ولكن من الواضح أنّ ذلك يستلزم خلاف الظاهر من جهتين : الاولى : أنّ التقييد المذكور خلاف الظاهر جداً فيحتاج إلى قرينة. الثانية : أنّ حمل الأمر في طرف المطلق على التخيير خلاف الظاهر فلا يمكن الأخذ به بدون قرينة.
وإن شئت قلت : إنّ هذا التخيير نتيجة التقييد المزبور ، فانّه مضافاً إلى أنّه بنفسه خلاف الظاهر يستلزم خلاف الظاهر من هذه الناحية أيضاً ، ولأجل ذلك لا يمكن الأخذ به.
وأمّا الثاني : وهو ما إذا لم يسقط التكليف بالمطلق بالاتيان بالمقيد ، فأيضاً لا يمكن المساعدة عليه ، وذلك لأنّه لا بدّ حينئذ من تقييد الأمر بالمطلق بغير هذه الحصة ، وإلاّ فلا موجب لعدم سقوطه بالاتيان بالمقيد بعد فرض انطباقه عليه انطباق الطبيعي على حصته. ومن المعلوم أنّ التقييد خلاف الظاهر فيحتاج إلى قرينة ، ولا قرينة في المقام على ذلك وبدونها فلا يمكن.
فالنتيجة : أنّه لا يمكن الأخذ بشيء من هذه الوجوه الثلاثة فيتعين حينئذ الوجه الأوّل ، وهو حمل المطلق على المقيد.
إلى هنا قد استطعنا أن نخرج بهذه النتيجة : وهي أنّه إذا علم من الخارج تعدد التكليف فالمتعيّن هو الوجه الرابع ، وأمّا إذا لم يعلم تعدده وإن احتمل فالمتعيّن هو الوجه الأوّل ، لما عرفت من عدم مساعدة الدليل على بقية الوجوه ، هذا تمام الكلام في الموضع الأوّل.
وأمّا الموضع الثاني : وهو ما إذا كان الحكم متعلقاً بمطلق الوجود يعني أنّ الحكم يكون انحلالياً كما في قوله تعالى : ( وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ )(١) و ( تِجارَةً عَنْ
__________________
(١) البقرة ٢ : ٢٧٥.