• الفهرس
  • عدد النتائج:

الحجة الأولى : قوله تعالى : (لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ) (النساء ١٧٢) فهذا يقتضي أن تكون الملائكة أفضل من المسيح. ألا ترى أنه يقال : ان فلانا لا يستنكف الوزير من خدمته ، بل السلطان. ولا يقال : انه لا يستنكف السلطان من خدمته ، بل الوزير. فلما ذكر المسيح أولا ، ثم الملائكة ثانيا ، علمنا : أن الملائكة أفضل من المسيح.

والاعتراض عليها من وجوه :

الأول : ان محمدا عليه‌السلام أفضل من المسيح. ولا يلزم من كون الملائكة أفضل من المسيح ، كونهم أفضل من محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

الثانى : ان قوله تعالى : (وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ) صيغة لجمع ، وصيغة الجمع تتناول الكل وهذا يقتضي كون مجموع الملائكة أفضل من المسيح. فلم قلتم : انه يقتضي كون كل واحد من الملائكة أفضل من المسيح؟

والثالث : ان الواو فى قوله تعالى : (وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ) حرف العطف ، وهو مفيد الجمع المطلق ولا يفيد الترتيب ـ على ما ذكرناه فى أصول الفقه ـ وأما المثال الّذي ذكرتموه فليس بحجة. لأن الحكم الكلى لا يثبت بالمثال الجزئى ، ثم انه معارض بسائر الأمثلة كقولك : «ما أعاننى على هذا الأمر ، لا زيد ولا عمر» وهذا لا يفيد كون المتأخر فى الذكر أفضل من المتقدم. ومنه قوله تعالى : (وَلَا الْهَدْيَ ، وَلَا الْقَلائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ) (المائدة ٢) ولما اختلفت الأمثلة ، امتنع التعويل عليها.

ثم التحقيق فى هذه المسألة : أنه اذا قيل : هذا العالم لا يستنكف الوزير من خدمته ولا السلطان. فنحن نعلم بعقولنا : أن السلطان أعظم درجة من الوزير ، فعلمنا : أن الغرض من ذكر الثانى هو المبالغة. وهذه المبالغة انما عرفناها بهذا الطريق ، لا بمجرد الترتيب فى الذكر.