معاني المفردات دون معنى الجمل ، فان ذلك اجتهاد محض منهم.

الاستدلال على الرأي الثاني‌

وأمّا ما أفاده الفاضل التوني فيمكن ان يوجّه بأنّ الحديث نفى وجود الضرر خارجا ، وحيث ان ذلك كذب فلا بدّ وان نفترض تدارك الضرر الموجود خارجا ، إذ بتداركه يكون وجوده كالعدم فانّ الضرر المتدارك في حكم العدم ، وحيث انّه لا يمكن أن يكون المقصود انّ كل ضرر هو متدارك بالفعل وخارجا ، لأنّ ذلك كذب أيضا ، إذ ما أكثر الإضرار التي لم يتحقق تداركها بالفعل ، فلا بدّ وأن يكون المقصود انّ كل ضرر خارجا هو محكوم شرعا بوجوب التدارك.

وبذلك يثبت ان كل ضرر هو محكوم بوجوب التدارك والضمان شرعا ، أي : نفهم من الحديث جعل الضمان شرعا لكل ضرر.

ولكن من هو الضامن؟

ان الحديث يدل على ان الضرر إذا كان منسوبا إلى شخص معين فهو الضامن ، وهذا ما تدل عليه فقرة لا ضرار ، حيث ان الضرار هو الضرر الملحوظ نسبته إلى الفاعل ، فإذا نفي دلّ ذلك على انه ضامن.

وامّا إذا لم يكن الضرر منسوبا إلى شخص فالضامن هو الدولة أو بالأحرى هو بيت مال المسلمين ، وهذا ما تدل عليه فقرة «لا ضرر» ، لأنّ الضرر هو النقص من دون لحاظ نسبته إلى الفاعل ، فنفيه يدل على وجوب ضمانه وليس الضامن في مثل ذلك إلاّ الدولة ، إذ لا يوجد ما يمكن ان يكون ضامنا غيرها.

١٢٢

وتحقيق من هو الضامن قضية غير مهمة فيما نحن بصدده الآن ، وإنّما المهم هو الالتفات إلى تقريب دلالة الحديث على مدعى الفاضل التوني بالشكل المتقدم.

وروح هذا التقريب قد تستفاد من عبارة الفاضل التوني حيث قال في الوافية : «إذ نفي الضرر غير محمول على نفي حقيقته لأنّه غير منفي ، بل الظاهر ان المراد به نفي الضرر من غير جبران بحسب الشرع» (١).

مناقشة الرأي الثاني‌

وقد يناقش هذا الرأي بما ذكره السيد الخوئي (٢) ، من انّ لازم هذا الرأي تقييد الضرر بغير المتدارك وهو بحاجة إلى دليل لأنّه خلاف الاطلاق.

ويرده : ان بإمكان شيخ الشريعة ان يدّعي تارة بأنّي لا أدّعي تقييد لفظ الضرر بلفظ غير المتدارك ليكون ذلك بحاجة إلى قرينة ، وإنّما أدّعي ان الشارع لمّا حكم بوجوب التدارك صحّ له ان ينفي الضرر وينزّله منزلة العدم ، فالضرر منفي خارجا باعتبار حكم الشارع بلزوم التدارك من دون ان نقيّد لفظ الضرر في الحديث.

كما ان بإمكان الفاضل التوني ان يختار التقييد ويقول : انّ الدليل عليه موجود بتقريب ان الشارع حينما أخبر بعدم تحقّق الضرر خارجا فذلك منه كذب من دون تقييد بالتدارك فصيانة لكلام الشارع من الكذب لا بدّ من التقييد.

__________________

(١) الوافية : ١٩٤.

(٢) مصباح الاصول ٢ : ٥٢٩.

١٢٣

والصحيح في مناقشته أن يقال : إنّ مجرد حكم الشارع بلزوم التدارك لا يكفي لتصحيح نفي الضرر خارجا ، وإنّما المصحح لذلك هو تحقّق التدارك خارجا وبالفعل.

وإذا قيل : إنّ الشارع قد جعل لذلك قوة اجرائية ، فباعتبار ذلك يكون التدارك في نظره جاريا مجرى الأمر الواقع والمتحقق.

كان الجواب : انّ الشارع وإن جعل قوة اجرائية لكن ذلك على مستوى التشريع لا على مستوى التكوين ، ومجرد تشريع القوة الاجرائية بدون ان تمارس أعمالها تكوينا لا يصحح له الاخبار بانتفاء الضرر خارجا.

هذا مضافا إلى امكان ذكر جواب ثان ، وهو : أنّ حمل الحديث على ما ذكره الفاضل التوني يلزم منه تخصيص الأكثر ، فالانسان إذا عثر وانكسرت رجله لا يضمن ضرره أحد ، وإذا احترقت داره أو كتبه بدون نسبة الاحراق إلى شخص لم يضمن أحد ذلك ، وإذا مات ربّ الاسرة تضرّر أعضاؤها ولم يضمن ذلك أحد ، وإذا مرض الإنسان وانحرفت صحته تضرّر ولم يضمن ذلك أحد ، إلى غير ذلك من الأمثلة التي لا يكون الضرر فيها منسوبا إلى شخص معين.

أجل في خصوص القتل إذا فرض ان الشخص وجد مقتولا ولم يعرف قاتله ، أو فرض انّ الزحام الشديد في منى أو عرفات أو صلاة الجمعة أودى بحياته أمكن الحكم بضمان ديته من بيت مال المسلمين ، للخبر الصحيح عن الإمام الصادق عليه‌السلام : قال : «قضى امير المؤمنين عليه‌السلام في رجل وجد مقتولا لا يدرى من قتله ، قال : ان كان عرف له اولياء يطلبون ديته اعطوا ديته من بيت مال المسلمين ، ولا يبطل دم امرئ‌

١٢٤

مسلم ، لان ميراثه للإمام ، فكذلك تكون ديته على الإمام ويصلّون عليه ويدفنونه. قال : وقضى في رجل زحمه الناس يوم الجمعة في زحام الناس فمات : أنّ ديته من بيت مال المسلمين» (١).

الاستدلال على الرأي الثالث‌

إنّ تفسير الحديث بنفي الحكم الضرري هو المعروف بين المتأخرين ، واختاره الشيخ الأعظم والميرزا والسيد الخوئي.

وبناء على هذا التفسير يلزم الاستفادة الكثيرة من الحديث ، حيث يثبت انّ كل حكم من الأحكام منفي حالة الضرر.

وتصوير هذا الاحتمال يمكن أن يكون بأحد أشكال ثلاثة :

أ ـ ان تقدر كلمة «حكم». اي : لا حكم ضرريا أو لا حكم ينشأ منه الضرر.

ب ـ ان لا تقدر كلمة «حكم» ، بل تجعل كلمة الضرر بنفسها معبّرة عن الحكم ، فعبّر بكلمة «ضرر» وقصد منها الحكم.

وعلى الاحتمال الأول لا تلزم المجازية في كلمة ضرر ، بل تكون مستعملة في معناها بنحو الحقيقة ، وإنّما العناية من حيث التقدير، من قبيل : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) ...(٢).

بينما على الاحتمال الثاني تلزم المجازية في استعمال كلمة الضرر حيث قصد بها غير معناها ، والمصحح هو ان الحكم يستلزم الضرر.

ج ـ ان تكون كلمة «ضرر» مستعملة في نفس الحكم كما على‌

__________________

(١) الوسائل : الباب ٦ من أبواب دعوى القتل وما يثبت به ح ١.

(٢) يوسف : ٨٢.

١٢٥

الاحتمال الثاني ، ولكن يدعى هنا ان الاستعمال المذكور حقيقي وليس بمجازي ، بدعوى انّ المورد من موارد السبب والمسبب التوليدي ، واستعمال لفظ المسبب التوليدي في السبب التوليدي استعمال عرفي حقيقي وليس مجازيا ، يقال : فلان أحرق الورقة. والحال أنّه ألقاها ، أو : فلان قتل فلانا. والحال أنّه أطلق عليه الرصاص (١).

وهذا التقريب ذكره الشيخ النائيني.

مناقشة الرأي الثالث‌

هذا ما يمكن به تقريب الرأي المذكور.

وهو وإن كان في نفسه وجيها إلاّ ان تقريباته الثلاثة قابلة للتأمل.

اما الأول فلأنّه بحاجة إلى تقدير ، والدليل عليه مفقود ، مضافا إلى ان الحكم لا يوصف بالضرر وإنّما هو ضرري.

وامّا الثاني فلأن استعمال الضرر وارادة الحكم ليس عرفيا ولو بنحو المجاز.

وعلى تقدير التنزّل وصحة الاستعمال المذكور فالذي يصحّ هو‌

__________________

(١) المقصود من السبب والمسبب التوليدي العلة التامّة ومعلولها ، فان العلة التامّة متى ما تحققت سبّبت وولدت المعلول ، فالعلّة تسمّى بالسبب التوليدي ، والمعلول يسمّى بالمسبّب التوليدي.

ومثال ذلك النار والاحراق ، فالنار سبب توليدي والاحراق مسبب توليدي.

وفي مقابل هذا المصطلح الفعل المباشري ، وهو الفعل الذي يصدر من الفاعل باختياره ، فالانسان يشعل النار ويحصل بذلك الاحراق ؛ ان اشعال النار فعل يصدر منه بارادته واختياره ، ويسمى بالفعل المباشري ، واما الاحراق فيصدر منه بدون اختياره ، اذ اشتعال النار علّة تامة للإحراق بدون مدخلية للاختيار. ويسمى الاشعال بالسبب التوليدي والاحراق بالمسبب التوليدي.

١٢٦

استعمال لفظ الضرار في الحكم لا لفظ الضرر فإن الضرر هو نفس النقص ، والحكم ليس نفس النقص بل هو يوجده ويحصّله ، بخلاف ذلك في الضرار فانّ النسبة فيه ملحوظة.

وبذلك يتّضح وهن التقريب الثالث بالاولى.

هذا ، ولكن وهن هذه التقريبات الثلاثة لا يعني وهن أصل الرأي الثالث ، بل سيأتي تقريبه ببيان آخر إن شاء الله تعالى.

الاستدلال على الرأي الرابع‌

والرأي الرابع يرى ان المقصود من الحديث نفي الحكم بلسان نفي الموضوع.

والفرق بين هذا الرأي والرأي الثالث : أنّ الثالث يجعل كلمة الضرر مستعملة في الحكم ودالّة عليه ، بينما هذا الرأي يرى أنّها مستعملة في الموضوع دون الحكم ، ففي قولنا : الوضوء واجب يكون الوضوء بمنزلة الموضوع والوجوب حكما ، وعلى الرأي الثالث تكون كلمة «الضرر» مستعملة في الوجوب ، بينما على الرأي الرابع تكون مستعملة في الوضوء. هذا فارق.

وفارق ثان أنّه على الراي الثالث ينتفي الحكم كلّما استوجب الضرر ، سواء كان الضرر بسبب موضوعه أو بعض مقدماته ، وهذا بخلافه على الرأي الرابع فانه لا ينتفي إلاّ إذا كان موضوعه ضرريا ، ولا يكفي لانتفائه كون مقدماته ضررية.

ففي مثال الوضوء تارة نفترض ان الوضوء نفسه ضرري ، وأخرى يفترض ان مقدمات تحصيل الوضوء تستوجب الضرر ، ففي الحالة الاولى يرتفع وجوب الوضوء بدون فرق بين الاحتمالين ، وفي‌

١٢٧

الحالة الثانية يرتفع وجوب الوضوء على الاحتمال الثالث ولا يرتفع على الاحتمال الرابع.

واستدل الآخوند على رأيه هذا بانّه : بعد عدم امكان إرادة نفي الحقيقة حقيقة ، فاقرب المجازات هو نفيها ادعاء ، مضافا إلى انّ التركيب المذكور كثيرا ما يستعمل في النفي الادعائي بخلاف غيره من المعاني.

مناقشة الرأي الرابع‌

ويمكن ان يناقش الرأي المذكور بانّ فكرة نفي الحكم بلسان نفي موضوعه يصعب تطبيقها في المقام ، ففي مثل قولنا : لا ربا بين الوالد وولده. يمكن تطبيق الفكرة المذكورة، لأن الربا موضوع للحرمة فنفيه نفي لها ، وفي المقام حكم الضرر هو الحرمة والضمان (١) ، فإذا نفي لزم من ذلك نفي الحرمة والضمان ، وذلك عكس المقصود.

وعليه فلتصحيح تطبيق الفكرة المذكورة لا بدّ من أخذ عنوان الضرر مشيرا إلى مثل الوضوء حتى يكون المنفي هو الوضوء ومن ثمّ حكمه وهو الوجوب. وهذا قابل للتأمل لان التعبير عن الوضوء بالضرر الذي هو نفس النقص ليس عرفيا ، فان الوضوء يستوجب الضرر وسبب له لا انّه نفسه.

وفي المحاورات العرفية وان كان قد يستعمل اللفظ أحيانا بنحو المرآتية إلى شي‌ء آخر ، إلاّ ان ذلك يختص بباب العنوان والمعنون ، فالعنوان قد يطلق بنحو المراتبة على معنونه ، والمصحح لذلك هو‌

__________________

(١) فإنّ الحكم المتصوّر للضرر لو كان فهو الحرمة والضمان ـ ولا يوجد حكم غيرهما ـ وإن كان في ذلك شي‌ء من المسامحة ، باعتبار ان الضرر الذي هو نفس النقص لا حكم له ، وإنّما المحرم والموجب للضمان هو الضرار بمعنى الاضرار.

١٢٨

الاتحاد الثابت بينهما ، فالعنوان عين المعنون ومتّحد معه ، وهذا بخلافه في باب السبب والمسبب فانه لا يستعمل احدهما مرآة للآخر ، فلا تستعمل كلمة النار مرآة للإحراق ولا بالعكس ، وما ذاك إلاّ لعدم الاتّحاد بينهما.

والأمر في المقام كذلك فان الضرر مسبب عن الوضوء وليس عينه وعنوانا له.

هذا مضافا إلى انّ فكرة نفي الحكم بلسان نفي موضوعه لا يمكن تطبيقها على المقام من جهة أخرى ، باعتبار انّه عندنا مصطلحان : موضوع ومتعلّق ، والذي يصح نفي الحكم بنفيه هو الموضوع دون المتعلق ، وفي المقام الوضوء متعلق وليس موضوعا فلا يصح بنفيه نفي الحكم.

ولتوضيح المصطلحين المذكورين نقول : انّ ما يلزم فرضه في المرتبة السابقة وبعد ذلك يثبت الحكم هو الموضوع. وامّا ما يكون الحكم مقتضيا لإيجاده أو نفيه ، ويكون تحققه من نتائج الحكم بدون ان يلزم فرضه في المرتبة السابقة فهو المتعلّق.

ففي قولنا : يجب الحجّ على المستطيع يكون المستطيع موضوعا ، لأنه متى ما فرض تحقّقه يثبت الحكم ، بينما الحجّ متعلّق لأنه لا يلزم فرضه في المرتبة السابقة وبعد ذلك يتحقق الوجوب ، بل ان الوجوب يحرك نحو تحقيقه ، بخلاف ذلك في المستطيع ، فانّ الوجوب لا يحرك نحو تحقيقه.

وفي قولنا : الربا محرم ، يكون الربا موضوعا للحرمة ، لأنّه متى ما فرض صدق الربا على البيع أو القرض كان ارتكابه محرما ، فالربا‌

١٢٩

موضوع وارتكابه متعلق ، وفي مثل ذلك يصح نفي الحكم بلسان نفي الموضوع ، فيقال مثلا : «لا ربا بين الوالد وولده».

وهذا بخلافه في مثل الوضوء ، فانّه متعلق حيث يجب ايجاده ، لا انّه على تقدير فرض تحقّقه يصير واجبا.

والوجه في اختصاص الفكرة السابقة بذلك هو الوجدان العرفي فهل ترى يصح ان يقال لا وضوء عند الضرر ويقصد بذلك انّه ليس بواجب؟ كلا لا يصح ذلك ، وهذا بخلافه في مثل : لا ربا بين الوالد وولده فانه يصح ، إذ الربا إذا لم يتحقق لم تثبت الحرمة ، وهذا بخلافه في الوضوء فانه إذا لم يتحقق لم يلزم انتفاء الوجوب.

ان ما ذكرناه مطلب وجداني. ونكتته هي أنّ الموضوع إذا لم يتحقق لم يتحقق الحكم ، ولذا يصح التعبير بانتفاء الموضوع بقصد إفادة انتفاء الحكم ، وهذا بخلافه في المتعلق فان انتفاءه لا يستلزم انتفاء الحكم ، فمن لا يتوضأ عصيانا لا ينتفي الوجوب عنه ، ومن هنا لا يصح التعبير عن انتفاء هذا بانتفاء ذاك.

الصحيح أن يقال‌

والصحيح أن يقال : انّه توجد لدينا فقرتان : فقرة «لا ضرر» وفقرة «لا ضرار» ، وكل واحدة منهما يمكن ان يستفاد منها غير ما يستفاد من الأخرى ، ولا ينبغي التعامل معهما بشكل واحد.

امّا فقرة «لا ضرر» فيمكن ان نستفيد منها انتفاء كل حكم يكون ثبوته مستلزما للضرر كما افاده الشيخ الاعظم ، ولكن لا لأحد البيانات السابقة فانها ضعيفة كما تقدم ، وانما ذلك من جهة ان كلمة الضرر تعني نفس النقص كما تقدم ، وإرادة النهي عن ذلك غير محتملة كما‌

١٣٠

تقدم ، اذ نفس النقص لا معنى للنهي عنه فما ذا يقصد اذن؟

انّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حينما يتكلم لا بدّ وانه يتكلّم بما هو شارع ، والشارع حينما يخبر عن عدم الضرر لا بدّ وأن يكون مقصوده نفي تحقّق الضرر من ناحية أحكامه وتشريعاته ، انّ ذلك هو المناسب له.

وبذلك يثبت انّ المقصود نفي تحقّق الضرر في حق المكلّف من ناحية التشريع والأحكام ، فكل حكم يكون ثبوته مستلزما للضرر يكون منتفيا.

وفرق هذا التقريب عن التقريبات السابقة انّه على هذا التقريب لا نكون بحاجة إلى تقدير كلمة حكم ، كما انّه لا يلزم استعمال كلمة الضرر في الحكم وإنّما المنفي هو نفس الضرر لكننا نقيد النفي وانّه نفي للضرر من ناحية الحكم والتشريع.

ولا يخفى انّه لو خلينا نحن وهذه الفقرة لأمكن ان نستفيد منها ـ اضافة إلى ما ذكرناه من انتفاء كل حكم ضرري ـ حرمة الاضرار بالآخرين وعدم اباحته ، لأنّ الحكم بإباحته مستلزم للضرر (١) على الآخرين فيكون منتفيا.

وعليه فما رامه شيخ الشريعة من استفادة تحريم الضرر يكون ثابتا ضمن هذا التفسير أيضا.

هذا بالنسبة إلى فقرة «لا ضرر».

واما بالنسبة إلى فقرة «لا ضرار» فيستفاد منها النهي عن‌

__________________

(١) غير أنّه يستفاد منها عدم اباحة الاضرار بالآخرين ، ولا يستفاد منها عدم ثبوت اباحة اضرار الانسان نفسه ، بخلاف ذلك في فقرة «ولا ضرار» فانّه يمكن ان يستفاد منها ذلك تمسكا بالاطلاق.

١٣١

الاضرار وتحريمه كما رام ذلك شيخ الشريعة ، حيث ان الضرار لوحظ فيه جنبة الصدور من الفاعل ، وهو أشبه بكلمة اضرار ، فكما انّه في جملة «لا اضرار» يستفاد النهي عن الاضرار كذلك في لا ضرار.

ونلفت النظر إلى ان تحريم الاضرار بدون تشريع وسائل وقائية تحول دون حدوث الضرر أو دون بقائه ليس عقلائيا ، فالتحريم تكليفا للإضرار يلازم تشريع الوسائل المانعة من حدوث أو بقاء الضرر.

وبهذا يتّضح الجواب عن التساؤل الذي ستأتي الإشارة له إن شاء الله تعالى وهو:انّ المناسب لحرمة الاضرار منع دخول سمرة الى منزل الأنصاري دون الأمر بقلع النخلة.

ووجه الجواب : ان تحريم الاضرار منفكّا عن تشريع الوسائل الوقائية حيث انّه ليس عقلائيا فيكون أمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقلع النخلة من هذه الناحية.

كما يتّضح من خلال ما ذكرناه وجه الارتباط بين تحريم الاضرار وتشريع حق الشفعة ، ان ذلك من جهة ان بيع الشريك لحصته لما كان يولّد حقا للشريك الأول في المطالبة بالحصة لنفسه بازاء بذله للثمن ، ولمّا كان منعه من إعمال حقه هذا اضرارا به فمن المناسب بعد حرمة الاضرار ثبوت حق الشفعة.

فالتناسب على هذا تناسب بين الفقرة الثانية وثبوت حق الشفعة ، وليس تناسبا بين الفقرة الأولى وحق الشفعة.

٧ ـ تطبيق الحديث على قضية سمرة‌

هناك إشكال ذكره الشيخ الأعظم في رسالة لا ضرر بقوله : «وفي‌

١٣٢

هذه القضية إشكال من حيث حكم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقطع العذق مع أنّ القواعد لا تقتضيه ، ونفي الضرر لا يوجب ذلك ، لكن ذلك لا يخلّ بالاستدلال».

وحاصله : انه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمر بقلع الشجرة وعلّل ذلك بقوله لا ضرر ولا ضرار، والحال ان تحريم الضرر لا يقتضي جواز قلع الشجرة ، وإنّما أقصى ما يقتضي منع سمرة من الدخول بدون استئذان ، حيث ان في ذلك اضرارا وهو محرم ، ولا معنى لتجويز قلع الشجرة.

هذا بناء على انّ مفاد قاعدة لا ضرر تحريم الاضرار ، وامّا إذا كان مفادها نفي الحكم الضرري فالامر مشكل أيضا ، لأنّ الحكم بثبوت حق لسمرة في بقاء نخلته في ملك الأنصاري ليس ضررا على الأنصاري لكي يكون مرفوعا بالقاعدة ، وإنّما الحكم الضرري هو تجويز الاستطراق بدون استئذان فيكون هو المرفوع.

وقد اجيب عن ذلك بعدة أجوبة نذكر منها :

١ ـ ما أشار إليه الشيخ الأعظم في العبارة السابقة وهو ان عدم المعرفة بكيفية التطبيق لا يمنع من الاستدلال بالقاعدة ولا يؤثر على ذلك.

ويرده : ان عدم التعرّف على كيفية التطبيق على نفس المورد يولّد احتمال كون المقصود من القاعدة شيئا آخر غير ما نفهمه ، إذ لو كان المقصود ما نفهمه منها يلزم عدم الملاءمة بين ما نفهمه منها وبين تطبيقها.

١٣٣

٢ ـ ما اختاره جماعة كالميرزا والسيد الخوئي (١) ، من ان الأمر بالقلع لم يستند إلى القاعدة ، وإنّما استند إلى ولايته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكونه حاكما وظيفته حفظ النظام ، فمن باب كونه يجب عليه الحفاظ على النظام أمر بالقلع وليس من باب قاعدة لا ضرر.

ويرده : انّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حينما أمر بالقلع علل بقوله لا ضرر ، حيث قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اذهب فاقلعها وارم بها إليه فانّه لا ضرر ولا ضرار ؛ فإنّ ذلك واضح في كون القاعدة قد ذكرت كتعليل للأمر بالقلع.

٣ ـ ما ذكره بعض الأعلام (٢) ـ من أنّ قاعدة لا ضرر ولا ضرار التي ذكرها النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتمسّك بها لم يذكرها من باب أنّها قاعدة من القواعد الإلهيّة التي امر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بتبليغها كقانون من الله سبحانه ، وإنّما ذلك حكم صادر منه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بما هو رئيس للحكومة الإسلامية ، فالقاعدة حكم سلطاني وحكومتي وليس إلهيّا.

وتوجيه ذلك : ان الروايات على قسمين : بعضها عبّر بكلمة «قضى» ، مثل رواية عبادة وعاقبة ، حيث قيل قضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالشفعة وقال لا ضرر، ودلالة مثل ذلك بقرينة كلمة «قضى» على كون القاعدة حكما سلطانيا واضحة.

وبعضها الآخر ـ مثل رواية الكافي ـ لم يعبّر فيها بكلمة «قضى» ، ولكن بالرغم من ذلك تكون القاعدة فيه حكما سلطانيا ؛ لأنّ الأنصاري لما ظلمه سمرة شكا أمره إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بما هو سلطان ورئيس للحكومة فحكم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأنّه لا يضرّ أحد أخاه في حكومتي ودولتي.

__________________

(١) مصباح الاصول ٢ : ٢٣٢.

(٢) الرسائل : ٥٥.

١٣٤

قال قدس‌سره بعد استعراض الإشكال ما نصّه : «وأمّا الإشكال فلا يرد على ما ذكرنا ضرورة أنّ المورد مندرج تحت الحكم السلطاني الكلّي ، فيكون الأمر بالقطع لقطع مادة الفساد المتوقّع في المقام» (١).

وإذا قيل : إنّه بناء على هذا يكون مفاد الحديث هو النهي عن الضرر وهو نفس ما أفاده شيخ الشريعة.

كان الجواب : انّ شيخ الشريعة كان يقول بأنّ المقصود بيان التحريم والنهي الإلهي ، بينما على هذا التصوير يكون المقصود بيان التحريم والنهي السلطاني. وعلى الأوّل يكون النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مبلّغا لحكم إلهي ، وعلى الثاني لا يكون النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مبلّغا بل مقنّنا لحكم سلطاني.

وإذا قيل : ما الفرق بين هذا الجواب والجواب الثالث الذي ذكر فيه كون الأمر بالقلع حكما ولايتيّا؟

كان الجواب : انّه على الجواب السابق تكون قاعدة لا ضرر ولا ضرار حكما إلهيّا قد أمر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بتبليغه ، غايته أنّه أمر بالقلع من باب الولاية وحفظ النظام ، وهذا بخلافه على هذا الجواب ، فإنّ القاعدة بنفسها حكم سلطاني.

ويردّه : انّ المشكلة لا تنحلّ بكون النهي عن الضرر والضرار سلطانيا ؛ إذ يبقى أنّ مجرّد تحريم الاضرار والمنع عنه ـ ولو سلطانيا ـ لا يقتضي إلاّ المنع من الدخول بلا إذن ولا يقتضي تجويز القلع.

٤ ـ ما اخترناه سابقا وهو أنّ الحديث يشتمل على فقرتين ، وفي فقرته الثانية يدلّ على تحريم الاضرار ، وتحريم الاضطرار يستبطن‌

__________________

(١) الرسائل : ٥٩.

١٣٥

بالملازمة العقلائية تشريع الوسائل الوقائية والوقوف أمام تحقّق الظلم أو بقائه ولو بإعطاء ذلك كصلاحيّة للحاكم. وهذا نظير النهي عن الاحتكار ، فإنّه لو نهي شخص عن الاحتكار وبالرغم من ذلك احتكر ، فلو جاء الحاكم وأخرج السلع المحتكرة وباعها لم يشكل على ذلك بأنّ النهي عن الاحتكار لا يستوجب إلاّ تحريم الاحتكار لا أكثر ، بل يرون وجود ملازمة بين تحريم الاحتكار وتشريع الوسيلة الوقائية وانّ الأوّل دون الثاني أشبه بالتفكيك بين المتلازمين.

وفي المقام أحد تلك الوسائل : قلع النخلة ، إذ بدون قلعها يبقى سمرة داخلا وخارجا ، وذلك يستلزم استمرار الاضرار ، ومجرّد منعه بدون استئذان لا يكفي للوقوف أمام ظلمه ، اللهمّ إلاّ إذا فرض ايقاف شرطي عند الباب يأمر سمرة بالاستئذان ، وذلك أمر غير عملي ، ولأجل انحصار الوسيلة الوقائية بالقلع أمر صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالقلع.

٨ ـ كيف يدفع محذور كثرة التخصيص‌

هناك إشكال أشار له الشيخ الأعظم في الرسائل حاصلة : انّ قاعدة لا ضرر قد طرأت عليها تخصيصات كثيرة بمعنى : أنّ هناك أحكاما كثيرة ثابتة في الإسلام وهي ضررية ولا ترتفع بقاعدة لا ضرر ، كما هو الحال في الحدود ، والديات ، والتعزيرات ، والقصاص ، وباب الضمان بالاتلاف أو اليد ، وباب الخمس ، والزكاة ، والجهاد ، والحجّ ، والانفاق على الزوجة والأقارب ، وباب الكفارات ، ككفارة خلف اليمين ، أو الافطار ، أو كفّارات الحجّ ، وباب تنجّس الملاقي ؛ فإنّ المرق‌

١٣٦

الكثير إذا لاقى نجاسة وجب التجنّب عنه وإن كان كثيرا ، وذلك ضرر (١).

انّ الحكم بالحدّ والتعزير والقصاص إدخال للنقص على الجاني واضرار به ، وهكذا الأمر في باب الضمان ونحوه.

وكثرة التخصيص هذه توجب بلا ريب وهن القاعدة ، ومن ثمّ توجب أن لا يكون المقصود من القاعدة معناها الظاهر ؛ إذ لازمه كثرة التخصيص المستهجن ، وعليه فيلزم أن يكون المقصود من القاعدة معنى آخر لا يلزم من إرادته محذور تخصيص الأكثر ، وحيث إنّ ذلك المعنى غير معلوم لنا فيلزم سقوط القاعدة عن الاعتبار أو ـ على أقل تقدير ـ لا يصحّ التمسّك بها إلاّ في الموارد التي تمسّك فيها المشهور بها.

وبالجملة : إنّ العمل بالقاعدة على عمومها بحيث لا يلتزم بتخصيصها بما تقدّم من الموارد يلزم منه ـ على حدّ تعبير الشيخ ـ فقه جديد ، والالتزام بتخصيصها يلزم منه ما تقدّم.

هذه حصيلة الإشكال.

ويمكن أن نطرحه بصيغة ثانية أو بروح أخرى هي : انّ كثرة تخصيص الحديث يعني أنّ في الإسلام أحكاما كثيرة هي ضررية ولا ترتفع بحديث نفي الضرر ، ومن ثمّ تكون ثابتة بالرغم من كونها ضررية ، وهذا معناه : أنّ الإسلام ضرري في كثير من أحكامه وأنّه يوقع أتباعه في الضرر. وهذا تشويه واضح لسمعة الإسلام النزيه عن هذا وأمثاله.

__________________

(١) ولعلّ على هذا المنوال يمكن ذكر أمثلة أخرى ، من قبيل سلب حرية الزوجة من التزوّج بزوج آخر ، أو عدم جواز خروجها من البيت بدون إذن زوجها أو ...

١٣٧

وإشكال كثرة التخصيص الذي طرحه الشيخ الأعظم يمكن أن يجعل منه أعداء الإسلام ـ من باب : من فمك أدينك ـ وسيلة للطعن على الإسلام ، فإنّ من قبل بلزوم تخصيص الأكثر بشكل وآخر فقد قبل بتشويه سمعة الإسلام من حيث لا يدري.

هذه صياغة ثانية للإشكال.

ويمكن أن نتقدّم بصياغة ثالثة للإشكال ، وهي أنّ الحديث مسوق مساق الامتنان على الامّة الإسلامية ، وسوق القضية مساق الامتنان يجعلها عرفا تأبى عن التخصيص حتى ولو فرض عدم كثرته أو فرض عدم استهجان كثرة التخصيص ، خصوصا إذا التفتنا إلى أنّ الخارج من القاعدة هو من القضايا الأساسية في الإسلام ، كالحدود والديات وأمثالها.

إنّ خروج أمثال هذه الأحكام الأساسية في الإسلام عن القاعدة المسوقة مساق الامتنان مستهجن ومرفوض عرفا.

وهل ترى من المناسب أن يقول الشارع : لم أجعل عليكم حكما ضرريا امتنانا منّي عليكم إلاّ في باب الحدود والديات والقصاص فقد أثبتّ عليكم حكما ضرريا ولم أمتن عليكم؟!

هذه صيغ ثلاث للإشكال ، والمذكور منها في كلمات الأعلام هو الصيغة الاولى فقط.

وقد ذكروا للجواب عن ذلك عدّة وجوه نذكر من بينها :

١ ـ ما أفاده الشيخ الأعظم من أنّ خروج الأكثر حصل بعنوان واحد جامع لها ولم يخرج كل واحد منها بعنوانه الخاصّ ، كل ما في الأمر انّ ذلك العنوان الجامع مجهول لنا. ومتى ما كان الخروج بعنوان‌

١٣٨

واحد فهو ليس بمستهجن حتى ولو كان الخارج به الأكثر ، كما إذا قيل : «أكرم الناس» ودلّ دليل آخر على خروج الفاسق الذي هو شامل لأكثر الأفراد ، فإنّه لا استهجان فيه.

وردّ الآخوند ذلك بأنّه لا فرق في الاستهجان بين أن يكون ذلك بعنوان واحد أو بعناوين متعدّدة.

والميرزا (١) ـ وتبعه على ذلك السيّد الخوئي ـ فصّل بين القضية الحقيقية والخارجية ، ففي الخارجية يمتنع تخصيص الأكثر ولو بعنوان واحد ، كما لو قيل : أكرم من في العسكر ، ثمّ أخرج بني تميم الذين يساوي عددهم عدد العسكر باستثناء ثلاثة أو أربعة، وأمّا في القضية الحقيقيّة فلا يمتنع ذلك.

ثمّ أفاد أنّ الحديث الشريف حيث إنّه من قبيل القضايا الخارجية باعتبار أنّه ناظر إلى الأحكام التي بلّغها الله سبحانه إلى الناس بلسان نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فالحقّ مع الآخوند.

وهذا الجواب كما ترى يسلّم بأنّ أكثر الأحكام ضررية فيبقى الإشكال بصيغته الثانية.

٢ ـ ما ذكر في جملة من الكلمات بالنسبة إلى الديات والحدود والقصاص والحجّ والجهاد ، من أنّها مجعولة ضررية ومبنيّة على الضرر ، والحديث ناظر إلى العمومات التي قد تكون ضررية وقد لا تكون ويقيّدها بصورة عدم الضرر ، ومعه فكل حكم جعل ضرريا بطبعه من أوّل الأمر لا يكون مشمولا لحديث لا ضرر.

__________________

(١) رسالة لا ضرر : ٢١١.

١٣٩

وهذا كما ترى يسلّم بالضرر في الأحكام المذكورة فيبقي الإشكال بصيغته الثانية.

٣ ـ إنّه في باب الخمس لا يصدق الضرر ، لأنّ الشارع لم يعتبر الشخص مالكا لمقدار الخمس حتى يكون وجوب إخراجه ضررا عليه ، بل اعتبره شريكا مع السادة ، ولكن يصدق قلّة النفع وهي ليست بضرر (١). أجل الزكاة هي فرع الملك ويصدق الضرر بالنسبة إليها ، ولكن لا يشملها الحديث من باب أنّها بطبعها مبنيّة على الضرر.

٤ ـ ما ذكر في غير واحد من الكلمات ، من أنّ موارد الضمان والقصاص هي من موارد تعارض الضررين ، فإنّ عدم الضمان ضرر على المضمون له والضمان ضرر على الضامن. وهكذا يرد في موارد القصاص ، فإنّه ضرر على الجاني وعدمه ضرر على المجني عليه ، والحديث لا يشمل موارد تعارض الضررين.

إلى غير ذلك من الأجوبة ، وهي كما ترى لا يخلو أكثرها من تكلّف ، مضافا إلى أنّها لا تحلّ الإشكال بجميع صيغه.

والذي نراه في الجواب أن يقال : إنّه لو فرضنا اسرة كبيرة تعيش في بيت واحد ، وكان ربّ الاسرة يشرف عليها ويدير أمرها بما يراه صلاحا لها فقال من باب الحفاظ عليها : على الثري من أفراد الاسرة أن يدفع في نهاية كل عام جزءا من الفائض عنده ليصرف في إصلاح شئون الفقراء من الاسرة ، أو ليرمّم به البيت الذي تعيش فيه الاسرة ، أو ليشترى به للأسرة سيّارة يستفيد منها كل أفرادها ، هل ترى في مثل‌

__________________

(١) هكذا ذكر جماعة منهم السيّد الخوئي في المصباح ٢ : ٥٣٩. هذا ولكن السيّد الشهيد في التقرير ٥ : ٤٧٤ اختار انّ كليهما في طول الدخول في الملك.

١٤٠