ولكن وجوب الاجتناب عن النجس إنّما يكون ضررياً قبل الارتكاب بواسطة الجهل بعينه وتردّده بين الطرفين ، الموجب بحكم العقل لاجتنابهما ، وحينئذ يكون ذلك الوجوب الواقعي بواسطة انتهائه إلى الاجتناب عن الاثنين ضررياً عليه ، لكن لا يرتفع بقول مطلق ، بل في خصوص حال كونه ضررياً وهي ما لو لم يرتكب البعض ، وذلك عبارة أُخرى عن قولنا إنّ النجس لو كان هو الآنية الصغرى لكان وجوب الاجتناب عنها مع فرض كونه مجتنباً عن الكبرى باقتضاء العلم الاجمالي ضررياً عليه فيكون مرتفعاً. وحاصله : هو أنّه عند ارتكاب الكبرى يلزمه الاجتناب عن الصغرى لو كانت هي النجسة ، وهكذا الحال من ناحية الكبرى ، ويكون الحاصل هو علمه الاجمالي بأنّه إمّا يجب عليه الاجتناب عن الكبرى عند ارتكابه للصغرى ، وإمّا أن يجب عليه الاجتناب عن الصغرى إن ارتكب الكبرى ، وهذا العلم الاجمالي حاصل قبل ارتكابهما ، لكنّه لا يوجب الترخيص في كلّ منهما نظراً إلى حصول شرطه ، بدعوى أنّه يعلم بأنّه مرخّص في هذه على تقدير ترك تلك وفي تلك على تقدير ترك هذه ، وحينئذ فعند تركهما يكون مرخّصاً في كلّ منهما ، فإنّ ذلك خلاف العلم الوجداني الحاصل قبل ارتكابهما ، فإنّه في ذلك الحال يعلم بأنّ أحدهما نجس يجب عليه اجتنابه.
نعم ، إنّه في ذلك الحال مرخّص في أحدهما على البدل ، وهو معنى الترخيص في أحدهما المقيّد بترك الأُخرى ، وقد حقّق في محلّه (١) أنّ الترخيص وغيره من الأحكام المشروطة لا ينقلب إلى الاطلاق عند وجود شرطه ، فإنّ الترخيص في هذه على تقدير ترك تلك لا يكون ترخيصاً مطلقاً إن وجد شرطه ، وكذلك الترخيص في تلك ، بل هو قبل ارتكابهما متوجّه إليه أحد الترخيصين ،
__________________
(١) راجع المجلّد الثالث من هذا الكتاب ، الصفحة : ٣١٧ وما بعدها.