والذي يظهر أو اللازم من هذه التحارير هو إنكار الوجوب الشرعي أو الندب الشرعي ، إذ ليس لنا ممّا هو المجعول للشارع إلاّ الطلب وهو واحد لا يختلف ، وانما تختلف مصلحته شدة وضعفا ، فذو المصلحة الشديدة يحكم العقل بلزوم إطاعته بخلاف ذي المصلحة الضعيفة ، وأنّ الطلب بنفسه قاض بحكم العقل بلزوم الاطاعة ، إلاّ إذا قامت قرينة على أنه لا تلزم إطاعته ، فتكون هذه القرينة كاشفة عن كون مصلحته ضعيفة.
ويمكن التأمل في ذلك أوّلا : بأنّه خلاف ما استقر عليه الأصحاب بل الكل ، من كون الوجوب والندب من الأحكام الشرعية.
أنّ حكومة العقل بلزوم الاطاعة ليس المدار فيها على المصلحة وإنّما المدار على الطلب ، فما لم يكن الترخيص حكما شرعيا لا يسوّغ العقل الترخيص لمجرد ضعف المصلحة مع فرض تحقق الطلب من المولى (١).
ورابعا : أنا لو سلّمنا وحدة الطلب فيهما وأن الاختلاف في المصلحة ، لم يكن ذلك موجبا لانكار كون الوجوب حكما شرعيا وكذلك الندب ، بل يكونان حكمين شرعيين مجعولين بسيطين متباينين ، وعنهما ينشأ البعث المجرد في الأول والمقرون بالترخيص في الثاني. ولو كان المجعول أوّلا هو البعث وكانا منتزعين منه ، أمكن القول بأنّ البعث في الأول كاف في المصلحة ، بخلاف الثاني فانّه يحتاج البعث فيه إلى ضم الترخيص كما عرفت.
وخامسا : أنّه لو كان الأمر كما أفاده قدسسره فلا داعي لانكار شرعية الوجوب ، لامكان أن يقال إن الطلب وإن كان بسيطا وكان واحدا لا تعدد في
__________________
(١) [ لم يذكر ثانيا وثالثا فلاحظ ].