ويمكن المناقشة في هذا الفرق ، فإنّ الذات التي هي متعلّق الفعل المأمور به لابدّ أن يكون وجودها الخارجي شرطاً في فعلية ذلك الوجوب ، غايته أنّه في القضية الانحلالية الحقيقية يكون وجود كلّ شخص شرطاً في فعلية الحكم المتعلّق به ، وفي القضية التي يكون الموضوع فيها هو فرداً ما يكون وجود صرف الطبيعة شرطاً في فعلية أصل الحكم. ولعلّ ما أفاده من الفرق الذوقي بين الأُولى والثانية في وجوب الفحص في الثانية دون الأُولى ناشٍ عن أنّ وجود صرف الطبيعة يكون غالباً معلوماً ، فيكون تحقّق موضوع أصل الحكم معلوماً ، وهذا المقدار من العلم يكون موجباً لتنجّز التكليف وتوجّه المكلّف إلى الخروج عن عهدته وتطلّب مصداقه ، ليتحقّق باكرامه الفراغ عمّا علم اشتغال ذمّته به ، بخلاف القضية الأُولى التي يكون فيها كلّ مصداق موضوعاً مستقلاً للتكليف الخاصّ به.
وعلى أي حال ، فإنّ ما التزم به من أنّه لو لم يوجد صرف الطبيعة من العالم وأمكن إيجاده بالتعليم وجب ، لا يخلو من غرابة ، وأساسه هو اعتقاد كون وجود العالم في مثل أكرم عالماً مقدّمة وجودية واجبة التحصيل من باب مقدّمة الواجب المطلق. وقد تقدّم الكلام (١) على صورة الاضطرار إلى غير المعيّن في مسألة الشبهة الوجوبية عند الكلام على ذلك في الشبهة التحريمية ، ونقلنا هناك ما قيل أو يمكن أن يقال ، فراجع.
وعلى أي حال ، فإنّي لم أجد في كلمات الشيخ قدسسره في مسألة العلم الاجمالي في الشبهات الوجوبية تعرّضا لمسألة الاضطرار إلى ترك بعض الأطراف المحتملة الوجوب ، إلاّما أفاده في آخر التنبيه الخامس الذي عقده للشبهة الوجوبية غير المحصورة ، بعد أن اختار فيها لزوم الجري على طبق العلم
__________________
(١) في الصفحة : ١٢٥ وما بعدها.