هويته ، إلاّ أنه من الممكن أن يقال إن الطلب الناشئ عن المصلحة القوية هو الوجوب الشرعي والناشئ عن المصلحة الضعيفة هو الندب ، على تأمل في ذلك ، إذ مع وحدة الطلب وبساطته لا وجه لكون الأول وجوبا والثاني ندبا ، فتأمل.
قوله : توضيح ذلك أن الوجوب لغة بمعنى الثبوت ... إلخ (١).
يمكن التأمل في ثبوت كون الوجوب لغة بمعنى الثبوت (٢) ، وأيّ داع لهذه الدعوى ، أفلا يكفينا أن نقول إن الوجوب بمعنى اللزوم ، أما نفس الفعل المأمور به كالصلاة مثلا فليس انطباق الوجوب عليها من جهة انطباق الاطاعة عليها ، لأنّ ذلك إنما هو في الوجوب العقلي بمعنى اللزوم العقلي ونحن نتكلم في الوجوب الشرعي.
والحاصل : أنّ الذي يظهر من هذه الجمل هو أنّ الوجوب المبحوث عنه هو الوجوب العقلي الذي يكون بمقتضى لزوم الاطاعة ، ولازم ذلك أنّ المندوب ما حكم العقل بجوازه بمعنى أنّ ما يدل عليه الدليل المنفصل هو جواز الترك عقلا مع فرض عدم تفاوت في الطلبين لا من حيث الشدة والضعف ولا من حيث التركب ، وأنه لا منشأ لذلك اللزوم العقلي ولا لذلك الجواز العقلي إلاّ كون المصلحة في الأول مصلحة ملزمة وفي الثاني غير ملزمة ، وواضح أنّ ذلك خلاف ما استقرت عليه كلمتهم من كون الوجوب والاستحباب من الأحكام الشرعية دون الأحكام العقلية التي هي عبارة عن وجوب الاطاعة. وكيف يمكن القول بأنّ هذا الطلب الشرعي واجب
__________________
(١) أجود التقريرات ١ : ١٤٤.
(٢) لاحظ تاج العروس ١ : ٥٠٠ مادة وجب ، فانه حكى ذلك عن التلويح ، ولاحظ لسان العرب ١ : ٧٩٣.