ثم نرجع إلى سياقة الخبر في مقتل يحيى بن عبد الله.
قالوا : ثم جمع له الرشيد الفقهاء وفيهم : محمد بن الحسن (١) صاحب أبي يوسف القاضي ، والحسن بن زياد اللؤلؤي (٢) ، وأبو البختري وهب بن وهب ، فجمعوا في مجلس وخرج إليهم مسرور الكبير بالأمان ، فبدأ محمد بن الحسن فنظر فيه فقال : هذا أمان مؤكد لا حيلة فيه ـ وكان يحيى قد عرضه بالمدينة على مالك ، وابن الدّراوردي (٣) وغيرهم ، فعرفوه أنه مؤكد لا علة فيه.
قال : فصاح عليه مسرور وقال : هاته ، فدفعه إلى الحسن بن زياد اللؤلؤي فقال بصوت ضعيف : هو أمان.
واستلبه أبو البختري وهب بن وهب فقال : هذا باطل (٤) منتقض ، قد شق عصا الطاعة وسفك الدم فاقتله ودمه في عنقي.
فدخل مسرور إلى الرشيد فأخبره فقال له : اذهب فقل له : خرقه إن كان باطلا بيدك ، فجاءه مسرور فقال له ذلك فقال : شقّه يا أبا هاشم.
قال له مسرور : بل شقه أنت إن كان منتقضا.
فأخذ سكينا وجعل يشقه ويده ترتعد حتى صيّره سيورا ، فأدخله مسرور على الرشيد فوثب فأخذه من يده وهو فرح وهو يقول له : يا مبارك يا مبارك ، ووهب لأبي البختري ألف ألف وستمائة ألف ، وولاه القضاء ، وصرف الآخرين ، ومنع محمد بن الحسن من الفتيا مدة طويلة ، وأجمع على إنفاذ ما أراده في يحيى بن عبد الله.
قال أبو الفرج الأصبهاني :
وقد اختلف في مقتله كيف كان : فحدثني جعفر بن أحمد الوراق (٥) ، قال :
__________________
(١) كان الرشيد ولّاه القضاء ، وخرج معه في سفره إلى خراسان فمات بالري سنة تسع وثمانين ومائة ، ترجمته في تاريخ بغداد ٢ / ١٧٢ ـ ١٨٢ وابن خلكان ١ / ٤٥٣ ـ ٤٥٤.
(٢) تولى القضاء بعد وفاة القاضي حفص بن غيّاث في سنة أربع وتسعين ومائة ، وتوفي سنة أربع ومائتين ، وترجمته في تاريخ بغداد ٧ / ٣١٤ ـ ٣١٧.
(٣) هو أبو محمد عبد العزيز بن محمد عبيد الجهني المدني الدراوردي ، توفي سنة تسع وثمانين ومائة كما في خلاصة تذهيب الكمال ٢٠٤ وتذكرة الحفاظ ١ / ٢٤٨ والمعارف ٢٢٤.
(٤) الطبري ١٠ / ٥٧ وابن الأثير ٥ / ٤٥.
(٥) في الخطية «فحدثني علي بن إبراهيم العلوي قال حدثنا محمد بن إبراهيم قال : حدثنا أحمد بن يحيى ...».