تنقيح المقال - ج ٢

الشيخ عبد الله المامقاني

تنقيح المقال - ج ٢

المؤلف:

الشيخ عبد الله المامقاني


المحقق: الشيخ محمّد رضا المامقاني
الموضوع : رجال الحديث
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-319-383-6
ISBN الدورة:
978-964-319-380-5

الصفحات: ٥٦٠

ذي امرّ (*) ـ ثمّ غزوة نجران (١) بالحجاز ، ثمّ غزوة احد (٢) ، ثمّ غزوة حمراء الأسد (٣) ، ثمّ غزوة بني النضير (٤) ـ وهي غزوة

__________________

ثمّ غزوة بحران ؛ خرج لمستهلّ شهر ربيع الآخر حتّى بلغ بحران بناحية الفرع ورجع ولم يلق كيدا. ولعلّها : سويقة ، وهي مواضع عديدة منها جبل بين ينبع والمدينة ، وقيل : هي قريب من السيالة.

لاحظ : مراصد الاطلاع ٢/٧٥٩ ، ومعجم البلدان ٣/٢٨٦ ـ ٢٨٧.

(*) بفتح الهمزة والميم وتشديد الراء المهملة. [منه (قدّس سرّه)].

(١) كذا ، وقيل : بحران ، وهو موضع بالحجاز من فوق الفرع ، كما قاله المسعودي في مروج الذهب ٢/٢٨١ ، وقال الطبري في تاريخه ٢/٤٨٧ : .. ثم غزا نجدا يريد غطفان ، وهي غزوة ذي أمر .. ثمّ قال : ثمّ غزا يريد قريشا وبني سليم ، حتى بلغ نجران .. معدنا بالحجاز من ناحية الفرع ..

(٢) وكانت في السنة الثالثة أيضا ؛ حيث خرج صلوات اللّه عليه وآله يوم الجمعة لاربع عشرة ليلة خلت من شوال ، وفي تاريخ الطبري ٢/٤٩٩ قال : وكانت في شوال يوم السبت لسبع ليال خلون منه ـ فيما قيل ـ في سنة ثلاث من الهجرة.

انظر عنها المعارف لابن قتيبة : ١٥٨ ـ ١٦١ ، تاريخ الطبري ٢/١٨٧ ـ ٢١٢ (طبعة الأعلمي ، بيروت ، وفي طبعة دار المعارف ٢/٤٩٩ ـ ٥٣٣) .. وجملة كتب التاريخ الإسلامي.

(٣) خرج لها صلّى اللّه عليه وآله يوم الأحد لأربع عشرة بقيت من شوال ورجع ، وقيل غير ذلك ، ولم يلق كيدا.

(٤) وكانت في السنة الرابعة من الهجرة المباركة ، وخرج إليها يوم الثلاثاء لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأوّل ، فحاصرهم ثلاثة وعشرين يوما حتى أجلاهم ورجع لخمس خلون من شهر ربيع الآخر. لاحظ : تاريخ الطبري ٢/٥٥٠ ـ ٥٥٥.

٣٦١

السويق ـ (١) ، ثمّ غزوة ذات الرقاع (٢) ، ثمّ غزوة بدر الآخرة (٣) ـ وتسمّى ب‌ : بدر الصغرى أيضا (٤) ـ ، ثمّ غزوة دومة الجندل (٥) ، ثمّ غزوة الخندق (٦) ـ وهي

__________________

(١) كذا ، وقد مرت قريبا ، ولا معنى لتكرارها هنا ، فلاحظ.

(٢) خرج لها صلوات اللّه عليه يوم الأثنين لعشر خلون من جمادى الاولى ورجع يوم الأربعاء من هذا الشهر.

(٣) كذا ، والظاهر : اخرى ، وجعل الطبري غزوة بدر الثانية هي غزوة السويق.

(٤) ويقال لها : بدر الأخيرة ـ كما في تاريخ المسعودي ٢/٢٨١ ـ ، كما يقال لها : بدر الموعد ـ أيضا ـ.

خرج لها صلوات اللّه عليه وآله يوم الخميس مستهل شعبان ، ورجع يوم الأربعاء لعشر بقين منه.

(٥) كان المفروض أن تؤخّر هذه الغزوة على الخندق وبني قريظة ، حيث كانت في السنة الخامسة ، عندها خرج صلوات اللّه عليه وآله مستهلّ المحرم يوم الاثنين إلى الأكيدر بن عبد الملك السكوني ، حيث شكوا التجار ظلمه ، وقد هرب ، ورجع (ص) في صدر صفر. وذكر الطبري ٢/٥٦٤ أنّها كانت في شهر ربيع الأول.

وقيل : دوما الجندل ، ويقال لها : دو ماء الجندل ، وهي من أعمال المدينة ، حصن على سبعة مراحل من دمشق ، بينها وبين المدينة ، وعلى دومة سور يتحصن به ، وفي داخل السور حصن منيع يقال له : مارد ، وهو حصن أكيدر بن عبد الملك ، صالحه النبي عليه السلام وآمنه ـ وكان نصرانيا ـ وأجلاه عمر فيمن أجلى من أهل الكتاب إلى الحيرة .. انظر : مراصد الاطلاع ٢/٥٤٣ ، ومعجم البلدان ٢/٤٨٧ ـ ٤٨٩ .. وغيرهما.

وقد ذكر المسعودي في تاريخه ٢/٢٨١ بعد غزوة دومة الجندل غزوة المريسيع.

(٦) خرج إليها يوم الخميس لعشر خلون من شوال من السنة الرابعة ، وانقضى أمرها يوم السبت لليلة خلت من ذي القعدة ، انظر : المعارف لابن قتيبة : ١٦١ .. وغيره.

٣٦٢

الأحزاب ـ ثمّ غزوة بني قريظة (١) ، ثمّ غزوة بني لحيان من هذيل ـ وتسمّى غزوة عسفان (٢) ، وغزوة الرجيع (٣) أيضا ـ ، ثمّ غزوة

__________________

(١) وقد خرج اليها صلّى اللّه عليه وآله وسلّم في اليوم الذي انقضى فيه أمر الخندق ، فحاصرهم خمسة وعشرين يوما ، ورجع يوم الاثنين لأربع خلون من ذي الحجة.

كلّ هذا في السنة الرابعة ؛ كما أوردها الطبري في تاريخه ٢/٢٤٥ في حوادث السنة الرابعة.

(٢) كانت في مبدأ السنة الخامسة من الهجرة المباركة غزوة دومة الجندل كما سلف ، ثمّ هذه الغزوة ، وقد خرج لها صلوات اللّه عليه وآله يوم الثلاثاء غرة جمادى الاولى إلى نجيب بن عمرو وأصحابه واعتصموا برؤوس الجبال ، وهجم على طائفة على ماء لهم يقال له : الكدر ، فهزموا وغنموا أموالهم ، ثمّ منها سار إلى أن نزل عسفان وبعث منها خيلا إلى الهدرة ، وهي على ستة أميال من مكّة فاخطأته عير قريش فرجع ولم يلق كيدا ، انظر عنها ـ مثلا ـ تاريخ الطبري ٢/٢٥٤ [٢/٥٩٥ من طبعة مصر] وجعلها في سنة ست من الهجرة .. وغيره.

أقول : عسفان : ـ بضم أوّله وسكون ثانية ، ثمّ فاء وآخره نون ـ قيل : منهلة من مناهل الطريق بين الجحفة ومكة ، وقيل : عسفان بين المسجدين ، وهي من مكّة على مرحلتين .. وقيل غير ذلك.

لاحظ : مراصد الاطلاع ٢/٩٤٠ ، ومعجم البلدان ٤/١٢١ ـ ١٢٢ .. وغيرهما.

(٣) هذا هو الموضع الذي غدرت فيه عضل والقارة بالسبعة نفر الذين بعثهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله ، ومنهم كان عاصم بن ثابت الذي حمته الدّبر ، وهو ماء لهذيل قرب الهدّة بين مكّة والطائف ، وهناك واد قرب خيبر بهذا الاسم. وكانت عند الطبري في تاريخه ٢/٥٣٨ في السنة الرابعة بعد غزوة احد.

لاحظ : مراصد الاطلاع ٢/٦٠٦ ، ومعجم البلدان ٣/٢٩ .. وغيرهما.

٣٦٣

ذي قرد (١) ، ثمّ غزوة بني المصطلق ـ وهي غزوة المريسيع (٢) ـ ، ثمّ غزوة الحديبية (٣) ..

__________________

(١) ذي قرد ، على ثلاث أيام من المدينة ، سار لها صلوات اللّه عليه وآله مباشرة بعد غزوة عسفان.

وقد تمت إلى هنا السنة الخامسة للهجرة المباركة ، وقد ذكرها الطبري في تاريخه ٢/١٨١ في السنة الثالثة ، وسماها : غزوة القردة ، وفي السنة الخامسة ٢/٢٥٥ ذكر غزوة ذي قرد ، وهما على هذا اثنان.

أقول : قرد ـ بالتحريك ـ ذو قرد : ماء على ليلتين من المدينة بينها وبين خيبر ، خرج إليه النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم في طلب عيينة بن حصن حين أغار على لقاح رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم.

لاحظ : مراصد الاطلاع ٣/١٠٧٦ ـ ١٠٧٧ ، ومعجم البلدان ٤/٣٢١ ـ ٣٢٢ .. وغيرهما.

(٢) المريسيع : وهو ماء لبني المصطلق من خزاعة ، وهو ماء من ناحية قدير إلى الساحل.

انظر : مراصد الاطلاع ٣/١٢٦٣ ـ ١٢٦٤ ، ومعجم البلدان ٥/١١٨ .. وغيرهما.

وقد خرج إليها صلّى اللّه عليه وآله وسلم في السنة السادسة للهجرة ، يوم السبت غرة شعبان فغنم وكرّ راجعا فيه.

وقد ذكرها ابن قتيبة في المعارف : ١٦١ بعد غزوة الخندق بقوله : يوم بني المصطلق ، ثمّ ذكر غزوة يوم بني لحيان ، وكان في شعبان من السنة الخامسة.

انظر : تاريخ الطبري ٢/٢٦٠ ، ومروج الذهب ٢/٢٨١ .. وغيرهما.

(٣) حيث خرج صلّى اللّه عليه وآله وسلّم يوم الخميس غرة ذي القعدة وكان فيها الموادعة ، ورجع سلخ ذي الحجة ، وقيل بعد أن مضى خمس من المحرم ، ولا تعدّ غزوة وأنّما كانت عمرة.

٣٦٤

ثمّ غزوة خيبر (١) ، ثمّ غزوة عمرة القضاء (٢) ، ثمّ فتح مكّة (٣) ، ثمّ حنين (٤) ، ثمّ الطائف (٥) ، ثمّ تبوك (٦).

__________________

(١) وكانت في السنة السابعة من الهجرة ، خرج من المحرم منها إليها فحاصرهم بضعة عشر يوما ، وارتحل منها إلى قرى عريبة ـ وهي فدك ، كما قاله أبو عبيد في الأموال : ٩ ، ويحيى بن آدم في الخراج : ٦١٩ ، والحموي في معجم البلدان ٢/٤٠٩ ـ ٤١١ .. وغيرهم ـ وانصرف عنها مستهلّ شهر ربيع الآخر ، إلاّ أنّ ابن قتيبة في المعارف : ١٦١ ذكر أنّها وقعت في السنة السادسة.

وانظر : تاريخ الطبري ٢/٢٩٨.

(٢) وكان خروجه إليها يوم الاثنين لست خلون من ذي القعدة ، فأخلت له مكّة ثلاثة أيام.

أقول : هنا سهو ظاهرا ، حيث ليس هناك غزوة بهذا الاسم ، بل كلّ ما جاء تاريخيا هو أنّهم قالوا : ثمّ اعتمر عليه السلام عمرة القضاء ، ثمّ فتح مكة .. كما في مروج الذهب ٢/٢٨١ .. وغيره.

(٣) كانت في السنة العاشرة من الهجرة المباركة في شهر رمضان ، لاحظ : المعارف لابن قتيبة : ١٦٣ ، وتاريخ الطبري ٢/٣٢٣ ـ ٣٤٤ .. وغيرهما.

(٤) وقد وقعت في النصف من شهر شوال من السنة الثامنة منه أيضا.

انظر : المعارف لابن قتيبة : ١٦٣ ـ ١٦٥ ، وتاريخ الطبري ٢/٣٤٤ .. وغيرهما.

(٥) وكانت في السنة الثامنة أيضا ، بعدها غزوة عمرة الجعرانة بين حنين والطائف.

(٦) وكانت في السنة التاسعة من الهجرة ، وهو جيش العسرة ؛ خرج لها صلوات اللّه عليه وآله يوم الأثنين غرة رجب ورجع سلخ شوال.

قال المسعودي في تاريخه ٢/٢٨١ ـ ٢٨٢ ـ بعد هذا ـ : قاتل منها في تسع غزوات : بدر ، واحد ، والخندق ، وقريظة ، وخيبر ، والفتح ، وحنين ، والطائف ، وتبوك .. وهذا

٣٦٥

وربّما عنون جمع من الفريقين غزوات اخر ؛ كغزوة قينقاع (١) ، وبئر معونة (٢) ، وذات السلاسل (٣) ، والخبط (٤) .. فإن كانت هذه غزوات اخر ، صارت غزواته إحدى وثلاثين ، وإن كانت المذكورات أسماء اخر لبعض ما مرّ لم يزد العدد.

ولا أستبعد أن تكون غزوة بئر معونة هي غزوة بني سليم المتقدّمة المسمّاة

__________________

القول لمحمّد بن إسحاق ، إلاّ أنّ الواقدي ذهب الى أنّها أحد عشر ، هي غزاة وادي القرى ، ويوم الغابة ..

وانظر : تاريخ الطبري ٢/٣٧٣ ـ ٣٨٤.

(١) كذا ، والصحيح : غزوة بني قنيقاع.

انظر : تاريخ الطبري ٢/١٧٢ (طبعة الأعلمي بيروت) في السنة الثانية.

(٢) حكي عن ابن إسحاق أنّ بئر معونة بين أرض بني عامر وحرة بني سليم ، وهي إلى هذه أقرب.

وقيل : هي من جبال يقال لها : أبلى ، في طريق المصعد من المدينة إلى مكّة لبني سليم ، عندها كانت قصة الرجيع.

لاحظ : مراصد الاطلاع ١/١٤٢ ، ومعجم البلدان ١/٣٠٢ .. وغيرهما.

(٣) وكانت سنة سبعة ، وهي سرية لا غزوة قادها عمرو بن العاص السهمي ومعه أبو بكر وعمر وأبو عبيدة بن الجراح ، وقد شكى أبو بكر وعمر إلى النبي (ص) من عمرو بن العاص ، كما قاله أبو جعفر البغدادي في المحبر : ١٢٢.

(٤) الخبط ـ بفتحتين وآخره طاء مهملة ـ موضع بأرض جهينة بالقبلية ، وبينها وبين المدينة خمسة أيام ، وهي بساحل البحر .. قاله في المراصد الاطلاع ١/٤٥٠ ، وقارن به مجمع البلدان ٢/٣٤٤.

٣٦٦

بـ‌ : غزوة الكدر أيضا (١).

وقد أرسل صلوات اللّه عليه وآله سرايا كثيرة ـ غير الغزوات ـ تبلغ خمسا وثلاثين (٢) ، ما بين سريّة وبعث (٣) ؛ كسرّية عكاشة بن محصن (٤) ،

__________________

(١) عبّر عنها الطبري في تاريخه ٣/٢١٩ ب‌ : خبر بئر معونة ، وعدّها سرية ، وكانت في السنة الرابعة من الهجرة النبوية ..

هذا ؛ وله صلوات اللّه عليه وآله غزوات اخر ..

منها : غزوة سرية عبيدة بن الحارث إلى أحياء من ثنية المرة ، وهو ماء بالحجاز.

ومنها : غزوة حمزة بن عبد المطلب إلى ساحل البحر من ناحية العيص.

قال الطبري في ٢/٤٠٥ : وبعض الناس يقدم غزوة حمزة قبل غزوة عبيدة.

ومنها : غزوة سعد بن أبي وقاص إلى الحزار من أرض الحجاز.

ومنها : غزوة عبد اللّه بن جحش إلى نخلة .. وغيرها كثير ، كما في تاريخ الطبري ٢/٤٠٥ ـ ٤٠٩ .. وغيره.

(٢) اختلف في عدد سراياه صلوات اللّه عليه أكثر من الاختلاف في غزواته ، ولا شك أنّ العدد يشمل بعوثه أيضا ، والمشهور هو أنّها خمس وثلاثون بعثا وسرية وحكى الطبري [٢/٤٠٨] عن محمّد بن عمر أنّه كانت سرايا رسول اللّه (ص) ثمانيا وأربعين سرية.

وقيل : ستا وستين.

أولى سراياه عقدها صلوات اللّه عليه وآله لعبيدة بن الحارث بن المطلب ، مستهل شهر ربيع الأوّل فبلغ ثنية المرة فلقى عكرمة بن أبي جهل ، فما كان بينهما قتال ورجع بعقب الشهر ، كما قاله في المحبر : ١١٦.

(٣) كذا ، والظاهر : وبعثة ، وقد ذكرها جمع من أعلام التاريخ والسير ، لاحظ المحبر : ١١٦ ـ ١٢٥.

(٤) وكان ذلك في السنة السابعة ، حيث بعثه على سرية إلى الغمرة ، فرجع ولم يلق كيدا.

٣٦٧

وسريّة محمّد بن مسلمة (١) ، وسريّة أبي عبيدة بن الجرّاح (٢) ، وسريّة زيد بن حارثة إلى العيص (٣) ، وسريته بالجموم (٤) ، وسريته إلى الطرف (٥) ، وسريته إلى خمس (٦) وسريته إلى وادي القرى (٨) ، وسريته إلى حسمى (٩) ، وسريته إلى

__________________

(١) وضمّ إليه سلطان بن سلامة ، وكان ذلك في السنة الثالثة ، وذلك إلى كعب بن الأشرف اليهودي فقتلاه.

(٢) وكانت في السنة الخامسة ، وقد وجهها صلوات اللّه عليه وآله إلى سيف البحر. فرجع ولم يلق كيدا ، ثمّ وجهه في تلك السنة إلى ذات القصة ، فرجع ولم يلق كيدا. ووجه مع جيش إلى أسد وطي ورجع ولم يلق كيدا ، وذلك في السنة الخامسة من الهجرة .. كذا قالوا.

(٣) وله قبلها غزوة إلى القردة ، ماء من مياه نجد ، وعدّها البعض سرية.

(٤) كما في تاريخ الطبري ٢/٧١ ، و ٢/٤٠٦ [طبعة مصر ٢/٦٤١] ، والجموم ـ بميمين ـ وهي من أرض [بني] سليم ، وكان ذلك في السنة الرابعة من الهجرة.

(٥) وكان ذلك سنة سبعة من الهجرة ، فرجع ولم يلق كيدا ، وقبلها كانت سرية زيد إلى العيص في جمادى الأول منها.

(٦) كذا ، والظاهر من أرض حسمى ، وهي الآتية فيما بعد ، وإلاّ فلا نعرف بهذا الاسم محل ولا غزوة ولا سرية ، فلاحظ.

(٧) وكان ذلك في السنة الخامسة من الهجرة بواسطة زيد بن الحارثة.

وهو وادي بين المدينة والشام من أعمال المدينة ، كثير القرى ، قاله في مراصد الاطلاع ٣/١٤١٧ ، ولاحظ : معجم البلدان ٥/٣٤٥.

(٨) وهي ـ بالكسر ، ثمّ السكون مقصور ـ أرض ببادية الشام ، بينها وبين وادي القرى ليلتان ، وأهل تبوك يرون جبل حسّمى في غربهم ، وفي شرقهم شروري. ـ

٣٦٨

امّ فرقة (١) ، وسريته إلى فدك مع علي عليه السلام ، وسرية كرز بن جابر الفهري ، وسريته إلى العرينين الذي قتلوا رواعي النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم واستاقوا الإبل ، وسرية عبد الرحمن بن عوف إلى دومة الجندل (٢) ..

__________________

وقيل : حسمى لجذام جبال وأرض بين أيلة وجانب تيه بني إسرائيل وبين أرض عذرة .. قاله في مراصد الاطلاع ١/٤٠٣ ، ومثله في معجم البلدان ٢/٢٥٨ ـ ٢٥٩.

(١) كذا ، وفي المحبر وغيره : أم قرفة الفزارية وسبى هندا بنتها ، وذاك في السنة الخامسة من الهجرة.

كما وأرسل زيد بن الحارثة في السنة السابعة على جيش إلى جذام ، وكانوا قطعوا على دحية بن خليفة الكلبي في منصرفه من عند قيصر.

كما وفي هذه السنة سار إلى فدك ـ أيضا ـ حيث تحول أهلها إلى خيبر بعد ما رووا ما صنع ببني قريظة ، وعامل أهلها معاملة أهل خيبر على النصف ومتى ما شاء أخرجهم.

كما وأنّه بعثه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم سنة ثمان إلى مؤتة ومعه جعفر بن أبي طالب وعبد اللّه بن رواحة رضي اللّه عنهم وقتلوا ثلاثتهم ، فأخذ الراية خالد بن الوليد ولم يؤمره رسول اللّه (ص).

وذكر ابن قتيبة في المعارف : ١٦٣ : أنّ مؤتة كانت في السنة الثامنة من الهجرة.

(٢) وقد أرسله عبد الرحمن بن عوف قبل ذلك سنة خمس من الهجرة إلى كلب على سرية وأمره أن يتزوج بنت سيدها.

وقد سبق قريبا أن عدّت هذه غزوة ، والآن عدّوها سرية ..! فلاحظ.

وقال السيوطي في الوسائل : ٨٢ : أول سراياه [ص] ؛ سرية عبد اللّه بن جحش في جمادي إلى بطن نخلة. ـ

٣٦٩

وغيرها (١).

__________________

وعقد بعدها لحمزة بن عبد المطلب ، وسعد بن أبي وقاص ، وعبد اللّه بن جحش بن رئاب الأسدي ، وغالب بن عبد اللّه الليثي ، ومحمّد بن مسلمة ، وسلطان بن سلامة ، وأبا سلمة بن عبد الأسد المخزومي ، وعبد اللّه بن أنيس ، وزيد بن حارثة ، ومرثد بن كنان الغنوي ، والمنذر بن عمرو الساعدي ، وعبد اللّه ابن أنيس الجهني ، وبلال بن الحارث المزني ، وبشر بن سويد الجهني ، وبشير ابن سعد ، وغالب بن عبد اللّه ، وكعب بن عمير الغفاري ، وعبد اللّه بن رواحة ، ومحيص بن مسعود ، وعمرو بن العاص السهمي ، وأبو العوجاء السلمي ، وأبو العوجاء السلمي ، وعبد اللّه ابن أبي حدرد الأسلمي ، وعمر بن أبي الخطاب ، وخالد بن الوليد ، وعبد اللّه ابن مغفل ، وأبا عامر الأشعري ، والزبير بن العوام ، وبلال بن الحارث المزني ، واسامة بن زيد ، وعيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري ..

فهؤلاء رؤساء السرايا كما حدثنا كتب التاريخ والسير مع كلّ ما فيها من إغراق وجعل .. وقد وفق بعض وخاب آخرون.

(١) انظر عن غزواته صلوات اللّه عليه وآله :

المعرفة والتاريخ ٢/٦٢٩ وما بعدها ، وذكر منها تسعة عشر غزوة ، المعارف لابن قتيبة : ١٥٢ ـ ١٦٥ ، حلية الأولياء ٤/٣٤٣ ـ ٣٤٤ ، البداية والنهاية ٣/١٣١ ، تاريخ الطبري ٣/١٥٢ وما بعدها ، التبيين في أنساب القرشيين : ٦٦ ، جامع الاصول لابن الأثير ١٢/٢٣٧ ـ ٢٤١ ، ومغازي رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله وسلّم) من أعيان الشيعة ١/٢٤٥ .. وغيرها.

لاحظ : مستدركات مقباس الهداية ٥/٣٢٦ [الطبعة الاولى المحقّقة] معرفة مغازي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وسراياه وبعوثه وكتبه ، وكذا معرفة علوم الحديث للحاكم النيسابوري : ٢٣٨ ـ ٢٤٠ .. وغيرهما.

٣٧٠

الثاني :

أنّه لا يخفى عليك أنّ مقتضى الأخبار المتواترة الناطقة (١) بارتداد من عدا الثلاثة (٢) أو الأربعة (٣) أو الخمسة (٤) بعد النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم هو كون الأصل في كلّ صحابي بقي بعد النبي ولم يستشهد في زمانه

__________________

(١) كما في ما رواه المولى الكليني في اصول الكافي ٢/٢٤٤ حديث ٦ ، وعنه في شرح اصول الكافي للمولى المازندراني ٩/١٨٨ ، والكشي في رجاله : ٨ ، وعنه في بحار الأنوار ٢٢/٣٥٢ و ٤٤٠ .. وغيرهما.

وكذا الشيخ المفيد في الاختصاص : ٦ و ١٠ ـ وعنه في بحار الأنوار ٢٨/٢٥٩ حديث ٤٢ ـ وكذا جاء في الرواشح السماوية : ٧١ و ١٤١ ، والخلاصة : ٢٢٣ و ٣٠٥ ، ورجال ابن داود : ٢١٨ .. وغيرها.

(٢) كما صرّح بذلك الكشي في رجاله : ٨ [اختيار معرفة الرجال ١/٣٩ حديث ١٧] ، وعنه في وسائل الشيعة ٢٠/١٧٩ [الإسلامية] ، وكذا في بحار الأنوار ٢٢/٣٥٢ حديث ٨٠ ، وصفحة : ٤٤٠ حديث ٩ ، و ٢٨/٣٣٨ ، وشرح اصول الكافي للمازندراني ٩/١٨٨ ، والاختصاص : ١٠ ، والرواشح السماوية : ٧١.

وقد تكرر ذلك في تراجم الرجال وكتبهم ، كما في خلاصة الأقوال : ٢٢٣ ، ونقد الرجال ١/٣٧٣ ، و ٢/١٢٦ ، و ٣/٣١٨ ، و ٤/٤١٤ .. وغيرها.

(٣) كما في كتاب سليم بن قيس الهلالي : ١٦٢ [الطبعة المحقّقة ٢/٥٩٨] ، وجاء في هامش ٢/٨٤٣ قوله : وقد بقي مع صاحبه ـ الذي هو بمنزلة هارون من موسى ـ أهل بيته كلّهم وسلمان وأبو ذر والمقداد والزبير ، ثمّ رجع الزبير بعد وارتد .. وهذا وجه من وجوه الجمع بين الأقوال ..

(٤) كما يظهر من رجال الكشي (اختيار معرفة الرجال)١/٣٨ حديث ١٧ [اختيار معرفة الرجال : ٨] ، ولاحظ : بحار الأنوار ٢٢/٣٢٨ حديث ٣٥.

٣٧١

صلّى اللّه عليه وآله وسلّم هو الارتداد ، بتقديم غير المنصوص عليه بالولاية على المنصوص عليه ، أو الفسق بالتقصير في حقّه ، فلا يمكن توثيق من عدا المستثنين إلاّ بقرينة قويّة قائمة على دعائه إلى السكوت الخوف من الظالمين ، فلا تذهل.

الثالث (١) :

إنّه كما أنّ كون الرجل صحابيا لا يكفي في إثبات عدالته ، فكذا كونه من أهل بيعة الشجرة ـ وهي بيعة الرضوان ـ وزعم المخالفون أنّ ذلك يثبت مرتبة فوق العدالة ، لنصّ قوله سبحانه : (لَقَدْ رَضِيَ اللّٰهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبٰايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ ..) (٢) الآية ؛ ضرورة عدم تعقّل رضى اللّه سبحانه من غير العدل الورع المتقي المطيع له تمام الإطاعة ، ومن رضي اللّه سبحانه عنه فلا بدّ وأن يكون من أهل الجنة ، ولا يكون الفاسق من أهل الجنة.

والجواب عن ذلك : إنّ من أوحى رضاه عن المؤمنين المبايعين تحت الشجرة ، هو الذي أوحى قوله سبحانه : (وَمٰا مُحَمَّدٌ إِلاّٰ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مٰاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلىٰ أَعْقٰابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلىٰ عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللّٰهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّٰهُ الشّٰاكِرِينَ) (٣) أخبر سبحانه بالآيتان (٤) بصيغة الجمع بأنّ

__________________

(١) من هنا حصلنا على خطية الأصل وعليه طبقنا الموجود.

(٢) سورة الفتح (٤٨) : ١٨.

(٣) سورة آل عمران (٣) : ١٤٤.

(٤) في النسخة الحجرية المطبوعة : بالإتيان : ولها وجه.

٣٧٢

كثيرا من الصحابة يرتّدون وينقلبون على أعقابهم ..

وشرحه ما روي متواترا عن النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم من ارتداد من نقض بعده بيعة يوم الغدير لعلي عليه السلام ، ولا مانع عقلا من كون إنسان عدلا مرضيا عنه ومن أهل الجنة في وقت ، ومرتدا مباح الدم ومن أهل النار في الوقت المتأخّر ، كما أنّه لا مانع من العكس ، كما استفاضت به الأخبار ، ونطقت به الآيات (١).

لا يقال : إنّ من شهد بيعة الرضوان كان عدلا ، فيلزم استصحاب العدالة فيه إلى أن يثبت فسقه وارتداده ، ومن شكّ في ارتداده وفسقه فالأصل فيه العدم.

لأنّأ نقول : إنّ الاصول لا تجري في مورد وجود العلم الإجمالي ، لما نقحّناه في محلّه من كونه بحكم العلم التفصيلي ، كما نقحنا أنّ شبهة الكثير في الكثير بحكم المحصور من أطراف العلم الإجمالي ، ونحن نعلم بحكم الأخبار والسير بارتداد جمع كثير بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم بنقض بيعة الغدير ، فالمرتدّون جمع كثيرون في جمع كثيرين ، فيكونون في حكم المحصور ..

على أنّ أخبارنا قد تواترت بأنّه ارتدّ بعد النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم جميع الناس بنقض البيعة إلاّ ثلاثة أو أربعة أو خمسة ، فمن ثبتت توبته بعد ذلك ،

__________________

(١) كل ذلك بنحو كبروي كلي ..

٣٧٣

وقوله بخلافة علي عليه السلام بلا فصل نعدّه حسن الحال ، ومن شككنا في توبته نستصحب فيه الارتداد العام إلى أن يثبت خلافه.

لا يقال : إنّ اللّه سبحانه إن كان قد رضي عن أهل بيعة الرضوان وهو يعلم أنّ جمعا منهم يرتدون .. فكيف رضي عنهم؟! وإن قلت : رضي عنهم وهو لا يعلم أنّ جمعا منهم يرتدون .. كفرت.

لانّا نقول : بل رضي عنهم وهو يعلم أنّ جمعا منهم يرتدون ، ولا مانع من رضى اللّه سبحانه منهم حين إطاعتهم ، ثمّ سخطه عليهم حين عصيانهم ، ولا يلزم من رضاه من شخص واستحسان عمله وقبوله له رضاه من جميع ما يصدر منه بعد ذلك ولو أتى بالقبيح ، ولم يخبر في الآية بالرضا إلى آخر الأبد حتى ينافيه السخط بعد ذلك ، ولا بكونهم من أهل الجنة حتى ينافي استحقاقهم بعد ذلك النار بالإتيان بالمناهي ، بل جعل جزائهم (١) طمأنينة القلب ، والفتح القريب ، وغنائم كثيرة .. وقد وفى بما وعد.

وأيضا ؛ فرضى اللّه سبحانه من شخص هو استحسانه فعله وقبوله له ، ومن البيّن أنّ استحسان فعل حسن لا يستلزم استحسان كلّ فعل ولو قبيحا يصدر من صاحب الفعل الحسن.

هذا كلّه ؛ مضافا إلى أنّ بعض الكلام يكشف عن بعض ، وقد أخبر اللّه

__________________

(١) في الطبعة الحجرية : إجزائهم.

٣٧٤

سبحانه ونبيّه صلوات اللّه عليه وآله بأنّ الامّة يرتدون بعد رحلة النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ، وأخبر أهل بيت الوحي سلام اللّه عليهم بأنّه ارتدّ الناس بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم إلاّ ثلاثة أو أربعة ، فلا يكون كون [كذا] شخص من أهل بيعة الرضوان مستلزما لعدالته بعد ارتداده أيضا ، بل التحقيق أنّ رضى اللّه تعالى عن شخص فعلا لا يستلزم عدالته في ذلك الزمان أيضا ؛ ضرورة أنّ رضاه سبحانه بفعله وعنه هو استحسانه إيّاه ، ومن البيّن أنّ استحسانه لفعله ذاك لا يستلزم استحسانه لسائر أفعاله كافة.

هذا كلّه ؛ مضافا إلى أنّ الآية إنّما نطقت برضاه عن المؤمنين المبايعين تحت الشجرة ، ولم تدلّ على رضاه على كلّ مبايع تحتها وإن كان منافقا ، ولو قال تعالى : لقد رضي اللّه عن المبايعين تحت الشجرة لدلّ على رضاه من آحادهم ، ولم يقل ذلك بل علّق الرضا على الإيمان والبيعة جميعا ، كما هو ظاهر.

* * *

٣٧٥
٣٧٦

الفائدة التاسعة والعشرون

إنّه إذا أفادت الأخبار المعتمدة عدالة رجل أو حسن حاله ، ونصّ علماء الرجال على الجرح فيه ، فقد يتوهّم تقديم الأخبار فيه على تنصيص علماء الرجال ، ولا أرى لذلك وجها وجيها .. بل الذي يقتضيه النظر هو الأخذ بأقواهما إفادة للظن ؛ ضرورة أنّ المدار في التوثيقات والتراجم على ما يفيد الظن ـ كما نقّحنا ذلك في أوائل المبحث ـ فيلزم المجتهد تحري أقوى الظنين في الرجل.

نعم ؛ إن كان الجرح عائدا إلى الغلوّ ، فلا يكاد يخفى على النيقد البصير تقدّم الأخبار فيه على جرح علماء الرجال ؛ لأنّ الغالب قوة الظن الحاصل منها على الظن الحاصل من رميهم بالغلوّ ، لما نبّهنا عليه في الفائدة الخامسة والعشرين (١) ، من وضوح أنّ القدماء كانوا يعدّون غلوّا وارتفاعا جملة ممّا نعدّه اليوم من ضروريات مذهب الشيعة في حقّ أئمّتهم عليهم السلام.

ونقول ـ هنا توضيحا لما مرّ ـ : إنّ الذي دعا إلى كثرة رمي الرجال بالغلوّ أمران :

__________________

(١) في صفحة : ٢٨٩ ـ ٣٠٠ من هذا المجلّد ، وكذا لاحظ : الفائدة الحادية والعشرون ، صفحة : ٢٤١ ـ ٢٥٤.

٣٧٧

أحدهما : ما سمعته ـ في الموضع المشار إليه ـ من الفاضل المجلسي رحمه اللّه من أنّ الأصحاب لمّا وجدوا نسبة الغلاة ترويجا لمذاهبهم الفاسدة إلى جمع من أصحاب الأئمّة ؛ كجابر ، والمفضّل بن عمر ، والمعلّى .. وأمثالهم ما هو غلوّ ، وكانوا بريئون ممّا نسب إليهم ، ولم يمكن إمكان (١) براءتهم التجأ الأصحاب ـ دفعا للأفسد بالفاسد ـ إلى أن يضعّفوا هؤلاء المنسوب إليهم ذلك ، كسرا للمذاهب الباطلة ، حتى لا يمكن أهلها إلزامنا بأخبارهم الموضوعة.

وقرينة الوضع عليهم دون غيرهم أنّهم كانوا أصحاب الأسرار ، وكانوا ينقلون معجزاتهم عليهم السلام ، فوضع الغلاة عليهم دون غيرهم.

وقد ذكرنا في طي بعض كلماتنا أنّ عادة أهل المذاهب الفاسدة قد جرت على الاهتمام بإدخال اسم جليل في جماعتهم ، ليقوّوا بذلك مذهبهم الفاسد ، كنسبة المتصوّفة التصوف إلى أمير المؤمنين عليه السلام ..! ونسبة الدراويش والقلندرية الشاربين للبنج ، والتاركين للفرائض أنفسهم إليه عليه السلام ..! فكما أنّ ذلك منهم كذب لا ينقص أمير المؤمنين عليه السلام فكذا نقل الغلاة عن جليل من الرواة الغلو لا يقدح فيه.

ثانيهما : اهتمام الأئمّة عليهم السلام ـ في الغاية ـ بإبعاد ساحة الباري سبحانه عن (٢) الشبه والشريك دعاهم إلى غاية التبري عمّا فيه رائحة ذلك ، بالمبالغة في تكذيب من يفوه من فيه رائحة ذلك.

__________________

(١) سقطت كلمة : إمكان ، من الطبعة الحجرية.

(٢) إلى هنا حصلنا على خطية الكتاب وطبقنا عليها.

٣٧٨

وتوضيح ذلك : أنّ من ضروريات الدين كون محمّد صلّى اللّه عليه وآله وسلّم خاتم النبيين ، وهو نصّ القرآن المبين ، ولا ينكره أحد من المسلمين ، ومن ضروريات مذهبنا أنّ الأئمّة عليهم السلام أفضل من أنبياء بني إسرائيل ، كما نطقت بذلك النصوص المتواترة معنى عن النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم والأئمّة عليهم السلام ، وقامت به ضرورة المذهب. ولا شبهة عند كلّ ممارس لأخبار أهل البيت عليهم السلام أنّه كان يصدر من الأئمّة عليهم السلام ببركة اسم اللّه الأعظم ـ الذي علّمهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم بأمر رب العالمين ـ خوارق للعادة ، نظير ما كان يصدر من الأنبياء ، بل أزيد وأشدّ ..

وأنّ الأنبياء السلف قد انفتحت لهم باب أو بابان من العلم ، وانفتحت للأئمة عليهم السلام بسبب المبالغة في الطاعة والعبادة ـ التي تذر العبد مثل اللّه تعالى ، إذا قال لشيء كن فيكون ـ جميع الأبواب (١) ولكن كان همّهم

__________________

(١) لا يمكن حصر الروايات الواردة في هذا الباب ؛ لتناثرها في جملة أبواب ، ووجود مصادر جمّة لها ، ويكفي ملاحظة أبواب طبقات الأنبياء والرسل والأئمّة عليهم السلام من اصول الكافي ١/١٧٤ ، وباب ما عند الأئمّة من آيات الأنبياء عليهم السلام .. كما في الكافي ١/٢٣١ ، وباب أنّ الأئمّة ورثوا علم النبي (ص) وجميع الأنبياء والأوصياء والذين من قبلهم .. كما في الاصول من الكافي ١/٢٢٣ ، وباب أنّ الأئمّة عليهم السلام يعلمون جميع العلوم التي خرجت إلى الملائكة والأنبياء والرسل .. كما في اصول الكافي ١/٢٥٥.

كل هذا في الأبواب الخاصة دون الأخبار المنثورة ، وفي الكافي خاصة دون غيره .. وفي اصوله دون فروعه .. ومن هنا قلنا بأنّها لا يمكن حصرها.

٣٧٩

وهمتهم عليهم السلام دائما إخفاء حقيقة مراتبهم من الناس حفظا لدمائهم من الأعداء ، ولعقائد شيعتهم من الغلوّ ، والقول فيهم بما يمسّ ساحة الربوبية جلّ وعلا ، وينافي مرتبتهم في العبودية للّه تعالى التي أوصلتهم إليها العبادة والطاعة الكاملة ، وكانوا مصرين على إبعاد أنفسهم عمّا يزيد على مرتبة العبودية خوفا من سلب اللّه تعالى عنهم ما هم عليه من الرتبة العالية ، وقد تبرأوا من الغلاة تبريا أكيدا ، وجعلوهم شرا من اليهود والنصارى والذين أشركوا (١).

وصرّحوا عليهم السلام بأنّ : «.. عزيرا جال في صدره ما قالت [فيه] اليهود ، فمحى اللّه تعالى اسمه من النبوّة» (٢).

وحلفوا عليهم السلام بأنّ عيسى لو أقرّ بما قالت فيه النصارى ، لأورثه اللّه

__________________

(١) كما رواه الشيخ الطوسي في أماليه : ٦٥ برقم ١٢ ـ وعنه العلاّمة المجلسي رحمه اللّه في بحاره ٢٥/٢٦٥ ـ ٢٦٦ حديث ٦ ـ وكذا الخصال ومناقب ابن شهر آشوب ١/٢٦٣ [طبعة قم ، وفي الطبعة الاولى ١/٢١٣] عن الإمام الصادق عليه السلام ، قال : «احذروا على شبابكم الغلاة لا يفسدونهم ، فإنّ الغلاة شرّ خلق اللّه .. واللّه إنّ الغلاة لشرّ من اليهود والنصارى والمجوس والذين اشركوا ..».

بل لو قلنا بانصراف حديث الكشي في رجاله : ٢٩٧ حديث ٥٢٨ من قوله عليه السلام : «إنّ ممّن ينتحل هذا الأمر لمن هو شرّ من اليهود والنصارى والمجوس والذين أشركوا»إليهم ، لما كان بعيدا ، كما وقد قيل ذلك.

(٢) كما في رجال الكشي (اختيار معرفة الرجال) : ٣٠٠ حديث ٥٣٨ ، وعنه في بحار الأنوار ٢٥/٢٩٤ حديث ٥٣.

٣٨٠