دروس تمهيديّة في القواعد الفقهيّة - ج ١

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

دروس تمهيديّة في القواعد الفقهيّة - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الفقه للطباعة والنشر
الطبعة: ٥
ISBN: 964-499-038-2
ISBN الدورة:
964-91559-2-9

الصفحات: ٢١٤
الجزء ١ الجزء ٢
١
٢

٣
٤

٥
٦

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‌

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على اشرف الخلق محمد وعلى اهل بيته الطيبين الطاهرين.

ان الميّزة البارزة في دراساتنا الحوزوية دقة البحث وعمقه من جانب ، وشموليته واستيعابه من جانب آخر. وهو ثري من هاتين الناحيتين.

بيد ان كثيرا من الجواهر واللآلئ فيه مكنوزة تحتاج الى غواص يخرجها بالفاظ عذبة ومنهجة مريحة.

وقد جاءت محاولتنا في القواعد الفقهية تنحو هذا المجال ، ولا ندري كم هي موفقة في ذلك.

وكانت بذور المحاولة مجموعة محاضرات القيت خلال عامين على مجموعة من طلابنا الاعزاء في حوزة اهل البيت عليهم‌السلام ومدينتهم المقدسة قم المباركة.

وتعميما للفائدة قصدنا نشرها لتكون دروسا تمهيدية في القواعد‌

٧

الفقهية ، وليتمكن الطالب من خلال المرور بها على استيعاب تلك القواعد التي سوف يواجهها في بحوث مرحلة الخارج بشكل اكبر دقة وعمقا وشمولا ، ولنكون بذلك قد قدّمنا بعض الخدمة لحوزاتنا العلمية ، وخففنا عن كاهلنا قسما من المسؤولية التي نشعر بها في اعماق انفسنا ، ولنحوز بذلك ذرة من رضا مولانا وسيدنا والحجة من قبل الله سبحانه علينا الحجة بن الحسن روحي وارواح العالمين له الفداء. ولئن كنا موفقين في هذا المجال فذلك من توفيق الله سبحانه والا ففي بقية الاخوة كامل الآمل.

باقر الايرواني‌

١٩ ربيع الثاني ١٤١٧ ه‍ ـ قم المقدسة‌

٨

المدخل‌

يجدر بنا قبل أن ندخل في صميم البحث عن القواعد الفقهية الاطلاع على ما يلي :

مدى أهمية البحث عن القواعد الفقهية‌

لا نكون مبالغين إذا قلنا بأن البحث عن القواعد الفقهية لا يقلّ في الأهمية عن البحث في القواعد الاصولية ، فالقواعد الاصولية تكمن أهميتها من خلال وقوعها في طريق استنباط مجموعة من الأحكام الفقهية ، وكذلك الأمر في القواعد الفقهية ؛ فالفقيه يستعين بها في تحصيل مجموعة من الأحكام الفقهية.

فالمصلّي إذا نسي قراءة الفاتحة أو السورة في صلاته أو صلّى بدون وضوء أو اقتدى بشخص واتضح كونه فاسقا أو اتضح كونه يصلّي نافلة أو ... ان هذه وأمثالها يمكن للفقيه أن يستحصل على‌

٩

حكمها من خلال قاعدة لا تعاد الصلاة إلاّ من خمسة : الطهور والوقت والقبلة والركوع والسجود.

ان القاعدة المذكورة تدلّ على انّه متى ما حصل الإخلال بواحد من الخمسة المذكورة وجبت إعادة الصلاة ، دون ما اذا حصل الإخلال بغيرها ؛ فنسيان الحمد أو السورة لا يبطل الصلاة ، لأنّه ليس أحد الخمسة المذكورة ، وهكذا الصلاة خلف شخص اتضح كونه فاسقا أو يصلّي نافلة ، بخلاف ما اذا صلّى بدون وضوء فان صلاته باطلة لأن الطهور أحد الخمسة المستثناة.

وعلى هذا المنوال يمكن أن نخرج بأحكام أخرى كثيرة بتوسط القاعدة المذكورة.

هذه واحدة من القواعد الفقهية. وعلى منوالها قواعد أخرى كثيرة لا تقلّ عنها أهمية.

فهل ترى بعد هذا استغناء الفقيه عن بحث القواعد المذكورة؟

تاريخ البحث في القواعد الفقهية‌

والفقهاء لم يولوا القواعد الفقهية اهتماما كما أولوا القواعد الأصولية ذلك ، فالقواعد الأصولية أفردوها بالبحث وبعلم مستقل تحت عنوان علم أصول الفقه ، وأخذ هذا العلم بالتطور تدريجا وبمرور الزمن حتى بلغ القمة في وقتنا الحاضر ، بينما لا نجد هذا المعنى في القواعد الفقهية ، فهي لم تفرد ببحث مستقل وانما يبحثها الفقيه في علم الأصول وبشكل استطرادي ، أو في الفقه وبمناسبات خاصة.

فقاعدة لا ضرر بحثها الشيخ الأعظم قدس‌سره في أصوله المسمى‌

١٠

بالرسائل ، فبعد أن أنهى بحثه في البراءة والاشتغال تعرّض إلى بحث آخر تحت عنوان خاتمة في شرائط جريان الأصول العملية ، فذكر ان أصل البراءة لا يجري إلاّ اذا فحص المجتهد عن الأدلة الاجتهادية الى حدّ اليأس عن العثور على دليل للحكم ، انّه آنذاك يمكنه اجراء أصل البراءة ، وإلاّ فقبل الفحص لا يمكنه اجراء الأصل المذكور ، ثم أخذ يتدرج في البحث المذكور حتى وصل إلى نقل رأي عن الفاضل التوني يقول فيه : ان من شرائط جريان البراءة عدم كون المورد مشمولا لقاعدة لا ضرر. وأخذ الشيخ بمناقشة الرأي المذكور ، ولما أنهى مناقشته قال : انّه لا بأس ان نبحث القاعدة المذكورة بشكل مستقل. وأخذ ببحثها ، وتابعه على ذلك من جاء بعده.

ان القاعدة المذكورة نجدها قد بحثت في علم الأصول ولم تبحث في الفقه ، فضلا عن إفرادها واخواتها بعلم مستقل.

وهكذا نجد الأمر في مثل أصالة الصحة وقاعدة الفراغ والتجاوز قد بحثها الشيخ الأعظم في رسائله بمناسبة خاصة ، وواكبه على ذلك من تأخّر عنه.

هذا شأن بعض القواعد الفقهية ، وبعضها الآخر يبحثها الفقيه استطرادا في أبحاثه الفقهية كقاعدة لا تعاد أو نفي العسر والحرج أو قاعدة اليد والقرعة و ... ولعلّ أول من فكّر في افراد القواعد الأصولية ببحث مستقل هو الشهيد الأول في كتابه المعروف بالقواعد والفوائد الذي طبع طبعة محققة في جزءين ؛ ولكن الكتاب المذكور ليس ممحضا في القواعد الفقهية ، بل يذكر قواعد أخرى أجنبية عن الفقه هي أشبه باللغوية أو‌

١١

الأدبية أو الكلامية أو الأصولية.

فمثلا يذكر في القاعدة الأولى تفسير الفقه لغة وشرعا ، وفي القاعدة الثانية أقسام الحكم الشرعي ، وفي القاعدة الثالثة ان العبادات تتصف بالأحكام الخمسة ما عدا الاباحة ، فالصلاة مثلا تكون واجبة أو مستحبة أو مكروهة أو محرّمة ولا تكون مباحة ، وهذا بخلاف العقود فانها تتصف بجميع الأحكام الخمسة ، وعلى هذا المنوال يذكر قواعد أخرى كثيرة.

ومن هنا نجد ان تسمية الكتاب جاءت بالقواعد والفوائد ، فلم تقيد القواعد بالفقهية وعطفت الفوائد على القواعد.

وعلى أي حال ان بحث الكتاب المذكور عن القواعد الفقهية أمر نادر ، واذا بحثها اتفاقا بحثها بالشكل المناسب لتلك الفترة الزمنية ، فهو لا يذكر مدرك القاعدة وجهات البحث فيها وكيفية الاستفادة منها.

وجاءت في الآونة الأخيرة بعض المحاولات الجيدة في هذا المجال ؛ أخص من بينها بالذكر : القواعد الفقهية للسيد البجنوردي ، والقواعد الفقهية للشيخ الشيرازي ، ومائة قاعدة للسيد المصطفوي.

ولا ننسى الالتفات الى أن الفترة المتوسطة بين عصر الشهيد الأول والآونة الأخيرة اشتملت على بعض المؤلفات الأخرى المخطوطة والمطبوعة.

فمن المطبوعة : عوائد الأيام في بيان قواعد الأحكام ومهمات مسائل الحلال والحرام للشيخ النراقي ، إلاّ أنّه ليس بمستوعب لها ، بل هو يشتمل على عشر قواعد تقريبا ، وأكثره ناظر الى فوائد أخرى من قبيل البحث عن ولاية الفقيه ، وتحقيق حال كتاب الفقه الرضوي ،

١٢

واستعراض بعض الفوائد الرجالية ؛ من قبيل : بيان معنى اسند عنه أو الفرق بين الكتاب والأصل والنوادر ، أو بيان معنى فلان مولى فلان ، إلى غير ذلك.

ومن الکتب المخطوطة بعض الرسائل الخاصة بالقواعد الفقهية التي أشار لها الشيخ آقا بزرك في الذريعة ، كرسالة السيد محمد مهدي القزويني ، ورسالة المولى محمد جعفر الأسترابادي وغير ذلك.

القاعدة الفقهية والفارق بينها وبين القاعدة الأصولية‌

في مجال التفريق بين القاعدة الفقهية والقاعدة الأصولية يمكن أن تقدم عدّة فوارق قد يكون بعضها قابلا للمناقشة ، إلاّ اننا نترك ذلك الى مستوى أعلى.

١ ـ ان القاعدة الفقهية قاعدة تشتمل على حكم شرعي عام يستفاد من تطبيقها الحصول على أحكام شرعية جزئية هي مصاديق لذلك الحكم العام ، بينما القاعدة الاصولية قاعدة تستبطن حكما عاما يستفاد من خلال تطبيقها استنباط أحكام شرعية كلية مغايرة لذلك الحكم العام.

مثال ذلك : قاعدة الطهارة التي هي قاعدة فقهية والتي تنص على أن كل شي‌ء يشك في نجاسته فهو محكوم بالطهارة.

انّ هذه القاعدة تتضمن حكما شرعيا عاما ، واذا طبقناها على مواردها لم نحصل على أحكام أخرى تتغاير ومضمونها ، بل على أحكام تتفق ومضمونها ، بيد أنها أضيق فاذا كان لدينا ملابس نشك في نجاستها ، فمن خلال تطبيقها عليها نحكم بأنها طاهرة. والحكم هذا‌

١٣

بالطهارة على الملابس التي يشك في نجاستها هو بنفسه مضمون قاعدة الطهارة وليس شيئا غيره ؛ غايته انّه أضيق وخاص بالملابس.

وهذا بخلاف قاعدة حجيّة خبر الثقة التي هي قاعدة أصولية ، فانّه من خلال تطبيقها نستفيد حرمة العصير العنبي اذا غلى فيما اذا دلّ خبر ثقة على ذلك ، والحرمة المذكورة ليست مصداقا لمضمون حجيّة خبر الثقة ، بل هما شيئان متغايران تمام التغاير ، إلاّ ان أحدهما يستنبط منه الثاني ويستحصل عليه من خلاله.

اذن القاعدة الفقهية حكم شرعي عام تستفاد من خلال تطبيقها أحكام شرعية جزئية هي مصاديق لذلك الحكم العام ، بخلافه في القاعدة الأصولية فان ما يستحصل عليه منها هي أحكام شرعية مغايرة لذلك الحكم العام.

ويمكن أن نعبّر عن هذا الفارق الأول بتعبير ثان وهو ان القاعدة الفقهية يستفاد منها في مجال التطبيق على مصاديقها ، بينما القاعدة الأصولية يستفاد منها في مجال الاستنباط.

٢ ـ ان القاعدة الفقهية تقدّم لنا من خلال تطبيقها أحكاما جزئية بخلاف القاعدة الأصولية فإنها تقدم لنا أحكاما كليّة. فبتطبيق قاعدة الطهارة وعلى مواردها نستفيد ان هذا الماء طاهر ، وذاك الطعام طاهر (١) بينما نستفيد من خلال تطبيق قاعدة حجيّة خبر الثقة أن العصير العنبي الكلي إذا غلى حرم ، لا أن هذا العصير أو ذاك العصير الخاص يحرم إذا غلى.

__________________

(١) يمكن التأمل في ذلك باعتبار انه قد يستفاد من القاعدة الفقهية حكم كلي كطهارة الحديد لو شككنا في طهارته في نفسه.

١٤

٣ ـ ان القاعدة الفقهية يتعهد بتطبيقها المكلّف العامي دون المجتهد ، فالمجتهد يقدّم الى العامي كبرى قاعدة الطهارة ويقول له : انّ كلّ شي‌ء مشكوك النجاسة هو طاهر ، اما ان هذا أو ذاك هو مشكوك النجاسة ومن ثمّ هو طاهر فوظيفته راجعة إلى العامي ، فهو الذي يقول : هذا الطعام الذي في بيتي مشكوك النجاسة فهو طاهر. ولا يبقى منتظرا الرجوع إلى المجتهد ليتصدى للدور المذكور. هذا في مثل قاعدة الطهارة.

أما مثل كبرى حجيّة خبر الثقة فتطبيقها على مواردها وظيفة المجتهد ، فهو الذي يبحث عن الخبر الدال على حرمة العصير ويبحث عن وثاقة الراوي ويطبق كبرى حجية خبر الثقة عليه بعد ثبوت كونه ثقة (١).

المسألة الفقهية والقاعدة الفقهية‌

بعد أن عرفنا الفرق بين القاعدة الفقهية والقاعدة الأصولية قد تسأل عن الفارق بين المسألة الفقهية والقاعدة الفقهية؟

والجواب : ان الفارق هو أن موضوع الأولى خاص ، بخلاف موضوع الثانية فانّه عام ، فمثلا قولنا : «الصلاة واجبة» و«شرب الخمر محرم» مسألة فقهية ، فالأولى خاصة بموضوع الصلاة ، والثانية خاصة بموضوع شرب الخمر.

وهذا بخلاف قولنا «كلّ شي‌ء لك طاهر حتى تعلم بأنّه نجس»

__________________

(١) يمكن أن يورد على هذا الفارق بأن بعض القواعد الفقهية لا يمكن للعامي تطبيقها ، مثل لا ضرر ولا تعاد و ...

١٥

فانّه قاعدة فقهية ، حيث ان موضوعه عام وله جنبة شمولية لموضوعات متعددة ولم يؤخذ فيه موضوع معين.

وأما المسألة الأصولية والقاعدة الأصولية فهما واحد ولا فرق بينهما.

ما به الاشتراك والامتياز‌

ومن خلال ما سبق اتضح ان القاعدة الفقهية تلتقي مع القاعدة الاصولية في نقطة ، وتفترق عنها في نقطة أخرى.

اما نقطة الالتقاء فهي ان كلتا القاعدتين لهما جنبة شمولية لأكثر من مسألة واحدة ولا تختصان بمورد معين.

واما نقطة الافتراق فهي ان القاعدة الأصولية يستنبط منها حكم شرعي مغاير لها ، بينما القاعدة الفقهية يستحصل من خلال تطبيقها على أحكام لا تغاير مضمونها ، بل هي جزئيات ومصاديق لمضمونها الكلي.

القواعد الفقهية لا تنحصر في عدد معين‌

حيث ذكرنا فيما سبق ان القاعدة الفقهية ترجع في حقيقتها إلى حكم شرعي عام، له سعة وشمولية لمجموعة مسائل فقهية هي بمنزلة المصاديق له يتضح أن القواعد الفقهية لا تنحصر في عدد معين بل يمكن من خلال مراجعة الرسائل العملية لفقهائنا العظام الحصول على قواعد فقهية كثيرة من قبيل قاعدة «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» أو «البينة على من ادّعى واليمين على من أنكر» أو «ان دين الله‌

١٦

أحق بالقضاء من دين الناس» أو «من حاز ملك» أو «كل شرط نافذ إلاّ ما خالف الكتاب العزيز ومقتضى العقد» أو «ما على المحسنين من سبيل» و ....

القاعدة الفقهية على قسمين‌

والقواعد الفقهية على قسمين ، فبعضها يختص بباب واحد ، وبعضها يعمّ أكثر من باب.

مثال الأول : قاعدة لا تعاد ، فانها خاصة بباب الصلاة ، وقاعدة الطهارة فانها خاصة بباب الطهارة ، وقاعدة ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده وبالعكس ، فانها خاصة بباب المعاملات.

ومثال الثاني : قاعدة لا ضرر ، وقاعدة نفي العسر ، فانهما تعمّان أبوابا مختلفة.

١٧
١٨

قاعدة لا تعاد‌

١ ـ مضمون القاعدة

٢ ـ مدرك القاعدة

٣ ـ عدم شمول القاعدة للعامد

٤ ـ هل تختص بالناسي

٥ ـ هل تعمّ الجاهل بكلا قسميه

٦ ـ معذورية العامد في بعض الحالات

٧ ـ هل تختص القاعدة بحالة الفراغ

٨ ـ عموم القاعدة لحالة الزيادة

٩ ـ نكتة عدم الإشارة إلى بعض الأركان

١٠ ـ ما المراد بالطهور

١١ ـ هل تعم القاعدة الموانع

١٢ ـ تطبيقات على ضوء قاعدة لا تعاد

١٩
٢٠