ووجه عدم المنافاة ، أنّ الظاهر أنّ ذلك النزاع في صحة الحكم والقضية بحسب المعنى والعقل ، إذ لا يعقل الحكم على ما لا يمكن اتصافه بعنوان الانسانية في قولك : الانسان كاتب أو ضاحك ، ولا تجري المحاورة على شيء يمتنع اتصافه بوصف الانسانية مثلا. فالامكان هو القدر المتيقن فلا حاجة إلى فرض تحقق النسبة في زمان في صحة الحكم والقضية كما أفاده الشيخ. وذلك لا ينافي أن تكون العبارة الدالة على ثبوت عنوان الموضوع أو المحمول ظاهرة في الفعلية أو في غيرها كما هو المطلوب بالنزاع في المقام كما هو ظاهر على المتأمل.
والحق في المقام أنّ النزاع المذكور أيضا من الأبحاث اللفظية المتعلقة بتعيين مدلول اللفظ الواقع موضوعا في القضية كما يظهر ممّا أورده شارح المطالع في بيان الخلاف الواقع بين الشيخ والفارابي ، وما اختاره الشيخ في تلك المسألة هو بعينه ما اختاره المحققون في المقام من توقف الصدق على التلبس الفعلي ، وإن فرض ذلك قبل زمان التلبس أو بعده لكن الاطلاق باعتبار زمان التلبس ، قال بعد ما بيّن المراد من الامكان : ثم إنّ الفارابي اقتصر على هذا الامكان ، وحيث وجده الشيخ مخالفا للعرف زاد قيد الفعل ، لا فعل الوجود في الأعيان ، بل ما يعم الفرض الذهني والوجود الخارجي ، فالذات الخالية عن العنوان يدخل في الموضوع إذا فرضه العقل موصوفا به بالفعل ، مثلا إذا قلنا كل أسود كذا ، فيدخل في الأسود ما هو أسود في الخارج أو ما لم يكون أسود ويمكن أن يكون أسود إذا فرضه العقل أسود (١) ، انتهى. وهو بعينه هذا النزاع اللفظي وإلاّ فلا وجه لقوله :
__________________
(١) شرح المطالع : ١٣٥.