مثلاً انتفاء شخص وجوب الاكرام المنشأ في قولنا : إن جاءك زيد فأكرمه بانتفاء المجيء الذي هو من حالات الموضوع وقيوده عقلي ولا صلة له بدلالة القضية الشرطية على المفهوم أصلاً ، ضرورة استحالة بقاء المعلّق بدون المعلّق عليه ، ومن هنا لو لم نقل بدلالتها على المفهوم أيضاً انتفى هذا الوجوب الخاص بانتفاء ما علّق عليه وهو المجيء في المثال.
فالذي يصلح أن يكون محلاً للنزاع ومورداً للكلام بين الأصحاب إنّما هو دلالة القضية الشرطية على انتفاء فرد آخر من هذا الحكم عن الموضوع المذكور فيها عند انتفاء الشرط وعدم ثبوته ، ومن الطبيعي أنّ الحكم لو ثبت له في هذه الحالة ـ أي حالة انتفاء الشرط ـ لا محالة كان حكماً آخر غير الحكم الثابت له عند ثبوت الشرط ، غاية الأمر أنّه من سنخه ، ومن المعلوم أنّ ثبوت هذا الحكم له في تلك الحالة وعدم ثبوته كلاهما أمر ممكن بحسب مقام الثبوت ، والكاشف عن عدم ثبوته وانتفائه في مقام الاثبات إنّما هو دلالة القضية الشرطية على المفهوم.
فالنتيجة في نهاية المطاف : هي أنّ المفهوم عبارة عن انتفاء سنخ الحكم المعلّق على الشرط ، لا انتفاء شخص هذا الحكم ، فانّه كما عرفت أمر عقلي وضروري عند انتفاء المعلّق عليه وليس قابلاً للنزاع.
وعلى ضوء هذا البيان قد ظهر أنّه ليس انتفاء الحكم في باب الوصايا والأقارير والأوقاف وما شاكلها عن غير مواردها من باب الدلالة على المفهوم كما توهم ، بل نسب إلى الشهيد قدسسره في تمهيد القواعد (١) أنّه نفى الاشكال عن دلالة هذه القضايا على المفهوم بدعوى أنّها تدل على انتفاء
__________________
(١) تمهيد القواعد : ١١٠ ، القاعدة «٢٥».