تنقيح المقال - ج ٢

الشيخ عبد الله المامقاني

تنقيح المقال - ج ٢

المؤلف:

الشيخ عبد الله المامقاني


المحقق: الشيخ محمّد رضا المامقاني
الموضوع : رجال الحديث
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-319-383-6
ISBN الدورة:
978-964-319-380-5

الصفحات: ٥٦٠

الشخص مشهورا معروفا في زمان حياته بذلك المعتقد ، فلا يمكن عادة عدم اطلاعهم عليهم السلام على ذلك مع المعاصرة والمعاشرة وعدم إظهاره وإبرازه شيئا من معتقده لهم ، وإظهاره ذلك لغيرهم من الشيعة ، إلى حدّ شاع وذاع ، حتى ثبت لمثل الشيخ رحمه اللّه مع أنّ الشيعة تراهم كثيرا ما كانوا ينالون من الأجلّة ، ويقعون فيهم بمحضرهم ، كما يظهر من ترجمة جعفر بن عيسى (١) ، ويونس بن عبد الرحمن (٢) ، فضلا عن التحريش بالنسبة إلى الفعل القبيح ، فضلا عن مثل الكفر والإلحاد ، سيّما مع ملاحظة أنّهم يرون أنّ أولئك يروون الروايات للشيعة وهم يعملون بها ويثبتونها في كتبهم لمن بعدهم إلى انقراض العالم ، مع أنّا نرى أنّ من له أدنى فطنة يتفطّن عند المكالمة والمعاشرة مرّة أو مرتين لسوء العقيدة ، فكيف مثلهم عليهم السلام؟! وقد ورد عنهم عليهم السلام : «اتقوا فراسة المؤمن ، فإنّه ينظر بنور اللّه [عزّ وجلّ]» (٣)!

__________________

(١) تنقيح المقال ١/٢٢٠ ـ ٢٢١ [من الطبعة الحجرية ، وفي الطبعة المحقّقة ١٥/٢٥٥ ـ ٢٦٣ برقم (٣٩٤٨)].

(٢) تنقيح المقال ٣/٣٣٨ ـ ٣٤٣ (من الطبعة الحجرية) ، وفيها ترجمة مفصّلة جدا.

(٣) اصول الكافي ١/٢١٨ حديث ٣ باب أنّ المتوسمين الذين ذكرهم اللّه في كتابه هم الأئمّة عليهم السلام ، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله ، وعنه في الوسائل ١٢/٣٨ حديث ١٥٥٧٩ ، ومستدرك الوسائل ٨/٣٤٠ ، بل عقد في الوسائل بابا برقم (٢٠) في استحباب توقي فراسة المؤمن ، وفي بحار الأنوار ٢٤/١٢٣ : عن مجاهد ، قال : قد صح

٣٠١

بل ورد عن الباقر عليه السلام أنّه : «.. ليس مخلوق إلاّ وبين عينيه مكتوب مؤمن أو كافر» (١).

وورد أيضا : «إنّا نعرف الرجل إذا رأيناه بحقيقة الإيمان وبحقيقة النفاق» (٢).

وإنّ الإمام يعرف شيعته من عدوّه بالطينة التي خلقوا منها

__________________

عن النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم .. إلى آخره ، ووسائل الشيعة ١٢/٣٨ حديث ١٥٥٨٠ ، و ١٢/١٣٤ حديث ١٥٨٣٥ ، وعن أبي الحسن عليه السلام أنّه قال : «اتق فراسة المؤمن فإنّه ينظر بنور اللّه ..» ، وروي عن الإمام الباقر عليه السلام أيضا ، كما في الأمالي ، كما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام أيضا.

انظر : الاختصاص : ١٤٣ و ٣٠٦ ، وإرشاد القلوب ١/١٣٠ ، والأمالي للشيخ الطوسي : ٢٩٤ ، وبصائر الدرجات : ٧٩ و ٣٥٥ .. وموارد اخرى فيه وفي غيره مثل تأويل الآيات الظاهرة ١/٢٨٠ ، وتفسير العياشي ٢/٢٤٧ ، والمحاسن ١/١٣١ ، ونوادر الراوندي : ٨ .. وغيرها كثير.

(١) كما في بصائر الدرجات : ٣٥٤ ، وتأويل الآيات الظاهرة : ٢٥٥ ، والاختصاص : ٣٠٢ ، وعنه في بحار الأنوار ٢٤/١٣٠ حديث ١٦ .. وغيرها.

(٢) كما في اصول الكافي الشريف ١/٢٢٣ حديث ١ ، وفيه : «وإنّا لنعرف ... وحقيقة النفاق» ، وكذا فيه ١/٤٣٨ حديث ٢ ، وعنه في بحار الأنوار ٢٣/٣١٣ .. وغيره.

بل عقد في بحار الأنوار ٢٦/١١٧ ـ ١٢٧ باب (٧) في ذلك .. وموارد اخرى فيه. ولاحظ أعلام الدين : ٤٦٣ ، وإعلام الورى : ٣٣٢ ، وبصائر الدرجات : ١١٨ ـ ١١٩ ، و ٢٨٨ مكررا ، وعيون أخبار الرضا عليه السلام ٢/٢٢٧ ، وتفسير القمي ٢/١٠٤ ، وتفسير فرات الكوفي : ٢٨٣ ، والمناقب ٢/٢٦٠ ، و ٤/١٥٩ و ١٨٨ .. وغيرها. وما هنا نصّ ما جاء في الاختصاص : ٢٧٨.

٣٠٢

بوجوههم وأسمائهم (١).

وإنّهم عليهم السلام (٢) يعرفون حبّ المحبّ ـ وإن أظهر خلافه ـ وبغض المبغض ـ وإن أظهر خلافه (٣) ـ.

وإنّهم عليهم السلام يعرفون خيار الشيعة من شرارهم.

وإنّ عندهم الصحيفة التي فيها أسماء أهل الجنة والنار ، لا يزاد واحد ولا ينقص واحد (٤).

__________________

(١) هذا نصّ عنوان الباب الذي عقده الصفار رحمه اللّه في كتابه الشريف بصائر الدرجات : ٣٩٠ ـ ٣٩٣ حديث ٨ .. وفي الباب روايات كثيرة من أبواب متفرقة.

(٢) من هنا حصلنا على خطيته أيضا ، وعليه طبقناه.

(٣) روى في بصائر الدرجات : ٢٨٩ في باب (٩) في أنّ الأئمّة أنّهم يعرفون من يدخل عليهم بالخير والشر والحب والبغض ، حديث ٢ ، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : «إنّ اللّه أخذ ميثاق شيعتنا من صلب آدم ، فنعرف بذلك حب المحب وإن أظهر خلاف ذلك بسبيله ، ونعرف بغض المبغض وإن أظهر حبنا أهل البيت».

والحديث بنصه في الاختصاص : ٢٧٨ ، وعنه في بحار الأنوار ٢٦/١٢٨ حديث ٣١ ، وقبل هذا عقد في البصائر باب (١٦) في الأئمّة عليهم السلام أنّهم يعرفون ما رأوا في الميثاق .. وغيره : ٨٩ ، لاحظ : حديث ٣ صفحة : ٩٠ ، وما جاء في بحار الأنوار ٢٦/١٢٠ حديث ٨ عن البصائر .. وغيره.

(٤) كما في بصائر الدرجات : ١٩٠ عقد بابا (٥) في أنّ الأئمّة عليهم السلام عندهم الصحيفة التي فيها أسماء أهل الجنة وأسماء أهل النار ، وفيه عدّة روايات نقل منها العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار ١٨/٣٨٧ حديث ٩٥ ، و ٢٦/١٢٤ حديث ٢٠ ، و ٣٩/٢٠٥ ، ورجال الكشي رحمه اللّه : ٢٠٨ حديث ٣٦٧ ـ وعنه في بحار الأنوار ٤٧/٣٢٤ حديث ٢١ ـ .. وانظر : المناقب لابن شهر آشوب ٢/١٦٠.

٣٠٣

وإنّ عندهم ديوان شيعتهم ، وفيه أسماؤهم وأسماء آبائهم (١).

وإنّهم يعرفون ضمائر الناس وحديث أنفسهم (٢).

.. إلى غير ذلك ممّا ورد في أخبارهم عليهم السلام ، ولا حاجة إلى ذكرها هنا.

وممّا يدلّ على فساد نسبة الغلوّ غالبا رواية جمع كثير من المرميّين به الأخبار الصريحة في خلاف الغلوّ النافية له بلا شبهة ، ونقل المشايخ رحمهم اللّه تعالى إيّاها معتقدين محتجّين بها كما لا يخفى على المتتبّع ، بل أظهر جمع منهم الطعن على الغلاة ، بل وبعضهم كتب كتابا في الرد عليهم ، كمحمد بن أرومة (٣) ، ونصر بن الصباح (٤) .. وغيرهما (٥).

__________________

(١) كما في الفضائل : ٨٣ ، وقد عقد الصفار رحمه اللّه في بصائره : ١٧٠ باب (٣) في ما عند الأئمّة عليهم السلام من ديوان شيعتهم الذي [فيه] أسماءهم وأسماء آبائهم .. وفيه عدّة روايات.

(٢) كما في أوائل المقالات باب ٤١ من القول في علم الأئمّة عليهم السلام بالضمائر ، وكذا في بحار الأنوار ٢٦/١٠٣ .. وغيره.

(٣) كذا والظاهر : أورمة ، قال العلاّمة في رجاله : ـ بعد ضبطه كذلك ـ : وقد تقدم الراء على الأوّل. انظر : ترجمته في : تنقيح المقال ٣/٨٣ ـ ٨٤ (من حرف الميم من الطبعة الحجرية). ولاحظ : رجال النجاشي : ٣٢٩ برقم ٨٩١.

(٤) ترجمه المصنف قدّس سرّه في موسوعته الرجالية ٣/٢٦٨ ـ ٢٦٩ (من الطبعة الحجرية).

(٥) مثل كتاب إسماعيل بن علي بن إسحاق ؛ الذي أورده النجاشي في رجاله : ٣١ ـ

٣٠٤

وتلخيص المقال ؛ إنّ المتتبّع النيقد يجد أنّ أكثر من رمي بالغلو بريء من الغلوّ في الحقيقة ، وأن أكثر ما يعدّ اليوم من ضروريات المذهب في أوصاف الأئمّة عليهم السلام كان القول به معدودا في العهد السابق من الغلو ، وذلك نشأ من أئمتنا عليهم السلام ؛ حيث إنّهم لمّا وجدوا أنّ الشيطان دخل مع شيعتهم من هذا السبيل لإضلالهم ـ وفاء لما حلف به من إغواء عباد اللّه أجمعين ـ حذّروهم من القول في حقهم بجملة من مراتبهم إبعادا لهم عمّا هو غلوّ حقيقة ، فهم منعوا الشيعة من القول بجملة من شؤونهم حفظا لشؤون اللّه جلت عظمته ، حيث كان [عندهم] أهمّ من حفظ شؤونهم ؛ لأنّه الأصل ، وشؤونهم فرع شأنه ، نشأت من قربهم لديه ومنزلتهم عنده ، وهذا هو الجامع بين الأخبار المثبتة لجملة من الشؤون لهم والنافية لها.

__________________

برقم ٦٨ ، حيث له كتاب الردّ على الغلاة ، وكذا الحسن بن سعيد بن حمّاد (رجال النجاشي : ٥٨ برقم ١٣٧) ، والحسن بن عبد اللّه بن إبراهيم (رجال النجاشي : ٦٩ برقم ١٦٦) ، وإسحاق بن الحسن بن بكران (رجال النجاشي : ٧٤ برقم ١٧٨) ، وسعد بن عبد اللّه بن أبي خلف (رجال النجاشي : ١٧٧ برقم ٤٦٧) ، وعلي بن مهزيار الأهوازي (رجال النجاشي : ٢٥٣ برقم ٦٦٤) ، وعلي بن العباس الجراذيني الرازي ، له كتاب في ردّ على السلمانية الذين هم طائفة من الغلاة (رجال النجاشي : ٢٥٥ برقم ٦٦٨) ، ومحمّد بن موسى بن عيسى (رجال النجاشي : ٣٣٨ برقم ٩٠٤) ، ومحمّد بن الحسن بن فروخ الصفار (رجال النجاشي : ٣٥٤ برقم ٩٤٨) ، ومحمّد بن الحسن بن حمزة الجعفري (رجال النجاشي : ٤٠٤ برقم ١٠٧٠) .. وغيرهم.

٣٠٥

وحكى المحقّق الوحيد (١) ، عن جدّه المجلسي الأوّل (٢) أنّه قال : إنّ الذي حصل لي من التتبّع التام (٣) أنّ جماعة من أصحاب الرجال رأوا أنّ الغلاة لعنهم اللّه نسبوا إلى جماعة أشياء ترويجا لمذاهبهم الفاسدة ، كجابر ، والمفضل بن عمر ، والمعلّى .. وأمثالهم وهم بريئون ممّا نسبوه إليهم ، فرأوا دفعا للأفسد بالفاسد (٤) أنّ يضعّفوا هؤلاء كسرا لمذاهبهم الباطلة ، حتى لا يمكنهم إلزامنا بأخبارهم الموضوعة (٥).

.. إلى أن قال : وقرينة الوضع عليهم دون غيرهم أنّهم كانوا [من] أصحاب الأسرار ، وكانوا ينقلون من (٦) معجزاتهم [ع] فكانوا يضعون عليهم ، والجاهل بالأحوال لا يستنكر ذلك ، كما ورد عن المعلّى [كان يقول :] : إنّ الأئمّة محدّثون بمنزلة الأنبياء ، بل قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم : «علماء أمتي كأنبياء

__________________

(١) تعليقة الوحيد البهبهاني المطبوعة على هامش كتاب منهج المقال : ٣٣٧ [الطبعة الحجرية] ، ومن هنا إلى آخر المقطع المنقول عن الوحيد لم يرد في خطية الكتاب ، وكأنّه اضيف عليه من المصنف رحمه اللّه حين طبعه.

(٢) روضة المتقين ١٤/٢٧٨ ـ ٢٧٩ ، وحكاه عنه في خاتمة مستدرك وسائل الشيعة ٥ (٢٣)/٣٢١ ـ ٣٢٢.

(٣) في روضة المتقين زيادة ، وعسى أن يحصل لك ما حصل لي.

(٤) لا يوجد في المستدرك قوله : دفعا للأفسد بالفاسد .. وكذا في روضة المتقين وتعليقة الوحيد ، كما لا يوجد في التعليقة : فرأوا.

(٥) لا توجد كلمة : الموضوعة ، في الروضة والتعليقة.

(٦) لم ترد : من ، في المستدرك وروضة المتقين.

٣٠٦

بني إسرائيل» (١) ، فتوّهموا أنّه يقول : أنّهم أنبياء. انتهى كلام المجلسي ، وكذا كلام الوحيد قدّس سرّهما (٢).

__________________

(١) كما أرسله في بحار الأنوار ٢/٢٢ حديث ٦٧ ، وفسّر بهم عليهم السلام في ٢٤/٣٠٧ ، ولاحظ : الأربعين : ٣٢٣ ، والصراط المستقيم ١/١٣٢ و ٢١٣ ، وعوالي اللآلي ٤/٧٧ حديث ٦٧ ، ومستدرك الوسائل ١٧/٣٢٠ حديث ٢٠ عن العلاّمة في التحرير .. وغيرها.

(٢) وقد تلقّاه بالقبول ، وقريب منه ما في عدّة السيّد الكاظمي ١/١٦٨ ، وإلى هنا لم نجده في مخطوطة الكتاب.

أقول : قال أبو علي الحائري في منتهى المقال ١/٧٧ [الطبعة المحقّقة] ـ وقد أخذ الكلام من الوحيد في التعليقة : ٨ ـ لا يخفى أنّ كثيرا من القدماء ـ سيما القميين وابن الغضائري ـ كانت لهم اعتقادات خاصة في الأئمّة عليهم السلام بحسب اجتهادهم ؛ لا يجوّزون التعدي عنها ، ويسمّون التعدي : غلوا وارتفاعا ؛ حتى أنّهم جعلوا مثل نفي السهو عن النبي صلّى اللّه عليه وآله غلوا ، بل ربّما جعلوا التفويض ـ المختلف فيه ـ إليهم ، أو نقل خوارق العادات عنهم ، أو الإغراق في جلالتهم وذكر علمهم بمكنونات السماء والأرض ارتفاعا ؛ أو مورثا للتهمة .. وذلك لأنّ الغلاة كانوا مختلفين في الشيعة ومخلوطين بهم مدلّسين أنفسهم عليهم .. فبأدنى شبهة كانوا يتّهمون الرجل بالغلو والارتفاع ، وربّما كان منشأ رميهم بذلك وجدان رواية ظاهرة فيه منهم ، أو ادعاء أرباب ذلك القول كونه منهم ، أو روايتهم عنه ، وربّما كان المنشأ روايتهم المناكير .. إلى غير ذلك.

وبالجملة ؛ الظاهر إنّ القدماء كانوا مختلفين في المسائل الاصولية ؛ فربّما كان شيء عند بعضهم فاسدا أو كفرا أو غلوا .. وعند آخرين عدمه ، بل ممّا يجب الاعتقاد به .. فينبغي

٣٠٧

ثمّ لا يخفى عليك أنّ مثل الرمي بالغلوّ ـ في كثرة وقوع الخطأ والاشتباه فيه من أصحابنا ـ الرمي بالوقف ، حيث عدّوا اشتغال الرجل بالفحص عن إمامه الحاضر بعد فوت الإمام السابق عليه السلام (١) وقفا ، مع أنّ زمان الفحص والبحث زمان العذر ، وليس الوقف إلاّ نفي إمامة المتأخّر دون التوقف إلى أن تقوم الحجّة ويتمّ البرهان على إمامته ، لتكون الهداية عن بيّنة دون الجزاف ، وإن استوفيت ما في التراجم واستقصيت جملة وافية من الأخبار بان لك ما قلناه بيان الشمس في رابعة النهار.

* * *

__________________

التأمل في جرحهم بأمثال الأمور المذكورة ..

ومع هذا ؛ إن كان الغلّو باعتقاد الربوبية في حق المعصوم فهو يوجب الكفر ، ويقتضي ردّ الرواية ، لكن هذا ينحصر بالنسبة إلى أمير المؤمنين عليه السلام إذ ندر وقوعه لغيره ؛ وإن كان يظهر من صاحب الذخيرة فيها صفحة : ١٥٠ ذلك ، ولو كان لكان الغالي كافرا مطلقا .. والظاهر من الغلّو غير اعتقاد الربوبية. وهو لا يوجب الفسق بحال فضلا عن ردّ الرواية ، إذ ليس هو ارتكاب لكبيرة ولا إصرار فيه على صغيرة ، وهو ليس بالكفر ؛ بمعنى عدم الاعتقاد ببعض الاصول أو إنكار بعض الضروريات ، واعتقاد مرتبة عالية من الإمام عليه السلام لا يستلزم منه عدم الاعتقاد ببعض الاصول ولا خفاء ، ولا يكون داخلا في إنكار الضروري ، غايته الاجماع على فساد مثل هذا الاعتقاد ، وهو ـ بلا ريب ـ لا يوجب الكفر ، ونسبة الغلّو تأتي بواسطة الاعتقاد بما زعم الرامي بالغلّو فساده .. وقد اسهبنا الحديث عنه في مستدركاتنا على مقباس الهداية ، فراجع.

(١) زيد (عليه السلام) من الخطية ، ولم يرد في الطبعة الحجرية.

٣٠٨

الفائدة السادسة والعشرون

إنّه إذا ثبت حسن حال الرجل أو عدالته وثقته لم يمكن المناقشة في ذلك بحياته في زمان وقعة الطف ، وتركه الحضور لنصرة سيّد المظلومين عليه السلام ؛ ضرورة أنّ عدم الحضور فعل مجمل لا يحمل على الفاسد إلاّ إذا أحرز فيه جهة الفساد.

وسبب الحمل على الصحة في ذلك واضح لائح ؛ ضرورة أنّ الرجل إن كان كوفيّا فإن ابن زياد قد حبس أربعمائة وخمسين رجلا من الشيعة والموالين حتى لا يحضروا النصرة (١) ، فلعلّ الرجل كان فيهم.

وأيضا ؛ قد رصد على الطرق حتى لا يصل أحد إلى كربلاء .. ومن حضر الطف بين من كان معه عليه السلام ومن خرج في عسكر ابن سعد ـ ولمّا بلغ كربلاء انصرف إلى الحسين عليه السلام (٢) ـ ولعلّ من لم يحضر لم يلتفت إلى إمكان هذه المكيدة الحسنة ـ أعني الخروج بعنوان عسكر ابن سعد ، واللحوق في كربلاء بالحسين عليه السلام ـ.

__________________

(١) كما ذكره البراقي في تاريخ الكوفة : ٢٨٠ ـ ٢٨٣ ، ولاحظ : بحار الأنوار ٤٥/٣٣٢ ـ ٤٠٩ ، ونقل ذلك المصنف رحمه اللّه في موسوعته الرجالية تنقيح المقال ٢/٦٢ ـ ٦٣ [الطبعة الحجرية] في ترجمة : سليمان بن صرد الخزاعي.

(٢) العبارة مشوشة ، إلاّ أنّها ـ كما ترى ـ واضحة المراد.

٣٠٩

وإن كان الرجل من غير أهل الكوفة ؛ فلأنّه ـ مضافا إلى رصد الطرق ـ لم تطل المدة ، ولم يمهل ابن زياد حتى يبلغهم الخبر ؛ فإنّ أسباب وصول الخبر يومئذ من البريد ، والبرق لم يكن متهيّأ ، ورصد الطرق أوجب تأخير وصول الخبر .. ولذا لم يدر الأغلب بالواقعة إلاّ بعد وقوعها ، فعدم الحضور غير قادح في الرجل بعد إحراز وثاقته ، أو حسن حاله ، إلاّ إذا ثبت علمه بالحال وقدرته على الحضور .. وتخلّفه عنه ، كما لا يخفى.

وأمّا المتخلّفون عنه عليه السلام عند حركته من المدينة ؛ فلأنّ الحسين عليه السلام حين حركته ـ وإن كان يدري هو وجمع من المطّلعين على إخبار النبي الأمين صلّى اللّه عليه وآله وسلّم بمقتضى خبره صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أنّه : يستشهد بالعراق (١) إلاّ أنّه في ظاهر الحال ـ لم يكن ليمضي إلى الحرب حتى يجب على كلّ مكلّف متابعته ، وإنّما كان يمضي للإمامة بمقتضى طلب أهل الكوفة ، فالمتخلّف عنه غير مؤاخذ بشيء وإنّما يؤاخذ لترك نصرته من حضر الطف ، أو كان قريبا منه على وجه يمكنه الوصول إليه ونصرته ومع ذلك لم يفعل وقصّر في نصرته ، فالمتخلّفون بالحجاز لم يكونوا مكلّفين بالحركة معه حتى يوجب تخلّفهم الفسق .. ولذا إنّ جملة من الأخيار الأبدال الذين لم يكتب اللّه تعالى لهم نيل هذا الشرف الدائم بقوا في الحجاز ، ولم يتأمّل أحد في عدالتهم ؛ كابن الحنفية .. وأضرابه (٢).

__________________

(١) الخرائج والجرائح ٢/٨٤٨ ، وعنه في بحار الأنوار ٤٥/٨٠ ـ ٨١ حديث ٦ ، والفضائل : ١٤١ ، كتاب سليم بن قيس ٢/٩٦٥ [الطبعة المحقّقة] .. وغيرها نقلا بالمعنى.

(٢) إلى هنا حصلنا على مخطوطة الأصل ، وعليه طبقنا.

٣١٠

الفائدة السابعة والعشرون

إنّه قد يسبق إلى بعض الأوهام منافاة الخروج بالسيف ـ حتى من أولاد الأئمّة عليهم السلام في تلك الأزمنة ـ للعدالة ، من حيث أدائه إلى قتل النفوس المحترمة ، وعليه فيشكل الأمر في جملة من الخارجين بالسيف الممدوحين على لسان الأئمّة الطاهرين صلوات اللّه عليهم أجمعين.

ولكن التأمّل الصادق يقضي بأنّ خروج من خرج منهم .. كما يمكن أن يكون طلبا للملك والسلطنة والرياسة والدنيا ، فكذا يمكن أن يكون لتجديد المطالبة بحقوق الأئمّة عليهم السلام ـ التي جعلها اللّه تعالى لهم ـ إقامة للحجّة على الغاصبين للخلافة ، وقطعا لمعاذيرهم يوم القيامة ، وإراءة لكون أهل هذا البيت عليهم السلام ما زالوا يطالبون بحقّهم ويمنعون .. لا أنّهم أهملوا حقّهم فبقيت الخلافة بغير مطالب لها ، فوليها من ولي (١).

__________________

(١) أقول : كما أنّ فعل هؤلاء مجملا لا يحتج به كذا سكوتهم عليهم السلام عنهم ، خصوصا عند الجمع بين هذه الأخبار والروايات المتضافرة ـ بل المستفيضة ـ الناهية عن القيام في زمن الغيبة .. خصوصا وأنّ أي تصريح منهم عليهم السلام ضد القائمين يعدّ نوعا من العون للظالمين ، وذريعة لتحامل أولئك على جمع من الأبرياء باسم الإمام عليه السلام ..

٣١١

ويوضّح ما ذكرناه جملة من الأخبار :

منها : ما رواه أبو الفرج (١) ، عن يحيى بن عبد اللّه بن الحسن ، أنّه قال : لمّا حبس أبي وآله بالمدينة (٢) ، بعث إليه محمّد يقول له : بقتل (٣) رجل (٣) من آل محمّد صلّى اللّه عليه وآله وسلّم خير من أن يقتل بضعة عشر رجلا [قالت : فأتيته فدخلت عليه السجن ، فإذا هو متكئ على برذعة في رجله سلسلة ، قالت : فجزعت من ذلك ، فقال : مهلا يا أم يحيى! فلا تجزعي ، فما بت ليلة مثلها ، قالت : فأبلغته قول محمّد ، قالت : فاستوى جالسا .. ثمّ قال : حفظ اللّه محمّدا ، لا ، ولكن قولي له :

__________________

فتدبر جيدا ، واغتنم.

ولاحظ ما هناك من روايات صريحة بأنّهم قالوا عليهم السلام إنّ صاحب الراية طاغوت ، وقولهم : إنّا لا نرضى بذلك ولو كان باسمنا .. وللبحث مجال آخر ، ومحل أوسع ، وصرف الدعوة إلى الرضا من آل محمّد عليهم السلام غير كاف بعد أن دعى لذلك جمع ـ حتى العباسيين ـ ثمّ تخلّفوا ، ولا نعرف من هذه الدعوات دعوة أمضيت إلاّ دعوة زيد والحسين صاحب فخ ، وفيهما كلام كثير ، فتدبّر.

(١) مقاتل الطالبيين : ١٤٦ ـ ١٤٧ (طبعة إسماعيليان : ٢١٥ ـ ٢١٦ ، وطبعة منشورات الرضي : ١٩٣) ، باختلاف كثير أشرنا لبعضه.

(٢) في المصدر : وأهل بيته.

(٣) كذا ، والظاهر : لقتل.

(٤) كذا ، وفي المصدر : قال : لما حبس أبي عبد اللّه بن الحسن وأهل بيته ، جاء محمّد بن عبد اللّه إلى أمي ، فقال : يا أم يحيى! أدخلي على أبي السجن وقولي له : يقول لك محمّد بأنّه يقتل رجل .. والاختلاف كثير مع سقط.

٣١٢

فليأخذ في الأرض مذهبا ..] (١) .. يريد بذلك أنّه يسلّم نفسه ليسلم أخوه وإخوته.

فقال عبد اللّه لرسوله : قل فليأخذ في الأرض مذهبا ، فو اللّه ، ما يحتجّ عند اللّه غدا ، إلاّ أنّا خلقنا (٢) وفينا من يطلب هذا الأمر (٣).

وحينئذ نقول : إنّ من كان مقصده من الخروج الملك والدنيا ، ـ ك‌ : محمّد بن عبد اللّه بن الحسن ، وعيسى بن زيد ـ كان يمنعه إمام الوقت أشدّ المنع ، وكان يدعو الإمام عليه السلام إلى البيعة ، فيمتنع عليه السلام فيسمعه كلمات وحشة خشنة ، ويضيّق عليه ، وقد يحبسه ، وكان خروجه لذلك بغير رضا الإمام عليه السلام ، وموجبا لفسقه ، وعدم أجره على عمله ، ومن كان منهم مقصده مطالبة حقّ الأئمّة عليهم السلام ، وإبداء عدم إعراضهم عليهم السلام عن حقّهم ك‌ : زيد بن علي ، والحسين بن علي قتيل فخ .. ونحوهما كان يدعو الإمام عليه السلام إلى البيعة ، دعوة صورّية حماية للحمى ، فيمتنع عليه السلام .. ولا يصرّ هو عليه عليه السلام ، ولا يسيء معه الأدب. ويمنعه الإمام عليه السلام تقيّة في الظاهر ويرضى بفعله في الباطن ، ويترضّى عليه بعد شهادته ، ويظهر أنّه لو كان نال ما طلب لسلّم الأمر إلى أهله ، كما ورد في حقّ

__________________

(١) ما بين المعقوفين سقط ، وجاء في المصدر ، ولاحظ : تاريخ الطبري ٩/١٩٣ .. وغيره.

(٢) يظهر من المصدر أنّه قرأ العبارة هكذا : ما يحتج عند اللّه غدا إلاّ أنّا ، خلقنا .. وما ذكرناه أولى.

(٣) لاحظ : تاريخ الطبري ٩/١٩٣.

٣١٣

زيد بن علي عليه السلام ـ كما يأتي في ترجمته (١) ـ وورد في حقّ الحسين ـ قتيل فخّ ـ أيضا ما يفيد ذلك (٢).

فقد روى أبو الفرج في مقاتل الطالبيين (٣) أنّه : لمّا كانت بيعة الحسين ابن علي ـ صاحب فخّ ـ قال : أبايعكم على كتاب اللّه وسنّة رسوله ، وعلى أن يطاع اللّه ولا يعصى ، وأدعوكم إلى الرضا من آل محمّد صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ..

وعن علي بن العباس (٤) ـ مسندا ـ عن إبراهيم بن إسحاق القطّان ، قال : سمعت الحسين بن علي ـ صاحب فخ ـ ويحيى بن عبد اللّه ، يقولان : ما خرجنا حتى [شاورنا أهل بيتنا و] شاورنا موسى بن جعفر عليهما السلام ، فأمرنا بالخروج.

__________________

(١) انظر : تنقيح المقال ١/٤٦٧ ـ ٤٧١ [من الطبعة الحجرية ، وفي الطبعة المحقّقة ٢٩/٢٣٥ ـ ٢٧٢ برقم (٨٨٠٨)].

(٢) تنقيح المقال ١/٣٣٧ [من الطبعة الحجرية ، وفي الطبعة المحقّقة ٢٢/٢٨١ ـ ٢٨٧ برقم (٦٣٠٠)].

(٣) مقاتل الطالبيين : ٤٤٩ ـ ٤٥٠ بنصه [وفي طبعة منشورات الرضي : ٣٧٨ باختلاف غير مهم]. أقول : في أول الصفحة السالفة ما ينقض ما هنا! فلاحظ. وحكاه في بحار الأنوار ٤٨/١٦٩ ذيل حديث ٧ عن مقاتل الطالبيين.

(٤) كما في مقاتل الطالبيين : ٣٠٤.

٣١٤

وعن عدّة من رجاله أنّهم قالوا (١) : جاء الجند بالرؤوس إلى موسى بن عيسى العباسي ، وفيها رأس الحسين بن علي ـ وعنده جماعة من ولد الحسن والحسين عليهما السلام ـ فلم يسأل أحدا (٢) منهم [بشيء] إلاّ موسى بن جعفر [عليهما السلام] قال له : هذا رأس الحسين؟ فقال عليه السلام : «نعم ، إنّا للّه وإنا إليه راجعون ، مضى واللّه مسلما صالحا ، صوّاما ، آمرا بالمعروف ، ناهيا عن المنكر ، ما كان في أهل بيته مثله». فلم يجبه (٣) بشيء (٤).

فينبغي للمجتهد في أحوال الرجال بذل تمام جهده في تمييز القسم الأوّل من الثاني ، وإعطاء كل منهما حقّه من الجرح والتعديل.

* * *

__________________

(١) مقاتل الطالبيين : ٤٥٣ [طبعة طهران ، وفي طبعة منشورات الرضي : ٣٨٠].

(٢) في المصدر : قالوا جاء الجند بالرؤوس إلى موسى والعباس ـ وعندهم جماعة من ولد الحسن والحسين [عليهما السلام] ـ فلم يتكلم أحد ..

(٣) في المقاتل : فلم يجيبوه.

(٤) كما في طبعة من مقاتل الطالبيين : ٣٠٢ ، وفي اخرى : ٤٤٣ بتفاوت يسير.

ولاحظ : عمدة الطالب : ١٧٢ (طبعة النجف الأشرف) ، وسر السلسلة العلوية : ١٤ ، ومعجم البلدان ٦/٣٤١ .. وبحار الأنوار ٤٨/١٦١ ـ ١٦٥ .. وغيرها.

ومثل هذا نقله في مقاتل الطالبيين : ٤٢٨ [طبعة منشورات الرضي ، وفي طبعة طهران : ٥٢٣ ، ولاحظ صفحة : ٤٤٣] في دعوة زيد إلى البيعة إلى الرضا من آل محمّد ، والدعاء إلى كتاب اللّه وسنة نبيه صلّى اللّه عليه وآله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والسيرة بحكم الكتاب ..

٣١٥

تذييل

ربّما تأمّل بعض من لا درية له في بعض الرجال الثقات أو الموثّقين أو الحسان .. وأسند تأمّله إلى خروجه مع زيد ونحوه ، وهو ناش من قصور الباع ، لما عرفت من أنّ زيدا ونحوه بخروجهم لم يخالفوا المشروع ، وإنّما خرجوا لمقصد صحيح ، على ما يظهر من أخبار كثيرة أشرنا إلى بعضها ، واعترف به جمع منهم : المحقّق الشيخ محمّد في شرح الاستبصار (١) عند ذكر سليمان بن خالد.

وقد روى الكليني رحمه اللّه في روضة الكافي (٢) ، عن علي بن إبراهيم ، [عن أبيه] (٣) ، عن صفوان بن يحيى ، عن عيص بن القاسم ، قال : سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول : «عليكم بتقوى اللّه» .. إلى أن قال : «ولا تقولوا خرج زيد ، كان زيد عالما (٤) ، وكان صدوقا ، ولم يدعكم إلى نفسه ، إنّما دعاكم إلى الرضا من آل محمّد صلوات اللّه عليهم ، ولو ظهر فظفر (٥) لوفى بما دعاكم

__________________

(١) استقصاء الاعتبار ١/٣٧٨ ـ ٣٧٩.

(٢) الروضة من الكافي ٨/٢٦٤ حديث ٣٨١.

(٣) ما بين المعقوفين سقط من السند هنا.

(٤) في المصدر : «فإنّ زيدا كان عالما ..» ، وهو الظاهر.

(٥) لا توجد : فظفر ، في بحار الأنوار ، وفي كتاب غاية الاختصار : ١٢٩ : عن الإمام الصادق (عليه السلام) ، قال : «رحم اللّه عمّي زيدا ، لو ثمّ له الأمر لوفى».

٣١٦

إليه ، إنّما خرج إلى سلطان مجتمع لينقضه ..». (١) الحديث.

وروى الصدوق رحمه اللّه في العيون (٢) ، والأمالي (٣) ، عن ابن الوليد ، عن الصفّار ، عن البرقي ، عن أبيه ، عن ابن شمّون ، عن عبد اللّه بن سنان ، عن الفضيل ، قال : انتهيت إلى زيد بن علي (عليهما السلام) صبيحة خرج بالكوفة ، فسمعته يقول : من يعينني [منكم] (٤) على قتال أنباط أهل الشام ، فو الذي بعث محمّدا صلّى اللّه عليه وآله وسلّم بالحقّ بشيرا ، لا يعينني منكم على قتالهم أحد إلاّ أخذت بيده يوم القيامة فأدخلته الجنة بإذن اللّه.

[قال :] فلمّا قتل ؛ اكتريت راحلة وتوجّهت نحو المدينة ، فدخلت على الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام ، فقلت في نفسي : لا أخبرنّه بقتل زيد بن علي فيجزع عليه ، فلمّا دخلت .. قال لي : «يا فضيل! ما فعل عمّي زيد»؟ قال : فخنقتني العبرة ، فقال لي : «قتلوه»؟! قلت : إي واللّه ، قتلوه ، قال : «فصلبوه»؟! قلت : إي واللّه ، صلبوه .. فأقبل يبكي ودموعه تنحدر على

__________________

(١) وقد أورده العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار ٥٢/٣٠١ ـ ٣٠٢ حديث ٦٧ ، وحكاه المحقّق الكاظمي في تكملة الرجال ، وجاءت ترجمته في ١/٤٢١ ـ ٤٢٥ ، وذكره الحرّ العاملي في وسائل الشيعة ١٥/٥٠ باب حكم الخروج بالسيف [طبعة مؤسسة آل البيت عليهم السلام ، وفي ١١/٣٦ باب ١٣ من كتاب الجهاد من الطبعة الإسلامية]. وانظر : الغدير ٣/٧٠ ، وصدر الحديث وذيله حري بالملاحظة.

(٢) عيون أخبار الرضا عليه السلام ١/٢٥٢.

(٣) أمالي الشيخ الصدوق رحمه اللّه : ٣٤٩.

(٤) الزيادة جاءت في المصدرين وبحار الأنوار.

٣١٧

ديباجتي خدّه ، كأنّها الجمان ، ثمّ قال : «يا فضيل! شهدت مع عمّي قتال أهل الشام»؟ قلت : نعم ، قال : «فكم قتلت منهم»؟ قلت : ستّة ، قال : «فلعلّك شاكّ في دمائهم» ، قال : فقلت : لو كنت شاكّا ما قتلتهم ، قال : فسمعته وهو يقول : «أشركني اللّه في تلك الدماء ، مضى ـ واللّه ـ زيد عمّي وأصحابه شهداء مثل ما مضى عليه علي بن أبي طالب عليه السلام وأصحابه» (١).

__________________

(١) وأورده بنصه العلاّمة المجلسي في بحار الانوار ٤٦/١٧١ باب ٢٠ حديث ٢٠.

وانظر ما جاء في عيون أخبار الرضا عليه السلام ١/٢٤٨ ـ ٢٤٩ باب ٢٥ حديث ١ ، وفيه : «إنّ زيد بن علي (ع) لم يدع ما ليس له بحق ، وإنّه كان اتقى للّه من ذاك ، إنّه قال : ادعوكم إلى الرضا من آل محمّد عليهم السلام ، وإنّما جاء ما جاء فيمن يدّعي أنّ اللّه نصّ عليه ، ثمّ يدعو إلى غير دين اللّه ويضلّ عن سبيله بغير علم ..»إلى آخره.

وجاء في بحار الأنوار ٤٦/١٧٤ ـ ١٧٥ حديث ٢٧ ، وعن عيون أخبار الرضا عليه السلام أيضا ١/٢٥٢ [وفي طبعة ١/٢٤٨] ، وفيه : «إنّ عمّي كان رجلا لدنيانا وآخرتنا ، مضى ـ واللّه ـ عمّي شهيدا كشهداء استشهدوا مع رسول اللّه وعلي والحسن والحسين صلوات اللّه عليهم» ، وأورده في بحار الأنوار ٤٦/١٧٥ حديث ٢٨ ، عن عيون أخبار الرضا عليه السلام ١/٢٤٨ [وفي طبعة ١/٢٥٢] ـ أيضا ـ.

وإليك فهرستا بمصادر جملة من الروايات الواردة في فضل زيد رحمه اللّه :

منها : ما جاء في كفاية الأثر للخزّاز : ٣٢٧ (طبعة إيران سنة ١٣٠٥) ، وحكاه في بحار الأنوار ٤٦/١٩٨ ـ ٢٠٠ حديث ٧٢.

وعدّة روايات أوردها الشيخ الصدوق في كتابيه الأمالي وعيون أخبار الرضا عليه السلام ، منها : في العيون ١/٢٥١ ، والأمالي : ٤٠ ، وعنه في بحار الأنوار ٤٦/١٦٨ حديث ١٤ ، وفي أمالي الشيخ الصدوق ١/٢٤٩ ، وحكاه عنه في بحار الأنوار

٣١٨

فإنّه نصّ في أنّ الخروج مع زيد محكّم للعدالة ومقوّ لها ، لا أنّه مناف لها ، ويأتي في ترجمة زيد (١) إن شاء اللّه تعالى ما يزيدك اطمئنانا بما ذكرنا.

__________________

٤٦/١٧٠ ـ ١٧١ حديث ١٩ ، وفي الأمالي أيضا : ٣٣٥ و ٣٣٦ روايات أوردها عنه في بحار الأنوار ٤٦/١٧٠ حديث ١٦ ، وصفحة : ٣٩٢ ، وكذا صفحة : ٣٤٩ من الأمالي وبعضها في العيون ١/٢٥٢ ، وكلاهما جاء في بحار الأنوار ٤٦/١٧١ حديث ٢٠ .. وغيرها كثير جدا.

وزبدة الخاض ما ذهب إليه الشيخ المفيد رحمه اللّه في الإرشاد ٢/٢٢ ـ ٢٣ (الطبعة المحقّقة) ـ وحكاه عنه العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار ٤٤/١٦٥ حديث ٣ ـ حيث قال : وخرج زيد بن الحسن رضي اللّه عنه من الدنيا ولم يدّع الإمامة ولا ادّعاها له مدّع من الشيعة ولا غيرهم ، وذلك أنّ الشيعة رجلان : إمامي ، وزيدي ، فالإمامي ؛ يعتمد في الإمامة على النصوص ، وهي [موروثة] معدومة في ولد الحسن [عليه السلام] باتفاق ، ولم يدع ذلك أحد منهم لنفسه فيقع فيه ارتياب ..

والزيدي ؛ يراعي في الإمامة بعد علي والحسن والحسين عليهم السلام الدعوة والجهاد ، وزيد بن الحسن رحمة اللّه عليه كان مسالما لبني أمية ومتقلدا من قبلهم الأعمال ، وكان رأية التقية لاعدائه ، والتألّف لهم والمداراة ، وهذا يضاد عند الزيدية علامات الإمامة ..

(١) تنقيح المقال ١/٤٦٧ ـ ٤٧١ [من الطبعة الحجرية ، وفي الطبعة المحقّقة ٢٩/٢٣٥ ـ ٢٧٢ برقم (٨٨٠٨)].

أقول : أبو الحسين ؛ زيد بن علي بن الحسين .. ورد في جلّ كتب الرجال والتراجم ـ إن لم نقل كلّها ـ خاصة من الخاصة : وقد عاش مائة سنة ، وقيل : خمسا وتسعين ، وقيل : تسعين.

٣١٩

__________________

قال الدينوري في الأخبار الطوال : ٣٤٤ : إنّ خروجه كان في صفر سنة ١١٨ ، ووفاته سنة ١٢١ ، وفي إعلام الورى : ٢٥٧ ـ ٢٥٨ : قتل يوم الاثنين لليلتين خلتا من صفر سنة عشرين ومائة ، وكان سنه يوم قتل اثنين وأربعين سنة!

وقال في غاية الاختصار : ١٤٠ : قالوا : كان مقتله في سنة إحدى وعشرين ومائة ، وقيل : سنة عشرين ومائة ، وقالوا : كان سنه اثنين وأربعين سنة!

وحكى في كتاب سرّ السلسلة العلوية للبخاري : ٥٩ عن الواقدي : قتل زيد بن علي سنة إحدى وعشرين ومائة ، وقال محمّد بن إسحاق بن موسى الجواني : قتل على رأس مائة سنة وعشرين سنة وشهر وخمسة عشر يوما ، وقال الزبير بن بكار : قتل سنة اثنين وعشرين ومائة ، وهو ابن اثنين وأربعين سنة!

وقال في تهذيب التهذيب ٣/٤٠٦ [٣/٤٢٠] : توفّي زيد بالبطحاء على ستة أميال من المدينة سنة ١٢٠ ه‌ ، وحمل إلى البقيع. وقيل : في حاجز بين مكّة والمدينة.

وقد تعرّض لترجمته أبو الفرج الإصفهاني في عمدة الطالب : ٦٩ ـ ٧٠ ، وكذا في صفحة : ٢٧٤ حول الزيدية ، وكذا في سير أعلام النبلاء ٥/٣٨٩ ـ ٣٩١ برقم (١٧٨) ، والجرح والتعديل ٣/٥٦٨ ، ووفيات الأعيان ٥/١٢٢ و ٦/١١٠ ، وشذرات الذهب ١/١٥٨ ـ ١٥٩ ، وتاريخ ابن عساكر ٥/٤٦.

وانظر : المعارف لابن قتيبة : ٢١٦ ، ومقاتل الطالبيين : ١٢٧ ، والفرق بين الفرق : ٢٥ ، والكامل لابن الأثير ٢/٣٠٩ ، والتبيين في أنساب القرشيين : ١٣٢ ، وتاريخ الكوفة : ٣٢٧ ، وفوات الوفيات ١/١٦٤ ، وتاريخ اليعقوبي ٢/٣٢٦ ، وسرّ السلسلة العلوية لأبي نصر البخاري : ٥٦ ، وغاية الاختصار : ١٢٧ ـ ١٤٠ ، وعبّر عنه ب‌ : حليف القرآن ، ومثله في عمدة الطالب : ١٣١ .. وغيرها كثير.

ولاحظ : أعيان الشيعة ٧/٩٥ ـ ٩٦ ، وصفحة : ١٠٧ ، وصفحة : ١٣١ حول الزيدية ، وكذا في الغدير ٣/٦٩ ـ ٧٦ .. وغيرها كثير.

٣٢٠