ثم لا يخفى أنّ أصل الاشكال هو أنّ المعاملات هل يشملها النزاع في الصحيح والأعم أو لا؟ وأنه بناء على كونها أسماء للمسببات لا يشملها النزاع المذكور لعدم اتصافها بالصحة والفساد ، وإنّما تتصف بالوجود والعدم على ما افيد في الكفاية (١) ، وبناء على كونها أسماء للأسباب تكون داخلة في حريم هذا النزاع ، وكان حاصل الاشكال أنّه بناء على القول بالصحيح فيها لا بد من القول بسقوط التمسك بالاطلاقات الواردة في المعاملات كما
__________________
الشك في حدوث التخفيض بشرب الدواء الفلاني فلا يرجع فيه إلى العرف ، إذ ليست المسألة حينئذ مسألة شك في حد المفهوم ، وإنّما هي شك في الوجود ، ولا يكون العرف في مثله إلاّ شاهدا على ما لا يكون محسوسا عنده ، فلا يكون قوله معتبرا في ذلك حتى من باب الشهادة بالوجود.
ثم بعد ذلك نقول : إنّه يمكن دفع الاشكال بالمنع من كون المسألة من باب الأسباب والمسببات بل هي من باب الفعل بالآلة ، فالعقد يكون آلة في إيجاد البيع في صقعه الانشائي ، ويتنوع البيع الذي ينوجد في صقع الانشاء بتنوع آلته ، ويمكن التمسك بالاطلاق على عدم اعتبار تقيّده بآلة خاصة ، وهذا بخلاف باب الأسباب والمسببات فانّ المسبب لا يتنوع بتنوع سببه بل لو تعددت أفراد أسبابه يكون واحدا ، ويكون المسبب والسبب أيضا واحدا لرجوع الأسباب إلى القدر الجامع ، فان كان السبب صحيحا كان المسبب موجودا وإلاّ لم يكن موجودا ، فنحن إذا شككنا في صحة السبب فقد شككنا في وجود المسبب فلا معنى للتمسك باطلاق المسبب.
وكأن الشيخ في المكاسب قد سلك هذا المسلك الذي أشار إليه شيخنا قدسسره ، وقد عرفت أنه بناء عليه يمكن التمسك بالاطلاقات بناء على كون الموضوع له هو الأعم من الصحيح والفاسد من دون حاجة إلى التشبث بما في الكفاية [ كفاية الاصول : ٣٣ ] من تنزيل الدليل الشرعي على طريقة العرف ، لكن الشيخ قدسسره اقتصر على ذلك دون دعوى كون الموضوع له هو الأعم ، لأنه بصدد تصحيح ما عن الشهيد [ القواعد والفوائد ١ : ١٥٨ ] من كون الموضوع له هو الصحيح ، ومع ذلك يمكن التمسك بالاطلاق لأنّ الطريق حينئذ منحصر بما في الكفاية فلاحظ.
(١) كفاية الاصول : ٣٢.